إسلام ويب

مجالس رمضان شهر الاستغفارللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من فضل الله عز وجل على عباده أن شرع لهم الاستغفار من ذنوبهم في كل وقت، وفي الأوقات الفاضلة لا سيما شهر رمضان، وقد حث الله على الاستغفار في كتابه، وجعل أسباباً للمغفرة، وشرع آداباً يتحلى بها المؤمن حال استغفاره ودعائه.

    1.   

    فضل الاستغفار وبيان أفضله

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    هذا الشهر الكريم ليس شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والدعاء فحسب، ولكنه كذلك شهر طلب المغفرة من الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له)، فقد كثرت في هذا الشهر الكريم أسباب المغفرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، والمغفرة: هي ستر الذنوب مع محو عقوبتها. أي: أن الله عز وجل يستر على العبد فلا يفضحه في الدنيا، ولا في عرصات القيامة، ويمحو عنه عقوبة هذه الذنوب.

    وقد أكثر الله عز وجل من ذكر الاستغفار في كتابه، فتارة يمدح أهله، كما قال في وصف المحسنين: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17]، وتارة يأمر به: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199]، وتارة يخبر الله عز وجل أنه يغفر لمن استغفره، فقال عز وجل: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110].

    وحكم الاستغفار كحكم الدعاء، فهو سبب مقتضٍ للإجابة إذا توفرت الشرائط وانتفت الموانع، فكذلك الله عز وجل يغفر لمن استغفره إذا توفرت شرائط المغفرة وانتفت الموانع.

    أفضل الاستغفار ما بدئ بحمد الله عز وجل وتمجيده، واعتراف العبد بذنوبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

    فهذا كان سيد الاستغفار؛ لأنه يشتمل على الاعتراف بنعم الله عز وجل على العبد، وكذلك اعتراف العبد بذنوبه: (أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي)، أي: واعترف بذنبي.

    وكما يقولون: العارف يسير إلى الله عز وجل بين مشاهدة المنة، ومطاوعة عيب النفس والعمل؛ فينظر بإحدى عينيه إلى نعم الله عز وجل عليه، وهذا يورثه كمال الحب لله عز وجل، وينظر بالعين الأخرى إلى عيوب نفسه وسيئات عمله فيورثه ذلك كمال الذل لله عز وجل، وهما شقا العبادة.

    وقالوا: العارف يخرج من الدنيا وما قضى وطره من شيئين: ثناؤه على ربه عز وجل، وبكاؤه على نفسه.

    1.   

    الدعاء مع الرجاء وكثرة الاستغفار من أعظم أسباب المغفرة

    روى الترمذي بسند حسن وحسنه الألباني رحمه الله في الصحيحة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك. يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)، فهذا الحديث يبين لنا ثلاثة أسباب من أعظم أسباب المغفرة.

    أما السبب الأول: فهو الدعاء مع الرجاء: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني)، وهو من أعظم أسباب المغفرة.

    السبب الثاني من أسباب المغفرة: كثرة الاستغفار، وهو طلب المغفرة من الله عز وجل. قال الحسن : أكثروا من الاستغفار على موائدكم وفي طرقكم وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة، وروي أن لقمان قال لابنه: يا بني! عود لسانك: اللهم اغفر لي. فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً، وقال علي رضي الله عنه: ما ألهم الله عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه؛ لأن الله عز وجل إذا أراد لعبد خيراً فتح له باب الخير، فإذا أراد أن يغفر له ألهمه الاستغفار، فيستغفر العبد فيقبل الرب عز وجل منه ويغفر له، كما إذا أراد الله عز وجل أن يتوب على عبد يوفقه للتوبة ويقبل منه توبته. قال عز وجل: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118]، وإذا أراد الله أن يعطي عبداً مسألة يفتح عليه باب الدعاء بهذه المسألة، فيسأل العبد ربه فيقبل الرب عز وجل منه ويعطيه سؤله، فالله عز وجل هو الأول والآخر والظاهر والباطن، كذلك تقول عائشة رضي الله عنها: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً.

    فينبغي للعبد أن يكثر من استغفار الله عز وجل، روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله عز وجل في اليوم مائة مرة، وكان يقول: (توبوا إلى الله واستغفروه فوالله إني لأتوب إليه وأستغفره، في اليوم أكثر من سبعين مرة).

    1.   

    توحيد الله عز وجل من أعظم أسباب المغفرة

    السبب الثالث وهو من أعظم أسباب المغفرة: توحيد الله عز وجل: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا؛ ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).

    يقول ابن القيم رحمه الله: يعفى لأهل التوحيد المحض الذين لم يشوبوه بشيء ما لا يعفى لغيرهم، فلو أتى الموحد الذي أخلص توحيده لله عز وجل ربه بقراب الأرض خطايا لأتاه الله عز وجل بقرابها مغفرة، ودل على ذلك أيضاً حديث البطاقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يصاح على رجل من أمتي يوم القيامة فيقال: احضر وزنك، وينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر مليئة بالذنوب والخطايا، فتوضع في كفة، ويظن أنه هالك، فيؤتى له ببطاقة عليها لا إله إلا الله، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فتطيش السجلات وتثقل البطاقة).

    يقول ابن القيم : إن هذا الرجل حقق التوحيد، ووقع في ذنوب دون الشرك، فليست هذه بطاقة كل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله تعالى يقول: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]، ولكن هذا الرجل قام بالتوحيد حق القيام، ووقع في ذنوب دون الشرك، فنجا ببركة التوحيد وفضله، فينبغي للعبد أن يخلص توحيده لله عز وجل، فالتوحيد هو الإكسير الأعظم الذي لو وضعت منه ذرة على جبال من الذنوب لنسفتها نسفاً، قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

    فينبغي للعبد أن يحقق التوحيد بقلبه وجوارحه، حتى يكون على رجاء المغفرة من الله عز وجل.

    أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755808672