ومن هنا كانت الحياة الإنسانية منغصة بدعايتين: الأولى: عن قدم هذا العالم وعدم فنائه. أما القدم فإنه ادعى أن هذا الإنسان لم يوجد في فترة معينة، وإنما وجد نتيجة التفاعل الكيماوي والحيوي، كما تقول الشيوعية الملحدة، وكما يقول داروين ومن على شاكلته -عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة-: إن هذا الإنسان وجد نتيجة التعفن على هذه الأرض، ومعنى ذلك: أن الإنسان ولد كما تتولد الحشرات الضارة، كشيء من الطعام طال عليه الزمن فتولدت منه حشرات، فنمت هذه الحشرات حتى وصلت إلى قرد، ثم صارت إلى إنسان، وهاتان النظريتان نقضهما العلم، وهما: نظرية التفاعل الكيماوي والحيوي، ونظرية التطور، والله تعالى قد أخبرنا في القرآن كيف خلق هذا الإنسان.
الثانية: أنكر كثير من القوم في القديم والحديث البعث بعد الموت، وأنكروا حياة البرزخ والحياة الآخرة، وقالوا: مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ [الجاثية:24]، وعلى هذا فإن القرآن قد ركز -خصوصاً في الآيات المكية، أي: قبل أن يصل المسلمون ويقيموا دولتهم في المدينة- على هذا الجانب، كما ركز على جانب الوحدانية؛ لأن جانب البعث بعد الموت أمر ينكره القوم وقتئذٍ، فكانت أكثر وجُلّ السور والآيات المكية تتحدث عن هذا الموضوع، ولذلك لا تكاد تقرأ السورة من سور القرآن إلا وتجد فيها الحديث عن الحياة الآخرة والبعث والجنة والنار والحساب والصراط، وغير ذلك من الأمور التي تنتظر هذا الإنسان بعد حياته.
والحقيقة أن هؤلاء الذين يقولون مثل هذه المقالات يرد عليهم من وجوه: الأول: أنهم لم يستطيعوا أن يعثروا على كثير من أسرار الحياة الدنيا، بل على جُلّ أسرارها، فكيف يفكرون أن يعثروا على أسرار الحياة الآخرة وحياة البرزخ؟!
الأمر الثاني: أن الله عز وجل ألقى بيننا وبين حياة البرزخ وبين الحياة الآخرة هذا الستار المتين؛ بحيث يكون الابتلاء والامتحان، ولو كان الأمر مكشوفاً كما يريد هؤلاء لما حصلت الحكمة من هذا الامتحان، ولكن الله عز وجل يريد أن يمتحن العقول والإيمان.
إن العالم الذي يعيش الآن في أمريكا وبلاد الغرب والشرق قد وصلوا إلى غاية الترف المادي، لكنهم ما وفقوا للحياة الطيبة؛ لأن الحياة الطيبة لا تكون في متاع الأجساد وإنما تكون في متاع الأرواح، ولذلك فالمؤمن مهما عاش في شظف من العيش، ولو كان في غياهب السجون، وتحت مطارق الأعداء يسام سوء العذاب، فإنه يعيش في ظل هذه الحياة الطيبة التي يقول الله عز وجل عنها: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)؛ لأن الحياة الطيبة معناها: الإيمان، وتصور الحكمة من هذا الوجود، وإدراك أسرار هذا الكون، وإدراك النهاية، والإيمان بتلك النهاية التي تنتظر منذ البداية.
يقول الله عز وجل أيضاً عن ذلك: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا [هود:3]، أي: بالحياة الطيبة في ظل الإيمان، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3]، أي: في الحياة الآخرة.
فلا نتعجب إذا سمعنا أخبار هذا العالم المتحضر حضارة مادية، ولكنه خال من كل الروحانيات، لا نتعجب إذا سمعنا أخباره عن الانتحار، وتأتينا إحصائيات الانتحار: بأنه في كل كذا من الدقائق تكون عملية انتحار، وفي كل فترة من الزمن تكون عملية قتل، لماذا؟ لأنهم فقدوا هذه الحياة الطيبة، ويعيشون في قلق وهم وغم، ولكن المؤمن -والحمد لله- مهما يلاقي في هذه الحياة؛ فإنه ينتظر حياة أفضل من هذه الحياة، بل يعتبر ما يصيبه من نصب وهم ومصائب في هذه الحياة الدنيا غنيمة يكسب بها أجراً عند الله سبحانه وتعالى في الحياة الآخرة، ولا يعيب نفسه، ولا يؤنب ضميره حينما يصيبه قدر من أقدار الله؛ لأنه يؤمن بالقدر، أما ذلك فإنه يندب حظه، ويندب نفسه: كيف فعلت كذا ولم أفعل كذا؟ لأنه لا يؤمن بالقضاء والقدر.
وهكذا نعرف الفرق بين المؤمن وغير المؤمن، ومن هنا يقول أحد الصالحين: والله لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه من لذة الإيمان لجالدونا عليها بالسيوف. ويقول ابن القيم رحمة الله عليه: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. ويقصد بجنة الدنيا لذة الإيمان، ولذة انتظار الحياة الآخرة، ولذة مناجاة الله عز وجل والوقوف بين يديه، وانتظار وعده، هكذا تكون جنة الدنيا، أما جنة الآخرة فإنها جزاء لتلك الجنة.
إذاً: الحديث عن حياة البرزخ والآخرة حديث طويل جداً في القرآن.
معنى هذه الآيات: أن الناس في هذه الدنيا أتباع ومتبوعون، والأتباع: هم غالب وعامة الناس، والمتبوعون: هم قادة الكفر والضلال والانحراف والإلحاد والمعصية؛ ففي الدنيا يؤيد بعضهم بعضاً، ويدعو بعضهم بعضاً إلى الانحراف والضلال والغواية، ويقولون لهم في الدنيا: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، ويزينون لهم طريق الفسق والفجور والمعصية والإثم والعدوان، حتى إذا كان الموقف الأكيد الصادق يوم القيامة بين يدي الله عز وجل، يتبرأ المتبوعون من التابعين، فيتمنى التابعون أن يعودوا إلى الحياة الدنيا مرة أخرى ليتبرءوا من أولئك كما تبرءوا منهم في ذلك الموقف، والله عز وجل يقطع أسباب العودة ويقول لهم: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ [البقرة:167]، أي: لا الأتباع ولا المتبوعون.
يقول الله: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)، أي: فعلوا المعصية والكفر والشرك والعدوان، (إذ يرونَ العذاب)، أي: عذاب النار وهم على حافة جهنم، نسأل الله العافية! (أن القوة لله جميعاً)، ليس هناك ما يخلصهم إلا رحمة الله عز وجل، (وأن الله شديد العذاب)، أي: لا يستطيع المتبوعون أن يتحملوا هذا العذاب الشديد عن التابعين كما كانوا يزعمون ذلك في الحياة الدنيا.
