إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. محمد حسان
  5. الدر المنثور في الذود عن أصحاب الرسول

الدر المنثور في الذود عن أصحاب الرسولللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ما فتئ أعداء الإسلام جاهدين في حربهم على أمة الإسلام، فتارة تظهر حربهم بصورة عسكرية، وتارة تظهر بصورة فكرية، وهي أخطر وأخبث، وقد خططوا وأحكموا الخطط، لزعزعة ثوابت هذه الأمة، وأرادوا أن يختصروا الطريق بإسقاط نقلة الدين وحملته -وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- ليسقط الدين تبعاً لذلك!

    1.   

    حرب حقيرة ليست الأخيرة

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته. وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني وإياكم في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعني وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! الدر المنثور في الذود عن أصحاب الرسول. هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: حرب حقيرة ليست الأخيرة!! ثانياً: عدالة الصحابة من القرآن والسنة. ثالثاً: وهل يسب الخيران؟!! وأخيراً: هم القدوة فاعرفوا لهم قدرهم. فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب. أولاً: حرب حقيرة ليست الأخيرة!! إن الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الحياة على ظهر الأرض، والأيام دُول كما قال الله عز وجل: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، والإسلام العظيم منذ أن بزغ فجره واستفاض نوره لا زال إلى يومنا هذا مستهدفاً من قبل أعدائه، الذين يشنون عليه حروباً ضارية على كل الجبهات، وفي جميع الميادين!! ومن أخطر هذه الحروب المعلنة: حرب إسقاط الرموز ابتداء من الصحابة رضي الله عنهم، وانتهاءً بالعلماء والدعاة. فهم يريدون أن يشككوا الأمة في دينها حينما يشككون الأمة في نقلة هذا الدين من الصحابة الخيرين، والعلماء العاملين، والدعاة الصادقين، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: يريدون أن يفصلوا بين الأتباع والقيادة، فإذا تم الفصل بين القائد والأتباع تشرذمت الأمة لتصبح الأمة ذليلة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة!! ومن آخر هذه الحروب، وليست الأخيرة: ما ينشر في هذه الأيام على صفحات الجرائد والمجلات السوداء التي تعزف على وتر الجنس لإثارة الغرائز الهاجعة، ولاستجاشة الشهوات الكامنة. هذه الحرب التي تثار الآن..حرب سافرة سافلة! تشن على رموز هذه الأمة ابتداءً من الصحابة حيث نرى دفاعاً مبطناً في هذه الجرائد والمجلات على هذا الخطيب الشيعي المحترق الذي سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سباً فظيعاً منكراً، والله يستحي اللسان العفيف أن يردد الآن لفظة واحدة مما قال!! وتعمدت ألا أعقب على هذا الشيعي المحترق إلا بعد سماع كلماته بأذني رأسي، فإنني لا أثق البتة فيما ينشر على صفحات الجرائد والمجلات؛ لأنهم يكذبون على الجميع، فما استحللت لنفسي، وما استبحت لنفسي أن أرد على هذا المجرم الوقح الذي سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سباً منكراً إلا بعدما سمعت بأذني رأسي لهذا الرجل كلاماً يتعفف اللسان عن ذكر بعضه الآن.

    سر شن الحرب على رموز هذه الأمة

    يُسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم!! ويشوه العلماء!!وتعلن الحرب بضراوة على رءوس الأمة؛ ليتشكك الناس في الدين!! فمن الذي نقل إلينا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هم الصحابة ومن سَار على دربهم من العلماء العاملين، والدعاة الصادقين. وهذه الحرب التي تعلن الآن على الأطهار، هي التي دفعتني لأقف اليوم بين أيديكم لأذود عن حرمهم الكريم، ولأذود عن عرضهم الطاهر، لا لأرفع من قدرهم وشأنهم، فإن الذي رفع قدرهم هو الله، وإن الذي رفع شأنهم وعَدلهم هو رسول الله، وإنما أتحدث اليوم عن الصحب الأطهار لأرفع من قدر نفسي ومن قدر إخواني وأخواتي، وأتضرع إلى الله عز وجل بحبنا لهم أن يحشرنا معهم، فالمرء مع من أحب يوم القيامة، بموعود الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أسأل الله جل وعلا أن يحشرنا وإياكم جميعاً تحت لواء الحبيب محمد مع الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين، وعلى رأس الصالحين أصحاب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أيها الأحبة الكرام! والله لا أرى مثلاً لهؤلاء الموتورين الذين يتطاولون اليوم على هذه القمم الشماء إلا كمثل ذبابة حقيرة سقطت على نخلة عملاقة، فلما هَمَّت الذبابة الحقيرة بالانصراف قالت في استعلاء للنخلة العملاقة: أيتها النخلة تماسكي فإني راحلة عنك!! فقالت النخلة العملاقة: انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة، فهل شعرت بك حينما سقطتِ عليَّ لأستعد لك وأنت راحلة عني؟!! هل يضر السماء أن تمتد إليها يد شلاء؟! وهل يوقف سير البواخر العملاقة الطحالب الحقيرة الفقيرة ولو اجتمعت على سطح الماء؟!! وهل يضر السحاب نبح الكلاب؟! حري بهؤلاء الموتورين أن يحطموا أقلامهم، وأن يفرغوها من مدادها العفن القذر. حري بهؤلاء أن يعرفوا قدرهم، وأن يلزموا حدهم، وأن يعرفوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مكانتهم، فالصحابة هم الذين زكاهم الله، وعدلهم رسول الله، وبشروا بالجنة وهم في الدنيا، أما هؤلاء فلا يستطيع أحد منهم بل ولا منا أن يجزم لنفسه بخاتمة حسنة، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخاتمة التوحيد والإيمان. أيها المسلمون الأخيار! وفقني الله وإياكم لمرضاته، وجعلني الله وإياكم ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، اعلموا أنه لا يجوز البتة لرجل زائغ العقيدة، مريض القلب، مشوش الفكر أن يتحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن الحديث عن الصحب الكرام يتطلب ابتداءً صفاء في العقيدة، وإخلاصاً في النية، ودقة في الفهم، وأمانة في النقل، ونظرة فاحصة مدققة لأراجيف المبطلين والوضاعين والكذابين والمغرضين، وعلى طريقهم العلمانيين، لابد من الفحص الدقيق لكل ما تقرأ، ولكل ما ينشر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلابد أن تعرف قدر هؤلاء ومكانتهم، فهم الجيل القرآني الفريد الذي تربى على يد من رباه الله على عينه ليربي به الدنيا هم. الجيل الذي تربى على يد المصطفى وكفى، وكل تلميذ يقتبس في العادة من أستاذه، فلك أن تتصور كيف يكون الاقتباس إذا كان المعلم هو سيد الناس! وكل منهج تربوي يترك طابعه على طلابه الذين يتربون عليه، ولك أن تتصور كيف يكون الطابع إذا كان المنهج التربوي الذي تربى عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن والسنة! إنهم صفوة الخلق بعد الأنبياء، فلقد نظر الله في قلوب أهل الأرض فوجد قلب محمد خير قلوب أهل الأرض، فابتعثه برسالته، ونظر الله عز وجل في قلوب أهل الأرض بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب أهل الأرض فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه، وقد جاء هذا في أثر حسن رواه ابن عبد البر وأحمد من حديث ابن مسعود موقوفاً. إنهم صفوة الخلق بعد الأنبياء، إنهم المهاجرون والأنصار، الذين حملوا دعوة النبي المختار، وصدقوا ما عاهدوا عليه العزيز الغفار، فاستحقوا -وهم في الدنيا- بجدارة واقتدار، أن يبشروا بالجنة والنجاة من النار، إنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين عدلهم ربهم، ونبيهم صلى الله عليه وسلم، وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر هذا اللقاء.

    1.   

    عدالة الصحابة من القرآن والسنة

    عدالة الصحابة في القرآن

    قال الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية من علم الرواية: إن عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم. وهي ثابتة بنص القرآن قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] والمخاطب ابتداء بهذا الخطاب الرباني هم أصحاب الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] المخاطب ابتداءً بهذا الخطاب الرباني هم أصحاب الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم المخاطبون بقول الله عز وجل: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:172-174]، وقال الله عز وجل في حقهم مخاطباً نبيه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64]. وهم الذين قال الله عز وجل في حقهم: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115] وهم الذين قال الله في حقهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]. وهم الذين قال الله عز وجل في حقهم: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، فقيد الله الإحسان للتابعين لهم، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]. وهم الذين زكاهم الله عز وجل بقوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:8-9]. وهم الذين قال الله عز وجل في حقهم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29] آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل زكى الله فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونكتفي بهذا القدر منها.

    عدالة الصحابة في السنة

    تدبروا هذه الأوسمة والنياشين من سيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا المجلس مر الناس بجنازة، فأثنوا عليها خيراً -أثنى الصحابة على صاحب الجنازة خيراً- فقال المصطفى: وجبت. ثم مروا بجنازة أخرى في نفس المجلس فأثنوا عليها شراً. فقال المصطفى: وجبت. قال عمر رضي الله عنه: ما وجبت يا رسول الله؟ قال: الأولى أثنيتم عليها خيراً فوجبت لها الجنة، والثانية أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض). إن الذي يزكي ها هنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست هيئة مشبوهة علمانية أو ماسونية، بل الذي يعدل الآن هو رسول الله: (أنتم شهداء الله في الأرض). وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم) أي: في سبيل الله (مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)! وفي صحيح مسلم عن معاوية بن قرة عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أن أبا سفيان مر على سلمان وصهيب وبلال ونفر من أصحاب النبي -أي: من الفقراء البسطاء- فلما رأوه قالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فسمعهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم، يدافع الصديق عن أبي سفيان، ثم انطلق الصديق فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قال وبما قالوا، -اسمع ماذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم- التفت إلى أبي بكر وقال: (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، فوالله لئن كنت أغضبتهم فلقد أغضبت ربك عز وجل)، لو أغضبت بلالاً وعماراً وسلمان فقد أغضبت ربك عز وجل. فخاف الصديق صاحب القلب الوجل الرقيق، وأسرع إلى الصحب الكريم وقال: يا إخوتاه أغضبتم مني؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أبا بكر. وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت قومك يا نوح؟ فيقول: نعم، فيؤتى بقومه ويقال لهم: هل بلغكم نوح؟ فيقولون: لا، ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقول الله جل وعلا لنوح: من يشهد لك يا نوح؟ فيقول نوح: يشهد لي محمد وأمته -ما رأينا نوحاً وما عاصرناه، ولكنكم شهداء الله في أرض الله- يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم، وذلك قول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]) وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء ثم قال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون). وروى الترمذي وابن حبان وأحمد والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم -وللأمانة العلمية أقول: إن في سنده مجهولاً لكن متن الحديث ثابت صحيح كما ذكرت آنفاً- من حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه). وأرى أننا بعد هذه الآيات، وبعد هذه الأحاديث الصحيحة، لسنا في حاجة إلى مزيد بيان عن الصحب الكرام، ومع ذلك فإني مصر على أن أعطر هذا المجلس بكلمات ندية لأسد الله الغالب علي بن أبي طالب، إن الكلام من علي رضي الله عنه في هذا الموطن له مغزى! وقبل أن أذكر كلمات علي، أود أن أحذر الأحبة جميعاً من أن ينتقصوا قدر علي ومن ألا يثبتوا له المناقب التي صحت خشية أن يقعوا فيما وقع فيه الروافض من إطراء بالباطل لـعلي ، بل يجب أن نثبت لـعلي مناقبه، ونثبت لـعلي مكانته، فهو أسد الله الغالب، هو الذي قال له المصطفى يوم خيبر لما امتنعت حصون اليهود: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله)، وإلى هنا فإن الأمر عادي، كل أحد من الصحب الكرام يحب الله ورسوله، أمر طبيعي، ولكن اسمع ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، وفي الصباح اشرأبت الأعناق، وتمنى الأبطال القيادة حتى عمر المتجرد التقي المخلص النقي يقول: والله ما تمنيت الإمارة إلا يومها، وفي الصباح وقف الأبطال على أطراف الأقدام ليراهم النبي عليهم الصلاة والسلام، وبعدما نظم النبي صلى الله عليه وسلم الصفوف شق السكون صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن القائد الذي سيدفع له اليوم الراية؛ ليفتح الله عز وجل على يديه، فقال المصطفى: (أين علي بن أبي طالب؟ فبحثوا عن علي فلم يجدوه، فإنه كان يشتكي وجعاً في عينيه، قال: ائتوني به، فأرسلوا إلى علي، فوقف أمام النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم عينيه فبرأت بإذن الله عز وجل، ودفع له الراية، وأمره أن ينطلق). فانطلق أسد الله الغالب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ففتح الله على يديه حصون خيبر، وهتف الجميع بما هتف به النبي صلى الله عليه وسلم أول يوم: (الله أكبر! خربت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين!). أسأل الله عز وجل أن يخرب حصون اليهود بقدرته إنه على كل شيء قدير، علي بن أبي طالب هو الذي تربى في حجر المصطفى وكفى، أول شبل من أشبال الإسلام يقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويسمع القرآن من فم رسول الله، اضطر يوماً لأن يفخر رضي الله عنه فقال: محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يمسي ويضحي يطير مع الملائكة ابن أمي وبنت محمد سكني وزوجي وسبطا أحمد ولداي منها منوط لحمها بدمي ولحمي فأيكم له سهم كسهمي اسمع ما قال علي رضي الله عنه: (سيكون بعدنا أقوام ينتحلون مودتنا، يكذبون علينا، وآية ذلك أنهم يسُبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما) تدبر هذا الكلام النفيس أيها الحبيب الكريم. لقد ذكروا للإمام مالك بن أنس رجلاً ينتقص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك بن أنس رضي الله عنه قول الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]. ثم قال مالك : فمن وجد في قلبه غيظاً على أحد من أصحاب رسول الله فقد أصابته هذه الآية (ليغيظ بهم الكفار) وقال الحافظ الكبير أبو زرعة رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك لأن الرسول حق والقرآن الحق، وما جاء به النبي حق، والذي بلغنا ذلك كله عن رسول الله هم أصحابه) فهؤلاء يريدون أن يهدموا الصحابة ليبطلوا القرآن والسنة، فإن الذي نقل ذلك إلينا هم الصحابة، فإن شكك في النقلة الذين نقلوا إلينا عن رسول الله شككونا بعد ذلك في الدين، فهم يريدون أن يهدموا الصحابة الذين نقلوا إلينا هذا العلم؛ ليبطلوا بهذا التشكيك والتشويه القرآن والسنة، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] فوالله ما من مسلم الآن إلا وهو يعلم الحق، ويعلم الحقيقة، ويعلم من الذي يعمل لدين الله، بل ويعلم من الذي يعمل لصالح هذا البلد، ومن الذي يعمل لتقويض أساسه، ولتقويض بنيانه من القواعد، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم جميعاً من المصلحين الصالحين. وأختم هذا العنصر بما قاله الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة، يبين في هذه الفقرة معتقد أهل السنة والجماعة في أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول: (ونحب أصحاب الرسول، ولا نفرط في حب أحد منهم، ونبغض من أبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فحبهم دين وإيمان وإحسان؛ وبغضهم كفر ونفاق وطغيان).

    1.   

    ونطق الرويبضة

    أيها الحبيب الكريم! أحذر نفسي وإياك، وأذكر نفسي وإياك، فإننا نعيش زماناً تكلم فيه الرويبضات، بل أفردت الصفحات للرويبضات، بل أفردت الساعات الطوال على الشاشات وفي الإذاعات للرويبضات، هل تدري من الرويبضات؟ اسمع الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى أحمد والحاكم في المستدرك وصححه الألباني من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات, يُصدق فيها الكاذب, ويُكذب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويُخَوَّن فيها الأمين, وينطق فيها الرويبضة قيل: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة). والله لقد نطق التافهون، بل لقد نطق أبو الهول الذي لم يتكلم في شيء إلا في سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتشهير بالعلماء المخلصين والدعاة الصادقين، للفصل بين القيادة والأتباع لتتشرذم الأمة، ولتصبح ذليلة كسيرة مبعثرة، ليسهل على الذئاب أن يفترسوها وأن يأكلوها أكل الذئب للغنم، أسأل الله عز وجل أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    وهل يسب الخيران: أبو بكر وعمر؟!

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: وهل يسب الخيران أبو بكر وعمر ؟! يَسُب هذا الشيعي الغبي المحترق أبا بكر وعمر رضي الله عنهما!! بكلمات يعف اللسان عن ذكرها!! يسب أبا بكر بأقبح الألفاظ!! يسب عمر الفاروقبأشنع كلمات!! ألفاظ لا تصدر إلا من فم رجل شرب الخمر فلعبت الخمر برأسه فهو يهذي ولا يدري ما يقول!! ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون.

    بعض فضائل أبي بكر الصديق

    أبو بكر ذلكم الرجل الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له الصديق حبَ الحُبَ على روض الرضا، واستلقى الصديق على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة وتركه هنالك، ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد للصديق بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حقه قول ربه وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى [الليل:17]. إن الأتقى هو الصديق وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21]. إنه الرجل الذي استحق أن يكون أقرب الخلق إلى قلب رسول الله كما في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أنه قال: (يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة قال: من الرجال؟ قال: أبوها، قال عمرو : ثم من؟ قال المصطفى: ثم عمر ). أبو بكر العملاق الذي قال في حقه المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال الصديق صاحب أعلى همة في الأمة بعد نبيها: يا رسول الله! فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال المصطفى: نعم، وأنت هو يا أبا بكر). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن المصطفى سأل أصحابه يوماً فقال: (من أصبح اليوم منكم صائماً؟ قال: أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: من تبع اليوم منكم جنازة؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: من أطعم اليوم منكم مسكينا؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).

    بعض فضائل عمر الفاروق

    عمر الفاروق ذلكم الرجل العملاق الذي بركت الدنيا بزخارفها وسلطانها على عتبة داره؛ فطلقها ثلاثاً وسرحها سراحاً جميلاً، وقام ينفض يديه من علائق هذا المتاع الزائف، واستأنف سيره وسط الصحراء تحت حرارة الشمس المحرقة، تراه يجري وراء بعير قد ند من إبل الصدقة يخشى عليه الضياع، ويخشى أن يسأل عنه بين يدي الله جل وعلا يوم القيامة، أو تراه -وهو الفاروق الخليفة- منحنياً على قدر فوق نار مشتعلة ينفخ النيران تحت القدر لتنضج النيران طعمة سريعة لأطفال يتضورون جوعاً، أو تراه واقفاً أمام خيمة رجل يبكي على امرأته التي أدركها المخاض وهي لا تجد أحداً يؤنسها؛ فيسرع ليأتي بزوجة خليفة المسلمين لتقف مع هذه المرأة المسلمة حتى تضع ولدها، أو تراه يمشي في السوق يتفقد أحوال الناس فيرى إبلاً سمينة فيسأل عمر الفاروق: إبل من هذه؟ فيقولون: إبل عبد الله بن عمر ، وكأن حية رقطاء قد انقضت عليه فلدغته، وأفرغت كل سمها في جوفه، فيقول: بخ بخ! إبل عبد الله بن عمر ، ائتوني به، ويأتي عبد الله يرتجف ويرتعد وهو إمام الزهد والورع، فيقول عمر : يا عبد الله! ما هذه الإبل؟! فيقول ابنه إمام الزهد والورع: يا أبت! إبل كانت مريضة هزيلة، اشتريتها بخالص مالي، وأطلقتها في الحمى ترعى، وأتيت بها إلى السوق أبتغي ما يبتغيه المسلمون من الربح والتجارة. فقال عمر في تهكم لاذع: بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين، إذا رأى الناس إبلك قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين! اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين، قال: عبد الله: لبيك يا أبت مرني بما شئت. قال: بع الإبل الآن، وخذ رأس مالك، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين! عمر الذي اشتهت زوجه الحلوى يوماً فأبى عليها يا رافعاً راية الشورى وحارسها جزاك ربك خيراً عن محبيها رأي الجماعة لا تشقي البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها إن جاع في شدة قوم شركتهم في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها جوع الخليفة والدنيا بقبضته منزلة في الزهد سبحان موليها فمن يباري أبا حفص وسيرته أو من يحاول للفاروق تشبيها يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي لبيت المال رديها فتلك أخلاقه كانت وما عهدت بعد النبوة أخلاق تحاكيها واسمع للمصطفى وهو يضع الأوسمة على صدر عمر الفاروق فيقول كما في سنن الترمذي من حديث ابن عمر وهو حديث حسن: (إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه)، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رأيتني وأنا في الجنة، ورأيت قصراً وإلى جواره جارية تتوضأ، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لـعمر بن الخطاب يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: فتذكرت غيرتك يا عمر فأدبرت، فلما سمع عمر ذلك من رسول الله بكى، وقال: أو عليك أغار يا رسول الله؟!). وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم إذ عرض علي الناس وعليهم قمص -جمع: قميص- منهم ما يبلغ الثدي، ومنهم دون ذلك، وبينما هم كذلك إذ عرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره -قميص يجره على الأرض-، قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين). وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم إذ عرض علي قدح من اللبن ، فشربت حتى إني أرى الرِي يخرج من بين أظفاري، ثم أعطيت فضلتي -أي: ما تبقى من الشراب- لـعمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟! قال: العلم). وفي الصحيحين (أن عمر بن الخطاب استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه عالية أصواتهن؛ فلما سمعن صوت عمر يستأذن على رسول الله قمن يبتدرن الحجاب، فدخل عمر والنبي يضحك، فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله؟! -يعني: لماذا تضحك؟ سؤال بأدب- فقال المصطفى: أضحك من هؤلاء اللائي كن عندي، فلما سمعن صوتك قمن يبتدرن الحجاب! فقال: أنت أحق أن يهبنك يا رسول الله، ثم التفت عمر إلى النسوة فقال: أي عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟! والمرأة لا يخونها لسانها في مثل هذه المواقف فقلن: نعم؛ لأنك أفظ وأغلظ من رسول الله! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم قولة عجيبة، التفت إلى عمر وقال: إيه يا ابن الخطاب! والله ما رآك الشيطان سالكاً فجاً -أي: طريقاً- إلا وتركه لك، وسلك فجاً غير فجك ) فهل يسب عمر فاروق الأمة؟!! وهل يسب الخيران؟!! أسأل الله عز وجل أن يجمعنا بهما في جنات النعيم.

    1.   

    هم القدوة فاعرفوا لهم قدرهم

    أخيراً: أكتفي بهذا الأثر الذي رواه أحمد بسند حسن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه قال: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم). أيها الوالد الكريم! تعلم سير الصحابة، وعَلم أبناءك سير الصحابة، لقد آن الآوان لنربوا بأبصارنا إلى هذه القمم... إلى هذه القدوات... إلى هذه المثل... فإن شبابنا الآن قدمت له قدوات فاسدة! ومُثل هابطة! يعلمون الكثير عن هؤلاء الأقزام! في الوقت الذي لا يعلمون فيه شيئاً عن هذه القمم الشماء، وعن هؤلاء الأطهار الخيار الكرام. تعلم سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عُد من جديد واسمع السيرة.. اقرأ السيرة... اجتهد أن تسأل عن سيرتهم بعد ما حرمت من صحبة أنفاسهم وأجسادهم، ورب ولدك على هذه السيرة؛ لنأخذ العبرة والعظة من ناحية، ولتتدفق من جديد في عروقنا دماء العزة والكرامة، والزهد والورع من ناحية أخرى، التي ضرب لها أروع المثل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إننا نعيش زماناً قدم فيه التافهون ليكونوا القدوة والمثال، ونعيش زماناً قلت فيه القدوة من ناحية أخرى، آن الآوان لأن ترنوا جميع الأبصار إلى هذه القدوات الطيبة والمثل العليا. ويجب عليك أن تغار لأصحاب نبيك إذا قرأت كلمة تنبش عرض واحد منهم، يجب عليك أن تغار، دعك من هذه السلبية القاتلة، تقرأ في جريدة أو في مجلة قذرة داعرة دفاعاً مبطناً عن هذا الشيعي المحترق الذي سب أصحاب النبي ولا تفعل شيئاً، اكتب رسالة إلى الجريدة، وعبر فيها عن رأيك، اتصل بالهاتف وعبر عن رأيك، قرأت تحقيقاً صحفياً عن شيوخك وعلمائك ودعاتك فعبر عن رأيك، اكتب خطاباً وأرسل به إلى رئاسة التحرير أو إلى المحررين، المهم أن تنكر هذا المنكر ولا تعجز، اكتب كلمات رقيقة، اكتب كلمات طيبة، ذد عن عرض هؤلاء، ذد عن شرف هؤلاء، ادفع عن عرض هؤلاء الشيوخ والدعاة والعلماء والصحابة قبل ذلك. فهؤلاء هم رموز الأمة، لا ينبغي أن تسقط هذه الرموز، لا ينبغي أن تشوه صورهم وأن نسكت، عبر بكلمة طيبة لا نريد أكثر من ذلك، المهم أن يعلم هؤلاء الذين يكتبون عبر هذه الصفحات السوداء أن الأمة مع علمائها، وقبل ذلك مع دينها ومع نبيها ومع أصحاب رسول الله، ومع العلماء العاملين والدعاة الصادقين، لابد أن يشعر هؤلاء بهذا. يا أخي! لا تكن سلبياً، استحلفك بالله أن تكون إيجابياً، تحرك وعبر عن القضية بكلمات رقيقة رقراقة جميلة، فإنني أقول لكم دوماً: لا تخلطوا بين مقام الدعوة ومقام القتال، فمقام الدعوة هو اللين ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125]، فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه:44] . وهذا الذي أطالب به الآن، أدع بالحكمة وباللين، برسالة أو اتصل بالهاتف، تحدث مع مسئول إن كنت تعرفه، تحدث مع صحفي إن كنت تعرفه، نريد أن يصل كماً هائلاً من الرسائل التي تعبر عن حب هذه الأمة لدينها ونبيها وأصحاب رسول الله والعلماء والشيوخ والدعاة الصادقين؛ ليعلم هؤلاء أنهم يحرثون في الماء، أما أن نكون سلبيين إلى هذا الحد، وأن نسمع وننصرف! ونأتي لنسمع وننصرف، ولا شيء يخرج منا على الإطلاق! فهذه سلبية خطيرة، أعوذ بالله من نتيجتها بين يديه تبارك وتعالى. لا تبرر لنفسك هذه السلبية بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] صديق الأمة قرأ هذه الآية يوماً على المنبر فقال: إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم جميعاً بعقاب من عنده)، وقال في رواية أخرى: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده) أسأل الله عز وجل أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم احشرنا في زمرة نبيك الكريم، وصحبه المباركين، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755808667