إسلام ويب

فرصة الرجوع إلى اللهللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من نعم الله العظيمة علينا أن جعل لنا مواسم نعرض فيها أنفسنا على الكتاب والسنة، ونراجع أنفسنا فيما بيننا وبين خالقنا جل وعلا. ومن هذه المواسم التي وهبها الله لهذه الأمة شهر رمضان بما يحمله من رحمات، وما يحويه من أحكام تجعل المسلم راغباً في الرجوع إلى ربه، والأوبة إلى خالقه وباريه. وهذا الموسم على ما فيه من المزية والفضل إلا أنه لا يخلو من الأخطاء التي يرتكبها البعض من إسراف في المآكل والمشارب، والسهر في غير ما طاعة، والتكاسل عن السعي في طلب الرزق بحجة الصيام والقيام، وغيرها من الأخطاء التي جرى التنبيه إليها في هذه المادة.

    1.   

    فضل شهر رمضان وأهميته

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تبق فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروما.

    اللهم خذ بنواصينا إلى الخير، وأعنا على طاعتك وعلى شكرك وذكرك وحسن عبادتك، واصرفنا يا مولانا عن السيئات والمعاصي والذنوب، فإنه من تقِ الذنوب والمعاصي والسيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم.

    استقبال رمضان

    أيها الإخوة في الله: يستقبل المسلمون ضيفاً كريماً، وغائباً عزيزاً، طالما انتظروه بقلوبٍ مفعمةٍ بالشوق حينما يستقبلونه، وبالحزن والأسى والندم حينما يودعونه، ضيفٌ إذا جاء أقبل معه الخير، وجاءت معه البركات من كل جانب، شهرٌ عظيم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) ينادي منادٍ في أول ليلة من لياليه: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، مفتوحة على مصاريعها، إنها فرصة عظيمة لمن يريد أن يعود إلى الله، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وتغل فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى شيء مما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان.

    يضاعف الله فيه الحسنات، من عمل فيه حسنة كان كمن عمل ألف حسنة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، يغفر الله عز وجل في كل ليلة لعددٍ عظيم من الخلق، كلهم قد استوجبوا النار، وهو موسم لا ينبغي للمتاجر مع الله أن يدعه.

    رمضان موسم التجارة مع الله

    الناس الآن في حياتهم التجارية لديهم مواسم، فكل إنسان عنده تجارة لا بد أن يكون عنده جزء من العام، يضاعف فيه جهوده، أعطيكم مثالاً الآن: تجار الملابس والأزياء يعدون للصيف ملابسه ويعدون للشتاء ملابسه، فإذا جاء وقت الشتاء فماذا يجهزون؟ الأصواف (والأكوات والفنايل والشراريب والغتر) التي تصلح للشتاء، ويعرضونها ويكثرون منها في هذا الفصل، فإذا جاء الصيف فإنهم يأخذون كل هذه الملابس ويردونها إلى المخازن ويأتون بشيء يصلح للصيف، وهكذا كل تاجر يعرض ما يناسب في الوقت المناسب، وأيضاً يعطي رعاية لهذه البضاعة التي يقدمها ويقبل عليها الناس في هذا الموسم.

    والناس كذلك في تجارتهم مع الله التجارة الرابحة التي يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29] والتي يقول فيها عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] هذه التجارة الرابحة مع الله عز وجل على مدار العام، عبر فرائض محددة، وواجبات معينة، ومنكرات ممنوعة، وكبائر محذورة، ولكن هناك فرص ومواسم يتيحها الله لأهل هذه التجارة ليضاعف لهم الحسنات.

    ومن أعظم المواسم التي مَنَّ الله بها على هذه الأمة: شهر رمضان المبارك، وهو فرصة لمن أراد أن يتوب، وإن الله عز وجل يقبل توبة التائبين في كل وقتٍ، ولكن في رمضان يزيد فتح عطائه على الناس: فيا من جفت روحه! ويا من قسا قلبه! ويا من قاده شيطانه واستفزه إلى المعاصي والذنوب! هاهي فرصتك لتتوب عبر هذا المشوار العظيم مع الله عز وجل في شهر رمضان.

    رمضان دورة تدريبية للمؤمنين

    وهو أيضاً دورة تدريبية إلزامية للمؤمنين على العمل الصالح، يلزم الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا ضمن هذه الدورة التدريبية التي مدتها شهر، يتدربون فيها على الصيام، ويتدربون فيها على القيام، ويتدربون فيها على الإنفاق، ويتدربون فيها على الصبر والتحمل وكظم الغيظ، ويتدربون فيها على حفظ أسماعهم؛ لأنهم صائمون، فكيف يصوم ويسمع الأغاني؟!

    ويتدربون فيها على حفظ أبصارهم، كيف يصومون ويطلقون أبصارهم في الحرام؟!

    ويتدربون فيها على حفظ ألسنتهم، إذ كيف يسوغ لهم أن يصوموا عن الحلال ويفطرون بألسنتهم على الغيبة والنميمة، والكذب واللعن، والسب والشتم وشهادة الزور؟ وهذه أصلها حرام قبل الصوم وفي رمضان صارت أشد حرمة! وبهذه الدورة التدريبية يطبع المسلم نفسه على أخلاق أهل الإيمان فلا ينتهي رمضان إلا وهو متدرب، ويبدأ بعد رمضان حياة الإيمان متكاملة، هذا هو الذي قبل الله صيامه أن يكون حاله بعد رمضان أعظم منه قبل رمضان، دورة تدريبية إلزامية.

    1.   

    فرض الصوم والحكمة من ذلك

    صيام رمضان ركن من أركان الإسلام

    هذه الفريضة العظيمة ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه، يقول الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ [البقرة:183] ومعنى كتب: فرض وأوجب عليكم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184] وهذه الفريضة قد فرضها الله عز وجل على سائر الأمم من قبلنا، فما من أمة بعث إليها نبي وأنزل إليها كتاب إلا وقد فرض عليها الصوم، ولكن يختلف في الهيئة والكيفية، والعدد والمدة والكمية عنه في هذه الأمة؛ لأن الله يقول: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] ولكن المدة تختلف عن مدتنا، فكان من ضمن صومهم الكلام، يمسكون عن الطعام والشراب والنكاح وأيضاً عن الكلام، فمن تكلم كلمة بطل صومه، ولهذا قالت مريم لما قابلها قومها: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً [مريم:26]* فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً [مريم:27]* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] فما تكلمت بل أشارت؛ لأنها لو تكلمت لأفطرت ونقضت صومها: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً [مريم:29]* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم:30]* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31] فالصوم فريضة عظيمة.

    الحكمة من فرض الصوم

    ثم بين الله عز وجل العلة التشريعية من فرضية هذا الصيام فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي: هذه الفريضة الغرض من فرضها أن تتقوا الله، والعلماء يقولون: إن جميع الشرائع الغرض منها أن يتقي العبد ربه، لكن على وجه الخصوص الصيام؛ لأنه عبادة قلبية لا تظهر لأحدٍ على وجه الأرض، ولا يمكن أن يكتشف ما في قلبك أحد أو يعرف أنت صائم أم مفطر إلا الله، إذ بإمكانك أن تتظاهر للناس، فتتسحر مع أهلك السحور، وتخرج مع الناس صائماً في رمضان، ولكن تستطيع أن تختفي عن أعين الناس وتتناول شيئاً من المفطرات ولكن الله يراك، ولذا الذي لا يتناول شيئاً من المفطرات لا مع الناس ولا مع نفسه يبرهن على أنه يتقي الله، ويدلل على أنه يشعر برقابة الله، ولذا جاء في الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فالصوم خالص لله ليس لك؛ لأنك تعبد الله فيه كأنك تراه، فأين تذهب؟ أتدخل في الغرفة لتأكل؟ لكن ربي يراك، ولذا إذا لم تأكل وأنت لوحدك ولا أحد يراك دللت على أنك تراقب الله، وأنك تؤمن بأن الله يراك، وهذه مرتبة المحسنين، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين : (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا).

    والله فرض هذا الصيام لحكمٍ جليلة أعظمها وأهمها كما قلت: أن يتقي العبد ربه وأن يشعر بمخافة الله.

    الحكم الأخرى من فرضية الصيام

    ومن ضمن الحكم التي شرعها الله عز وجل في حكمة الصيام التي يذكرها العلماء في كتبهم: أن يشعر الإنسان بـ(لذعة) الجوع أثناء رمضان، فيحس ويدرك أن هناك فقراء من المسلمين يشعرون بهذه الـ(لذعة) وهذه الحرارة من الجوع على سائر أيام العام، هناك فقراء في العالم الإسلامي رمضان عندهم ليس شهراً واحداً، بل هو عندهم سنة كاملة، لا يعرفون كيف يأكلون، وقد رأيتم فيما عرض عليكم في الذين اجتاحتهم المجاعة في أفريقيا من المسلمين المساكين لما قدمت لهم الأطعمة ما استطاعوا أن يأكلوها، أحدهم ليس متعوداً أن يأكل هذا الطعام، وهناك أناس يعيشون طوال العام على الفقر، ويعانون من آلام الجوع طول الزمان، فالله عز وجل أذاقك هذه الحرارة وهذه الـ(لذعة) من أجل أن تواسي إخوانك المسلمين بجزء من مالك، وتتعرف على الفقراء، وتعطيهم حتى يعطيك الله عز وجل يوم القيامة.

    من ضمن الحكم: أن يستعلي الإنسان على شهواته وعاداته، فيبرهن بقوة إيمانه أنه أكبر من الشهوات وأكبر من العادات، أنا متعود أن أتغدى كل يوم لكن الله أمرني بالصيام، إذاً لا أفطر، أنا كنت أغضب لأتفه الأسباب وكنت عصبي المزاج وحاد التصرف؛ لكن إذا كنت صائماً فلو ضربني الناس فسأقول: اللهم إني صائم، ولهذا جاء في الحديث: (فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) يقول: أنا فوق، أنا لست في درجتك يا من تسبني! يا من تستثيرني! يا من تريد أن تسحب لساني فأقع معك في معصية تفسد عليَّ صومي، أو تنقص عليَّ أجري.. أنا صائم، ولذا فسب، واعمل ما شئت، قل ما تشاء، أنا لا أنزل إلى مستواك .. أنا صائم.

    هذا انتصار على النفس، هيمنة وسيطرة وقوة على النفس البشرية.

    ومن ضمن الحكم أيضاً: حفظ الصحة للعبد، وفي الحديث وهو في السنن : (صوموا تصحوا) والعلماء الآن يقولون: إن في الغرب -أمريكا وأوروبا - العلاج الآن بدأ بأسلوب جديد من الأساليب الحديثة هو أسلوب العلاج بالصوم؛ لأن المعدة والجهاز الهضمي على مدار العام يحصل لديه تعب من كثرة ما يتناول الإنسان فيه من الأكل، ويحتاج إلى إجازة، كما أن الموظف عندنا الآن يحتاج إلى إجازة سنوية، فكل سنة يأخذ له شهراً يرتاح فيه من أتعاب العمل ومشاكل العمل، ويأخذ أهله وزوجته وأولاده ويذهب إلى مكة ، أو يذهب إلى أهله في القرية من أجل أن يجدد نشاطه ويعود إلى العمل بنفسية منفتحة، وبقلب مشرق، وبأداء متميز لماذا؟ لأن الإنسان يتعب من الدوام المتكرر كل يوم، فيعطونه في أنظمة العمل وفي أنظمة الموظفين شهراً إجازة، ولله المثل الأعلى.

    هذه المعدة عبر توالي الشهور والأيام عليها وهي تشتغل في الصباح وفي الظهر وفي المساء، فلا بد لها من إجازة، فأعطى الله للمسلمين شهراً من أجل أن يعطوا راحة لهذه المعدة من كثرة الطعام.

    فهم الناس لرمضان على غير مراده

    المصيبة أن الناس فهموا رمضان على غير مراده، فهموه بغير الطريقة التي أرادها الله منهم، ففهموه أنه شهر أكل، وشهر مطاعم ومشارب، وشهر تفنن في تنويع الأكلات، ولذا ترون التجار يستغلون هذه الموسم فيجلبون البضائع والأنواع التي تطلب منهم في رمضان ويعرضونها.

    انظر الآن أمام الدكاكين؛ كل تاجر يعرض المكرونة والشعيرية والعصيرات والكريمات وهذه الأصناف التي تشترى منهم في رمضان، ويأتي الرجل في أول رمضان، بدلاً من أن يشعر بأن من واجباته أن يخفض المصروفات، فإذا كان يستغرق في كل شهر ذبيحة واحدة، فبحكم دخول رمضان ينبغي أن تخفف الذبيحة إلى ذبيحة إلا ثلث، لأن الوجبات كانت في الماضي ثلاث وجبات، وفي رمضان تصبح وجبتين (عشاء وسحور) فالفطور لا يحسب؛ لأنه تمرة وفنجان قهوة لكن الآن بدلاً من أن كانت الذبيحة واحدة في الشهر صارت في رمضان ثلاث ذبائح، يعني: ليتنا جعلنا رمضان مثل شعبان وشوال، لكنا زدنا على رمضان أضعاف ما يحتاجه رمضان، وبعد ذلك ليست ذبيحة واحدة وإنما ذبائح من الغنم، ومن الدجاج، ومن الأسماك، ومن الطيور، وبعد ذلك من جميع ما لذ وطاب مما منح الله العباد من الأرزاق.

    1.   

    مخالفة الناس لآداب رمضان

    الإسراف في المآكل في رمضان

    يحصل الآن مبالغة، وعند الناس عرف وعادة فيقال: سنة ما تخدم شهر ليست سنة، أنا أوفر حق سنة من أجل آكله في رمضان كله، فهو: يريد أن يحارب الجوع بأي وسيلة، فلا تراه في نهار رمضان أو قبل رمضان إلا مستعداً بالكراتين، وقد قلت للإخوة اليوم في الثانوية التجارية: إن واحداً من الأقارب اطلعت على بيان قدمته له زوجته بمطالب رمضان وإذا فيه (كرتون مكرونة) -وكان هو وزوجته وطفلان معهم- (كرتون شعيرية)، (كرتون نشا)، (كرتون قطر الموز)، وأنا كل شيء فهمته إلا (كرتون قطر الموز)، قطر الموز العلبة منه تكفي سنة؛ لأنك تضع على المحلبية قطرتين أو ثلاث من أجل تغيير النكهة، لكن أن تشتري (كرتوناً) لماذا؟ فلما قرأ علي قلت: يا أخي! لماذا هذه (الكراتين).. من الذي سيأكل عندكم؟ قال: رمضان كريم! قلت: رمضان كريم من أجل تأكل ما في السوق؟ رمضان كريم من أجل أن تكون أنت كريماً، من أجل توفر جهداً مما عندك وجزءاً من مصروفاتك في شعبان وتصرفها على الفقراء والمساكين، تتعرف على الجيران، تأتي وأنت في الحي فتفيق في لحظة من اللحظات وتبحث عن البيوت التي بجوارك فتجد هذا موجوداً وهذا غير موجود، وهذا راتبه قليل، ثم تتعرف عن طريق السؤال وعن طريق التقصي على بيتٍ من بيوت جيرانك وتعرف أنه محتاج، فتأخذ الثلث الزائد أو أكثر منه من المصاريف وتذهب إلى السوق، وتشتري لهم نصف ذبيحة، وتضع معها من العلب التي تعتادها الناس في رمضان: الشربة، و(المكرونة)، والعدس وغيرها، ثم تحملها وتذهب بها إلى الفقير فهذا معنى (رمضان كريم) يعني: أن تكون أنت كريماً، أما كريم على بطنك فقط فهذا ليس بكرم، الكرم أن تخرج هذه الأشياء لمن يستحقها من عباد الله المؤمنين، فتجده يكدس ويملأ الدنيا فإذا بدأ رمضان، ففي الصباح بعد أن يخرج من دوامه يذهب إلى السوق، ويمضي ساعة أو ساعات وهو متنقل في البقالات وفي الأسواق المركزية، ولا يأخذ بيده، ولا يأخذ (بقرطاس)، بل يأخذ (عربية) ويطوف على كل ما في الدكان، ثم يملأها، شيء يأكله وشيء لا يأكله، بعض الناس يضع أشياء تفسد وتنتهي مدتها وهي في البيت، فلا يأكلها، لكن يريد أن يدفع عربية أمام الناس ليقولوا إنه كريم، وإنه إنسان يشتري لأولاده من كل ما لذ وطاب، ولكن لو طلبت من هذا الكريم عشرة ريالات للمجاهدين الأفغان أو لفقيرٍ مسكين لصعبت عليه العشرة الريالات، وكأنها مليون ريال، يقول:

    وعند مراد الله تفنى كميتٍ     وعند مراد النفس تشدي وتلجم

    إذا كانت النفقة لله فبخلاء، وإذا كانت للنفس والشهوات والشيطان فما أكرم منا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    وبعد ذلك يذهب بها إلى البيت وفي الليل يذهب إلى السوق، يمر على الحنيذ ويشتري، ويمر على المقلي من (السنبوسة) و(الطرمبة) و(القطائف) و(الحلبة) والخضار فيأكل، وأنا رأيت شخصاً ذهب وحمل من الجرجير والفجل والبصل والخس، قلت: ما عندك؟ ظننت أن عنده حظيرة بهائم؛ لأن هذا سوف يكفي لأربع أو خمس أبقار، قلت: ما عندك؟ قال: هذا يا شيخ للأولاد، هذه خضرة وفيها حديد وبدأ يعدد لي فوائدها، قلنا: زادك الله خيراً، نسأل الله أن يعيننا وإياك على هذه الأمور.

    الشاهد في الموضوع أن الواحد إذا أتى في المغرب أو قبل المغرب بساعة ويعود إلى البيت، وإذا عاد إلى البيت وجد ما لا يمكن أن يتصوره العقل، المرأة المسكينة تعلن حالة الاستنفار لكامل إمكانياتها وقواها البدنية من بعد صلاة الظهر، وتبدأ في إيقاد النيران، وقد كان بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في أبياته النار (لا توجد نار) قال عروة بن الزبير لـعائشة رضي الله عنها: [يا أماه! فما طعامكم؟ قالـت: الأسودان: التمر والماء] وعبرت بالأسود أي: رديء التمر. الأسودان التمر والماء، ثلاثة شهور لا توقد النار، ونحن توقد في بيوتنا النيران من كل جانب خصوصاً في شهر رمضان، فتجد الموقد فيه ست عيون كلها شغالة، وتحت فرن وفوق فرن، تحت شغال على (الكيك) والثاني شغال على (الرواني)، وفوق (السنبوسة) تقلب، وتدعو المرأة زوجها تقول: تعال قلِّب (السنبوسة)، وانتبه للسمك لا يحترق، وأنا سأذهب أنظر العيش لا يحترق، المهم غلبة وشغلة طويلة عريضة، والأولاد يشتغلون، وكل هذا من أجل ماذا؟ من أجل بطنك، هذا وقد كان آباؤك وأجدادك يفطرون على قهوة وعلى كسرة شعير، وهذا مر بنا، فكنا نعرف رمضان وليس رمضان إلا كسرة من الشعير وفنجان قهوة، ووالله إنها ألذ وأبرك من عشرين نوعاً من طعامنا هذا، ويقوم الناس للصلاة وبطونهم خفيفة، وأيضاً أمراضهم منعدمة، وحالتهم طيبة، وقلوبهم فيها خير، لكن الآن تجد المرأة واقفة على قدم وساق تدور وتصول وتجول، تملأ مائة صحن وهي تقرب من كل شكل، وبعد ذلك تدخل بها في الغرفة وتسردها، سفرة طويلة عريضة، فهذا هو العشاء.

    أما الفطور فحدث ولا حرج عن الفطور؛ الفطور هذا لو أكله جمل لفسدت معدته: فيقدمون صحن تمر، وخمسين أو ستين حبة (سنبوسة)، ومائة أو مائتين حبة (لقمة القاضي)، وصحنين قطائف، وأربع أو خمس (جيكات): عصير برتقال، وعصير توت، وعصير تفاح، وعصير عنب، هذا الفطور فقط، فمن يأكل هذا؟ فتنتهي الصلاة في المسجد وهو لا يزال يأكل، رغم أن الطب الآن يتوافق مع ما جاءت به السنة من الأمر بأن يفطر الرجل المسلم على تمرات، فإن لم يجد فماء، فإن لم يجد فلبن، قال العلماء والأطباء: إن المعدة خلال إمساك الإنسان من أول النهار إلى آخره تضمر وتحتاج إذا أردت أن تشغلها إلى عملية إدفاء، عملية تحريك لها، وهذا يتم عن طريق التمرات؛ لأن التمرة فيها سعرات حرارية، فإذا أخذ الإنسان تمرة أو تمرتين أو ثلاث تمرات أو سبع، هذه التمرات تذوب في المعدة وتشغلها، وتبدأ تهضم على مهلها حتى تكون قادرة على هضم الطعام، لكن إذا أتيت وأعطيتها كثيراً من (السنبوسة)؛ و(السنبوسة) هذه من أعقد الأطعمة؛ لأنها تحتوي على الخبز وعلى الزيت المقلي، وعلى اللحم وعلى البيض وعلى الخضار، كل هذه من أعقد الأطعمة وتحتاج المعدة وقتاً لكي تهضمها، فيأكل الإنسان هذه الأكلة ثم يذهب إلى الصلاة متأخراً، بعضهم يأتي وقد فاتته صلاة المغرب، ولا يدرك تكبيرة الإحرام؛ لأنه يأكل فيريد يسابق على هذه الأشياء.

    وبعضهم يأخذ (السنبوسة) لقمة واحدة ليس مستعداً يمضغها، لماذا؟ لأنه يريد يأكل كثيراً بسرعة من أجل أن يلحق الصلاة، وإن بلع الطعام قبل المضغ ففيه إتعاب للمعدة؛ لأن ما لم تمضغه بلسانك تضطر معدتك إلى هضمه بشكل أصعب، وبالتالي تتعب معدتك وتمرض في أول فرصة وفي أول مناسبة، ثم يصلي الإنسان ويعود بعد الصلاة ويجد السفرة الممدودة أمامه ذات الطول وذات العرض التي فيها كل ما لذ وطاب، ولا يعلم بأي شيء يبدأ، فيأكل من هذا ومن هذا، ولا بد من أن يعمم على جميع الأطعمة، ويا ويله إن كان أكل من نوع واحد؛ لأن أم العيال سوف تغضب منه، وتقول: أنا عملته لمن؟ وأنا تعبت من أجل مَنْ؟ والله ستأكل لقمة والله لتذوقنه، فيجيب يا بنت الحلال امتلأ بطني، قالت: لا. ما عملنا إلا لك، فيأكل ويرضيها ويملأ بطنه إلى أن يبلغ الحلقوم، وبعدها لا يستطيع أن يقوم من مقامه، حتى الماء يطلب إحضاره إليه، يقول: هات الماء أغسل يدي هنا، وبعد ذلك هاتوا المخدة؛ لأنها (بنشرت الكفرات) ونام، بعضهم ينام قبل العشاء، ثم يؤذن للعشاء وتقام الصلاة في المساجد وهو لا زال في البيت يغالط نفسه، وبعضهم يأتي وقد صلوا الفريضة ويصلي ركعتين أو أربع ركعات أو ست ركعات من التراويح ثم يخرج، ويقول: قد سمعنا يقولون إنها سنة، يعني: السنة ليست جيده في نظره؛ لأنه متعب حقيقة، هذا مسألة العشاء.

    وبعد العشاء بعد التراويح خذ ما تشاء من الأطعمة الأخرى والمكسرات والمشروبات وإلى وقت السحور، ثم السحور يتسحر الإنسان والسحور فيه بركة ولا نقول فيه شيئاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به مهما كان، فتسحروا كما قال عليه الصلاة والسلام (تسحروا فإن في السحور بركة) هذه مسألة الطعام الذي من أجله ومن أجل الحد منه فرض الصيام، فكثرنا منه، أجل نحن قابلنا رمضان مقابلة غير صحيحة.

    الخصومات والمشاحنات في رمضان

    أما مسألة الغضب في رمضان، فهذه شائعة عند الناس، ترى الرجل في نهار رمضان خاصة في نصف النهار وقد قطب جبينه وربط غترته على أنفه وعلى وجهه، فلا تقل له: السلام عليكم فيضاربك، وإذا كان مديراً أو موظفاً فلا تراجعه، فلو كانت سهلة عقدها عليك، لماذا؟ قال: رمضان كريم، أنا زعلان لأن بطني فارغة، يعني: لو كنت شَبِعاً فسوف أصلح معاملتك لكن (رمضان كريم)، فـ(رمضان كريم) من أجل تصير أنت كريماً أيضاً في خلقك، وفي معاملاتك وفي طبعك، حتى لو كنتُ مخطئاً ودخلت عليك وأغضبتك فلا تغضب عليَّ لماذا؟ لأنك صائم تقول لي: اللهم إني صائم، لكن بالعكس الآن تجد المضاربات في الأسواق، والمضاربات في المكاتب والدوائر، والزعل كله من أجل رمضان، لماذا؟ لأن الذي يتحكم فيه بطنه لا يتحكم فيه عقله، فلما جاع بطنه ذهبت أخلاقه، لا حول ولا قوة إلا بالله! خصوصاً إذا كان ممن يتناولون الدخان، الدخان إذا تناوله الإنسان ثم انقطع عنه في نهار رمضان قامت قيامته، وأظلمت الدنيا في وجهه، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

    هذه أيها الإخوة: مسألة الطعام ومسألة الغضب.

    السهر وصرف الأوقات في غير الطاعة

    يبقى شيء ثالث تعوّده الناس في رمضان وهذا خطأ وهو: ليالي رمضان المباركة، ليالي القيام وليالي التراويح، وليالي العلم، وليالي الزيارة وصلة الرحم، وليالي العبادة وقراءة القرآن؛ هذه تحولت في زمان المسلمين إلا من رحم الله إلى ليالي ميتة، ليالي خبيثة، تملأ بالسهر القاتل، وباللهو الباطل على الورق، وعلى (الشيش)، وعلى الدخان، وعلى (الكيرم)، وعلى (الضومنة)، وعلى الأفلام -والعياذ بالله- وعلى المسلسلات، وعلى اللعن والشتم والسب والقصص الفارغة، حتى إن بعضهم ليستعد لرمضان من قبل دخوله بتشكيل (البشكات)، يقول: والله نريد نعمل لنا (بشكة)، لماذا ؟ قال: (رمضان كريم) نريد نسمر لنحيي ليالي رمضان، وهو في الحقيقة لا يحييها وإنما يميتها.

    1.   

    برنامج مقترح لاستغلال رمضان استغلالاً صحيحاً

    إن إحياء ليالي رمضان لا يكون إلا بطاعة الله عز وجل، وحتى يكون المسلم على بصيرة من أمره فإنا نضع له برنامجاً إن شاء الله إذا سار عليه في رمضان فإنه يكون من الصائمين الصادقين المخلصين.

    برنامج الأكل المناسب للصائم

    أولاً: لا تستعد لرمضان بشيء من المأكولات أكثر مما كان في شعبان، اجعل الأمر طبيعياً، ولا تصغ للنساء إذا طلبن منك وقل: حاضر.. أبشروا! لكن اتركه يدخل من أذن ويخرج من الأخرى، وأحضر ما يكفيك أنت وأهلك، وترى السوق مليان ولا تجد أزمة في الأسواق، هات لهم الذي يكفيهم ذاك اليوم، ونوعين أو ثلاثة أو أربعة ولا تكثف، فالغداء الذي كنت تتغداه أنت وأولادك من أرز ولحم اجعلوه عشاء وانتهى الموضوع، أما عشاء (كبسة) ورز وإدامات، ومن كل شكل ولون، وحلويات وأطعمة، هذه كلها لا تستطيع لها، فهي ترهقك وبالتالي أكثر الناس الآن في رمضان عند أبوابهم تجد الزبائل مليئة بالفضلات، نعم يا إخواني! والله لا يجدونها في بعض الدول وإنهم يموتون جوعاً ولا يرونها، ونحن نرميها في الزبائل، ولا نخاف الله عز وجل.

    وأكثر الناس في رمضان وقد أخبرني أحد الأطباء يقول: إن المستشفيات تجند نفسها في بداية رمضان بمجموعة كبيرة من الأطباء خصوصاً أطباء الباطنية، لما يحدث عند الناس من مرض في بطونهم في أول رمضان، ولذا إذا أتيت المستشفى في رمضان بعد العشاء فستشاهد طوابير، وعلى من؟ لا تجد عند طبيب الأذن ولا واحد، ولا طبيب العين ولا واحد، ولا طبيب العظام، وإنما عند الباطنية، وعند هذا طابور وكل واحد يدخل يقول: يا دكتور بطني، بطنك من يدك، الله أكبر عليك، أوقف يدك يصلح بطنك، وبعضهم معه حبوب فجيبه ممتلئ، أكثر الناس معه حبوب ما هذه؟ قال: هذه حبوب الهضم.. حبوب الحموضة، يخرب من هنا ويصلح من هنا، خفف الأكل وكل بمقدار معين، وليس هناك داع للحبوب، أما أن تبني وتهدم فلا يا أخي!

    وفي هذه الليالي المباركة البرنامج الإيماني الذي نقترحه:

    الاستعداد النفسي لاستقبال رمضان

    أولاً: أن يستعد الإنسان قلبياً ويفرح نفسياً برمضان، ويسأل الله أن يبلغه رمضان، كان الصحابة يقولون: [اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان] والناظم يقول:

    يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ           حتى عصى ربه في شهر شعبان

    ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما           فلا تصيره أيضاً شهر عصيان

    اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً           فإنه شهر تسبيح وقرآن

    كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ           من بين أهل وجيران وإخواني

    أفناهم الموت واستبقاك بعدهم           حياً فما أقرب القاصي من الداني

    ومعجبٌ بثياب العيد يقطعها           فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان

    حتى متى يعمر الإنسان مسكنه          مصير مسكنه قبر لإنسان

    وناظم آخر يقول:

    أيا شهر الصيام فدتك نفسي          تعجل بالمجيء والانتقال

    فلا أدري إذا ما عدت يوماً           على كل البرية كيف حالي

    أتلقاني مع الأحياء حياً           أو أنك تلقني في اللحد بالي

    لا تعلم -يا أخي- يعود عليك رمضان أم لا، فرصة لك -يا أخي- مجيء رمضان، فجدد وضعك مع الله، واستقبله بنفسٍ مشرقة وقلبٍ حي، على أنه فرصة للعمل الصالح تنجح فيها -بإذن الله- ولذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وقال: (آمين .. آمين .. آمين، فقالوا له: يا رسول الله إنك تقول: آمين، وما سمعنا أحداً يكلمك؟ قال: أتاني جبريل فقال لي: رغم أنف -أي: خاب وخسر- من أدرك رمضان ولم يغفر له قل: آمين، فقلت: آمين).

    إذا لم يغفر لك في رمضان، وما تبت في رمضان، ولا اهتديت في رمضان؛ فمتى تتوب؟

    أئذا دخلت النار تتوب وتقول: ردوني أعمل صالحاً، مثلما يقول أهل النار: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] ليس لك فرصة هناك، الآن فرصتك، الآن مد الله في أجلك، وأعطاك فرصة عظيمة عليك أن تستغلها.

    ثم قال لي: (رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة -يعني: بالبر- قل: آمين، فقلت: آمين) الذي أمه وأبوه موجودان ولا دخل الجنة عن طريقهم فهذا خاسر، فرصة، وإذا مات أبوك وأمك فمن أين تأتي بهما؟ هل هناك آباء وأمهات يُشتَروْن في الأسواق من أجل تدخل بهم الجنة؟ والله لا يوجد، ليس معك إلا أمك وأباك، فإن هم أحياء فاستغلهم، فإنهم ضيوف عندك وسوف يموتون، عليك أن تبحث عن طاعة الله عن طريق طاعتهم، عليك أن تسلك إلى الله طريقاً عن طريقهم فإنهم باب الجنة: (الجنة تحت أقدام الأمهات) أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23] والذي لا يتعرف على والديه ولا يتعرف على طاعتهم في الدنيا هذا جدير ألا يتعرف على طاعة الله؛ لأن أعرف الناس وأوثق الناس بك فضلاً بعد الله هم أبواك.

