إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب [33 - 35]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نساء النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنساء المسلمين، فإذا نهاهن الله عن التبرج والاختلاط وأمرهن بلزوم البيوت، فنساء المسلمين أولى بامتثال ما أمر الله سبحانه واجتناب ما نهى الله عنه، ففي ذلك تطهير للقلوب والأبدان من رجس الشيطان، والإناث والذكور كلهم معنيون بأمر الله ونهيه، ومجازون على كل عمل يعملونه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الأحزاب في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:33-35].

    في هذه الآيات من سورة الأحزاب أمر من الله سبحانه وتعالى لنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنهن، وهن القدوة الحسنة للنساء اللاتي يقتدى بأفعالهن وأقوالهن؛ لأنهن تعلمن من النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ ولذلك قال الله سبحانه: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب:32]، فأمرهن بالوقار في البيوت ولزوم البيوت وهذا هو حجاب الشخوص، أن تلتزم بيتها ولا تخرج فيراها الناس، سواء خرجت بحجابها أو خرجت من بيتها في كامل ثيابها، وحولها ما يواريها، فأمرها الله عز وجل، بقوله: الزمي البيت، لا تخرجي من البيت.

    قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وعليكن السكينة والوقار، واحذرن من التبرج، والتبرج بمعنى: الظهور والزينة، قال تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].

    وذكرنا في الحديث السابق تبرج الجاهلية الأولى وما كان النساء يفعلنه من ظهور أمام الرجال وفتنة، يحرش الشيطان بها بين النساء والرجال، وما وجد على الأرض من فتنة أشد على الرجال من النساء، فالنساء فتنة؛ ولذلك حذرهن الله سبحانه وتعالى من التبرج وقال: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (... وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ...)

    ثم أمرهن سبحانه: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، طاعة الله سبحانه عامة، ومن خصوصيات الطاعة: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والصلاة أعظم العبادات البدنية، والزكاة أعظم العبادات المالية، فهنا أمرهن الله سبحانه بالاستعانة بذلك على طاعة الله سبحانه، بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا مما يعين الإنسان على طاعة الله سبحانه، يصلي فيكون قريباً من ربه سبحانه فيدعوه، قال سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، ويزكى فيكون سمحاً جواداً كريماً، يبذل فيأخذ الأجر العظيم من الله سبحانه، ويظهر الإيمان بالصلاة وبالزكاة، بالعبادة البدنية.. وبالعبادة المالية.

    قال تعالى: وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] في كل شيء، أي: في كل ما أمركن الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ...)

    ثم أمرهن سبحانه: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]، طاعة الله سبحانه عامة، ومن خصوصيات الطاعة: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والصلاة أعظم العبادات البدنية، والزكاة أعظم العبادات المالية، فهنا أمرهن الله سبحانه بالاستعانة بذلك على طاعة الله سبحانه، بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا مما يعين الإنسان على طاعة الله سبحانه، يصلي فيكون قريباً من ربه سبحانه فيدعوه، قال سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، ويزكى فيكون سمحاً جواداً كريماً، يبذل فيأخذ الأجر العظيم من الله سبحانه، ويظهر الإيمان بالصلاة وبالزكاة، بالعبادة البدنية.. وبالعبادة المالية.

    قال تعالى: وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] في كل شيء، أي: في كل ما أمركن الله سبحانه وتعالى.

    دخول نساء النبي في خطاب أهل البيت

    ثم قال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33]، أي: أهل بيته صلى الله عليه وسلم.

    والواضح من سياق الآيات أن الله عز وجل يوجه الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فهن الأصل في ذلك، فقد قال الله سبحانه: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:30-33]، أيضاً هذه أوامر لنساء النبي.

    ثم قال بعدما أمرهن بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، وكأن الجملة هنا تعليلية، يعني: أمرناكم بكذا ونهيناكم عن كذا لعلة ولسبب، وهو أنا نريد أن نذهب عنكم الرجس يا آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وواضح أن السياق من أول الآيات في خطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فهن داخلات في أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه في هذه الآيات.

    وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع مجموعة ممن كانوا معه من آل بيته، منهم: علي بن أبي طالب ، وابنته فاطمة ، والحسن والحسين ووضع كساء عليهم صلى الله عليه وسلم وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، اللهم هؤلاء أهل بيتي)، فهؤلاء آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هؤلاء فقط هم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: ليسوا هم فقط، بل إن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك بكثير، فآل العباس من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وآل علي بن أبي طالب وذريته من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فالمؤمنون من أهله صلى الله عليه وسلم من بني العباس ومن بني علي بن أبي طالب كلهم من أهله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون من آل بيته عليه الصلاة والسلام.

    هنا في هذا الحديث كانت أم سلمة واقفة، ووجدت النبي صلى الله عليه وسلم أدخلهم في الكساء وقال (اللهم! هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنا الرجس، فقالت: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت على خير، أنت على مكانك).

    فهنا لا ينبغي أن تأتي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وتكون تحت كساء فيه من ليس محرماً لها، فهذا الكساء تحته علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس محرماً لها، ولذلك لم يدخلها، ولم يقل لها: تعالي أنت أيضاً معنا تحت هذا الكساء، ولكن قال: (على مكانك، أنت على خير).

    إذاً: واضح من التعليل الذي ذكره ربنا سبحانه وتعالى في قوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، أن الخطاب الساري فيها لنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه، فدلت الآية على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيته، ودل حديث النبي صلى الله عليه وسلم على أن هؤلاء من أهل بيته: علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عن الجميع، فالسيدة أم سلمة قالت: (وأنا معهم يا رسول الله؟! قال: أنت على مكانك، وأنت على خير) فهي على خير وهي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قوله: (أنت على مكانك) أي: لا تدخلي معنا تحت الكساء، فلا ينبغي أن تكون هي مع من ليس محرماً لها تحت كساء واحد.

    ليس من أهل البيت من مات كافراً

    وبنو هاشم كذلك من آل بيته عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33]، تكريماً للنبي صلى الله عليه وسلم وتشريفاً له، وليس معنى ذلك: أن يكون من أهل بيته عليه الصلاة والسلام من مات كافراً، مثلما مات أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومثلما مات أبو لهب قبل ذلك، فهنا الخطاب للمؤمنين من آل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليه، أن الله يريد أن يطهرهم تطهيراً وأن يذهب عنهم الرجس.

    نفي العصمة عن أهل البيت

    وهل معنى ذلك: أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يكونون معصومين؟!

    ليسوا معصومين، إنما المعصوم من كان نبياً لله سبحانه وتعالى، يعصمه الله بمرتبة النبوة، ومرتبة الرسالة، وهذه هي العصمة من الله عز وجل لمن يشاء من خلقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).

    إذاً: لا يقال إن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم معصومون، هذا خطأ وليس بصواب، فليس أحد معصوماً إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا بأنبياء، إنما هو وحده فقط صلوات الله وسلامه عليه.

    قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، يريد الله ذلك، وإذا أراد الله شيئاً لابد أن يكون، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وجعل نساءه القدوة الحسنة للأمة، فكل امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بلغت دين ربها، فأحسنت ووفت بما عاهدت ربها سبحانه وتعالى عليه، وبلغت ما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم وعلمت الأمة، وعمِّر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده سنين طويلة، حدثن فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة تعلمتها الأمة منهن ومن أصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ...)

    قال سبحانه: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [الأحزاب:34].

    فهنا أمرهن بالعبادة اللازمة والعبادة المتعدية، والعبادة اللازمة كالصلاة ، وكل طاعة الله سبحانه من العبادات هي عبادة لازمة؛ لأن الثواب لصاحبه، والعبادة المتعدية كتبليغ العلم، قال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34].

    فالآيات: القرآن، والحكمة: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكله من عند الله سبحانه وتعالى، فالله نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الذكر ليبين للناس ما نزل إليهم، وبين صلوات الله وسلامه عليه للناس ما نزل عليه من عند ربه سبحانه، فالكتاب والسنة كلاهما من عند الله سبحانه، بلغهما النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعها أصحابه رضوان الله عليهم ومنهم نساء النبي عليه الصلاة والسلام، فبلغن وذكرن.

    إذاً: أمرهن الله عز وجل بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله سبحانه ورسوله، وعلل فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33]، يريد الله سبحانه وتعالى ذلك، فافعلن ذلك حتى يطهركن الله عز وجل تطهيراً عظيماً، فكن على ما أراد الله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34]، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو في بيت هذه آيات، وفي بيت هذه آيات، فتعرف هذه أحكاماً، وهذه أحكاماً، ويبلغن ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهذه من الحكمة في تعدد أزواج النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [الأحزاب:34]، الله سبحانه وتعالى في علمه اللطف، وهو العلم الدقيق، والعلم بالخفايا، والله سبحانه لطيف في قضائه وقدره، فهو الذي يقدر الشيء ويكون لطيفاً بعباده سبحانه وتعالى في تشريعه وفيما قدره لعباده وقدره عليهم.

    ولما ذكر الله اللطف والخبرة فالمقصود بها دقة علم الله سبحانه.. وعلمه بكل شيء دقيق وجليل، عظيم وصغير، قريب وبعيد، جلي وخفي، فالله يعلم كل شيء.

    كذلك من لطفه سبحانه أن أراد بهن الخير العظيم، وأمرهن بالحجاب، وأن تلزم الواحدة منهن بيتها ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة من الضرورات، ليقتدي نساء الأمة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم.

    لو كان الخطاب لنساء الأمة فقط دون نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لقال نساء الأمة: لا نستطيع ذلك، لكن وجدن القدوة الحسنة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تخرج الواحدة من بيتها إلا إذا كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحو ذلك، أو للحج أو للعمرة، وبعد وفاته التزمن البيوت، فكن لا يخرجن إلا لحج أو لعمرة، إلا ما كان من عائشة رضي الله عنها لما خرجت للإصلاح بين الناس بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان ما كان مما حدث يوم الجمل، وإنما أرادت أن يراها الناس فيوقرون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويلتزمون أحكام الله سبحانه وتعالى وتخمد الفتنة، ولكن أرادت شيئاً، وأراد الله عز وجل شيئاً آخر.

    فكان الأصل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم المكث في بيوتهن، فلكي تقتدي نساء الأمة جعل الله عز وجل نساء النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لهن وأمرهن بما في هذه الآيات، وجعل لهن الأجر العظيم إذا أطعن، وجعل عليهن العقوبة الأليمة إذا عصين، فصرن قدوة للنساء في التزام حكم الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات...)

    قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ [الأحزاب:35].. إلى آخر ما ذكر الله سبحانه وتعالى، وذكر أنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً.

    روى الإمام الترمذي من حديث أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (ما أرى كل شيء إلا للرجال) يعني: تقصد أن الآيات التي تنزل في القرآن: أن الله أعد للمؤمنين المغفرة والأجر العظيم، فيذكر المؤمنين بصيغة جمع المذكر السالم، ويذكر المسلمين ويذكر المحسنين، وكل شيء مذكور فيها بجمع المذكر السالم، فيقصد به الرجال، والنساء لم يذكرن؟

    لكن في اللغة العربية إذا اشترك الرجال والنساء في شيء، فالخطاب يكون للرجال، ويدخل معهم النساء، لكن إذا كان الخطاب للنساء فلا يدخل معهن رجل واحد، فهنا إذا اجتمع مجموعة من النساء ومعهم رجل واحد، وأردت أن توجه الخطاب يكون الخطاب بصيغة جمع المذكر، فإذا كن كلهن نساءً فالخطاب بصيغة جمع المؤنث.

    فإذا خوطب النساء وحدهن يكون الخطاب بصيغة المؤنث، وإذا ذكر الرجال وحدهم يكون بصيغة المذكر، وإذا ذكر الرجال والنساء أو رجل ومجموعة من النساء يكون الخطاب بصيغة المذكر.

    فهذه المرأة الأنصارية قالت: (وما أرى النساء يذكرن بشيء) فنزلت هذه الآية: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35]، وهذا حديث صحيح رواه الإمام الترمذي رحمه الله.

    ذكر الله عز وجل عشر صفات في هذه الآية، أول هذه الصفات قال: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ [الأحزاب:35] وحتى قوله سبحانه: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35].

    فالإسلام هو الأصل هنا، والإسلام دين رب العالمين سبحانه، وهو عبادات ظاهرة وباطنة، فإذا ذكر الإيمان فالمقصد ما هو أعظم وأعلى درجة، وإذا جاء الإسلام وحده، وتكلم عن الإسلام يدخل فيه الإيمان ويدخل فيه خصائص الإسلام والإيمان والإسلام والإحسان، وإذا ذكر الإيمان وحده كان كذلك، وإذا ذكر الإحسان كان كذلك، لكن إذا جمع الجميع فهي مراتب بعضها فوق بعض.

    وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإسلام قال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت) أي: العبادات الظاهرة.

    قال: (قال: صدقت، فما الإيمان؟ قال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، قال: صدقت).

    فلما اجتمع الإيمان والإسلام كان الإسلام العبادات الظاهرة، والإيمان ما كان في قلب الإنسان، فإذا قال: المسلم، فيقصد به من جمع كل شيء في الإسلام، وإذا قال: المؤمن، فيقصد به من جمع كل شيء في الإسلام، كما يقولون: إذا اجتمعا انفردا وإذا انفردا اجتمعا، فعلى ذلك الإسلام يدخل فيه الدين كله، والإيمان كذلك، وإذا اجتمع الاثنان يكون المقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة، وبالإيمان الأعمال الباطنة، والأعلى من ذلك الإحسان، قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

    فهنا بدأ بما يشترك فيه الجميع: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35]، فلهن كما للرجال من المغفرة والأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ [الأحزاب:35]، القنوت: الخضوع والإذعان والذل لله سبحانه والخشوع والطاعة، وكل إنسان قانت لله سبحانه خاشع، ومطيع لله، وقائم في الصلاة لله سبحانه وتعالى، ومقبل على الله سبحانه لا يلتفت عنه.

    قال تعالى: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ [الأحزاب:35]، أي: صدقوا في سرهم وصدقوا في جهرهم، يتكلم فيصدق، ويعاهد ربه سبحانه فيصدقه، ويعد فيفي، ويبايع فيصدق في بيعته، فالمؤمن صادق؛ لأنه يخاف الله سبحانه، والله أمر المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، فالزم الصادقين تتعلم منهم الصدق، وتتعلم منهم الوفاء، وتكن معهم في الدنيا؛ فتحشر معهم يوم القيامة، قال تعالى: صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب:23]، أي: صدقوا في كلامهم وحديثهم.

    قال الله تعالى: وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ [الأحزاب:35]، والصبر على ثلاثة أشياء: يصبر الإنسان على طاعة الله، فيلتزم ما أمر الله عز وجل به ويفعله، فيصبر على الطاعة.

    ويصبر الإنسان عن المعصية: ينهاه الله، لا تقع في الفواحش، لا تقع في الزنا، لا تسرق، لا تزن، فيستجيب لله مهما وجد أمامه من مغريات.

    فالمؤمن صابر على طاعة الله، صابر عن المعصية، إذا رأى شيئاً حراماً غض بصره وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر مهما كانت الفتن داعية للإنسان، ومهما كان الشيطان يحركه ويدفعه إلى الخطأ، فالمؤمن يخاف من الله ويصبر على طاعة الله، ويصبر نفسه كما قال الله: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

    إذاً: صبر على الطاعة، صبر عن المعصية.

    كذلك يصبر على قضاء الله وقدره: فالمؤمن يصبر على البلاء، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] فالله يفتن المؤمن، ويختبره بشيء من البلاء ويذيقه، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]، تنزل به المصيبة فلا يلطم خده، ولا يشق ثيابه ويحلق شعره، ولكنه يصبر ويتصبر ويقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]، فهو يفوض الأمر لله ويتسلى بذلك.

    ويقول: (إنا لله) أخذ مني مالي وسيأخذني، والمال مال لله، وأنا عبد لله سبحانه، فأنا لله وأنا راجع إليه، فهو يذكر نفسه، فالمؤمن يتصبر بذلك ويقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]، فيأتي الجزاء العاجل من الله سبحانه، قال تعالى: أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157]، فالله يصلي عليهم ويرحمهم، ويثني عليهم سبحانه وتعالى ويمدحهم، ويجعلهم من الفائزين عنده، وأولئك هم المفلحون عند الله سبحانه وأهل التقوى.

    فالصدق مع الله سبحانه والصبر على قضاء الله وقدره وعلى أوامره وعلى نواهيه، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756007774