إسلام ويب

تفسير سورة الجاثية [17 - 20]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بنعم عظيمة، أجلها وأعظمها: أن هدانا لهذا الدين القويم، فليتمسك به المسلم وليعض عليه بنواجذه، وليحذر من التفريط فيه طرفة عين، ولا يلقي بالاً لخزعبلات الذين لا يعلمون، وإن أبى فإنهم لن يدفعوا عنه مثقال ذرة من سخط الله إن حق عليه، فلابد من التمسك بحبل الله المتين، وولاية عباد الله الصالحين، ومعاداة وبغض القوم الظالمين من الكافرين والمنافقين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الجاثية:

    ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [الجاثية:18-20].

    لما أخبر الله سبحانه تبارك وتعالى أنه آتى بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة، وأنه رزقهم من الطيبات، وامتن عليهم بأن فضلهم على العالمين، وآتاهم بينات من الأمر، وعرفوا الحق من الله عز وجل، فاختلفوا فيما بينهم، وحسد بعضهم بعضاً على ما آتاهم الله عز وجل من نعم، قال: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [الجاثية:17] أي: أنهم اختلفوا وهم على علم، وهم يعرفون الكتاب الذي أنزل عليهم، ويعرفون الحق الذي أراده الله سبحانه، فاختلافهم كان بعد أن عرفوا ذلك وعلموه من نبيهم عليه الصلاة والسلام، فأخبر سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الجاثية:17] أي: وإن تركهم في الدنيا فهو يملي لهم سبحانه، وكيده متين، ثم يوم القيامة يحاسبهم ويعذبهم على ما صنعوا، وقد استحقوا أن يلعنهم الأنبياء من بني إسرائيل على تكذيبهم وعلى إعراضهم وبغيهم وحسدهم بعضهم بعضاً، فالله سبحانه وتعالى حين يذكر هذا عن بني إسرائيل فكأنه يحذر أمة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يقعوا فيما وقع فيه هؤلاء، فقد جاءنا من الله عز وجل نور وكتاب مبين، جاءتنا شريعة كاملة من رب العالمين، فيحذرنا الله عز وجل من أن نختلف كما اختلف بنو إسرائيل فيكون مصيرنا كمصيرهم، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ، والشريعة: هي الملة، أي: جعلناك على ملة، جعلناك على طريقة مرضية، يرضى الله عز وجل عنها، فقد رضي لكم الإسلام العظيم ديناً، كما قال سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فالإسلام هو شريعة رب العالمين سبحانه، فهو منهج وملة وطريق ومذهب يذهبون إليه، وتشرعون فيه، فهو الشريعة العظمى، والشريعة بمعنى المقصد، تطلق على مورد الماء الذي يرده الجميع، والشارع: الطريق الأعظم الذي يسير فيه الجميع، فهذه شريعة رب العالمين، وهي طريق الله الأعظم، وملة رب العالمين، ودين الله الذي ارتضاه لعباده، وجعله لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ أي: شريعة من أمر الله، فنحن الذين أمرنا بها، ونحن الذين هديناكم إليها ووجهناكم لها، فالشريعة من أمر الله سبحانه ليست من أمر غيره.

    فَاتَّبِعْهَا يقال هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد اتبع هذه الشريعة، وقد بلغها صلى الله عليه وسلم، فكأنه من باب: إياك أعني واسمعي يا جارة، فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم: افعل كذا واحذر من كذا، وهو قد فعل كذا وقد حذر من كذا، ولكن المقصود أن يقال للأمة: إذا كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يخاطب بذلك فأنتم المقصودون والمعنيون بذلك، وأنتم أولى بهذا الخطاب: فَاتَّبِعْهَا ، فهو يتبع والأمة تتبع وتتأسى به، كما قال سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، صلوات الله وسلامه عليه.

    قال: فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي: لا تتبع أهواء هؤلاء الكفار الذين علموا ظواهر من الأمر ولم يستيقنوا بذلك، علموا أن هناك جنة وأن هناك ناراً، وأن الله عز وجل سيحاسبهم يوم القيامة، علموا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكن ليس علم يقين عندهم، فشكوا، وكان علمهم مجرد معرفة، فقد عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يتبعوه أنفة وحمية وعصبية، ورأوا أنهم أولى منه بالرسالة، فرفضوا دين رب العالمين، وشككوا حتى صار الأمر في قلوبهم الشك فيما جاء به النبي صلوات الله وسلامه عليه، فعلمهم بما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم كلا علم.

    كذلك عرفوا القرآن ولكنهم لم ينتفعوا به، إلا أنهم وجدوا له حلاوة، وعليه طلاوة، وأنه كلام جميل، أما أنهم يتبعونه فقد رفضوا ذلك، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، -إذا أراد أن يتبعوه- أن يبعد عنه الضعفاء وعن الصغار، وأن يبعد عن هؤلاء العبيد؛ لأنهم هم السادة الكبار، ولا يجلسون مع أمثال هؤلاء، وهذا هوى في قلوبهم، فالدين يذلل العباد لرب العباد سبحانه تبارك وتعالى، يخرجهم من الظلمات إلى النور، يخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار، اسمعوا إلى كلام ربعي بن عامر حين كلم عظيم الفرس وقال له: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار، فالله عز وجل ابتعث النبي صلى الله عليه وسلم فأمر المؤمنين، فخرجوا مبعوثين من قبل رب العالمين يدعون الخلق ويخرجونهم بإذنه سبحانه من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

    قال تعالى: فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ، فقد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اذكر آلهتنا بخير ونحن نتبعك، يعني: يريدونه أن يقول: إن الأصنام هذه على خير، أي: أنها تنفع وتضر، فإذا قلت ذلك فإننا سوف نتبعك وهل ترى أن هؤلاء سيتبعون النبي صلى الله عليه وسلم حقاً أم أنهم يريدون شيئاً آخر؟ هم يريدون أن يوقعوا النبي صلى الله عليه وسلم في كلام يأخذونه عليه، فيقولون له: اجعل لنا يوماً ولهؤلاء يوماً، فنحن لا نجلس مع هؤلاء، فإذا فعل ذلك صلى الله عليه وسلم قالوا: انظروا إلى هذا الذي يدعو للمساواة، ويدعي أن الناس سواسية كأسنان المشط، وقد ميزنا على هؤلاء، إذاً دعوته هذه دعوة باطلة!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً...)

    كان الكفار يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اذكر اللات والعزى بخير ونحن سوف نتبعك فيما أنت عليه، فربنا يحذر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [الجاثية:18-19]، فهم لن يغنوا عن أنفسهم فضلاً عن أن يغنوا عن غيرهم، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:19].

    فالكفار -بل الخلق جميعهم- لا يغني أحد عن نفسه ولا عن غيره أمام رب العالمين، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46]، فلا يقدر أحد أن يغير شيئاً مما كتب عليه عند الله سبحانه يوم يحاسب، والمنافقون يوم القيامة يحلفون لله عز وجل، ويكذبون على الله، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة:18]، فيفضحهم الله عز وجل، ويجعل أفواههم مكتومة، وتنطق عليهم جوارحهم فتكذبهم بما كانوا يقولون ويفترون.

    فقوله سبحانه: إِنَّهُمْ أي: إن الكفار، وإن الناس جميعهم: لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ، هذا في الدنيا، أي: في الدنيا الظالمون بعضهم أولياء بعض، والظالمون يدخل تحتها كل من ظلم نفسه وظلم غيره، يدخل تحتها الكفار المشركون الذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله، يدخل تحتها اليهود والنصارى الذين قالوا على الله سبحانه قولاً عظيماً، كما قال عنهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، يدخل تحتها المنافقون الذين ظلموا أنفسهم، وظلموا النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكادوا للإسلام والمسلمين، وأرادوا إدخال الخلل والفساد في قلوب المسلمين.

    وهنا الله عز وجل نكر (شيئاً) فقال: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، والنكرة في مقام النفي تدل على أقل القليل، أي: إنهم لن يغنوا عنك من الله ولو شيئاً يسيراً.

    التحذير من ولاية الظالمين

    ثم قال سبحانه: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ [الجاثية:19] أي: في الدنيا، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الجاثية:19] يحذر الله عز وجل المؤمنين من الظلمة ومن الكفرة، وكأنه يقول لهم: إن الذي يتولى أمركم هو من كان على دينكم، وهو من يحبكم لله عز وجل، أما الذين يكرهونكم في الله، والذين يكيدون لكم، حتى وإن أظهروا أمامكم التسامح والمساواة والحرية والديمقراطية، فهؤلاء كاذبون، مجرمون، اخترعوا هذه الأشياء ليضيعوا عليكم دينكم، قال: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الجاثية:19] أي: أن الظلمة الكفرة من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين ينصر بعضهم بعضاً، فإن الولاية تأتي بمعنى الدفاع وبمعنى الدفع والنصر، فهؤلاء الكفار أعداء لكم، يتولى بعضهم بعضاً عليكم أنتم -أيها المسلمون- وينصر بعضهم بعضاً عليكم، يأتون ويجمعون أنفسهم ليقاتلوكم وليخرجوكم عن دينكم، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، والذي قال ذلك وشهد به ليس نحن، هذا رب العالمين سبحانه، الذي يعلم خلقه، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، علم ما في القلوب، فمهما تبسم لك الكافر، فالله أعلم بما في نفسه، والأيام تظهر للمسلمين غباء ما كان في عقولهم حين صدقوا هؤلاء، وتركوا ما قاله الله سبحانه تبارك وتعالى، قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]، وما قاله سبحانه: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض .

    قد أخبر عن حقيقتهم بقوله: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، أخبر الله بذلك وإذا بالمسلمين تأخذهم أمور الدنيا ويقولون: هؤلاء متقدمون، هؤلاء يحبون الدنيا كلها، هؤلاء يعملون كذا، هؤلاء يعملون كذا، هذه العداوة وهذا التحذير في اليهود والنصارى الذين كانوا أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وربنا يحذر المؤمنين في كل زمان، احذروا من هؤلاء، فإن عدوك هو عدو دينك، فمن عادى دينك فهو يعاديك حتى وإن أظهر لك المسالمة، وإن أظهر لك أنك حبيب له، فإنه يظهر ذلك حين تكون قوياً، أما حين تكون ضعيفاً، فإنه يظهر هذه العداوة، فهم يقولون مثلاً: إن السخرية من الأديان ممنوعة، وهم ماذا يعملون اليوم؟ هؤلاء يسبون الإسلام، ويسبون المسلمين، وكل يوم يأتون بشيء جديد، فهذه الدنمارك شتمت النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجت الصور السافلة التي تدل على حقارتهم ودناءتهم، وأنهم كلاب مجرمون خنازير، ثم تبعتها فرنسا، وبعدها النمسا، ثم بعد ذلك يظهر الرؤساء من فرنسا وأمريكا ويقولون: لا، هذا الشيء عيب، ثم تأتي صحفهم وتنشر هذا الشيء، وبعد هذا يقولون للمسلمين: اتركوا الإرهاب الذي أنتم فيه، وحاولوا تتعودوا على المسامحة الدينية، أي: نحن نضربكم وأنتم تسامحوننا! نحن نقتلكم وأنتم تسامحوننا! نحن نحتل دياركم وأنتم تسامحوننا! لكن العكس لا، فهم غير ممكن أن يقبلوا من المسلمين ذلك، فمجرد أن إيران قالت: إنها ستصنع قنبلة ذرية، أو إنها ستقوم بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، فقالوا لها: لن نسمح لكم بهذا الشيء، حتى فرنسا التي أصبحت الآن لا يؤبه بها تريد أن ترجع الآن لأيام نابليون ، فتقول: عندنا الخيارات مفتوحة، ونحن سوف نتصرف معها، يعني: تريد تقول: نحن كذلك ما زلنا من أيام نابليون نحكم العالم، ولنا كلمة الآن، وممكن نتصرف مع إيران مثلما نريد، ونبعث لها الذي نريد، ولنا الخيارات التقليدية والغير تقليدية، يعني: نحن ممكن نرسل قنبلة ذرية من عندنا على إيران، لنا الخيار، من الذي أعطاهم هذا الخيار؟ إنه خيبة المسلمين، وخيبة العرب، بعدهم عن دينهم، تكذيبهم لربهم سبحانه، فربنا قال لنا: احذروا من هؤلاء، فقال بعض المسلمين: هؤلاء تغيروا، وهم لم يتغيروا، فإن في قلوبهم الغل، وفي قلوبهم البغض للإسلام والمسلمين، وفي فرنسا لما قتلوا واحداً من المسلمين هنالك، وخرج العرب بمظاهرات، قالوا: هؤلاء حثالة المجتمع، هؤلاء المشردون من المجتمع، هؤلاء المفروض أن يرجعوا لبلادهم، هؤلاء كذا، وشتموا العرب، وشتموا الإسلام والمسلمين، وظهر هؤلاء أمام العالم كله يتكلمون بأن هؤلاء مجموعة من المتظاهرين، ولم يقولوا: إنهم مسلمون، وهذه حقيقة الأمر، أنهم عرب وأنهم مسلمون، فأظهروا للعالم أن هؤلاء السفلة والأوباش، وأنهم لم يتعلموا شيئاً، وأن المفروض أن يرجعوا إلى بلادهم؛ لأنهم جهلة.

    وهكذا أصبح المسلمون لا يتعلمون إلا حين تحتل ديارهم، ويظهر المنافقون فيهم ليأتي الأمريكان وغيرهم يسلطونهم على المسلمين في ديارهم، فقد سلطوا المنافقين في العراق على أهل العراق، حتى جأر أهل العراق وقالوا: سجون الأمريكان أرحم من سجون المسلمين، قالوا هذا الشيء؛ لأن هؤلاء الذين يتسلطون على المسلمين ليسوا مسلمين، الذين يقومون بسجن وتعذيب المسلمين ليسوا مسلمين، فالكافر يأتي إلى بلاد المسلمين ولا يريد أن يجلس فيها، بل يريد أن يأكل خيراتها، وأن يولي عليها منافقين يطيعونه فيما يقول، ولذلك انظروا ماذا عملوا في العراق، أول ما دخلوه استولوا على منابع البترول على الأراضي المحيطة بالفرات؛ لأن هدفهم أخذ خيرات العراق، وإقامة دولتهم الصليبية، وذلك أن الكنيست الإسرائيلي معلق فيه: دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وستظل إسرائيل تعمل إلى أن يتم ذلك، فتحتل الدول العربية، وتأخذ ما تريد منهم تحت ضغط الحرية والديمقراطية والحداثة، وكأنهم يقولون: دعوا الجهل الذي أنتم فيه إلى غاية أن نحتل بلادكم، ثم يجد المسلمون في النهاية أنفسهم لا يملكون شيئاً، فضاع منهم دينهم، وضاعت منهم ديارهم وأموالهم، وأخذ الغرب ذلك، إلا أن يفيق المسلمون لأمر الله عز وجل، ويرجعوا إلى دينه.

    قال الله تعالى: َإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أي: لن يكونوا أولياء لكم أيها المسلمون، وإنما هم يوالي بعضهم بعضاً، وينصر بعضهم بعضاً، وسيكونون عليكم في يوم من الأيام.

    ثم قال تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ، فلم يقل: ولي المسلمين؛ لأن الكل يقول: أنا مسلم، وإنما قال: وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ أي: الذين اتقوا الله سبحانه وآمنوا به، فما قالوا: نحن مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعلون القرآن معلقاً في السيارة أو في البيوت ولا يعرفون عنه شيئاً، ولا قاولا: نحكم بالشرائع المدنية، والقرآن هذا كان في الزمان الأول، فهو كتاب رجعي، دعنا في الشرائع المدنية الآن!

    فليس هؤلاء الذين يقولون الإسلام بألسنتهم هم أولياء الله، وإنما أولياؤه الذين اتقت قلوبهم ربهم سبحانه، دخل الإيمان فعمر قلوبهم، ونورها، خافوا من ربهم سبحانه، فعملوا ليوم الحساب، وعملوا لتحصيل تقوى الله سبحانه فحصلوها، واتقوا غضبه سبحانه، فهؤلاء هم الذين يتولى الله عز وجل أمرهم ويدافع عنهم، فقال سبحانه: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ أي: نصير ومدافع.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هذا بصائر للناس...)

    قال تعالى: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ [الجاثية:20]، يعني: جعلنا لكم المحجة البيضاء أمامكم بصائر، أي: كأن الجميع يبصر ما في الدين؛ لشدة وضوحه، وبيانه.

    فقوله: هَذَا بَصَائِرُ أي: قد بصرناكم وقد أعذر من أنذر، وما قصر من بصر.

    قوله: وَهُدًى [الجاثية:20] أي: هدى للناس، فيهدي الله عز وجل الخلق بهذا الدين، فمن استجاب فقد هداه الله عز وجل ورحمه، كما قال سبحانه: وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [الجاثية:20] أي: يهدي الله المؤمنين ويرحمهم عز وجل، ويرفع عنهم مقته وغضبه وعذابه في الدنيا والآخرة.

    نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المؤمنين، المتقين، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755891935