قال الحافظ المنذري رحمه الله: [ الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل، والترغيب في صلاة الضحى.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد) متفق عليه.
وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا ابن آدم! لا تعجزني من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، قال: وهي صلاة الأوابين) ].
فهذه أنواع من أنواع الصلوات التي يصليها الإنسان المؤمن مبتغياً الأجر من الله عز وجل فيها، ومنها: صلاة الضحى.
فقد النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر أنه قال: (من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل).
والمعنى: أنه يستحب للمسلم أن يكون له ورد من الليل يقوم به، فلا يكن قيام الليل في رمضان فقط، بل لابد للصالح أن يتعود على ذلك.
فقد كان الصالحون كـسفيان الثوري وغيره يقول: كابدنا قيام الليل سنة واستمتعنا به عشرين سنة. فقيام الليل يتعب الإنسان فيه نفسه، وقد يجد في رمضان من يعينه على صلاة الجماعة، لكنه يجد نفسه في غير رمضان وحيداً فلعله يشق عليه، ولكن مع التعود يصير سهلاً عليه، فقد يتعب سنة فيه ثم إذا به يستمتع بقيام الليل طول عمره، فتصير له عادة طيبة، وقد يجد من يوقظه بالليل، فهو ينام وفي قلبه منبه يوقظه في الساعة التي يقوم فيها الليل؛ لأنه اعتاد على قيام الليل في هذا الوقت.
لذلك يجب على الإنسان المؤمن أن يعود نفسه على ذلك، فيكون له ورد بالليل يقوم به ولو شيئاً يسيراً، ساعة أو أقل بحسب ما يفتح الله عز وجل به عليه.
فلو أن إنساناً نام في الليل على أن يقوم ويصلي فنام ولم يستيقظ من الليل فإنه يكتب له كأنه قام وصلى، بل يكون نومه صدقة من الله عز وجل عليه كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يبقى عليه أن يعوض هذا الذي فاته من الليل في وقت صلاة الضحى.
ووقت صلاة الضحى: بعد شروق الشمس بحوالي ربع ساعة أو ثلث ساعة إلى قبل صلاة الظهر بدقيقة أو بدقيقتين، وهذا وقت واسع لأن تصلي فيه صلاة الضحى، أما صلاة الضحى فأقلها ركعتين، ولا حد لأكثرها.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلاها أربعاً وثماني ركعات واثني عشرة ركعة صلوات الله وسلامه عليه، فصل ما شئت في وقت الضحى، وأهم شيء في ذلك المواظبة عليها، ولذلك قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها صلاة الأوابين)، والأواب: الكثير الرجوع والتوبة إلى الله سبحانه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]
قال: (وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، يعني: ليس مجرد صوم رمضان فقط، ولكنه يصوم النوافل، فإذا صام مثلاً ستة أيام بعد رمضان من شوال فإنه يكتب له كأنه صام الدهر، قال: (وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب صيام النوافل، وقد ذكر لنا: أن أفضل الصوم في النوافل صوم داود: (كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، فالمقصود: أن يجعل الإنسان له من النوافل بحسب ما يسر الله له سبحانه.
ومن الأحاديث: ما رواه مسلم عن أبي ذر وعن بريدة أيضاً بمعناه، ولفظ حديث بريدة جاء في مسند أحمد ، قال صلى الله عليه وسلم: (للإنسان ستون وثلاثمائة مفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة)، أي: في كل يوم عليه أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة.
أما لفظ حديث أبي ذر في صحيح مسلم : (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)، فصلاة الضحى تعدل ثلاثمائة وستين صدقة.
ومن الأحاديث التي جاءت في فضل صلاة الضحى: حديث يرويه أبو يعلى بإسناد صحيح عن أبي هريرة ، حيث يقول رضي الله عنه: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكرة)، أي: بعث سرية يجاهدون في سبيل الله، فنصرهم الله بسرعة، ورجعوا بغنيمة، قال: (قال رجل: يا رسول! الله ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة، ولا أعظم غنيمة من هذا البعث)؛ لأن هؤلاء خرجوا وجاهدوا بسرعة، فنصرهم اللهم بسرعة، ورجعوا بغنيمة عظيمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأسرع كرة منهم، وأعظم غنيمة؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة -صلاة الفجر- ثم عقب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرة، وأعظم الغنيمة)، والمعنى: أنه انتظر في مصلاه إلى أن صلى بعد ذلك صلاة الضحى في وقتها، فهذا أسرع كرة أي: أسرع في الرجوع إلى بيته، وأعظم غنيمة أي: أجراً عند الله سبحانه وتعالى.
ومن الأحاديث العظيمة في فضل صلاة الضحى: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره).
وفي هذا دليل على كفاية الله ورعايته سبحانه لعبده الذي يصلي هذه الصلاة، فإذا صليت أربع ركعات في وقت الضحى حفظك الله عز وجل، ودافع عنك، وكفاك ما أهمك من أمر الدنيا، وأمر الخلق، وأمر أعدائك، وأمر الآخرة كذلك بفضله وبرحمته سبحانه.
قال: (ثم تهوي ساجداً فتقول وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، قال صلى الله عليه وسلم: فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)، والحديث فيه زيادة: (فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر، أو رمل عالج غفر الله لك).
فهذه أربع ركعات من الممكن أن تصليها في ثلث ساعة أو نصف ساعة وتحصل على هذه المغفرة العظيمة، أربع ركعات ستقول فيها ذكراً كلنا نحفظه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وسبعين مرة في كل ركعة، أي: أنك ستقولها ثلاثمائة مرة في أربع ركعات، والنتيجة أن يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر.
وفي الحديث: استحباب أن يصلي المسلم هذه الصلاة مرة في اليوم إن استطاع، فإن لم يستطع ففي الأسبوع مرة، فإن لم ففي الشهر مرة، فإن لم ففي السنة مرة، فإن لم ففي العمر مرة.
فالجواب: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بأصحابه جماعة صلوات الله وسلامه عليه، فعلى ذلك وجب أن يصليها الإنسان وحده، فهذا الذي ذكره صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه وأرضاه.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يغفر لنا ذنوبنا جميعها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر