أما بعد..
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى عملاً بأمره ووصيته للأولين والآخرين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
معاشر المؤمنين: جمعتكم هذه هي الجمعة اليتيمة في شهر رمضان، وبعد أيام قليلة تستقبلون شهراً كريماً وموسماً عظيماً، رحمة من الله بكم، يوم أن كان في سابق علمه أن أعمار هذه الأمة قصيرة، شرع لهم من العبادات ما ينافس فيه أهل هذه الأمة الأمم السابقة فيكونوا أكثر أعمالاً، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الأولون الآخرون، هم الأولون في الدرجات والبركات الآخرون في الزمان.
فيا عباد الله! لا أشك أن الواحد منكم لا يعلم فضل هذا الشهر وما فيه من الأجور العظيمة التي منَّ الله بها عليكم جميعاً.
لا أظن أن أحداً منكم يجهل أن من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
ولا أظن أن واحداً منكم يجهل أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الصيام لله والله يجزي به، وأن الأعمال مضاعفة والحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لله والله يجزي به، وليس لجزاء الله وفضله عدد ولا حساب، فهو الذي يوفي أجره وفضله لعباده المؤمنين بغير حساب.
ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الريان باب من أبواب الجنة، باب عظيم أعده الله للصائمين.
ولا نظن أن مسلماً يجهل أن هذا الشهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر.
ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الجنة تتزين لعباد الله المؤمنين، والله جل وعلا يقول لجنته: (يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة ويتحولوا إليك).
ولا نظن أن مسلماً يجهل أنه إذا دخل شهر رمضان، أغلقت أبواب النيران، وفتحت أبواب الجنان، وصفدت مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من بني آدم فيما سلف من الزمان.
فيا عباد الله: هذه أمور من الكتاب والسنة كلكم يعلمها، ولا نظن أن أحداً يجهلها، ولكن مع هذا كله لا نجد استجابة ولا نجد فرحاً أو نجد فرحاً يسيراً، والبعض قد يستقبل هذا الشهر وهو على كراهية وبغض لقدومه؛ لأنه يحرمه من ملذاته المحرمة وشهواته الباطلة.
يا عباد الله: اعلموا أن المنة لله عليكم يوم أن شرع لكم في اليوم والأسبوع والسنة عبادات مختلفة تتقربوا بها إلى رضوانه؛ لكي تبلغوا أعلى الدرجات من جنانه، وإلا فإن الله غني عن العباد أجمعين، ما خلقكم ليستكثر بكم من قلة، وما خلقكم ليستعز بكم من ضعف: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لقمان:26].
ومن الناس من حاسبوا أنفسهم قبل نزوله، وأعدوا أنفسهم تهيأً له، واستعدوا لاستقباله بكل ما يرضي الله جل وعلا، وكل عبادة تليق بهذا الشهر الكريم، فأول ذلك: الاحتساب في صيامه وقيامه. والاحتساب هو: فعل الشيء وقصد الأجر والثواب من عند الله جل وعلا فرحاً به وغبطة بنـزوله، لا تبرماً أو إكراهاً أو في حال من الكراهية أثناء القيام بهذه العبادة، وهذا جلي من قوله صلى الله عليه وسلم: (إيماناً واحتسابا) إيماناً أي: تصديقاً بفريضته، واحتساباً: أي: رغبة وطلباً وحباً واحتساباً للأجر والثواب من عند الله.
لا كما يفعله بعض المسلمين في هذا الزمان، يؤدون كثيراً من العبادات أداء التخلص وليس أداء الاحتساب، فتجده يجعل نفسه أمام الأمر الواقع، فهو مضطر لا محالة لصيام هذا الشهر، ويتمنى لو لم ينـزل به هذا الشهر، خلافاً لمن تراه يزيد في صدقاته وطاعاته؛ شكراً لله أن بلَّغه هذا الشهر، وأن جعله بنزول هذا الشهر من الأحياء الذين يدبون على وجه هذه الأرض؛ لكي يفوز مع الصائمين والقائمين بالأجر العظيم.
فهذه عبادة تخلص وليست عبادة احتساب، ففرقوا في هذه المسألة فالفرق واضح، والبون شاسع، وشتان بين أجر هذا وأجر أو وزر ذاك، شتان بين من يصوم احتساباً وغبطة وفرحاً، وبين من يصوم كراهية، وإنما يصوم وقوفاً أمام الأمر الواقع، وإن كان التخلص أصبح السمة لبعض المسلمين في عباداتهم، فتراه يكبر في الصلاة ويركع ويرفع ويسجد ويسلم، لا يفقه ولا يدري، ولا يعي ولا يتدبر، ولا يخشع ولا يخضع في صلاته، فهذه عبادة تخلص، وليست عبادة لذة واجتهاد واحتساب إلى ما عند الله.
كذلك الذين يصومون هذا الشهر في نوم طويل في النهار، مع ضياعٍ للمفروضات، وسهر عجيب بالليل مع جلوس أمام الأفلام والشاشات والمسلسلات وتتابع الحلقات، وهذا شأنهم، يعدون مائدة السحور ويتهيئون لمائدة الإفطار وما بينهما فهو نوم أو سهر على ما يسخط الله جل وعلا، والأعجب من ذلك -أيها الأحبة- أن بعضهم يمسك عما أباح الله ويفطر على ما حرمه الله جل وعلا.
نعم. شرع الله أن نمسك عن المباحات كالنكاح والطعام والشراب وغير ذلك من سائر المفطرات، فالذين يصومون صوم التخلص يمسكون عن المباحات، لكنهم منذ أن يصبحون إلى أن يفطرون وهم على فطر ما انقطعت نفوسهم عن الإفطار على المحرمات خاصة بعد صلاة العصر، وليبلغ الشاهد الغائب ما نراه من خلو المساجد من الصائمين.. أين الصائمون؟ أين التالون لكتاب الله؟ أين المعتكفون؟
تجد كثيراً من المسلمين أمام الأفلام والمسلسلات والحلقات، أهذه عبادة؟ أهذه فرحة صائم ينتظر بعد لحظات أو سويعات أن يفرح فرحتين، فرحة فطره، وفرحة لقاء ربه؟ أهذه عبادة يا عباد الله من طلوع الشمس إلى زوالها أو إلى قرب العصر، والبعض تجده في نوم عميق وسبات وغطيط، فإذا صلى العصر في بيته أو مع الجماعة سحب أذيال الهزيمة بأقدام ثقيلة يعود إلى بيته لينظر هذه الأفلام والمسلسلات؟ ما هذا التناقض الذي يعيشه كثير من المسلمين في عبادتهم؟ أتصوم عما أباح الله من الطعام والشراب، وتفطر على ألوان صور النساء، وعلى مقاطع الموسيقى؟ أم تفطر على ما حرم الله جل وعلا؟
أي خداع نفسي نمارسه على نفوسنا؟ وأي غفلة نقع فيها؟ وأي استهتار؟ وأي تخلص من هذه العبادة نقضي به وقت الصيام على أي وجه كان، سواء على مرضاة الله أو على سخطه، على ما أحب أو ما شرع، على ما نهى أو ما زجر، لا والله بل إن الكثير منهم يقضون العبادة على ما زجر ونهى، ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تقلب عينيك في صورة امرأة؟ ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تتمتع جهلاً أو شيطنة بمقاطع الغناء واللهو؟ أتظن بعد هذا أن هذه عبادة ترفع؟ أم تظن أنك تنال بها أعلى الدرجات عند الله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ [الجاثـية:21]؟
أيستوي أهل الطاعة وأهل المعصية، وإن كانوا مع أهل الطاعات في ظاهر شكلهم وألوانهم في وقت الإمساك ووقت الإفطار؟ حاسبوا أنفسكم -يا عباد الله- وقدموا أعمالاً ترجونها عند الله جل وعلا، فلو كنت مديراً عاماً، أو رئيساً لدائرة أو مسئولاً عن قسم، ثم تابعت موظفيك في عمل من الأعمال لتنظر تقارير إنجازهم وأعمالهم، ورأيت عملاً مختلطاً، وعملاً مرتجلاً، وعملاً مزيفاً، أو فيه زيادة ونقص، وفيه تقريب وإبعاد، وفيه ألوان مختلطة لرميت بتقريره في وجهه، وقلت: أهذا عمل يستحق الموظف عليه راتبه، أو يستحق أن يكون في شرف الخدمة المدنية، أو يستحق أن يكون من الذين يحسبون على الطاقات العاملة في المجتمع؟ فلله المثل الأعلى.
أشاهد هذا بعيني في رمضان، وأشاهده في حج بيت الله الحرام، تجد الناس يطوفون كالمجانين، ويسعون ويرمون الجمرات كالمجانين، ويؤدون المناسك على حال عجيبة وغريبة، لا يستشعرون لذة النسك، ولا يستشعرون لذة المشاعر والمناسك، أين عبادة الرضا وعبادة الاحتساب والتقرب إلى الله جل وعلا؟
فتعبدوا إلى الله عبادة خالصة طيبة، واعلموا أن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا تحقق فيها أمران:
أولها: المحبة.
وثانيها: الذلة.
المحبة لله ولما شرع، والمحبة لعبادته، والمحبة له مع الذلة والانقياد. يقول ابن القيم في كافيته الشافية :
وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان |
وعليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى دارت الفلكان |
عباد الله: صوموا إلى الله صوم المحبين الخاضعين وتقربوا إلى الله تقرب المحبين الذليلين بين يديه؛ لكي تكون عبادة ترون أثرها في نفوسكم وسلوككم، قال صلى الله عليه وسلم: (آمين آمين، قال الصحابة: من يا رسول الله؟ فذكر منها من دخل عليه شهر رمضان وخرج ولم يغفر له) فما أكثر من دخل عليه شهر رمضان وزادت معاصيهم؛ لأن المعصية تضاعف بشرف الزمان والمكان، فليس الذي يعصي الله في سائر الأيام كمن يعصي الله في رمضان، وليس الذي يعصي الله في سائر البقاع كمن يعصي الله في بيته الحرام: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن وجوهكم الرقيقة وأبدانكم الضعيفة على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة: ما تقولون في رجل أراد أن يبني بناية عظيمة فاختار أرضاً هشة، واختار تربة طينية، ثم بدأ في وضع بنائه، فلما استقام بناؤه، أخذ يجلب المواد اللازمة لإنشاء هذه البناية مواداً منتهية ومخلطة وسقيمة وضعيفة، أتظنون أن بناءً كهذا يثبت على الأرض؟ أم تظنون أن أعمدة لهذا البناء ترتفع شاهقة في السماء؟ لا والله، بل الذي نجزم به جمعياً أن بناءً كهذا ستسيخ قوائمه، وستغوص قواعده في الأرض، ثم يصبح مدفوناً، كذلك هذه الأعمدة الباسقة ستتحطم بعد أيام قليلة وستتهشم؛ لأن المواد التي أحضرت له مواد سيئة رديئة.
فأسألكم الآن بالله ما تقولون فيمن أراد أن يبني عبادة الصوم على تربة هشة من المعاصي والسيئات، وسماع الغناء، وحلق اللحى، والإسبال وترك الأمور من غير غيرة لله ولرسوله، ومن ضياع لأسرته وقلة ذكرٍ لله وارتفاع لأصوات الشياطين في بيته، ثم يدخل رمضان ويظن أن واجبه أن يأتي بسيارة معبأة محملة بألوان الأطعمة ثم يفرغها في بيته يظن أن هذا واجبه؟ هكذا بدأ بناء الصيام والعبادة على تربة هشة من الأفلام والمسلسلات والحلقات المتتابعة، وألوان الغناء وأجهزة الطرب، وسفور وتبرج وإصرار على معصية الله جل وعلا حتى ولو في الصغائر.
البعض يقول: ما هذا التشدد فيكم؟ ما هذا التعقيد فيكم؟! حديثكم عن حلق اللحى وحديثكم عن إسبال الثياب والغناء وكذا وكذا، نعم تكون هذا صغائر يوم أن يتوب الواحد منها، يوم ألا يصر عليها، لكن لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، أليس من جرَّ ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة، وما أسفل من الكعبين ففي النار؟ أليس حلق اللحى من الأمور التي حرمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أليس سماع اللهو والملاهي وأصوات الشياطين من الأمور المحرمة وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6] ليجعله مكان كلام الله جل وعلا؟ أليس هذا محرماً؟ ما تقولون فيمن اختار اللهو والغناء والطرب وفضله واشتاقه ومال إليه على كلام الله وكلام رسوله؟ أبعد هذا يكون الغناء محل خلاف؟
إن بعض الناس يقومون ببناء عبادة الصيام على هذه التربة الهشة والضعيفة من ألوان المعاصي والمحرمات والمنكرات في نفسه وسلوكه، وتجارته وأعماله وبيته، وفي زوجه وأولاده وبناته.
وإذا سئل أحدهم جعل وقايته من النار فلاناً أو علاناً، وما ينجيك فلان يوم أن تكب على وجهك في نار جهنم إن مت من غير توبة، وإن لم يرحمك الله بأوبة؟
عباد الله: إن أقواماً يعدون العدة لهذا الشهر بالسحر والإفطار والنفقة من الربا الذي درهمٌ منه أيسر عند الله من ستة وثلاثين زنيه يزنيها الرجل بأمة.
الربا الذي توعد الله فاعله بحرب من الله ورسوله.
الربا الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، أبعد هذا يتجرأ مسلم على أن يطعم أولاده ويطعم زوجه وبنيه وبناته وينفق في هذا الشهر من الحرام.
مسكين ذلك الذي يتاجر بهذه الأفلام، تذهب غلته كلها جزء منها لموظفيه، وجزء في إيجاره، وجزء في مصارفه، وجزء للذين يمونونه بالأشرطة والأجهزة ويعود بقليل من الدريهمات ينفقها في حرام، ويلبس من حرام، ويصرف من حرام، ثم يرفع يديه مع المسلمين في رمضان يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له يا عباد الله! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
فيا أيها الأحبة: أنبني عبادة على أرض هشة من المعاصي والسيئات، أم نتزود على عبادة بأموال محرمة؟ أدعوكم ونفسي إلى الأوبة الصادقة إلى الله جل وعلا، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] والله جل وعلا يوم أن يذكر عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70].
فباب التوبة مفتوح، ولا أقول لكم تقنيطاً أو لنيئس من رحمة الله ومن توبة الله علينا، لا والله، لكن إذا أردنا أن نضع الخطوة الأولى والقدم الأول في هذا الشهر الكريم، فلتكن بدايته التوبة، فلتكن انطلاقتها التوبة من كل ما حرم الله، ومن كل ما زجر عنه رسول الله، والبراءة من أموال الحرام، البراءة من أموال الفيديو المحرمة وأموال التسجيلات الخليعة المحرمة، وأموال الربا، والمكاسب المشبوهة.
أسأل الله جل وعلا أن يجعل حظنا من صيامنا وقيامنا أوفر الدرجات من رضوانه، وأعلى الحظوظ في جنانه.
اللهم اهد المسلمين أجمعين، اللهم تب علينا مع التائبين، اللهم اجعل هذا الشهر الكريم علينا توبة صادقة بين يديك يا رب العالمين.
اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت ونحن عبيدك بنو عبيدك، نبوء لك بنعمك علينا، ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم إنك كنت غفاراً فاغفر لنا يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا إصرارنا وعلمنا وجهلنا وتفريطنا، وحوبنا، وتقصيرنا، وهزلنا وجدنا، وعمدنا وغفلتنا، وما أنت أعلم به منا.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم حبب إلينا ما شرعت، وبارك لنا فيما أحللت، وكرهنا إلى ما حرمت يا رب العالمين.
اللهم خذ بأيدينا واعصمنا عن الحرام ووفقنا إلى الحلال يا رب العالمين، اللهم لا تجعلنا من الذين لا حظ لهم من صومهم إلا الجوع والعطش، ولا حظ لهم من قيامهم إلا التعب والسهر، اللهم اجعل قبول وقدوم هذا الشهر علينا توبة صادقة منا إليك، وتوبة منة ورحمة منك علينا يا رب العالمين.
اللهم اهد شبابنا ورجالنا وبناتنا وزوجاتنا، اللهم اهد أصحاب محلات الفيديو، اللهم امنن على قلوبهم بالتوبة، اللهم اهدهم يا رب العالمين.
يا عباد الله: أمّنوا في هذه الساعة المباركة، والله ما قلنا ما قلناه فيهم إلا شفقة عليهم وعلينا من عذاب الله، وخوفاً علينا وعليهم من سخط الله، ومن دليل محبتنا وإشفاقنا عليهم أن ندعو الله لهم بالهداية، اللهم اهدهم، اللهم كرهم إلى هذه التجارة المحرمة، اللهم بغض هذه التجارة إلى قلوبهم وارزقهم البراءة منها وممن يعمل فيها يا رب العالمين، اللهم اهدهم وأبدلهم يا رب أرزاقاً مباركة وتجارة مشروعة، اللهم اهدهم.
اللهم اهد أكلة الربا إلى الطريق المستقيم، اللهم كره إلينا وإليهم الربا، اللهم حبب إلى الجميع الإيمان وزينه في قلوبنا واجعلنا وإياهم من الراشدين، وكره إلينا وإليهم الكفر والفسوق والعصيان يا رب العالمين.
اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم اهده وإخوانه وأعوانه، فبهدايتهم هدايتنا، اللهم أصلحه وأصلح إخوانه وأعوانه فبصلاحهم صلاحنا، اللهم فلا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم من أراد بهم سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.
اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم فك أسرهم، اللهم ارحم أيتامهم، اللهم تلطف بعجائزهم وشيوخهم، اللهم أبدل خوفهم أمناً، وفزعهم طمأنينة، وجوعهم شبعاً، وعطشهم رياً يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
اللهم حرر المسجد الأقصى من اليهود، اللهم بارك في الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين ، اللهم اجعل أحجارهم قنابلاً في جماجم اليهود، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم بنصرك فإن المسلمين لا يعلمون عنهم إلا القليل، اللهم انصر المجاهدين في مورو والفليبين، اللهم انصر المجاهدين في جميع أنحاء الأرض يا رب العالمين.
اللهم صل على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر