ففي السنة السابعة من الهجرة، عندما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من حرب اليهود في خيبر، بعد حرب ضروس ومعارك دامية وجهاد كبير، فرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر، وباستسلام يهود فدك وتيماء، وجمعت الغنائم فأغنى الله أهل المدينة، وتيسر عيش أهل الصفة؛ لكثرة ما حصلوا من غنائم، وفرح المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما رأى البشر يعلو وجوه هؤلاء الفقراء وهؤلاء الأطفال الصغار؛ لما حباهم الله من رزقه سبحانه وتعالى.
في هذه اللحظة يطرق باب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيخرج عليه السلام ليعرف من في الباب، فقال: أنا جعفر ، فذهل عليه السلام حين سمع هذا الصوت الذي افتقده سنين طوالاً، فأخذ عليه السلام رداءه يجره خلفه -لم يلبسه من شدة استعجاله وفرحه بهذا الذي قدم- إنه جعفر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، قائد المؤمنين الصابرين في الحبشة، وفتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب ونظر إليه والبشر يتهلل من وجهه، ثم ضمه إليه، وقبله بين عينيه، ثم أطلق كلمته المشهورة: (لا أدري والله بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم
وهذا يدل على أن لـجعفر منزلة ومكانة في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ رحب به واحترم جهده وجهاده، ثم بعد فترة وجيزة أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً بأن يعطى جعفر إمرة جيش مؤتة الذاهب إلى قتال الروم أقوى جيش في ذاك الزمان، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن قائدكم هو
وقول المصطفى عليه السلام: (فإن أصيب)، فيه دلالة على أن جعفراً سيموت، ما هذا يا رسول الله؟ قدوم جعفر بعد عنائه وتعبه وجهاده يتطلب منه الراحة والجلوس ليبني مستقبله ويربي أولاده، ويهتم ببيته وأرضه؟ لكن لا، بل ذهب جعفر قائداً مساعداً لـزيد بن حارثة ، حتى إذا قتل زيد قاد خضم هذه الغزوة جعفر ، فإن قتل فقائدها عبد الله بن رواحة .
عجيب أمرك يا رسول الله! فمن هذا المنطلق أيها الأحبة ومن هذه القصة العجيبة نتحدث عن عنوان محاضرتنا لهذه الليلة، والتي تأخذ مسمى: ما الهم الذي تحمله أيها المسلم؟
ماذا حمل الرسول صلى الله عليه وسلم من هم؟ هل حمل هم أن يعطي جعفراً الضياع والقصور ليعيش منعماً؟ لا.
بل إن حمل راية الإسلام ونشر دعوته في أرجاء المعمورة، هو الهم الأول والأخير بالنسبة للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
فعلى الرغم من مكانة جعفر في قلبه إلا أنه قدمه قائداً مساعداً، بل وقال لصحابته: (فإن أصيب) وهذا دلالة على أنه سيقتل، وقد مات شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وبعد أن ينتهي يبدأ العزف والتصفيق والتصفير والغناء، وكان هناك صديق قريب له يأتي إليه فيسلم عليه، ولا يسأله إلا سؤالاً واحداً: من أين جئت؟ فيقول: من ألمانيا، من سويسرا، من اليابان، من الهند، من إندونيسيا، من كذا وكذا من الدول، ثم يقول له: كيف حال المسلمين في ذاك البلد؟ فيقول: بخير، إجابة عامة؛ لأنه لا يعرف أصلاً كيف حالهم، ولا يعلم ماذا يحصل لهم.
فكان يجيبه بهذه الإجابة المكررة الروتينية فجعل يتضايق منها.
فقال في يوم من الأيام: لماذا لا آتي بإجابة فيها بعض التفصيل، فدخل أحد المراكز الإسلامية، في إحدى الدول الأوروبية، وجمع بعض المعلومات، والتقى ببعض القائمين على المركز، وفرح بهذه المعلومات، ورأى على وجوههم البشر والصبر والطاعة، على الرغم من أنهم يعيشون في مجتمعات كافرة، إلا أن نور الطاعة يشع من وجوههم، يصابرون ويصبرون وينشرون الدعوة، بالرغم من المحاربة والجهد والجهاد الذي يبذلونه.
وبعد أن جمع المعلومات وجاء إلى مصر، جاءه السؤال الروتيني المعتاد: كيف حال المسلمين في ذاك البلد؟ فانبرى يجيب؛ لأن المعلومات توافرت: زرت المركز كذا، وعندي كذا من المعلومات، وعندي وعندي وعندي، ويتضايق هؤلاء من كذا, ويفرحون بكذا.