    والثالث قال: (ورغم أنف من ذكرت عنده ولم يصلَّ عليك قل: أبعده الله، قلت: آمين) لماذا؟ لأنه ما الذي ينقص عليه لما يقول: اللهم صلَّ على محمد إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] فإذا كنتم في الأرض محرومين لا تريدون أن تصلوا عليه، فالله في السماء وملائكته في السماء يصلون على النبي، ثم قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وفي الحديث الصحيح: (من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) فأنت لست بخاسر، صلِّ واحدة وربي يعطيك عشرة منه.

    البرنامج العملي للعبادات في رمضان

    فتبدأ نهار رمضان بالإشراقة النفسية والرغبة في التوبة، وبعد ذلك تخرج إلى المسجد مبكراً بمجرد تناولك طعام السحور لكي تقرأ ما يسر الله من التلاوة قبل الصلاة.

    وبعد الصلاة إن كنت موظفاً أو طالباً فليس هناك مانع من أن تعود إلى البيت لتنام حتى توفر لك جزءاً من الوقت أكثر؛ لأنك ربما ما نمت في الليل، فتنام من بعد صلاة الفجر، أما إذا كنت غير موظف وليس عندك دوام ولا شيء؛ فإن الأولى لك أن تجلس في المسجد تذكر الله وتقرأ القرآن ثم تصلي ركعتي الإشراق، ثم تذهب إلى البيت وتنام، خصوصاً إذا كنت تاجراً أو صاحب عمل، أما الطالب والمدرس والموظف فإذا أراد أن يجلس فهذا خير، وإن تعذر عليه لضيق الوقت ولرغبته في استغلال أكبر قدر من النوم، فلا مانع من أن يعود إلى بيته وينام إلى الساعة العاشرة إلا ربع؛ لأن الدوام سيكون الساعة العاشرة بمعنى قبل الدوام بربع ساعة يجب أن تقوم وتتوضأ وتتهيأ، إن أمكنك أن تصلي ركعتي الضحى فهذا طيب، وإلا فتذهب إلى مدرستك أو إلى عملك أو إلى وظيفتك وتستمر إلى أذان الظهر.

    وبعد ذلك أثناء العمل تمسك لسانك، ليعرف الناس أنك صائم، لا تتكلم غيبة ولا نميمة، وكلما جرك زملاؤك إلى شيء مما كنت عليه في الماضي قل: اللهم إني صائم، تخلق بأخلاق الصُّوَام، إلى أن يأتي الظهر فإذا أذن فبمجرد سماع الأذان اترك عملك واذهب إلى المسجد وخذ المصحف، وطبعاً يجب أن يكون لك مصحف من أول رمضان تقرأ فيه القرآن، ويجب أن تختم القرآن أقل شيء في كل ثلاثة أيام مرة، يعني: تقرأ في كل يوم أقل شيء عشرة أجزاء، كان السلف يختمون القرآن ستين مرة، يعني: يختمون ختمة في الليل وختمة في النهار، وكانوا يعطلون كل جلساتهم وعلومهم وكل أشغالهم ويتفرغون للقرآن؛ لأنه شهر القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] لكن بحكم عدم تفرغنا نحن فلا مانع أن نختم في كل رمضان عشر مرات، يعني في كل ثلاثة أيام مرة، وهناك تقسيم آخر لأحد الإخوان يقول: تقرأ بعد كل فرض جزأين أو قبله كما تريد، تقرأ جزأين بعد الفجر أو قبله، بعد الظهر أو قبله، بعد العصر أو قبله، بعد المغرب أو قبله، بعد العشاء أو قبله لابد أن تقرأ جزأين في خمس صلوات في رمضان تختم عشر مرات كتاب الله عز وجل، وهذا فضل عظيم، ثم بعد ذلك تصلي مع الجماعة في المسجد وتعود من الصلاة إلى مواصلة عملك إلى أن ينتهي النهار والدوام، ثم تعود إلى المسجد وتصلي في المسجد مع الجماعة وتجلس تقرأ القرآن في المسجد إلى المغرب، فلا داعي أن تذهب إلى البيت أو السوق؛ السوق هذا لا تنزل فيه إلا لغرض ضروري جداً تأخذ غرضك وتمشي، اجلس في المسجد اقرأ إلى أن تغرب الشمس ثم اذهب إلى بيتك ونبه على زوجتك على ألا تقدم أي نوع من الطعام إلا التمر فقط، فكل تمرات وتراً ثلاث أو خمس أو سبع تمرات، ثم اشرب عليها فنجان قهوة أو فنجان ماء، واذهب إلى المسجد مبكراً وصل المغرب، وبعد صلاة المغرب عد إلى بيتك وتناول طعام العشاء الخفيف الذي لا ترهق فيه بطنك ولا معدتك، وإنما تلبي فيه احتياجك بقدر الضرورة؛ لأن الأطباء يقولون: إن الحاجة في الطعام للثلث فقط، وإذا ترست الثلثين فالبقية كله يحول إلا أجزاء المعدة وإلى الهضم من أجل يخرج فضلات، فما دام أنه يخرج فضلات فاجعله في الثلاجة يا أخي، لماذا تحمل نفسك وتقعد تكظمه وتهضمه وبعد ذلك يذهب في الخلاء، وما استفدت منه شيئاً؛ لأنه لا يستفيد جسمك أبداً إلا من ثلث بطنك، وإلا لو تتصورون إن الإنسان يستفيد من كل الطعام الذي يأكله كان الشخص منا ليس مثلنا الآن كان مثل (القصبة)، كم أكل من يوم خلق وهو يأكل (تيوس وخرفان وغزلان ودجاج وسمك) أين هي؟ ليس هناك شيء، إنما الثلث فقط يذهب غذاء لجسمك والباقي يحول إلى فضلات، فكل بالثلث فقط، وما علامة الثلث؟ لأن بعضهم لا يأكل إلا بالثلث قلت: ما العلامة؟ قال: إذا (ترغت) من هنا، إذا امتلأ (التانكي) قال: غلق الثلث، يعني: عبا الثلاثة الأثلاث حتى الهواء فلا يوجد، فالهواء يخرج من رقبته، لا.

    علامة الثلث أن تشعر بأنك لا تزال جائعاً، هذا معناه أن الثلث عندك اكتفى، إذا شعرت أنك لا زلت محتاجاً إلى الطعام فمعنى هذا أنه امتلأ الثلث عندك، أما إذا شبعت فقد امتلأت الثلاثة الأثلاث كلها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجال: (نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) يعني: يقوم قبل أن يشبع، فقم قبل أن تشبع من الطعام، وبعد ذلك تقوم إلى المسجد، وابحث عن إمام يؤدي الصلاة بتؤدة وخشوع، وبطول قراءة وقنوت، تبحث عن إمام تطمئن إلى قراءته، وإلى إنسان يطول القراءة ويعطي القراءة حقها من التجويد والترتيل والإطالة والركوع والسجود، حتى تعرف أنك في رمضان، أنت في رمضان ما أنت في لعب، فتصلي معه، وتأتي قبل الأذان في الصف الأول، وتأخذ مصحفك وتقرأ إلى أن يصلي العشاء والتراويح.

    البرنامج الليلي بعد التراويح

    وبعد التراويح يجب أن تنظم وقتك مع بعض إخوانك في الله، فتشكل لك مجموعة من أربعة أو خمسة أو ستة نفر أو ثمانية بقدر الحاجة وبقدر الموجودين وبعد ذلك تقول: نحن نريد أن نحيي ليالي رمضان، كيف برنامج هذه الليلة؟

    بعد الوصول إلى صاحب البيت الذي فيه الجلسة أو السمرة يقدم القهوة والشاي ولا بأس بنوع من المشروبات الخفيفة، وبعد ذلك يدار المصحف ويخرج كل شخص منكم مصحفه وتبدءون من سورة: ق، من المفصل، سورة ق تقرأ كلها تلك الليلة، وبعد قراءتها يطلب من الشيخ الفاضل ابن كثير رحمه الله -وهو جالس في المكتبات بستين ريال أو بخمسين ريال- نقول له: يا ابن كثير ! نريد أن تعلمنا تفسير هذه الآيات، فيأخذ واحد منه التفسير ويقرأ علينا تفسير ابن كثير لهذه السورة، تستغرق هذه الحصة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، بعدها هات الماء يا ولد، أو هات حليب، أو شاهي، أو مشروب من أجل ينوعون.

    وبعدها درس في الفقه، يؤتى بكتاب الفقه وليكن الروض المربع أو زاد المستقنع أو المغني إذا كانوا من الطلبة الكبار الذين فيهم تبحر في العلم، وتبحث مسائل، ولنبدأ من باب الطهارة، من تقسم المياه، من باب الآنية، كيف نتوضأ؟ كيف نغتسل من الجنابة؟ أحكام الغسل، هذه مجهولة عند كثيرٍ من الناس، حتى عند بعض طلبة العلم لا يعرف كيف يغتسل من الجنابة وكيف يبدأ وكيف ينتهي، نتعلم درساً من الفقه لمدة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، فإذا انتهينا منه نأخذ درساً في التوحيد، نأخذ كتاب فتح المجيد الذي هو حق الله على العبيد، أو نأخذ كتاب الإيمان للشيخ/ عبد المجيد الزنداني ، أو نأخذ من كتب التوحيد التي هي مجموعة كتب الشيخ الدكتور/ عمر سليمان الأشقر ، الإيمان بالله والملائكة والبعث والآخرة والكتب والرسل، موجودة هذه الكتب كلها وأظنها بخمسين ريالاً أو ستين ريالاً، أكثر من ثمانية كتب نقرأ في هذه.

    بعد ذلك فرغنا منها نقول: هاتوا درساً من السيرة العطرة، فنأخذ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نبدأ بمولده صلى الله عليه وسلم، والليلة الثانية نأخذ كيف بعث، بعد ذلك نأخذ الغزوات؛ لأن السيرة لذيذة وشيقة، وتأخذ فيها أحسن كتاب أدلكم عليه هو سيرة ابن هشام ، سيرة ابن هشام رحمه الله أربعة أجزاء في مجلدين تقرءونها، بإذن الله تجدون فيها من العذوبة كأنك في أعظم روضة في ليلتك، انتهيت من درس التوحيد والفقه والحديث والتفسير في نحو الساعة الثانية عشرة، فلا تطل السهر إلى الساعة أربعة أو ثلاثة، لماذا؟ لأن لأهلك عليك حقاً إن كنت متزوجاً، أو لنفسك عليك حقاً إن كنت عزباً لترتاح، أو لدروسك وواجباتك عليك حقاً إن كنت طالباً، فلا بد أن تعطي الحقوق كاملة، أما أن تسمر حتى ييبس رأسك، ثم تملأ بطنك وتنام، ولا تصلي الفجر في المسجد فهذه مصيبة، بل تذهب إلى البيت لتنام مبكراً حتى الساعة ثلاثة أو ثلاثة ونصف ثم تستيقظ، وبعد الاستيقاظ تتوضأ وتصلي ركعتين، بعض الناس يقول: ما هاتان الركعتان، نقول: هذه ركعتان في جوف الليل خيرٌ من الدنيا وما عليها، ليس لها علاقة بالإمساك ولكنها من قيام الليل، وما دام قمت والله عز وجل أقامك إلى السحور فعليك أن تحمد الله على هذه النعمة وتذهب تتوضأ وما هناك كلفة عليك يا أخي.

    احمد الله، كان الأولون إذا أرادوا أن يتوضئوا ينزلون من البيت ولا توجد لهم حمامات ويذهب إلى الحوش ويلقى الجوحل (والجوحل إناء فخاري) أو قربة قد صار الماء فيها ثلجاً وتوضأ، وبعد ذلك خرج لأنه لا يوجد حمام في البيت وتوضأ، ورجع والهواء يلفحه ويقطعه، وأرجله حافية وما عنده (فازلين) وليس له حذاء ولا ثياب ويذهب يصلي، لكن أنت الآن في نعمة ليس بعدها نعمة، تستيقظ من نومك وتقوم من غرفتك وتخرج فتجد الحمام، وتجد المغسلة، وتفتح الصنبور فينزل عليك الماء الحار المحمى من الليل من أين ينزل الماء؟ من الجن، كما قد قلت لكم مرة: شخص من أهل تهامة طلع إلى (السراة)، ويوم أن وصل عند صاحب (السراة) فأدخله الحمام ليتوضأ، فيفك الصنبور وإذا به ينزل الماء من الجدر ساخناً، فصرخ، قال: ماذا بك؟ قال: ماء حار من الجدر، فما صدق، لأنه لم يشاهد (طباخة) ولم يشاهد (دافوراً) ولم يشاهد شيئاً، أين (الطباخة) و(الدافور) لا توجد؟ لكنها معلقة في الحمام وتنزل لك ماءً حاراً، تتوضأ وتنشط، ثم تدخل في غرفتك بدون هواء وبدون مشكلة وتفرش سجادتك وتصلي ركعتين لربك، فربما لا يثقل ميزانك عند الله يوم القيامة إلا هاتان الركعتان، ما فيها والله تعب عليك، وبعد ذلك تأتي إلى سحورك وتتناول ما تيسر منه، ثم بعد السحور تذهب إلى المسجد كما قلنا.

    هذا هو البرنامج الإيماني الذي نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يقوله ويعمله، أنا لا أدري أطبقه أم لا، لكن ربما تستفيدون مني أكثر من أن أستفيد من نفسي، ولكن أعوذ بالله أن أكون ممن يقولون ما لا يفعلون؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

    هذا ملخص عن شهر رمضان الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يبلغنا إياه، وأن يتقبله منا، وأن يعيننا وإياكم على صيامه وعلى قيامه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    1.   

    أحكام تتعلق بالصيام

    ولا بد من إلمامة بسيطة من بعض الأحكام المتعلقة بالصيام حتى يكون الصائم على فقه من دينه.

    حكم الأكل والشرب نسياناً أو خطأً للصائم

    أولاً: إذا تناول الصائم شيئاً من المفطرات مأكولاً أو مشروباً ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه وعليه أن يتم صومه؛ لأنه بحكم العادة ربما في الدوام أو في البيت وهو صائم يجد شيئاً ويأكله ناسياً أنه صائم فلا شيء عليك حتى إذا أكلت وشبعت، فإنما أطعمك الله وسقاك.

    وهذه -أيها الإخوة- يقول العلماء: فيها إشارة إلى عدالة الله، وفيها إجابة على القدريين والجبريين الذين يقولون: أنا مجبور على العصيان، ما أنت مجبور، إذا نزع الله منك الاختيار نزع عنك التكليف، ولذا إذا أكلت ناسياً فما عليك شيء إنما أطعمك الله وسقاك، إذا حصل لك احتلام في المنام في نهار رمضان، فتقوم تغتسل وتكمل صيامك ولا شيء عليك، لماذا؟ لأنك احتلمت بغير اختيار، لكن لو أن الإنسان تسبب في الإمناء؛ فإنه أفسد صومه، ولزمه القضاء، ولحقه الإثم والعقوبة؛ لأن من أفطر يوماً من رمضان لم يقضه ولو صام الدهر كله، لا يقضي إثمه إلا التوبة، فإنها تجب ما قبلها، فإذا نسي الصائم فأكل أو شرب لم يفسد صومه؛ لأنه ناسٍ، ولو أكل أو شرب وهو يعتقد أن الليل باقٍ فتبين أنه طلع النهار فهذا حكمه حكم الناسي، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الليل، فلا ينقض الأصل بما يحدث عليه، لكن إذا أكل أو شرب ظاناً أن النهار قد انتهى وبعد قليل ظهرت الشمس بعد أن ذهبت الغيوم، ففي هذا اختلف أهل العلم:

    يقول جماهير العلماء -والحنابلة يتزعمون هذا- يقولون: عليه صوم، يقضي هذا اليوم، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الصوم، فلا ينقض بما يحدث عليه، وبعض أهل العلم وهم أهل الحديث يقولون: ليس عليه قضاء، لماذا؟ لأنه جاهل والله يقول: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] وأنا أخطأت في تقدير الصوم، فلا شيء عليَّ، ولكن الراجح هو قول الأئمة والجمهور، لماذا؟ لأن المسلم مأمور بالاحتياط في دينه، فلا ينبغي له بمجرد ما يأتي غيم يقوم يأكل ويترتب على هذا إفساد صومه.

    كذلك لو تمضمض الإنسان فدخل الماء إلى حلقه من غير قصدٍ لم يفسد صومه، ولكن ينبغي له أن يحتاط للحديث الذي في السنن : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فإذا كنت صائماً فعليك أن تتمضمض وتستنشق لكن بدون مبالغة، لكن إذا تمضمضت بغير قصدٍ للمبالغة وسقطت قطرة عن غير قصدٍ وإنما سهواً فلا شيء عليك؛ لأن هذا من المعفو عنه إن شاء الله.

    مفسدات الصوم

    أما المفسدات للصوم فهي كثيرة، وأعظمها الجماع في نهار رمضان، والدليل فيه: حديث سليك الغطفاني الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على كلمة هلكت، فإنها هلكة حقيقة ولا ينبغي للمسلم أن يمارسها، ولكن هذا الرجل كان مبتلى (عنده شبق جنسي) وما كان يصبر عن امرأته إذا رآها، فوقع عليها، وجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم. (قال له: أعتق رقبة، قال: لا أجدها يا رسول الله! قال: صم شهرين متتابعين، قال: وهل أتيت إلا من الصوم -يقول: ما ذبحني إلا الصوم تريدني أصوم شهرين، ما قدرت أصوم شهر واحد- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أطعم ستين مسكيناً قال: ليس في المدينة أفقر مني ولا عندي شيء، فبينما الرسول جالس والصحابي جالس إذ جاء رجل بعرق -مكتل- فيه تمر، قال: خذ هذا المكتل وقسمه على ستين مسكيناً، قال: والله ما بين لابتيها أفقر مني يا رسول الله! قال: خذه وأطعمه أهلك، فخرج الرجل يضحك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك) صلوات الله وسلامه عليه، ما أعظمه من مربٍ! وما أعظمه من إنسان! وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] هذا جاء بهذه المشكلة وخرج ومعه مكتل تمر فربح الخطين، لكن لا يعملها شخص منكم ويقول: لا. أنا سوف أربح الخطين، وإنما ينبغي لك أن تدع الجماع ودواعيه، وكل ما يوصل إليه؛ لأن ما كان حراماً فما يوصل إليه حرام، لا تقرب من المرأة ولا تقبلها، ولا تضاجعها، وإنما تنام في فراش وهي في فراش إذا كنت تخاف على نفسك، أما إذا كان الرجل كبيراً وشيخاً هرماً ولا يحصل منه شيء من الانتشار أو من الرغبة، فإنه لو قبل زوجته فلا حرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو صائم كما جاء في الحديث الصحيح قالت: (كان يقبلني وهو صائم، لكنها قالت: وكان أملككم لإربه) ما كان شهوانياً صلوات الله وسلامه عليه.

    إنزال المني يفسد الصيام بشرط: أن يكون عمداً باستمناءٍ، أو مباشرة، أو تقبيلٍ، أو نظرٍ، أو ينظر في النساء حتى يمني فهذا أفسد صومه.

    الأكل والشرب سواءً كان نافعاً أو ضاراً، ويدخل فيه اللبان، ويدخل فيه الدخان، ويدخل فيه معجون الأسنان؛ لأنه في حكم الأكل والشرب.

    حقن الإبر الغذائية لا الدوائية، الإبر تنقسم إلى قسمين: إبر غذاء، وإبر دواء، فالإبر الغذائية التي يستعاض بها عن الغذاء وهي الجلوكوز أو غيره هذه تفطر؛ لأنها في حكم الغذاء، أما الإبر الدوائية التي تعطى كدواء ولا لها علاقة بالغذاء فهذه لا تفطر ولو أخذها الإنسان وهو صائم فلا شيء عليه إن شاء الله، ولكن الأولى له خروجاً من الخلاف والأحوط أن يتناولها في الليل؛ لأنه لا يوجد أحد يأخذ إبرتين في النهار والليل، إنما بإمكانه أن يأخذ يومياً إبرة يأخذها في الليل، لكن لو كانت الجرعة عنده إبرة صباحاً وإبرة مساءً، يأخذ إبرة في الصباح إذا كانت علاجية ولا شيء عليه ويأخذ إبرة في الليل إن شاء الله وهو مفطر.

    كذلك من المفطرات: حقن الدم، مثل أن يحصل للصائم نزيف فيحقن له دم، يحصل له حادث ويأتون يعطونه قربة دم أو نصف قربة لأن هذا غذاء، بل هو لب الغذاء؛ لأن الغذاء كله يتحول إلى الدم فيفطر الصائم بذلك.

    خروج دم الحيض والنفاس أيضاً تفطر به المرأة، أما دم الاستحاضة، أو دم العرق، أو دم العلة، أو دم النزيف، فهذا لا تترك بسببه الصلاة ولا الصيام، -مثلاً- امرأة حامل في الشهر الخامس وخرج منها قطرات دم نزيف، وهذا ربما يخرج من الحامل فلا هو حيض ولا هو نفاس، عليها أنها تصوم وتصلي وتعتبره في حكم البول تغسله من الثوب وتتوضأ منه ولا شيء عليها، هذا دم الاستحاضة والنزيف والعلة والعرق، أما دم النفاس الذي يخرج عقب النفاس أو دم العادة الشهرية الذي يخرج في زمنها، وهذا معروف عند النساء فإنها تدع الصوم وتدع الصلاة ولكنها تقضي الصوم بعد رمضان ولا تقضي الصلاة.

    خروج الدم من الإنسان إما بالحجامة، أو بالسحب (سحب الدم) للإسعاف، أما سحب الدم اليسير للتحليل قال العلماء: لا يؤثر؛ لأنه بسيط، والرعاف بسيط لا يؤثر، ونزع الضرس وخروج دم بعده لا يؤثر، وخروج الجرح البسيط الذي يخرج من دمك وسيل الدم منه بسيط لا يؤثر، لكن ما يحصل بسحب الدم فإنه يؤثر على الإنسان، وبالتالي حكمه حكم المريض يلزمه أن يفطر ويلزمه شيء من المشروبات ليعوض هذا الدم الذي سحب منه.

    أما موضوع الحجامة فهو موضوع مختلف فيه بين أهل العلم:

    طائفة من أهل العلم يرون أنها لا تفطر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه احتجم وهو صائم) وحديث آخر يعارضه ومن أراد أن يرجع إليهما فليرجع إلى سبل السلام للشيخ/ الصنعاني ، أنه صلى الله عليه وسلم مر على رجلٍ يحتجم فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم).

    ولكن يرجح أئمتنا ومشائخنا منهم الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين أنها تفطر، فإذا احتجم الإنسان فإنه يخرج منه دم كثير، وهذا الدم يتعبه وبالتالي ينبغي له أن يأكل شيئاً.

    مما يفطر وينقض الصوم القيء، إذا تعمد الإنسان في إخراجه، أما إذا غلبه وذرعه من غير قصدٍ ولا عمدٍ منه فلا شيء عليه. هذا ما يتعلق بالمفطرات.

    من فضائل الصوم

    من فضائل الصوم: أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) هذه كرامة عظيمة لا يتركها إلا خاسر (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وهذا بإمكانك إن شاء الله، ومعنى إيماناً: أي: رضاً وتصديقاً بفرضية صومه، ومعنى احتساباً: أي: احتساب الأجر والمثوبة عند الله، لا كارهاً للفرضية، فإن من الناس من يصومه كارهاً، إذا دخل رمضان فأثقل شيء عليه رمضان، فلا يحب أن يدخل رمضان، لماذا؟ لأنه يمنعه من الكبسة ومن الغداء، وتشوفه يعد لياليه وأيامه كأنه أثقل ضيف، هذا لا يغفر له ذنبه؛ لأنه ما صام رمضان إيماناً واحتساباً وإنما صامه كارهاً والعياذ بالله.

    ومن فضائل رمضان: أن الثواب الذي رتبه الله عليه لا يتقيد بعددٍ ولا بحدٍ معين، بل يعطى للصائم أجراً بغير حساب، كما قال عز وجل: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) كم يجزي به ربي؟ لا نعلم، والله كريم، ولا راد لفضله تبارك وتعالى.

    ومن فضائل الصيام: أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة لما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله وعليه وسلم والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده قال: (إن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: ربي! منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان فيه حتى يدخلاه الجنة) الصوم والقرآن شافعان، يشفعان لك يوم القيامة.

    أعذار الفطر وأحكامها

    أما بعض الأحكام المتعلقة بالناس في رمضان، يعني الناس ليسوا كلهم على وتيرة في فرضيته وإنما يتفاوتون بتفاوت أحوالهم ومناسباتهم.

    فالصوم واجب وفرض على كل مسلم بالغٍ عاقلٍ قادرٍ مقيم، وبهذه الخمس التعريفات يخرج من المحترزات أصناف منها:

    المحترز الأول: أن الكافر لا يصوم، ولو صام لم يقبل منه، وإذا أسلم لا يقضي الذي فاته؛ لأن التوبة والإسلام يجب ما قبله، إذ يشترط فيمن يصوم أن يكون مسلماً؛ لأن الإسلام هو أساس كل عمل.

    الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد، وسن الرشد يعرف بواحدة من ثلاثة أشياء: إما بالإنبات، أو بالاحتلام، أو ببلوغ الخامسة عشرة، ومن بلغ خمس عشرة سنة أو أنبت أو احتلم فقد بلغ، ووجب عليه الصوم، وإذا لم يصم فمعناه أنه ترك ركناً من أركان الإسلام، لكن الصغير يعود عليه، ويدرب من الصغر، من السبع سنوات يدرب يوم في رمضان هذا يصوم يومين أو ثلاثة أو أربعة فيأتي رمضان القادم فيصوم أسبوعاً وعمره إذا كان ثمان سنوات يصوم عشرة أيام وهكذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: [كنا نلهي الصبيان باللعب حتى يفطروا في المغرب] فكونك تدربه فعل حسن لأن بعض الناس يقول: لا أريد أذبح الولد، فالولد يريد يصوم لكن يصيح أبوه، يقول له: أفطر يا بني -سبحان الله- تذبحه يوم يصوم لرب العالمين، لا إذا صام في صحته وفي عافيته إن شاء الله فهو تدريب على الخير فقوِ فيه هذه الروح ولا تحبطها فيه ولا تخذله.

    المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام؛ لأنه غير مكلف، وإذا فاق وعاد إليه رشده وعقله فإنه يصوم من وقته ولا يقضي ما فاته لارتفاع التكليف عنه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق).

    العاجز عن الصوم بسبب كبرٍ، أو بمرضٍ لا يرجى برؤه، وقرر الأطباء المسلمون أن الصيام مضرٌ به، فإن هذا يسقط عنه الصوم ولكنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، فإن كان عاجزاً لا يستطيع حتى الإطعام سقط عنه الإطعام والصيام، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى.

    المريض الذي يمرض مرضاً طارئاً وقتياً، فهذا يفطر ولكنه يقضيه بعد أن يمن الله عليه بالشفاء للآية الكريمة: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] يعني: فعدة ما أفطرت من أيام أخر بعد رمضان.

    الحامل التي في بطنها جنين، أو المرضع التي ترضع جنينها ويترتب على صيامها ضرر عليها أو على جنينها، فإنها تفطر، وتصوم بعد أن تضع أو بعد أن تفطم هذا الولد، وفرق أهل العلم فقالوا: إن كانت تخاف على جنينها أو على ولدها فإنها تفطر وتطعم إذا قضت، أما إذا خافت على نفسها فإنها تصوم ولا تطعم، ولكن المحققين من أهل العلم يقولون: لا دليل على التعزيز بالإطعام، وإنما إذا أفطرت فإن عليها القضاء ولا كفارة مع ذلك، وإنما هي من اجتهادات أهل الفقه رحمهم الله تعالى.

    الحائض والنفساء لا تصومان ولكن تقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة بعد رمضان.

    الذي يضطر اضطراراً بالغاً للإفطار مثل: إنقاذ غريق، إنسان مسلم سوف يموت في البحر، وهذا يريد ينقذه، ولكنه لا يستطيع أن ينقذه إلا إذا كان متزوداً بشيء من الإمكانيات فهذا يجوز له أن يفطر من أجل إنقاذ هذا الإنسان، وقد نص على هذا أهل العلم، وقاسوا عليه من يكون مستعداً لإخراج الدم لإنقاذ حياة مريض، مريض وقع له حادث مروري وقالوا: إذا لم يوجد دم الآن سوف يموت هذا الإنسان، فيعطيهم ويفطر، فهذا مضطر لأن يفطر، لأنه أنقذ إنساناً من الموت بإذن الله عز وجل.

    أما المسافر فإنه مخير بين الصوم وبين الإفطار بحسب ما يتيسر له، فإن كان الإفطار أيسر له فعليه أن يأتي بهذه الرخصة؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، وإذا كان الصيام في حقه أفضل فيتبع ما شاء، لأن بعض الناس تجده يسافر للعمرة وفي الطريق يجوع ويعطش، وأولاده يجوعون ويعطشون ولكنه يرفض أن يفطر، وهذا إذا كان عليه مشقة فإنما يرد رخصة الله، ويريد غير ما أراد الله؛ لأن الله يقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] فكأنك أنت بالصيام تريد لنفسك العسر والله يريد بك اليسر، فما دام الله سمح لك فلماذا تشق على نفسك يا أخي؟! أفطِر، ويضرب أهل العلم مثالاً: لو أن عندك عاملاً في مزرعتك ودخلت عليه وهو صائم ويشتغل في المزرعة، فلما رأيت عرقه يتصبب وجهده واضحاً أشفقت عليه فقلت له: يا فلان! قف من الشغل واذهب فما بقي من النهار فهو إجازة، إذا وضع المسحاة وشكر لك وقال: الله يجزيك خيراً، يكون أحب إلى نفسك من أن يستمر ويقول: والله لا أتوقف إلا وقت الغروب، ما رأيك أنت تقول: الله لا يعينك، ما دام رحمناك وأبيت فالزم مكانك، ولله المثل الأعلى، الله يرحمك ويقول: إذا كنت في سفر وعليك مشقة ولحقك ضرر، وأردت لنفسك يسراً بما يسر الله عليك من الإفطار فلا تختر لنفسك عسراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يومٍ من الأيام وهو في سفرٍ؛ ومن الصحابة من كان صائماً، قال: (ما صنع العصاة؟) سماهم العصاة وقال للذين أفطروا: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) ولكن بحكم أن وسائل السفر اليوم عندنا بفضل الله تغيرت عن وسائل الماضي وأصبح الإنسان يسافر بالطائرة أو بالسيارة فهو مخير بين الإفطار والصيام بحسب ما يتيسر له من دون أن يلحق بنفسه مشقة.

    أحد الناس قال لي: أنا سوف أذهب آخذ عمرة، والعمرة سنة، فكيف أذهب آتي بعمرة وأضيع فريضة؟! قلت له: لا تأخذ عمرة، لو أردت أن تسافر إلى جدة تشتري قطعة غيار لسيارتك هل يجوز أن تفطر؟ قال: نعم. قلت: كيف تذهب تأخذ قطعة غيار لسيارتك وتضيع فريضة، الفريضة أهم أو قطعة سيارتك؟! فسكت الرجل، فالقضية ليس أنك ذاهب تأخذ عمرة أو غيرها، بل ما دمت في سفر والسفر حدده العلماء فقالوا: إما أن يكون سفراً واجباً، أو سفر طاعة، أو سفر مباح، أما سفر المعاصي فللعلماء فيه كلام، كمن يسافر ليفطر، مثل الأعرابي الذي دخل عليه رمضان قالوا: جاء رمضان، قال: والله لأبددن شمله بالأسفار، قال: أريكم فيه كل يوم أنا في أرض، من أجل يفطر كل يوم، هذا لا يفطر، لماذا؟ لأنه متى يقضي والعياذ بالله؟

    أو سفر معصية، كمن يسافر من هنا فيخرج إلى خارج المملكة ليشرب الخمور أو ليزني، فهذا لا يفطر؛ لأنه سوف يذهب يستعين بهذا الإفطار على معصية الله -والعياذ بالله- فشرط أن يكون السفر سفر طاعة أو سفراً مباحاً كعلاج أو دراسة أو بيع أو شراء، أو زيارة، أو سياحة أو تمشية، فإنه يجوز لك أن تفطر فيه إذا لحقت بك المشقة.

    1.   

    فوائد تتعلق بالصوم

    هذه بعض الفوائد المتعلقة بالصيام وهي مهمة جداً:

    يجوز للصائم أن يصبح جنباً من احتلامٍ أو من إتيانٍ لأهله ثم يقوم يتسحر ويعقد نية الصيام ثم يغتسل ويذهب يصلي في المسجد، إذ أن الطهارة لا تشترط للإمساك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً فيتسحر ويغتسل ويذهب يصلي.

    أيضاً إذا طهرت المرأة في رمضان قبل الفجر فعليها أن تصوم وإن لم تغتسل، يعني: لو طهرت وانقطع دمها مع الإمساك وما وسعها الوقت لتغتسل فتعقد نية الصيام وتصوم، ولا تغتسل إلا بعد ذلك على مهلها إن شاء الله بحيث تدرك وقت صلاة الفجر.

    يجوز للصائم أن يدهن نفسه ورأسه بالدواء مثل الفكس، فيجوز أن تضعه في رأسك وظهرك، لكن لا تدخله داخل الأنف، ويجوز قلع الضرس، ومداواة الجرح، والتكحل في العين، والتقطير في العين والأنف والأذن، ولا يفطر بذلك حتى ولو أحس بطعمه في حلقه؛ لأنها ليست منافذ للطعام.

    يجوز أيضاً للصائم أن يتسوك في نهار رمضان من أول النهار وآخره لحديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك في نهار رمضان يقول: لا أحصي مرات ما رأيته صلوات الله وسلامه عليه).

    أيضاً إذا كان الإنسان في منطقة حارة وشعر بالحرج والحر فإنه يجوز له التبرد بالماء، كأن يدخل في الحمام ويفتح الدش عليه ليبرد، أو يأخذ ماء ويصبه على الفراش وينام عليه، لا شيء في هذا، وهذا لا يؤثر على صومه.

    يجوز للصائم إذا كان مريضاً بالربو أن يبخ في فمه هذا البخاخ، ولا علاقة له؛ لأنه ليس طعاماً ولا شراباً، أو في حكمهما، وإنما هو هواء مثل الأكسجين، بل هو أكسجين مضغوط، فإذا تناوله بفمه إذا كان عنده ربو فلا شيء عليه ولا يؤثر بإذن الله.

    يسن للصائم أن يؤخر السحور إلى قبل الفجر، وأن يعجل الفطور بعد غروب الشمس، ويفطر على رطبٍ فإن لم يجد فعلى ماء.

    أيضاً يجب على الصائم أن يكمل صيامه بابتعاده عن المحرمات؛ خصوصاً الغيبة والنميمة، واستماع الأغاني، والنظر المحرم والسب والشتم، ويجب عليه أن يحافظ على الواجبات مثل الصلوات الخمس ويؤديها جماعة في المسجد، ومثل الإكثار من قراءة القرآن والتلاوة وفعل الخير، وزيارة الرحم والصدقات في هذا الشهر المبارك.

    هذا ونسأل الله عز وجل التوفيق والهداية، والقبول لنا ولكم ولسائر المسلمين.

    1.   

    الأسئلة

    حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي

    السؤال: هنا رسالة مهمة من أحد الإخوة يقول: منظرٌ يحرق قلبي وأنا أشاهده كل يوم، خصوصاً عند أبواب مدارس البنات، وأنا آتي آخذ أهلي فأشاهد الفتيات يركبن في سيارات مع السائقين وليس معهن محرم، فما هذا وكيف فقدت الغيرة من قلوب المسلمين؟ وكيف دفنت المروءة والشهامة إلى هذا الحد فإنا لله وإنا إليه راجعون؟!

    الجواب: هذه أيها الإخوة (مشكلة السائق) حقيقة أنها معضلة خطيرة ومشكلة اجتماعية هامة جداً، وقد كان يمكن للناس أن يستوردوا عمالاً في كثيرٍ من أعمالهم للحاجة، إنما لا يسوغ لهم أن يستوردوا سائقاً لعوائلهم؛ لأن العائلة من ألصق الأشياء بك أنت، يعني: إذا كنت لا تسوق بأهلك فماذا بقي بعد هذا، هذه اختصاصاتك أنت، أنت الذي تسوق بزوجتك وأمك وبأهلك، أما أن تأتي بشخص يسوق السيارة لزوجتك وابنتك فماذا بقي معك؟ ولا يجوز كما قال العلماء أن تستورد سائقاً بأي حالٍ من الأحوال للسياقة بأهلك، بل عليك أن تسوق أنت أو يسوق ولدك، أو اجعلها لا تدرس إلى يوم القيامة، أما أن تأتي لها بسائق فلا.

    قال العلماء: ويجوز استيراد سائق عند الضرورة لرجلٍ كبير السن ولا يعرف يسوق، شيبة، أو أعمى ولا يستطيع يسوق وما عنده أولاد، وله مصالح ويريد يأتي بحاجاته وعنده سيارة فهذا قال العلماء: يجوز للضرورة، لكن بشروط:

    أولاً: أن يكون هذا السائق مسلماً فلا تأتِ بكافر.

    ثانياً: أن يكون هذا السائق رجلاً مسناً كبيراً قد انعطف ظهره، وسقطت أسنانه، وليس فيه عرق يلف، من أجل يسوق السيارة إن كنت تريده يسوق السيارة، وبعد ذلك هذا المسن هذا الذي ظهره قد انحنى يأتي بزوجته معه، لا تأتي به لحاله ولو كان مسناً، والمسن فيه خطر أيضاً، هات شايب وعجوز معه، وبعد ذلك تستأجر لهم بيتاً بعيداً عن أهلك، ولا يدخل بيتك في أي حالٍ من الأحوال ولا تركب معه زوجتك أو ابنتك أو أمك أو أختك إلا وأنت موجود، أما أن ينفرد بهم فهذا حرام.

    وما نراه -كما ذكر الأخ- والله إنه يدمي القلب أن ترى الرجل شاباً في عمر الخمسة والعشرين والثلاثين وكافر فلبيني أو كوري، وبعد ذلك يركب مع البنت يذهب بها المدرسة، وقد ورد في الحديث: (ما خلى رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وإعطاء الثقة المطلقة في النساء تجر إلى كوارث، لا ننزع الثقة من النساء، نحن نثق فيهن، لكن إلى جانب الثقة نتقيد بأوامر الشرع، فإذا رفضنا الشرع وجعلنا الرجال مع النساء من باب الثقة حصلت الكوارث والمصائب، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

    حكم الجوائز التي يضعها التجار للتنافس

    السؤال: ما حكم جوائز (المراعي) فالناس يتسابقون عليها من أجل الجائزة؟

    الجواب: يريد يشتري سيارة بخمسة ريال، سيارة قيمتها ثلاثين ألف يقول: يريدها بخمسة ريال: وقد رأيت شخصاً في سوق المركزي جاءه شاب واشترى عشر علب بخمسين ريال وفتحها وهي على (الماسة)، كلما فتحها وإذا بها عشر (هللات) عشر (هللات) فإذا كملت فإنه يلعنهم ويأخذها ويضرب بها التراب، ونتسابق عليها كلنا وإنه يلحقني منها اثنتان مجاناً، هذا -أيها الإخوة- أسلوب شيطاني من وسائل اليهود من أجل ابتزاز أموال الناس، بعض الناس لا يريد لبن لكن يقول: يا شيخ! لبن تأتي معه سيارة، ولذا ينفقون، وكم يضعون؟ يصنعون عشرة مليون علبة ويضعون فيها سيارة، وبعد ذلك على فرض إنك اشتريت أول علبة وطلعت لك سيارة، سيارة بأي حق تأخذها، من أين أخذتها من ظهور هؤلاء الذين يلاعنون والذين هم قاعدون يشترون سنين ولا طلعت لهم سيارة، أجل دخلت عليك السيارة من غير طريق شرعي وحرام، وفي هذا فتوى صريحة للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وهي صادرة منه وهو الرئيس العام لـإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد .

    يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة على رسول الله.

    أما بعد: لوحظ قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعها المعروضة مما يغري بعض الناس ويدفعهم إلى الشراء من هذا المحل دون غيره، أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز، وحيث أن هذا نوعٌ من القمار المحرم شرعاً -اسمعوا هذا كلام الرئيس العام الذي أطبقت الأمة على قبول كلامه رحمه الله وأطال وأمد بركة علمه- يقول: إن هذا نوعٌ من القمار المحرم شرعاً والمؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل لما فيه من الإغراء، والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته، لذلك أحببت تنبيه القراء على أن هذا العمل محرم شرعاً، والجائزة التي تحصل من طريقته محرمة شرعاً -ساعة أو قلماً أو سيارة أو غير ذلك لا تأخذه أبداً- لكونها من الميسر المحرم شرعاً وهو القمار، فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرات وليسعهم ما يسع الناس، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29]* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:30] وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تباح بالتراضي بل هي من الميسر الذي حرمه الله لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90]* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91].

    والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يعيذنا جميعاً من كل عمل يخالف شرعه إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لـإدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد . فرحم الله امرأً انتهى إلى ما سمع، والذي يلزمك هو أن تقاطعها كنوع من ردة الفعل، لماذا؟ لأننا في مجتمع مسلم متماسك، فإذا أرادت شركة أو محل تجاري أن يبتز أموالنا أو أن يضرب الآخرين، الغرض من هذا ضرب المحلات الأخرى.

    مثلاً: هناك في السوق ألبان (الصافي) -مثلاً- فالناس كلهم يتوجهون إلى ألبان (المراعي) ويتركون (الصافي) وبالتالي تضطر (الصافي) تعمل نفس العملية وتبدأ المنافسة في الاستهلاك وهذا لا يجوز، ولكن من باب ردة الفعل وباعتبارنا شعباً مسلماً وفي بلد مسلم إذا رأينا مثل هذا فلنقاطعها ولنأخذ من الذين لا يروجون لسلعهم بهذه الطرق المحرمة حتى يتأدبوا؛ لأنه عندما يرى أنه رصد جوائز وأعلن إعلانات ولا أحد اشترى منه، نسبة المبيعات عنده كانت -مثلاً- في اليوم في الماضي مائة ألف علبة لكن لما عمل الدعاية نزلت النسبة إلى ثلاثين ألف علبة قال: إذاً المسألة لا تمشي على هؤلاء، هؤلاء عقلاء وأهل إيمان وتوحيد، ويرجع إلى وضعه الأول، ويحاول أن يكسب السوق إما بإرخاص الثمن مثل (الصافي)، فالحليب (الصافي) كان بخمسة ريال والآن بأربعة ريال، أو بتحسين الجودة فيصنع لبناً ممتازاً.

    حكم الفيديو والألعاب في البيت

    السؤال: يقول الأخ الكريم: ما رأيكم برجل يشتري الفيديو لعياله وهو من أهل الصلوات الخمس ويقول: لأني أريد أن أسليهم؟

    الجواب: نقول: من يشتري الفيديو والألعاب هذه لأولاده فقد خان أمانته، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] ويقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] وهؤلاء الأولاد أمانة في عنقك إلى يوم القيامة، فأحسن إليهم، ولا تسليهم بمعصية الله وإنما ربهم على الإيمان وأدبهم بأدب القرآن، وقدهم إلى ساحل النجاة إلى الجنة، أما أن تسليهم الآن من أجل أن يعذبوا في النار فيوم القيامة سوف يلعنونك لعنة طويلة، ويقولون كما قال الله عز وجل: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] فلا -يا أخي- لا داعي أنك تسليهم بمعصية الله تبارك وتعالى.

    حكم بيع الشيشة والدخان

    سؤال: هل يجوز لرجلٍ لا يفارق الجماعة في المسجد حتى في صلاة الفجر ويأمر أولاده بالصلاة إلا أنه لديه قهوة (للشيش) يشرب فيها الناس ويتاجر بها هو، هل يجوز له ذلك؟

    الجواب: لا يجوز له ذلك، (الشيش) هذه -يا إخواني- أوكار من أوكار الفساد، وهي بمنزلة مساجد الشيطان، وهي خطر على المسلمين، وولاة الأمر إن شاء الله لديهم نية وقد أخبرني مسئول في جدة أن هناك أوامر صدرت بعدم تجديد الرخص لأهل المقاهي وإعطائهم فرص لتصفيتها، وتغييرها إلى محلات ثانية؛ لأنهم وجدوا من خلال الأحداث التي تحدث كالمخدرات والخمور والزنا واللواط أن كل الأسباب تتجمع من أين؟ من القهوة، وإذا أردت أن تعرف فمر في قهوة من المقاهي وستشاهد الوجوه الجالسة في المقاهي كلهم -والعياذ بالله- من المنحرفين إلا من رحم الله، وبعد ذلك ماذا تشاهد؟ أجواء الدخان وأجواء مآذن الشيطان هذه (الشيش) هذه التي يقول فيها الشيخ حافظ :

    كذاك معشوقة الشيطان قد نصبت     بها فخاخ لأرباب الجهالات

    ثم يقول:

    من أي وجه أتاها الحسن لقد     أخطأ الطريق إليها في المرادات

    من حسن لمعتها من طول قامتها      من ذلك الحبل مطوياً بليات

    يقول: ما هذا من أين جاءها الجمال؟ وبعد ذلك:

    بداخلها ماء يقاس على بول الكلاب، فالماء الداخل في العلبة تلك مثل بول الكلب، ويأتي يضع (المخمج الأسود) فوق ويضعون فوقها النار ثم تشب وذاك جالس (يقرقر) تحتها، وإذا أكمل مسحها وقال: هات، ويأخذ الثاني، وهكذا.

    وقرأت أنا بحثاً علمياً أجرته جامعة الملك عبد العزيز في جدة كلية الطب مدعوماً بالأرقام، فوجدوا أن هناك الآن إيدز جديد يهدد الناس اسمه الفيروس الكبدي، وأن سبعة وخمسين في المائة من الشعب يحمل هذا الفيروس، وأكثر هؤلاء من أصحاب (الشيشة)، فأصحاب (الشيشة) عندهم فيروس كبدي.

    فاترك -يا أخي- (الشيشة)، واترك أنت يا صاحب القهوة القهوة، اتركها ولا تؤجرها، وإذا كان عندك أحد فأخرجه، أما أن تصلي الفجر وأنت من أهل الإيمان وترضى بالمنكر فلا يجوز ذلك.

    الآن بعض الشباب ينام في بيت أهله، فإذا جاءت الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة استغل غفلة أبيه ووجود النوم وقام وفتح الباب وخرج، أين يذهب؟ يذهب المسجد، لا. بل يذهب إلى القهوة، ومن يجد في القهوة؟ ربما يريد يشرب كأس شاهي فقط، لكن مع كأس الشاهي يأتي زميل له يقول: لماذا لا تدخن؟ فيقول: يا شيخ! لا أدخن، قال: يا شيخ! تمرن ماذا في الدخان، والله تأخذ واحدة تشاهد مصر من هنا، هذا يا شيخ! ليس فيه شيء جرب حبة، فتبدأ القضية بالتقليد فقط، جرب حبة ومن الحبة انزلق، أو جرب حبة مخدرات، المخدرات الآن يدخل الشخص القهوة وليس عنده شيء، ماذا فيك؟ قال: زعلان، طيب جرب هذه الحبة، هذه الحبة تفعل في الإنسان فعل النار؛ لأنها تسممه وتقضي على دمه، وبعد ذلك يصبح مدمناً، ولا يهمه عواقب مدمن المخدرات.

    أقيمت ندوة في الثانوية التجارية، اشتركت فيها أنا ودكتور من الشئون الصحية ودكتور في علم الاجتماع، وتناول كلٌ منا جانباً من الجوانب، أنا تناولت الجوانب الشرعية، وآخر تناول الجوانب الطبية، وآخر تناول الجوانب الاجتماعية، وهذا الشريط موجود الآن في المكتبة، ويباع بعنوان: أضرار المخدرات والتدخين، وأنا أنصح كل شاب أن يسمع هذا الشريط؛ لأنه تكلم فيه هذا الطبيب الذي عنده درجة الدكتوراه في الطب وفي كلامه يقول: والله إن الدخان لا يقل خطورة بل هو أعظم من المخدرات في فتكه بالجسد، وفي فتكه بالمعدة، وفي السبب الذي يسببه على الإنسان من الأمراض الخطيرة ولذا يقول: ليس حراماً وإنما هو أعظم من حرام، وهو طبيب وليس عالماً، وأما دكتور عام الاجتماع فتكلم بكلام تشيب منه الرءوس.

    فالقهوة هذه وكر من أوكار الفساد، يتجمع فيها الشباب ويلعبون الورق ويلعبون (الكيرم)، وبعد ذلك يأتي الشيطان فيقوم شخص يقول: أين أنتم ذاهبون؟ قالوا: نذهب نتمشى، وذهبوا يتمشون يتتبعون أعراض المسلمين، ويدقون على الناس بيوتهم، وبعضهم يذهب يسرق في الليل إذا لم يكن عنده فلوس ليشتري مخدرات، وبعضهم إذا ما وجد امرأة يزني بها يلوط برفيقه، والجرائم كثيرة جداً في أسباب المقاهي هذه.

    فنقول للمسلم هذا: اتق الله، وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل من فتح هذا المقهى وأن تتركها خوفاً من الله.

    حكم الوساوس في القلب

    السؤال: يقول: الشيطان يوسوس لي وساوس خطيرة تؤدي إلى الشبه، فهل أنا محاسب بتلك الوساوس ولو لم أكن راضياً؟

    الجواب: لا. لست محاسباً، وقال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إنا نجد في نفوسنا شيئاً لا نستطيع أن نعلمك به فقال: الحمد لله الذي رد كيد عدو الله إلى الوسوسة، ثم قال: ذلك صريح الإيمان، ذلك صريح الإيمان، ذلك صريح الإيمان) وأخبر صلى الله عليه وسلم وأمر من يجد في نفسه مثل هذه الأسئلة أن يقول: (أستغفر الله لا إله إلا الله) ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه إن شاء الله لا يضره.

    حكم اللقطة التي لا يعرف صاحبها للمسافر

    السؤال: شخص وجد مالاً من الريالات وهو في سفر وليس قريباً من أحدٍ، وهو بحاجة إلى هذا المال؛ لأنه في سفر فهل يأخذه؟

    الجواب: لا يجوز له ولو كان محتاجاً إليه، بل عليه إذا أخذه أن يعرفه عاماً كاملاً، فإن لم يستطع أن يعرفه فلينفقه في وجوه البر على نية صاحبه، أما أن يأخذه ويستحله قبل التعريف فلا.

    أقسام القلوب

    السؤال: يقول: إني أحبك في الله، وأرجو منك أن تبين لنا أقسام القلوب ونريد الأمثلة عليها؟

    الجواب: أقسام القلوب والأمثلة عليها تحتاج إلى وقت طويل، ولكني أحيلك إلى شريطٍ في السوق اسمه: أمراض القلوب، وهي محاضرة ألقيت في الأطاولة في زهران ، وقد عددنا فيه أنواع القلوب وسبب أمراض القلوب، وعلاج أمراض القلوب، وعلامات أمراض القلوب، وهو شريط مفيد بإذن الله عز وجل.

    نصاب الزكاة

    السؤال: كم نصاب الزكاة في النقود بالريال؟

    الجواب: في كل مائة اثنين ونصف وفي الألف خمسة وعشرين، وفي العشرة آلاف مائتين وخمسين، في الأربعين ألف؛ ألف ريال، وهكذا.

    كلمة (واضي) هل هي من أسماء الشيطان؟

    السؤال: يقول لي أحد الأصدقاء: أنَّ (واضي) اسم من أسماء الشيطان، فيكره أن يقول للإنسان: أنت واضي ولكن يقول: أنت متوضئ؟!

    الجواب: نعم. قال بعض أهل العلم: أن هذا اسم من أسماء الشياطين، وأسماء الشياطين كثيرة، منها، و(لهان)، و(الولهان) شيطان الوضوء، ومنها (خنزب) وهو شيطان الصلاة، فإذا أتيت تصلي قام يوسوس عليك من أجل أن يأخذ قلبك ويذهب بك في متاهات، وأيضاً اسمه (مبسوط) لا بسطه الله، فإذا أحد قال لك: مبسوط قل له: لا ما أنا مبسوط، يعني: ما أنت شيطان، ومنها (واضي) وكثير من الأسماء، لكن إذا قالها الواحد وهو لا يعني بها الشيطان فما فيها شيء.

    حكم الإقامة بعد الأذان مباشرة

    السؤال: هل تقام الصلاة إذا توفرت الجماعة بعد الأذان مباشرةً لمصلحة العمل؟

    الجواب: نعم. إذا كان الناس في الإدارة وجاءوا كلهم مع الأذان وكلهم موجودون فأذنوا وأقاموا الصلاة لا شيء في ذلك إن شاء الله.

    حكم ترك المؤذن أو الإمام المسجد لحضور محاضرة

    السؤال: ماذا تقول في بعض الأئمة والمؤذنين الذين يحرصون على حضور هذه الندوة ولكنهم يتركون مساجدهم؟

    الجواب: نقول لهم: إن طلب العلم فريضة، ولكن قيامهم بالواجب أفرض إلا أن يوكلوا، فإذا كنت أوكلت أذانك إلى من تبرأ به الذمة وأوكلت إمامتك إلى من تبرأ به الذمة فلا حرج أن تأتي إلى طلب العلم، أما إذا كنت تعرف أنه لا أحد يؤذن في المسجد ولا أحد يصلي بهم فأنت مؤتمن على تلك الوظيفة فلا تتركها، فقيامك بالواجب أفضل وأولى، وبإمكانك أن تشتري الشريط بخمسة ريال وتسمعه أنت وأهلك.

    والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755973209