إسلام ويب

تفسير سورة السجدة [6 - 9]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله يعلم كل ما غاب عن المخلوقات، ويعلم ما يشاهدونه من باب الأولى، وهو العزيز الذي لا يغالب، الرحيم بعباده المؤمنين، والله سبحانه أتقن كل شيء خلقه، وخلق أبا البشر آدم من طين ثم جعل نسله من ماء مهين محتقر، ثم شرفهم بأن نفخ فيهم من روحه، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وقليل من عباد الله هم الذين يشكرون الله عز وجل على هذه النعم العظيمة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الله عز وجل في سورة السجدة:ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:6-9].

    ذكر الله سبحانه وتعالى من صفاته أنه عالم الغيب والشهادة وأنه العزيز الرحيم، والله هو الذي خلق والذي رزق وهو رب العالمين سبحانه ومن صفاته، أنه يعلم الغيب أي: ما غاب عن الخلق، ويعلم الشهادة أي: ما يشاهده المخلوقون، فالله يعلم ويطلع على ذلك كله، ويجازي على ما يعمله الإنسان وعلى ما ينويه، والعزيز هو الغالب، والرحيم هو الذي يرحم عباده، ويرحم المؤمنين برحمته العظيمة الواسعة.

    وهنا ذكر الله سبحانه من صفاته العزة والرحمة سبحانه والعلم، والله بعلمه خلق كل شيء، وبقدرته سبحانه وهو العزيز الغالب الذي لا يقهر أوجد كل شيء وسخر كل شيء ودبر كل أمر.

    وهو الرحيم الذي يرحم عباده إذا جازاهم بفضله وبرحمته سبحانه وتعالى، وهو بالمؤمنين رءوف رحيم.

    والله عز وجل أحسن كل شيء خلقه، فهو العزيز أمره أن يقول للشيء: كن فيكون على النحو الذي يريده سبحانه، لا يتخلف عما يريده الله سبحانه، ولا يكون على شيء آخر خلاف ما أراده سبحانه، فهو الذي أحسن أي: أتقن صنع كل شيء أوجده وخلقه.

    وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة:7] أي: بدأ خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام من طين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين)

    قال الله تعالى: ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:8] أي: ذريته.

    مِنْ سُلالَةٍ [السجدة:8] إذاً آدم خلق من طين، ونسل آدم من سلالة، من ماذا هذه السلالة؟ قال: مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:8].

    والسلالة هو الشيء الذي يسل من الشيء، وسل الشيء من شيء أي أخرج منه، ودائماً تطلق على الشيء الذي يكون مائعاً وليس بجامد فإذا وضعت في يدك ماء انسل من بين أصابعك، فكذلك خلق الإنسان فقد خرج من المني الذي يخرج منساباً من ظهر الإنسان بأمر الله سبحانه وقدرته، فيطلق على الشيء الذي يخرج خروجاً رقيقاً من شيء آخر سلالة.

    فيقول العلماء: إن السلالة هي التي سل منها الأشياء، فالإنسان مخلوق من تربة الأرض، آدم مخلوق من طين، وذرية آدم فيهم من هذا الطين، وكل إنسان مخلوق من تربة معينة فإذا مات الإنسان رجع إلى التربة التي خلق منها، فالله عز وجل خلق الإنسان من تربة من الأرض في البلد الفلانية، فإذا جاءت وفاة هذا الإنسان لابد وأن يموت في هذا المكان الذي كانت منه أصل تربته كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، فكأن كل إنسان مأخوذ من تربة معينة من الأرض ومن مكان معين، فمن الناس من هو صعب ومنهم من هو سهل بحسب ما أخذ من تراب هذا الإنسان، من جبل صعب، من مكان وعر، من مكان سهل، فيكون خلق الإنسان على ما خلق منه من تراب هذه الأرض فمنهم السهل ومنهم الصعب، ومنهم الطيب ومنهم الرديء، ومنهم الحلو ومنهم الخبيث، بحسب ما أخذ من تراب الأرض التي خلق منها، فكأن السلالة بمعنى التراب الذي خلق منه يسل من كل مكان وبمعنى المني؛ لأنه ينسل من الإنسان ويخرج منه خروجاً رقيقاً وقالوا: السلالة ما سل من صلب الرجل ومن ترائب المرأة، يعني من مني الرجل ومن بويضة المرأة، خرج هذا فانسل من هنا وهذا من هنا فالتقيا فكان الإنسان كما يسل الشيء من شيء آخر.

    كذلك يطلق على الإنسان أنه سليل، بمعنى مسلول فيقال: للإنسان هذا سليل كذا يعني من نسل كذا، ومعنى السليل؛ أنه خلق من سلالة وهو الماء الذي يسيل والمقصود منه المني، فقد أوجد الله سبحانه وتعالى هذا الخلق ودبر أمر نسله.

    مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة:8] يعني: من المني الذي يعتبره الإنسان شيئاً حقيراً لا يهتم له، فإذا خرج منه وأصاب ثوبه لزمه أن يغتسل من المني ويغسل ثوبه منه لأنه يستقذره، فأصل خلقة الإنسان هو ما يستقذره من نفسه وهو المني.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه ...)

    قال الله: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:9] أي: الله سبحانه وتعالى وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة:9] فالله الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.

    والخالق يقدر الشيء لأنه المقدر، والإنسان حين يتكلم عن صنع شيء بين البشر يقول: المبنى الفلاني اعمل فيه كذا واعمل كذا واعمل كذا، هذا الخلق بمعنى التقدير.

    ثم البرء الإيجاد، ثم إعطاء الصورة لهذا الشيء ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى فهو الخالق البارئ المصور سبحانه.

    والخالق هو الذي يقدر الشيء فيكون على ما قدره سبحانه، ومستحيل أن يتخلف عما قدره الله، الإنسان هذا طويل وهذا قصير، هذا أبيض وهذا أسود وهذا أحمر، هذا فيه كذا وهذا فيه كذا يقدر الشيء فيقول: كن فيكون على ما قدره الله سبحانه، فهو الخالق. البارئ الذي أوجد الشيء من عدم.

    المصور الذي أعطى للمخلوق

    الصورة التي هو عليها، هذا صورته كذا وهذا صورته كذا، فإذا جاءت كلمة الخالق وحدها فإنها تعني هذه المعاني كلها، فإذا جمعت هذه الأسماء له سبحانه الخالق البارئ المصور ففيها المعاني التي ذكرنا خلق، قدر، برأ، أوجد من عدم، صور، أعطى الصورة للمخلوق فجعله على هيئته التي أراد الله سبحانه وتعالى.

    جعل الإنسان سوياً يمشي على قدميه، منتصباً في قامته، مستوياً في خلقته، جميلاً، فالله هو الذي سواك فعدلك سبحانه.

    وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة:9] نفخ في آدم من روحه سبحانه، ونفخ في بني آدم من روحه، فكل إنسان يوجده الله سبحانه يخلق في بطن أمه فيمكث نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يحوله الله سبحانه وتعالى إلى عظام وإلى لحم على هذه العظام، ويرسل الملك فيأمره بنفخ الروح في هذا المخلوق.

    فشرف الله عز وجل الإنسان بأن نفخ فيه من روحه، ونسب الروح إليه سبحانه وتعالى، وكل شيء ينسب خلقه إلى الله سبحانه، فهذه سماؤه سبحانه، وهذه أرضه، وهذا مسجده، وهذا بيته، وهذا يختص بالله سبحانه وتعالى وهذا عبده أي: أنه عبد لله سبحانه وتعالى.

    إذاً المقصد أن كل شيء خلقه الله فهو مختص بربه سبحانه وتعالى، فينسب إلى ربه سبحانه، وسماء الله يعني السماء التي أوجدها الله وخلقها الله، وأرض الله يعني: الأرض التي أوجدها الله وجعلها للبشر يعمرونها ويعيشون فوقها وينتفعون بما فيها، ونسبت إلى الله سبحانه لأنه هو الذي خلقها، وهو الذي أوجدها، فهذا خلق عظيم أوجده الله سبحانه فشرفه بنسبته إليه سبحانه.

    كذلك روح الله سبحانه معناه: روح أوجدها الله وخلقها الله وجعلها سراً من أسراره لا يطلع عليها أحد أبداً، ولذلك قال في سورة الإسراء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] أي: مستحيل أن تصل إلى معرفة ما هي الروح؟ فالروح من الله سبحانه خلقة، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن أوجدها وجعلها حيث شاء، فهذا آدم وهذه ذريته فيهم من روح الله أي من الروح التي أوجدها وخلقها سبحانه وشرفها بهذه النسبة روح الله سبحانه وتعالى.

    والمسيح ابن مريم من ذرية آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، نفخ الله عز وجل فيه من روحه سبحانه، فليست له مزية على غيره في أمر الروح، آدم نفخ فيه من روح الله، والبشر نفخ فيهم من روحه سبحانه، والمسيح نفخ فيه من روحه، فليس في هذا حجة للنصارى الذين قالوا: عندكم في كتابكم أن المسيح هو روح الله، فإن في كتابنا أن آدم نفخ فيه من روح الله، وأن البشر نفخ الله عز وجل فيهم من روحه، وليس المسيح وحده، فليس لهم حجة في قولهم: المسيح هو الله حيث نفخ فيه من روحه، وهو كلمته، فهو ابن الله، وهو من الله عز وجل إذاً هو ثالث ثلاثة، وهو خالق وليس مخلوقاً! فنقول لهم: في القرآن ذكر الله عز وجل أن آدم نفخ الله فيه من روحه، وذكر البشر أنه نفخ فيهم من روحه، وذكر المسيح أنه نفخ فيه من روحه فلا مزية لأحد على أحد فكلهم فيهم من روح الله سبحانه وتعالى.

    ذكر الروح في كتاب الله

    وقد ذكر الله عز وجل الروح في مواضع من كتابه، منها قوله سبحانه في سورة الحجر وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:26-29].

    فأبو البشر آدم خلقه الله من صلصال، ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى، قال: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29] أي من روح عندي خلقتها وشرفتها وأكرمتها وطهرتها وجعلت فيها من رحمتي وأودعتها في هذا الإنسان المخلوق.

    كذلك في سورة ص ذكر الله عز وجل مثل ذلك، قال الله عز وجل: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص:71-72] فإذا جاء ذكر المسيح مرة أنه روح الله سبحانه فقد جاء ذكر آدم مرات أنه نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى.

    كذلك كلمة الروح في القرآن تأتي بمعنى جبريل الملك، يقول الله سبحانه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102]، فجبريل روح من الله، خلقها الله سبحانه وتعالى وقدسها فأضاف هنا والإضافة هي من إضافة الموصوف إلى صفته، يقول الله في جبريل عليه السلام نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [النحل:102] أي الروح المقدسة المطهرة التي طهرها الله، وكل الملائكة قد طهرهم الله سبحانه عن المعاصي وعن الأدناس وعن الأكل والشرب وغير ذلك، فالملائكة خلقهم الله سبحانه وتعالى كما يشاء، خلقهم من نور، وسمى جبريل بروح القدس، وفي موضع آخر في سورة الشعراء يقول سبحانه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:192-193] وجبريل عليه السلام روح الله سبحانه وتعالى أي روح خلقها الله وشرفها وطهرها وقدسها، فهذا جبريل روح من عند الله سبحانه، وهو مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.

    كذلك يسمي ربنا سبحانه الوحي الذي نزل من السماء روحاً من الله سبحانه؛ لأن به حياة الخلق، فقد كانوا ميتين في الضلالة، بعيدين عن ربهم، منغمسين في الكفر كالأموات، فأحياهم الله عز وجل بهذا الوحي العظيم الذي نزل من السماء، قال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ [غافر:14-15] الروح هنا هو الوحي المنزل بأمر الله عز وجل على من يشاء من عباده سبحانه.

    كذلك ذكر جبريل في سورة النبأ فقال: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ:38] فسماه ووصفه بأنه روح، والملائكة كذلك يقومون لرب العالمين سبحانه وهم مخلوقون خلقهم الله لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً.

    والمرة الوحيدة التي ذكر المسيح فيها على نبينا وعليه الصلاة والسلام بأنه روح من الله في سورة النساء فقال سبحانه يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] فذكر أنه روح من الله سبحانه وتعالى.

    ولما ذكر آدم قال: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29] ولما ذكر المسيح قال: وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] أي من عنده سبحانه وتعالى، فإذا احتجوا بأن المسيح روح من الله نقول: التعبير بروحي أخص من التعبير بروح منه أي من عنده سبحانه وتعالى، فهذه معناها أوضح في أنه روح من الأرواح أوجدها الله سبحانه وتعالى وخلقها فجعل منها المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

    ثم في الآية بعدها من سورة النساء يقول الله سبحانه: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ [النساء:172] هذا الروح الذي خلقه الله عز وجل لن يستكبر أن يكون عبداً لله سبحانه وتعالى، فليس المسيح كما يقولون: هو الله أو هو ابن الله أو هو ثالث ثلاثة! بل هو عبد لله والآيات ذكرت ذلك، فالذي يحتج بالآية الأولى يحتج عليه بالآية الثانية التي يذكر الله سبحانه وتعالى فيها أن المسيح عبد لله سبحانه وتعالى.

    كذلك ذكر الله سبحانه كلمة روح فقال عن المقربين يوم القيامة فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ [الواقعة:88-89] على قراءة، و(رُوح) على قراءة ثانية، روح أي: استرواح وراحة عند الله سبحانه من شقاء الدنيا وتعبها، فروح وريحان أي رحمة من الله سبحانه وتعالى، فالروح يعبر بها عن رحمة رب العالمين سبحانه، ويعبر بها عن الوحي الذي ينزل من السماء، ويعبر بها عن الملائكة وعن جبريل عليه السلام، ويعبر بها عن شيء خفي وسر من أسرار الله عز وجل خلقه سبحانه ولم يطلع أحداً عليه، قال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85] يعني: لن تصلوا أبداً إلى معرفة حقيقة الروح ولا كنه هذه الروح التي خلقها الله سبحانه وتعالى.

    معنى قوله تعالى: (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة)

    قال سبحانه: ثُمَّ سَوَّاهُ [السجدة:9] أي آدم، وخلقه قال: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [السجدة:9] إن نعم الله عظيمة فلا تقدر بمال أبداً, ومن نعم الله: السمع، والبصر، والقلب، والفؤاد والسمع نعمة من الله يعرف هذه النعمة من فقد سمعه، والإنسان الأصم قد يدفع ثروته كلها لمن يرد إليه سمعه، فتراه يضع سماعة لكي يسمع ويفعل ما يستطيع عليه لكي يسمع.

    والبصر نعمة لا يعرف قدر هذه النعمة إلا من فقد نعمة البصر، والإنسان الأعمى يتمنى أن ينظر نظرة واحدة ويدفع مقابلها جميع ما يملك, هذه النعمة التي ينسى الإنسان أن يشكر ربه سبحانه وتعالى عليها.

    والفؤاد قلب الإنسان وعقله فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، فقلب الإنسان الذي يعقل به والذي يبصر به نعمة من الله سبحانه وتعالى يجب على العباد أن يشكروها.

    لكن إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات:6] أي: جحود لنعم الله سبحانه، ينسى النعم العظيمة وينظر في أشياء قليلة وحقيرة فيقول: الله ما أعطاني مال، وينسى هذه النعم التي لا تقدر بمال قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:9] أي: شكركم قليل، فاشكروا الله سبحانه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]

    نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم, وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756004252