أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد..
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب من رفع صوته بالعلم:
حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل ، قال: حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو قال: (تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: ويلٌ للأعقاب من النار. مرتين أو ثلاثاً).
وذكرنا أيضاً في المجلس الماضي أن هذا لا يعد من الغيبة المحرمة .
القدح ليس بغيبةٍ في ستـةٍ متظلمٍِ ومعرِّفٍ ومحذرِ
ومجاهرٍ فسقاً ومُسْتَفتٍ ومَن طلب الإعانة في إزالة منكر
فالمتظلم لو ذكر سوءَة ظالمه لا يعد مغتاباً، وكذلك ما فعله أهل الكوفة مع سعد بن أبي وقاص ، لما شكوه إلى عمر بن الخطاب ، وكما حدث كثيراً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاء رجلٌ يشكو آخر، منهم: أبو بكر الصديق لما شكا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين: (أنه حدث بين
وهكذا مسألة الخصومات كانت كثيرة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعقب النبي عليه الصلاة والسلام على المتظلم ولم يقل له: هذه غيبة محرمة، ولا يجوز لك .
فأي إنسان متظلم يجوز له أن يذهب إلى القاضي، أو يذهب إلى جهة التقاضي، فيقول: فلان ظلمني أو فلانٌ كذا، أو نحو هذه العبارات، فلا يعد هذا من الغيبة المحرمة.
والمعرِّف كما ذكرنا في لقب عارم؛ لأننا عرفناه بذلك، وكذلك الأعمى والأعرج، وسليمان الأحول ، وعاصم الأحول ، وكذلك من وصف بعاهة فيه، ومن نسب إلى غير أبيه، مثل: إسماعيل بن علية مثلاً؛ كل هذا لا يُعَد من الغيبة المحرمة، طالما أن اللقب أو النسبة خرجت مخرج التعريف له لا التنقيص من شأنه.
القدح ليس بغيبة في ستـة متظلمٍ ومعرفٍ ومحذرٍ
ومجاهرٍ فسقاً ومُسْتَفتٍ ومَن طلب الإعانة في إزالة منكر
سبحان الله!
فلما يكون الإنسان مبتدعاً مثلاً، فلابد أن نقول: لا تقرأ لهذا الإنسان؛ لأنه جاهل ومخرف ولا يفقه شيئاً، ولا يعلم شيئاً، ولا نعلم أحداً من أهل العلم زكاه، فهذا ليس بغيبة؛ لأن الرد على المخالف أصل من أصول الإسلام .
فالمحذر الذي يحذر ويكون محقاً في تحذيره لا يقال له: اغتبتَ العلماء، ويجري في هذا المجرى كلام أهل الجرح والتعديل على الرواة، كالإمام يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، والدارقطني ، وابن عدي ، والفلاس عمرو بن علي ، أي واحد من هؤلاء يقول: هذا ضعيف، هذا مغفل، هذا سيئ الحفظ، هذا كذاب، هذا مختلق، كل هذا لا يعد من الغيبة المحرمة .
أرى الخير في الدنيا يقل كثيره وينقص نقصاً والحديث يزيدُ
فلو كان خيراً كان كالخيـر كلـه ولكن شيطان الحديث مريدُ
ولـابن معين في الرجال مقالةٌ سيُسأل عنها والمليك شهيدُ
فإن يكُ حقاً فهو في الأصل غيبةٌ وإن يكُ زوراً فالقصاص شديدُ
فهو يريد أن يقول: إن كلام علماء الجرح والتعديل في فلان، الذي هو نقد الرواة لا يصلح سواءً كان حقاً أو باطلاً، فإن كان حقاً فهو غيبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة، قال: (ذكرُك أخاك بما يكره)، وأي مصيبة أعظم من أن يُتَكَلَّم في رجل صناعته الحديث وبضاعته الحديث؟
أنت تعرف أن جرح أهل العلم لا يندمل، يظل ينزف دائماً، فلا يتعرضن أحد لأهل العلم، قديماً كان الرواة يخافون من يحيى بن معين ؛ لأنه كان معروفاً بالكلام في الرواة، حتى إن شيخاً من أهل مصر ذهب إلى بغداد، ونزل في (فندق)، فأهل بغداد لما عرفوا أنه وصل بدءوا يتوافدون عليه، أولاً: راوي هذه القصة من أهل بغداد قال: طرقت عليه الباب، فقال: مَن؟ قلت: فلان، قال: ادخل، فلما دخلت قلت: أمْلِ عليَّ، فجعل يملي عليَّ وهو مضطجع والكتاب في يده، فطرق الباب طارق، قال: من؟ قال: أحمد بن حنبل فدخل، والشيخ على هيئته يملي، ودق الباب آخر، قال: من؟ قال: فلان، ادخل فدخل، حتى طرق الباب طارقٌ، فقال: مَن؟ قال: يحيى بن معين ، قال: فرأيت يديه ترجفان، وسقط الكتاب من يده، فـيحيى بن معين لما يتكلم في الراوي كلمة فإن الراوي يسقط رأس ماله، تخيل شخصاً بضاعته الحديث فقط، فإذا جاء شخص كـيحيى بن معين ، أو أحمد بن حنبل ، أو الدارقطني وقال: كذاب، أو قال: مغفل، أو متروك، أو سيئ الحفظ، إذاً ذهبت بضاعته .
فهذا الشاعر يقول: إن يحيى بن معين له في الرجال مقالة، فإن يكُ محقاً فهو مغتاب، وإن يكُ زوراً فالقصاص شديد .
علماء المسلمين كلهم على خلاف هذا القول، فلقد سئل يحيى بن سعيد القطان ، ومالك ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو زرعة الرازي : هل الكلام في الرواة يعد من الغيبة؟
فأجمعوا أن لا .
فهذا معنى ومحذرِ، فإنه يدخل فيه أيضاً كلام أهل العلم في أهل البدع، وفي أهل المعاصي، فكل هذا لا يعد من الغيبة المحرمة، بل هو واجب لابد أن تقوم الأمة به .
قوله: ومجاهرٍ فسقاً، أي رجل يجاهر بالفسق، فقلت: احذروا فلاناً، فهذا يدخل في معنى التحذير، ولا يعد من الغيبة المحرمة، ولو كان ذلك يسوء المتكلَّمُ فيه .
فقال الأول: أما أنا فأبخل بمالي على نفسي .
وقال الثاني: وأنا أبخل بمال الناس على نفسي .
وقال الثالث: وأنا أبخل بمال الناس على الناس .
قالا: لا جرم، أنت أبخلنا .
يعني: استكثر المال فيه وهو ماله.
فلو أن أبا سفيان علم أن هنداً شكته ووصفته بالشح عند النبي صلى الله عليه وسلم لغضب، ولقال: كيف تفعلين مثل هذا؟ ولم يقل لها النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تصفينه بالشح، وأن هذا يغضبه، فسكت عليه الصلاة والسلام، وسكوته إقرار؛ لأنه لا يسكت على باطل أبداً . قال لها: (خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف) .
فالفتوى: المستفتي سواءً كان رجلاً أو امرأة قد يذكر مساوئ مَن يستفتي عن حاله أو عنه، فهذا جائزٌ لا شيء فيه، ولا يعد من الغيبة المحرمة .
القدح ليس بغيبة في ستـةٍ متظلمٍ ومعرِّفٍ ومحذرِ
ومجاهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَن طلب الإعانة في إزالة منكرِ
قوله: ومن طلب الإعانة في إزالة منكر، مثل أن يأتيك آتٍ ويقول: تعال إلى المكان الفلاني أو البيت الفلان؛ فإن فيه أناساً يشربون الخمر، أو يأتون الزنا، أو يفعلون كذا وكذا، وتسميهم بأسمائهم، فلا بأس بذلك، كل هذا يستثنى من الغيبة المحرمة .
إذاً: ما نقابله في الكتب من وصف بعض الرواة بأوصافٍ لا تليق، لكنها جرت مجرى التعريف بهم، فكل هذا لا يعد من الغيبة المحرمة .
روى هذا الحديث بعينه من طريق شيخه مسدد بن مسرهد ، قال: حدثنا أبو عوانة ، وساق الإسناد بمثل رواية عارم هنا، ثم رواه في كتاب الوضوء، قال: باب غسل الرجلين، قال: حدثنا موسى ، قال: حدثنا أبو عوانة .... وساق الإسناد بمثل رواية عارم هنا، وموسى شيخ البخاري هو: موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ، وهو من كبار شيوخ البخاري ، وقال يحيى بن معين : ما هبتُ أحداً قط هيبتي للتبوذكي ، وهذه شهادة من بين فكي أسد، فـابن معين كلهم كانوا يخافون منه، فعندما يخاف يحيى بن معين من واحد أو يهابه، فكيف تكون جلالته، موسى بن إسماعيل التبوذكي هذا من الثقات ومن كبار شيوخ الإمام البخاري .
إذاً: هذا الحديث يرويه ثلاثة من الرواة عن أبي عوانة ، هذا التصرف له دلالة، وأرجو أن تعيروني الأسماع، ولا تتضجروا إذا تكلمنا في علم المصطلح، وأنا أعلم أن كثيراً من الجلوس يحب ذلك، لكن قد يكون من الجلوس من لا يشاركهم هذه المحبة، لكن نحن في زمان صارت دراسة مصطلح الحديث متعيِّنة؛ بسبب طعن الجهلة بالسنة، حتى يتعلم الطلبة كيف نقل العلماء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم تحظ أمةٌ من الأمم من عناية أهلها بسنة نبيها، والمحافظة عليها، كما حدث لهذه الأمة .
وهذا المغبون قليل الحظ، الذي أشرنا إليه في مطلع الكلام لا يفرق بين السيرة والحديث، يقول لك: لا فرق بين كتب السيرة وكتب الحديث .
وبعض الطلبة أرسل لي قصاصات من أوراق يذكر فيها: أنه يوجد شخص آخر نشر كتاباً وأنكر أن يكون آدم أبا البشر، وأنه يقول: إن حديث احتجاج آدم وموسى حديث ضعيف، وهذه الأحاديث كلها أحاديث آحاد، ولا يؤخذ بها في العقيدة، وأنا في الحقيقة لن أتكلم عن هذا الكتاب حتى يأتيني وأنظر في كلام صاحبه .
لكن الملاحظ أن هناك هجمة شرسة من كل مكان على السنة وفي وقت واحد.
بل حدثني من أثق به من الشيوخ، ولم أر هذه المقالة النكراء، أن امرأة شمطاء من فلول المتحللين وكانت واحدة من زعمائهم، كتبت مقالة تقول: لِمَ لَمْ يكن الله أنثى؟ وهذه المقالة نشرت في صحيفة، وقد جاءني أحد الإخوة وقال: ما رأيك لو ترد على المقالة؟ وتخيّل لما تصل الجرأة بهذه المرأة لتكتب هذه المقالة، -وهي قطعاً كافرة- فكيف يمرر هذا العنوان من الرقابة؟! الذي مرَّر هذا ليس عنده دين، هو مثلها في الكفر، وتنظر كل يوم سخائم في الجرائد والمجلات، وكلها عبارة عن سهام موجهة إلى صرح السنة النبوية .
والإخوة الرسميون المهتمون بالسنة لم يتكلموا حتى الآن، ولم يردوا حتى الآن؛ لكن الله عز وجل سيحول بينهم وبين ما يريدون، وأن مَن هو أعتى منهم سقط تحت النعال وبقيت السنة شامخة، فنحن على يقين من هذا، فالحمد لله تعالى نحن على يقين أننا لن نهزم في الجولة إن شاء الله؛ لكن الغريب المريب: هو ردُّ فعل الجماهير، ورد الفعل الرسمي على مثل هذا الخبَث، الذي يؤذي العيون والأسماع كل يوم، وكله موجه إلى صرح السنة .
أهذا الكلام يقال للبخاري ؟!
يقال للبخاري : إنك لا تعرف المكذوب من الضعيف من الصحيح، وسوف يحاسبك الله عن هذا الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عجب! فقد قال قديماً فرعون عن موسى عليه السلام: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26]، هذا موسى يظهر في الأرض الفساد؟! رَمَتْني بدائها وانسلَّتْ.
فلما يقال للبخاري : أنت رجل جاهل، إذ راجت عليك الأكاذيب، وأنت لم تميز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة من الموضوعة، وأثبتَّ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف يحاسبك الله .
فلما يقال هذا الكلام عن البخاري ، الذي يعتبر قمة في الحديث عندنا، فإذا أردنا أن نزن علماء الدنيا فسنضع الإمام البخاري رحمه الله في القمة، وصحيحه له من البركة ما ليس لكتاب في الدنيا بعد القرآن .
فسبحان الله! الناس حظوظ وأرزاق، والإخلاص يرفع صاحبه.
هذا الإمام البخاري الأعجمي، كيف صار إمام الدنيا وصار أشهر من شيوخه رحمة الله عليه؟! وكان ابن صاعد إذا ذُكر البخاري قال: ذاك الكبش النطاح؛ يعني الذي لا يقف أحدٌ معه في الحلبة، إذا نطح أسقط من يناطحه في الحال، يعني: صاحب حجة بيِّنة دامغة.
فلما يقال عن البخاري الذي هو قمة من قممنا: إن هذا الرجل ما كان يدري الصحيح من الضعيف، وينسب الأكاذيب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فأقول: إن دراسة السنة صارت متعينة على شباب المسلمين ممن لهم كفاءة، حتى يردوا ويدفعوا عنها أمثال هؤلاء الحمقى.
الإمام البخاري رحمه الله أخرج هذا الحديث عن شيخه عارم ، فـعارم بن الفضل تكلم بعض العلماء فيه، وقالوا: إنه اختلط، وساء حفظه، وأرَّخوا سنة عشرين ومائتين كحدٍ فاصل بين ما حدَّث به قبل الاختلاط، وبين ما حدث به بعد الاختلاط، وهذا مِن الجهود المغمورة التي قام بها علماء الحديث، التي لا تعرفها الجماهير، هؤلاء العلماء لهم جميلٌ في عنق الأمة لم تؤده الأمة لهم، لا بالثناء ولا بالشكر، بل خرج مَن قال: إن المحدثين ليسوا فقهاء، وإن المحدثين مع الفقهاء مثل البنّاء والمناول، وقال: إن الفقيه هو البناء الذي يأخذ اللَّبِنَة ويضعها بجانب اللَّبِنَة، ويزن بالخيط، فهذا هو الفقيه، أما المحدث فهو الذي يناول البناء الطوبة: خذ يا بناء، يعني أن المحدث هذا لا يفقه شيئاً!! كل دوره أن يأخذ الحديث ويقول: تفضل خذ الحديث يا فقيه، أهؤلاء هم المحدثون؟!!
فنقول لهم: ! البخاري ها هو محدث، وإن أردت أن تدرس الفقه، وتستمتع بالفقه فاقرأ تراجم الإمام البخاري ، وكذلك سائر الأئمة الستة، والإمام أحمد كان من ضمن المحدثين، والإمام الشافعي رحمه الله كان يقول لـأحمد : يا أحمد إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كوفياً كان أو حجازياً أو شامياً، أو بصرياً فأعلمني به حتى أذهب إليه.
قال الذهبي : ولم يقل: أو مصرياً ؛ لأنه كان أعلم بأحاديث أهل مصر من أحمد ، ولما تقرأ كتاب: الرسالة، وتقرأ كتاب: الأم ترى الشافعي في كل جزئية فقهية يحتج بالحديث، والإمام مالك رحمه الله إذا ذُكِر الحديث فـمالك النجم . فكلهم أهل حديث، ومنَّ الله عليهم بالفقه.
إذاً المحدثون كل راوٍ تكلموا فيه رفضوا مروياته، مثل عارم بن الفضل الذي قالوا فيه: إنه اختلط، واختلط بمعنى تغيَّر حفظه، مثال الاختلاط: رجل يدخل على أبيه -هل يلتبس الابن على الأب؟!- فلما يدخل عليه يقول له: أين أبوك؟! هل أبوك بخير؟! ما رأيتُه منذ مدة؟! أهو مسافر أم ماذا؟! فلما يقول هذا الشخص هذا الكلام يكون قد اختلط، فسقط تمييزه، هذا معنى الاختلاط عند المحدثين، أنه يتكلم بكلام غريب مثل المثال الذي ضربته الآن .
فالمحدثون يقومون بضبط تاريخ اليوم الذي اختلط فيه؛ لأنه شيخ، وكل يوم له مجلس ويقول: حدثنا، وأخبرنا، فهم يريدون أن يميزوا ما بين أحاديثه وقت الاختلاط، وأحاديثه قبل الاختلاط؛ لأنه لما اختلط سيدخل الأسانيد في بعضها، والمتون في بعضها، وهذا دين وشرع يجب المحافظة عليه.
فحينئذٍ لابد من تمييز الوقت الذي اختلط فيه .
فـعارم اختلط سنة (220هـ) فـأبو حاتم الرازي يقول: من سمع منه قبل سنة (220هـ) فسماعه جيد، وسمع منه أبو زرعة الرازي سنة (222هـ)، إذاً: سمع منه في الاختلاط أم لا؟ فإذا رأينا في الأسانيد حدثنا أبو زرعة الرازي ، قال: حدثنا عارم نقف، ونبحث هل عارم هذا حفظ هذا الحديث، أم كان من جملة ما اختلط فيه؟!
إذاً: ربما تقول: وأنا ما أدراني هل اختلط أم لم يختلط، هذا موضوع بعيد؟!
نقول لك: يُعْرَف ذلك بما يسميه أهل الحديث بالمتابعة. ما هي المتابعة؟ المتابعة معناها: الموافقة .
مثل هذا الإسناد .
وأنا أرى يا إخواننا أنكم تساهلتم في طلب العلم، كيف ذلك؟!
تأتون إلى الدروس بدون دفاتر وبدون أقلام، وبدون كتب.
أقول: إن من حق العلم علينا أننا نأتي بالكتاب وبالأقلام، ونقيد الفوائد بالكتابة، وكما قال الأول:
أيها الطالب علماً ائتِ حماد بن زيد
فاستفد حلماً وعلماً ثم قيده بقيد
أي معلومة لا تقيدها تفر منك في أسرع وقت، ومهما حاولت الإتيان بها فلن تستطيع.
فمن حق العلم أنك تأتي إلى مجلس العلم بسمت طالب العلم .
نقول: أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، هذا إسناد رباعي لماذا؟
لأنه مكون من أربع طبقات .
أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، هؤلاء أربعة، كل واحد من هؤلاء الرجال نسميه طبقة، فإذا أسقطنا هنا الإمام أحمد أصبحوا ثلاثة، سفيان بن عيينة ، والزهري ، وأنس .
فلو روى هذا الحديث عن سفيان ، عن الزهري ، عن أنس رجلٌ آخر غير الإمام أحمد ، مثل: قتيبة بن سعيد ، أو مسدد بن مسرهد ، أو عارم مثلاً، أومحمد بن أبي عمر العدني ، أو أحمد بن منيع ، أو أبي ربيع الزهراني ، أو أحمد بن عبدة الضبي ، كل هؤلاء من أقران الإمام أحمد بن حنبل ، فلو روى واحدٌ مثل: قتيبة بن سعيد أبي رجاء فقال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس ، فنحن نقول: إن قتيبة تابع أحمد بن حنبل على رواية هذا الحديث، أي وافقه على ذكر الحديث بالسند والمتن .
يعني: نفترض أننا الآن في زمان الرواية، فأنا رويت حديثاً عن الشيخ الألباني ، والشيخ الألباني يرويه عن الشيخ ابن باز ، والشيخ ابن باز يرويه عن الشيخ أحمد شاكر ، ولنفترض أنه كلام للشيخ أحمد شاكر ، فأنا قلت: حدثنا أبو عبد الرحمن ناصر الدين الألباني ، قال: حدثنا الشيخ ابن باز قال: حدثنا أحمد شاكر ...، ثم يروي هذا الكلام الشيخ سيد سابق فيقول: حدثنا أبو عبد الرحمن الألباني ، قال: حدثنا ابن باز ، قال: حدثنا أحمد شاكر ...، فيكون الشيخ سيد تابعني وأنا تابعته، كلانا تابع الآخر على رواية الإسناد والمتن، هذا يسميه علماء الحديث متابعةً تامة، أن يروي جماعةٌ حديثاً عن شيخ مشترك بينهم، مثل المثال الذي ضربناه، أحمد بن حنبل ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس ، ففي طبقة أحمد ذكرنا جماعة من الرواة: قتيبة بن سعيد ، وأحمد بن منيع ، ومحمد بن أبي عمر العدني ، وأبي ربيع الزهراني ، ومسدد بن مسرهد كل هؤلاء لو قالوا: حدثنا ابن عيينة ، فيكون كل واحد منهم تابع الآخر .
إذاً عرفنا ما معنى المتابعة!!
تعني: الموافقة، وهي موافقة أهل الطبقة لبعضهم، أحمد بن حنبل طبقة، سفيان بن عيينة طبقة، الزهري طبقة، أنس طبقة .
فالرواي المُتَكَلَّم فيه لما يروي حديثاً، ونحن نريد أن نعرف هل غلط الراوي في هذا الحديث أم لا، ماذا نعمل؟
ننظر إلى أهل طبقته، هل وافقه الثقات منهم على هذا الحديث، أم هو لوحده أتى به، ولا أحد معه؟
فإذا كان هذا الراوي المُتَكَلَّم فيه تابعه الثقات الكبار، دل ذلك على أنه حفظه، بدليل أن هذا الحديث وُجِد عند العلماء الكبار من أهل طبقته، ومن أصحاب شيخه الذي هو ابن عيينة مثلاً .
أما إذا كان هذا الراوي المُتَكَلَّم في حفظه انفرد بهذا الحديث ولم يوافقه أحد، نسأله ونقوم بمحاكمته، هو روى عن سفيان بن عيينة حديثاً، فنقول له: تعال! أنت لست معروفاً بحفظ، ولا مشهوراً بطلب علم، وكلما قالوا لك: حدِّثنا، تقعد فتحدث بما في رأسك، ولا تأتي بالمعلومة إلا بعد ما تتلكأ وتظل ساكتاً برهة، قل لي إذاً: هذا الحديث كيف أتيت به عن سفيان ؟ وأين أصحاب سفيان الكبار الذين جلسوا معه ولازموه ليل نهار، حتى يخصك أنت لوحدك بهذا الحديث؟ ماذا يعني هذا؟ فأصحاب سفيان الكبار الذين جلسوا معه ليل نهار، كلهم لا يعلمون شيئاً عن هذا الكلام، وأنت رغم أنكن لست معروفاً بحفظ ولا بفقه ولا بمجالسة طويلة، ولا .. ولا .. فتأتي بهذا الحديث عن سفيان ؟! هذا منكر، نحن لا نقبله منك .
إذاً: الراوي لَمَّا يُتَكَلَّم فيه، ننظر هل تابعه أحد من أهل طبقته أم لا؟
فيريد أن يقول لك: إنه ثبت كثبات المسمار في الساج .
وعلماء الجرح والتعديل لهم عبارات كهذه، فـأبو حاتم الرازي إذا سئل عن راوٍ وقال: بين يدي عدل، يعني على شفيرها، وهذا جرح من أبي حاتم الرازي .
وسنأتي على شيء من كلام العلماء، في الجرح والتعديل في مكانه إن شاء الله.
أبو حاتم الرازي الذي تعتبر تزكيته مثل المسمار في الساج، يقول الذهبي : إذا وثق أبو حاتم رجلاً فشد يديك به، فإنه لا يوثق إلا صحيح الحديث؛ لأن أبا حاتم الرازي من طبقة المتشددين من أئمة الجرح والتعديل، يعني إذا وثَّق رجلاً فهنيئاً له، لماذا؟
لأنه كان يجرح الراوي في الغلطة والغلطتين، والمفروض أن يفوتها له، يعني: لو أن شخصاً حفظ مائة ألف حديث وغلط في حديث يقوم أبو حاتم -ولا يعطي له فرصة- ويبين غلط هذا المحدث، ويشدد النكير عليه، وأنه سيئ الحفظ وغير ذلك.
فلما يكون الشخص متشدداً مثل أبي حاتم ويقول : إن عارم بن الفضل ليس بأقل من عفان بن مسلم . وكان سماك بن حرب يقدمه على حماد بن زيد ، فزكى أبو حاتم الرازي عارماً، لكن تكلم فيه العلماء بسبب اختلاطه .
نقول له:
أولاً: الإمام البخاري لما روى هذا الحديث رواه من طريق شيخين آخرين هما في القمة، إذاً: هاذان الاثنان تابعا عارم بن الفضل أم لا؟
نعم تابعاه .
انتهى الإشكال! إذا كنت غضبان من عارم فاجعله جانباً، بقي الحديث الصحيح من الطريق الصحيح؛ لكن هذا يدل على أن عارماً حفظه، ولم يخلط فيه، بدلالة متابعة مسدد بن مسرهد ، ومتابعة موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي ، كلاهما روى هذا الحديث عن أبي عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
فمن الأشياء التي يدفع بها العلماء ضعف الراوي أو الكلام فيه: المتابعات الصحيحة .
هذا أولاً .
ثانياً: نفترض أن البخاري روى لـعارم ولم يوجد له متابعة في صحيح البخاري ، فما ردك؟
نقول: ننظر إلى هذا الحديث خارج صحيح البخاري ، فسوف نجد متابعة لهذا الراوي خارج الصحيح، من الثقات، فيكون لا عتب على البخاري ؛ لأن هذا الراوي توبع خارج الصحيح .
إذاً نفترض أن هذا الراوي ليس له متابعة داخل الصحيح، ولا خارج الصحيح، والعلماء تكلموا فيه، فما جوابك عن البخاري ؟
الخطيب البغدادي روى في تاريخه عن سعيد بن عمرو البرذعي قال: شهدت أبا زرعة الرازي وعرض عليه كتاب: الصحيح لـمسلم -هل تعرف أن أبا زرعة الرازي ، وأبا حاتم الرازي ، والإمام مسلماً ، والإمام البخاري أقران -يعني: أقران في كل من الطلب والزمن- فـسعيد بن عمرو البرذعي جالس عند أبي زرعة الرازي فجاءه رجل وقال له: هذا الكتاب لـمسلم بن الحجاج ألفه وسماه: الصحيح، وثَمَّ عالم اسمه: الفضل الصائغ أيضاً صنف في ذلك الوقت كتاباً سماه: الصحيح، فقيل لـأبي زرعة : فما رأيك في هذا الصنيع؟
قال: فرأيت أبا زرعة يستنكر ذلك ويقول: هؤلاء قومٌ أرادوا رئاسة لأنفسهم قبل أوانها، فصنفوا كتباً يتتوقون بها -يتتوقون بها يعني: أنفسهم تتوق إلى شيء- ثم بدأ أبو زرعة الرازي يقلب صفحات صحيح مسلم وإذا حديث لـأسباط بن نصر ، فقال أبو زرعة : أسباط بن نصر يُروَى له في الصحيح؟! ثم قلَّب ورقتين أو ثلاثاً أو أربعاً وإذا به يجد قطن بن نسير وهو من شيوخ مسلم ، قال: وقطن يُخَرَّج له في الصحيح؟! هذا أهم من الأول، ثم قلَّب ورقتين أو ثلاثاً وإذا به يجد أحمد بن عيسى المصري ، قال: و عيسى المصري ؟! ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه ... وأشار إلى لسانه .
ماذا يعني هذا؟
يعني: أن أهل مصر يقولون: إن أحمد بن عيسى يكذب، فكيف يروي أحمد بن عيسى في الصحيح؟! ثم قال: يترك ابن عجلان ونظراءَه ويمهد الطريق لأهل البدع علينا، حتى إذا لم يروِ الحديث قالوا: ليس بالصحيح؟!
قال: ورأيته يعظِّم ذلك ويستنكره .
قال سعيد بن عمرو البرذعي : فلما رجعتُ إلى مسلم حكيتُ له اعتراض أبي زرعة .
فانظر ماذا سيقول الإمام مسلم ، هذه الإجابة التي ينبغي أن لا نغفلها، ونحن ننظر إلى الأسانيد التي في الصحيحين، وفي بعضها كلام .
قال مسلم : إن ما قلته من الاعتراض صحيح، وأنا أقر به.
إذاً: مسلم يعلم أن هؤلاء الرواة مُتَكَلَّم فيهم، ومع ذلك خَرَّج لهم .
إذاً: ما عُذْرُك أيها الإمام؟
قال: إن الحديث قد يكون معروفاً بنزولٍ من رواية الثقات، وهو معلومٌ عند أهل العلم، فوقع لي من طريق هؤلاء عالياً، فخرَّجته رجاء العلو، والحديث معروفٌ أصلُه عند أهل العلم من روايات الثقات .
ما معنى هذا الكلام؟
هناك في الحديث: العلو والنزول، وأشرف أنواع العلو: هو: تقليل عدد الوسائط، بأن تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ (نظيفٍ) وبِعددٍ قليل .
يعني مثلاً: عُدَّ معي: أحمد بن حنبل قال: حدَّثنا سفيان بن عيينة -ما شاء الله! حُفَّاظ- عن الزهري عن أنس ، فهذا إسناد رباعي .
حسن كم هؤلاء؟!
أربعة .
ولو قلنا:
سفيان بن عيينة قال: حدثنا الزهري ، عن أنس :
كم بين سفيان وبين الرسول صلى الله عليه وسلم؟ اثنان.
وكم بين أحمد وبين الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ثلاثة.
فأيهما أعلى سنداً: سفيان أم أحمد ؟
سفيان لماذا؟ لأن عدد الوسائط بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أقل، وهكذا، كلما كان الإسناد ثلاثياً كان أعلى، أو رباعياً كان أنزل، أما لو كان خماسياً فالرباعي أعلى منه، وهكذا .
فأعلى سند في البخاري بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة، يسمونه العلماء: ثلاثيات البخاري .
الإمام البخاري أرفع الأسانيد من جهة العلو عنده: بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة، حتى يصل إلى خمسة، فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة، فأنت مثلاً لو قُدِّر أن يكون لك سند إلى البخاري ، فتعد الوسائط التي بينك وبين البخاري ، ثم بعد البخاري وشيوخه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتنظر كم بينك وبين النبي عليه الصلاة والسلام .
السندي كان يقول: لمثلي فليسعَ! بيني وبين البخاري تسعة، وهذا كان أعلى سند موجود في الدنيا، والبخاري كذلك بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رواة، فيكون بـالبخاري أربعة، فالأربعة مع التسعة يصبحون ثلاثة عشر راوياً فقط، إذاً: السندي متأخر، لما يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر راوياً فقط فهذا أعلى إسناد، في سنن النسائي ، والنسائي كما تعرفون من طبقة البخاري ، يعني: أدرك أغلب مشايخ البخاري وتسعون بالمائة من مشايخ البخاري أدركهم الإمام النسائي وروى عنهم، بين النسائي في هذا الحديث وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية، فأنزل سند موجود في سنن النسائي : بين النسائي وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية.
فالقصد أن الإمام مسلم لرغبته في العلو يقول: رب حديثٍ يكون الراوي المُتَكَلَّم فيه -لو أنني أخذت الإسناد من طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة، أو أربعة، فإذا أردتُ أن آخذه من طريق غيره من الثقات نزلتُ درجة أو درجتين . فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إما ستة أو سبعة، أو أكثر.
فيقول: لا . أنا علمتُ أن هذا الراوي المُتَكَلَّم فيه لم يغلط في هذا الحديث بدلالة المتابعات من الثقات، والحديث معروفٌ لدى أهل العلم جميعاً أنه صحيح، وأن الثقات رووه، وأنا ثبت لديَّ أن هذا الراوي وإن تُكُلِّمَ فيه لكنه لم يغلط في هذا الحديث، فرغبةً مني في أن أعلو بسندي، اخترت هذا الطريق، وتركتُ الطريق الآخر لنزوله، واكتفاءً بشهرته عند أهل العلم .
فالإمام مسلم قال: إن هذا هو عذري في التخريج لمن أخرجت عنه وهو مُتَكَلَّمٌ فيه .
فاحتاط مسلم في رواية مَن تُكُلِّمَ فيه، وبالذات هؤلاء الثلاثة الذين اعترض عليهم أبو زرعة الرازي ، فـأسباط بن نصر ليس من شيوخ مسلم ، ولكنه من شيوخ شيوخه، يروي عنه بواسطة، ولم يرو مسلم لـأسباط إلا حديثاً واحداً فقط في الصحيح، وهو الحديث الذي يرويه أسباط بن نصر ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الأولى، ثم استقبله صبيان فجعل يمسح خَدَّي أحدِهم، فلما مسح خَدِّي وجدتُ لكفه برداً وليناً كأنها خرجت من جؤنة عطار) هذا هو الحديث الوحيد الذي أخرجه مسلم لـأسباط بن نصر .
أما أحمد بن عيسى المصري الذي تكلم فيه أبو زرعة الرازي وأشار إلى لسانه، كان الخطيب البغدادي يقول فيه: لم أجد حجةً لمن ترك حديث أحمد بن عيسى المصري .
وأحمد بن عيسى المصري له في صحيح مسلم اثنان وثلاثون حديثاً تقريباً، لم يرو له مسلم منفرداً في صحيحه، إلا ثلاثة أحاديث، توبع عليها جميعاً، والمتابعون كلهم من خارج مصر، إذاً: لم يتفرد أصلاً بها . وبقية الأحاديث كان مسلم يقرن ما بين رواية أحمد بن عيسى وغيرِه، فكثيراً ما يقول: حدثنا أبو الطاهر -الذي هو أحمد بن عمرو بن السرح- وأحمد بن عيسى ، أو يقول: حدثنا حرملة بن يحيى ، وأحمد بن عيسى ، أو عمرو بن سواد وأحمد بن عيسى ، يعني: أن مسلماً يروي لـأحمد بن عيسى مقروناً بغيره، فقد احتاط، والأحاديث التي أخرجها وانفرد بها أحمد توبع عليها في الكتب الأخرى، في السنن وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وغيرها .
بقي قطن بن نسير لم يرو له مسلم في صحيحه إلا حديثين: الأول متابعةً، والآخر مقروناً بغيره .
في المتابعات أخرج الحديث الذي رواه أنس ، لما نزل قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2]: (اعتزل
فهذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله أولاً بسندٍ (نظيف)، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، هذا السند الذي افتتح به مسلم هذا الحديث في صدر الباب، سند كالشمس، صحيحٌ أن حماد بن سلمة مُتَكَلَّمٌ فيه بكلام يسير، لكنه كان أوثق الناس في ثابت البناني ، إذا سمعتَ حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني فاعلم أنه لا غبار عليه؛ لأن حماداً كان أوثق الناس، من الممكن أن يُضَعَّف في بعض الشيوخ الآخرين؛ لكن في ثابت لا .
بعد أن أورد الإمام مسلم هذا الحديث بهذا السند (النظيف): أبو بكر بن أبي شيبة ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت بن أسلم البناني ، عن أنس بن مالك قال: .... الحديث.
وحدثنا قطن بن نسير ، أليس قطن هذا هو الذي اعترض عليه أبو زرعة ؟! الإمام مسلم أخَّرَ رواية قطن ولم يقدمها؛ لأن مسلماً في البداية إنما يعتمد على سندٍ متين، ثم يجيء بعد ذلك بأسانيد قد يكون في بعضها مقال، يريد أن يقول لك: لو اعترضتَ على السند الثاني هذا، فأنا اعتمادي على السند الأول، وبه يثبت الحديث، إنما أوردتُ هذه الأسانيد ليكون نوعاً من التقوية، أي أنه نور على نور.
فبعد أن أشرتُ أن الإسناد أولاً جاء بسند (نظيف)، جاءَ برواية قطن ، قال: حدثنا قطن بن نسير ، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن ثابت بن أسلم البناني ، عن أنس بن مالك .
فانظر إلى السند الأول: حماد بن سلمة ، عن ثابت .
وهنا: جعفر بن سليمان ، عن ثابت .
فهذان اثنان عن ثابت .
ثالثاً: ثم رواه مسلم بعد ذلك عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت .
رابعاً: ثم رواه عن سليمان التيمي عن ثابت .
إذاً: هؤلاء أربعة يروونه عن ثابت بن أسلم البناني .
فـمسلم روى هذا عن قطن بن نسير متأخراً في المتابعات، فيكون مسلم بهذا قد احتاط.
؛ لأن هذين الإمامين اتفق أهل العلم على تقدمهما في صناعة الحديث، والمعروف أن كل صنعة لها أهلها.
فلما يقال -مثلاً-: اتفق سيبويه والكسائي -مع اختلاف المدرستين- على شيء في اللغة، فمثله وأعظم منه في الحديث إذا قيل: اتفق عليه البخاري ومسلم .
فلما يتفق أهل الصنعة على شيء يقال: فلان هذا مقدم، فلا تعترض عليه إذا ظهر لك اختياره .
فـالبخاري وإن كان الراوي مُتَكَلَّمٌ فيه، إلا أنه انتقى من أحاديثه ما لم يغلط فيه .
إذاً: لا تأت وتقول له: كيف أخرجتَ له والعلماء تكلموا فيه؟
فسيقول لك: أنا أعرف أنهم تكلموا فيه؛ لكن هذا الذي أخرجتُه له مما لم يغلط فيه .
وسأورد لكم مثالاً -واعذروني على إتياني بمثال كهذا- لو كان هناك قفص (طماطم) أو قفص (مانجو) وفيه -مثلاً- ستون أو سبعون حبة، منها ثلاثون أو أربعون حبة معطوبة، فماذا ستعمل؟ تنتقي من هذا القفص الحبات السليمة . فأنا يمكنني أن أقول لك: هذا القفص كانت فيه حبات معطوبة .
ستقول: أنا أعلم أن فيه حبات معطوبة، ولكن هل أتركُه كلَّه؟ أنا انتقيت ما لم يدركه العَطَب .
كذلك علماء الحديث، إذا كان الراوي متكلماً فيه، فالمعروف أن هذا الرجل لم يغلط في كل أحاديثه، إنما غلط في بعض أحاديثه، فأنا بما لي من الخبرة والعلم والدربة والممارسة عرفتُ أن هذا الراوي أخطأ في عشرة أحاديث، أو عشرين حديثاً، أو مائة حديث، أو ألف حديث، والباقي لم يغلط فيها، فأخذت ما لم يغلط فيه وخرَّجته عندي، أي ملامة عليَّ في ذلك؟
فالإمامان البخاري ومسلم عملا هكذا .
من أجل هذا لا تنظر في أسانيد الصحيحين، فإن أسانيد الصحيحين صحيحة، إلا بعض أحرف قام الدليل على الغلط فيها، وأهل العلم يعتذرون عن البخاري وعن مسلم بحيث إذا صادفنا شيء من ذلك ذكرناه؛ لكن لا يختلف اثنان في تقدم البخاري رحمه الله، فإذا أخرج البخاري لراوٍ مُتَكَلَّمٍ فيه حديثاً، فهو قد انتقى من حديثه ما لم ينكروه عليه، ويكفي أن نعطي مثلاً بأول حديث في صحيح البخاري الذي قال فيه: حدثنا الحميدي ، قال: حدثنا سفيان بن عيينة ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم التيمي ، قال: سمعت علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وفي رواية للبخاري : على المنبر- يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيها الناس! إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ...) إلى آخر الحديث المشهور.
فهذا الإسناد (نظيف) و(مذهَّب)، ما عدا محمد بن إبراهيم التيمي ، سئل عنه الإمام أحمد فقال: له مناكير .
فرب واحد يقول لك: إذاً ما دام له مناكير، فكيف خرَّج له الشيخان؟
نقول: الإمام أحمد قال: له مناكير، ولم يقل: كل أحاديثه مناكير، أو هو منكر الحديث، بل قال: له مناكير .
فهذا الحديث مما اتفق أهل العلم جميعاً على أن محمد بن إبراهيم التيمي حفظه، وأنه لم يغلط فيه، فلا يقول قائل: هذا الحديث -وإن كان في الصحيحين- في إسناده محمد بن إبراهيم التيمي، وقد قال أحمد : له مناكير، فإنه يسقط .
إذاً: أي إسناد في الصحيحين فيه راوٍ مُتَكَلَّمٌ فيه، اعلم أن هذا مما انتقاه صاحب الكتاب، وأن هذا ليس من جملة ما غلط فيه هذا الراوي .
إذاً: عندنا ثلاثة رواة عند البخاري يروون هذا الحديث عن أبي عوانة ، وثمة آخرون من الثقات يروون هذا الحديث عن أبي عوانة ، فهذا الحديث يرويه مسلم في صحيحه أيضاً من طريق شيخيه أبي كامل الجحدري فضيل بن حسين وشيبان بن فروخ ، قالا -هذان الاثنان-: حدثنا أبو عوانة ...
قلنا: البخاري في هذا الموضع قال: حدثنا عارم ، أليس كذلك؟!
وفي كتاب العلم سيأتي بعد ذلك، قال: حدثنا مسدد ، وفي كتاب الوضوء قال: حدثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ، فهؤلاء ثلاثة قالوا: حدثنا أبو عوانة .
فكم واحد في البخاري ؟ ثلاثة .
إذاً: هؤلاء ثلاثة في البخاري .
ومسلم روى هذا الحديث من طريق شيبان بن فروخ ، وأبي كامل الجحدري فضيل بن حسين ، قالا: حدثنا أبو عوانة .
فكم شخصاً رواه عن أبي عوانة ؟ خمسة .
وأحمد قال في المسند: حدثنا عفان بن مسلم ، قال: حدثنا أبو عوانة .
فكم صاروا؟ صاروا ستة .
والطحاوي في: شرح معاني الآثار يرويه من طريق أبي داود الطيالسي .
فصار هؤلاء سبعة .
وعندنا أبو عوانة يرويه من طريق معلى بن أسد ، قال: حدثنا أبو عوانة .
كم صار العدد؟ ثمانية .
فهذه الأسماء كلها متابعات .
إذاً: هذه الطبقة هي طبقة شيخ البخاري ، انظر كم واحداً روى الحديث! كلهم يأخذ الحديث عن نفس الشيخ وبنفس السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فشيخه الأول هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، وهو هنا كأنما قال: أنا سأحول الإسناد إلى شيخٍ آخر، يعني أن حديثي يسنده إسنادان .
وأحياناً يحول إلى ثلاثة أو أربعة .
فحرف (ح) أول ما تراها في الأسانيد اعرف أنها حرف تحويل، أي: هو لتحويل الإسناد، وتجدونه بكثرة في صحيح مسلم، وتجدونه بقلة في صحيح البخاري.
ثم أخيراً ما يرويه الطحاوي في شرح معاني الآثار عن سهل بن بكار ، عن أبي عوانة ، فهؤلاء تسعة يروون الحديث عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
وتفعل نفس الفعل لما تقرأ كتاب: التاريخ الكبير للإمام البخاري .
فالتاريخ الكبير للإمام البخاري كتاب معجزة، ويكفي أن إسحاق بن راهويه شيخ البخاري لما صنف البخاري هذا الكتاب، مِن كثرة إعجابه بالكتاب دخل على عبد الله بن طاهر الأمير وقال: أيها الأمير! ألا أريك سحراً؟! ألا أريك عجباً؟! وأراه هذا الكتاب .
وربما أن عبد الله بن طاهر لم يفهم منه كلمة واحدة؛ لكن إسحاق بن راهويه بمجرد إطلاعه على الكتاب دخل على عبد الله بن طاهر -مع أن البخاري تلميذه، انظر إلى إنصاف أئمة الزمن الماضي! انظر إلى التواضع، شيخ يشيد بكتاب تلميذه، ويقول: ألا أريك سحراً؟! ألا أريك عجباً؟! فأراه الكتاب.
فـالبخاري في الصحيح، وفي كتاب التاريخ يتعامل مع أناس يفهمون، لا تصلح كتب البخاري لغبي، فالغبي لا تنفعه قراءة صحيح البخاري، ولا يمسكه بيده، فهذا يُرِيْحُ نفسَه، ويبحث له عن كتاب متوسط يفهمه.
البخاري يقول الكلمة مرة واحدة فقط، مثلاً: المشهور عن البخاري أنه يقول في مسألة ثبوت اللقاء: أنه لا يحدث اتصال راوٍ من راوٍ إلا إذا ثبت سماعه ولو مرةً واحدة، ولو في إسنادٍ واحد، فـالبخاري ينظر هل يوجد راوٍ معين مختلف في سماعه من شيخه، حينها يأتي بعشرة أو خمسة عشر سنداً وراء بعض، فالعلماء أول ما يقرءون الأسانيد بترتيبها، يقولون: هل البخاري يثبت السماع أو ينفيه؟! فـالبخاري له مذهب في ترتيب الأسانيد، وأهل العلم يعرفون هذا المذهب وهو أنه يريد بهذه الأسانيد إثبات السماع.
فـالبخاري رحمه الله لم يكن يتصدى في الصحيح لمسألة الأسانيد .
بينما مسلم هو الذي تصدى وتفنن، وأظهر براعته وفَهمه العالي لمسألة الإسناد في الصحيح، ولم يتصدَّ لاستنباط الأحكام العملية من الأدلة التفصيلية، ولذلك لم يبوب مسلم صحيحَه، كل التبويب الذي تراه في صحيح مسلم ليس من مسلم .
وهذا التبويب هو تبويب النووي رحمه الله، لكن مسلماً رتب الكتب، قال: كتاب الإيمان، كتاب الصلاة، كتاب الطهارة، كتاب الزكاة، فترتيب الكتب من مسلم، أما الأبواب فإنه لم يبوب هذه الأحاديث مثل البخاري ، فالبخاري اعتنى بالتبويب، يقول: باب كذا؛ لأن البخاري أودع فقهه في تراجم كتابه، فلذلك لا تجد الصنعة الحديثية المثالية في صحيح البخاري، فإذا أردت الصنعة الحديثية المثالية فاقرأ صحيح مسلم.
فأحياناً قد يوضع الإنسان في مثل هذا الموقف فيحرج.
فهذا يزيد بن عطاء عندما جاء إليه أهل البصرة ليهنئوه بأنه قام بإعتاق أبي عوانة لم يجد بداً من إعتاقه، مع أن يزيد بن عطاء خيَّر أبا عوانة بين أن يعتقه وبين أن يكتب الحديث، فاختار كتابة الحديث مع الرق.
كم من ضعيفٍ متضعفٍ أعزه الله بالعلم .
فهذا يزيد بن عطاء لا أحد يعرفه؛ لكن أبا عوانة في القمة .
فكم من ضعيفٍ متضعفٍ أعزه الله بالعلم، (إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين) .
وأبو بشر شيخ أبي عوانة في هذا الحديث، هو جعفر بن إياس وهو ثقة، وكثير من العلماء تكلموا في بعض حفظه، لكن رواية أبي عوانة عنه صحيحة، ويوسف بن ماهك ثقة أيضاً، وعبد الله بن عمرو بن العاص صحابيٌ جليل معروف .
بهذا نكون قد وقفنا على عتبة المتن . يعني: تكلمنا عن الإسناد ووقفنا على عتبة المتن .
المعذرة! فأنا لما أتكلم عن العلماء أتكلم كلام محب لهم؛ لأن حياتي معهم، أنا أقضي مع هؤلاء أكثر مما أقضي مع أولادي وأهلي، فأنا أحياناً أقضي مع هؤلاء أربع عشرة ساعة في اليوم، أقرأ في تراجمهم وسيرهم، وأبحث عن أخبارهم، وأتتبع رواياتهم، حتى صار عندي شغف بالغ، فبمجرد أن يمر علي اسم الواحد من هؤلاء أشعر بالأنس مباشرة، فمثلاً: شعبة ، أو سفيان ، أو أبو عوانة ، أو سفيان بن عيينة ، أو حماد بن زيد ، أو حماد بن سلمة ، كل هؤلاء أشعر بأنس معهم، كأنهم أهلي.
فـشعبة بن الحجاج أبو بسطام رحمة الله عليه روى هذا الحديث عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو .
وقد أخرج هذه المتابعة الإمام أحمد بن حنبل ، قال: حدثنا محمد بن جعفر الملقب بـغُنْدَر ، وأول ما ترى اسم غُنْدَر في الإسناد فهو محمد بن جعفر ، وغُنْدَر من الألقاب التي يصلح أن توضع كمثال على الألفاظ، ونحن نتكلم عن الرجولة، ومحمد بن جعفر
، الذي لقبه بـغندر هو ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز ، فقد كان محمد بن جعفر يعمل (دوشةً) وضوضاء دائماً، فكان يقول له: اسكت يا غندر، (غُنْدَر) بلغة أهل الحجاز أي المشاغب، فأهل الحديث كانوا ينادونه بهذا اللقب مباشرةً، مثل صالح جزرة ، فـصالح هذا لا يوجد مثله في الحفظ والإتقان؛ لكنه معروف بلقبه جزرة ؛ لماذا؟لأنه مرةً كان أحد شيوخه يحدث بحديث الخرزة، ثم قال لهم: أين وقفنا؟ فـصالح صحَّفها فبدل أن يقول: خرزة قال: جزرة، فضج المجلس بالضحك، وصار من يومها جزرة ، وتلقفوها، فعندما يقال: حدثنا جزرة فاعرف أنه صالح مباشرة .
فـ غندرمحمد بن جعفر روى هذا الحديث عن شعبة ، وغُنْدَر هذا لازم شعبة عشرين سنة، فهنيئاً لشخص يقعد مع شعبة عشرين سنة! وثابت بن أسلم البناني لازم أنس بن مالك أربعين سنة، وحامد بن يحيى البلخي أفنى عمره في مجالسة ابن عيينة ، والإمام مسلم لزم البخاري خمس سنوات .
فالإمام أحمد روى هذه المتابعة في مسنده عن شعبة بن الحجاج ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو فقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر غندر قال: حدثنا شعبة وساق هذا الإسناد .
ورواه أيضاً النضر بن شميل إمام العربية، وإمام الحديث، قال: حدثنا شعبة ، وساق هذا الإسناد أيضاً .
وهذه المتابعة أخرجها أبو عوانة في مستخرجه على مسلم، وأظن أنها معلقة، وأرجو أن لا أكون واهماً؛ لأني عندما أقول: أخرجه أبو عوانة المفروض أن يكون بسنده المتصل، فكأن الذي في ذهني أن أبا عوانة أخرجها معلقةً في مستخرجه على مسلم .
بقي طريقٌ آخر وهو طريق أبي يحيى واسمه الإصبع ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ويروي هذا الحديث هلال بن يسار ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وقد أخرج هذه الرواية الإمام مسلم في صحيحه، وكذلك أخرجها أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد وابن خزيمة والطحاوي في معاني الآثار، وآخرون، كلهم من طرقٍ عن هلال بن يسار ، عن أبي يحيى المعرقد واسمه: الإصبع ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك أصحابه يتوضئون وأعقابهم تلوح. فقال: ويل للأعقاب من النار، اسبغوا الوضوء).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر