إسلام ويب

سلسلة لطائف المعارف [زيد بن حارثة رضي الله عنه]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوائل المؤمنين به، المصدقين خبره، الذابين عنه صلى الله عليه وسلم، ولقد كان له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار وأسرار، وهو الذي كرمه الله عز وجل في حادثة لم يسبق إليها أحد: أن ذكره ربه سبحانه في القرآن الكريم باسمه صراحة، فحري بنا أن نعرف شيئاً من سيرته العطرة، وأخباره الزكية.

    1.   

    زيد بن حارثة ابن الإسلام وحب رسول الله

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    هذا أيها المباركون! لقاء متجدد من لقاءاتكم الموسومة: بلطائف المعارف، وعنوان حلقة هذا اليوم تحمل اسم صحابي جليل هو: زيد بن حارثة .

    نحن ندرك جميعاً أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أمثل جيل، وأكمل رعيل؛ ذلك أنهم من الله تبارك وتعالى عليهم بنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، كما هي دعوة خليل الله إبراهيم.

    والصحابة كما نعلم جم غفير، لكن القرآن وهو مائة وأربعة عشر سورة لم يرد فيه ذكر اسم صحابي واحد باسمه الصريح، فقد جاءت آيات في مدح الصحابة عموماً مثل قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح:29]، لكن لم يرد في القرآن ذكر صحابي باسمه الصريح إلا زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    ولـزيد أخبار قبل الإسلام، وأخبار بعد البعثة، وله أخبار قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مات قبل النبي عليه الصلاة والسلام، ومن هذه الأخبار: أن نعرف المكانة الجليلة لهذا الرجل رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    بداية القصة أن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين طلبت من ابن أخيها حكيم بن حزام أن يشتري لها غلاماً وهو ذاهب إلى سوق عكاظ، وقبل أن أستطرد، فـحكيم بن حزام هذا ولد في الكعبة، حملته أمه وجاءها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت حكيماً هذا في جوف الكعبة.

    موضع الشاهد: أن حكيماً اشترى زيداً لـخديجة ، ثم أهدته خديجة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وكان أعمامه وأبوه من قبل يسألون عنه حتى عرفوا أنه عند محمد بن عبد الله، وهذا كله والنبي عليه الصلاة والسلام لم يبعث بعد، لكن زيداً بنور الله الذي آتاه تفرس في أن النبي سيكون له شأن، والقصة معروفة بأنه خُيِّر فاختار النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان مشتهراً لا أحب أن أقف عنده كثيراً؛ لأن العبرة بالعظات وليست في سرد التاريخ، فالتاريخ موجود في طيات الكتب.

    المقصود من هذا أن زيداً تمسك بالنبي صلى الله عليه وسلم وقدمه على أبيه وأعمامه فانصرفوا، فلما قدم زيد نبينا صلى الله عليه وسلم وموالاته على أبيه وأعمامه قال عليه الصلاة والسلام في نوادي قريش: (أشهدكم أن زيداً ابني يرثني وأرثه) من باب رد الجميل، وحينها لم يكن قد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم، فأصبح زيد يعرف بـزيد بن محمد .

    وعندما من الله على نبيه بالنبوة كان زيد من السابقين إلى الإسلام، وذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ورأى تلك المعاناة التي لقيها النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف، ثم عاد معه إلى مكة وبقي باراً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت الهجرة فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومنهم زيد إلى المدينة، وفي المدينة تغير الوضع ونزلت أحكام شرعية؛ لأن العهد المكي كان يعنى بالعقائد أكثر الأمر، وجاء العهد المدني فعني بالعقائد، ثم جاء التنظيم للمجتمع والدولة، فكان مما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فذلك التاج الذي كان يعلو على مفرق رأس زيد من أنه ينادى بـزيد بن محمد نزع منه، وأصبح يدعى باسم أبيه زيد بن حارثة ، ولا يدعى بـزيد بن محمد ، ولا ريب أن هذا أحدث في قلب زيد حزناً شديداً؛ لأن كونه ينادى بـزيد بن محمد هذا شرف وأي شرف، لكنه أمر الله وقدره وقضائه وتعليماً للأمة، قال الله جل وعلا: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [الأحزاب:40]، وقال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، فنزع منه هذا اللقب.

    1.   

    تطليق زيد لزينب بنت جحش وزواج النبي بها

    وقدر لـزيد قبلها أن يتزوج زينت بنت جحش الأسدية ، وزينب رضي الله عنها وأرضاها قرشية، وزيد مولى، فكانت تجد في نفسها أنفة عليه، فتحدث بينهما النزاعات، وكان الله جل وعلا قد أوحى إلى نبيه أن زيداً سيطلق زوجته زينب وأنه سيتزوجها، وهذا الوحي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به وعرفه، ولكنه كتمه، فكان زيد إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه زوجته أمره النبي أن يصبر عليها وألا يطلقها، فأنزل الله جل وعلا قوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، ثم قال الله: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب:37]

    (وَإِذْ تَقُولُ) إذ: ظرفية زمنية بما قد سلف.

    (إذ تقول) أي: يا محمد!

    (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أي: زيد الذي أنعم الله عليه بنعمة الإسلام.

    (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أي: بالعتق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيداً .

    (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) تنصحه وترشده أن يبقي على زوجته.

    (وَتُخْفِي) أي: يا محمد!

    (فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) أي: ما الله مظهره، والشيء الذي سيظهره الله أنه سيطلقها وأنك ستتزوج زينب لا محالة.

    (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخفي شيئاً من القرآن لأخفى هذه الآية، لكن النبي صلى الله عليه وسلم مؤتمن على وحي الله.

    (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا) تزوجها وأصابها.

    (زَوَّجْنَاكَهَا) أي: بعد انفكاكها عن زيد .

    (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا).

    من هذا نفهم: أن الله جل وعلا ذكر اسم زيد ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث زيداً بعد أن طلق زينب يخطبها له، ولنا أن نتخيل كيف لرجل أن يخطب امرأته السابقة لرجل آخر؟ هذا صعب جداً على الأنفس، لكن أنفس الصحابة وفي مقدمتهم زيد كانت محبة معظمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم إليها أعطاها ظهره، هيبة لحرمة امرأة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فبعثه ليخطبها إليه، فتزوجها صلى الله عليه وسلم وكانت تفتخر على أمهات المؤمنين بأن الله جل وعلا تولى أمر زواجها واختارها لنبيه من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها.

    هذه الأمور التي فقدها زيد : كونه كان ينادى بـزيد بن محمد ، وفقد زوجته وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن الله عوضه عنها وهو أكرم الأكرمين جل جلاله بأن ذكر اسمه في القرآن، فأصبح اسمه من جملة قرآن يتلى ويتعبد الله جل وعلا به في المحاريب وفي صدور المؤمنين إلى يوم القيامة، فنحن نقرأ: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ [الأحزاب:37]، وهو زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    فانظر كيف عوض الله جل وعلا زيداً في الدنيا، أما في الآخرة فلا ريب أن زيداً في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة، فإذا جارية شابة، قلت: لمن هذه؟ قالت: أنا لـزيد بن حارثة).

    و زيد بن حارثة كان أحد القادة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوجهون إلى مؤتة لقتال الروم، وكان جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومن أحب الخلق إليه، وعبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنهم جميعاً وأرضاهم ممن قضوا نحبهم شهداء في تلك المعركة، أي: أن زيداً مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    أسامة بن زيد ابن حب رسول الله

    كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب زيداً ويحب ابنه أسامة ، حتى ورد: أن رجلاً ممن لهم معرفة في القيافة، وهي: قضية معرفة الأنساب، ومعرفة الرجل، والقبيلة التي ينتسب إليها، وكان رجلاً من بني مدلج، جاء ذات يوم وأسامة وزيد رضي الله تعالى عنهما نائمان، وكان زيد أبيض وأسامة أسود، وهذا يثير الريبة عند الناس، هذا الرجل لا يعرف أن هذا زيداً ولا أن هذا أسامة ؛ لأن رأسيهما قد غطيا وهو أصلاً ليس من المدينة، ولا يعلم مكانتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما رأى أقدامهما، فقال وهو صاحب علم في هذا الشأن: هذه الأقدام بعضها من بعض، فانفرجت أسارير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل على عائشة مستبشراً فرحاً وهو يقول: (أما سمعت أن فلان المدلجي نظر إلى قدمي أسامة وزيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، وكان هذا أمام الناس تطميناً له صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن أسامة ابن لـزيد ، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة من أعظم من أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حق أسامة : (اللهم إني أحبه فأحبه)، فنحن نعلم أنه في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينفر من عرفة إلى مزدلفة وهو على ناقته، وأهل الموقف ينتظرون أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتبعوه؛ لأنه لا يمكن أن ينفروا قبل إمامهم عليه الصلاة والسلام، وهو عليه الصلاة والسلام كأنه ينتظر، فتساءل الناس: ماذا ينتظر صلى الله عليه وسلم؟ فجاء أسامة بن زيد أسود نحيلاً خفيفاً ظريفاً رضي الله عنه وأرضاه، فركب ناقة نبينا صلى الله عليه وسلم، وضمه من الخلف، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الدابة أن تمضي، فأردفه من عرفة إلى مزدلفة، وفي الطريق نزل صلى الله عليه وسلم يتوضأ ولم يصل، فذكره أسامة بالصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة أمامك) أي: في مزدلفة جمع تأخير

    والذي يعنينا من هذا: هو العناية المحمدية بهذا النشء والشاب، فقد كان عمره آنذاك ثمانية عشر تقريباً، الذي هو ابن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن هنا نعلم أن القلوب أوعية، وأحياناً يجد الإنسان في قلبه محبة عظيمة لبعض من حوله تزيد على محبته لغيره، وهذه أمور يقذفها الله جل وعلا في قلب من يشاء، وأحياناً يجد الإنسان ألفة تجذبه إلى الغير، ومحبة تتبعه إلى بعض من حوله، وقد تكون محبته لبعض قرابته، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).

    والمهم في المؤمن من حيث الجملة من هذه الأخبار عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أن يكون محباً للناس، محباً لغيره، يحب لهم ما يحب لنفسه، وهذا من دلائل صفاء قلبه، وسلامة معتقده، وهو من دوافع وبراهين الإخوة الإيمانية.

    هذا ما تسير الحديث عنه، وتهيأ إعداده عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755789898