فقال له صديقه: ما رأيك أن تذهب إليهم وتزورهم بين فينة وأخرى، وتتكفل بمساعدتهم، أنا سأعطيك وسأساعدك، لماذا لا نتعاون في جمع كتب ومصاحف، ونجمع مالاً فندعمهم شيئاً فشيئاً، وهكذا استمر هذا الطيار في جمع المعلومات وإيصالها إلى قريبه فكانت ردة الفعل أن ساهما في إصلاح المركز ودفعه إلى الأمام وفي نهاية المطاف رأى الطيار أن حياته السابقة في التراب أو تحت التراب.
أما حياة قريبه المهتم بأمور المسلمين فكانت في الثريا في السماء، فرأى بوناً شاسعاً بين الحياتين، ورأى فرقاً شاسعاً بين المعيشتين، فقرر الانتقال إلى العلو وترك القاع، فترك كل اهتماماته السافلة التافهة، وبدأ يهتم بهذه المراكز الإسلامية وبالدعوة.
إذاً: هذه الصورة القديمة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة الحديثة حكاية هذا الطيار، تدعونا إلى التوقف مع الهم الذي تحمله أنت أيها المسلم.
فكل إنسان له هموم، ليس المقصود بها الأمراض النفسية أو الأمراض الداخلية، بل المقصود بها: الأمر الذي يشغله ويحاول أن يحققه ويصل إليه، فمن الناس من همه البحث عن زوجة، أو البحث عن بيت، أو البحث عن مركبة، أو البحث عن وظيفة وغير ذلك.
ومن الناس من عنده هموم في الشهوات والمتع وغير ذلك، فكل لا يخلو من هم.
إذاً: هذا هو السبب الذي يدعونا لمناقشة هذه المسألة بشكل أكثر تفصيلاً.
فأهل الصلاح كثيرون، ولكن -وللأسف الشديد- نتائجهم قليلة، فتجد الفساد منتشراً وبارزاً في كل مكان، بالرغم من أن أهل الصلاح كثيرون وفي كل مكان.
وسبب ذلك: أن الكثير من أهل الصلاح قد ضعف هم الدعوة إلى الله، وهم إصلاح الذات، وهم تربية الأسرة ونشر الإسلام؛ في قلوبهم.
ولذلك عندما حصل غزو العراق للكويت، وجاءت القوات الأمريكية، قام بعض الإخوة بدعوة بعض من الضباط الأمريكيين، ومن أصول هذه الدعوة: أن يذهب بهم إلى مكة لتأدية العمرة، فالتقوا الشيخ صالح بن حميد إمام الحرم، وكان عميداً لكلية الشريعة في ذلك الحين، وألقى عليهم محاضرة، وعندما انتهت المحاضرة المترجمة قام أحد الضباط وأخذ يبكي في القاعة، ويقول: كل هذا الخير عندكم، وكل هذا النعيم عندكم، وكل هذه الراحة النفسية عندكم، ما ذنب أبي وأمي وأخي الذين ماتوا على الكفر، إنهم في النار، والسبب هو أنتم، عندكم كل هذا الخير وتكتمونه، عندكم كل هذا النور وتغلقون عليه الأبواب؟!
وقد كان صادقاً فيما يقول بل هو محق فعلاً!!
إذاً: أهل الصلاح كثر لكن النتائج قليلة، والواقع يشهد بذلك، فقد كان هناك رجل كبير في السن، وكان لا يجلس إلا في أول المسجد خلف الإمام، وفي يوم من الأيام تأخر عن الصف الأول، إذ حضر إلى المسجد، فوجده ممتلئاً بشبان صغار، وكانوا من شباب حلقات المسجد ومكتبته، أراد أن يجلس لكنه لم يجد مكاناً وكان رجلاً يغضب بسرعة، فنظر إليهم شزراً، وقال لهم: أيها الشباب! أنتم الآن تدعون أنكم ملتزمون، وتدعون أنكم أهل صلاح، ولكن أين آثاركم؟ إنني أسكن بجوار المسجد، وبجواري أبنائي الثلاثة، لكل واحد منهم دش يحمل عدداً كبيراً من المحطات الفضائية، وكم مرة سألت أولادي: هل أعطاكم أحد نشرةً، هل أعطاكم أحد شريطاً، هل أعطاكم أحد كتيباً، هل ناصحكم مشافهةً أو غير مشافهة في هذا الشر الذي وضعتموه على سطوحكم، فكلهم يجيبون بالنفي.
أين خيركم؟ أين نفعكم؟ أين أثركم؟ يتحدث بغضب، فهذا الأمر وللأسف الشديد موجود.
