إسلام ويب

دليل الطالب كتاب القضاء [4]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • طلب أحد الخصمين الآخر إلى القضاء هو الدعوى، فيستدعي القاضي الخصم المطلوب ثم يقضي بين المتداعيين، والدعوى تختلف بحسب العين المدعاة، لأنها إما أن تكون بيديهما أو أحدهما أو عند ثالث أو غير ذلك.

    1.   

    تعريف الدعاوى والبينات وممن تسمع الدعاوى

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاوى والبينات.

    الدعاوى: جمع دعوى، وهي في اللغة: الطلب.

    وأما في الاصطلاح: فهي إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاقاً في يد غيره أو ذمته.

    وأما البينات فهي: جمع بيّنة.

    وهي: ما أظهر الحق وأبانه كالشهود.

    عندنا المُدّعي وعند المُدّعى عليه، فالمطالب هو المُدّعي والمُطالَب هو المُدّعى عليه.

    المُدّعي: من إذا ترك تُرك، يعني إذا ترك الدعوى تُرك، وأما المُدّعى عليه: فمن إذا ترك لم يُترك؛ لأنه هو المُطالب.

    قال: [ لا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف ] يعني أن القاضي لا يسمع الدعوى إلا أن تكون من جائز التصرف، وهو الحر المكلّف الرشيد، فإن لم يكن كذلك سمعها من وليه.

    1.   

    أحوال العين المدعاة وحكم كل حال

    الحال الأولى

    [ وإن تداعيا عيناً لم تخل من أربعة أحوال: أحدها: ألا تكون بيد أحد ].

    اختلف اثنان في عين، هذه العين ليست في يد هذا ولا في يد هذا.. كأن اختلفا في دابة في البر، هذا يقول: هذه الدابة لي، وهذا يقول: هذه الدابة لي، فليست بيد أحد منهما.

    [ ولا ثم ظاهر ] أي: ليس هناك ظاهر يُعمل به، لو كان زمامها بيد أحدهما فهذا ظاهر، لو كان أحدهما راكباً لها فهذا ظاهر نأخذ به، لكن ليس هناك ظاهر يُعمل به.

    [ ولا بيّنة لأحدهما ] فلا لهذا بيّنة ولا لهذا بيّنة، يعني: ليس لهذا شهود على أنها له ولا لهذا شهود على أنه له.

    [ فيتحالفان ويتناصفانها لاستوائهما في الدعوى ] يعني تكون لهما جميعاً، لهذا النصف ولهذا النصف.

    وقد جاء في سنن أبي داود : (أن رجلين اختلفا في دابة ليس لأحدهما بيّنة فجعلها النبي عليه الصلاة والسلام لهما على نصفين) .

    قال: [ وإن وجد ظاهر لأحدهما عُمل به ]، أي: إذا وُجد ظاهر يدل على أنها لأحدهما فإنه يُعمل به، كما لو اختلف الزوجان بعد الطلاق فالمرأة تقول هذا لي، والزوج يقول: هذا لي ولا بيّنة، فننظر: إن كان الشيء مما يصلح للنساء كان لها بيمينها، وإن كان الشيء مما يصلح للرجال كان للرجل بيمينه، مثل القماش للنساء، ومثل أدوات المطبخ للنساء، فهذا ظاهر، فنحكم بالظاهر مع اليمين.

    الحال الثانية

    قال: [ الثاني ]، يعني الحال الثانية: [ أن تكون بيد أحدهما، فهي له بيمينه ].

    أحدهما آخذ بزمامها أو قد ركبها فهي بيده، أو أرض يزرعها والآخر يقول: هي لي، فنقول: هي لمن كانت بيده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث المتقدم: (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك).

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المُدّعى عليه) رواه مسلم .

    وفي البيهقي : (البيّنة على المُدّعي واليمين على من أنكر)، وهذه الرواية فيها ضعف لكن أهل العلم قد أجمعوا على ذلك.

    إذاً: إن كانت بيد أحدهما فإنا نحكم بأنها لمن كانت بيده وعليه اليمين، [ فإن لم يحلف ] كأن قال: لا أحلف، [ قُضي عليه بالنكول ولو أقام بيّنة ].

    إذاً: لا نسمع بيّنته؛ لأنه لا حاجة للبيّنة بل يحلف فقط، أي أنه إذا نكل عن اليمين فقال: أنا عندي بينة فلا أحلف قال المؤلف هنا: لا نقبل بيّنته، بل نقول: إما أن تحلف وإلا فإنا ندفع هذه الأرض التي تغرسها للمُدّعي.

    والصحيح وهو القول الثاني في المسألة، وقول في المذهب وعليه أهل الفتيا كما في الشرح: أن البيّنة تُقبل منه؛ لأن الشخص يحتاج للبيّنة وإن كان عنده يمين، لئلا يُتهم بأن يقال إنه حلف كاذباً، فيحتاج للبيّنة ليدفع التهمة وليسلم من اليمين.

    إذاً: هذا رجل بيده عين جاء آخر وادّعى أن هذه العين التي بيده له وليس عنده بيّنة، فقال صاحب اليد: أنا عندي بيّنة، نقول: لا نسمع بينتك على المذهب، وإنما نُطالبك باليمين، فإن حلفت فهي لك وإن نكلت فهي للمُدّعي.

    والصحيح كما تقدم أنا نأخذ ببيّنته إن أحب ذلك وترك اليمين.

    الحال الثالثة

    قال: [ الثالث ] أي: الحال الثالثة: [ أن تكون بيديهما جميعاً، كشيء كل ممسك ببعضه ].

    دابة هذا ممسك بجانبها وهذا ممسك بجانبها، هذا يقول هي لي، وهذا يقول هي لي.. مثلاً هما في السوق، هذا وضع يده على هذه الدابة وهذا وضع يده عليها، وكل يقول: هي لي.. إذاً: لا يمكننا أن نقول هي بيد هذا ولا يمكننا أن نقول هي بيد هذا دون الآخر، بل هي بيد الاثنين جميعاً.

    قال: [ فيتحالفان ويتناصفانه ]، كالمسألة السابقة؛ للحديث المتقدم، لأن يد هذا عارضت يد هذا، فتساقطتا، وعلى ذلك فنقول: كما لو لم تكن هناك يد فيتناصفان.

    [ فإن قويت يد أحدهما ] أي: كانت يد أحدهما أقوى [ كحيوان واحد سائقه والآخر راكبه ] فالراكب أقوى من السائق، [ أو قميص واحد آخذ بكمه والثاني لابسه، فللثاني بيمينه ] أي: نحكم به للثاني لأن يده أقوى، يعني نأخذ للراكب هنا، ونأخذ للابس؛ لأن يده أقوى.

    [ وإن تنازع صانعان في آلة دكانهما ]، عندنا صانعان في الورشة اختلفا، [ فآلة كل صنعة لصانعها ]، فآلة الحدادة تكون للحداد، وآلة النجارة تكون للنجار، وآلة الميكانيكا تكون للميكانيكي..، وهكذا.

    قال: [ ومتى كان لأحدهما بيّنة فالعين له ]، إن قال النجار: نعم هذه آلة حدادة؛ لكنها لي وعندي بيّنة تشهد أنها لي، والآخر لا بيّنة له! فلا شك أن البيّنة تُقدّم.

    قال: [ فإن كان لكل منهما بيّنة به وتساوتا من كل وجه تعارضتا وتساقطتا ]، أي إن تنازعا في عين، وهذا له بيّنة وهذا له بيّنة، فنقول: هاتان البيّنتان تعارضتا فتساقطتا وعلى ذلك [ فيتحالفان ويتناصفان ما بيديهما ] كما تقدم إيضاحه.

    قال: [ ويقترعان فيما عداه ]، كم بقي عندنا حال؟

    قد ذكر أن تكون بيديهما جميعاً، وأن تكون بيد أحدهما، وأن لا تكون بيد أحد منهما، فبقي أن تكون بيد أجنبي، يعني أن تكون بيد طرف ثالث وليست بيد هذا ولا بيد هذا، فما الحكم؟ قال: [ ويقترعان فيمن عداه، فمن خرجت له القرعة فهو له بيمينه ].

    يعني إذا كانت هذه السلعة ليست بيديهما جميعاً بل هي بيد ثالث فإنهما يقترعان، فمن خرجت القرعة له فهي له بيمينه.

    ويدل على ذلك ما جاء في سنن أبي داود : (أن رجلين اختلفا في عين وجاء كل واحد منهما ببيّنة، فقضى النبي عليه الصلاة والسلام أن يستهما).

    وجاء في سنن أبي داود : (أن رجلين اختلفا ولم يكن لأحد منهما بيّنة، فأمرهما النبي عليه الصلاة والسلام أن يستهما أحبا أو كرها).

    والحديث الأول رواه الشافعي أيضاً، وأما هذا فهو في أبي داود .

    إذاً: إذا كانت العين ليست بيد الطرفين وليس لهما بيّنة، أو لكل منهما بيّنة بحيث إن بيّنة هذا تعارض بينة هذا، فيستهمان ومن خرجت القرعة له قلنا: هي لك بيمينك.

    بينة الداخل والخارج

    قال: [ وإن كانت العين بيد أحدهما فهو داخل والآخر خارج، وبينة الخارج مُقدّمة على بينة الداخل ] .

    إذا كانت العين بيد أحدهما كأرض يغرسها، فهذا يُعد داخلاً .. فالذي تكون اليد له يعد هو الداخل، والمُدّعي خارج ليست له على هذه الأرض يد، أقام كل منهما بينة، ادّعى زيد أن الأرض التي يغرسها عمرو له وأتى بشهود يشهدون أنها له، فقال الذي يغرس الأرض وهو عمرو: إنها لي أيها القاضي وهذه بيّنتي أيضاً، وأتى بشهود؛ قالوا هنا: لا نقول إن البيّنتين تتعارضا، لأن هذه بيّنة داخل وهذه بيّنة خارج، وإنما نأخذ ببينة الخارج ولا نأخذ ببيّنة الداخل، قالوا: لأن بينة الداخل لا تُسمع؛ لأنه مُدّعى عليه والمدعى عليه تُسمع منه اليمين ولا تتوجه إليه البيّنة.

    وهذا القول ضعيف، ولذا ذهب الجمهور وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب واختيار الشيخ محمد بن إبراهيم أنا نسمع بيّنة الداخل فنُقدّم بيّنة الداخل؛ لأن الداخل معه مُرجّح وهو أنها في يده.

    قالوا: وإنما جاء الشرع في أن البيّنة على المُدعي واليمين على من أنكر لأن الأصل أن تكون البينة واحدة لا غير، أما إذا كانت هناك بينتان فإنا نسمع هذه ونسمع هذه..

    إذاً: الصحيح أنا نأخذ هنا ببينة الداخل لأن البينتين تعارضتا فتساقطتا، وبقي لنا أن الداخل له شاهد الحال وهو يده على هذه الأرض التي يغرسها.

    ومثل ذلك لو اختلف اثنان في دابة هذا آخذ بزمامها أو راكب لها وهذا مُدّع ليست يده عليها، فأقام هذا بيّنة وأقام هذا بيّنة، فالمذهب أنا نأخذ ببينة المُدّعي وهو الذي ليست يده عليها، قالوا: لأن الآخر تتوجه عليه اليمين فقط، والصحيح ما تقدم وأنا نأخذ ببينة الداخل؛ لأن الداخل يشهد له ظاهر الحال.

    وإذا زدنا على ذلك اليمين كما تقدم في مسألة سابقة يكون هذا أحوط في حفظ الحق.

    قال: [ لكن لو أقام الخارج بيّنة أنها ملكه والداخل بينة أنه اشتراها منه قُدّمت بينته ].

    هنا حتى على المذهب لو قال الخارج: إن شهودي يشهدون أنها لي وأني ورثتها عن آبائي، فقال الشهود: نعم نشهد أنه ورثها من آبائه، فقال الداخل: إن بينتي تشهد أني اشتريتها منه، فلا شك أنا نقدم بينة الداخل حتى على المذهب؛ قال: [ لما معها من زيادة العلم، أو أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من فلان، وأقام الآخر بينة كذلك، عُمل بأسبقهما تاريخاً ].

    يعني: قلنا للخارج: من أين اشتريت؟ قال: اشتريتها من زيد. قلنا: متى؟ قال: قبل سنة، وقلنا لهذا الداخل: متى اشتريتها؟ قال: قبل سنتين، فنحكم للأسبق منهما.

    الحال الرابعة

    قال: [ الرابع: أن تكون بيد ثالث ] هناك في المسألة السابقة كانت بيد ثالث لا يدّعيها، أما هنا فالثالث يدّعي أنها له.

    يعني: ادّعى زيد وعمرو الدابة التي يركبها بكر، فزيد يقول لي، وعمرو يقول لي، وبكر يقول: لا، بل هي لي .. قال: [ فإن ادّعاها لنفسه حلف لكل واحد منهما يميناً ]، يحلف أمام القاضي لهما جميعاً فيقول: والله إنها ليست لزيد وإنما هي لي، والله إنها ليست لعمرو وإنما هي لي.

    [ فإن نكل ] أي: إن حلف كانت له لأنها بيده وليست بيد زيد ولا عمرو، وإن لم يحلف [ أخذاها منه مع بدلها ] أي: فيأخذان العين ويأخذان بدلها أيضاً، وهو مثلها إن كانت من المثليات أو قيمتها إن كانت من المقومات، قالوا: لحق الاثنين فإنه نكل عن يمين هذا ويمين هذا فيكون كما لو أتلفها على أحدهما.

    [ واقترعا عليهما ] مثلاً: أخذنا الناقة وأخذنا أيضاً بدلها من الثالث الذي نكل، واقترعا عليهما، فمن خرجت القرعة له حلف وأخذ الدابة وأخذ بدلها.

    قال: [ وإن أقر بها لهما اقتسماها ] قال: أنا أقر أنها لزيد وعمرو.

    قال: [ وحلف لكل واحد يميناً ] يعني: يحلف لزيد وعمرو؛ لأنه أشركهما فيقول: والله إن لعمرو نصفها ووالله إن لزيد نصفها، وقد كان زيد يدّعي أنها كلها له وعمرو يدّعي أنها كلها له، فيحلف أن لهذا النصف وأن لهذا النصف، [ وحلف كل واحد لصاحبه على النصف المحكوم له به ]، فإذ أخذ زيد النصف حلف وإذا أخذ عمرو النصف حلف؛ لأن هذا ينكر أنه له، لأن زيداً يقول: هي لي كلها، وعمراً: يقول هي لي كلها.

    قال: [ وإن قال ] أي: إن قال هذا الذي بيده وهو الطرف الثالث [ هي لأحدهما ] ما هي للاثنين، إنما هي لأحدهما [ وأجهله ]، فلا أدري هل هي لزيد أو لعمرو؟ أنا أخذتها من مكان هما فيه ولا أدري هل هي لزيد أم لعمرو؟ [ فصدّقاه ] على جهله [ لم يحلف ] هو؛ لأنهما صدّقاه [ وإلا حلف يميناً واحدة ].

    يعني: إذا صدقاه فلا يمين، وإن لم يصدقاه حلف يميناً واحدة؛ لأن صاحب الحق واحد فإنه يقول إما لهذا وإما لهذا، [ ويقرع بينهما ] يعني بالقرعة، [ فمن قرع حلف وأخذها ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755922106