إسلام ويب

شرح السنة [8]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من منهج أهل السنة ذم الكلام والجدال والمراء والخصومة خاصة في باب القدر؛ لأنه سر الله تعالى، فيجب الإمساك عن الكلام فيه إلا بما ورد به الدليل، ويجب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماوات في ليلة، كما أخبر ربنا سبحانه في كتابه ونبينا صلى الله عليه وسلم في سنته.

    1.   

    الخصومة في القدر

    قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري: [ والكلام والجدال والخصومة في القدر خاصة منهي عنه عند جميع الفرق؛ لأن القدر سر الله، ونهى الرب تبارك وتعالى الأنبياء عن الكلام في القدر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخصومة في القدر، وكرهه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، وكرهه العلماء وأهل الورع، ونهوا عن الجدال في القدر، فعليك بالتسليم والإقرار والإيمان، واعتقاد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة الأشياء وتسكت عما سوى ذلك ].

    ذم الخصومة والمراء في القدر

    في هذه الفقرة أشار إلى مسألة مهمة وخطيرة أيضاً وهي مسألة الجدال والمراء، وهي مما ابتلي به الناس قديماً وحديثاً، والجدال والمراء الأصل فيه المنع إلا ما توفرت فيه الشروط، والجدل والمراء من مناهج أهل الأهواء ومن أصولهم وسماتهم، وبالعكس فإن من منهج أهل السنة والجماعة الكف عن الجدال والمراء.

    وإذا كان الجدال والمراء في سائر الأمور قبيحاً، فهو في أمور الدين والعقيدة أقبح وأشد، ثم هو في القدر بصفة خاصة من كبائر الذنوب، لأن القدر سر الله في خلقه، بمعنى أن القدر من الأمور التي لا تحيط بها عقول البشر.

    والقدر يتعلق بمقادير العباد، وهي الشقاوة والسعادة، والموت والرزق والأعمال المستقبلية للإنسان، وهي أمور مغيّبة، فهي إذاً سر لا يعلمه إلا الله عز وجل، فكان تحريم الجدال والمراء فيها أشد من غيره.

    وكذلك في الأسماء والصفات يعد من أعظم الذنوب؛ لأنه إساءة أدب مع الله عز وجل، وقول على الله بغير علم، ولأنه أيضاً مما نهى الله عنه أشد النهي.

    ثم سائر أمور الغيب لا يجوز المراء فيها حتى ما يتعلق بالأمور الاجتهادية، والناس لهم أن يجتهدوا وأن يختلفوا وأن يناقش بعضهم بعضاً؛ لكن إذا وصل النقاش إلى المراء وهو المحاجة لطلب الغلبة، فإنه يكون حراماً، ولذا سأقف عند بعض المسائل حول هذا الموضوع، حيث ذكر الشيخ شيئاً منها وأشار إلى أشياء مجرد إشارة.

    شروط جواز الجدال في الدين

    الجدل والمراء والخصومة وما يسمى الآن بالحوار، كلها تدور على معان متقاربة؛ لكن أشدها تحريماً وأبعدها عن الحق هو المراء، لأن الجدال إذا توافرت فيه الشروط وكانت الغاية منه غاية شرعية كالدعوة إلى الله عز وجل أو الانتصار للحق والدفاع عنه، فإنه جائز بالتي هي أحسن كما ذكر الله عز وجل، لكن لأن أغلب الجدال الذي يدور بين الناس ليس من هذا النوع فالأصل فيه المنع، أما المراء فهو مذموم كله؛ لأن المراء أمر زائد عن الجدل، فالمماراة والتماري والمراء هي المماحلة والتكلف وطلب الانتصار للنفس، وتكرار الحجج لغير حاجة، أو طلب المغالبة للخصم مع صرف النظر عن الحق.

    والمناظرات جدل، فإذا توافرت فيها الشروط فهي جائزة، وقد تجب حيث لا يمكن تقرير الحق ولا الدفاع عنه إلا بها، ولذلك يحسن التنبيه إلى ما يجري في عصرنا الآن من المساجلات والمناظرات عبر وسائل الإعلام، وأن هذا من وسائل تقرير العقيدة والدفاع عنها، وأن طالب العلم له أن يشارك في حوار من هذه الحوارات إذا كان عنده القدرة وقد يلزمه ذلك إذا تعين الأمر عليه، كما إذا دُعي من جهة من يملك هذه الأمور، أو دُعي من جهة المشايخ الذين يأمرون طلاب العلم ولهم عليهم الأمر، أو واجه المشكلة مواجهة لا تبرأ الذمة بتركها، بحيث لو لم يتصد لدخل من هو دونه أو دخل مبطل يتكلم باسم الحق.

    فيجب على طالب العلم أن يُسهم إذا توافرت فيه الشروط في الحوارات التي يكون فيها نصر للعقيدة ودفاع عن الحق، ولا يسعه الاعتذار.

    أقول هذا لأن كثيراً من طلاب العلم يسألون الآن، وقد يكون عند بعضهم المقدرة لكنه يتورع أو يتهيب، فأقول: لا مجال للتورع في هذه الأمور ولا للتهيب، فإن الباطل ينتفش وأهله صاروا يتكلمون باسم الحق، وتصدى لكثير من أهل الباطل من ينتسبون للسنة وفيهم ضعف وجهل وقلة فقه، فصار دخولهم في هذا المجال خذلاناً واضحاً للحق، وقد سمعنا أن كثيراً من المساجلات والمناظرات التي جرت عبر بعض وسائل الإعلام من جهة أناس ضعاف تسببت في إرباك الناس في فهمهم للعقيدة، وتسببت في إظهار أهل الباطل بمظهر صاحب الحجة الذي يملك زمام المبادرة، وأن الدليل والحجة في وصفه، وسمعت هذا من كثير ممن شاهدوا وسمعوا، حتى أن بعضهم من طلاب علم ومع ذلك يأتون بشيء من الانهزامية والضعف، وبعضهم صار يشكك في مبادئه ومسلّماته العقدية وفي فهمه لمنهج السلف.

    فهذه المناظرات إذا توافرت شروطها عند طالب العلم وعرف شروط المجادلة بالتي هي أحسن، فيجب عليه أن يشارك ولا يسعه أن يعتذر.

    هناك مجالات يجوز فيها الحوار والجدال إذا توافرت الشروط، من هذه المجالات: إذا كان المقصود تقرير الحق أو تعليم الناس، أي أنه يجوز للمعلم أن يستعمل أسلوب المحاورة مع طلابه، حتى وإن افترض الأسئلة افتراضاً أو أعاد المسألة أكثر من مرة ما دام القصد التعليم، ليفتّح أذهان السامعين ويبيّن لهم وجوه الاستدلال ويدفع عنهم الشبهات المحتملة، فالحوار بين الشيخ وطلابه، وكذلك بين الطالب وزملائه إذا كان المقصود به إحقاق الحق من الطرفين ولم يصل إلى مستوى المراء فهو جائز، بل هو من وسائل التعليم التي تكون مرغوبة شرعاً.

    محاورة أهل العلم فيما بينهم ومراجعة بعضهم لبعض لقصد التعلم أو الوصول إلى الحكم الشرعي، أو الوصول إلى الحق، أو المعرفة المفيدة.. أصل لا غبار عليه، أما إذا قُصد المخاصمة والمغالبة أو الانتصار للرأي أو للحزب أو للجماعة، أو للتشفي بالغير، فإن الأصل فيه المنع حتى وإن كان صاحبه يمثّل الحق..

    فالوسيلة أن يكون التزم شروط الجدال الشرعية لكن غايته ليس نصر الحق إنما كشف الخصم والاستهتار به أو الإحراج أو نحو ذلك، هذا لا يجوز وإن كان صاحب حق، أيضاً من الأمور التي ينبغي أن يتنبه لها أنه من شروط الجائز أن يكون المجادل عالم بما يقول عالم بالدليل كان يجهل الدليل فلا ينبغي له أن يدخل بمجرد أنه مقتنع أو مقلد، فالمقلد لا يجوز له أن يحاور، فلابد أن يكون المحاور ملماً بالمسألة في أصلها ودليلها ووجه الاستدلال؛ لأنه لا يمكن أن يطمئن أن هذا هو الشرع إلا بذلك فلا يحاور، نعم كونه يقتنع برأي شيخ متبع لا حرج فيه، لكن إذا دخل في الحوار والجدال فلا يجوز له أن يجادل إلا إذا فقه المسألة، وعرف الدليل ووجه الاستدلال.

    ثم من شروط المجادلة المقدرة العقلية والبيانية:

    بعض الناس عنده علم ولا يفوته الدليل ولا وجه الاستدلال في مسألة ما، لكنه يعرف من نفسه أنه إذا تصدى في المجادلة للخصم قد يرتبك وتخونه العبارة فإذا لم يجد في نفسه الأهلية من ناحية المقدرة البيانية حتى وإن كان عالماً فلا يجوز له أن يدخل في حوار مع خصم قوي أمام الملأ.

    ثم لابد من العدل في القول والإنصاف في الحكم: أي: لابد للمجادل أن يقصد العدل مع الخصم، فإذا كان مع الخصم شيء من الحجة أو شيء من الحق فليعترف به، وليوطن نفسه أنه لو تبين له أن خصمه هو المحق أن يعلن ذلك أمام الملأ ولا يقول: لست مستعداً لأن أنهزم، أو يراوغ أو يحيد، لأن الحيدة تعتبر بعداً عن العدل والإنصاف في الحكم.

    1.   

    الإيمان بالإسراء والمعراج

    قال رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء الدنيا، وصار إلى العرش، وكلم الله تبارك وتعالى، ودخل الجنة واطلع في النار، ورأى الملائكة، وسمع كلام الله عز وجل، ونشرت له الأنبياء، ورأى سرادقات العرش والكرسي وجميع ما في السموات وما في الأرض في اليقظة، حمله جبريل عليه السلام على البراق حتى أداره في السموات، وفرضت له الصلاة في تلك الليلة، ورجع إلى مكة في تلك الليلة، وذلك قبل الهجرة ].

    هذه المسألة تتعلق بأصل من أصول الدين، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، وفي نفس الليلة عرج به إلى السماء.

    والإسراء هو انطلاقه من البيت الحرام إلى بيت المقدس، والمعراج هو عروجه من بيت المقدس إلى السموات السبع وما بعدهما، وهذا أمر حدث فعلاً، وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه التي خصه الله بها.

    وقد تعلقت بالإسراء كثير من الأحكام في العقيدة والشريعة، فالإسراء كان يقظة، وكان بالروح والجسم على الراجح.

    ولذلك لم يقع عند السلف خلاف قوي في أن الإسراء والمعراج كان يقظة، إنما الخلاف في الروح والجسد، وإن كان هناك ثلاثة أقوال:

    فهناك قول يقول: بأن المعراج كان بالروح فقط، وممن نسب إليه هذا القول: عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، لكن يقولان بأنه يقظة هذا هو الظاهر من قولهم.

    وقال جمهور السلف قديماً وحديثاً وعليه أغلب الصحابة والتابعين وتابعيهم: إن الإسراء والمعراج بالروح والجسد، وإن هذا هو معنى كونه معجزاً تحدى الله به المشركين، وصار آية من آيات الله عز وجل ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهناك أقوال أرادت أن تجمع بين هذه الأقوال كالقول بأن الإسراء والمعراج حصلا أكثر من مرة، مرة بالروح والجسد ومرة بالروح فقط، ومرة يقظة ومرة مناماً.. إلى آخره.

    ومنهم من قال: إن الإسراء كله منام، وهذا قول ضعيف لا يتماشى مع مقاصد الشرع في ذكر الإسراء والمعراج؛ لأنه لو كان مناماً لكان حلماً، والأحلام لا يتميز بها أحد، فلذلك شنع السلف على هذا القول.

    ومما يتعلق بالإسراء أن الإسراء لم يتبين وقته في أي ليلة من الليالي ولا في أي شهر على سبيل التعيين والجزم، وهذا مما يسقط دعوى المبتدعة الذين يحتفلون بمناسبة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين من رجب، فهم مخطئون في تقدير الوقت ولو أصابوا ما جاز الاحتفال به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه.

    والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بأن يحتفل بهذه الليلة التي فيها الإسراء والمعراج لو تحددت، لكن لعل من حكمة الله عز وجل أنها لم تتبين ولا يصح في تحديدها خبر كما قال كثير من المحققين من أهل العلم.

    والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أسري به رأى الأنبياء في بيت المقدس وصلى بهم إماماً، ثم رآهم في السماء، ولا تنافي بين هذا وذلك؛ لأن ذلك راجع إلى قدرة الله عز وجل، وهو من أمر الغيب، والغيب لا تحده حدود الزمان والمكان التي تحد واقع البشر في الحياة الدنيا.

    فالأنبياء حياتهم حياة برزخية والحياة البرزخية لا تقاس بمقاييس الحياة الدنيا التي نعيش فيها فعلى ذلك ليس هناك ما يمنع من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في بيت المقدس ورأى طائفة منهم في السماء، حيث رأى في السماء الدنيا آدم، وفي السماء الثانية يحيى وعيسى، وفي السماء الثالثة يوسف، وفي السماء الرابعة إدريس، وفي السماء الخامسة هارون، وفي السماء السادسة موسى، وفي السماء السابعة إبراهيم.

    وأنه تجاوز السموات صلى الله عليه وسلم ووصل إلى سدرة المنتهى، وفرضت عليه الصلاة ورأى أموراً عجيبة من أحوال الجنة وأهلها وأحوال النار وأهلها، وأحوال الأنبياء والملائكة، وأحوال الدنيا والآخرة، ورأى من آيات ربه الكبرى ما أطلعه الله عليه، وهي من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ومن دلائل فضله وتكريمه، وكان من أعظم ما كرمه الله به أنه رأى ربه بقلبه، وأنه كلمه ربه بواحاً كلاماً يليق بجلال الله عز وجل.

    وهذه أعظم الفضائل التي يمكن أن ينالها بشر.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ واعلم أن أرواح الشهداء في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة، وأرواح المؤمنين تحت العرش، وأرواح الفجار والكفار في برهوت وهي في سجين ].

    هذه كلها من أحوال الحياة البرزخية، فأرواح الشهداء في قناديل في الجنة، وكذلك أرواح المؤمنين، وأنها ترتفع وتتفتح لها أبواب السماء، وأنها تكون تحت العرش، هذا كله قد ورد فيه نصوص.

    وكذلك أن أرواح الكفار في سجين وردت فيها النصوص، أما أن أرواح الكفار والفجار في برهوت فهذا لم يرد فيه نص صحيح والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم القراءة في الرقية بمكبر الصوت على مجموعة مرضى

    السؤال: ذكرت في الدروس الماضية والدرس الماضي الرقية الشرعية وبعض أحكامها فما هو حكم من يقرأ على مجموعة من الأشخاص بمكبر الصوت بحجة الزحام؟

    الجواب: لا أعرف لهذا ما يمنعه شرعاً لكن قد يكون غير لائق؛ لأن الصورة التي تحدث فيها الرقية بهذا الشكل صورة لا تليق بكلام الله عز وجل ولا تليق بالمسلمين أن يفعلوا ذلك، وتشبه أفعال المبتدعة، وهو لم يكن معهوداً مع أن الناس كانوا يحتاجونه في عهود السلف، فقد كان فيهم مرضى يستشفون بالقرآن ويبحثون عن رقية، فما كان السلف يجمعون الناس ويقرءون عليهم قراءة واحدة، ثم إنه ارتبط بصورة جلب المادة، وهي صورة مستبشعة عند العقلاء.

    فلذلك أنا أرى أن هذا تصرف غير لائق، أما أن نقول إنه محرم فلا، لأنه ليس عندنا دليل على تحريمه ولا على عدم مشروعيته، ولكنه غير لائق ولا ينبغي للراقي أصلاً أن يتفرغ للرقية وأن يتجمهر عنده الناس، هذه كلها أمور بعيدة عن السنة فيما أعرف، صحيح أن الناس ينتفعون؛ لكن هذا أمر أصبحت تهيأ له قاعات كبيرة واستراحات وخرج الأمر عن سمت السنة، فالأمر في هذه المسألة وغيرها من الصور التي تحدث عند الرقاة تحتاج إلى تأمل من قبل العلماء وطلاب العلم.

    رؤية الله في الدنيا غير ممكنة

    السؤال: إن الله عز وجل يمكن رؤيته في الدنيا عقلاً لا شرعاً؟

    الجواب: هذا كلام فلسفي، والعقل ليس عنده دليل على أن الله لا يرى في الدنيا لكن ورد الشرع بأنه لا يمكن رؤية الله عز وجل، وبعض أهل العلم يقول: ممنوع عقلاً وشرعاً رؤية الله عز وجل في الدنيا، لكن العقل لا يملك النفي ولا الإثبات.

    إشاعة حدوث فيضانات في المستقبل

    السؤال: اشتهرت في هذه الأيام في الحضر وما حولها أنه في آخر شهر رجب ستحدث فيضانات ورياح شديدة وزلزال إلى آخره؟

    الجواب: هذا من التكهنات والدجل؛ ولكن دجل مهذب، وهذا كله رجم بالغيب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755812750