يذكر أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، صلى يوماً من الأيام صلاة المغرب ولم يجهر بها، وخلفه صفوف عدة، فعندما انتهى من صلاته بهم قالوا له: لماذا لم تجهر بنا يا أمير المؤمنين؟ قال: ألم أجهر؟ قالوا: لا، ما جهرت بنا، قال: والله لقد أشغلني تنظيم وترتيب الجيش الذي سيتجه إلى قتال الفرس في القادسية، هذا الذي أشغله، وهذا الذي أخذ عليه فكره، فلم يدر: هل صلى جهراً أم سراً؟
إذاً: يظهر الأمر على قسمات الوجه وفلتات اللسان وعلى السلوكيات، بل حتى العبادة.
ونحن الآن في صلواتنا ننشغل، لكن شتان بين الانشغالين، فالفرق بينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب.
فتجد الإنسان يركز على قضية الوظيفة ويهتم بها اهتماماً كبيراً جداً، ولكنه يفرط في تربية أولاده وفي حقوق زوجته ودعوة جيرانه، ويفرط في دعوة أقربائه، وتجد في نهاية المطاف أنه حصل على أمور الدنيا بشكل بين ومميز، لكن هؤلاء الأولاد والأحفاد بل والزوجة والإخوة والأخوات قد انفلتوا من بين يديه؛ وذلك لأن الأولويات فيها خلل، فلابد من مراعاة هذا الجانب.
وقد رأيت من هؤلاء الشباب من يأخذ الجريدة ويشتريها، ثم بعد ذلك يأخذ منها الصفحة الرياضية صفحتين أو ثلاثاً أو أربعاً، ويرمي بالباقي في المزبلة.
فتراه لا يتطلع حتى على عناوين الأخبار ذات الخطوط العريضة، فهو لا يلقي لها بالاً، بل يرميها مباشرةً ويأخذ الصفحتين ويذهب إلى البيت فيا له من اهتمام صعب فعلاً! هم ولكنه هم دنيء! وهذا الهم الدنيء جعل هذا الشاب يفعل هذا الفعل، وما أكثر الذين يسيرون على هذا المنوال.
إذاً: نحن نناقش هذا الموضوع لنوجد له حلولاً مطروحة، فإنه لا يلزم أن يكون هذا اللقاء لإيجاد الحلول.
وفي هذه المحاضرة سيكون الطرح قصصياً لن أعلق عليه إلا نادراً، واستنتاج العبرة وأخذ الفكرة وتطبيق ذلك عليك أنت مع أسرتك، أجعل ذلك لك أنت، فبذكائك وفطنتك تستطيع أن تطبق.
لكن نوحاً عليه السلام أول المرسلين، أمضى تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعو إلى الله، يدعو الآباء، ثم يدعو الأبناء، ثم يدعو الأحفاد، فقد قال عليه الصلاة والسلام واصفاً هؤلاء: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:27]، وهذا فيه دلالة على أنه يعاصر الأجيال باستمرار، تسعمائة وخمسين سنةً وهو يدعو ويبذل، وكانت النتيجة بشكل عام: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40].
يذكر بعض علماء التفسير: أن عددهم مائتين والبعض يذكر مائة، وبعضهم قال: عشرة رجال فقط في تسعمائة وخمسين عاماً، يعني: كل خمس وتسعين سنةً واحد فقط، وهو نبي الله نوح ليس أنا ولا أنت، بل هو نبي الله نوح أول المرسلين عليه السلام.
ومع ذلك فلم ييأس ولم يكل ولم يتوقف، حتى جاءه الأمر الإلهي، قال سبحانه وتعالى: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود:36].
وهنا انتهى الأمر وتوقفت الدعوة بعد تسعمائة وخمسين سنةً بدون يأس، أليس لنا في ذلك دروس وعبر؟ أليس هذا الهم الذي حمله نوح عليه السلام يعطينا دروساً في أن نجعل هم الدعوة وهم الإسلام ونشر الخير هو الأصل في جميع تفكيرنا؟
فلم ينتهز الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة، ولو كنا مكانه لانتهزناها، ولكن المصطفى عليه الصلاة والسلام كان نظره إلى غير هذا، فنظر إلى عمه ونظر إلى هؤلاء، وقال: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يتمه الله أو أهلك دونه).
أما الأول: فقال له: إنني أمزق أستار الكعبة إن كان الله بعثك.
وقال الثاني: أما وجد الله أحداً يبعثه غيرك.
وقال الثالث: والله إن كنت صادقاً لأنت أجل في عيني من أن أكلمك، وإن كنت كاذباً لأنت أحقر في عيني من أن أكلمك.
فهو لا يريد أن يكلمه بأي صورة من الصور سخريةً في الإجابة ورداً سيئاً، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إذاً: اكتموا علي، لكن هل كتم عنه هؤلاء المجرمون؟ لا، بل أغروا سفهاءهم وعبيدهم وصبيانهم، بأن يرجموا المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم بالحجارة حتى سال الدم من عقبيه وعندها لجأ إلى حائط لـعتبة بن ربيعة ، ثم بعد ذلك رجع إلى مكة.
وقبيل وصوله إلى مكة أتاه جبريل فسلم عليه وقال: يا محمد! هذا ملك الجبال معي -كما صح ذلك في البخاري- فسلم عليه ملك الجبال وقال: (يا محمد! لقد علمت ماذا فعل بك قومك، والله لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين) -جبلي مكة- يطبقه على أبي جهل وعلى أبي لهب وأمثالهما.
ولو شاء النبي صلى الله عليه وسلم لانتهز الفرصة وقال: هؤلاء أهل إجرام، هؤلاء فسقة كفرة وفجرة، ليس لهم علاج إلا هذا، اللهم أهلكهم، اللهم دمرهم، ولكنه لم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام.
فانظروا إلى هم الدعوة، وانظروا إلى هم حمل الإسلام، قال: (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً).
الله أكبر، لنا في رسول الله أسوة، ولنا في رسول الله قدوة، ولنا في رسول الله منهج، فهل أخذناه أم لا؟
يقول ابن حزم رحمه الله: لو لم يكن للمصطفى صلى الله عليه وسلم معجزة إلا سيرته لكفاه.
تقول عائشة رضي الله عنها: عندما مات عليه السلام صار والدي يذوي جسده وقلبه وكيانه وضميره إلى أن هلك تأثراً، وحق له أن يتأثر، لأن الذي مات هو الرسول صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي ونفسي.
جاء الصحابة إلى الصديق رضي الله عنه وقالوا له: إن العرب ارتدت بقولها: لن ندفع الزكاة، وإنما نصلي ونصوم ونحج ونشهد الشهادتين، لكننا لن نزكي، فهل نتركهم فترة حتى تنتظم أمورنا، وحتى تذهب الصدمة التي أصابتنا من ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، وبعد ذلك نرد عليهم ونجازيهم، فقال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: والله لو منعوني عناقاً -وفي رواية أخرى: عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه -والعناق: صغار المعز، والعقال: ما يربط به قدما البعير-.
وهكذا كان هم بقاء الإسلام صافياً ناصعاً ظاهراً بارزاً كما أصله محمد صلى الله عليه وسلم في فؤاد الصديق رضي الله تعالى عنه.
فقالت العرب: هؤلاء المسلمون في المدينة لم يلقوا لنا بالاً ولم يهتموا بنا، وإلا لما سيروا جيشاً إلى الروم، وبالتالي تراجعوا وخافوا فكانت خطةً عظيمة من هذا الرجل العظيم الذي لم نعرف له حقه.
وقد كان الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه حريصاً على ألا يأكل إلا حلالاً، كيف لا؟ وهو يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما جسد نما من سحت فالنار أولى به).
فقد جاءه غلام له بلحم فأكل منه، وكان رضي الله تعالى عنه لا يشرب شيئاً ولا يأكل شيئاً إلا بعد أن يسأل ممن هذا؟ ومن أين مصدره، فقال لغلامه بعد أن أكل بعضاً من قطيعات اللحم: من أين جئت بهذا اللحم؟
قال: لقد تكهنت لأناس في الجاهلية فأسلموا، وعندما رأوني أعطوني قطعة من اللحم فطبختها لك وأكلتها، فأدخل الصديق يده في فمه وقاء اللحم، وكاد يموت من شدة القي، فقالوا: يرحمك الله يا خليفة رسول الله! لقد كدت تهلك نفسك، قال: والله لو لم تخرج هذه القطعة من اللحم إلا ومعها روحي لأخرجتها.
نعم يقول ذلك؛ لأنه يريد أن يرافق الرسول صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم.
فإنه لو لم يهتم بهذه المسائل لكان بينه وبين المصطفى عليه السلام بعد المشرقين.
هذا الغليان ينبغي أن نتفاعل معه بأرواحنا، ونتفاعل معه بدعائنا وأموالنا، لعل الله يجعل هذه الكوكبة الصغيرة من الأطفال الصغار هي بداية إعلان الجهاد على هذه الأمة المجرمة.
أقول: عندما اتجه الفاروق رضي الله تعالى عنه إلى بيت المقدس، كان معه غلامه، وكان معه بعير يعتقبه مع غلامه، وعندما اقترب وصولهما إلى المنطقة التي فيها قادة النصارى، كان الدور في ركوب البعير للغلام، فقال الغلام: لا يا أمير المؤمنين! اركب أنت، قال: لا والله لا أركب، بل تركب إلى أن نصل إليهم وأنا القائد.
عمر يقود البعير، والغلام عبد رقيق راكب، ما هذا؟! إنها عزة الإسلام، وعندما كاد يقترب والناس كلهم يرونه القيادات المسلمة والنصرانية اعترضته ماء مخاضة نتيجة لمطر، فرفع عمر رضي الله عنه ثوبه وخاض المخاضة، والتصق الطين بساقيه، وعندما رآه أبو عبيدة عتب عليه، فقال عمر لـأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ! لو كان ذلك من غيرك، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فهذا أمير المؤمنين عمر هل قابل زعماء بيت المقدس بأحسن هيئة، وبأحسن وصف؟ لا، بل قابلهم بثياب السفر التي عليه، ثوب فيه اثنتا عشرة رقعة!
فإذا قلت: هل هو بخل أو فقر؟ فالجواب: كل ذلك لا، فهو يحصل على ماله ولكنه يتصدق به، وعندما يعاتب على ذلك يقول: لقد سبقني صاحباي، ولا أريد أن أتأخر عنهما بهذه الزخارف.
أيها الأحبة! لو وقفنا مع قصص الصحابة الكرام لما مللنا قراءة قصصهم، ولا يمل الإنسان من الاطلاع على سيرهم؛ لأن فيها العجب العجاب وفيها التربية والدروس والعبر.
قاد خالد بن الوليد الجيوش المتجهة إلى منطقة نجد في اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب ، وإذا بـمسيلمة ينهزم ويدخل في حديقته المسورة، مكث فيها هو وجيشه البالغ عدده ثلاثون ألف رجل، ليرتاحوا قليلاً، ولينظموا أمورهم، ويعيدوا ترتيب أوراقهم، وبعد ذلك يهاجمون المسلمين.
فقال أبو دجانة لـخالد بن الوليد: اجعلني على ترس، واجعل الترس على رءوس الرماح، ثم احملني وألقني عليهم، فرفض خالد فأصر أبو دجانة ، ففعل به ذلك، فسقط أبو دجانة على الجيش، فقاتل وحاول أن يفتح الباب، ولكنه لم يستطع فقتل، فلما انقطع صوته عرف أهل الإسلام أنه قتل، فقام البراء بن مالك وقال: افعلوا بي مثلما فعلتم بـأبي دجانة ، فقال له خالد : لا، قال: أقسمت عليكم لتفعلن ذلك، فحملوا البراء.
تخيلوا معي جميعاً أبا دجانة والبراء ، كانا على الترس ينظران وإذا بجيش قوامه ثلاثون ألف جندي داخل الحديقة، ويتخيل بيته وأولاده وزوجته، له زوجة يحبها، وله أولاد يشفق عليهم وهم ينتظرونه ويقولون: لا تتأخر علينا يا أبانا! عد إلينا بالسلامة وربما يتخيل مزرعة له، وربما يتخيل مالاً يستثمره، ربما ربما، كل ذلك تركه في طي النسيان ولم يلق له بالاً، إنما كان همه الأول والأخير أن يفتح الباب، ليدخل أهل الإسلام فيقضون على أهل الشرك.
حتى لو مات، حتى لو داسته الخيول، وجعلته لحماً على التراب، فحمل رضي الله عنه وألقي، فقاتل ببسالة إلى أن فتح الباب، ثم سقط مغشياً فتفقده خالد بن الوليد فرأى فيه أكثر من ثمانين ضربة، بسيف أو برمح أو بسهم، حتى إن أنس بن مالك قال: إن بعض الجروح في أخي البراء أدخل فيها أصبعي بعد أن شفي ولا أصل إلى قعره.
الله أكبر، تبحث عن ماذا أيها البراء! تبحث عن شهرة؟ تبحث عن عزة؟ تبحث عن مكانة؟ تبحث عن مال؟ لا، تبحث عن الشهادة، تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
إذا أراد المسلم أن يتخلص من قبض هذه الكلاليب وجد أنها حارة فتركها، فقبضت إحدى الكلاليب على ثياب أنس بن مالك وأراد رفعه، فرآه البراء فجاء مسرعاً وقبض على إحدى الكلاليب، وبدأ يسحب وهم يسحبون، إلى أن تفوق عليهم وخلص أخاه أنس .
يقول أنس بن مالك فنظرت إلى يد أخي فلم أجد فيها مزعة لحم، أصبحت عظاماً بيضاء تلوح، ولذلك قيل له: يا براء ! اقسم على ربك أن ينصرنا، فقال: أقسمت عليك يا رب أن تنصرنا وتأخذني شهيداً، فنصر الله المسلمين ومات البراء شهيداً.
هذه سيرهم، وهذه سيرنا، فقارنوا أيها الأحبة وستجدون المفارقة.
هذه المرأة خطبها رجل من تابعي التابعين وصلحاء الناس، كان عابداً زاهداً داعياً، فوافقت عليه لأنها تعرفه وتسمع عنه، وعندما دخل عليها أراد أن يختبرها فجلس معها فترة من الزمن ثم رقد، متى رقد؟ رقد في ثلث الليل الآخر، فقالت له: ما هذا يا رياح بن عمرو القيسي ؟ أتنام في وقت الاستجابة، أتنام في وقت تنزل فيه الرحمات، أتنام في وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا؟ قال: إنني متعب أريد أن أرتاح قليلاً، فقامت تصلي، وتكثر من الدعاء وتلح فيه، وعندما انتهى جزء من ثلث الليل، قالت له: قم لقد انتهى الجزء الأول فلا يفوتنك، فقال: أريد أن أرتاح دعيني أنام، فتركته حتى انتهى الجزء الثاني، ثم أيقظته وهو لم ينم، بل كان يراقبها بعين فاحصة، يريد أن يرى من هي هذه المرأة على حقيقتها، وعندما لم يبق من ثلث الليل إلا القليل قالت: قم فقد اقترب الفجر، قال: دعيني أنام، وعندما أذن الفجر قالت: قم يا رياح ! تقولها بقلب يكاد أن يتفطر حزناً وألماً ثم ترفع يديها إلى السماء، وتقول: حسبي الله على من غرني فيك.
فهل لنا من نساء فيها جزء من ألف من هذه المرأة، معلوم أن ليلة الزفاف لها ميزة خاصة، فبعد قضائها فمن الممكن أن تناصحه وينصحها، لكن حال هذه المرأة لم يتغير، والثبات لم يتغير، والاستقامة لا يمكن التراجع عنها هذه هي حالهم.
يقول أحد الأشخاص: جئنا من مكة عن طريق البر، وكان سفراً مرهقاً ومتعباً، وكان الشيخ يطلب مني أن أقرأ عليه كتباً ورسائل وفتوى يجيب عليها، وأنا أكتب له طوال الطريق، وهو لا يكل ولا يمل، وعندما رأى أنني أتثاءب كل لحظة، قال: أرى أننا تعبنا -لم يقل: أرى أنك تعبت- من وعثاء السفر، فلماذا لا نقف ونأخذ شيئاً من الراحة، ننام ثم بعد ذلك نستيقظ ونصلي الفجر ونواصل الطريق؟
يقول: ففرحت بذلك، فصليت الوتر، فما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى نمت، ولا أعلم عن حال الشيخ، يقول: وفجأةً استيقظت الساعة الواحدة، وإذا بالشيخ يصلي، واستيقظت الساعة الثانية وإذا به يصلي، واستيقظت الثالثة والرابعة والخامسة وإذا به يصلي، خمس ساعات وهو يصلي إلى أن أذن الفجر، عجيب جداً، أين ذلك الجهد؟ لقد انتهى ذاك التعب؟ وأضاف إليه تعباً متواصلاً مرهقاً، لماذا أيها الأحبة؟ لأن الذي يقف مع الله ينسى كل تعب بأي صورة من الصور.
ويقولون: منذ خمس وعشرين سنة وهو يدعى للتقاعد براتب كامل ومع ذلك لم يتقاعد، هذا هو هم الإسلام، هم الدعوة ونشر الخير، ملأ قلبه وضميره وكيانه، لذلك انتشرت ثمراته في جميع أرجاء الأرض.
امرأة في أواسط إفريقيا، سجن زوجها من قبل بعض النصارى وطالبوها بفدية، فلم تدر إلى أين تذهب؟ لا تملك شيئاً، فقيل لها: لن يساعدك إلا ابن باز ، فأرسلت له رسالة، فلما وصلت الرسالة وعرضت على المكتب، قال مدير المكتب للشيخ: ليس عندنا بنداً لدفع الفدية لرجل مسجون في أواسط أفريقيا، فقال لهم: اطلبوا من المحاسب أن يخصم عشرة آلاف ريال من راتبي، فإن لم يوفها فليكتبها ديناً علي وأرسلوها إلى المرأة.
امرأة في أوساط أفريقيا ينقذ الشيخ رحمه الله زوجها من أسر النصارى، إذاً: هم الإسلام في قلبه، ولذلك يقول الذين يجالسونه منذ سنين طويلة: لم نسمعه في يوم من الأيام يتحدث عن بيت أو أرض أو تجارة أو عقار أو استثمار أو بنوك أو غير ذلك، لا يتحدث إلا في النطاق الشرعي فيما يهم المسلمين، وإذا حدث عما يهم المسلمين بكى فترى الدموع تتقاطر من عينيه.
فسأقول: سأجيب على هذا التساؤل، ولكن قبل أن أجيب عنه، أحب أن أقف وقفةً مع جهود الأعداء، يا ترى! هل الأعداء لهم هم دعوي؟ نعم، لهم هم دعوي، فهم يهتمون بإفساد المسلمين وتدميرهم ونشر الشر بينهم، فإذا أردنا أن نقف وقفة حتى تتبين لنا عداوتهم فإن الوقت يطول، والمجال لا يتسع لذلك، لكن حسبنا أن نأخذ رءوس أقلام.
لم ييأس منذ أن خلق الله آدم إلى آخر نفس تخرج من إنسان على وجه هذه البسيطة، فمنذ ذلك الزمان إلى هذا الزمان وهو يبذل وسعه في إفساد الإنسان.
قام رجل عابد زاهد بالاعتداء على امرأة والزنا بها، ثم خاف من الفضيحة فقتلها فذهب إبليس إلى أهلها وقال لهم: إن الذي قتلها هو الزاهد العابد الذي ادعى أنه سيقرأ عليها، فحفروا قبرها ورأوها مقتولة، فقرروه فأقر، وعرفوه بجريمته فاعترف، فحكموا عليه بالإعدام، فقيدوه وذهبوا به إلى مكان الإعدام، عند ذلك تراءى له إبليس وقال: أتريد أن أنقذك، قال: نعم، قال: لن أنقذك إلا إذا فعلت شيئاً واحداً، قال: ما هو؟ قال: أن تسجد لي، قال: يا غبي أسجد لك وأنا مربوط الأيدي والأرجل؟ لا أستطيع، قال: لا، يكفيني منك أن تشير برأسك فقط، وفعلاً أشار برأسه ثم اختفى إبليس بعد أن حقق ما يريد، فهذا الرجل كان عاصياً مرتكباً لكبائر متعددة متتابعة، ولكنه ليس بكافر، أما الآن فقد كفر، عند ذلك انتهى أمر إبليس مع هذا الرجل، لينتقل إلى غيره، وإلى آخرين وهكذا.
إذاً: تبقى قضية واحدة وهي أن هذا العدو لا ييأس ولا يتعب أبداً.
إن غلادستون يهمه أن هذا القرآن موجود، فماذا فعل؟ وضع المصحف بجانبه، فقام رجل من أعضاء مجلس العموم، وأخذ المصحف ومزقه، ثم ألقاه تحت أقدامه وبدأ يطأ عليه بكل حقد وكراهية، فضحك غلادستون وقال: ما أحمقك وما أغباك، لو فعلنا ذلك لأثرنا أهل الإسلام ضدنا، ولو فعلنا ذلك لطبع المسلمون منه أضعاف ما مزقناه، ولكن الحل أن نأخذ حجاب المرأة المسلمة ونكشف وجهها ونغطي به المصحف، عند ذلك تفسد المرأة، وتفسد الأسرة والأولاد، وتضيع الأسرة ولا يجدون حكماً يحكم بينهم، ولا يجدون نبراساً يرجعون إليه؛ لأن المصحف قد غطي، فصار هذا هو همه وهذا هو منهجه، وصار يبذل قصارى ما يستطيع، بل الغالي والنفيس لتحقيق هذا الهدف، ولا زالت آثار غلادستون في عالمنا الإسلامي باقية منذ عشرات السنين، وهذا المنهج الذي طرحه يطبق إلى هذا الزمان.
فالله سبحانه وتعالى لم يطالب الأنبياء بالنتائج، يقول المصطفى عليه السلام: (يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد).
فهذا النبي لم يفشل، بل بذل جهداً واستغرق وسعه وكل طاقاته في سبيل الدعوة ولكن: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56].
إذاً: علينا أن نواصل العمل ونبذل ولا نتوقف، وسيكون النتاج رائعاً إن شاء الله.
فنحن في هذا الزمان نحتاج إلى الإبداع الدعوي وإلى الإبداع التربوي والإبداع الذاتي، فإذا حصل ذلك تحت ظلال الشرع، فسيكون هناك نتاج.
أحد الأطفال الصغار وقف في يوم من الأيام أمام ماكينة البيع الذاتي، التي تبيع علب المياه الغازية، فتدخل ريالاً أو درهماً فتخرج لك علبة من المياه الغازية، فبدأ ينظر إليها ويفكر، فهل فكر في أن هذه الآلة جيدة، ولابد أن تكون في منزله فيلعب عليها هو وأطفال آخرون؟! لا، بل فكر وفكر حتى سأله أخ له أكبر: بماذا تفكر؟
قال: أتمنى أن تكون مثل هذه الآلة في الشوارع، ولكن يكون فيها بدلاً من أن يكون فيها مشروبات غازية، فيكون هنا شريط للشيخ عبد العزيز بن باز ، وهنا شريط للشيخ ابن عثيمين ، وأشرطة للشيخ إبراهيم الدويش ، وأشرطة للشيخ علي القرني ، وأشرطة للشيخ فلان، وأشرطة قرآن، فتدخل ثلاثة دراهم، أو درهماً أو أربعة دراهم، ثم تضغط هذا الشريط، وينزل لك وتأخذه.
فانظروا إلى هذا الطفل الصغير كيف كان يفكر، إنه إبداع فعلاً، فلو كنا نبدع مثل هذا الطفل الصغير، لما تفوق علينا هؤلاء الأعداء بهذا الإبداع الضخم الهائل الكبير، الذي وظفوه توظيفاً شيطانياً للأسف الشديد.
إن كان عمرك الآن ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، أو خمسين سنة، فما هو الناتج الذي وصلت إليه؟ فإنك ستجد أن النتاج لا يساوي شيئاً أبداً أمام هذا العمر الطويل.
فلو كان الإنسان يحاسب نفسه لرأى أن هذا التقصير يحتاج إلى عقاب، فيعاقب نفسه بمضاعفة الجهد وبإكثار العمل وبإعادة ترتيب الأوراق، فلنحاسب أنفسنا دوماً، لا أقول: كل يوم، ولا أقول: كل أسبوع، ولكن المحاسبة جرب كل شهر فلعلها تثمر، جرب فلعل أن يكون هناك نتيجة، لتصل بعد ذلك إلى المحاسبة الأسبوعية ثم اليومية.
كنت في أحد الأيام مجتمعاً مع بعض الإخوة لألقي درساً مهماً جداً، وقد أكدت عليهم الحضور؛ لأن الدرس يكتسب طابع الأهمية، فتخلف أحدهم فسألته بعد ذلك: لماذا تخلفت؟ قال: عندي ارتباط وكنت مشغولاً.
قلت: أقسمت عليك بالله أن تخبرني؛ لأنني رأيت شخصاً فجر الحديث بعضه بعضاً، فأخبرني أنه رآه في المكان الفلاني، فقلت: أخبرني، فقال: أتحرج، قلت: لا، أخبرني ليس هناك حرج.
قال: كنت في البقالة أشتري بعض الأغراض للبيت، انظر يشتري بعض الأغراض للبيت والدرس هنا، قلت له: لقد فاتك شيء عظيم، فإن هذه الأغراض من الممكن أن تؤجلها بعد ساعة فقط من انتهاء الدرس.
فللأسف الشديد نحن نجعل أمور الدين والتربية وأمور العلم فروعاً، ونجعل أمور الدنيا أصولاً، فيبقى العمل الدعوي في القاع وليس في القمة.
لكنك عندما ترى ابنك يتابع مباراةً تسكت، وتجعل الأمر عادياً, فأنت عندما تتركه مرةً ومرتين وأكثر تزرع في قلبه عوامل تربوية.
فتراه لا يتمسك بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، أو بسيرة خالد بن الوليد أو بسيرة عمر بن عبد العزيز ، لكنه يتمسك بسيرة فلان اللاعب، أو فلان الممثل، لماذا؟ لأن قلبه كان طرياً يملؤه الشيء اليسير السهل، فلا تتساهل في مثل هذه الجوانب.
إذاً: اجعل همتك عاليةً بالنسبة لك، وبالنسبة لزوجتك، وبالنسبة لأبنائك وبناتك، بل وبالنسبة لجميع من تعرف، بل وحتى من لا تعرف ممن يحيط بك.
ففي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (من جعل الهموم هماً واحداً -هم آخرته- كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديتها هلك).
تخيل أيها الحبيب! إذا جعلت الهم هم الدعوة إلى الله ونشر الخير والإصلاح بين الناس، كفاك الله هم الدنيا وما فيها من الهموم الأخرى، وانظر إلى التحذير: (ومن تشعبت به الهموم) أي: جعل هم الآخرة آخر الهموم (لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلكت).
هل تريد أن تكون كذلك لا والله، لا نريد أن نكون ممن وصف بهذا الوصف في آخر الحديث.
أسأل الله في ختام هذه الكلمات الموجزة المختصرة أن يجعل همنا هو هم الدعوة إلى الله، وهم تربية الأولاد، وهم المناصحة لأهل الحق، وهم عزة الأمة المسلمة ورفعتها، وهم الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وهم الشهادة في سبيل الله، وهم دخول الجنة والنجاة من النار.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا ونور قلوبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه أفضل صلاة وأزكى تسليم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر