إسلام ويب

الإسراء والانتفاضةللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • (ربح البيع أبا يحيى) كلمة تساوي الدنيا وما عليها، قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لمصعب بن عمير، لما باع أمواله في مكة وهاجر إلى المدينة، ليشتري رضا الله ورسوله. وما يجري على أرض فلسطين هو مشهد متكرر لبيع مصعب. وإن كان في الانتفاضة دماء تسال وأطفال تيتم ونساء ترمل، فهذا هو ضريبة العز، ولن يأتي العز إلا بثمنه، كيف وقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. (ربح البيع أبا يحيى).

    1.   

    الجهاد في أرض الإسراء

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أعز شعب فلسطين بالجهاد، الحمد لله الذي أعز العرب بجهاد فلسطين ، الحمد لله الذي أثبت بأطفاله وأبطاله ورجاله ونسائه وكباره وصغار فلسطين أن الإسلام هو الحق، وأن الجهاد هو الطريق، وأن الشهادة أسمى أماني المسلمين.

    أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها: أتقدم باسمكم إلى هذا الشعب الصابر المجاهد، فأقول: يا شعب فلسطين هنا وهناك، في القدس وعند الأقصى، وعلى كل شبر من أرض فلسطين، ليهنك شهرك الرابع، شهر الجهاد، حتى أدركت ليلة الإسراء والمعراج وأنت تجاهد، وقد قدمت من الشهداء ما قدمت.

    يا شعب فلسطين في كل مكان! تتشرف الإنسانية والبشرية أن الشعب الفلسطيني من الإسلام والمسلمين، رفعتم رءوسنا بعد ذل، وعز بكم الدين بعد زمن من الركود والقعود، وأثبت الجهاد أن المستقبل لهذا الدين، فنحمد الله سبحانه وتعالى أن أوجد من أبنائنا ونحن أحياء من يشبه أبناء ورجال الصحابة، قال تعالى: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4].

    أحبتي في الله: يسعدني كثيراً بعد عودتي من دولة الإمارات ، وشرفني الله هناك في مخيم كبير بعنوان: فلسطين والانتفاضة، حضره الكبير والصغير، وافتتحه حاكم دولة عجمان ، جزاه الله خيراً، وكان فيه سوق خيري، تنافس الناس على شراء ما فيه من أجل القدس والأقصى وفلسطين ، واجتمع الناس كباراً وصغاراً، مرضى وأصحاء، كلهم يجتمعون لمنبر الدفاع عن الأقصى، وليس هناك في الإمارات فقط، بل إن أذن الدنيا كلها الآن تصغي لصوت فلسطين ، سمع الدنيا البشرية كلها، مؤمنها وكافرها، ينام على ذكر فلسطين ، ويستيقظ على ذكر فلسطين .

    ولا تظنوا أن ذكرها الآن كذكرها في الماضي، ذكرها الآن يختلف اختلافاً كبيراً عما مضى.. تستيقظ البشرية اليوم على أطفال شهداء، وأجنة شهداء، وعجائز شهداء، وفتيان شهداء، دخول الرصاص إلى صدورهم أطيب إلى نفوسهم من شرب الماء البارد في وقت الصيف في الصحراء، لا أقول ذلك مبالغة، فوالله الذي يعرض علينا بالصور لا يساوي واحداً بالمائة من الحقيقة التي هي على أرض فلسطين ، ومع هذا شاهدنا معجزة، لولا أنهم بشر ونحن متيقنون أنهم بشر، لقلنا: أولئك جند الله من الملائكة نزلوا بصورة بشرية كما نزلوا في بدر وحنين ، يصرفهم الله كيف يشاء، يتلقون المدرعات في صدورهم، ويشمون الغازات السامة كأجمل ما يشم البخور، والأجنة تسقط من الأرحام فتنفجر كالقنبلة الذرية من الأرحام، فيولد في المستشفى الواحد سبعون ولادة، منها ثلاث إناث وسبعة وستون ذكراً، وخمسون ولادة في مستشفى آخر كلها ذكور، من الذي أوجد هذا؟ إنه الله، الذي يقول للعالم كله: مهما قتلتم واعتقلتم وشردتم وكفرتم وأبدتم أحاربكم بنطف الأرحام التي يصورها الله كيف يشاء.

    (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)

    أحبتي في الله! ضاقت مكة على النبي صلى الله عليه وسلم، أما خديجة التي كانت له أماً في الحنان، وأختاً في الدعوة، وزوجة في البيت، وابنة في الطاعة، توفاها الله وتركت ذريتها الطاهرة يرعاها محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان يحبها حباً عظيماً، توفيت في وقت هو في أمس الحاجة إلى وجودها كحاجة الشاب الفلسطيني الآن إلى حنان أمه، والزوج إلى طاعة زوجته، والمجاهد إلى نصرة أخته المجاهدة ولو بخبز رغيفٍ واحد بيدها المتوضئة، ومات عمه أبو طالب الذي كان يحميه، وأخذ الكفار يجرون أصحابه على النار والجمر المستعر، يمر عليهم ولا يملك لهم إلا وعداً واحداً لا يتغير: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).

    ونحن هنا نقول لأهل فلسطين الذين كسرت أضلاعهم وعظامهم، ورملت نساؤهم، وأجهضت حواملهم، نقول لهم: صبراً يا أهل فلسطين إن موعدكم الجنة، مهما أعطيناكم لن نكافئ قطرة دم شهيد، ولا دمعة عين يتيم، ولا زفرة امرأة تجهض، ولا حنين أم سلبوا أولادها واختطفوا بناتها واعتقلوا زوجها، والله لو جمعت الدنيا كلها فصارت لقمة فدفعناها في فم أرملة جوعى أو طفل في فلسطين جائع، والله ما نوفيه حق زفرة مجاهدة، أو نفس مبارك عند الأقصى.

    يا أهل فلسطين: إن لكم علينا المنة من بعد الله ورسوله، فمنتكم وديونكم وفضلكم في أعناقنا؛ لثباتكم وصبركم.. رفعتم رءوسنا وقد كانت أذلة.. ثبتم قلوبنا وقد كانت ترتجف.. رفعنا رءوسنا في العالمين يوم أن صاح أهل فلسطين: إننا مسلمون نجاهد تحت صيحة الله أكبر الله أكبر.

    تضيق مكة على النبي صلى الله عليه وسلم.. في أي بلد يكون عزاؤه؟ الدنيا كلها فيها منتجعات وشلالات وأنهار جاريه، وحدائق غناء، وأزهار وأطيار، وفيها وفيها ... فالأرض والسماء لله رب العالمين، ويختار أرض فلسطين ليعزي قلب محمد الجريح صلى الله عليه وسلم، لا توجد بقعة على الأرض تواسي نفسه المتعبة، وقلبه المكدود، وعينه الدامعة على خديجة، وحوله أعداؤه يتآمرون عليه الليل والنهار، لا يوجد على وجه الأرض بلد تحتضنه، فيحس فيها بالسكينة والطمأنينة فيكون أهلها أهله، وأحبابها أحبابه، حتى الأنبياء من قبورهم تفيض أرواحهم فيصلون خلفه، فيواسونه على تراب فلسطين وأرض فلسطين ، يحييها محمد ليلة في صلاة وقيام وتسبيح وتهليل.

    هناك هناك حيث الركعة ليست كركوعنا، والسجود ليس كسجودنا، والصبر ليس كصبرنا، والثبات ليس كثباتنا، إنه ليس عبثاً في الأزمات العظيمة التي مرت بها الدعوة الإسلامية في مكة في عام الحزن، في عام التآمر، في عام العذاب ليس عبثاً أن يكون العزاء لقلب محمد في أرض فلسطين.

    يوم أن كان الإسلام في غربته الأولى، والآن الإسلام في غربته الثانية، إن كانت فلسطين ساوت وواست قلب الحبيب فملايين القلوب الآن وفي هذه الليلة تريد ذلك الإسراء، ملايين القلوب في هذه الليلة تنتظر البراق، ملايين القلوب في هذه الليلة تريد أن تكون راكعة ساجدة في الأقصى.. والأقصى يأسره اليهود، والأقصى يرمي اليهود فيه قنابلهم، في هذه الليلة يشرفنا ويسعدنا أن نسري بأرواحنا إن لم نستطع بأقدامنا، فتلتقي قلوبنا بقلوب المجاهدين، وأرواحنا بأرواح الشهداء، لعل أحدنا ينام هذه الليلة فيرى رؤيا صالحة كأنه في محراب الأقصى، أو يمسح بيده على رأس يتيم، أو يقدم لقمة خبز إلى جائع.

    ما تدري ماذا سيحدث الله من أمر في هذه الليلة.. لعله في هذه الليلة يباهي أهل السماوات العلا، فيقول: انظروا إلى عبادي في القدس ، انظروا إلى عبادي في الأقصى، انظروا إلى عبادي في فلسطين كلها، أعداؤهم يجوعونهم، يعذبونهم، يهجرونهم، أتدرون أنهم يشبهون القرن الأول والجيل الأول، الذي أسريت بنبيهم إلى هناك في فلسطين.

    يومان متشابهان، وهجرة بهجرة

    أحبتي في الله: لقد ابتلى الله أصحاب محمد بالهجرتين إلى الحبشة وبالهجرة الثالثة إلى يثرب ، فصارت المدينة المنورة بهجرتهم المباركة، وابتلي الشعب الفلسطيني بهجرات وهجرات وهجرات، إنها علامة محبة الله، لا تظنوا أن التغريب عن الأوطان من غضب الله.. نعم، يكون على الكافرين من غضب الله، وعلى المسلمين منحة ربانية، لكم أسوة بـعمار ، ولكم أسوة بـأبي سلمة ، ولكم أسوة بـصهيب الذي خرج بثيابه وأصابه الرمد في الطريق، فوصل المدينة يتلمس الجدران، وما إن نزل على النبي حتى أعطاه قصعة تمر من الجوع يلقمها تمرتين تمرتين، والنبي يقول: (ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى ) والقرآن يتنزل على المهاجر، فماذا يقول؟ يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207].

    إن أهل فلسطين الآن يشرون؛ أي: يبيعون أنفسهم، يبتغون مرضاة الله رب العالمين، وإن كنتم يا أهل فلسطين ابتليتم بالتجويع والتعذيب والتقتيل، خبروني من مِن أصحاب محمد مات في موطنه؟ إنهم يعدون على الأصابع، أما معظمهم فقد استشهدوا خارج بلادهم، وخارج ديارهم جهاداً في سبيل الله.

    أحبتي! يا أهل فلسطين هنا وهناك! احمدوا الله على اختيار الهجرة لكم، احمدوا الله على اصطفائكم للجهاد في سبيله، احمدوا الله أن جعلكم من أهل القدس والأقصى وفلسطين ، إنه تشريف إلهي، يقول الله تعالى عن مسراه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1] ومن حوله؟

    حوله ذرية، حوله رجال، حوله نساء، حوله صابرون ومجاهدون، وتأتينا الأخبار الآن أن حكومة يهود تحاصرهم اقتصادياً، وتفرض عليهم التجويع، وتمنع البترول عن سياراتهم، إن البترول الذي يمنعونه عن سياراتهم بترول عربي، تصدره أمريكا وبعض دول عرب اليهود عن طريق مباشر أو غير مباشر، والآن يمنعونه الفلسطينيين حتى يموتوا من البرد، حتى تقف سيارات الإسعاف، حتى لا يذهب التلاميذ إلى المدارس، وأي مدارس؟!

    أغلق كل شيء، جوعوا وعذبوا، وكأن الله سبحانه وتعالى يبتلي أمة الإسلام والعرب فيقول: انظروا، حتى البترول الذي أوصلتموه إلى أعدائي برأت منه أوليائي، حرموا منه حتى يكمل الأجر ويثبت الثواب عند الله رب العالمين.. كأن الله يقول: يا أهل فلسطين! هذا البترول نجس وخبث لا تقربوه؛ لأنه معمور بأموال الربا.. كأن الله يقول لأهل فلسطين: دمروا محطات البترول هناك في فلسطين ، اجعلوها عليكم وعليهم ولا تبالوا.

    البترول سلاح لم نستخدمه

    إن الله جعل البترول سلاحاً بأيدينا، والله لو منعناه عن دول الغرب وأمريكا لماتوا من البرد والثلج، ولركعوا تحت أقدامنا، ولجاء شوزهم هذا والذي اسمه شوز ، والذي يتحرك من مكان إلى مكان ليأخذ البيعة على عملائه ويتوثق من عهوده معهم، لجاء راكعاً ذليلاً خاضعاً أمام سلاح البترول، ولا تعجبوا أحبتي في الله، فقد ركعت قريش أمام رجل واحد مسلم، اسمه ثمامة بن أثال الحنفي ، هذا الرجل أسره المسلمون وجاءوا به إلى المدينة ، وربطه النبي في سارية المسجد، وبعد ثلاثة أيام، وهو يكرمه ويسقيه من حليب ناقته، قال: ( ما عندك يا ثمامة ؟ قال: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، قال: فكوا وثاقه، إني قد عفوت عنك، فذهب واغتسل ثم عاد وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله يا رسول الله! إن وجهك أحب وجه إليَّ، وبلادك أحب الأرض إليَّ، ودينك أحب الأديان إليَّ، مرني يا رسول الله، قال: إنما أنت رجل واحد، فذهب ثمامة ، وطاف بالكعبة موحداً غير مشرك، ثم قال: يا معشر قريش! والله لا أعلم ما تقولون، ورب الكعبة ورب هذا البناء إن لم تؤمنوا بمحمد لأقطعن أرزاقكم وقوافلكم وميرتكم التي تمر على بلادي وقبيلتي ...).

    الله أكبر! فأصبحت قريش تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، خاصة أن الله ذكر فضله ونعمته عليهم، يوم أن قال تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4].

    والله يقول للدول الغنية في العالم العربي والإسلامي: لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيف [قريش:1-2] تحمل بواخر النفط ومنتجات البلاد، والمعادن والثروات التي تعج بها البلاد الإسلامية، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4].

    فلما عصت وكفرت سلط الله عليهم مسلماً واحداً، مر الشهر الأول فانتهى طعامهم.. أين القوافل؟ مقطوعة، حتى أكلوا العلهز؛ والعلهز هو وبر الناقة، يقطعون وبر وشعر الناقة ويخبزونه بالدم، ثم يشوونه في النار ويأكلونه من الجوع، حتى اصفرت وجوههم، وأصبح الجو كأن فيه دخان أمام أعينهم، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باكين، قريش بجبروتها تخضع للمدينة المنورة أمام رجل واحد! حصار اقتصادي واحد! قالوا : يا محمد! اكتب إلى ثمامة يخلي بين أرزاقنا وميرتنا، وقد أصابنا والجوع، ونحن أرحامك، وربك يوصيك بالرحم، فقد أكلنا العلهز، وأكلنا جلود الدواب، انظر إلى حالنا، فرق لهم النبي صلى الله عليه وسلم وكتب إلى ثمامة: (يا ثمامة، خلِّ بين قومي وبين ميرتهم)، ففتح عليهم الحصار الاقتصادي بعد أن أذلهم وأركعهم لمدينة الإسلام والإيمان.

    أين وعي الدول؟!

    أين وعي الأمم من وعي ثمامة؟!

    بدوي أعرابي، والله لو اتحدنا على قلب واحد، ورفسنا شوز الأمريكي؛ لعرفت أمريكا كيف تتعامل معنا، ولكن استقبلنا شوزهم في الأخضر، واحتفلنا به، وأعطيناه البيعة بعد البيعة، والميثاق بعد الميثاق، وجاء يتآمر لكي يجهض الانتفاضة في شهرها الرابع، وكلما ازدادت شهراً كبر الحمل، وهو يخاف المجرم، يخاف الشوز الأمريكي، يريد أن يرفس بطن فلسطين لكي يجهض الانتفاضة، ولكن هيهات هيهات! سيكمل الجنين، وسيكون بطلاً رجله في الأرض ورأسه في السماء، ويداه في قطبي الأرض، وأصابعه في عيون الطواغيت، فينطق الحجر والشجر ويقول: يا مسلم! يا عبد الله! وستردد أصواته الجبال والصخور والشجر والحجر وكل شيء.

    1.   

    انتفاضة فلسطين وأثرها على العباقرة والمفكرين

    أحبتي في الله: إن انتفاضة فلسطين المباركة علمت كثيراً من المفكرين والعباقرة كيف يكون الجهاد، وكيف يكون الحق.

    لقد قرأت قصيدة للشاعر أحمد مطر ، يثور على الشعراء الذين لا ينصرون الحق، ولا ينصرون الجهاد.. يقول:

    كفرت بالأقلام والدفاتر

    كفرت بالفصحى التي تحبل وهي عاقر

    كفرت بالشعر الذي لا يوقف الظلم ولا يحرك الضمائر

    لعنت كل كلمة لم تنطلق من بعدها مسيره

    ولم يخط الشعب في آثارها مصيره

    لعنت كل شاعر ينام فوق الجمل الندية الوتيره

    وشعبه ينام في المقابر

    لعنت كل شاعر يستلهم الدمعة خمرا

    والأسى صبابه

    والموت قشعريره

    لعنت كل شاعر يغازل الشفاه والأثداء والظفائر

    في زمن الكلاب والمخاطر

    ولا يرى فوهة بندقيه

    حين يرى الشفاه مستديره

    ولا يرى رمانة ناسفة حين يرى الأثداء مستديره

    ولا يرى مشنقة حين يرى الظفيره

    في زمن الآتين للحكم على دبابة أجيره

    أو ناقة العشيره

    لعنت كل شاعر لا يقتني قنبلة كي يكتب القصيدة الأخيره

    إن هذه القصيدة في حد ذاتها انتفاضة!

    شاعر المجون والغزل يمدح الانتفاضة

    إن الله جعل البترول سلاحاً بأيدينا، والله لو منعناه عن دول الغرب وأمريكا لماتوا من البرد والثلج، ولركعوا تحت أقدامنا، ولجاء شوزهم هذا والذي اسمه شوز ، والذي يتحرك من مكان إلى مكان ليأخذ البيعة على عملائه ويتوثق من عهوده معهم، لجاء راكعاً ذليلاً خاضعاً أمام سلاح البترول، ولا تعجبوا أحبتي في الله، فقد ركعت قريش أمام رجل واحد مسلم، اسمه ثمامة بن أثال الحنفي ، هذا الرجل أسره المسلمون وجاءوا به إلى المدينة ، وربطه النبي في سارية المسجد، وبعد ثلاثة أيام، وهو يكرمه ويسقيه من حليب ناقته، قال: ( ما عندك يا ثمامة ؟ قال: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، قال: فكوا وثاقه، إني قد عفوت عنك، فذهب واغتسل ثم عاد وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله يا رسول الله! إن وجهك أحب وجه إليَّ، وبلادك أحب الأرض إليَّ، ودينك أحب الأديان إليَّ، مرني يا رسول الله، قال: إنما أنت رجل واحد، فذهب ثمامة ، وطاف بالكعبة موحداً غير مشرك، ثم قال: يا معشر قريش! والله لا أعلم ما تقولون، ورب الكعبة ورب هذا البناء إن لم تؤمنوا بمحمد لأقطعن أرزاقكم وقوافلكم وميرتكم التي تمر على بلادي وقبيلتي ...).

    الله أكبر! فأصبحت قريش تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، خاصة أن الله ذكر فضله ونعمته عليهم، يوم أن قال تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4].

    والله يقول للدول الغنية في العالم العربي والإسلامي: لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيف [قريش:1-2] تحمل بواخر النفط ومنتجات البلاد، والمعادن والثروات التي تعج بها البلاد الإسلامية، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4].

    فلما عصت وكفرت سلط الله عليهم مسلماً واحداً، مر الشهر الأول فانتهى طعامهم.. أين القوافل؟ مقطوعة، حتى أكلوا العلهز؛ والعلهز هو وبر الناقة، يقطعون وبر وشعر الناقة ويخبزونه بالدم، ثم يشوونه في النار ويأكلونه من الجوع، حتى اصفرت وجوههم، وأصبح الجو كأن فيه دخان أمام أعينهم، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باكين، قريش بجبروتها تخضع للمدينة المنورة أمام رجل واحد! حصار اقتصادي واحد! قالوا : يا محمد! اكتب إلى ثمامة يخلي بين أرزاقنا وميرتنا، وقد أصابنا والجوع، ونحن أرحامك، وربك يوصيك بالرحم، فقد أكلنا العلهز، وأكلنا جلود الدواب، انظر إلى حالنا، فرق لهم النبي صلى الله عليه وسلم وكتب إلى ثمامة: (يا ثمامة، خلِّ بين قومي وبين ميرتهم)، ففتح عليهم الحصار الاقتصادي بعد أن أذلهم وأركعهم لمدينة الإسلام والإيمان.

    أين وعي الدول؟!

    أين وعي الأمم من وعي ثمامة؟!

    بدوي أعرابي، والله لو اتحدنا على قلب واحد، ورفسنا شوز الأمريكي؛ لعرفت أمريكا كيف تتعامل معنا، ولكن استقبلنا شوزهم في الأخضر، واحتفلنا به، وأعطيناه البيعة بعد البيعة، والميثاق بعد الميثاق، وجاء يتآمر لكي يجهض الانتفاضة في شهرها الرابع، وكلما ازدادت شهراً كبر الحمل، وهو يخاف المجرم، يخاف الشوز الأمريكي، يريد أن يرفس بطن فلسطين لكي يجهض الانتفاضة، ولكن هيهات هيهات! سيكمل الجنين، وسيكون بطلاً رجله في الأرض ورأسه في السماء، ويداه في قطبي الأرض، وأصابعه في عيون الطواغيت، فينطق الحجر والشجر ويقول: يا مسلم! يا عبد الله! وستردد أصواته الجبال والصخور والشجر والحجر وكل شيء.

    1.   

    وصايا لأهل فلسطين

    أحبتي في الله: وصايا إلى أحبابنا وإخواننا هناك:

    أولاً: حاولوا إتلاف ممتلكات اليهود ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، وحاربوهم بإتلاف ممتلكاتهم ليكون لهم مصدر إزعاج؛ لأن اليهودي بخيل، وإذا فقد ما هو غالياً على نفسه تحسر ولو كان عود كبريت، ويحس بالألم والحسرة، ويبدأ يتألم ويتألم ويتعذب كثيراً، وهذا أمر معروف منذ زمن بعيد، فهذا حيي بن أخطب لما أراد النبي أن يقطع رأسه مزق ثيابه وشققها حتى لا أحد يستفيد منها.. ومن يريد ثيابه وهي مليئة بدم نجس؟! ومع هذا يشققها حتى لا أحد يلمسها على ما فيها من دم، فاليهود قوم بخل، فأتلفوا ممتلكات اليهود ما استطعتم.

    ثانياً: شكلوا فرقاً خاصة قناصة، فرق سرية قناصة لكي تلتقطوا بهم العملاء والخبثاء والمنافقين والكذابين الذين هناك في فلسطين .

    ثالثاً: الحذر من مؤامرة الكبار، لا تقدموا رجلاً ولا تؤخروها إلا بعد صلاة الاستخارة، جعلت لكم الآن صلاة الاستخارة يا أهل فلسطين، أي قرار يأتيكم من الخارج لا تقبلوه أو تعارضوه إلا بعد التشاور وعرضه على الإسلام وأمر الله ورسوله، وقبل اتخاذ القرار صلوا صلاة الاستخارة.

    رابعاً: الالتزام بالمبدأ الإسلامي..

    أخواتي إخوتي هناك في فلسطين: استروا البنيات المتبرجات، يا أختي هناك في فلسطين التي لم تلبس الحجاب: بأي وجه ستقابلين محمداً يوم القيامة، وقد عرضت عليه الأمم عند حوضه الشريف الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ويأتي أهل القدس يشربون بعد عطشهم الطويل، فكيف تأتين ولم تلبسي حجاب زوجة محمد وحجاب ابنة محمد وحجاب زوجة أبي بكر الصديق وابنة أبي بكر الصديق؟! لهذا أوصيك يا أختاه؛ لأن الإسلام والتزامك بالإسلام هو القضية، الآن القضية قضية تحدي، اليهودي يلبس على رأسه طاقية اليهود التي كأنها مغطاة بيبسي، فأنت احرصي كل الحرص على أن تلبسي الحجاب الإسلامي فالقضية قضية تحدي.

    أنا في يوم من الأيام كنت في لبنان في أول السبعينيات، وركبت مع صاحب تاكسي، فقال لي: خيو، قلت له: نعم، قال: السيارة التي أنت فيها أنا سارقها، قلت: كيف؟ أنت لست مسلماً؟ قال: أنا مسلم، لكن هذه أنا سارقها من واحد كلب نصراني، وأنا هذه السنة سأذهب الحج وبإذن الله هناك في عرفات أدعو عليهم، فقلت له: أنت ماذا تشتغل؟ قال: مع قطاع طرق، فقلت: سبحان الله! كيف تجمع بين هذا وبين هذا؟ قال: طبعاً الإسلام الآن عندنا هنا تحدي، إما نحن أو هم.. فهذه هي القضية، والله يا إخوة هذه حقيقة حصلت لي في لبنان في أول السبعينيات قبل أن تصبح المذابح هذه الموجودة الآن، قريباً منها بشهور، فأصبح المجرم هناك في لبنان ما دام مكتوباً في جوازه (مسلم) أصبح يلتزم لأن القضية قضية صراع.

    يهودي ملعون ويهودية ملعونة فلا بد أن تتحدينهم بالحجاب، وبالالتزام، وبالصلاة، وبالوضوء والطهارة، والزكاة، والتسبيح والتهليل، حتى تقتربي من الهيئة، ويقترب النصر بطاعة الله رب العالمين.

    خامساً: احرصوا أيها الأحباب هناك على التكافل الاجتماعي ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، كما قال عليه الصلاة والسلام وهو يمدح الأشعريين من أصحابه: (كانوا إذا أرملوا -أي أصابهم القحط- جمعوا ما عندهم من أزواج، هذا تمرتين، وهذا أقطتين، وهذا حبتين، وهذا خبزتين، ويجمعونها كلها في مكان واحد ويخلطونها، وبعدها يوزعونه على الجوعى من الأطفال والنساء كلهم من مكان واحد)، فافعلوا هكذا يا أحبابنا هناك في فلسطين.

    سادساً: احرصوا على التقشف وترك الإسراف ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فأنتم لا تدرون لعله يأتيكم زمن تباح لكم الميتة وتأكلونها مضطرين، فهيئوا أنفسكم من الآن، ولا تنتظروا من العالم العربي أو الإسلامي فلساً واحداً ولا لقمة واحدة، هيئوا أنفسكم على أنه سيمر عليكم وقت تأكلون فيه الميتة أو الجلود، لأن محمداً أشرف الخلق وأصحابه وأحسن القرون أكلوا الجلود اليابسة في شعب أبي طالب، ولن نكون أكرم منهم، ولن نكون أحسن منهم.

    وإن كنا لنمر في مدرسة الرخاء فأنتم تمرون بمدرسة الابتلاء، فالتقشف التقشف يا عباد الله!

    سابعاً: أحبتي: احرصوا كل الحرص وأنتم هناك على تنظيم صفوفكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، واحذروا من الاجتهاد بعد الاتفاق، فإذا القيادة الموحدة اتفقت على أمر وقالت: فلان وفلان وفلان يذهب وينفذ العملية الفلانية، فاحذر أن تزيد أو تنقص، لا اجتهاد بعد الاتفاق، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى معسكر الكفر في معركة الأحزاب، وكان بإمكانه أن يقتل أبا سفيان، لكنه امتنع وقال: تذكرت أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ائتني بخبر القوم ولا تحدث أمراً)، كان أمامه القائد العام للقوات المسلحة الكافرة يقتله، فامتنع التزاماً بالأمر، فأنتم يا إخواني هناك إذا اتفقت القيادة الموحدة على أمر فاحذروا من الزيادة أو النقصان في تنفيذه، فخطأ واحد قد يهدر أرواحاً كثيرة.

    ثامناً: أوصيكم -أحبتي في الله- أن تحرصوا كل الحرص على تقديم الأولويات، الأهم ثم المهم، وهكذا، فتعرفون الفاضل والمفضول، والأهم والمهم، ولا تأخذكم الأمور الجانبية الفرعية وتفتت جهودكم، ثم احذروا من أن يصطدم بعضكم ببعض، تنازلوا كثيراً لبعضكم البعض، كل فلسطيني موجود هناك فليتنازل كثيراً عن بعض حقوقه، واجعلوا عدوكم واحداً واجتمعوا عليه .. اجتمعوا عليه إنه يهودي.

    تاسعاً: يا شعب فلسطين ! ليس لكم نجاة إلا باعتصامكم بالله، وثباتكم على كتاب الله، واحتوائكم لصدر الأقصى، فوالله فيه النجاة، فإن عيسى عليه السلام سيصلي خلف إمام الأقصى، عيسى عليه السلام وهو نبي سيصلي خلف إمام الأقصى، عيسى عليه السلام الذي خضعت له كل القوى، حتى إن نَفَسه يقتل كل من يتنفسه، وسيقتل الدجال عند باب لُدّ، يوم أن تتعطل كل القوى وكل الجيوش ولا يبقى إلا الشعب المسلم هناك في الأقصى يفرج الله عنه وينصره.

    أحبتي في الله: لا تظنوا أن هذا بعيداً، وبيننا وبينه زمن طويل، هناك من يقول للشيء: كن فيكون.. ما بين طرفة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال، أما الحجة فقد أقام الله الحجة على كل الدول كافرها ومؤمنها.. هل هناك أبلغ من حجة طفل يمسك حجارة ويرميها؟! هل هناك أبلغ من لا يجد من أهل المسجد الأقصى إلا الحجارة يقاتلون فيها؟! ليس بعد هذه الحجة من حجة.

    فيا عباد الله: أوصيكم بالثبات والدعاء، وأسأل الله أن يجعل هذه الساعة ساعة إجابة وساعة إنابة فأمنوا يرحمكم الله..

    اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، ووحدانيتك أنك أنت الله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أن تنصر المجاهدين في أرض فلسطين ، اللهم انصر المجاهدين في أرض فلسطين ، اللهم انصر المجاهدين في أرض فلسطين ، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم سدد رميهم، اللهم فك أسرهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم ألف على الخير قلوبهم، اللهم اجمع شتاتهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم أمن خوفهم، اللهم أطعم جوعهم، اللهم استر عوراتهم، اللهم آمن روعاتهم، اللهم اسق عطشاهم، اللهم احقن دماءهم، اللهم سلم أوطانهم، اللهم صن أعراضهم، اللهم احفظ أموالهم، اللهم انصرهم على من عاداهم.

    اللهم عليك باليهود وأعوان اليهود والشيوعيين والصليبيين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم برداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم جمد الدماء في عروقهم، وأخرجهم إلى الطرقات كالمجانين، يا رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756387347