حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد قال: أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] ، إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء
هذا الحديث أخرجه مسلم رحمه الله والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وحماد هو ابن سلمة وهو شيخ موسى بن إسماعيل وهو أثبت الناس في الرواية، وهذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله ليبين حكم مؤاكلة الحائض، ومباشرتها، والأكل معها والشرب معها، وأن هذا لا بأس به كما دلت عليه الأحاديث.
وفي هذا الحديث أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، وجعلوها في غرفة مستقلة، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فلم يأمر الله سبحانه وتعالى إلا اعتزالها في المحيض يعني في محل الحيض وهو الجماع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت)، أي: اجتمعوا معهن، واجلسوا معهن، وآكلوهن وشاربوهن مخالفة لليهود، قال: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح) والمراد بالنكاح الجماع، والنكاح يطلق على العقد ويطلق على الوطء، والمراد هنا الوطء، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالت اليهود: ما يريد هذا الرجل -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فمخالفة اليهود مقصودة للشارع، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (إن اليهود لا يصلون في نعالهم فصلوا في نعالكم)، (إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم).
وفي هذا مخالفة لليهود قبحهم الله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، جاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ -يعني أفلا نجامعهن- فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تغير وجهه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]- قال: حتى ظننا أن قد وجد عليهما، -أي: فظنوا أنه غضب عليهما، فوجد بمعنى غضب- فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما، -وكأنه لما قاما من عنده جاءت هدية من لبن في وقت قيامهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليهما فجاءا فسقاهما من اللبن فعلم الصحابة أنه لم يغضب عليهما.
وكما حصل لبعض الصحابة كـالطفيل بن عمرو لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه، سأله أن يدعو الله أن يجعل له آية أي: علامة، ليعلموا بها صدقه فلما جاءهم أضاء لهم مثل السراج في جبهته، فقال يا رب! في غير هذا الموضع، فكانت في سوطه، فأسلم قومه.
وإن كانت موجودة في الصحابة ولكنها ليست كثيرة، إنما كثرت في التابعين.
وفي الحديث جواز الاستمتاع من الزوجة الحائض في غير الوطئ، مؤآكلة ومجالسة ومباشرة في غير الحرث، وفي هذا الحديث الغضب إذا انتهكت محارم الله.
وهذا الحديث أيضاً أخرجه مسلم رحمه الله، والنسائي ، وابن ماجة ، وتعرق العظم، تتبع اللحم فيه، وفي اللفظ تعرق العظم، وهو العظم الذي فيه بقية من لحم، والمعنى: أن عائشة كانت تأخذ العظم فيه شيء من اللحم فتعرش منه، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه مكان فمها، وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ومؤانسته لأهله، وفيه دليل على أن فم الحائض طاهر، وكذلك عرقها وثيابها ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع الحائض ويضاجعها، وفيه أن النجاسة مختصة في الدم.
بل قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ، وهذا أقرب إلى القبول والاستجابة والتآلف، من التعذيب والشدة والغلظة، فيما عدا اليسير منه لمعالجة بعض المخالفات مع النصيحة باللين الذي لا يؤدي إلى الطلاق، والمعنى كونه يعاشرها ويحسن عشرته معها هذا أقرب إلى المودة وأقرب إلى الاحتفاظ بالحال، بخلاف ما إذا عبس وأغلظ فإن هذا قد يؤدي إلى الطلاق.
وهذا أخرجه الشيخان، والنسائي ، وابن ماجة ،وفيه طهارة بدن الحائض، وثيابها، وأن النجاسة مختصة بالدم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر عائشة ويقرأ القرآن وهي حائض ولا حرج في ذلك.
حدثنا مسدد بن مسرهد قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد، قلت إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك) ] .
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، من حديث عبد الله البري ، والخمرة سجادة من حصير صغيرة بقدر الوجه والكفين، سميت خمرة؛ لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض، وفيه دليل على أن الحائض يجوز لها أن تمر من المسجد لحاجة ويستدل لجواز ذلك للجنب بقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] ، فالجنب يجوز له أن يمر في المسجد، لكن لا يجوز له المكث وكذلك الحائض تمر مروراً، أما المكث فلا، إلا إذا توضأ الجنب، فإنه ورد عن الصحابة ما يدل على أنه لا بأس بذلك لأنها حينئذ تخف الجنابة، كما سبق.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث لـعائشة : (ناوليني الخمرة - يعني السجادة - فقالت: إني حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك) ، فبين لها عليه الصلاة والسلام أنه لا بأس بالمرور.
وفيه أنه عند القيض فلا بأس أن يصلي المرء على ما يمنع أذى حرارة الأرض أو برودتها وحصاها من سجادةٍ أو شيءٍ آخر لكن إذا كانت الأرض مفروشة فلا داعي لمثل ذلك.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة قالت: إن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء ].
وهذا الحديث أخرجه الشيخان، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وفيه دليل على أن الحائض لا تقضي الصلاة، ولكنها تقضي الصوم، وهذا من حكمة الله تعالى ورحمته بالمرأة، فإن الحيض يتكرر في كل شهر مرة، فلو كلفت بقضاء الصلاة لشق عليها ذلك، أما الصوم فإنه لا يكون إلا في السنة مرة، فلهذا تؤمر بقضاء الصوم، وفي اللفظ الآخر أن عائشة قالت لها: كنا نحيض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
وقولها: أحرورية أنت، أي: هل أنت من الخوارج الذين سكنوا بلدة حرورى، وهي بلدة في العراق تجمع فيها الخوارج، فسموا حرورية، لسكناهم هذه البلدة ولما أنها لم تحسن السؤال، ظنت عائشة رضي الله عنها أنها معترضة، - أي: تعترض على الشرع - فقالت لها: أحرورية أنت، وكان سؤالها في اللفظ الآخر: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فقالت: أحرورية أنت، تريد أتعترضين قالت: لست بحرورية ولكني أسأل.
لما رأيت الأمر أمراً منكراً
أججت ناري ودعوت قنبرا
ومن أصولهم أنهم يعملون بالقرآن ولا يعملون بالسنة بزعمهم، ولما كان هذا الحكم، وهو أن الحائض لا تقضي الصلاة بالسنة فلا يعملون به.
وقد اختلف فيهم فالجمهور على أنهم مبتدعة، وكان عليه الصحابة حيث عاملوهم معاملة المبتدعة؛ لأنهم متأولون، كما استدل الجمهور بقول علي رضي الله عنه، لما سئل عنهم أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا.
والقول الثاني: أنهم كفار، ويروى عن الإمام أحمد وهو ظاهر الأحاديث الكثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ، وفي لفظ: (يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه) ، وفي اللفظ الآخر: (لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) ، شبههم بعاد وهم قوم كفار، وفي اللفظ الآخر: (فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله) ، وهذه النصوص تدل على كفرهم.
فيه أن الله سبحانه وتعالى سامح المرأة الحائض من قضاء الصلاة لمشقة ذلك عليها بخلاف الصوم، فإنه لا يكون إلا في العام مرة، فلهذا تؤمر به، واختلف العلماء في الصلاة التي دخل وقتها، وهي طاهر ثم حاضت، هل تقضيها أو لا تقضيها، فقال كثير من الفقهاء الحنابلة وغيرهم تقضيها، وقال آخرون: لا تقضيها، فإن قضت احتياطاً فهو حسن.
حدثنا مسدد قال: أخبرنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) .
قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، وربما لم يرفع شعبة ] .
وهذا السند لا بأس به، وهو سند جيد، والحديث روي موصولاً وموقوفاً ورواه الحاكم وابن القطان موصولاً وهما ثقتان، ومن العلماء من قدم الموقوف وهم الجمهور وقد أعلوه بالاضطراب في سنده وفي متنه، وقالوا إن هذا الحديث لا يعمل به؛ لأنه مضطرب سنداً ومتناً، كما سيذكر المؤلف رحمه الله روايات في هذا الحديث بعده، وقالوا: ليس عليه شيء إذا جامع امرأته وإنما عليه أن يستغفر الله، وقالوا: إن الذمة بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها، وهذا الحديث فيه اضطراب في السند، واضطراب في المتن، أما في السند فقد روي موصولاً وموقوفاً، وأما في المتن فقد روي دينار وروي نصف دينار، كما روي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار، وروي التفرقة بين أن يجامع مع جري الدم أو بعد انقطاع الدم، وروي أيضاً يتصدق بخمسي دينار، وروي بنصف دينار، وروي إذا كان دماً أحمراً فدينار، وإن كان دماً أصفراً فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار، وإن كان كدرة فنصف دينار.
ولذلك قالوا: ليس عليه شيء إذا جامع زوجته وإنما يستغفر الله؛ لأن هذا الحديث لا يصح.
وقال آخرون: الصواب أن هذا الحديث ثابت فقد روي موصولاً وموقوفاً فـالحاكم وابن القطان رووه موصولاً وهما ثقتان، ورواه بعضهم موقوفاً، فيقدم مرة وهو موصولاً على مرات موقوفاً، إذا كان الواصل ثقة؛ لأن الواصل معه زيادة علم، خفيت على من قطع، وكذلك من رفع معه زيادة علم خفيت على من وقف.
وعلى هذا فإنه يعمل بهذا الحديث فيكون على من جامع زوجته وهي حائض التوبة والاستغفار وعليه كفارة دينار أو نصف دينار، والدينار مثقال من الذهب، وهو يعادل أربعة أسباع الجنيه السعودي، فإذا كان الجنيه السعودي صرفه مثلاً سبع مائه، فعلى من جامع أربعمائة أو مائتين، وإذا كان صرف الجنيه سبعين ريالاً يكون عليه أربعين ريالاً، أو عشرين ريالاً يتصدق بها بالخيار، وأما كونه مخيراً فهذا لا بأس به، ففي كفارة اليمين تخيير، وفي كفارة الأذى في الحج تخيير: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] ، وأبو داود رحمه الله رجح تفسيرها، قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة، وصححه ابن القيم رحمه الله، وقال: إن عبد الحميد بن زيد الخطاب أخرج له صاحب الصحيح ووثقه النسائي ، وهو حديث لا بأس بسنده.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: أخبرنا جعفر يعني ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار .
قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم .
حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار) .
قال أبو داود : وكذا قال علي بن بديمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمره أن يتصدق بخمسي دينار) ، وهذا معضل ] .
الشيخ: وإنما كان معضلاً لسقوط راويين في الإسناد فيكون ضعيفاً، وكذلك الأول حديث محمد بن الصباح عن شريك عن خصيف ، وخصيف هذا ضعيف قيل عنه: صدوق في الحفظ، خلط بآخره.
وقال الحافظ في ترجمة خصيف : هو ابن عبد الرحمن الجزري صدوق سيء الحفظ خلط بآخره.
وهو الراوي لأحاديث الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى في مصلاه وهو ضعيف، والصواب أنه لبى بعدما ركب راحلته.
والرواية الثانية عن علي بن بديمة معضلة فكل هذه الروايات ضعيفة.
وكذلك ما قبله الذي رواه ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني قال عنه بعضهم: ثقة ضعفه الأزدي بلا حجة وقال آخرون: حديثه لين وهو راوي التفصيل في الفرق بين أول الدم وآخره فيكون الحديث ضعيفاً، كل هذه ضعيفة كونه يتصدق بنصف دينار أو بخمسي دينار لا تخلو من مصائب، والصواب ما دل عليه الحديث الأول وهو حديث ابن عباس في حديث عبد الحميد بن عبد الرحمن قال الحافظ عنه في التقريب: ثقة مقبول أنه تصدق بدينار أو بنصف دينار، أما هذه الروايات فهي لا تخلو من مقالة في سندها ومتنها وكل ذلك ضعيف.
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به ].
الشيخ: وهذا الحديث أخرجه النسائي كما سبق، والحديث في سنده ندبة ويقال: ندبه والراوي عنه حبيب مولى عروة وفيه كلام، ولكن الحديث له شواهد ومتابعات يرتقي بها إلى درجة الاحتجاج كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله، وسيأتي بعده من الأحاديث ما يشهد له، وهو يدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض فيما دون الفرج، وكونه من وراء الإزار أفضل وأبعد عن الخطر، لكن لو نزع الإزار فلا بأس وفي حديث أنس عند مسلم (يصنع كل شيء إلا النكاح) ، أي: الجماع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ثم يضاجعها زوجها، وقال مرة (يباشره) ] .
الشيخ: وهذا الحديث أخرجه الشيخان، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وهو يشهد للحديث الذي قبله، ويدل على أنه لا بأس بمباشرة الحائض من وراء إزار وأن هذا الأفضل.
الشيخ: وهذا الحديث سنده حسن لا بأس به، قد وأخرجه النسائي كما سبق، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، وفيه دليل على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في الثوب الواحد وهو الشعار.
وفيه أن الإنسان إذا أصابه شيء من الدم يغسل ثوبه أو جسده ولا يتجاوز مكانه ولا يتكلف، كما يفعل بعض العامة إذا أصابه شيء من بعض النجاسة كالبول غسل الثوب كله، أو إذا أصاب جسمه شيء اغتسل، هذا من التكلف الذي لا وجه له، إنما يغسل مكان النجاسة فقط، فإن كان متوضئاً وأصابته نجاسه جاز أن يغسل مكان النجاسة والوضوء أحسن.
وقولها: لم يعده، أي: لم يجاوز موضع الدم.
والطامث هي الحائض.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: أخبرنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب قال: إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ دخل فمضى إلى مسجده، قال أبو داود : - تعني مسجد بيته - فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال: (ادني مني، فقلت: إني حائض فقال: وإن اكشفي عن فخذيك) ].
الشيخ: وإن، أي: وإن كنت حائض.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ (فقال: وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفىء ونام) ] .
الشيخ: هذا الحديث فيه علل، وآفات متعددة، ومن العجب سكوت أبي داود عليه، وهو رحمه الله قال: ما سكت عنه فهو حسن، فـعبد الله بن عمر بن غانم هذا ضعيف، وعبد الرحمن بن زياد ضعيف أيضاً، وعمارة بن غراب أيضاً ضعيف، وعمته مجهولة أيضاً كل هؤلاء لا يحتج بحديثهم فتلك أربع علل، ويزاد عليها النكارة في المتن أيضاً، وهو أن وضع الرأس على الفخذين ليس فيه دفئ، وإنما الدفئ أن يضع رأسه على ثوبٍ أو شيءٍ يكون حائلاً بينه وبين اللحم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر ] .
الشيخ: عن المثال يعني: عن الفراش والحديث في سنده أبو اليمان وهو ليس بمشهور وفي سنده أم ذرة ويقال: درة بالدال أو الذال وهي مجهولة فيسقط الاحتجاج بهذا الحديث، ومع ذلك أيضاً سكت عليه أبو داود رحمه الله، ولو استقام سنده وصح فهو شاذ، لا يعمل بشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يباشر الحائض ويلمسها ويشرب من موضع فمها ويتعرق العظم من موضع فمها، وقد جاء في حديث أنس : (تصنع كل شيء إلا النكاح) ، أي الجماع كما سبق.
وهذا فيه أنها تقول: (لم نقرب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر) ، فهو شاذ إذا صح سنده لكن لا يصح.
الشيخ: وهذا الحديث لا بأس به، قال الحافظ في الفتح سنده قوي، وهذا كونه يلقي على فرجها ثوباً من باب الحيطة ويستحب أن يشد الزرائر خشية أن يلمس الفرج، وإلا فيجوز له المباشرة من دون إزار على الصحيح، كما دلت على ذلك الأحاديث الأخرى كحديث أنس: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، ولم يذكر الإزار.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه ] .
الشيخ: قولهها في فوح حيضتها: أي في أوله ومعظمه، والإرب: المراد العضو، وروي يملك إربة يعني العضو، وروي: يملك إربه، يعني حاجته، للوطء والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك كان يباشر فوق الإزار تشجيعاً للأمة، فالإزار أفضل وأولى.
وقد اختلف العلماء في مسألة المباشرة من فوق السرة وتحت الركبة، أما المباشرة بالجماع فهذا حرام بالاتفاق، أما كونه يباشر فيما فوق السرة وتحت الركبة فهذا جائز بالاتفاق، وأما المباشرة فيما بين السرة والركبة من وراء إزار فهذا أيضاً جائز، بالاتفاق وأما بدون إزار فهذا فيه خلاف، والصواب أنه لا بأس به لحديث أنس المتقدم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر