إسلام ويب

كشف مؤامرة تحريم النقاب [1]للشيخ : محمد إسماعيل المقدم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ظهرت في الآونة الأخيرة فتاوى جريئة على أحكام الله تعالى، سالت بها أقلام مأجورة، وكتبتها أيادٍ مطمورة، ونشرتها صحف مأزورة، وهذا في زمن غاب فيه أهل العلم حيناً، وفُقدوا عن تبصير الأمة أحياناً، وهذا ما فتح الباب للمبتدعة والنعّاق لينثروا ما في جعبهم من سموم، ومن تلك الفتاوى فتوى المدعو إسماعيل منصور الذي تجرأ على الله تعالى، فأفتى بتحريم النقاب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    1.   

    جهل من يخرج عن أحكام الدين بدعوى الاجتهاد والتقليد

    بسم الله الرحمن الرحيم ولي المتقين، الحمد لله رب العالمين الذي لا يهدي كيد الخائنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قاصم ظهر الماكرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين.

    اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإنه في حال انفتاح ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (قبل الساعة سنوات خداعة، يُصدّق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويُخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة).

    وما أخبر به صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلّوا وأضلّوا).

    فبقى الذين إذا يقولوا يكذبوا ومضى الذين إذا يقولوا يصدقوا

    وفي حال انفتاح ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في قوله: (سيأتي قوم يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم). وفي حال غياب رءوس أهل العلم حيناً، وقعودهم عن تبصير الأمة أحياناً، وفي حال تداعي الأمم علينا من كل أُفق، إلى غير ذلك مما يعيشه المؤمنون في قالب هذه الأزمات، خصوصاً الأزمات الفكرية الغثائية الحاسة، التي أفقدتهم توازنهم وزلزلت كيانهم، كل بقدر ما علّ من هذه الأسباب ونهل، فصار الدخَل، وسار الدخن، وضعفت البصيرة، ووجد أهل الأهواء والبدع مجالاً فسيحاً لنشر بدعهم ونثرها، حتى أصبحت في كف كل لاقط، فامتدت من المبتدعة الأعناق، وظهر الزيغ، وعاثوا في الأرض الفساد، وتجارت الأهواء بأقوام بعد أقوام، إلى غير ذلك من الويلات التي يتقلب المسلمون في حرارتها، ويتجرعون مرارتها، إذا بسرب من المبتدعة يحاولون اقتحام العقبة؛ لتكثيف الأمية الدينية وزيادة غربة الإسلام بين أهله، هذا ممن يدعي العلم، وهو عارٍ عنه، وقد تزّيا بزيّ أهله، وراج سوقه على بعض العوام بما يلفقه من الأكاذيب والأوهام، ورأى حينما خاطب هؤلاء الأغمار الرعاع أنه لا معارض له من أولئك، كما يتكلم المتكلم بين المقابر بما شاء من الكلام حتى تخيل بذلك أنه من العلماء الأعلام، ولو بقيت بدعته حديثة الأدراج أو الأوراق لهان الأمر، ولكان من الخطأ الرد عليها وتنبيه المسلمين إليها؛ لأنه إشهار لفكرة تكون قد ماتت في مهدها، ولفت لأنظار المسلمين لينظروا في بيتها.

    ادعى هذا الرجل دعوى لو قالها قائل قائل لـعمر لهاجت سِرَتُه، ولبادرت بالجواب درّته، دعوى لا تقوم على قدمي الحق، ولا على قدمي باطل وحق، دعوى لا تستحق النظر فيها فضلاً عن الاشتغال بالرد عليها، ولكن لأن لكل ساقطة لاقطة؛ ولأن له صديقاً حميماً أشرف في نصرة بدعته، وفتح له باب جريدته، ونشر فيها إفكه وضلالاته؛ كان السكوت على مثل هذه الضلالة يعرض كثيراً من الأبرياء للانزلاق من ورائه، والتأثر بأباطيله، فهذا كله أوجب الرد عليه، والكشف عن افتراءاته؛ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42] وفي ذلك أيضاً فائدة للباهت المفتري نفسه، وهي: احتمال أن يعود إلى رشده، وأيضاً التقليل من أوزاره من جراء تقليل عدد المتورطين المضللين به، الذين سوف يحمل أوزارهم فوق أوزاره كما قال عز وجل: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13].

    وقال عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25] .

    وهناك كثير من الإخوة يرون أن مثل هذه الردود ينبغي أن توجّه مثل هذه الجلسات لنواحٍ علمية مجردة عن النقاش والأخذ والرد، مع أن غالب هؤلاء قد يلتبس عليهم الأمر نتيجة نشاط هؤلاء المبتدعة وإفساح وسائل الإعلام لهم، فلا يتبينون حقيقة ما اختلف فيه الناس فضلاً عن التمسك به والدعوة إليه، ومع ذلك كنا نتمنى ألا نضيع الوقت في ذكر هذا، ولكن كثيراً ما تجري الرياح بما لا يشتهي الملاح.

    أساء المبتدع وافترى، ونال من أخواتنا المحجبات ومن حجابهن، بل وصل الأمر إلى رميهن بالفاحشة، فعلى الأقل انتصاراً لهؤلاء الأخوات وامتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال، وليس بخارج) وردغة الخبال كما في بعض الروايات المفسرة هي: عصارة -أو عرق- أهل النار.

    فردع المبتدع بالبيان خاصة أنه يتسلم مقام الاجتهاد والتجديد! حيث يدعي أنه مجتهد ومجدد، وبالتالي لا نأمل أن ينفتح من الشر ما هو أكثر من ذلك، وتكون هذه الفقرات تجتمع بعضها إلى بعض فتسبب سيلاً من البدع والضلالات التي قد تتفتح عنها عبقريته، فردعه عن بدعته بالبيان واجب؛ حتى لا تتوالى الخطرات التي يزخرفها بدعوى الاجتهاد والتجديد، فتكون سيلاً على توالي الغفلات.

    ولا نشك أنه لو كان هناك سلطان شرعي يزع الله عز وجل به ما لا يزع بالقرآن لما كان لمثل هذا جزاء إلا التعزير والتأديب والحجر عليه، ومنعه من الكلام في الدين استصلاحاً للديانة وأحوال الجماعة؛ لأن الحجر على هؤلاء الجهال ألزم وأوجب من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان، والمبتدع إذا هُجر وزُجر بات كالثعلب في جحره، أما ترك تحسيسه ببدعته فهذا تزكية وتنشيط له وتغرير بالعامة؛ لأن العامي مشتق من العمى، فهو ينقاد لمن يقوده.

    تجانف هذا المبتدع للعدوان والإثم، وجمع من الترّهات ما يمج سماعه أولو الألباب السليمة والعقول المستقيمة، وسمّى أوراقه بـ: تذكير الأصحاب بتحريم النقاب.

    واشتملت هذه الصفحات الكاذبة الخاطئة على ألفاظ مبتدعة، وإشارات مخترعة، وأقوال مختلقة، ليست من أقوال أهل الإسلام، بل لم يقل بها أحد من الأئمة الأعلام، وإنما هي من أوضاع الصحافيين والمسمين بالمفسرين اللئام.

    استتر كما تعودنا من أمثاله، وراء دعوى الاجتهاد، فهو يقول عن نفسه بأنه حصل أكثر أسباب الاجتهاد، وبأنه يجدد للأمة أمر دينها! هذا كما هو في كتابه باللفظ، وفي الحقيقة أن أخطر أمرين في هذا الزمان -ونحن في نفس الوقت أحوج الناس إليهما-: التجديد والاجتهاد. تجديد الدين، وفتح باب الاجتهاد لأهله، وفي نفس الوقت فهاتان النافذتان هما أخطر المنافذ لغزو الإسلام وإفساد أهله؛ لأننا نرى كل من أراد أن يخترع شيئاً في الدين ويخرج على قواعد أهل العلم يحتمي وراء هاتين الدعوتين: التجديد والاجتهاد.

    هذا الترابي مثلاً في السودان من خلال نافذة التجديد والاجتهاد يخرج على الأمة بآراء وبدع وضلالات ما أنزل الله بها من سلطان، فيدعو مثلاً إلى إسقاط حد الردّة عن المرتد! وإلغاء حد شارب الخمر! وإباحة زواج المسلمة من الكافر اليهودي أو النصراني، إلى غير ذلك من الدعاوى الواسعة بدعوى الاجتهاد وبدعوى التجديد.

    فهذه الدعوى ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب؛ لأنها دعوة لهدم الإسلام، والتفلّت من أحكامه ونظمه، والثورة على تراثنا الفقهي، لكن بدون مواجهة التيار الإسلامي مباشرة ومعاداته، وإنما بالمشي معه تحت ستار الإسلام، لكن بلبوس جديد، هؤلاء حقاً هم قطاع الطريق على هذه الأمة في سيرها إلى الله تبارك وتعالى على الصراط المستقيم، فالله طليبهم وهو حسيبهم.

    كان الأولى إن كان هذا الرجل مخلصاً للإسلام وأهله أن يتقي الله في شتات الأمة وغرس الشقاق في أنفسهم ونشر البلبلة، وقد تكسرت الرماح عليهم من كل جانب فإذا به يختار ميداناً محبباً لأعداء الصحوة الإسلامية والكائدين لرجالها ونسائها، ولذا طار به أهل الفتن والأهواء، ثم إن أجواء العصر الذي نعيشه على أهبة الاستعداد لاحتضان عالم الشقاق، فتحمل له العَلَم الخفاق لنشر صيته في الآفاق، فيغتر بذلك أثيرُ الحظ الزائل، وما زاد الأنصار بوقاً ينفح به العدو الصائل.

    أثارت هذه البدعة عاطفة من الاستحسان والإعجاب في دوائر يتفق الجميع على الريبة في كل ما تستحسن، والشك في كل ما تصفق له وتهلل، كما قيل: قل لي من يصفق لك أقل لك من أنت. وصارت مقالاته تكأة لاستعداء الأعداء على حكم الله الشرعي في هذه القضية، فمن اعتاد على تبسيط ما لا يمكن تبسيطه سوف يكون من الصعب عليه إدراك خطر هذه الدعوى إلى السفور باعتباره واجباً شرعياً، الأمر الذي لم يجرؤ عليه حتى قاسم أمين في ذروة ضلاله، حيث لم يتجرأ على هذه الدعوى العريضة الواسعة من أن النقاب محرم، وأن المنقبة مجرمة وآثمة، وتستحق النار، وأن المتبرجة أقرب إلى الله وأقرب إلى سواء السبيل، لم يجرؤ أحد على الإطلاق من قبل أن يتفوه بمثل هذه الدعوى، وما من شك أن فتح هذا الباب من جديد هو محاولة لإحداث نكسة في الصحوة الإسلامية، حتى ترجع إلى الوراء خطوات وخطوات.

    فنستعين الله تبارك وتعالى في كشف بدعة هذا الرجل، وإن كنت لست أهلاً لذلك، لكن الضرورة قد تُلجئ الإنسان إلى التيمم إذا لم يجد الماء، كما يقول أبو علي البصير :

    لعمر أبيك ما نُسب المعلّى إلى كرمٍ وفي الدنيا كريمُ

    ولكن البلاد إذا اقشعرّت وصوّح نبتها رُعي الهشيمُ

    1.   

    كشف المبتدع ومشروعية الرد عليه إذا أظهر بدعته

    قال بعض العلماء:

    القدحُ ليس بغيبةٍ في ستةٍ متظلّمٍ ومُعّرّفٍ ومُحذّرِ

    ومجاهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَن طلبَ الإعانةَ في إزالةِ منكرِ

    وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يكره التصدي لمجادلة المبتدعين، وقد حكى عنه الغزالي في كتابه المسمى: (المنقذ) أنه أنكر على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على المعتزلة، فقال الحارث : الرد على البدعة فرض. فقال أحمد : نعم، ولكن حكيتَ شبهتهم أولاً ثم أجبت عنها، فلا يُؤمَن أن يطالع الشبهة من تَعْلق بفهمه ولا يلتفت إلى الجواب، أو ينظر في الجواب ولا يفهم كنهه. قال الغزالي : وما ذكره أحمد حق، ولكن في شبهة لم تنتشر ولم تشتهر، أما إذا انتشرت فالجواب عنها واجب، ولا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية.

    نقول قبل أن ندخل إلى الموضوع: إن صاحب الحق المتفهم لحقه، والمحيط بأطرافه، لا يغالي بالمخالفين وإن كثروا أو ضخُمت ألقابهم، ولا يبالي بكل ما يولدون من شبهات وإن بدت كبيرة قوية، ولا يجعل مناط الحق بمركز ولا لقب ولا شهرة؛ لأنه يعلم أن من سنن الله في الاجتماع وفي الكون أنه عز وجل يسلّط الأضداد بعضها على بعض، فيسلط الباطل على الحق، والضلالة على الهدى، والخطأ على الصواب، والجاهل على العالم، والسفيه على الحليم، والأحمق على الكريم، إن هذه ضرورة اجتماعية تخلّص الحق من شوائب الباطل، والصواب من متاهات الأخطاء، فيمتاز الحق بأهله، والباطل بأهله، مثل تلك الضرورة الكونية التي يسلط الله فيها الليل على النهار ليخرج الفجر ناصعاً من سواد الليل.

    إن من المكابرة والعناد أن تقول بخلاف ما أجمع عليه أهل العلم بعد ثبوت ذلك بالسنة الصحيحة ومشاهدة إقرار أئمة الأمة وصلحائها وأفاضلها في كل زمان ومكان، من عهد نزول الوحي إلى اليوم، وإن إنكار هذا الجاهل المبتدع لأمر مُجْمَع على مشروعيته لا قيمة له، وليس من المعقول أن يكفر الصحابة والسلف، ويصدق هذا الفاذ الشاذ عن الجماعة، ثم إنك إذا نظرت في كلامه ترى أنه قضى تقريباً نصف الكتاب في مدح نفسه، والثناء على منهجه، وفي الكلام عن الأدلة، حتى أوهم الناس أنه على شيء من العلم أو أنه يحترم الأدلة، وهو أكثر ما يكون بعداً عن الأدلة، وكذلك في حواره الآن على صفحات الجريدة يكثر من الكلام في العمومات ويختبئ وراءها، فيذكر الأدلة العامة؛ لأنه ليس عنده قضية محددة ولا دليل محدد، ويتكلم عن احترام العلماء وأهمية العلم، وتسفيه الجهلاء، ويقول: لا نأخذ الحق من الرجال، ثم يصول ويفتي ويعيد وكأنه على حق، حتى يغطي ضلاله وباطله وبدعته، ونقول: نعم! الحق لا يُعرف بالرجال، لكن نقول في نفس الوقت كما قال الشاطبي رحمه الله تعالى : إذا كان الحق هو المعتبر دون الرجال فالحق أيضاً لا يعرف دون وسائطهم، بل بهم يتوصل إليه، وهم الأدلاّء عليه.

    ويقول بعض العلماء: الانفراد عن أهل العلم برأي في الشرع، والقول بما لم يقل أحد فيه، ينبئان عن خلل في العقل.

    وعن زفر بن الهذيل أنه قال: إني لا أناظر أحداً حتى يسكت، بل أناظره حتى يُجنّ.

    قالوا: كيف ذلك؟!

    قال: يقول بما لم يقل به أحد.

    أي: أن يقول الإنسان بما لم يقله أحد قبله من أهل العلم.

    وأرى من الواجب الديني أن أوصيه إن كانت فيه مسكة من العقل، وبقية صالحة للتعقل أن يترك الكتابة في الفقه والحديث؛ لأنه استبان من كتاباته ما يقضي عليه قضاء لا مرد له، أنهما ليسا من صناعته، والعاقل يترك ما لا يحسنه.

    وقد قال الشاعر العربي:

    خلق الله للحروب رجالاً ورجالاً لقصعة وثريدِ

    والغلط فيهما غلط في صميم الدين، والطيش فيهما هلاك في الدنيا والآخرة.

    ويقول أبو عمرو بن العلاء البصري -وهو أحد القراء السبعة-: ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال.

    ويقول الشاطبي رحمه الله تعالى: قلّما تقع المخالفة لعمل المتقدمين إلا ممن أدخل نفسه في أهل الاجتهاد غلطاً أو مغالطة.

    وهذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله ورضي عن أبيه وجدّه يقول: ليس ما لا يعرف من العلم، إنما العلم ما عرف، وتواطأت عليه الألسن.

    ويقول إبراهيم بن أبي عبله رحمه الله: من حمل شاذّ العلم حمل شراً كثيراً .

    ويقول الحافظ ابن حجر : إذا تكلم المرء في غير فـنّه أتى بهذه العجائب.

    وذكر أبو عمر بن عبد البر عن مالك رحمه الله قال: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة -شيخ الإمام مالك - فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ وارتاع لبكائه، فقال: لا، ولكن استُفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم. ثم قال ربيعة : ولبعض من يُفتي هاهنا أحق بالحبس من السّرّاق. أي: أحق بأن يحبس ويسجن من اللصوص.

    وقال الحافظ ابن حزم رحمه الله تعالى: لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدُّخَلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويُفسدون ويقدّرون أنهم يُصلحون.

    وقال القاسم بن محمد : لأنْ يعيش الرجل جاهلاً خير من أن يقول على الله ما لا يعلم.

    وقال الأمير شكيب أرسلان : ومن أسباب تأخر المسلمين: العلم الناقص، والذي هو أشد خطراً من الجهل البسيط.

    لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشداً عالماً أطاعه ولم يتفلسف عليه، وأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري ولا يقتنع بأنه لا يدري، وكما قيل: ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلائكم بنصف مجنون.

    وأقول: ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755948813