قال الله: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا)، وفي قراءة بالعكس: (إذا تَبرأ الذين اتَبَعُوا من الذين اتُبعوا)، وكلا القراءتين تدل على أن العداوة قد قامت بين الصديق وصديقه، والخل وخليله على معصية الله، على الإثم والعدوان؛ بدأت العداوة وخرجت الآن، (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ) أي: رأى التابع والمتبوع العذاب، (وتقطعت بهم الأسباب)، أي: ليس هناك وسيلة للخلاص، (وقال الذين اتبعوا)، أي: المساكين الذين ما استعملوا قوتهم العقلية ولا المعايير والمقاييس الحقيقية، وإنما كانوا في ذيل القافلة، ما دام هؤلاء مسئولون فهم يسيرون وراءهم.. دعاة الضلال يقودونهم إلى جهنم وهم يركضون وراءهم، دعاة الضلال يزينون لهم الخبيث وهم يركضون وراءهم، لماذا؟ لأن دعاة الضلال قد استغلوا كل وسائل الإعلام العالمي، فصاروا يخادعون الناس، فمرة يتكلمون على الإسلام بأنه تخلف ورجعية، ومرة يتكلمون عن الحجاب بأنه تقوقع وانحراف وتخلف، ومرة يتكلمون عن الحدود بأنها وحشية لا تصلح لهذا الزمان.. ومرة ومرة إلخ، حتى انخدع الناس بهذا السراب، فصاروا يسيرون معهم ويقدمونهم، ثم في ذلك اليوم يندمون على ما فعلوا في الحياة الدنيا.
هذا مشهد من مشاهد القيامة كأننا نشاهده الآن أمام أعيننا، وكأننا نرى أمماً عظيمة تشبه السراب في كثرته وقلة أهميته تتبع أمماً أخرى كانت معها أدلة كاذبة، وكانت معها أقوام منحرفة؛ فيسير هؤلاء وراء أولئك، حتى إذا كان يوم القيامة، وبدت المعايير الحقيقية؛ حينها يتبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتبَعوا، ويتمنى التابعون أن يعودوا إلى الدنيا ولو لحظة واحدة من أجل أن يتبرءوا من المتبوعين، ومن أجل أن يسيروا في فلك وخط المؤمنين المصلحين، ولكنهم لا يستطيعون ذلك في ذلك اليوم؛ لأن الله عز وجل حكم على من وصل إلى الحياة الآخرة ألا يعود الدنيا مرة أخرى، ولذلك يقطع الله تعالى أمل هؤلاء ويقول: (وما هم بخارجين من النار)، فيقطع آمالهم، ويثبت خلود هؤلاء وأولئك في النار.
الأول: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ [الأعراف:44]، انظر يا أخي! إلى هذا النداء بما فيه من السخرية! كان المجرمون من قبل يسخرون في الدنيا من المؤمنين، فإذا بالمعايير تنقلب، وإذا بالمقاييس تتغير؛ فيسخر المؤمنون في ذلك الوقت من أولئك الكافرين الذين كانوا يسخرون منهم في الدنيا، ماذا يقولون وهم في الجنة ما بين أنهارها وبساتينها وأشجارها يطلون على أهل النار؟ وإن كان المشوار طويلاً، لكن الله عز وجل بقدرته يوصل كلام هؤلاء إلى هؤلاء، وبغية هؤلاء إلى هؤلاء، فيقول أهل الجنة لأهل النار: قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً [لأعراف:44]، وهم يعرفون أنهم وجدوا ما وعدهم ربهم، فيقول أهل النار: نعم، وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، لماذا؟ لأن الله عز وجل قد أخبرنا خبر صدق في هذه الدنيا؛ فلابد أن يكون حقيقة في الآخرة.
النداء الثاني: يأتي النداء الثاني من قوم بين الجنة والنار، وهم من على الأعراف، والأعراف كما يقول القرآن: مكان مرتفع، وهو في اللغة: المكان المرتفع أيضاً، وهؤلاء أقوام تخلصوا من النار لكن أعمالهم لم تؤهلهم بعد لدخول الجنة، فهم يقفون على الأعراف ينظرون إلى أهل الجنة وإلى أهل النار، ماذا يقول أهل الأعراف لأهل النار وأهل الجنة؟ قال تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ [الأعراف:48]، جماعة يتألمون بلهب نار جهنم -نعوذ بالله- وقد كانوا في الدنيا معروفين بسيماهم، إذا مر الواحد صفقت له الجماهير، وفتحت له الطرق، لكن لم تخلصهم هذه السلطة ولا هذه المكانة من عذاب الله عز وجل، ولذلك فإن أصحاب الأعراف يسخرون منهم: أين الهيمنة في الدنيا؟ وأين تلك الموائد؟ وأين تلك الجماهير التي تفدي بالدم وبالروح؟ أين هي الآن؟ لم لا تخلصكم من عذاب الله؟ ماذا يقول أصحاب الأعراف؟
وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف:48]، أين الجمع؟ أين المال العظيم؟ أين الكبرياء؟ أين العظمة؟ أين الحرس؟ أين الجيش؟.. كل ذلك كما يقول الله عز وجل عنه: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94]، كما خرجت من بطن أمك بدون لباس قدمت على الله مرة أخرى بدون لباس، ليس هناك ثوب ولا سراويل؛ بل حفاة عراة غرل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يلتفتون إلى أصحاب الجنة فيقولون لأهل النار وهم ينظرون إلى أهل الجنة: أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ [الأعراف:49]، كنتم في الدنيا تقولون: إنهم متطرفون، ومنحرفون، وضالون، وكنتم تودعونهم السجون، وتسلطون عليهم كل وسائل العذاب والدمار، وتضلونهم في الدنيا، انظروا إليهم الآن في الجنة: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ)، كنتم في الدنيا تقولون: هؤلاء لا يستحقون الرحمة، قال لهم الله عز وجل: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:49].
إذاً: تغيرت المعايير، وأصبح الرجل الضعيف الذي كان في الدنيا مدفوعاً بالأبواب، نجده في ذلك اليوم قد أصبح رجلاً عظيماً عملاقاً، أصبح ينظر ويطل على أهل النار ويسخر منهم .. ينظر إلى أولئك الطغاة والمتكبرين والفسقة والعتاة، فيجدهم يتقلبون في نار جهنم ويلاقون الحسرة.
النداء الثالث: ويأتي بعد ذلك من أهل النار، وهو المرحلة الأخيرة، فأهل النار وهم في أشد العذاب -نسأل الله لنا ولكم العافية وللمسلمين- لا يجدون سلطة ولا مكانة، ولا يفكرون في كراسيهم ولا مراكزهم ولا سلطانهم ولا أموالهم ولا قصورهم، وإنما يفكرون فقط في أحد شيئين: إما في شربة من الماء يسدون بها العطش الشديد، وإما في أي شيء من أشياء هذا النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، ولذلك يمدون أكف الذل والمهانة إلى أهل الجنة: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ [الأعراف:50]، لكن هل تظنون أن أهل الجنة الذين كانوا يعيشون معذبين تحت مطارق هؤلاء من أهل النار أنهم سيعطونهم شيئاً من الماء أو مما رزقهم الله؟ لا، لقد استهلكوا كل حسناتهم ونعيمهم، وعجلت لهم في الدنيا؛ فأصبحوا الآن يقاسون كل أنواع العذاب، ولذلك يرد عليهم أهل الجنة بقولهم: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف:50-51].
هكذا تصور لنا هذه الآيات في سورة الأعراف هذا الموقف العجيب، أمم في الدنيا تسير وراء أمم على غير بصيرة؛ فتجتمع جميعاً، وتكون كلها جثياً لنار جهنم، وأمم يخلصها الله عز وجل لا بعقليات كثيرة، وإنما بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، فإذا بها تصبح في القمة في ذلك الوقت، وأمم في الدنيا كانت لها هيمنة ومكانة وسلطة وحشم وحرس، فإذا بها اليوم تقول لأصحاب الجنة وللفقراء المسلمين: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ) ، فيردون عليهم بالرفض: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ).
إذاً: أيها الإخوان! هذا موقف ومشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، لا يجوز لنا أن نغفل عنه أو أن نتغافله؛ لأن مثل هذا الموقف نحتاج إليه دائماً، ونحن اليوم أحوج ما نكون إليه ونحن نعيش في أمة قد علا فيها الطغيان وانتفخ وعظم أمره، ونرى كثيراً من المؤمنين -الذين هم من خير عباد الله- يعيشون معذبين تحت مطارق الكافرين، ولكن المؤمن عليه أن يثبت في طريقه، ويصبر ويحتسب.
بعد ذلك أخبرنا الله بأن هناك موقفين:
فيقول عن الموقف الأول في تلك اللحظة: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:27]، انقسموا الآن إلى قسمين، فذهب أهل النار إلى النار، وذهب أهل الجنة إلى الجنة، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)، وهذا تساؤل لوم وعتاب، كل واحد يلعن الآخر ويسب الآخر: أنت الذي أغويتني، أنت الذي كنت سبباً في شقائي .. إلى آخر ذلك، (قَالُوا)، أي: قال بعضهم لبعض: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ [الصافات:28]، يقول الأتباع للمتبوعين: كنتم أيها المتبوعون تأتوننا عن اليمين، هم لم يقولوا لهم: اسلكوا معنا طريق جهنم، ولكن يقولون لهم: هذا هو طريق السعادة. هذا هو طريق الرقي والتقدم. أما إذا سلكتم ذلك الطريق فأنتم رجعيون متخلفون، اسلكوا معنا هذا الطريق السديد، ولربما يقول بعضهم لبعض: هذا هو الطريق في أمور تشبه الطريق الصحيح، وإذا نظرنا إلى باب البدع والخرافات والشرك نجد أن كثيراً من الناس اتبعوا آخرين في طريق يشبه طريق العبادة، لكنه في الحقيقة طريق مسدود، وليس طريقاً إلى الجنة، بل طريق إلى النار.
ماذا يقول بعضهم لبعض وهم يتلاومون في جهنم؟ قالوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ، أي: عن طريق الطاعة لا عن طريق المعصية، ماذا يرد عليهم أولئك؟ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الصافات:29]، أي: أنتم ما كنتم مؤمنين أصلاً، أنتم ضالون ونحن ضالون، فضللنا جميعاً الطريق، فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ [الصافات:31]، أي: كلنا أصبحنا نذوق هذا العذاب جميعاًً.
يقول بعضهم لبعض: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:51-52]، فأراد الله وصف حال هذا الصديق الذي أغواه صديقه، فأراد الله الهداية للثاني حتى يتعظ من الأول، وقيض الله له رجالاً صالحين انتشلوه من هذا الموقف فأخذوه إلى طريق الجنة، ولذلك هو يعبر بنفسه عن هذا الموقف فيقول: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:51-52]، أي: هل تصدق ببعث وجنة ونار؛ فهو ينكر هذه الأشياء كلها.
بعد ذلك يقول لأصدقائه في الجنة الذين هداه الله على أيديهم، فذهبوا جميعاً إلى الجنة، يقول: ابحثوا لي عن هذا الصديق الذي كان في الدنيا يريد أن يغويني، ويريد أن يوردني المهالك، ويريد أن يكبني في النار، فصاروا يبحثون عنه وينظرون إليه من شرفات الجنة، فيجدوه يتقلب في نار جهنم -نعوذ بالله- فيطل عليه ويسخر منه، اسمعوا ماذا يقول الله عز وجل: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:51-54]، أي: أنه رأى ذلك الرجل الذي كاد أن يكون سبباً في شقائه في ذلك الموقف، رآه يتقلب في وسط جهنم، ماذا قال له؟ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56]، يا عدو الله! كدت أن تدخلني معك النار، لولا أن الله تعالى رحمني بلطفه وهدايته، وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي [الصافات:57] بأن هداني، لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57]، لكنت مثلك اليوم، أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ [الصافات:58]، أنت في الدنيا تقول: ما نحن بميتين ولا بمبعوثين، والدنيا لا تنتهي، فالآن انتهت الدنيا وجاءت الحياة الآخرة، أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الصافات:58-59]، ثم يقول الله تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصافات:60]، هذه هي البداية الصحيحة التي أنقذت مثل هؤلاء من عذاب أولئك.
هذا موقف علينا أن نهتم به، لاسيما وأننا نبتلى اليوم بجلساء وأصدقاء أشقياء يوشكون أن يكونوا سبباً لدمار وهلاك كثير من الناس، إذا لم يهيئ الله عز وجل لهم أسباب الهداية، ويقيض الله عز وجل لهم جلساء صالحين فينقذونهم من مثل هذه المآزق التي تكاد أن تمزق كثيراً من الشباب اليوم شر ممزق.
يقول الله عز وجل عن هذا الموقف الرهيب من مواقف يوم القيامة: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا [فصلت:19-20]، يعني: حتى إذا جاءوا جهنم ووقفوا على حافتها، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ [فصلت:20-21]، من باب التعجب: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا [فصلت:21]، أي: وأنتم ستلاقون العذاب، قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21]، ثم يرد الله تعالى عليهم فيقول: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ [فصلت:22]، في الدنيا إذا أردتم فعل المعصية وممارسة الإثم ما كنتم تستترون وتختفون عن عين الله عز وجل، بل الله عز وجل كان يراقبكم، وما كنتم تستترون أيضاً عن أعضائكم؛ إذ هي التي كانت تمارس المعصية، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:22-24].
هذا موقف يجدر بك أن تتصوره وأنت تمارس المعصية من معاصي الله عز وجل، أو وأنت تتخلف عن واجب من واجبات الله عز وجل التي افترضها الله عليك، وتصور أقرب حاسة وأدناها وأبسطها عندك أنها تشهد عليك، وحينئذٍ لا تستطيع أن تتخلص من شهادتها يوم القيامة ولا أن تمنعها؛ لأن الله تعالى يعلم هذه الأشياء قبل أن تعملها الجوارح.
أيها الإخوان! هذا الموقف الذي يصل إليه الناس وهم مرتبكون، وهم في أشد وأحلك وأصعب ساعات حياتهم، وهم يسمعون القيامة بآذانهم، ويشاهدونها بأعينهم، ويرون هذه الأمور التي تحدث، والتي لا تطيق الأسماع أن تسمعها، ولا الأبصار أن تدركها، يرونها رأي العين ويسمعونها سماعاً حقيقياً؛ لأن هذا وعد لا يمكن أن يتخلف أبداً.
ثم يقول الله عز وجل عن هذه السكرة وعن هذا الموت: (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، يعني: مضى عمرك وأنت تحيد عن الموت، إذا قيل لك: إن في هذا الطريق خطراً سلكت طريقاً أخرى، حتى لا تقع في الخطر، وحتى لا يصيبك الموت، وإذا قيل لك: إن فيك مرضاً خبيثاً؛ ذهبت تعالج نفسك، ولا تلام على ذلك، وإذا قيل لك: إن هناك خطراً في مكان ما؛ هربت من هذا المكان، كنت تحيد، لكنك اليوم لا تحيد؛ لأن الموت قد حان أجله وجاء موعده؛ فأصبح لزاماً أن تتجرع كأس الموت، ولذلك الله تعالى يقول: (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
والموت بداية وليس نهاية، وإن كان الموت نهاية في نظر الملاحدة الماديين الذين ينكرون حياة الآخرة؛ فإنه في نظر المؤمنين بداية لا نهاية، ولذلك ذكر الله تعالى البداية مع هذه الصورة التي قد صورها الملاحدة فقال: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [قّ:20]، أي: بدأت حياة أخرى، والصور أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الملك ينتظر أن ينفخ فيه، فينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى نفخة الفزع، ثم نفخة الفناء، ثم نفخة القيام من القبور. هذه النفخات الثلاث ذكرها الله تعالى في القرآن: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النمل:87]، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، وعلى هذا فإن الله عز وجل يقول: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [قّ:19] وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [قّ:19-20]، اليوم الذي وعد الله عز وجل هؤلاء الناس.
يروى أن عائشة رضي الله عنها لما حضرت أبا بكر الوفاة كانت عنده، فلما غشي عليه تمثلت بقول الشاعر:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
أي: حشرجت الروح عند الخروج، فقال رضي الله عنه: يا ابنة الصديق ! لا تقولي هكذا، ولكن قولي كما يقول الله عز وجل: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:19-21]، سائق يسوقها إلى المحشر من الملائكة، (وشهيد): يشهد على أعمالها، وقد كان في الدنيا يحصي أعمالها وحسناتها وسيئاتها، ولذلك فإنه يشهد عليها يوم القيامة، ماذا يقال له وهو في هذا الموقف الحرج الشديد؟ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا [ق:22]، كنت في الدنيا مشغولاً بمالك، وبعمائرك، وبسلطانك، وبمركزك، وبترفك ولهوك ولعبك ومعصيتك، كنت في غفلة فكشف عنك هذا الغطاء، فليس اليوم بينك وبين الحياة الآخرة إلا هذا الغطاء، وليس بينك وبين كشف هذا الغطاء إلا لحظة الموت؛ فإن لحظة الموت هي التي تنقلك نقلة بعيدة من الدنيا إلى الآخرة، وتزيل هذا الغطاء الذي قد وضع على وجهك؛ فأصبحت تسمع عن الحياة الآخرة لكنك لا تراها بعينيك، لكن اليوم أصبحت تراها؛ لأن بصرك اليوم حديد -حاداً قوي- فبصرك في الدنيا كان ضعيفاً لا ترى به الحياة الآخرة، لكن اليوم أصبح بصرك حاد فأصبحت ترى الحياة الآخرة، ما رأيك في هذا؟
بعد ذلك يبدأ الخصام بينه وبين الملك: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق:23]، يعني: هذه سيئات هذا الرجل وهذه حسناته، هذه أعماله أمام الله عز وجل في سجلات محفوظة.
ثم يقول الله بعد ذلك: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ [ق:24]، وألقيا بألف الاثنين، أو ألقيا معناها ألقين، وهذا التساؤل من الملائكة إلى الله عز وجل فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق:24]، أول من يدخلون النار الذين يكفرون نعمة الله، ويجحدون حق الله، ويعاندون الله عز وجل ورسله وأنبياءه وأولياءه، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ [ق:24-26].
بعد ذلك يبدأ الخصام بينه وبين قرينه في الدنيا، سواء كان من شياطين الإنس أو شياطين الجن، يقول الله عز وجل: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [ق:27]، يعني: ما أنا الذي أضللته بل هو كان ضالاً بطبيعته، ثم يرد الله عز وجل عنهم جميعاً فيقول: قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [قّ:28-31].
هذا أيضاً موقف لا يجوز لنا أن نغفل عنه، بل نتصوره؛ لأنه يصور لنا ساعة الموت وساعة القدوم والصحف التي سجلت لنا أو علينا.
يعبر الله عز وجل عن هذا الموقف بقوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [التكوير:1-4]، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة أخرى: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار:1-4]، إلى آخر الآيات.
هذا الأكوان أيها الإخوان! خلقت لمدة محددة، وحينما ينتهي وقتها فإن النجوم تتساقط على الأرض، ثم لنتصور هذه البحار وقد أشعلت وأصبحت ناراً تتلهب، ثم تصوروا هذه الأرض وقد مدت وأصبحت واسعة تتسع لهؤلاء الخلائق، منذ أن خلق الله هذا الكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تصوروا هذه الأنظمة وقد تعطلت وتبدلت وتغيرت.
ثم عليك يا أخي! أن ترجع لأمر واحد مهم، وهو أن تعتبر هذه الأشياء سبيلاً إلى الحياة السعيدة، وإلى تلكم السعادة.
إخواني في الله! ربما يستعمل طائفة من الناس شيئاً من المقاييس المادية، وحينئذٍ تكون هذه المقاييس سبباً في ضلالهم وشقائهم، وحينئذٍ ينكرون الحياة الآخرة، فيخسرون الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، أما الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها، فإن هذا وعد الله عز وجل الذي لا يتغير. هذا أولاً.
ثانياً: أن الحكمة تقتضي بأن تكون هناك حياة آخرة، وأن تكون هناك حياة برزخ، وأن تكون هناك جنة ونار، المنطق والعقل والحكمة كلها تقضي بذلك، وإلا فلا فائدة في هذا الوجود، والله عز وجل منزه عن العبث، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، فالدنيا وما فيها من أنظمة، وما فيها من أدلة، كلها تدل على أن هذا الإنسان لم يخلق عبثاً، ولم يترك سدى.
وعلى ذلك فإنه لا يتصور وجود عاقل يبني قصراً ثم يدعه للجرذان تعبث فيه، وإنما لابد أن يصون هذا القصر، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه الحياة الدنيا، وإنما خلقها لتكون وسيلة وجسراً وممراً للحياة الآخرة، فنملأ قلوبنا يا معشر الشباب! بالإيمان بتلك الحياة الآخرة، ولنتصور أنفسنا ونحن واقفون بين يدي الله عز وجل للحساب وهو يناقشنا ويحاسبنا، ونتصور حقيقة أن هذا الكون كله إنما خلق من أجلنا، وأننا خلقنا من أجل أمر عظيم ومهم، لذلك لا نغفل عن الحياة الآخرة، وما ضل ضال عن الطريق، ولا انحرف منحرف، ولا أخطأ مخطئ إلا لغفلته عن هذه الحياة الآخرة، وبمقدار ما يغفل الناس عن هذه الحياة الآخرة تكون المصائب التي لا تساويها مصائب، وبمقدار ما يؤمن الناس بهذه الحياة الآخرة، تعود المياه إلى مجاريها، ويكون الإنسان إنساناً طبيعياً محترماً ملتزماً متزناً.
وإذا أردت دليلاً على ذلك: فانظر إلى هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، وانظر إلى أعمالهم، الوحوش والله لا تستطيع أن تفعل مثل أفعالهم، لو نظرنا إلى ما يفعله الروس الشيوعيون الملاحدة في بلاد أفغانستان؛ لعرفنا أن الإيمان بالحياة الآخرة أمر ضروري لو لم يكن لوجب أن يكون، أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة والله لا تستطيع الوحوش الكاسرة أن تفعل مثل أفعالهم، لم يستطيعوا أن يبيدوا هذا الإنسان بالآلاف وبالمئات وبالملايين إلا لغفلتهم عن الإيمان بالحياة الآخرة وإنكارهم لها، ثم انظر يا أخي! إلى هؤلاء الذين قلدوا الملاحدة في إلحادهم؛ فأنكروا الخالق سبحانه وتعالى، وأنكروا نواميس كل هذه الحياة؛ انظروا إليهم ماذا يفعلون بالمؤمنين، ثم انظر أخرى إلى هؤلاء الطغاة المتجبرين الذين فقدوا هذا الإيمان.
ومن هنا ندرك أن الإيمان لذة ومتعة، وأن الإنسان لا يمكن أن يكون إنساناً حتى يؤمن بالحياة الآخرة، لكنه حينما يغفل أو ينكر الحياة الآخرة، فإنه شر خلق الله؛ فهو شر من الحشرات والوحوش، ولذلك يقول الله عز وجل: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:55]، أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]، ولذلك لا نستغرب هذه الأفاعيل التي تحدث من ظلم الناس اليوم على أيدي أولئك الكفرة الملاحدة؛ لأنهم بمقدار ما يغفلون ويبتعدون عن الإيمان بالحياة الآخرة تعود إليهم شيطانيتهم، وتعود إليهم وحشيتهم وأفعالهم التي ينكرها العقل والضمير.
أسأل الله تعالى أن يثبت أقدامنا، وأن يحفظ إيماننا حتى نلقى الله عز وجل مؤمنين، كما أسأله سبحانه أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: يقول الله تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً [الانشقاق:8-11] إلخ.
يأتي بعد ذلك وزن الأعمال، هذه الأعمال التي في الصحف توزن، والوزن موقف من مواقف يوم القيامة ورد خبره في القرآن والسنة، يقول الله عز وجل عنه: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ [الأعراف:8-9]، ويقول الله عز وجل أيضاً عن الوزن: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [القارعة:6-7]، إلى آخر الآيات.
ويأتي بعد الوزن الصراط، والصراط: جسر ممدود على متن جهنم، بعيد المدى، يعبر عليه الناس بقدر أعمالهم، ويعطى كل واحد منهم نوراً يسير به على هذا الصراط، فيؤمرون بالعبور على هذا الصراط، والعبور على الصراط معناه التنقية، أي: تمييز أهل النار من أهل الجنة، فمن وقع في النار فهو من أهل النار، ومن سلم حتى عبر هذا الصراط فهو من أهل الجنة، إلا إذا كان من أهل الأعراف الذين أشرت إليهم أولاً، وأهل الأعراف أيضاً مصيرهم إلى الجنة، كما تدل على ذلك الآيات؛ لأن كل من عبر على الصراط لا يمكن أن يرجع إلى النار أبداً.
وقبل ذلك الحوض، والحوض لا يكون إلا للمؤمنين، ولا يرده إلا هم.
هذه هي المواقف حسب ترتبيها كما يدل على ترتيبها الشرع، والله أعلم.
الجواب: كل الناس يوم القيامة حينما يبعثهم الله عز وجل يحشرون ويصفون في مكان واحد وهو مكان الحساب، كما تدل عليه الأدلة، فيوقفون مدة من الزمن، وتدنو الشمس من الرءوس كما في الحديث، ويلجمهم العرق من شدة الحر، ثم بعد ذلك يستغيثون بالله عز وجل، ويطلبون من الأنبياء أن يشفعوا لهم، فآخر من يشفع وتقبل شفاعته محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يكون بعد ذلك الحساب.
الجواب: بالنسبة لغير المؤمنين أثبت الله تعالى بأنهم لا يتكلمون قال تعالى: إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً [النبأ:38]، ولا يسألون أيضاً، ولا يطلب منهم الجواب عليها، وإن كان هناك أسئلة لكن لا يطلب منها لها جواب: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6]، ولذلك يقول الله تعالى: وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج:10]، وقال: وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:78]، فليس هناك سؤال، وإذا كان هناك سؤال فإنه لا يراد له الجواب، وإنما هو سؤال توبيخ.
الجواب: معنى يحشر الناس، أي: يجمعون والحشر معناه: الجمع في اللغة والاصطلاح، يقول الله تعالى: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ [المرسلات:38]، فهم يجمعون في مكان واحد كما تدل على ذلك الأدلة، ينفذهم الصوت ويسمعهم الداعي، وعلى هذا فإنهم يحشرون على طبقات كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، طبقة واقفون، وطبقة راقدون، وقوم -نسأل الله العافية- يسحبون على وجوههم، كما أخبر الله عز وجل عنهم أنهم يسحبون في النار على وجوههم، هذه طريقة الحشر تكون على ثلاث مراتب كما أخبر الحديث.
الجواب: بالنسبة للحشر فهم مع الناس، أما بالنسبة للصراط فقد ورد في الحديث أنهم يكونون على جنبتي الصراط ويتكلمون ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل، ويقولون: اللهم سلم سلم، هذا كلام الرسل، والرسول صلى الله عليه وسلم واقف يبحث عن أمته، ولذلك فإنه يقف على حوضه كما ورد في الحديث، ثم يأتي أقوام من أمته صلى الله عليه وسلم فيصرفون عن الحوض، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فأقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم)، وكل ذلك يدل على أن الرسل يكونون مع الناس، لكنهم يكونون في مقام الشفاعة لأممهم.
الجواب: هذه القنطرة يقولون: هي موضع للتنقية؛ لأن أهل الجنة قد تكون فيما بينهم حقوق لبعضهم، وكلهم يستحق دخول الجنة، أي: أن هذه الحقوق لا تحول بينهم وبين دخول الجنة، وعلى ذلك فإن هذه القنطرة تعتبر موضعاً للتنقية، بحيث يقتص لبعضهم من بعض قبل أن يدخلوا الجنة، وينقون قبل أن يدخلوا الجنة، فإذا نقوا وأخذ نصيب بعضهم من بعض، أذن للجميع من له أو عليه حقوق بدخول الجنة، لكن ذلك كله يكون في الحقوق التي لا تصل إلى إحباط الأعمال، وإنما هي حقوق محدودة، تنقى في هذه القنطرة التي تكون بين الجنة والنار، كما دلت على ذلك الأدلة.
الجواب: لا؛ بل نجد أخبار الفاسقين، كما نجد أخبار الكافرين والمؤمنين، فالناس على ثلاث طبقات: طبقة مخلدة في نار جهنم: وهم الكافرون والمشركون، والذين يموتون على غير الملة، وطبقة في الجنة: وهم المؤمنون الموحدون الذين تخلصوا من المظالم والحقوق والمعاصي، وطبقة ثالثة: وهم المؤمنون الموحدون الذين لهم شيء من المعاصي، ذكر الله تعالى أخبارهم في القرآن، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]، وقد قال الله تعالى عنهم بعد ذلك: وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68]، وذكر الله تعالى كثيراً من أخبار الذين يفعلون المعصية، لكن ذنوبهم تحت مشيئة الله تعالى وإرادته، فما داموا قد ماتوا على التوحيد وعلى ملة الإيمان بالله عز وجل وعليهم معاصٍ وحقوق، فهذه الحقوق إما أن تؤخذ حسنات مقابل هذه السيئات وهذه الحقوق، وإما أن تكون حقوقاً لله عز وجل، وإذا كانت حقوقاً لله عز وجل فإنها تبقى تحت مشيئة الله وإرادته، إن شاء عذب هؤلاء إذا كانت لهم الكبائر العظيمة، ثم يكون مصيرهم إلى الجنة، وإن شاء غفر لهم، وأشار الله عز وجل إلى ذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقوله تعالى: (ما دون ذلك)، أي: ما دون الكفر والشرك، وقوله تعالى: (لمن يشاء) أي: لمن أراد أن يعفو عنه، أما من لم يعف الله عز وجل عنه فإنه قد يعاقبه بمقدار ذنوبه، ثم يكون مصيره إلى الجنة.
الجواب: الذي يظهر والله أعلم أن يوم القيامة يبدأ من الموت إلى ما لا نهاية له، كله يسمى يوم القيامة كما دلت الأدلة على ذلك، كما أنه يطلق على قيام الساعة التي هي لحظة بعث الإنسان تسمى: يوم القيامة، كما أنه يطلق على البعث ويسمى يوم القيامة والحياة الآخرة.
الجواب: المؤمن بطبيعته إذا سمع مثل هذا الحديث، ومثل هذه المواقف، لابد أن يخشع، وإذا كان من الناس من ابتلي بأنه لا يخشع فعليه أن يراجع إيمانه، وعليه إذا سمع ذكر يوم القيامة أن يتصور المواقف، لا أن تمر عليه فقط، بل لابد أن تنفذ إلى قلبه، فيصور نفسه وهو واقف بين يدي الله، وبين كفتي الميزان، وعلى حافة الصراط، ويسير على الصراط، ويخرج من قبره ... إلخ، يتصور هذه المواقف فيخشع قلبه لا محالة إذا تصور هذه المواقف، أما أن يسمعها كأخبار وكقصص؛ فإن هذه الأشياء قد لا تؤثر فيه.
الجواب: هذه اللذة لا تحتاج إلى بحث؛ لأنها مثل الإيمان، تصور يا أخي! حال اثنين: أحدهما يؤمن بالحياة الآخرة، والثاني لا يؤمن بالحياة الآخرة، وكل واحد منهم أصابته مصيبة، تجد أن الذي لا يؤمن بالحياة الآخرة يعيش بقلق، لماذا أصابه هذا المرض؟ ولماذا أصابته هذه الفاقة؟ أما الثاني: فإن اللذة تبرز حينما يقول: الحمد لله ما دامت ما أصابتني هذه النعمة في الدنيا، وما دمت حرمتها في الدنيا فلن أحرم منها في الآخرة إن شاء الله، وما دامت أصابتني هذه المصيبة فأنا أحتسب أجرها عند الله سبحانه وتعالى، هذه هي حقيقة المتعة واللذة.
ولذلك قلت لكم: إن الأمم التي لا تؤمن بالحياة الآخرة هي التي لا تتخلص من مشاكل الحياة إلا بالانتحار، فأقول: إن لذة الإيمان أمر لا يحتاج إلى بحث وجهد، وإنما هو بطبيعته يبحث عن الإنسان، وحياة المؤمن دائماً يشعر فيها بهذه اللذة، لكن لو أن واحداً من الناس يعتبر نفسه مؤمناً ولكنه لا يشعر بهذه اللذة، فنقول له: يا أخي! عالج نفسك وعالج قلبك، أكثر من تلاوة القرآن، تتبع أخبار يوم القيامة وأخبار الحياة الآخرة، وابحث عنها وصورها أمامك، وحينئذٍ تجد هذه اللذة، وتجد لذة الخلود التي لا يشعر بها إلا المؤمنون، وأما غير المؤمنين فليس لهم خلود إلا في نار جهنم، أما المؤمنون فإنهم يشعرون بالخلود؛ لأن الموت لا يعتبرونه فناء أو نهاية، وإنما يعتبرونه بداية النعيم بالنسبة لهم، ومن هنا تبرز هذه اللذة في حياة المؤمن.
الجواب: هذه السورة لا يقال لها: الزُمُر، وإنما يقال: الزُمَر؛ لأن الزمَر جمع زمرة، والزمرة هي الجماعة، وقولهم: (أمتنا اثنتين) الموتة الأولى: في الرحم، والموتة الثانية في الدنيا، (وأحييتنا اثنتين) الحياة الأولى في الرحم حينما نفخ الله تعالى فيه الروح، والحياة الآخرة في البعث، ومع ذلك هم في الدنيا لا يعترفون إلا بموتتين وحياة واحدة، وينكرون حياة البعث، فالآن اعترفوا بحياة ثانية فقالوا: رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ [غافر:11]، ومعنى ذلك: أننا اعترفنا الآن بأن هناك بعثاً بعد الموت، هذا معنى الآية.
الجواب: كيف يا أخي سمعت من الناس؟! نحن سمعنا من القرآن من الله سبحانه وتعالى: في يوم كان مقداره أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5] وغيرها من الآيات، لكن الخلاف: هل الطول في الزمن، أو الطول في الشدة؟ فإذا كان الطول في الزمن؛ فعلى ذلك ستكون ساعات هذا اليوم طويلة، ولكن والله أعلم أن المراد بالطول طول الشدة؛ لأن اليوم الشديد يصبح طويلاً، ولذلك سماه الله تعالى في القرآن: يَوْمًا ثَقِيلًا [الإنسان:27]، يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان:10]، كل هذه الأوصاف في وصف هذا اليوم، ولذلك الله تعالى ما قال: وإن يوماً عند ربك ألف سنة، بل قال: كَأَلْفِ سَنَةٍ [الحج:47]، ولعل المراد هنا بالطول والله أعلم طول الشدة؛ لأنكم تلاحظون في الدنيا اليوم الذي تكونون فيه متمتعين تشعرون فيه بقصر هذا اليوم، واليوم الذي تكونون فيه في تعب ومشقة أو مرض يشعر الإنسان بطول هذا اليوم.
فلعل المراد -والله أعلم- بالطول الطول المعنوي لا الحسي، ولذلك أخبر الله أن المؤمنين هذا اليوم لا يساوي عندهم إلا ساعات قصيرة، مثلما يقيلون في بيوتهم، ففي نصف النهار من أيام الدنيا يكونون قد وصلوا إلى منازلهم، ولذلك يقول الله تعالى عن المؤمنين: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً [الفرقان:24]، ومعنى (مقيلاً): وقت القيلولة، وليس في الآخرة قيلولة، ولا في الجنة قيلولة، لكن مع ذلك معنى القيلولة: النوم وسط النهار، وليس هناك أيضاً نوم في الجنة؛ لأن متاع الجنة لا ينتهي أبداً، ولا ينقطع بنوم ولا بأي شيء آخر، لكن مع ذلك فهم -أي: أهل الجنة- في أقل من نصف النهار يصلون إلى منازلهم.
الجواب: المراد بالورود هنا: المرور على الصراط، (وَإِنْ مِنْكُمْ) هذا قسم، فالله تعالى يقسم بأن كل الناس يردون جهنم، لكن المراد بالورود: هو المرور على الصراط بالنسبة للمؤمنين، أما بالنسبة لغير المؤمنين فإن الله تعالى قد أخبر فقال: وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72]، أي: يكونون حطباً في وسط جهنم، وعلى هذا فإن المراد بالورود هو المرور على الصراط وليس هناك آية تدل على أنه ليس هناك طريق للجنة إلا عن طريق الصراط، الذي قد مد على متن جهنم، فيمر المؤمنون كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل، ومنهم من يحبو حبواً، وعلى هذا فإن المراد بالمرور هنا بلا خلاف: العبور على الصراط.
الجواب: إذا وصل الأمر إلى أن يسخر أحدهم من أحد في لحيته، فيكون شرفاً للمسخور به بنص القرآن، الله تعالى قد سمى المسخور به مؤمناً، وسمى الساخر مجرماً، سنة الله تعالى في الحياة قديمة وباقية إلى يوم القيامة: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29]، انظر إلى لحيته! وانظر إلى ثيابه! أو إلى كذا، هذا كثيراً ما نسمعه في أيامنا الحاضرة: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]، كل واحد يغمز للآخر، يقول: انظر إليه! وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:31]، حتى إذا دخل بيته بدأ يضحك ويقول: فلان طويلة لحيته قصيرة ثيابه! عجيب أمر فلان! حتى إنه ليخبر أهله ولا يكتفي بأصدقائه، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ [المطففين:31-33]، ولكن إذا تغيرت المعايير يوم القيامة، فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين:34]، سمى الله تعالى هؤلاء المؤمنين، وسمى أولئك بالكفار نعوذ بالله.
فالسخرية من المؤمنين بسبب إيمانهم خطر عظيم، نحذر من يفعل ذلك من فعله، خصوصاً إذا وصل إلى الطعن في الدين: رجعي متخلف أو ما أشبه؛ لأنه ليس طعناً في الشخص، وإنما هو طعن في دينه، ولذلك الله تعالى سمى الذين يطعنون في الدنيا أئمة الكفر فقال: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [التوبة:12]، وفي قراءة: (إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون)، وعلى هذا نقول: شرف لك يا أخي! أن يسخر بك الفسقة، وخطر عليك أن يكونوا مسرورين منك، فهم لا يخالفونك إلا إذا كنت على حق، ولا يوافقونك إلا إذا كنت على باطل، فلذلك يعتبر هذا شرفاً، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى.
الجواب: الأعمال بالخواتيم، يقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، بشرط: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ [الزمر:54]، وعلى هذا فإن من آمن ثم كفر، ثم آمن ثم كفر، ثم آمن، إن ختم له بالإيمان فنرجو له خيراً؛ لأن الأعمال بالخواتيم، ولكننا نخشى على ذلك المتذبذب الذي لا يثبت على طريقة؛ نخشى عليه من سوء الخاتمة.
وعلى كلٍ فإن الله تعالى يقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً [الجاثية:21]، لا يمكن أن يستويان، لكن ذلك الذي ختم الله تعالى له بخاتمة الإيمان، نرجو له من الله المغفرة، وتتوقع له المغفرة؛ لأن الأعمال بالخواتيم.
الجواب: البرامج الإسلامية هي وغيرها لا نستطيع أن نقول فيها شيئاً، مشاهدة البرامج الإسلامية أمر طيب، ولكن خير للناس أن يأخذوا دينهم من مصدره الأصلي، لا من برامج مختلط خيرها بشرها؛ لأني أخشى أن تكون هذه البرامج إما مدسوس فيها شيء، أو تكون على الأقل ملوثة بما يحيط بها من مسرحيات وأغاني.
الجواب: إذا كان ليس فيه غزل أو رقة، أو أمور محظورة، فهذا لا بأس به، لا فرق بين أن تكلمها في التليفون، أو من خلف الباب، أو في أي حال من الأحوال، فهذا أمر لا بأس به، بشرط أن لا يصل إلى درجة الأمور المنهي عنها التي قد تحدث المرض في قلوب الناس، خصوصاً إذا كانت المرأة ترقق صوتها أو ما أشبه ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
الجواب: نعم، العطر سواء، بل الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يوم الجمعة إذا بكر ومس من طيب امرأته، فليس هناك عطر خاص بالمرأة، وليس هناك عطر خاص بالرجل، فالأمر مشترك.
الجواب: الكرامة باقية إلى يوم القيامة في أولياء الله الصالحين، هذه لا نتساءل عنها، والمعجزة خاصة بالرسل، والكرامة في الصالحين باقية إلى يوم القيامة، وما يحدث في أفغانستان من الكرامات مما يتحدث عنه بعض الكتاب، أنا لا أقول: كله حقيقة، وإن كان هناك أشياء لا يقرها العقل، لكن أقول: لا شك أن جزءاً منها حقيقة، وذلك أن شعب أفغانستان شعب يستحق -بإذن الله- هذه الكرامات؛ لأنه لا يقاتل في سبيل قومية، ولا وطن ولا دم، ولا عرق أبداً، هذه الأشياء لا نسمع بها بين المجاهدين الأفغان كما نسمع بها بين الفئات الأخرى التي تزعم أنها تجاهد في سبيل الله، وعلى هذا فإني أقول: المجاهدون الأفغان يستحقون منا كل عناية وتقدير، وما يروى عنهم من بعض الكرامات التي تحدث بالنسبة لهم، نحن لا نستنكرها إذا كانت توافق العقل، أما إذا كانت لا توافق العقل فلسنا ملزمين بالتصديق بها.
وعلى كلٍ فإننا نقول: إن بعض الكرامات تحدث حقيقية، كما يحدثنا أشخاص منهم بأنها تحدث، ولكن علينا أيضاً أن نستعمل عقولنا في جزء منها.
الجواب: هذه من الأمراض التي تصيب أكثر الناس إن لم تصب كل الناس، وعلى هذا فإني أقول: إن الشيطان حريص على إفساد أفضل عبادة يؤديها المسلم وهي الصلاة، ولذلك فإنه لا يتمكن من المسلم أكثر مما يتمكن منه وهو في وقت الصلاة، ولكن نقول: عليك أن تجاهد هذه الوساوس، وأن تتصور عظمة الموقف، وأنك تقف بين يدي الله عز وجل، وأنها فرصة قد لا تتاح لك مرة أخرى أن تقف فيها بين يدي الله عز وجل، فلا تضيعها في الوساوس، كما أن عليك أن تنتبه، وعليك أن تخبر عقلك، وبمقدار ما تزيد الوساوس تنقص الصلاة، وإن كانت الصلاة صحيحة إن شاء الله، وبمقدار ما تقل فإن الصلاة تكمل، وعلى هذا فإني أقول: علينا أن نحارب الوساوس ودائماً نخشع، وإذا أردنا أن ندخل في الصلاة فعلينا أن نجرد أذهاننا وعقولنا من مشاغل الحياة الدنيا حتى نتفرغ للصلاة.
الجواب: أنا أخالف الأخ بأن الكم موجود والكيف موجود والحمد لله الآن، وأتوقع أن جل النوعية الموجودة -إن لم تكن كلها- من النوع الجيد، والدليل على ذلك: أن هذه الصحوة الإسلامية ما وجدت في فترة كانت الأمور فيها أبسط وأحسن من ذلك، وإنما وجدت في فترات حينما أصبح الحق لابد أن يظهر، ولذلك فإني أقول: إن هذه الصحوة -والحمد لله- طيبة سواء في كمها أو كيفها، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقها للانضباط والاستقامة والالتزام، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظها من أعدائها، وأن يزيد في عددها، وأن يقوي شخصية هؤلاء الشباب الذين يتمتعون بهذه الشخصية.
وهذه الصحوة الإسلامية والحمد لله ليست مقتصرة على بلد ما، فكل بلاد العالم نجد فيها هذه الصحوة، حتى في بلاد الكفر والإلحاد نجد أن كثيراً من المسلمين الذين كانوا قد انغمسوا في الرذائل في تلك البلاد، نجدهم الآن -والحمد لله- اتجهوا هذا الاتجاه الطيب المبارك، ونسأل الله لنا ولهم الثبات.
الجواب: لا أظن أن ذلك يصح، فالذي ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بآية رحمة سأل، وبآية عذاب استعاذ، وعلى هذا فإن الإنسان لا يزيد على ذلك؛ لأن الصلاة يجب أن يكون فيها القول محدوداً وفق الأوامر التي جاءت من عند الله سبحانه وتعالى ومن عند رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإني أقول: لا نصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم بألسنتنا وإنما بقلوبنا إذا ورد ذكره في الصلاة؛ لأننا نسمع أن قوماً إذا سمعوا قوله تعالى: صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى:19] قالوا: وعليهم الصلاة والسلام، وأنا لا أرى أن يقولوا ذلك.
الجواب: دعاة الضلال هم الذين يسعون لانحراف المسلمين عن الجادة المستقيمة، والذين يريدون أن يدخل الناس في نار جهنم، سواء كانوا من الكافرين أو من المسلمين الذين ينسبون إلى الإسلام والإسلام منهم براء، أو من الذين يفعلون هذه الأشياء بدون إرادة وبدون قصد، ولكنهم يحرفون الناس عن الطريق المستقيم، كل أولئك يسمون من دعاة الضلال.
الجواب: الإيمان بالله والإيمان بالحياة الآخرة متقاربان؛ لأن كل واحد منهما بيننا وبينه حجاب وستار، والإيمان بالمغيبات شيء واحد، فالذين لا يؤمنون بالآخرة لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وقد يؤمنون بالله سبحانه وتعالى إيماناً ضعيفاً لكنهم لا يؤمنون بالآخرة، كما وجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم إذا سألتهم: من خلق السماوات والأرض؟ يقولون: الله، لكن لما كان إيمانهم بالله سبحانه وتعالى ضعيفاً لم يمكنهم ذلك من الإيمان بالحياة الآخرة.
أما الإيمان بالحياة الآخرة فإن له من الأهمية بمقدار ما للإيمان بالله عز وجل من الأهمية؛ لأن الإنسان إذا آمن بالله ولم يؤمن بالحياة الآخرة، أصبح كما فعل المشركون الأولون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثـية:24]، وعلى هذا فلابد من الإيمان بالحياة الآخرة، والإيمان بالحياة الآخرة يعتبر هو الحاجز الطبيعي الحقيقي الذي يحول بين الإنسان وبين المعصية، وإذا كان هناك من يؤمن بالحياة الآخرة ولا يعمل للحياة الآخرة، فنقول: إيمانه كاذب؛ لأن الإيمان بالشيء يؤدي إلى الاستعداد له.
الجواب: أولاً: كل الرسل يدعون إلى الإيمان بالحياة الآخرة، وقالوا لأقوامهم: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف:59]، فيدعون إلى الإيمان بالحياة الآخرة، ودين الإسلام ليس هو فقط الدين الذي يدعو إلى الإيمان بالحياة الآخرة، بل إن الإيمان بالحياة الآخرة فطرة، وأمر معقول لابد منه، وما فائدة هذا الوجود إذا لم تكن هناك حياة آخرة؟!
ثانياً: أن ذلك الذي رفض الإيمان بالرسل وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم هو كافر مرتد؛ لأنه لا يكون الإنسان مؤمناً مسلماً إلا إذا آمن بالأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، الإيمان الضعيف كإيمان أبي العلاء المعري الذي يقول: إن كان ما يقال عن الحياة الآخرة حق فأنا ما خسرت شيئاً، وإن كان غير حق فأنا لم أخسر شيئاً. هذا ليس إيماناً حقيقياً، الإيمان الحقيقي هو الذي أخبر الله عز وجل عنه كإيمان الصحابة ومن سار على نهجهم، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46]، أي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال؛ لأن الجبال لا تزول عن أماكنها، فإيمان المؤمنين لا يزول عن مكانه، وعلى هذا فنقول: المؤمن لا يقول: أنا أريد أن أعمل الصالحات؛ لأنه إن كانت هناك حياة آخرة فما تعبت، وإن لم تكن هناك حياة آخرة فأنا أيضاً ما خسرت، وأيضاً أكون ما خاطرت بنفسي، هذا في الحقيقة منطق من مناطق الضالين، أما المؤمن الحق فإنه يؤمن بالحياة الآخرة إيماناً كاملاً، وعلى هذا فإنه يعمل انطلاقاً من هذا الإيمان.
الجواب: الحقيقية أن شعوره بالضيق يدل على وجود الإيمان، وعلى هذا فإني أقول: إخوانك الذين يجاهدون في سبيل الله من الأفغان لهم حق عليك، فإذا كنت تستطيع أن تجاهد معهم بيدك وبجسدك، لكني أظن أنهم لا يحتاجون إلى شيء من فعلك ذلك، ولكن عليك أن تجاهد معهم بمالك، أو على الأقل بنقل أخبارهم، وبيان ما هم عليه من الحق، فإن هذا يعتبر نوعاً من الجهاد؛ لأني أرى أن كثيراً من الأفغان الآن يهضمون حقهم، ويقال عنهم أقاويل هم براء منها، وعلى هذا فإني أقول: نحن مطالبون بأن نساعد إخواننا في سبيل الله، والله تعالى قد أمرنا أن ننفر خفافاً وثقالاً لنجاهد في سبيل الله، ومن النفير: أن نقدم شيئاً من أموالنا، أو أن ندعو الناس إلى البذل في سبيل الله، ويكون ذلك من الجهاد في سبيل الله.
الجواب: إن المؤمن الذي يعمل الصالحات يستحق الجنة، والمؤمن الذي يكون عنده شيء من الأخطاء يكون تحت مشيئة الله وإرادته، ولكن ما ذكره الأخ لا أظن أنه حقيقة، فإن المؤمنين لا يتكبرون؛ فالكبر ليس من صفات المؤمنين، وما ذكره الأخ من أنهم يحفظون الأناشيد ولا يحفظون القرآن فهذا لا أقول: إنه حرام، ولكني أقول: يجب أيضاً أن نعدل من واقعنا فنحاول أن نحفظ القرآن، ولعل الأناشيد باعتبارها تأخذ في لب الإنسان ويأخذ صوتها بعقل هذا الإنسان، لعلها تكون أسهل في الحفظ، ولا يدل ذلك على انصراف هؤلاء عن القرآن، وإنما يدل على أن لدى هذا الإنسان شوق إلى الأناشيد، ولكن لا يمنع أن يكون عنده شوقاً للقرآن، فأدعو أيضاً الشباب إلى أن يحافظ، ويحاول حفظ ما يستطيع من القرآن خصوصاً في أيام شبابه، والله المستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر