إسلام ويب

سلسلة تأملات قرآنية تأملات في سورة الرعدللشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق، ومن أعظم المخلوقات السماء التي تعد سقف هذا الكون، والتي رفعها الله على عظمتها بغير عمد نراها. والعباد كثير منهم بعد مشاهدتهم لآيات الله الكونية الدالة على عظمته وكبريائه لا يؤمنون ولا يرعوون عن غيهم، مع أنه يعلم سرهم ونجواهم، بل ويعلم ما تحمل كل أنثى قبل أن يعلمه البشر، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها غيره سبحانه. وهو الذي يرسل الصواعق والبروق خوفاً وطمعاً، ومع ذلك نجد من بني الإنسان من يدعو مع الله غيره، ويرجو سواه...

    1.   

    تأملات في قوله تعالى: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها)

    الحمد لله وإن كان يقل مع حق جلاله حمد الحامدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فهذا لقاء مبارك متجدد حول تأملات في كتاب ربنا جل وعلا، وكنا في اللقاء الماضي قد أنهينا بعض التأملات حول سورة يوسف، ومما ذكرناه فيها: أن الله جل وعلا نعت هذا النبي الكريم ببعض الصفات، وقلنا إن ثمة خصائص تميز بها نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام، وهي على وجه الإجمال كالتالي:

    أولها: نسبه وشرف معدنه، وقلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه: (هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم)، وقال: (يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله).

    والثاني: إن الله آتاه النبوة.

    والثالث: جمال الخلقة؛ لذا قال الله عن النسوة: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31].

    والرابع: حسن الأدب مع الله، وحسن الأدب مع من كرمه وأحسن إليه، وعفوه عمن أساء إليه، وقلنا: إن كرمه مع من أحسن إليه يتمثل في قوله: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، وقلنا: إن ( ربي ) هنا لها معنيان: الأول: أن يكون الرب هو الله جل جلاله، والثاني: العزيز، وبالأول قال جمع من العلماء، لكن رجحنا: أن المقصود بربي هنا: سيدهم، وهو عزيز مصر الذي اشتراه.

    والدليل على أنه أراد بقوله: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] العزيز أنه عندما اشتراه قال لزوجته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ [يوسف:21]، فهذه قرينة على أن المراد به سيده، وليس المراد به ربه جل وعلا.

    فهذا بعض ما تكلمنا عنه في اللقاء الماضي.

    وسنتكلم -إن شاء الله تعالى- ونتأمل في سورة الرعد وهي سورة مكية، وسميت بسورة الرعد لقول الله جل وعلا فيها: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ [الرعد:13].

    وهذه السورة تعنى بشئون العقيدة، وتثبيت مكارم الأخلاق، كما هو شأن أكثر السور المكية، وليس فيها من الأحكام الفقهية شيء كثير كنظيراتها من السور المكية الأخرى.

    يقول ربنا جل وعلا: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2]، هذه الآية فيها إشكال؛ لأن الله لم يفصل بين ( عمد ) و( ترونها )، وقد كان بعض النساء العالمات يلغزن بها، ولا حاجة للتفصيل لكن نقول معنى قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2]، يحتمل أمرين:

    الأمر الأول: أن يكون للسماء عمد لكنها لا ترى، فيصبح الإعجاز في عدم قدرتنا على رؤية العمد التي تتكئ عليها السماء، وهذا قول قال به ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال به بعض العلماء.

    الأمر الثاني: وهو قول جمهور العلماء: أن السماء ليس لها عمد أصلاً، وإنما جيء بجملة (ترونها) المتكونة من فعل وفاعل ومفعول به متصل، لتأكيد النفي، والمنفي هنا أن يكون للسماء عمد، وهذا القول يؤيده قول الله جل وعلا: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65].

    وما يؤيده القرآن من رأي أولى من رأي لا نرى له دليلاً من القرآن ومؤيداً.

    فنحن لا نعلم في القرآن دليلاً يؤيد الرأي القائل بأن لها عمداً، لكن نعلم أن في القرآن دليلاً يؤيد القول بأنه ليس لها عمد، وهو قول الله جل وعلا: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65].

    والقول بأنه ليس لها عمد أليق بالقدرة الإلهية، وهذا ظاهر المعنى، وإن كان لو فرض أنه ثبت بعد ذلك أن لها عمداً فلا يغير من قدرة الله شيئاً، وخلق السماء والأرض أكبر من خلق الناس، قال الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر:57]، فخلق السماوات والأرض يدل على أن السماوات مخلوقات عظيمة.

    وبينا أن الله جل وعلا خلق الأرض أولاً في يومين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها جل وعلا في يومين، ثم عاد تبارك وتعالى إلى الأرض فأكمل خلقها ودحاها، وقدر فيها أقواتها، وقال سبحانه عنها: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ [فصلت:10]، فهذه خاصة بالأرض، وقال عن السماء: فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:12] فأصبحت ستاً، ولذلك قال جل وعلا في النازعات: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات:27-29]، ثم قال: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30].

    ولم يقل: خلقها؛ لأنه قد ابتدأ خلقها قبل خلق السماء.

    والذي يعنينا أن السماء لها أبواب، وقلنا: إن هذه الأبواب التي في السماء من خلالها تصعد أرواح المؤمنين، أما الكفار فيقول الله جل وعلا عنهم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40]، فدل على أن أبواب السماء تفتح لأرواح المؤمنين، قال الله جل وعلا عن آل فرعون: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29].

    وقيل في تفسيرها: إن العبد الصالح إذا كان حياً يعيش ورفعت له أعمال صالحة، إذا مات تفقده الجهة التي كان يرفع منها عمله، فإذا فقدت السماء عمل المؤمن الصالح الذي يرفع من خلالها تبكي عليه، فلما كان آل فرعون لا يرفع لهم عمل قال الله جل وعلا: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29].

    1.   

    تأملات في قوله تعالى: (ويستعجلونك بالسيئة...)

    قال الله جل وعلا: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرعد:6].

    الخطاب هنا لكفار مكة، يستعجلون النبي صلى الله عليه وسلم بإنزال العذاب، وهذا الاستعجال بإنزال العذاب قد دل عليه القرآن في غير آية، منها: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ [العنكبوت:53]، ومنها: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [الحج:47]، ومنها: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [ص:16].

    ومنها: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ [الأنفال:32]، إلى غير ذلك من الآيات.

    إذاً: فكانوا يستعجلون النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب، والله يقول: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ [الرعد:6]، إذاً ما السيئة هنا؟ هي العقوبة والعذاب، وليس عمل السيئات.

    ثم قال تعالى: وَقَدْ خَلَتْ [الرعد:6]، أي: مضت وانتهت وغبرت، مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرعد:6].

    المثلات: جمع مثلة، والمقصود: العقوبة، والمعنى: أن قد مرت عليهم عقوبات أمم سمعوا عنها وأدركوها، كعقوبته جل وعلا وتنكيله بقوم نوح وعاد وثمود ومدين، وسائر الأمم التي سلفت، فهذا يستوجب أن يكون باعثاً لهم على الخير والاتعاض، وعلى عدم استعجال عذاب الله، لكن أصروا على العناد، ودفعهم ذلك إلى أن يطلبوا ما عند الله من العذاب، ولذلك قال الله وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6].

    1.   

    تأملات في قوله تعالى: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى... )

    قال الله تبارك وتعالى يمتدح ذاته العلية: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:8-9].

    قلنا: إن القرآن كله عظيم، ثم بينا أن أعظم ما في القرآن ثناء الله على نفسه. ثم إن كلام الله عن الله ينقسم إلى قسمين: كلام عن صفاته الذاتية جل وعلا، وهذا أرفع المقامات، ثم عن صفاته الفعلية ويأتي بعده مباشرة في المرتبة، وهو كإخباره تبارك وتعالى عن علمه هنا.

    يقول الله سبحانه: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [الرعد:8]، علم ما في الأرحام مما اختص الله جل وعلا بعلمه في الجملة، قال الله جل وعلا: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59].

    وعند الإمام أحمد -رحمة الله تعالى عليه- في المسند من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]).

    ينجم عن هذا علم أن ما في الأرحام من مفاتيح الغيب، لكن ينبغي أن يؤخذ بشموله، فلا يكون مقتصراً كما يقول الناس اليوم على معرفة كونه ذكراً أو أنثى، فما في الأرحام أكبر من كونه ذكراً أو أنثى، أو يولد سقيماً أو صحيحاً، فكل ذلك أمره مجمل لا يعلمه إلا الله تعالى.

    ثم قال تعالى: وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [الرعد:8].

    تغيض: أي تنقص، وضدها: تزداد، وهي ظاهرة.

    والمعاصرون من العلماء يقولون: إن تفسير العلم الحديث للقرآن سلك بهذه المسألة مسلكاً آخر، وهي قضية وجود النطفة في الرحم، إلى غير ذلك مما لا نجيده فنتركه، ونكتفي بما هو مدون في كتب العلماء السابقين فنقول: إن الله جل وعلا جعل الرحم مستقراً للنطفة؛ لأن الله لما ذكر النطفة قال: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13]، وهو الرحم الذي فيه يتكون المخلوق، ويقول الله هنا: وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ [الرعد:8].

    وجل المفسرين يدور تفسيرهم للآية حول مدة الحمل نقصاناً وزيادة، يقولون: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأن الله قال: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، وقال جل وعلا عن الرضاعة: حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، والحولان الكاملان يكونان أربعة وعشرين شهراً، فأنقصوا الأربعة والعشرين من الثلاثين فبقيت ستة أشهر، وهذا عليه الطب الحديث، فالذي نعلمه إلى الآن من الطب الحديث أنه لا يمكن أن يحيا جنين بأقل من ستة أشهر، ويقولون: إن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي المعروف ولد لستة أشهر.

    ثم إن العلماء رحمهم الله اختلفوا في أكثر مدة الحمل، واختلافهم هنا مرده إلى التجربة، فالمسألة لا يمكن أن يكون فيها فصل خطاب؛ لأن هذا أمر لم يرد في كتاب ولا في سنة، فيبقى الأمر على تجارب الناس، وكل إنسان يعتد بالشيء الذي يراه.

    فقال بعضهم: إن أكثر مدة الحمل سنتان، وهذا منقول عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهي تقول: إنه لا يمكن أن تزيد مدة الحمل عن سنتين، وقد أخبر الوليد بن مسلم -وهو أحد التابعين- مالكاً رحمه الله بقول عائشة هذا، فقال مالك رحمه الله: سبحان الله من يقول بهذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق نعرفها، وزوجها زوج صدق نعرفه، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، أراد مالك بهذا أن يكون شاهداً على خطأ قول من يقول إن أكثر مدة الحمل سنتان، وهذه إحدى الروايات في مذهب مالك ، والرواية الأخرى في مذهبه رحمه الله أن أكثر مدة الحمل خمس سنين.

    وقلنا: إنه لا يوجد دليل لا لهؤلاء ولا لهؤلاء، وكله وارد، فقد يمكث الحمل عشر سنين، وهذا مرده للواقع، ويذكر القرطبي في الجامع، والشنقيطي في أضواء البيان، وابن كثير في تفسيره أن مالك بن دينار كان في مجلسه، فدخل رجل فقال: يا أبا يحيى! ادع الله لزوجتي فإن لها أربع سنين في كرب شديد، فأطبق مالك المصحف غضباً وقال: سبحان الله هل يظن بنا الناس إلا أنبياء، خاف على نفسه الفتنة أن يقال له: ادع الله أمام الناس، ثم كأنه أدركته الشفقة على الرجل، فرفع يديه يدعو وقال: اللهم! إن كان ما في بطن هذه المرأة ريحاً فأخرجه، وإن كان جارية فأبدله غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.

    ومكث مالك يدعو فدخل رجل آخر يعرف زوج المرأة، فقال له: أدرك زوجتك، فخرج الرجل لزوجته ثم عاد بعد قليل ومعه مولود له أربع سنين قد استوت أسنانه ولم يقطع سراره، فحمد الله مالك على استجابته لدعائه.

    فهذه حادثة جعلت مالك بن أنس وأقرانه وغيرهما من العلماء يقولون: إن مدة الحمل أربع سنين، ولو جاء رجل آخر وأدرك الصبي محمولاً لخمس سنين فسيقول: أكثر مدة الحمل خمس سنين، لكن لا نعلم نصاً صريحاً نحاكم الناس إليه.

    ثم قال جل وعلا: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8].

    خلق الله جل وعلا كل شيء بقدر، والله جل وعلا لا يعجل لعجلة أحد من خلقه، فما كان لك سيأتيك على ضعفك، وما لم يكن لك فلن تناله بقوتك، وإنما شرع الله أسباباً يجب على العاقل أن يأخذ بها، ويعتصم بربه تبارك وتعالى، فإذا وقع الأمر، وحلت النازلة، فيسلم المؤمن أمره إلى ربه تبارك وتعالى.

    1.   

    تأملات في قوله تعالى: (سواء منكم من أسر القول...)

    ثم قال جل وعلا: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:10].

    المقصود من الآية: إحاطة علم الله جل وعلا بكل شيء، فإن الإسرار أو حديث الإنسان إلى نفسه، والجهر أو حديث الإنسان إلى غيره، ومخلوقات منها ما جعلها الله تدب في النهار ومنها ما تدب في الليل، سواء مخلوقات البحر أو البر، فهذا كله بالنسبة للرب تبارك وتعالى كأنه شيء واحد؛ لذلك قال سبحانه: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:10].

    فالله جل وعلا لطيف خبير لا يخفى عليه من خلقه شيء، فلا يخفى ما تكنه الصدور وتضمره القلوب، ولا ما تنطوي عليه الأفئدة، ويبيته الإنسان، فكل ذلك لا يخفى على ربنا تبارك وتعالى، والسعيد من صلحت سريرته، واستقامت نيته، واستغفر الله تبارك وتعالى بكرة وأصيلاً، وآب إلى ربه في كل آن وحين.

    1.   

    تأملات في قوله تعالى: (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً... شديد المحال)

    ثم قال تبارك وتعالى في آية نريد أن نتأملها: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:12-13].

    البرق أمره معروف، والسحاب كذلك، والسحاب من أعظم المخلوقات الدالة على عظيم قدرة الله؛ لأنه يجتمع فيه نقيضان: الماء والنار، فمن الماء يكون إحياء الناس، ومن النار يكون فناؤهم، فإذا نزل على هيئة مطر أحيا الأرض فانتفع الناس، وإذا كان السحاب على هيئة صواعق أحرقهم، فمن كمال قدرته جل وعلا أنه جمع بين النقيضين في شيء واحد وهو السحاب، ولذلك قال جل وعلا: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ [الرعد:13]، ويقول هنا جل وعلا: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [الرعد:12].

    فالخوف أن يكون وراء هذا المطر أو السحاب هلاك ودمار وإحراق، والطمع أن يرجى أن يكون وراءه غيث ورحمة وإنبات عشب، ودر وزرع وإنبات، فبين الأمرين يتخوف المؤمن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى السحاب والريح أقبل وأدبر في بيته، يخشى أن تكون عذاباً حتى تمطر فيتغير وجهه إلى الأحسن صلوات الله وسلامه عليه، لعلمه بعظيم قدرة ربه تبارك وتعالى.

    ثم قال تعالى: وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد:12].

    كلمة (ينشئ) تدل على أن مرد السحاب وتكوينه إلى الرب تبارك وتعالى، وهذا ظاهر بين حتى في السنة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان على المنبر يخطب فدخل من باب المسجد رجل يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم جدب الديار وقلة الأمطار، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه يدعو ربه ويستغيث، ويقول: اللهم أغثنا، يقول أنس -راوي الحديث-: لم يكن على المدينة قزعة يعني: قطعة سحاب، فإذا بالسحاب ينشأ ثم يتكون، حتى أصبح مثل الترس -أي: مثل الدرع- ثم طوق المدينة، ثم حجبت الشمس، ثم أمطرت، فقال أنس : فمكثنا أسبوعاً لا نرى الشمس والسماء تمطر.

    ثم دخل الرجل من نفس الباب فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صنيع السيول، فقال عليه الصلاة والسلام يدعو ربه: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية)، وأخذ يشير بيديه، قال أنس: فما أشار إلى ناحية إلا اتجه السحاب إليها، فانقشع عن المدينة ذلك السحاب.

    فالذي يعنينا أن السحاب جمع الله جل وعلا فيه نقيضين: الماء والنار، فقال: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد:12].

    ثم قال الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:13]:

    معنى الآية: يسبح الرعد بحمد ربه، وتسبح الملائكة خوفاً من الله، وفي هذا إشارة إلى أن التسبيح من أعظم العبادات، فهي عبادة منّ الله جل وعلا بها على خلقه كلهم، وأعظمه أن يقال: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

    وذكر الله جل وعلا هنا أن الرعد يسبح بحمده، ونحن نجهل كيف يسبح الرعد؛ لأننا لا ندرك ذلك، فعقولنا قاصرة عنه، لكننا نعلم يقيناً أن الرعد مخلوق من مخلوقات الله يسبح بحمد ربه.

    أما ماذا يقول الإنسان إذا سمع صوت الرعد؟ فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم حديثاً صحيحاً في ذلك؛ لكن روى مالك في الموطأ والبخاري في الأدب المفرد موقوفاً على عبد الله بن الزبير بسند صحيح أنه كان إذا سمع صوت الرعد يقول: سبحان من يسبح الرعد بحمده.

    ولا ريب أن قول ابن الزبير الثابت عنه هنا أحب إلينا من آرائنا، أي: لا يحتاج الإنسان هنا إلى أن يوجد قول آخر، ما دام أن هناك نقلاً ثابتاً عن صحابي، لأن الصحابي غالباً يكون محاكياً لغيره من الصحابة أو محاكياً لنبينا صلى الله عليه وسلم.

    يقول الله: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:13].

    لا يغلب الله جل وعلا شيء ولا يرد بأسه أحد، والصواعق كغيرها من المخلوقات جند من جند الله، والإنسان يعتصم بربه تبارك وتعالى في سائر أمره، وإذا خرج يكثر من الأذكار، ويستعين بالرب تبارك وتعالى، تقول أم سلمة: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته قط إلا ورفع بصره إلى السماء وقال: (باسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي).

    فهذا صنيع نبوي وهدي محمدي عند الخروج من البيت، ولكن مع ذلك يقع ما أراد الله، وأنا أردت أن أبين هذا حتى إذا بلغك أن إنساناً مات بصاعقة فلا تحمل في قلبك عليه، أو تظن به السوء، فأمر الله يقع ولو أخذ الإنسان بالأذكار، والنبي صلى الله عليه وسلم قد سحر، رغم أنه عليه الصلاة والسلام أكثر المحافظين على الذكر بلا شك.

    سبب نزول قوله تعالى (ويرسل الصواعق...)

    يقول الله: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ [الرعد:13]، يقول المفسرون: إن من أسباب نزول هذه الآية: أن رجلين عامريين يقال لأحدهما: عامر بن الطفيل ويقال للآخر: أربد بن ربيعة قدما على النبي صلى الله عليه وسلم، وعامر هذا رغم أن في إحدى عينيه داء إلا أنه كان من أجمل العرب، وكان رجلاً مطاعاً مسموع الكلمة، على عادة العرب آنذاك في أنها تمجد بعض رؤسائها فيسمعون له، فكان مسموع الكلمة معظماً في قومه، لا يكاد يعصيه أحد، فدخل المدينة مع أربد هذا وهو ابن عمه، فكلاهما من ربيعة وكلاهما عامريين، وأربد أخو لبيد بن ربيعة الشاعر المعروف، فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم استشرف الناس، فقاموا ينظرون جمال عامر هذا، رغم أنه -كما قلت-: في إحدى عينيه داء، ثم قالوا: يا رسول الله! هذا عامر قال: اتركوه إن كان فيه خيراً يهده الله، فأخذ يجادل النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ ويعطي معه، ثم قال: إنني أتبعك على أن تجعل هذا الأمر لي من بعدك، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الأمر لله يضعه حيث يشاء)، يتوقاه، فقال: فليكن لي الوبر ولك المدر، يعني: لي البادية ولك الحاضرة، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما لي إذاً؟ قال: (لك أعنة الخيل تجاهد بها في سبيل الله، فقال عامر : وهل أعنة الخيل اليوم إلا لي؟)، يتكلم عن كبره، وسماع الناس وطاعتهم له، ثم قال: والله لأملأنها عليك يعني: المدينة خيلاً جرداً، ومعنى: فتياناً مرداً، أي: شباباً يسمعون كلامي ويتبعوني، ومعنى: خيلاً جرداً، أي: ليس عليها سرج معدة للقتال، فقال صلى الله عليه وسلم: (يأبى عليك ذلك الله وأبناء قيلة)، وأبناء قيلة هم الأوس والخزرج، ثم خرج، وكأنه مع صاحبه تآمرا على النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهما صلوات الله وسلامه عليه، فأما أربد فأصابته الصاعقة فأحرقته وأهلكته إلى جهنم وبئس المصير، وأما عامر فخرج وهو يتوعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيه أنفة، على ما كان في بعض العرب آنذاك، حتى أصابته غدة في رقبته -يعني: ورم- فتأذى منها؛ لأنها أصبحت في نظره غدة كغدة البعير، فدخل على امرأة فإذا هي امرأة من بني سلول، وكانت قبيلة تزدريها العرب، فلما دخل دارها يريد أن تسقيه في سفره شعر بالموت، فقال -وهو الآن في الموت-: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية يعني: ما يكفيني في مرض مثل البعير وأموت عند واحدة سلولية، وهو يعلم أنه سيموت ذلك الوقت، حتى لو جلس عند المرأة تمرضه وتسقيه، فخرج ثم أخذ فرسه ونام على ظهره، حتى إذا مات يموت على الفرس، لا في بيت امرأة من بني سلول، وهذا من الأنفة والحمية التي كانت موجودة، فمات كما أراد الله وأراد، أي: مات على ظهر فرسه وهلك.

    ثم إن قوله أصبح مثلاً بعد ذلك لمن تكالبت الأمور عليه، فيقال: غدة كغدة البعير وموت في بيت امرأة سلولية.

    فالمراد: أنه هلك الاثنان.

    وموضع الشاهد من إيراد هذه الحادثة: أن العلماء أو بعض المفسرين يقولون: إن قول الله جل وعلا: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ [الرعد:13]، نزلت في هذا الأمر، فإن كان الأمر كما قالوا فتصبح هذه الآية مدنية؛ لأننا قلنا:إنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لأملأنها عليك أي: المدينة، خيلاً جرداً وفتياناً مرداً، وهذا لا يقع في مكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له عصبة تحميه في مكة كما هو ظاهر، والمقصود هذا ما يقوله بعض العلماء بسب نزول الآية.

    والذي يعنينا: أن الرب تبارك وتعالى أصلاً لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، لكن بعض القتلى من الكفار إنما قتلوا وهلكوا بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.

    إذاً: فمعنى قوله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ [الرعد:13]، أي: مع قدرته هذه التي لا يعجزها شيء فما زال بعض خلقه يجادل في الرب تبارك وتعالى ويعاند، إما في توحيده أو في قدرته أو في كمال جبروته أو رحمته، أو في غير ذلك من أسماء الله وصفاته.

    1.   

    تأملات في قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها...)

    خاتمة الآيات قول الله جل وعلا: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [الرعد:17].

    نقول: ضرب المثل أسلوب قرآني ثابت، وله عدة أغراض: فمنها: الترغيب، ومنه قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم:24].

    وقد يكون المراد به التنفير، كقول الله جل وعلا بعدها: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم:26].

    وقد يكون ضرب المثل للمدح، وهذا كقول الله جل وعلا في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ [الفتح:29].

    فهذا كله ضرب مثل أراد الله به مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد يكون ضرب المثل تبييناً للحق كما في هذه الآية، فالله يخبر هنا بأنه أنزل من السماء ماء المطر فقال سبحانه: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا [الرعد:17]، أي: أن الأودية تختلف، وكل واد يحمل من الماء على قدره.

    وهذا المثل معناه أن السيل عندما يأتي يعلوه ما يحمله من قطع الأخشاب والأشجار، فيبيض كأنه زبد، والماء الحقيقي الذي ينتفع به الناس تحت الزبد، يمشي بسكينة وهدوء، ويغيض في الأرض، وينفع الناس؛ لأنه باق في الأرض، أما هذا العالي المتراكم المرتفع فإنه يذهب ميمنة وميسرة، ويذهب جفاء لا ينتفع به أحد.

    وكذلك المعادن إذا أخرجت من الأرض تخرج مخلوطة، فيضعها صاحبها على النار، فإذا وضعها على النار يعلو ما كان ملتصقاً بها، ثم لا يلبث أن يتلاشى ويبقى صريح المعدن من ذهب أو فضة أو جوهر أو غيره.

    فالله جل وعلا يخبر أن غالب الأمور التي تراها مرتفعة عالية ذات لجج وصوت أغلبها باطل لا خير فيه، وإنما الحق يمشي بهدوء وثبات وسكينة ويقين؛ لأنه يعلم أنه سيصل إلى منتهاه، فقال الله جل وعلا: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [الرعد:17]، فضرب الله الأمثال حتى تستبين للناس طرائق الهدى ومعالم الحق بكرة وأصيلاً.

    هذا ما أردنا بيانه حول سورة الرعد.

    1.   

    الأسئلة

    المستثنون من الصعق

    السؤال: يقول الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68]، فمن المراد بهم في قوله: إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68]؟

    الجواب: اختلف العلماء فيهم، فقيل: الآية لبيان القدرة، وقيل: المراد الحور العين والولدان المخلدون الذين في الجنة، وقيل: حملة العرش، وقيل: المراد إسرافيل وجبريل، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم.

    بيان كيفية معرفة الطب الحديث لما في الأرحام

    السؤال: كيف نرد على من يقول: إن الطب الحديث عرف ما في الأرحام بالتصوير الحي؟

    الجواب: إذا جاء التصوير وصوروا الجنين في بطن أمه، ثم ظهر أن هناك قضيباً في الجنين دل على أنه ذكر، فهذا لو عرضت الصورة على صبي لم يميز، أي: يعرف أنه ذكر، فليس هنا قضية غيب وشهادة، فهذا صار أمراً مشاهداً لا غيباً، أي: انتقل الأمر من كونه غيباً إلى كونه شهادة، ولو جاء إنسان لبطن امرأة أو بقرة فبقرها بسكين ورأى الجنين وقال: أنا عرفت أنه أنثى أو عرفت أنه ذكر، فهذا عرفه بعد أن رآه، فلا يسمى غيباً، وإنما يسمى شهادة، فالغيب الذي لم يطلع عليه أحد، وحتى النطفة قد توصلوا إلى معرفة شيء منها، لكن الغيب هو الشيء الذي لا يراه أحد.

    حكم الدم الخارج قبل الطلق

    السؤال: والدة تشكو من نزيف مستمر، وذلك من أثر الجنين الذي في بطنها، فهل تسقط عنها الصلاة؟

    الجواب: الصلاة لا تسقط عنها، وإنما تسقط عن المرأة النفساء إذا دخلت في النفاس، فإذا دخلت في الطلق وخرج منها دم تسقط عنها الصلاة، حتى لو طال الطلق إلى يوم، لكن ما يخرج قبل ذلك من دم فهو في الغالب دم جرح لا يفسد شيئاً، فتصلي وتصوم، نسأل الله أن يشفيها.

    عدم صحة أن الرعد من أسماء الملائكة

    السؤال: هل صحيح أن الرعد اسم من أسماء الملائكة؟

    الجواب: لا أعلمه صحيحاً.

    ضعف الأخبار في تزوج يوسف من امرأة العزيز

    السؤال: هل تزوج يوسف عليه السلام امرأة العزيز أم لا؟

    الجواب: لا يوجد في ذلك خبر صريح فيما أعلم.

    معنى (أن أَضِل أو أُضَل أو أَزِل أو أُزَل)

    السؤال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أن أَضِل أو أُضَل أو أَزِل أو أُزَل

    الجواب: هذا من دليل تربية الناس على الحياة الاجتماعية، وهو صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله أن يضل غيره أو أن يضله أحد، أو أن يزل هو على غيره أو أن يزل عليه أحد، وكذا معنى (أو أظلم أو أظلم).

    الفرق بين سكنى حرم المدينة وخارجه

    السؤال: يحرص كثير من سكان المدينة على شراء أرض للسكنى داخل حدود حرم المدينة، معللين ذلك بأن للسكنى داخل حدود الحرم فضائل تختلف عن السكنى خارجه كالعزيزية وغيرها؟

    فهل للسكنى داخل حدود الحرم فضيلة عن السكنى خارجه؟ فإن كان كذلك فما هذه الفضائل؟ أم أن الفضائل التي ذكرت عن المدينة المنورة تشمل جميع أحياء المدينة داخل حدود الحرم وخارجه؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل: ما يتعلق بحكمه شرعاً كالصيد والتعزير في السرقة أو في القتل، فهذا لا يقال إلا لما كان داخل حدود الحرم، فالقاضي مثلاً إذا جاء لشخص سرق داخل الحرم النبوي، فليس كمن يسرق في الساحة، والذي يسرق في ساحة الحرم ليس كمن يسرق في الأسواق.

    أما السكنى عموماً فأرجو الله أن من سكن خارج حدود الحرم ومات هناك كأحياء العزيزية وما شابهها ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليفعل؛ فإني أشفع لمن مات بها)، وهذا -أي: الساكن في العزيزية ونحوها- يدخل فيه؛ لأنه يقال عنه: إنه مات في المدينة، والله تعالى وأعلم.

    كيفية التوكل على الله حق التوكل

    السؤال: كيف يعرف العبد أنه من المتوكلين على الله حق التوكل؟

    الجواب: إذا وقع المقدور فينظر في رضاه عنه أو عدم رضاه، فإن كان راضياً عن المقدور أياً كان فهذا من دلالة الصدق بالتوكل.

    اللهم لك الحمد، أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد، الحي القيوم الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

    أنت الله لا إله إلا أنت، السماء عرشك وفي كل مكان رحمتك وسلطانك، مصير كل أحد إليك، ورزق كل شيء عليك.

    أنت ربنا لا رب لنا غيرك ولا إله سواك، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، وقدرتك التي لا تغلب، وسلطانك الذي لا يقهر، ورحمتك التي وسعت كل شيء، أن تظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.

    اللهم أظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.

    اللهم إنا نسألك الإيمان، والعفو عما مضى وسلف من الذنوب والآثام والعصيان.

    اللهم تب علينا توبة نصوحاً، نؤوب بها إليك يا رب العالمين!

    اللهم إنا نسألك غفران الذنوب، وستر العيوب، وحسن المرد إليك يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك حسن الوفادة عليك.

    اللهم إنا نسألك حسن الوفادة عليك.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت القوي العزيز، وإن لنا إخواناً مسلمين في العراق وفلسطين وغيرهما يا رب العالمين! اللهم انصرهم وأعنهم، وارحم شهداءهم واغفر لهم يا رب العالمين! وأيدهم.

    اللهم بنصر من عندك يا ذا الجلال والإكرام! اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين في كل مكان الضر والبأساء، واللأواء، اللهم ورد كيد أعداء المسلمين في نحورهم يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم واجعل بلادنا هذه آمنة مستقرة مطمئنة يا رب العالمين! اللهم آلف بين الراعي والرعية يا رب العالمين! اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك يا رب العالمين!

    اللهم واجمعنا أجمعين على كلمة الحق، واجعلنا ممن يعين على العصمة بك، وائتلاف كلمة المسلمين يا رب العالمين!

    وأعذنا اللهم من الأهواء والنزغات وشتات الأمر يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا.

    اللهم وخص من سألنا أن ندعو لمريضه يا رب العالمين! اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لنا لا إله إلا أنت.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755981087