إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. حسن أبو الأشبال الزهيري
  5. كتاب الحج
  6. شرح صحيح مسلم - كتاب الحج - الإهلال من حيث تنبعث الراحلة

شرح صحيح مسلم - كتاب الحج - الإهلال من حيث تنبعث الراحلةللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج أو العمرة أن يتطيب لإحرامه، فيطيب مفرق رأسه وبدنه بأجود ما يجد من الطيب، ثم يركب دابته ويستوي على ظهرها، فإذا شرعت بالسير أهل صلى الله عليه وسلم، وكان هذا فعله في إهلاله بالعمرة من ذي الحليفة، وكذلك عندما أهل بالحج من مكة يوم التروية.

    1.   

    مجمل الكلام في المواقيت الزمانية والمكانية

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    وبعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أما بعد:

    فبعد أن تعرضنا في كتاب الحج في الباب الأول لبيان ما يحرم على الحاج وما يباح له في ثيابه، انتقلنا بعد ذلك إلى المواقيت وقلنا: إن المواقيت منها المكاني ومنها الزماني، فهناك ميقات زماني للحج وهو أشهر الحج، وبينا أن أشهر الحج: هي شوال وذو القعدة، ووقع الخلاف في ذي الحجة هل هو الشهر كله أم بعضه؟ ورجحنا أن مذهب جماهير العلماء أن بعض شهر ذي الحجة هو من أشهر الحج وليس كل شهر ذي الحجة، وينتهي هذا البعض من الشهر بانتهاء ليل يوم النحر؛ لما رجحناه هناك من اتفاق العلماء على أن من لم يدرك الوقوف بعرفة في نهار التاسع من ذي الحجة إنما يجزئه أن يقف ولو بعض الليل من ليلة النحر، ثم ينزل إلى مزدلفة فإن أدرك المبيت بها ولو في جزء يسير من الليل كذلك صح مبيته في مزدلفة، فإن لم يدرك الوقوف في مزدلفة في هذه الليلة صح حجه وعليه دم؛ لأن المبيت في مزدلفة في مذهب جماهير الفقهاء واجب، وهو الراجح من الأدلة، وهو فعل النبي عليه الصلاة والسلام.

    أما ما يقال: إن شهر ذي الحجة كله من الأشهر الحرم فليس هذا بقول متين ولا تقوم عليه الأدلة؛ ولأنه يترتب عليه جواز التمتع والقران في العشرين يوماً الباقية منه ولا قائل بذلك، وإن قال بذلك بعض أهل العلم فيرد عليهم؛ لأن التمتع والقران إنما يسميان بذلك لكونهما قد وقعا في عام واحد، فإن الذي يقرن بين حجه وعمرته بعد أداء نسك الحج يلزمه إذا أتى قارناً أن يسوق الهدي معه ويتمتع ويبقى في ملابس إحرامه حتى يدخل الحج القادم؛ أي: من العام المقبل، وإذا أتى متمتعاً يلزمه أن يعتمر في شهر ذي الحجة -أي: في العشرين يوماً الأخيرة منه- ثم يظل متمتعاً ولا يخرج من مكة حتى يدرك الحج من العام المقبل.

    وشهر ذي الحجة هو تمام السنة، والمحرم ابتداء سنة جديدة، وإنما سمي تمتعاً لأن الحاج يتمتع بالعمرة إلى الحج من نفس العام، وسمي قراناً لأن القارن يقرن بين العمرة والحج من نفس العام، فإذا اعتبرنا أن شهر ذي الحجة كله هو من أشهر الحج وليست العشرة الأيام الأوائل منه فهذا يعني حصول المشقة للناس، كما أنه من جهة المعنى فاسد؛ لأن التمتع والقران يقعان في عام واحد لا في عامين متتاليين.

    أما الميقات المكاني: فإن ميقات أهل الشام ومن مر بهم هو الجحفة، وهي المعروفة اليوم برابغ، ورابغ قبل الجحفة بشيء يسير، وانعقد الإجماع على جواز الإحرام منه؛ لأن الجحفة صار الآن خرباً لا ينزله أحد، وميقات أهل المدينة هو ذو الحليفة، وهي المعروفة بأبيار علي، وميقات اليمن هو يلملم، وميقات العراق هو ذات عرق، وميقات أهل نجد ومن مر بهم هو وادي السيل.

    قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المواقيت: (هن لهن -أي: هذه المواقيت لأهلها المحددة لهم- ولمن مر بهن من غير أهلهن)، يعني: الجحفة ميقاتك باعتبارك من أهل الشام أو من أهل مصر، أما إذا كنت بالمدينة أو مررت بالمدينة فإن ميقاتك هو ميقات أهل المدينة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام بعد أن حدد المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج أو العمرة).

    وقلنا في هذه المواقيت: إنه لا يجوز لأحد قط إذا كان يريد نسكاً.. عمرة أو حجاً أن يتجاوز هذه المواقيت ولا أن يعبرها بغير إحرام، فإذا كنت قاصداً أداء النسك وما أخرجك من بيتك إلا هذا القصد فيحرم عليك أن تعبر الميقات وأن تتجاوزه بغير إحرام، فإن تجاوزته بغير إحرام لزمك الرجوع إلى الميقات للإحرام من جديد، وعليك الإثم؛ أي: إثم عمد التجاوز بغير إحرام، تستغفر الله تعالى وتتوب إليه منه.

    أو أنك تحرم من مكانك بعد تجاوز الميقات وعليك دم، ويسن لمن أحرم من الميقات أن يشترط، فبعد أن يقول: لبيك اللهم عمرة، أو حجاً، أو عمرة وحجاً فيقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؛ لأنه لو منعك مانع بعد الإحرام وبعد تجاوز الميقات من مرض أو وعكة أو علة أو حتى إجراء في الأوراق الرسمية؛ ربما ذهبت إلى المطار أو إلى الميناء فقالوا: جوازك مزيف مثلاً، أو قالوا: التأشيرة غير صحيحة وغير سليمة، أو أوراقك ليس لها عندنا رقم على الكمبيوتر، أو غير ذلك، فإنهم لا يتورعون أن يرجعوك في أقرب طائرة أو باخرة إلى بلدك مرة أخرى وأنت بملابس الإحرام.

    فإنما في هذه الحالة لابد أنك ستتحلل من إحرامك؛ فإن كنت قد اشترطت من الميقات وقت الإحرام وقلت: فإن حبسني حابس -أي: منعني مانع- فمحلي حيث حبستني. أي: فجوز لي يا رب أن أتحلل في نفس المكان الذي منعني فيه العذر وحبسني فيه الحابس؛ فإن قدمت في وقت الإحرام هذا الشرط ومنعك مانع أو حبسك حابس جاز لك أن تتحلل ولا شيء عليك، وإن لم تشترط ومنعك مانع أو حبسك حابس فلابد أن تتحلل، ولكن يبقى عليك دم، هذا الدم هو ذبح شاة لفقراء الحرم توكل فيه، وبعض أهل العلم اشترط أن يكون ذبح هذا الفداء في أشهر الحج أو في شهر ذي الحجة؛ ولكن هذا الشرط لا دليل عليه، فلك أن تفدي في أي وقت شئت؛ لأنك في حقيقة الأمر لست متنسكاً حتى تطالب بذبح النسك في وقت النسك.

    بمجرد أن تحللت انتهى حجك وانتهت عمرتك التي لأجلها تنسكت، فلست من أهل العمرة ولست من أهل الحج وإن حزت على ثواب الحاج وثواب المعتمر؛ لأن العذر هو الذي منعك ولولاه لسرت قدماً في إتمام النسك.

    يبقى معنا في هذه الليلة الكلام على بعض المواقيت بعد ذكر المواقيت جملة والمحرمات جملة فسنفصل بعد ذلك بأدلة تفصيلية لميقات أهل كل بلد.

    1.   

    باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة

    قال الإمام النووي: (باب: أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة)، أي: الأمر لأهل المدينة النبوية ولمن مر عليها من غير أهلها أن يحرموا من مسجد ذي الحليفة.

    فميقات أهل المدينة هو ذو الحليفة، ومن أراد أن يحرم من ميقات أهل المدينة فليحرم من عند الميقات المحدد له لا قبل ذلك ولا بعده، أي: لا قبل الميقات ولا بعده؛ لأنه لو أحرم قبل الميقات يلزمه أن يحرم ثانية من الميقات، ولو أحرم بعد الميقات لزمه أن يرجع إلى الميقات أو أن يذبح دماً.

    فميقات أهل المدينة هو ذو الحليفة، لأهل المدينة ولمن جاء عليها وأراد أن يخرج منها متوجهاً إلى مكة لأداء النسك، بخلاف الذي يريد أن يدخل مكة لا للنسك وإنما لتجارة أو زيارة أو غير ذلك فإن هذا لا يلزمه الإحرام؛ لأنه ما نوى أصلاً أداء النسك وإنما نوى دخول مكة، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل مكة بغير إحرام ولا نسك، ودخل مكة بإحرام ونسك، فأما دخوله مكة للنسك فقد أحرم له، ولما أراد القتال وفتح مكة ما أحرم له؛ لأنه ما نوى النسك في هذه السنة أو في هذا العام.

    ولا يجوز لأهل المدينة ولمن مر بهم وأراد النسك أن يحرم من المسجد النبوي، مع أنها أميال قلائل بين المسجد وبين الميقات.

    ولذلك أحرم رجل من المسجد النبوي وصلى ركعتين ولبى من المسجد، فسمعه مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي الإمام الفقيه، فقال له: إني أخشى عليك الفتنة، قال: أي فتنة يا إمام؟ إنما هي فراسخ بيننا وبين الميقات، وأردت أن أحرم من المسجد لشرفه، قال: أما سمعت قول الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

    والنبي عليه الصلاة والسلام جعل ميقات أهل المدينة ذا الحليفة، وهو أعلم بأن المسجد له شرف وله منزلة وله مكانة ومع هذا لم يحدده ميقاتاً لأهل المدينة ولمن مر بهم، فمن أحرم من المسجد النبوي ولم يحرم من الميقات الشرعي النبوي الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام يخشى عليه أن تصيبه فتنة، فهنا لابد من التزام المواقيت لكل بلد ولمن مر عليها.

    شرح حديث ابن عمر في تلبية النبي من عند مسجد ذي الحليفة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله -وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما- أنه سمع أباه -أي: عبد الله بن عمر- رضي الله عنه يقول: (بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني: ذا الحليفة) ].

    عبد الله بن عمر أكثر الصحابة التزاماً بسنة النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يقول: بيداؤكم هذه أنتم تكذبون على رسول الله عليه الصلاة والسلام فيها، وتزعمون أنه أحرم منها ولم يحرم منها، إنما أحرم من أمام باب مسجد ذي الحليفة، والبيداء: هي الصحراء وهي الأرض القحل وهي المكان المتسع العظيم كان قبل المسجد مباشرة.

    فأهل المدينة في زمن التابعين كانوا يذهبون إلى هذه البيداء ويحرمون منها وينطلقون بدوابهم، ويزعمون أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام كانوا يحرمون من هذه البيداء التي هي بجوار المسجد مباشرة، فـعبد الله بن عمر أطلق القول بأنهم قد كذبوا على النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه ما أحرم من هذه البيداء ولا من هذه الأرض القاحلة، وإنما أحرم من باب المسجد وبينهما مسافة يسيرة جداً.

    هذه البيداء الآن دخلت في توسعة هذا المسجد، ولكن على أية حال لابد من التزام المكان؛ لأنك لا تدري كما قلنا من قبل في الدرس الماضي: إن بين عرفة وبين مزدلفة علامة وهي لوحة قد وضعها المتخصصون ليبينوا أن من عبر هذه اللافتة يكون قد دخل في أرض عرفة وصح وقوفه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (وعرفة كلها موقف).

    وأما من بات خلف أو قبل هذه اللافتة فلم يصح له وقوف بعرفة بل لا يصح له حج؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة) يعني: أعظم ركن من أركان الحج هو الوقوف بعرفة، فإن أتيت به جبر ما دونه بالدم، وإن لم تأت بهذا الركن على جهة الخصوص لا يجبر بدم قط.

    وها نحن منذ قرابة سبع سنوات لما بدأنا في هذا الكتاب المبارك قلنا: إن الكذب عند أهل السنة والجماعة له مدلول بخلاف المعتزلة.

    الكذب: هو إخراج الكلام على غير حقيقته، سواء كان في ذلك متعمداً أو مخطئاً أو ساهياً أو ناسياً، وهذا مصطلح أهل السنة والجماعة، أما عند المعتزلة فإنهم قالوا: الكذب لا يكون إلا إذا تعمده صاحبه، ولكن هذا التعريف عند أهل السنة والجماعة شرط لازم للإثم لا لبيان الكذب، يعني: لا يأثم الكاذب عند الله عز وجل إلا إذا تعمد الكذب، ولكن الكاذب ساهياً أو ناسياً أو مخطئاً لا إثم عليه، كمن حلف أنه فعل الشيء الفلاني ثم أيقن بعد أن أقسم أنه لم يفعله، فلا إثم عليه، بخلاف الذي يذكر أنه لم يفعل وأقسم أنه فعل متعمداً وهو يعلم أن الأمر على غير الحقيقة، فهذا بلا شك هو اليمين الغموس الذي ينغمس به صاحبه في نار جهنم عياذاً بالله.

    فقال عبد الله بن عمر : هذه البيداء التي تحرمون منها يا أهل المدينة أنتم ومن مر بكم، وتزعمون أن النبي عليه الصلاة والسلام أحرم منها ليس الأمر كما تقولون، وإنما هذا كذب ولا يلزم منه أنهم تعمدوا ذلك، بل يمكن أن يكون ذلك صدر منهم على سبيل الخطأ أو السهو أو النسيان، قال: (ما أهل -أي: ما أحرم- رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد) يعني: من عند باب مسجد ذي الحليفة، ثم صلى ركعتين وقيل: إنها صلاة الصبح، ثم انطلق من المسجد وركب دابته القصواء، وكانت تناخ أمام باب المسجد، فلما قامت وانبعثت به ناقته قال: (لبيك اللهم عمرة وحجاً).

    وفي الدرس الماضي قلنا: يسن للمعتمر ألا يدخل في الإحرام، وبعض الناس يتصور أن الإحرام: هو لبس الإزار والرداء، لكن الإحرام: هو عقد النية بالدخول في النسك من الميقات، فلو لبست ثياب النسك الإزار والرداء من بيتك أو في المطار أو في الطائرة كل ذلك قبل أن تأتي إلى الميقات فإنك لا تسمى محرماً، وبالتالي يحل لك كل ما يحرم على المحرم قبل أن تبلغ الميقات، فلو أنك ذهبت من بيتك ودخلت في مطار القاهرة، ثم أردت أن تتطيب فلك ذلك، ولو أردت أن تخلع ملابسك وتلبس الملابس العادية فلك ذلك، ولو أردت أن تجامع امرأتك فلك ذلك؛ لأنك في حقيقة الأمر لست محرماً، وإنما أنت لبست الملابس التي ستحرم وتهل فيها ولا يكون ذلك إلا ببلوغك إلى الميقات، أما قبل ذلك فيجوز لك ما لا يجوز لك بعد إحرامك.

    وفي الطائرة ينبهون ويقولون: بقي ربع ساعة على وصولنا إلى الميقات، فتجهز قبل فوات الربع الساعة بدقيقتين تبدأ تقول: لبيك اللهم حجاً وعمرة، أو عمرة، أو حجاً، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.

    والطائرة تسير بسرعة 1000 كيلو في الساعة، فأول ما ينبه عليك تنتبه جداً وتظل تنظر في الساعة حتى لا تسرح ويضيع عليك الأمر، فافرض أنك سرحت أو سهيت أو نسيت ثم فوجئت بأن الطائرة نازلة إلى مطار جدة، فإما أن ترجع إلى الميقات، وإما أن تذبح شاة وتستمر في النسك كما اتفقنا سابقاً.

    قال: [ وحدثناه قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حاتم -وهو ابن إسماعيل- ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم عن أبيه قال: (كان إذا قيل لـعبد الله بن عمر : الإحرام من البيداء -يعني: كل الناس تحرم من البيداء- قال: البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره) ]، وهذه الشجرة كانت شجرة عظيمة جداً أمام باب المسجد، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يربط بها دابته، ولو بقيت إلى يومنا هذا فإن بعض الناس سيعبدونها من دون الله عز وجل؛ ولذلك فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظر إلى هذه النقطة العقائدية التوحيدية فقطع الشجرة، وهي الشجرة التي وقع بجوارها بيعة الرضوان حتى يقطع الحبل تماماً على أي بادرة شرك تخطر على بال الجهال أو غيرهم.

    فهذه الشجرة كانت أمام باب المسجد، وكانت دابة النبي عليه الصلاة والسلام تربط بهذه الشجرة، فإذا خرج من المسجد ركبها، وكان يبدأ بالتلبية ويقول: لبيك اللهم حجاً وعمرة إلى آخر هذه التلبية، قال: (ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره).

    ويسن للمحرم ألا يحرم إلا بعد أن يركب دابته من الميقات، فإن كنت في طائرة أو في باخرة فالأمر كما وصفت لك آنفاً، أما إذا كنت تركب مواصلات تقف وتمشي براحتها وتنزل أرض الميقات فيسن لك أن تصلي في مسجد الميقات، ثم تخرج بغير نية، ثم إذا ركبت الحافلة أو سيارتك أو غير ذلك فإذا وصلت إلى المكان المخطط لك فيسن لك حينئذ أن ترفع صوتك بالنية والتلبية.

    وقوله: (ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام) يعني: حين قام به بعيره.

    حكم الاغتسال والصلاة عند الإحرام

    والركعتان ليستا من أعمال الحج والعمرة، والإتيان بهما ليس بلازم، كما أن الاغتسال ليس بلازم، فلم يأت دليل على أن للحج أو للعمرة ركعتين أو غسلاً.

    ولكن جماهير الفقهاء استحبوا ذلك من باب التطيب للقاء الله عز وجل ولا بأس بهذا المعنى، لكن الذي أنبه عليه أن ذلك لو فاتك فلا إثم عليك.

    والعلماء اختلفوا: هل يجوز الإحرام بالنسك بدون صلاة؟ والاتفاق على أن الإحرام بالنسك بغير صلاة جائز وهذا إجماع، لكنهم قالوا: باستحباب أن يكون الإهلال بالنسك بعد الصلاة، إلا أن توافق صلاة فرض فإن ذلك يجزي ويكفي.

    إذا دخلت مسجد الميقات ووجدت الناس يصلون الفرض فصل معهم ولا تصل شيئاً بعد ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يخص الإحرام بركعتين، إنما الركعتان اللتان صلاهما هما صلاة الصبح، ثم انطلق من المسجد وركب الدابة وأهل، فيجوز عقد الإحرام بعد صلاة الفرض أو بعد صلاة سنة راتبة أو غير راتبة كتحية المسجد في مسجد الميقات أو سنة الوضوء، ولكن بعض أهل العلم قال: ولا بأس أن يجعل للإحرام ركعتين وهما مسببتان، واعتبر أن نية الدخول في النسك سبب لأداء هاتين الركعتين ولو كان ذلك في وقت الكراهة.

    ووقت الكراهة: هو من بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب لمن لم يدرك العصر، ومن بعد صلاة الصبح حتى طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح أو رمحين لمن لم يدرك الصبح، ووقت عمودية الشمس في كبد السماء، يعني: قبيل الظهر بدقائق، هذا الوقت لا تجوز الصلاة فيه؛ لأنه وقت تسعر فيه جهنم، ولذلك نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (لا صلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)؛ لأنهما وقتان كان المشركون يسجدون للشمس فيهما، وقال عليه الصلاة والسلام: (فإن الشمس تشرق وتغرب بين قرني شيطان) ولذلك نهى عن ذلك، حتى لا تتشبه بمن يعبد الشيطان، فإنه يسجد للشيطان في هذين الوقتين؛ وقت الغروب ووقت الشروق.

    ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنك إذا صليت في المسجد ركعتين بنية تحية المسجد أو سنة الوضوء فإنه لا بأس بذلك حتى ولو كان في وقت الكراهة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما نهى عن الصلاة في هذه الأوقات نهى عن الصلاة المطلقة، بخلاف الصلاة ذات السبب، بمعنى: لو أن رجلاً صلى العصر وجلس في المسجد لا يصح له أن يقوم فيأتي بركعتين وأربع وست وثمان وعشر؛ لأن هذه الصلاة لا سبب لها.

    أما إذا دخلت المسجد وقد صليت العصر في مسجد آخر فقبل أن تجلس تصلي ركعتين مع أن هاتين الركعتين وقعتا في وقت الكراهة؛ لكن لا كراهة فيهما هنا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، فسبب الركعتين دخول المسجد.

    1.   

    باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة

    قال: [ باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة ]، معنى الإهلال: هو الإحرام، وهو الدخول في النسك فتهل به وتقول: لبيك اللهم كذا وكذا بحسب ما نويت.

    وقوله: باب: الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، يعني: تقوم بك الدابة، أو نحوها مثل الباخرة أو الطائرة من حين أول التنبيه أو بمحاذاة الميقات فإنك تهل.

    قال: [ حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبريالمقبري لقب؛ لأنه كان يسكن بجوار مقابر البقيع، فكان إذا أتى المسجد أو ذهب إلى بيته مر بهذه المقابر فلقب بـالمقبري- عن عبيد بن جريج أنه قال لـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (يا أبا عبد الرحمن ! رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها) ]، يعني: أنت قد اجتمعت فيك أربع خصال أو أشياء ما رأيت أحداً يصنعها أو لم تجتمع هذه الأربع عند أحد على الصورة التي اجتمعت عندك، ولا يمنع أن يكون غير عبد الله بن عمر قد فعل واحدة منها أو اثنتين أو ثلاث.

    مشروعية مس الركنين اليمانيين دون الشاميين

    قال: [ (قال: ما هن يا ابن جريج؟ -أي: ما هذه الأربع؟- قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين) ]، وهما الركن اليماني والذي يليه وهو الركن الذي فيه الحجر الأسود، فعند الطواف فإنك تطوف من الشمال إلى اليمين، وتجعل الكعبة على شمالك؛ فالركن الذي هو المربع، والركن الذي فيه الحجر الأسود يسميان بالركنين اليمانيين؛ لأنهما من جهة اليمن، كما أن الركنين الآخرين الموازيين هما الركنان الشاميان؛ لأنهما من جهة الشام.

    وإن كان الركن الذي فيه الحجر الأسود أقرب إلى جهة العراق لكن أطلق عليه اليماني من باب التسهيل أو التغليب أو الخيرية، وأنتم تعلمون أن أهل اليمن أخير من أهل العراق بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام لما أتاه وفد اليمن قال: (أتاكم أهل اليمن أرق الناس أفئدة وألينهم قلوباً، الفقه يمان، والإيمان يمان، والحكمة يمانية)، فهذه شهادة ليس لها في العراق مثيل، بل أرض العراق تذكر إذا ذكرت الفتن بخلاف أهل اليمن.

    ولذلك نحن نقول: العمران من باب التسهيل لـأبي بكر ، وعمر مع أن أبا بكر أفضل من عمر ؛ فـأبو بكر أفضل الأمة وأفضل الأمة من بعده عمر ، وأفضل الأمة من بعد عمر عثمان ، وأفضل الأمة من بعد عثمان علي رضي الله عن الجميع، وترتيبهم في الخلافة على قدر ترتيبهم في الأفضلية، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة بخلاف الشيعة عليهم من الله ما يستحقون.

    والركن اليماني الذي هو قبل ركن الحجر الأسود كان يستلمه عبد الله بن عمر ويمسحه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (مسح الركن اليماني يحط الخطايا حطاً)، وقال عن الحجر الأسود: (إنما هو حجر من أحجار الجنة كان أبيض كالثلج سودته خطايا بني آدم)، فيكفيك أنك تمس حجراً من أحجار الجنة أو تقبله، والسنة التقبيل فإن لم تستطع فلا تزاحم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عمر بن الخطاب عن الزحام، وقال: (يا عمر لا تؤذ الضعفاء) عمر قوي لو أراد عمر -وكان آخر الصحن- أن يقبل الحجر الأسود لاستطاع أن يزيح الناس من أمامه حتى يصل إلى الحجر، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام رآه يفعل ذلك وهو قوي والناس ضعفاء مكدودون متعبون من أداء هذا النسك، فقال: يا عمر ! لا تفعل، قبله إن استطعت وإلا فاستلمه بيدك أو بشيء، يعني: أدخل يدك إلى الحجر فإذا لمست الحجر فقبل يدك، فإن لم تستطع بيدك فبالعصا، فإذا لم تستطع فإنما يكفيك أن تشير إليه مكبراً يعني: إذا كنت في مقابل الحجر وكنت بعيداً عنه لا تستطيع استلامه ولا تقبيله فأشر إليه بيمينك وقل: الله أكبر ولا شيء عليك، وإذا أشرت فلا تقبل، إما أن تقبل بفمك وإما أن تقبل شيئاً معك كاليد أو العصا إذا مسست بهما الحجر، أما أن تقبل يدك وأنت تشير بها دون مساس للحجر فهذا من بدع الحج أو من بدع الطواف.

    والخلاف على استلام جميع الأركان كان في القرن الأول ثم أزيل الخلاف تماماً بعد ذلك، ولابد أن تعلم قاعدة وهي أن الإجماع يرفع الخلاف، يعني: إذا وقع خلاف على مسألة بعينها في القرن الأول ثم اتفق العلماء على شيء واحد وأجمعوا عليه رفع هذا الخلاف واعتبر كأنه لم يكن؛ لأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كان إذا دخل مكة طاف بالبيت واستلم الأربعة الأركان، وكذلك كان يفعل عروة بن الزبير وغير واحد؛ لأنهم يعتقدون أن الأربعة الأركان من البيت ولا فرق عندهم بين الركنين الشاميين والركنين اليمانيين، ولكن هذا الفعل يرده فعله عليه الصلاة والسلام وأنه ما استلم إلا الركنين اليمانيين، أما الشاميان فلم يستلمهما عليه الصلاة والسلام، وهو يعلم أنهما من البيت، ولكن أصل ذلك عند معاوية وغيره حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا أم عبد الله لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم).

    قصة بناء الكعبة

    ولعلكم قرأتم في كتب أخبار مكة كما في التاريخ للطبري ، والبداية والنهاية لـابن كثير ، وتاريخ مكة للفاكهي وغير كتاب ممن عني بأخبار البلد الحرام.

    أن سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام هو الذي بنى أصل القواعد للبيتين: للبيت الحرام، ثم انتقل بعد ذلك إلى القدس فبنى أصل المسجد الأقصى، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: (أي المساجد وضع في الأرض أولاً يا رسول الله!؟ قال: البيت الحرام، قيل: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قيل: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة) أي: أربعون سنة بين تأسيس البيتين.

    وفي القصة الطويلة التي أخرجها البخاري ومسلم في قصة دخول إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهاجر أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام إلى البلد الحرام قبل أن تكون بلداً حراماً، وقبل أن يكون بها أحد من الناس وإنما كانت أرضاً صحراوية، وكان موضع البيت إنما هو دوحة عظيمة جداً قد أتت عليها الرمال ثم أتت عليها السيول فاجتاحتها فبقي البيت على أصل قواعد آدم، ولكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ترك زوجه وولده إسماعيل في المكان المعروف، والقصة طويلة في معرفة السعي بين الصفا والمروة، وكان أول من فعل ذلك هي هاجر أم إسماعيل، ثم جبريل عليه الصلاة والسلام نفض بجناحه موضع زمزم، فلما جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام للمرة الثالثة وجد ابنه إسماعيل جالساً في مكان يبري نبلاً له، فقال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: يا أبتي افعل ما أمرك ربك، قال: إن الله أمرني أن أبني البيت ها هنا.

    فبنى البيت من الركن اليماني إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود بغير زيادة ولا نقصان، والطول من جهة الركنين الشاميين، وحجر إسماعيل الموجود الآن كان في داخل الكعبة التي بناها إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لأن إبراهيم رفع القواعد لقوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة:127].

    فرفع البيت ولكنه لم يسقفه حتى قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام ببضع سنوات أتت بعد ذلك السيول فاجتاحت البيت وأخذت الحجارة حتى لم يبق إلا القواعد التي في أصل المسجد، فبنى أهل الجاهلية المسجد قبل بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام بخمس سنين، ثم اختلفوا فيمن يضع الحجر، فقالوا: نرضى بأول داخل، فكان الداخل هو محمد عليه الصلاة والسلام، فخلع ثوبه ووضع الحجر فيه وحملته كل القبائل، كل من طرف حتى وضعوه في المكان الذي حدده النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم قد رضوا بحكمه، فلما بنوا البيت أخرجوا منه المكان الذي كان فيه إسماعيل يبري نبله وهو المعروف الآن بحجر إسماعيل.

    والحجر من البيت ولذلك لا يحل لأحد عند طوافه بالبيت أن يطوف في حجر إسماعيل؛ لأنه لا يكون قد أتم الطوفة حينئذ، فلابد أن يطوف من خارج الحجر لا من داخله؛ لأن من طاف من داخل الحجر كأنه طاف من داخل الكعبة ولم يطف حول الكعبة حقيقة.

    ولذلك على أية حال فإن الكعبة بالفعل قد هدمت وبنيت على أصل القواعد الأولى ثم جاء بعد ذلك عبد الله بن الزبير وهدمها مرة أخرى وبناها على قواعدها الأولى وأدخل الحجر في الكعبة، وقال: هذا هو البناء الذي أدركنا عليه النبي عليه الصلاة والسلام.

    ولكن النبي عليه الصلاة والسلام إنما منعه من نقض الكعبة وبنائها على القواعد التي يعرفها أنه خاف الفتنة؛ لأنه قال: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم).

    والذي كان قد بناها على قواعدها الأولى هو عبد الله بن الزبير قال: إن الذي منع النبي عليه الصلاة والسلام أن يبنيها لا يمنعني؛ لأن الناس قد عرفوا الإسلام والإيمان واستقر ذلك في قلوبهم ولم يكونوا بعد حديث عهد بجاهلية، والعلة الأخرى التي منعت النبي صلى الله عليه وسلم هي موجودة معي وهي النفقة.

    فنقض الكعبة حجراً حجراً حتى بناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابان؛ باباً في المشرق وباباً في المغرب يدخلها الداخل من جهة المشرق ويخرج من جهة المغرب، ولكن عبد الملك بن مروان لما تولى الإمارة قال: لأنقضن الكعبة وأبنيها على ما كانت في عهد نبينا عليه الصلاة والسلام وفعل وأغلق منها باباً ولم يبق إلا هذا الباب الذي هو موجود الآن، ثم بعد ذلك عوتب عبد الملك بن مروان قال: إنك قد فعلت فعلاً ود النبي عليه الصلاة والسلام أن لم يكن، ثم حدثوه بحديث عائشة : (لولا أن قومك حديثو عهد) فطأطأ رأسه وبكى وقال: والله لو أعلم هذا الحديث ما نقضتها، فصار الرجل ينقض الكعبة ويبنيها في حضرة كثير جداً من أهل العلم ولا أحد يذكر أو ربما لا أحد يعرف هذا الدليل.

    ولم يبلغ عبد الملك هذا الدليل إلا بعد أن نقض الكعبة وبناها، وهذا أمر عظيم جداً، وهذا يدل على أن أحداً منهم لم يحصل العلم كله، بل كثير من مسائل العلم خفيت على أبي بكر الصديق، ومسألة الاستئذان خفيت على عمر بن الخطاب لما طرق أبو موسى الأشعري الباب ثلاثاً وانصرف، قال عمر رضي الله عنه لـأبي موسى : ما الذي منعك أن تطرق علينا إذ لم نجبك؟ قال: حديثاً سمعته من النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي منعني حيث قال: (الاستئذان ثلاثاً، فإن أذن لك وإلا فارجع)، قال عمر : والله لتأتيني بشيء على هذا أو لأوجعن ظهرك.

    فذهب أبو موسى الأشعري إلى مجلس أبي بن كعب وكان سيداً من سادات المسلمين في زمان النبي عليه الصلاة والسلام، وكان عمر يقول: اجلس يا سيد المسلمين، وكان عمر يبجل أبي بن كعب لأنه كان أكبر منه سناً وأخبر منه بكتاب الله عز وجل، مع أن عمر من أئمة القرآن وصاحب اجتهاد، فقال أبو موسى الأشعري : أفيكم أحد سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الاستئذان ثلاثاً فإن أذن لك وإلا فارجع)؟ فضحك القوم، فقال: أتاكم أخوكم مذعوراً وتضحكون.

    قال أبي : لابد أن هذا عمر ، قال: هو، قال: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم قم يا أبا سعيد ! وهو أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان ، فقام مع أبي موسى الأشعري فشهد معه بين يدي عمر أن أبا موسى الأشعري صادق فيما أخبر، ثم أتاه أبي بن كعب وقال: يا أمير المؤمنين ارفع يدك عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، قال: والله يا أبي ما هو إلا أمر أردت أن أستوثق منه.

    هذا كله للدلالة على أن الرجل لم يؤت من العلم إلا قليلاً مهما بلغ في العلم ولو حصل العلم كله، ولذلك أتى عن كثير من السلف أنهم قالوا: من قال: أدري فقد أصيبت مقاتله، أي: الذي يسأل عن شيء وهو لا يدري يقول: لا أدري، فإذا كابر وأفتى بغير علم فقد أصيبت مقاتله كأنه يذبح نفسه بالسكين، ولا بد أن يعلم أنه إذا أفتى في دين الله عز وجل بغير علم فربما عمل الناس بفتواه إلى قيام الساعة، فيكون قد شرع في دين الله ما ليس منه وهذا من المنزلة العظمى في الإسلام بمكان.

    حكم لبس النعال السبتية

    قال: [ (ورأيتك تلبس النعال السبتية) ]، والسبتية: هي النعال التي لا شعر فيها، والنعال التي نلبسها نحن لا شعر لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أيما إهاب دبغ فقد طهر).

    والإهاب هو الجلد قبل الدباغ فإذا دبغ صار جلداً طاهراً، والدباغ نوعان: إما دباغ من الداخل والخارج، وإما من الداخل من موضع اللحم، فإذا كان الدباغ من الداخل والخارج؛ فإن الدباغ يطهر اللحم والخارج يزيل الشعر، فإذا دبغ الجلد على هذا النحو سمي: دباغاً سبتية، وهذا نوع من الدباغ كان في الطائف، ويصنعون منه النعال، وهذا كان ملبس أهل الرفاهية، ولذلك لا يتناسب لبس النعال بالمقابر، ولذلك جاء في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى رجلاً يلبس هاتين النعلين بين القبور قال: (يا صاحب السبتيتين ألق عنك سبتيتيك).

    قال العلماء: يكره لبس النعال في داخل المقابر، لأنه لا يتناسب مع هذا المقام؛ فإن المرء يدخل هذه الأماكن ذليلاً خاشعاً مطمئناً مخبتاً، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يلبس النعال التي لا تدبغ من الخارج، وكان هذا ملبس رسمي عند العرب، وليس ملبس أهل الرفاهية.

    والنبي عليه الصلاة والسلام هو أكثر الخلق تواضعاً وإخباتاً لله عز وجل، وهذا خلقه عليه الصلاة والسلام في كل باب من أبواب الأخلاق والآداب والسلوك.

    الصبغ بالصفرة والإهلال يوم التروية

    قال: [ (ورأيتك تصبغ بالصفرة) ]، أي: تصبغ شعرك باللون الأصفر.

    قال: [ (ورأيتك إذا كنت بمكة) ]، يعني معناه: أنه قد أحرم من ذي الحليفة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم من غير ذي الحليفة، فقد اعتمر أربع مرات وحج مرة واحدة قارناً بين الحج والعمرة، وفي كل كان النبي عليه الصلاة والسلام يحرم من ذي الحليفة.

    وصفة القران أن يذهب الحاج من الميقات حتى يؤدي العمرة في مكة ثم يبقى في إحرامه إلى يوم التروية، ثم يحرم بالحج في يوم التروية، والعلماء اختلفوا في الإهلال بالحج للقارن أو للمفرد فقال بعضهم: يكون من أول شهر ذي الحجة، ولكن سنة النبي عليه الصلاة والسلام العملية خير شاهد على عكس ذلك، وهو أنه دخل عليه الصلاة والسلام مكة قارناً، فأدى نسك العمرة ثم بقي في إحرامه حتى يوم التروية، ثم ركب ناقته في يوم التروية، وكان ذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة وهو المعروف بيوم التروية، وسمي تروية؛ لأن الناس يتروون فيه أي: يأخذون ريهم وشرابهم إلى عرفة وإلى مزدلفة ومنى من مكة ليكفيهم في مناسك الحج.

    قال: [ (ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال -أي: أحرم الناس بالحج إذا رأوا هلال ذي الحجة- ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية) ]، الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة، فهذه الأربعة الأمور لم تجتمع إلا لـعبد الله بن عمر، ومعلوم أنها قد تكون اجتمعت في غيره، ولكن عبيد بن جريج هو الذي يتكلم عن نفسه قال: أراك قد اجتمعت فيك أشياء لم تجتمع لغيرك، أو لم تكن في غيرك، أو تصنع أربعة أشياء لم يكن أحد غيرك يفعلها، لا يعني ذلك أن يكون غير عبد الله بن عمر لم تجتمع فيه هذه الأربع وزيادة، لكن عبيد بن جريج لا علم له بذلك.

    وجواب عبد الله بن عمر على أسئلة عبيد بن جريج أنه قال: [ (أما استلام الركنين اليمانيين فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها) ]، أي: يلبس النعال التي ليس فيها شعر بعدما يتوضأ، ورجله لا تزال رطبة بالماء، ولا يزال الماء عالقاً برجله، هذا معنى يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها؛ لأن الوضوء لا يمكن عندما تكون رجلاه في النعل، وإنما عندما تكون رجلاه خارج النعل، فلابد من حمل هذا الحديث على التأويل السائغ له، وهو أنه كان يتوضأ ثم يضع قدمه في النعل ثم بعد ذلك يمسح عليه.

    قال: [ (وأما الصفرة -أي: الصبغ بالصفرة- فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) ]، وهو الحناء أو الكتم وهو الذي يصبغ به شعر الرأس واللحية.

    قال: [ (وأما الإهلال -أي: الإهلال في يوم التروية وليس من أول شهر ذي الحجة- فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) ]، يعني: يوم التروية أول ما يركب الدابة وتقوم به يبدأ يهل.

    استشعار الآخرة وقرب الأجل عند أداء مناسك الحج

    والنسك ثلاثة أنواع: تمتع، وإفراد، وقران، والإفراد أن تنوي أداء نسك الحج فقط، والذي يريد أن يحج دون أن يعتمر فإنه يحرم من الميقات من رابغ ثم يدخل مكة يطوف حول الكعبة ويسعى بين الصفاء والمروة، فهذه المسائل العملية لا يمكن أن تفهم ولا تركب في العقل إلا بالتطبيق، فهو يفرد الحج دون العمرة، وهذا الطواف يسمى طواف القدوم، وليس له علاقة بالعمرة، فلا يسقط عنه طواف الإفاضة في اليوم العاشر.

    وملابس الإحرام تذكر الواحد بأصله أو بمبدئه ومنتهاه، فهي تذكره بيوم ميلاده حين ولد في خرقة، وتذكره بوفاته حين يكفن في خرقة.

    وأما هذا الحشر في عرفة أو في منى أو المزدلفة أو في بيت الله الحرام أو يوم النحر إنما يذكرك بالحشر يوم القيامة، ومن لم يعتبر بهذه المعاني كلها في حجه فإنه يرجع إلى ما كان عليه قبل الحج وزيادة، فالسارق يرجع سارقاً، ونصاباً، ومحتالاً، والكذاب يرجع مثل حالته، لكن إذا ذهب من هنا ليجدد العهد والميثاق مع الله عز وجل، خاصة وأن الله وحده هو الذي يغفر له ما تقدم من ذنبه، وأنه يرجع من ذنبه كيوم ولدته أمه، وهذه فرصة ربنا أعطاها لك وأنت لا تدري، ربما لا تتيسر لك مرة أخرى.

    فإن رجعت على هذا النحو مستبشراً برحمة الله ومغفرته وقبول توبتك والعفو عن ذنبك، فيلزمك أن تحاسب نفسك على أقوالك وأفعالك وأخلاقك، وتبقى سمحاً كريماً، وتتمثل أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنك لا تدري أتحج مرة ثانية أم لا؟ يغفر لك ذنبك أم يؤاخذك الله عز وجل؟ فهناك معاني لابد أن تفكر فيها، هذه المعاني تلزم المرء في كل حياته بالشرع، وأنت في كل فترة تقوم بتشييع الجنازة، ربما يغسلونك في المقبرة، ويصلون عليك، ويدفنونك بجوار الميت، ويقبرونكما في وقت واحد، ولا يغلقون القبر إلا عليكما سوياً.

    ومع هذا أنت تقول: أنا ما زلت شاباً، وتنسى أن الذي تدفنه طفل لم يبلغ مرحلة من الشباب أو الفتوة، فلو كنت فعلاً تمشي في الجنازة فعليك أن توقن بأنك لا ترجع إلى بيتك وإلى أهلك، نحن ممكن نخرج من المسجد وتصدمنا سيارة، فنحن طلاب علم في مسجد الرحمة وبعد خمس دقائق من خروجنا يقال فينا: الله يرحمنا، فلابد أن الإنسان فعلاً يستشعر عظمة الله عز وجل في كل لحظة من لحظات حياته.

    وكان أحد السلف رضي الله عنهم يقول: لو أن الله عز وجل أخبرني بأن ساعتي غداً ما زدت في عملي شيئاً، لأنه اجتهد في أصل عبادته لله عز وجل على أحسن وجه وأكمله، إنما لو أن الواحد منا قيل له: إن ساعتك غداً، فإنه يبيت الليل يفكر في كل شيء، يراجع حساباته في كل جانب، ليس عندنا الاستعداد الذي كان عند أسلافنا، وليست لنا قلوب كالقلوب التي كانت في صدور أسلافنا، والله تبارك وتعالى يرحم ضعفنا.

    ما يشرع للحاج عمله من أول يوم التروية إلى نهاية المناسك

    فمن حج مفرداً فإنه لن يعتمر وإنما يحج فقط، أنت بإمكانك أن تأتي من جدة إلى منى مباشرة دون أن تدخل مكة، فتصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم تبيت بها، لكن البقاء في منى والمبيت بمنى في هذه الليلة سنة وليس واجباً ولا فرضاً، ثم تذهب مباشرة إلى عرفة نهاراً وهذا شيء جيد وهو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أشرقت عليه الشمس في منى انطلق إلى عرفة، فوصل قبيل الظهر وصلى الظهر والعصر جمع تقديم، وترك صلاة المغرب والعشاء حتى صلاهما في مزدلفة حين أفاض جمع تأخير، وما هبط من عرفات إلى مزدلفة إلا بعد أن غربت عليه الشمس في عرفات، فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال أسامة بن زيد: الصلاة يا رسول الله! يعني: المغرب أذن لم لا تصلي؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى المزدلفة: (الصلاة أمامك) يعني: سنصلي المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، وليس صلاة المغرب والعشاء تؤدى في عرفة، فمن لم يدرك الوقوف في نهار عرفة يمكنه أن ينزل في الليل يوم التاسع من ذي الحجة، ولو أدركت ساعة في ليل عرفة قبيل الفجر صح وقوفك، ثم تنزل من عرفة إلى مزدلفة، ثم تنطلق إلى منى، وبهذا يكون قد تم حجك ولا شيء عليك ولا كفارة بتركك البقاء في منى في نهاية التروية أو في ليل اليوم التاسع؛ لأن هذا كله مسنون وليس واجباً.

    فإذا رميت جمرة العقبة الكبرى في يوم النحر وحلقت فلك أن تتحلل من إحرامك وتأتي كل ما كان محرماً عليك إلا إتيان النساء، فإذا طفت طواف الإفاضة أي: تركت منى من عند جمرة العقبة الكبرى ونزلت إلى بيت الله الحرام فطفت بالبيت وسعيت فأنت تكون قد أديت النسك الثالث، والأنساك في يوم النحر خمسة إذا أديت منها اثنين تحللت من إحرامك وصح لك كل شيء إلا النساء، وإذا أتيت بثلاث صح لك كل شيء حتى النساء، وقلنا سابقاً: هي رمي جمرة العقبة الكبرى، والحلق، وذبح الهدي، والسعي بين الصفا والمروة، والطواف، إذا فعلت اثنين من الخمسة جاز لك أن تتحلل من إحرامك وتلبس الملابس العادية، وإذا فعلت ثلاثاً جاز لك كل شيء حتى النساء، هذا لمن حج مفرداً؛ لأن المفرد ليس عليه هدي كما أنه ليس عليه طواف قدوم ولا سعي بين الصفا والمروة، إنما عليه الطواف والسعي بعد رمي جمرة العقبة الكبرى أو في يوم النحر، والنبي عليه الصلاة والسلام ما سئل في هذه الخمسة الأنساك في يوم النحر عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج، لكن التفسير الطبيعي في أداء هذه المناسك أن الحاج ينزل من مزدلفة إلى منى فيفاجأ بعد ظهر يوم النحر أن جمرة العقبة الكبرى من أمامه سيرميها بسبع حصيات ثم يحلق؛ لأن ذلك من السنة، ثم منى بجوارك إذا كنت من أصحاب الهدي كالمتمتع والقارن فتذبح، أو ربما تؤجل الذبح إلى اليوم الثاني أو الثالث أو حتى الرابع إلى وقت صلاة العصر وهو الوقت الذي يسن فيه الذكر والتسبيح والتهليل والتلبية وغير ذلك.

    فإذا كان الأمر كذلك فلتذهب إلى مكة لتطوف حول البيت وتسعى بين الصفا والمروة، لكن إذا قدمت واحدة على الأخرى فلا شيء عليك في هذا اليوم وقبل غروب الشمس، ومن أخر الطواف والسعي معنى ذلك أنه قد رمى جمرة العقبة وحلق وذبح إن كان من أهل الذبح، وبالتالي يحل له كل شيء، فله أن يخلع ملابسه ويلبس الملابس العادية، لكن إن دخل عليه ليل يوم النحر دون أن يطوف ويسعى بين الصفا والمروة يلزمه أن يلبس ملابس الإحرام للطواف والسعي، هذه بسبب أنها لفتت بعض الأنظار سأعيدها مرة أخرى.

    أنا أقول لك: هذه الخمسة الأنساك مسنونة لك منذ الزوال، يعني: من وقت الظهيرة حتى غروب الشمس، فرمي جمرة العقبة لابد أن يتم في يوم النحر وقبل غروب الشمس، والذبح ليس بلازم فإن أمامك أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام التشريق إلى عصر اليوم الثالث، فلك أن تذبح في هذه الأربعة أيام، والحلق يتم كذلك في يوم النحر وهو الأفضل، ويصح لو تركته حتى الذبح مع مخالفتك للأفضل، أما الطواف فإنه لابد أن يؤدى قبل خلعك لملابس الإحرام؛ لأنه لا متنسك يطوف إلا بملابس الإحرام، ولك أن تطوف بغير ملابس الإحرام أي: بملابسك العادية إذا لم تكن متلبساً بالنسك إذا ما كنت ناوياً عمرة ولا حج لك أن تطوف بالبيت بملابسك العادية، فالطواف عبادة وهي شيء آخر.

    لكن إذا فاتك الطواف والسعي في يوم النحر وتحللت من ملابسك وأردت أن تطوف وتسعى فيلزمك بعد غروب شمس يوم النحر أن تلبس ملابس الإحرام مرة أخرى لتطوف وتسعى، وهذا للمفرد.

    وجاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي بعد يوم النحر وهو أول أيام التشريق، فقال: (يا رسول الله! ذبحت قبل أن أحلق، قال: لا حرج، وقال آخر: حلقت قبل أن أذبح، قال: لا حرج)، فوجه النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله لأحد أصحابه: (أطفت بالبيت وسعيت؟ قال: بعد يا رسول -يعني: ما طفت- قال: البس إحرامك وطف واسع).

    هذا الحديث خفي على كثير جداً من أهل العلم نبه عليه الشيخ الألباني عليه رحمة الله في كتابه الممتع مناسك الحج والعمرة.

    أفضل المناسك الثلاثة وصفتها

    فنسك الحج الثلاثة هي: إفراد وتمتع وقران، والتمتع والقران لكل واحد منهما حكم، وأفضل هذه الأنساك الثلاثة التمتع مع أن النبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً، لكن الخلاف وقع بين العلماء أيهما أفضل القران أو التمتع، فبعضهم قال: القران؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، والجمهور قال: التمتع وحجته في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي).

    وأنتم تعلمون أن القارن يسوق الهدي من الميقات حتى يدخل به مكة، والمتمتع يأخذ هديه من مكة إلى منى، المهم أنه لا يسوق الهدي من الميقات، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما دخل مكة واعتمر ومعه الهدي من الميقات من ذو الحليفة قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي) أي: ما حججت قارناً وإنما حججت متمتعاً.

    والصواب: أن التمتع أفضل من القران والإفراد، والثلاثة الأنساك كلها خير وبركة، لكن أخيرها وأبركها التمتع بشهادة النبي عليه الصلاة والسلام، فالذي يتمتع بين العمرة والحج يجمع بينهما، فأنت تنوي من الميقات التمتع وهو الجمع بين العمرة والحج، العمرة تؤدى أولاً، فإذا قلت: لبيك اللهم عمرة وحجاً تمتعاً دخلت مكة فطفت وسعيت وحلقت ثم تتحلل من ملابسك.

    ولو أن المتمتع ذهب في شهر شوال فالأفضل له أن يحلق، لكنه إذا ذهب في يوم الثالث أو الرابع أو الخامس من ذي الحجة فالأفضل في حقه أن يقصر؛ لأنه بقي له خمسة أيام وسيأتيه يوم النحر، وهو مطالب بالحلق، فلو أنه حلق بالموس يوم الخامس من ذي الحجة سيحلق ماذا في يوم عشرة ذي الحجة؟ لن يزيل شيئاً.

    لكنه لو أتى من أول الأشهر أو في وقت يسمح بسواد رأسه يعني: بنمو شعره ونبته مرة أخرى يكون الحلق أفضل، وهذا الجمع بين كلامي الآن والكلام السابق، فالذي يذهب من هنا متمتعاً ليس عليه أن يلتقط الهدي من الميقات، بل هو سيدخل مكة بغير هدي، وله أن يوكل شركة الراجحي هناك، فإنها تحمل عنك عبء الهدي والذبح والسلخ والطبخ وغير ذلك فهي تفعل كل هذا، وتدفع حوالي ستمائة وخمسين أو ستمائة ريال تقريباً.

    ولك أن تذهب وتشهد ذبيحتك بنفسك، وإن كان الأمر فيه مشقة كبيرة لكن ما عندهم مانع؛ لأن الشركة بنفسها تقول لك: تفضل الذبيحة حقك رقم كذا، وتذهب المذبح الأهلي في منى فترى الذبيحة حقك موجودة وفي رقبتها البيانات حقها، واسمك مكتوب على الذبيحة.

    فإذا أردت أن تشهد ذبحها وتأخذ هذه الذبيحة كلها بعد الذبح ما هناك مانع، ولك ذلك، ثم تدخل مكة فتطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة وتحلق رأسك إذا كنت متقدماً في أشهر الحج، وإذا كنت متأخراً يعني: في شهر ذي الحجة نفسه فالأولى أن تقصر فقط، فإذا فعلت ذلك فقد تحللت من عمرتك، وتلبس ملابسك العادية حتى يوم التروية من أول ما تركب الدابة من بيتك أو من المسجد الحرام أو من أي موضع في مكة تبدأ تنطق بالإهلال من موضعك في البيت أو في الشارع أو في المسجد الحرام نفسه، وتنطلق إلى منى فتؤدي بها المناسك، ثم تؤدي المناسك بعرفة، ثم المزدلفة ثم منى، وإذا نزلت إلى مكة فلك أن تطوف بالبيت وتسعى.

    والسعي ليس بلازم وإنما يكفيك الطواف ويجزئ عنك سعيك الأول الذي سعيته وهو سعي القدوم، وهذا في القارن ليس في المتمتع، وإذا لم يفعل الأول لزمه السعي في يوم النحر بعد طواف القدوم، أما المتمتع فإنه يطوف ويسعى قولاً واحداً؛ لأن هذا حج على انفراد، وهذه عمرة على انفراد قد أداها المتمتع، والمتمتع والقارن عليهما هدي بخلاف المفرد فإنه لا هدي عليه، والقارن لا يتحلل من إحرامه بعد أداء العمرة، وإنما يبقى في ملابس الإحرام حتى تنبعث به راحلته يوم التروية إلى منى.

    شرح حديث ابن عمر في إهلال النبي عند انبعاث راحلته

    قال: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب -عبد الله بن وهب المصري القاضي- قال: حدثني أبو صخر -وهو حميد بن زياد الخراط مدني سكن مصر- عن ابن قسيط -وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط- عن عبيد بن جريج قال: حججت مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بين حج وعمرة ثنتي عشرة سنة أو ثنتي عشرة مرة -يعني: هو حج واعتمر عدة حجات وعدة عمرات مع عبد الله بن عمر قرابة ثنتي عشرة مرة- فقلت: يا أبا عبد الرحمن ! لقد رأيت منك أربعة خصال وساق الحديث، كما ساقه أولاً.

    وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز -بمعنى: إذا وضع رجله في غرز الدابة، يعني: كان لا يهل إلا إذا انبعثت به راحلته- قال: وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة) ].

    إذاً: عندنا إهلالان كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يهل فيهما إلا إذا انبعثت به راحلته: إهلال من ذي الحليفة في مبدأ العمرة، وإهلال من مكة في يوم التروية، ليس من أول شهر ذي الحجة وإنما من أول يوم التروية.

    قال: [ وحدثني هارون بن عبد الله حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج : أخبرني صالح بن كيسان ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به ناقته قائمة) ]، وفي الرواية التي تليها قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته بذي الحليفة) ]، يعني: ركب الدابة أولاً ثم أهل حين استوت به قائمة، يعني: ما كان يهل بها وهي باقية في مكانها وهو راكب فوقها إلا إذا قامت وانبعثت، وبعض أهل العلم في هذا الزمان يقول: حين تركب الباص أيضاً لا تهل إلا إذا انطلق الباص؛ لأنه هو حين انبعاثه.

    وهذا من تشبيه الباص بالبعير الذي تركبه وغير ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يهل حين بروك البعير وإنما أهل حين انبعث، أي: حين قامت به ناقته واستوت وانبعثت.

    1.   

    باب الصلاة في مسجد ذي الحليفة

    قال: [ باب الصلاة في مسجد ذي الحليفة.

    حدثني حرملة بن يحيى ، وأحمد بن عيسى قال أحمد : حدثنا وقال حرملة: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة مبدأه وصلى في مسجدها) ]، النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد النسك خرج من المدينة بعد صلاة العصر، ووصل ذا الحليفة قرابة المغرب أو العشاء فصلى بها المغرب والعشاء ثم بات بذي الحليفة، ولا يلزمنا المبيت بذي الحليفة كما بات النبي عليه الصلاة والسلام، ومن فعله تأسياً واقتداء فهو حسن لكنه لا يلزمه؛ لأن هذا المبيت ليس من أعمال الحج ولا من أعمال العمرة نهائياً، فمن فعله تأسياً واقتداء فهو حسن ومن تركه فلا حرج عليه.

    فقوله: (بات النبي عليه الصلاة والسلام بذي الحليفة مبدأه) أي: في مبدأ الانطلاق لأداء النسك (وصلى في مسجدها) المقصود: أنه بات بذي الحليفة حتى أصبح، ولما أصبح صلى الفجر، ولذلك أهل العلم استفادوا من هذا الحديث أن إهلاله بالنسك كان بعد صلاة الصبح لا بعد ركعتين مخصوصتين بالنسك أو بنية الإحرام، وإنما أحرم بعد صلاة الصبح صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    باب الطيب للمحرم عند الإحرام

    قال: [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ]، نحن كنا قد اتفقنا في الدروس الماضية أن الطيب يحرم على المحرم؛ وقلنا: إن من فعل ذلك متعمداً لزمه الدم؛ لأنه خالف واجباً، ومن فعل ذلك ساهياً أو مخطئاً أو جاهلاً وهو لا يعلم بالحرمة فلا شيء عليه، وإن قدم شاة فهو حسن، لكن إن لم يقدم فلا إثم عليه.

    وعائشة رضي الله عنها تقول: (طيبت) يعني: حصل منها العطر والطيب، (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)، يعني: لما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يحرم طيبته قبل أن يحرم، والذي أراد الدخول في النسك قبل إحرامه جاز له أن يتطيب في بدنه دون ثوبه.

    فـعائشة رضي الله عنها طيبته -قبل أن يحرم- في بدنه، وستأتي معنا الأدلة التي تبين هذا، ثم قالت: (ولحله) أي: طيبته لحله قبل أن يطوف بالبيت طواف الإفاضة في يوم النحر، بعد رمي جمرة العقبة، وبعد الحلق وربما بعد الذبح..

    وفي يوم النحر حل له كل شيء إلا النساء، ومما حل له الطيب، فهي تقول: (وطيبته لحله قبل أن يطوف بالبيت)، يعني: طيبته بعد أن تحلل من ملابسه بمنى بعد رمي جمرة العقبة وبعد الحلق، لأن السنة التي وردت في حجه كما في حديث جابر في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام في حجه فعل هذا، فإنه رمى جمرة العقبة وناول رأسه الحلاق فحلق الأيمن ثم حلق الأيسر، وأخذ أبو طلحة الأنصاري شعره فأخذ الشق الأيمن له ولأهل بيته، وأخذ الشق الأيسر ففرقه في أصحابه كل واحد له شعرة أو شعرتان بركة من النبي عليه الصلاة والسلام.

    والتبرك بالنبي عليه الصلاة والسلام يجوز بذاته وآثاره، بخلاف بقية الخلق فلا يجوز التبرك بأحد قط من الخلق، إنما يجوز الاستشفاع والاستسقاء بدعاء الصالحين وغير ذلك، وهذا ليس موضوعنا الآن، فالنبي عليه الصلاة والسلام رمى جمرة العقبة وحلق وذبح الهدي وكان معه الهدي في منى؛ لأنه كان يسوقه معه، وعلى أية حال على فرض أنه لم يذبح مع أنه ذبح لكنه رمى جمرة العقبة وحلق فحل له كل شيء إلا النساء.

    فهو لما سينزل من منى يطوف بالبيت ويسعى سعي القدوم، فالنبي عليه الصلاة والسلام تحلل في منى قبل أن يطوف بالبيت، فـعائشة تقول: (وطيبته لحله قبل أن يطوف بالبيت)؛ لأنه تحلل بعد أداء نسكين أو ثلاثة.

    فقولها رضي الله عنها: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي لحرمه حين أحرم) ]، أو لحرمه حين أحرم وكلاهما صحيح، ولكن جمهور المحدثين يقولون: بضم الحاء وبعض اللغويين ينكرون على المحدثين ضم الحاء ويقولون: الصواب هو الكسر.

    وعروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت: [ (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام) ]، الذريرة: اسم قارورة أو كأس كان يوضع فيه الطيب يأتي من الهند، واسم ذريرة كأنها كلمة هندية معربة، والمعنى طيبته في حال حله وفي حال إحرامه، أي: قبل أن يحرم.

    قال: [ وقال عروة : (سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حرمه؟ قالت: بأطيب الطيب) ]، وهو المسك.

    [ وقالت عائشة : (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم) ]، وهذا لفظ صريح أن الطيب كان قبل الإحرام، ويذكر أنه في البدن لا في الثوب.

    قال: [ وعن عائشة قالت: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض -يعني: قبل أن يطوف طواف الإفاضة- بأطيب ما وجدت).

    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]، والوبيص الذي هو البريق واللمعان في مفرق الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يسرح شعره من منتصف رأسه ويطرح الأيمن على الأيمن والأيسر على الأيسر، طبعاً لو عملها واحد الآن بنية الاقتداء لكان مأجوراً على ذلك، لكن نريد منك أن تلبس العباءة مثل ما كان يلبسها النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان يرى مفرق رأسه؛ لأنه كان محرماً، والمحرم لا يلبس طاقية ولا قلنسوة ولا شيئاً من هذا، فحيث أنه يفرق شعره ويكثفه يلبس أيضاً عمامة مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، كيف أنت تقتدي به في شيء ولا تقتدي به في الأشياء الأخرى؟ لكي تأتي البنات وتجلس بجانبه وتقول: هذا شعره ناعم، شعره أسود.

    شعرك هذا يمكن أن تشتعل فيه نار تأكلك وتأكل شعرك، ووقتها ستغطي رأسك مكرهاً، لا بنية الاقتداء وإنما بنية أنك تخفي الحرق، فالأحسن لك أن تستقيم من الآن، وتصحح نيتك، وتصلح عملك على منهاج النبي عليه الصلاة والسلام. عائشة رضي الله عنها تقول: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب)، يعني: لمعان الطيب وهو في مفرق شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم، يعني: من تطيب قبل الإحرام لا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام، ولو لمس الإحرام المهم أنك ما قصدت تطييب الثوب بالطيب، لأنه هذا هو المنهي عنه، إنما الإزار أو الرداء عند اتصاله بالبدن يأخذ منه رائحة الطيب أو يمسه شيء من الطيب فلا حرج عليك حينئذ.

    [ وتقول: (لكأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يهل) ]، يعني: وهو يلبي، أي: وهو محرم، أنا أريد فقط أجمع الروايات التي فيها اختلاف لكي ننقل الفوائد دون التكرار.

    قال: [ عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد -يعني: أنه يبدأ بالطيب إذا أراد أن يحرم- ثم أرى وبيص الدهن)، والدهن الذي هو الطيب، وبيص الدهن يعني: لمعان وبريق الدهن، أي: المسك في رأسه ولحيته، ومعلوم أن الرأس واللحية من البدن.

    وتقول: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر) يعني: كنت أطيبه قبل أن تنبعث به راحلته ويهل، ويوم النحر الذي هو بعد التحلل بنسكين أو أكثر، قبل أن يطوف بالبيت يتطيب بالمسك وهو أطيب الطيب، وهو أحب الطيب إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

    قال محمد بن المنتشر : سألت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرماً فقال: ما أحب أن أصبح محرماً أنضخ طيباً، والنضخ أقل شيء من النضح، يعني: الخاء أقل من الحاء، وقال: لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك، يعني: لو يضع القطران على رأسه خير من أن يضع طيباً من أجل أن يقابل ربه بالخضوع والذل والإخبات.

    فـعبد الله بن عمر لم يكن عنده علم بهذا الحديث، وبرغم تمسكه بالسنة وسؤاله عن كل كبيرة وصغيرة في حياته عليه الصلاة والسلام إلا أنه كان يخفى عليه بعض العلم.

    قال: فدخلت على عائشة رضي الله عنها؛ لأنها كانت عليمة بأحوال النبي عليه الصلاة والسلام، قال: فأخبرتها أن ابن عمر قال: ما أحب أن أصبح محرماً أنضخ طيباً، لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك، فقالت عائشة : (قد طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرماً) يعني: الكلام الذي قاله عبد الله بن عمر هذا كلام ما له أصل في السنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

    والخلاصة: يجوز للمحرم أن يتطيب في بدنه دون ثوبه قبل الإحرام وبعد أن يتحلل في يوم النحر من الإحرام.

    1.   

    الأسئلة

    حكم لبس الحزام الذي فيه وصلة قماش مخيطة للمحرم

    السؤال: هل يمكن لبس حزام لوضع المال به وبه وصلة مخيطة أم لا؟

    الجواب: لا بأس بلبس الحزام للحفاظ على الأوراق والأموال وغير ذلك، وإن كان في الحزام وصلة مخيطة فهذا لا يضر، وأصله الجواز، وكثير من السلف أفتى بذلك ولم يمنع من ذلك أحد للحاجة؛ ولأن هذا لم يخط على قدر العضو، وأنتم تعلمون أن الذي نهى عنه الشرع إنما هو لبس الثياب المخيطة على قدر العضو، وإلا فهذا الإحرام الذي تلبسه فيه شيء من الخيط بل هو نسج من خيط، وربما أدير على حافة هذا الثوب بالمكينة، وهذا يعني أن فيه خياطة.

    ولكن المنهي عنه أن تلبس ثوباً مخيطاً على قدر العضو كالكم والصدر والظهر والرجل وغير ذلك، فالمنهي عنه أن تلبس ثوباً مخيطاً على قدر العضو، أما غير ذلك فليس فيه نهي، ومنه هذا الذي نذكره، والذي فيه الحرج هو هذا الإزار الذي ألحق به ما يشبه الملابس الداخلية لربط هذا الجزء على العورة المغلظة فهذا لا يجوز لبسه؛ لأن هذا خيط على قدر العضو، الملابس في هذا الزمان صارت ليس فيها حشمة.

    فالمنهي هو ما قد حيك على قدر العضو ليس بمهم أن يكون مخيطاً، فهذا لا يجوز لبسه.

    حكم إهداء ثواب القرآن إلى الميت

    السؤال: هل يصل ثواب القرآن الكريم إلى الأموات، وإذا كان يصل فبأي سورة مع الدليل؟

    الجواب: ثواب القرآن يصل إلى الأموات أو لا يصل، المسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، وأنا قد أجبت عن هذا السؤال مراراً وتكراراً في هذا المسجد.

    حكم من حج على نفقة شركة أو من أحد الناس

    السؤال: هل من يحج حجة الإسلام تجوز حجته إذا كانت على حساب شركة، أو عامل في خدمة الحجاج، أو أهدى إليه أحد الناس، أفتونا بذلك؟

    الجواب: يجوز بلا خلاف بين أهل العلم.

    عدد الهدي في الحج

    السؤال: كم عدد الهدي المقصود بفريضة الحج؟

    الجواب: الهدي شاة واحدة فقط لكل حاج قارناً كان أو متمتع، وبعير لسبعة، أو بقرة لسبعة من الناس، يعني: سبعة يشتركون في بقرة أو في جمل أو لكل واحد شاة.

    حكم من حج متمتعاً، وبيان ما هو التمتع

    السؤال: إذا كان التمتع أفضل من القران، فهل من يريد حجة الإسلام يجزئه التمتع فقط، وما هو التمتع؟

    الجواب: نعم يجزئه، والتمتع: هو أنك تضم العمرة إلى الحج وتؤدي العمرة في أشهر الحج: شوال، ذو القعدة، العشر الأوائل من ذي الحجة، ثم لا تخرج من مكة بعد أداء العمرة، وتنوي عند أداء العمرة أداء الحج بعدها، وهذه النية تنعقد من الميقات، ثم تتحلل من إحرامك بالعمرة، وتحرم في يوم التروية، وتذهب لتؤدي الحج تماماً بتمام على النحو الذي ذكرناه، وهذا بلا شك يجزئك عن حجة الإسلام، بل هو حجة الإسلام.

    عدد عمرات النبي عليه الصلاة والسلام

    السؤال: ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات غير العمرة التي كانت مع حجه، أليست عمرته التي مع حجته هي ضمن الأربع؟

    الجواب: هي ضمن الأربع، اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات إحداهن مع حجته.

    حكم الأضحية للحاج

    السؤال: هل من السنة الأضحية بعد الحج كل عام؟ وهل يلزم ذلك؛ لأن بعض الناس يفعل ذلك بحرص شديد؟

    الجواب: لا، بل أنه من واجبات الحج، وهذا للمتمتع والقارن لا للمفرد كما وضحنا من قبل.

    ومن يحرصون على ذلك هم على حق؛ لأن هذا واجب عليهم لابد من أدائه، لكن من لم يكن معه هدي أو ما عنده مال يشتري به هدياً فإنه يصوم، قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

    لكن أقول: الذي ليس عنده مال بتقوى الله، وربنا يعلم أنك تحمل معك ثلاثة أو أربعة آلاف ريال لكي تشتري هدايا لفلان وفلان وفلتان إلى آخره، أتترك الواجب في حقك وتشتري الهدايا؟ وتزعم أنه ليس لديك مال، فتصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى بلدك، وتجده في سوق المدينة وفي غيرها من الأسواق يحمل الكراتين والشنط، فهذا لا ينبغي.

    حكم الاختباء في مكة للحج خوفاً من السلطات السعودية

    السؤال: هل يجوز للمعتمر أن يمكث في منزل مختبئاً حتى لا يمسك، وأن ينزل إلى منى في موسم الحج؟

    الجواب: نعم ممكن، أنت ذاهب في رمضان من أجل أن تعتمر، وأنت تعرف أن العمرة من هنا أمرها ميسور فتدفع ألفاً أو ألفين وتسافر، لكن عندما تذهب تحج تدفع عشرة أو عشرين ألفاً، ثم تفاجأ بأن المطلوب منك هناك للسكن عشرة آلاف أخرى فالحج صار فيه مشقة عظيمة جداً وأنت لم تحج حجة الإسلام، لكن بإمكانك أن تختبئ في مكان معين من رمضان ولا تخرج حتى دخول وقت الحج.

    بالرغم من أن الحكومة هناك لا تجوز هذا وتحرج كل الحرج على من بقي، فهل أنا أبيت في مكان كان في هذا المكان صاحب حق وأنا أخذته منه؟ لا أنا أبيت بأموالي وآكل بأموالي وأشرب بأموالي وأركب مواصلات بأموالي، إذاً: لا خسارة على أحد قط، وبالتالي فمن ذا الذي يجوز في الشرع أن يمنعني من الحج؟

    الدول العربية -قبل دخول الكفار فيها- ملك لكل مسلم له أن يصول ويجول فيها حيث شاء، وأن يمكث في أي بلد من غير أن يأخذ الجنسية، مصر ملك لكل مسلم، والسعودية ملك لكل مسلم، لا يجوز لأي حكومة أن تزعم أنها تنظم، وفي الحقيقة أنها تعسر وتشق على من أراد البقاء هنا، أو على من أراد البقاء هناك، أنا حر في أن أؤدي المناسك في أي وقت شئت وفي أي عام شئت، لا يجوز لأحد أن يمنعني هذا هو الأصل، ويمكن الخروج عن هذا الأصل لو كانت هناك مضرة، وأي مضرة حينئذ؟ فأنا لا آكل أكل أحد، ولا أنام في مكان أحد ولا شيء من ذلك، كل هذا بأموالي وهو خير يساق إلى البلد هناك.

    وبالتالي لما قامت الحكومة بمنع ذلك وهي لعبة سياسية لعدم دخول الشعوب والأمم الدخول المتسع في موسم الحج، اضطر العلماء أن يفتوا بما صدر من قرارات سياسية هناك، وبعضهم كان يجاهر بعكس ذلك.

    والدروس في الحرم من أنفع الدروس على مدار العام، فمثلاً: الشيخ ابن عثيمين في شهر رمضان كان يقعد تقريباً عشرين يوماً أو الشهر كاملاً يعطي دروساً يجيب فيها عما لا يقل عن ألف سؤال، فيخرج بكم هائل جداً من الأسئلة والأجوبة التي تنفع الأمة في حياتها ومعادها، فإذا منع الشيخ مثلاً لكونه قد صرح بعدم مشروعية هذه القرارات السياسية فإنه سيمنع، فالأمر يريد منك التوكل على الله عز وجل، وتعرف أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

    حكم السعي قبل عرفة للمفرد

    السؤال: هل يجوز السعي قبل عرفة للمفرد؟

    الجواب: المفرد لا طواف ولا سعي عليه أولاً، وإنما يلزمه الطواف والسعي في يوم النحر وما بعده.

    حكم من اعتمر في أشهر الحج

    السؤال: ذهب لعمل عمرة في شهور الحج، فهل عليه هدي؟

    الجواب: أنت لو ذهبت في أشهر الحج سواء كنت متمتعاً أو قارناً فإن عليك هدياً، فإذا اعتمرت وعقدت العزم على جمع الحج إلى العمرة فعليك هدي، وإذا كنت متمتعاً ستعمل عمرة وتتحلل.

    حكم من صلى إماماً بدون عمامة

    السؤال: هل للبس العمامة أو الطاقية دليل؟ وإن لم يلبس العمامة هل عليه إثم؟

    الجواب: لا ليس عليك إثم، وإن خلعت الطاقية أو العمامة أو غير ذلك فلا إثم عليك، لكن يبقى أن النبي عليه الصلاة والسلام لبسها ولبسها أصحابه الكرام صلوات الله عليه ورضي الله عن أصحابه، وهي من سنن العادة وإن أخذت شكل العبادة، فإن أنت لبستها اقتداء وتأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام فهو حسن، وإن تركت ذلك فلا إثم عليك.

    وكل الأحاديث الواردة في فضل العمامة أحاديث موضوعة، منها ما ورد في أكثر من عشرين طريقاً: (ركعتان بعمامة خير من سبعين ركعة بغير عمامة)، ولما كانت الجمعية الشرعية مهتمة بمسألة العمامة، والعمامة شيء أساسي في حياتها احتجوا بهذه الأحاديث المصنوعة الموضوعة المكذوبة التي لم يقلها النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يأت في أي منبر من منابر الجمعية الشرعية إلا والإمام متقدم أولاً على المنبر ويأخذ العمامة ويضعها على رأسه، فالطاقية وحدها لا تكفي بل لابد من العمامة بزعمهم.

    رجل صلى بالناس إماماً وهو حاسر الرأس، وكان أحد المأمومين من الجمعية الشرعية فخرج من الصلاة بعدما كبر وأتى بالعمامة ووضعها على رأس الإمام، فهذا غلو.

    فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ ويمسح على العمامة، وهديه عليه الصلاة والسلام في العمامة أمر قد استفاض فيه شيخ الإسلام ابن القيم في كتاب: زاد المعاد، فليراجع الباب من أراد.

    حكم من جامع زوجته في نهار رمضان

    السؤال: ما حكم رجل جامع زوجته في نهار رمضان؟

    الجواب: إذا كان هذا الرجل من أهل التكليف يعني: كان بالغاً عاقلاً ذاكراً لما يفعل وأتى امرأته بغير عذر متعمداً وهو يعلم أنه في نهار رمضان، بخلاف من جامع امرأته ظناً منه أنه لا يزال في الليل ففوجئ أنه في النهار هذا يعتبر خطأ، أو من جامع امرأته ناسياً في نهار رمضان ثم تذكر بعد أن جامع ونزع فهذا لا شيء عليه، وإن قال أحمد بن حنبل: عليه الكفارة، لكن الراجح هو مذهب الجماهير، وهو أن من فعل ذلك مخطئاً أو ناسياً فلا شيء عليه، أما من جامع امرأته متعمداً فكفارته صيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر أو لم يكن من أهل الصيام فليطعم ستين مسكيناً.

    التكبير في العيدين

    السؤال: متى يبدأ التكبير في العيدين؟

    الجواب: التكبير في عيد الأضحى يبدأ من فجر يوم عرفة وينتهي في عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، ويبدأ في عيد الفطر من غروب الشمس وينتهي بصلاة العيد.

    حكم استعمال النساء حبوب منع الحيض أثناء الحج

    السؤال: هل يجوز أن تستعمل النساء حبوباً لمنع الحيض أثناء الحج، وإذا حاضت هناك فهل تطوف طواف الإفاضة؟

    الجواب: يجوز استخدامها الحبوب لرفع الدورة مدة بقائها في أداء النسك، فقد أفتى المعاصرون بجواز ذلك، فإذا كان الحيض يضر بنسك المرأة فلا بأس أن تتعاطى هذه الحبوب لتأمن عدم وجود الدورة مدة النسك.

    أما قولها: وإذا حاضت هناك فهل تطوف طواف الإفاضة؟ فنقول: إن المرأة الحائض والنفساء تفعل كل شيء إلا الطواف بالبيت.

    حكم من طاف وسعى بغير ملابس الإحرام

    السؤال: حججت منذ خمس سنوات متمتعاً، وبعد رمي جمرة العقبة الكبرى حلقت وتحللت ولبست الملابس العادية، وصمت ثلاثة أيام في الحج ورميت الجمرات في أيام التشريق، ثم قبل السفر طفت وسعيت بملابسي العادية وفي نيتي الجمع بين طواف الإفاضة والوداع، فهل علي شيء لطوافي بملابسي العادية؟

    الجواب: لا شيء عليك، والواضح أنك أو أنكم تجهلون هذا الحكم فمن فعل ذلك أي: من خالف ذلك جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه ولا إعادة، وليس عليه شيء من دم أو غيره.

    حكم من طاف وهو على غير وضوء

    السؤال: هل الوضوء شرط للطواف؟

    الجواب: نعم، الوضوء شرط للطواف وليس شرطاً في السعي، إنما يستحب في السعي، إنما هو شرط في الطواف، من فقد وضوءه فعليه أن يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى إلا الطوفة التي فقدت الوضوء، فمن طاف مرتين -مثلاً- وفي أثناء الطواف الثالث انتقض وضوءه فعليه أن يخرج فيتوضأ ويأتي بالشوط الثالث كما في الأول.

    حكم من أشار وكبر إذا لم يستطع استلام الركن اليماني

    السؤال: هل عند عدم استطاعة استلام الركن اليماني أشير إليه بيدي وأكبر من بعيد؟

    الجواب: لا، إذا لم تستطع أن تستلمه بيمينك فلا تشر إليه ولا تكبر، إنما هذا في الحجر الأسود.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756379594