إسلام ويب

تفسير سورة القلم [3]للشيخ : أسامة سليمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حض الله سبحانه وتعالى في كتابه على حسن الخلق، وكذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم في سنته، وحسن الخلق لا يقتصر على حسن المعاملة مع الخلق وخفض الجناح لهم ولين الكلام معهم، ولكنه أعم من ذلك، وأعظم حسن الخلق حسن العبادة لله بامتثال ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد إلا بما شرع، وكذلك حسن الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم يكون باتباع سنته وتصديق خبره، وعدم الإحداث في الدين، وعدم التقول عليه ما لم يقل.

    1.   

    منزلة الخلق الحسن في الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، ,وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

    ثم أما بعد:

    فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب، لقاؤنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع قول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، إننا في زمن انهارت فيه كثير من الأخلاقيات، واختلطت فيه الأوراق، ومن ثم ينبغي علينا أن نبين معنى الخلق، لغة واصطلاحاً، ثم نطرح سؤالاً مؤداه: هل الخلق فطري في الإنسان أم مكتسب؟ ثم نبين حسن الخلق مع الخالق، وحسن الخلق مع المخلوق.

    لقد جاءت النصوص الشرعية تبين منزلة حسن الخلق، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق).

    (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بين يديه وقال: يا رسول الله ما الدين؟ قال: حسن الخلق، فجاء عن يمينه فقال: ما الدين؟ قال: حسن الخلق، فجاء عن يساره وقال: ما الدين؟ قال: حسن الخلق، ثم أتاه من ورائه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: أما تفقه).

    وآخر يقول: (يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب).

    وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).

    وحينما ذكر له امرأة كثيرة الصلاة، كثيرة الصيام، كثيرة التهجد لكنها تؤذي جيرانها قال: (هي في النار).

    أحبتي الكرام! لا ثمرة لطاعتنا إن لم تتصف بحسن الخلق، فالصلاة شرعت لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

    والحج شرع قال ربنا فيه: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].

    والزكاة قال الله في شأنها: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

    ويقول عليه الصلاة والسلام في حق الصيام: (من لم يدع قول الزور أو العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، لا قيمة لصلاتك، لا قيمة لعبادتك إن لم تتوج بحسن الخلق.

    حسن الخلق يا عباد الله الذي انهار في زماننا، هناك صلاة، وحفظ للقرآن، لكن أين الخلق الحسن؟ قال رجل للأحنف بن قيس : إن قلت كلمة ستسمع عشراً، فقال له الأحنف: وأنت إن قلت عشراً فلن تسمع واحدة. إنه حسن الخلق الذي علمنا إياه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال لقومه الذين آذوه وأخرجوه، وسبوه، ولعنوه، وطردوه: (ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).

    وهو القائل أيضاً: (اعف عن من ظلمك، وصل من قطعك)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    تعريف الخلق لغة واصطلاحاً

    الخلق لغة: هو الطبع والسجية، واصطلاحاً: هو الصورة الباطنة للمرء، فإن للإنسان صورة ظاهرة تسمى الخَلق، وله صورة باطنة تسمى الخُلقُ، فكما أن الصورة الظاهرة يمكن أن تكون حسنة أو قبيحة، كذلك الصورة الباطنة يمكن أن تكون كذلك.

    وعرف بعض أهل العلم الخلق بقوله: هو هيئة راسخة ثابتة في النفس تصدر عنه الأفعال بسهولة ويسر.

    والخلق منه ما هو مكتسب، ومنه ما هو فطري خلق مع الإنسان يوم أن خلقه الله، جاء في البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأشج عبد القيس : (إن فيك خصلتين -أو خلتين- يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله أجبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ -أي: هل اكتسبتهما بعد وجودي أم خلقني الله بهما؟- قال بل: جبلت عليهما) .

    أي: أنك خلقت بهما، وهذا يبين أن الخلق منه ما هو مكتسب، ومنه ما هو فطري، فيه ما هو بالطبع، وفيه ما هو بالتطبع، ودليلنا أن آدم عليه السلام لما أسكنه الله الجنة وأمره أن يأكل من كل ثمارها إلا شجرة واحدة، وسوس له الشيطان، فلما ذاق الشجرة قال الله: بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [الأعراف:22]، حينما بدت السوأة أخذ آدم من ورق الجنة يواري سوأته قبل أن يهبط إلى الأرض، علم بذلك أن الحياء في آدم خلق مجبول عليه، يعلم أن انكشاف العورة لا ينبغي، فأخذ يسترها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء)، فإذا ضاع الحياء ضاع الإيمان.

    إذاً: فالخلق فيه ما هو مكتسب يمكن أن تمرن ولدك على خلق حسن، وفيه ما هو فطري ولد أو خلق مع الإنسان يوم أن خلقه الله عز وجل.

    1.   

    حسن الخلق مع الخالق

    يخطئ الكثير فيفهم أن حسن الخلق مع المخلوق أولاً ثم مع الخالق، وليس كذلك، بل مع الخالق ثم مع المخلوق.

    أما حسن الخلق مع الخالق فيدور على ثلاثة أركان:

    الأول: أن تصدق بأخباره.

    الثاني: أن تتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.

    الثالث: أن تتلقى أقداره بالرضا والقبول.

    الأول: أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت الذبابة في إناء أحدكم فليغمسها ثم لينزعها؛ فإن في إحدى جناحيها داء والآخر دواء)، فمن حسن الخلق مع هذا النص أن نتلقاه بالقبول والتصديق؛ لأن النص ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما أن الذي رواه هو البخاري.

    وهناك أقوام من دعاة العقلانية أتباع مدرسة الاعتزال يردون هذا الحديث، والاعتزال وإن لم توجد له فرقة الآن إلا أنه لا يزال يدب في عقول البعض، يقول: كيف أغمس ذبابة؟ أي عقل يقبل هذا؟ هذا كلام باطل، ويرد الأمر على رسول الله، وهذا سوء خلق مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقل حاله مع الشرع كحال الضوء مع العين، هل يمكن للعين أن ترى بدون ضوء؟ كذلك العقل لا يرى إلا بنور الوحي، فلا قيمة للعقل إن رد الأوامر الشرعية، وسأذكر نماذج من واقعنا الآن لأتباع المدرسة العقلانية الذين ردوا نصوصاً كثرة من القرآن والسنة بحجة العقل، من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في البخاري- : (إن موسى عليه السلام جاءه ملك الموت في صورة بشر تسلق عليه الجدار، ففقأ موسى عينه).

    وفي غزوة شكى الصحابة قلة الماء إلى رسول الله، فوجد عيناً فيها ماء فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده، فثار الماء من بين أصابعه حتى شرب منه ألف وخمسمائة صحابي.

    ولما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، ثم ارتفع إلى السماء السابعة، وفرضت عليه الصلاة وعاد إلى موسى.

    فهؤلاء بعقولهم العفنة ردوا النصوص الثابتة من الكتاب والسنة، وعقولنا نقدرها ونحترمها، لكن العقل في فهم النص وتوجيهه لا يرده ولا يجحده.

    وتجد آخر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والمرأة، والكلب الأسود)، أما الحمار والمرأة ففيهما خلاف شديد بين المذاهب للتخصيص، وأما الشاهد من الكلام قوله: لا أرى فرقاً بين الكلب الأسود والأبيض والأحمر، ويرد الحديث بحجة أنه لا فرق بين هذا وذاك، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلب الأسود قال: (الكلب الأسود شيطان).

    وفي صحيح مسلم (تدنو الشمس يوم القيامة من رءوس العباد على قدر ميل) يقول قائل: الشمس بيننا وبينها ملايين الكيلو مترات، وإذا اقتربت منا سنتيمتر فإنها تحرق الناس؟ فكيف تدنو من رءوسهم يوم القيامة بقدر مسافة ميل؟ وهكذا يردون النصوص الصحيحة بحجة أنها لا تستقيم مع أفهامهم، وهذا سوء خلق مع كتاب الله ومع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند ربه ست خصال: يغفر له من أول دفعة من دم) أول دفعة دم تنزل من جسده يغفر له بها كل ذنوبه.

    ثانياً: (يأمن من عذاب القبر).

    ثالثاً: (يأمن من الفزع الأكبر).

    رابعاً: (يلبس تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها).

    خامساً: (يتزوج باثنتين وسبعين من الحور العين).

    سادساً: (يشفع في سبعين من أهل بيته).

    كتب أحد العقلانيين يتهكم في عموده: كيف نقبل أن يتزوج الواحد باثنتين وسبعين؟ عقولنا لا تقبل ذلك.

    ويزعم أن هذا لا يستقيم مع عقولنا، وكل النصوص الشرعية عرضوها على عقولهم، فما قبله العقل قبلوه، وما رده العقل ردوه، فاتصفوا بسوء الخلق مع كتاب الله، ومع سنة رسول الله.

    والعلم المعاصر يثبت الآن بعد تحليل جناحي الذبابة أن في أحد جناحيها داء وفي الجناح الآخر الدواء، ولأننا هدانا الله إلى حسن الخلق، قلنا: نغمس وننزع؛ لأن الذي أمرنا بذلك هو الذي لا ينطق عن الهوى، أما القوم فانتظروا حتى أثبت العلم ذلك، ونحن نقول: أثبت العلم أو لم يثبت فما علينا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا.

    إذاً: حسن الخلق مع الخالق أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق.

    ثانياً: أن نتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق في العبادات والمعاملات، برضا وسلامة صدر وانشراح وحب، وهذا حال المؤمن.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجروَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]، أما المؤمن إذا صلى الفجر ينتظر حتى الصباح في مصلاه يذكر الله، ويدخلها وهو يستشعر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).

    وحينما يخرج الزكاة يخرجها برضا وبحب، ويدعو الله أن يقبل منه، ويرغب أن يزيد من الإنفاق.

    والصيام مشقة، لكن المؤمن يستمتع بالجوع والعطش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، فهو عندما يتلقى النصوص فإنه يتلقاها بالتنفيذ والتطبيق، ويفعلها برضا وطمأنينة وانشراح، ويحب أن يزيد منها. هذا هو حسن الخلق.

    ثالثاً: أن تتلقى أقدار الله بالقبول والرضا، وهناك من الناس من يعبد الله على حرف، إن وسع الله عليه في رزقه، وأعطاه الولد، يطمئن بذلك، وإن ضيق الله عليه في الرزق انقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة، ومن الناس من يعبد الله في حال الصحة والرخاء، فإن أصيب بمرض اعترض على قضاء ربه، ومن الناس من يعبد الله في حال الأمن، فإن مات ولده قال: يا رب لم أخذته؟ ويعترض على قضائه، وأما المؤمن فيقول كما قال الله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]، فيستقبل البلاء برضا وقبول.

    هذا هو حسن الخلق مع الخالق:

    أولاً: أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق.

    ثانياً: أن تتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.

    ثالثاً: أن تتلقى أقداره بالرضا والقبول.

    1.   

    حسن الخلق من المخلوق

    أما حسن الخلق مع المخلوق فهذا موضوع يطول، قال الحسن البصري : حسن الخلق هو كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.

    وكف الأذى: أن تكف أذاك عن المسلمين، عن أعراضهم وأموالهم ودمائهم.

    وفي حجة الوداع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)، هذا هو كف الأذى، فمن منا يكف أذاه عن إخوانه؟ إن كف أذاه عنه في ماله نهش لحمه، وأكل عرضه.

    جلس قوم عند أحد الصالحين، فقبل أن يأتيهم بالطعام أخذوا يغتابون أخاً لهم في عدم حضوره، فجاء الرجل، وقال: يا قوم لقد كنا قديماً نأكل الخبز قبل اللحم أما أنتم الآن فبدأتم باللحم قبل الخبز، بدأتم بعرض أخيكم.

    وكف الأذى عن أموال المسلمين ألا تنصب، ولا ترتشي، ولا تحتال، ولا تأخذ مالاً بغير حق، كل هذا من كف الأذى.

    وأن تكف لسانك عن أعراضهم بالغيبة، وما أدراك ما الغيبة التي نتمضمض بها صباحاً ومساءً أكثر من وضوئنا للصلاة، الغيبة هي: (ذكرك أخاك بما يكره) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

    يقول أحد السلف: جاهدت نفسي في الغيبة، فقلت: كلما اغتبت أحداً صمت يوماً، فأجهدني الصيام، فقلت: كلما اغتبت تصدقت بدرهم، فدفعني حب المال إلى ترك الغيبة؛ لأنه كلما أخرج درهماً شعر أنه يخرج ما يحبه.

    فالشاهد أنه أراد أن يهذب نفسه، أما نحن الآن لا هم لنا، قالوا، قلنا، سمعنا، سمعت، ظنوا.. وهكذا، بدون بينة ولا دليل، قدح، سب، قذف، تطاول، يا قوم ما شرعت العبادات لذلك، فينبغي كف الأذى في العرض والمال والنفس.

    أما بذل الندى، فهو الجود والكرم، أن تبذل النفس والمال والجاه، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، أن تبذل لأخيك، أن تسير معه في حاجته، أن تكون إلى جواره في مصيبته، أن تأخذ على يده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فيكف ننصره ظالماً؟ قال: أن تأخذ على يده) .

    أما طلاقة الوجه. ويا ليتنا نضعها في اعتبارنا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة).

    وقال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، تجد البعض يقابلك ويعبس في وجهك، كأنه يبغضك أكثر من بغضه لأهل الكتاب، وإن ألقى السلام يعبس في وجهك، ويكشر عن جبهته، وكأن بينك وبينه ثأراً، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم في وجوه الناس، وصدق الله سبحانه إذ يقول: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    عدم الغش في البيع من حسن الخلق وبيان خطر النميمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

    أيها الإخوة الكرام الأحباب، إن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، وعلى العبد أن يدرب نفسه، وأن يجاهدها في هذا الباب.

    خرج رجل إلى السوق ليبيع عبداً مملوكاً له فقال: غلامي هذا فيه خصال كذا وكذا.. وظل يمدحه، ثم قال: إلا أنه نمام، والواجب أن يبين البائع عيب السلعة التي يبيعها، ومن الغش أن يخفي العيب، فهذا رجل عنده حسن خلق في البيع، فبين أن في غلامه كذا وكذا، إلا أنه نمام، فقال أحد الناس ممن لا عقل لهم: هذا عيب ضئيل لا وزن له، وأخذه على عيبه، فجاء الغلام إلى سيده وقال له: سيدي إن سيدتي تبغضك، وتدبر لقتلك فتناوم، يعني: اجعل نفسك نائماً وستنظر صدق ما أقول، ثم ذهب إلى سيدته وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليك، وإن أردت ألا يفعل فخذي شعرة من لحيته وائتيني بها، وأنا أفعل لك أمراً لن يتزوج به عليك، فجاءت المرأة بالليل بالموسى وهوت على رأس زوجها لتأخذ منه شعرة، ففتح الزوج عينه فوجدها تهوي عليه، فجذب الموسى من يدها وطعنها وقتلها، فلما وصل الأمر إلى أهلها اجتمعوا عليه فقتلوه، فدار الحرب بين القبيلتين.

    انظروا إلى ما حدث من ذنب يسير نظنه، ولكنه ليس يسيراً عند الله، وإنما يمكن لك أن تتجاوزه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير) أي: ما يعذبان فيه أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه؛ لأنه قال: (بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله)، وفي رواية: (لا يستبرئ)، وفي رواية: (لا يستنزه).

    رجل أعمال يسير في الطريق الصحراوي ضاقت به السبل، يركن السيارة ينزل، فإذا به يقضي حاجته على قارعة الطريق، أما تستحي من الله؟ أما تستحي من الناس؟ لا يستتر، ولا يستبرئ ولا يستنزه من بوله. (وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس).

    قال رجل لـعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين فلان يقول في حقك: كذا، فقال له عمر بن عبد العزيز : أيها الرجل إن كنت كاذباً فأنت من الذين قال الله فيهم: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، وإن كنت صادقاً، فأنت من الذين قال الله فيهم: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11]، قم، قال: العفو يا أمير المؤمنين.

    فمن قال لك قال عليك.

    لو أننا أخذنا هذا المبدأ وسرنا به في حياتنا لاستقامت الحياة، ولعمت راحة الصدور، ولاطمأن البال، ولكننا تركناه فعمت الفوضى التي نعيش فيها الآن، وضاعت الأخلاق، وانهارت القيم، أسأل الله سبحانه أن يحسن أخلاقنا.

    اللهم حسن أخلاقنا كما حسنت خلقتنا، وحرم وجوهنا على النار.

    اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

    اللهم طهر ألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وقلوبنا من النفاق.

    اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.

    اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

    اللهم ول أمورنا خيرنا.

    اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، ونسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.

    اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، وشفاء صدورنا.

    اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وجمد الدماء في عروقهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود، فإنهم لا يعجزونك.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756350173