إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [6]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بأسماء الله وصفاته كما أخبر عن نفسه سبحانه في كتابه أو على لسان رسوله؛ فإن الله تعالى أعلم بنفسه من غيره، ورسله صلوات الله عليهم أعلم به سبحانه من سائرخلقه.

    1.   

    قبول ما ورد في القرآن من أسماء الله وصفاته

    قال المصنف رحمه الله: [فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً].

    (فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه) وهذه ضرورة عقلية، وضرورة شرعية، والمصنف هنا يستعمل باب الضرورات، وهي المعاني المسلمة.

    وهذه طريقة فاضلة في الجدل، وهي مستعملة في القرآن، وهي: الاستدلال على المختلف بالمؤتلف، أي: أن تستدل على المختلف فيه بالمؤتلف عليه أو بالمتفق عليه.

    ومن استعمالها في القرآن: أنه لما خالف المشركون في توحيد العبادة وإفراد الله بالتوحيد، ذكر الله سبحانه وتعالى إقرارهم بتوحيد الربوبية؛ من باب الاستدلال على المختلف فيه مع المشركين -وهو الألوهية- بالمتفق عليه معهم وهو الربوبية.

    وهي طريقة معروفة حتى في علم الجدل والمنطق.

    فالمصنف يقول: (فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه). ولما كان أعلم بنفسه فإن ضرورة حكم العقل توجب أن يؤخذ ما يتعلق بأسمائه وصفاته مما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولما امتنع أن يكون أحد من خلقه أعلم به سبحانه وتعالى من نفسه، وجب تصديق سائر ما ورد في القرآن من أسماء الرب سبحانه وتعالى وصفاته.

    قوله: (وأصدق قيلاً) أي: قولاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122](وأحسن حديثاً) أي: أبلغ.

    الغلط في المعاني: إما أن يكون سببه العجز عن البيان، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك.

    وإما أن يكون سببه فساد الإرادة، والله سبحانه وتعالى لا أحد أصدق منه.

    فلما كان بيانه سبحانه وتعالى لخلقه في هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، علم أن معاني الآيات في أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته على ظاهرها.

    ولا يجوز لأحد أن يقول: إن المسلمين اختلفوا فيها كما اختلف فقهاؤهم في آيات الأحكام، فإنه يقال: إن باب الأحكام مبني على تحصيل الحكم المختص، وأما باب الخبر فإنه مبني على التصديق والتكذيب، وآيات الصفات هي من باب الخبر، والخبر ليس أمام العقل فيه إلا أحد أمرين: إما التصديق وإما التكذيب، بخلاف آيات الأحكام فإنها لتحصيل الحكم المختص.

    وعامة ما يذكره سبحانه وتعالى في كتابه: أمر ونهي.

    والأمر والنهي إذا ذكرت معانيها المفصلة، قيل: قد يكون الأمر على الإيجاب، وقد يكون الأمر على الاستحباب، وقد يكون الأمر على الإباحة، والنهي قد يكون من باب التحريم، وقد يكون من باب الكراهة والتنزيه. فلما وجد هذا التفصيل في الأحكام جاز اختلاف الفقهاء فيها بخلاف مورد الخبر.

    ومما يدل على هذا المعنى: أنك لا ترى أحداً من طوائف المسلمين ينازع في دلالة قصص الأنبياء، بل كلهم يصدقون بها على معنىً واحد في الجملة ولا يختلفون في تفسيرها، وقد تقدم معنا أن مخالفة من خالف في باب الأسماء والصفات ليست فرعاً عن النظر في آيات القرآن، إنما هي فرع عن علم الكلام.

    1.   

    معنى الرسول ومعنى النبي

    [ثم رسله صادقون مصدقون] .

    الرسل عليهم الصلاة والسلام أخص من الأنبياء، وظاهر القرآن أن كل رسول فإنه نبي، وليس كل نبي رسولاً .. هذه قاعدة بينة من مجموع النصوص، وأما الفرق بين النبي والرسول، فإن المتأخرين من أهل السنة وغيرهم تكلموا فيه كثيراً، ومن أشهر التفريقات المتداولة في الكتب المتأخرة: أن الرسول من أوحي إليه شرع وأمر بتبليغه، وأن النبي هو من أوحي إليه شرع ولم يؤمر بتبليغه. وهذا الحد مع شهرته هو من أفسد الحدود، بل إنه مناقض للشرع والعقل، فإن النبي إذا أوحى الله إليه شرعاً فكيف يمكن أن يقال: إنه لم يأمره بتبليغه؟! ومعلوم أن جميع الأنبياء والمرسلين أتوا قومهم بـ(بلغوا عني ولو آية)، فالتبليغ يؤمر به كل من آمن بالله تعالى، حتى العامة، فإنهم مأمورون بالتبليغ بما يقدرون عليه.

    والله سبحانه وتعالى ذم الذين كتموا العلم ونبذوه وراء ظهورهم أو لم يبلغوه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وأن ينذرهم شر ما يعلمه لهم) كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصحيح.

    ودلالة النبي لا يلزم بالضرورة أن تكون سائرها نزلت بوحي خاص، وإنما عرفها من مجموع رسالته، فإذا كان واجباً عليه الدلالة على أوجه الخير العامة، فما بالك بالوحي الخاص؟

    وهذا التعريف لا يعلم من أين دخل على كتب العلماء، والغريب أن ثمة بعض المسائل فيها أقوال مناقضة للشرع ومناقضة للعقل، كما سلف في تعريف التواتر، وأن الحديث المتواتر: هو ما رواه جماعة عن جماعة .. إلى آخره، وبهذا التعريف لا يكون له مثال من جهة السنة، أي: أن السنة ليس منها شيء متواتر، والنتيجة أن السنة لا يحتج بها في العقائد إلا بحديث أو حديثين أو عشرة.

    فمثل هذه الحدود هي من الحدود الباطلة التي دخلت على بعض كتب العلماء.

    فإن قيل: فما التحقيق في معرفة الفرق بين النبي والرسول؟

    قيل: الذي دلت عليه مجموع النصوص دلالة بينة أن الرسالة أخص من النبوة، وأن كل رسول فإنه نبي، ولا يلزم أن يكون النبي رسولاً.

    1.   

    ما يوجبه اتباع الرسل من قبول ما أخبروا به عن الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم رسله صادقون مصدَّقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون] .

    هذا من باب المقارنة بين طريقة أهل السنة وطريقة المخالفين، من جهة أن أهل السنة والجماعة قصروا طريقتهم على الاتباع والتسليم لكل ما جاءت به الرسل، وأن الحق الواجب في باب الأسماء والصفات وغيرها قد علم بمجيء الرسول عليه الصلاة والسلام، بل وغيره من المرسلين به إجمالاً وتفصيلاً.

    قوله: (بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون).

    هذا نوع من التعريض بطريقة مخالفي أهل السنة، فإن مخالفيهم من أهل التعطيل أو التشبيه والتمثيل بنوا مخالفتهم على الطريقة الكلامية، وقلنا سابقاً: إن الطريقة الكلامية محصَّلة من الفلسفة، ولا شك أن أرباب وأساطين الفلسفة يصح أن يقال فيهم: إنهم من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ولا سيما إذا عرفت أن كبار أئمتهم الذين ينتسب إليهم من انتسب إلى الإسلام كـابن سينا وغيره؛ لم يكونوا ينتسبون إلى دين سماوي أصلاً، ولا حتى من الأديان المحرَّفة، كـأرسطو طاليس ؛ فإنه لم يكن على دين من أديان الرسل؛ بل كان قبل النصرانية، وقبل المسيح ابن مريم بثلاثمائة سنة.

    وعلم الكلام محصَّل من الفلسفة، والفلسفة جمهور أساطينها لم يكونوا على دين من الأديان السماوية؛ ولا سيما الفلسفة التي دخلت على المسلمين؛ فإن أربابها كـأفلاطون وأرسطو طاليس وأمثالهم لم يكونوا على شيء من أديان الأنبياء، ولا حتى الأديان التي دخلها التحريف.

    والمعتزلة وغيرهم من المتكلمين بنوا أقوالهم على مقدمات الفلاسفة، والفلاسفة يصح أن يقال فيهم: إنهم من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون.

    ولهذا قال بعض محققي المتكلمين والفلاسفة كـابن سينا : (إن الأقوال المقولة في الأسماء والصفات ليس فيها إلا أحد قولين: إما قول الأنبياء وأتباعهم، وإما قول الفلاسفة وأتباعهم). فجعلوا سائر الإثبات الذي عليه أهل السنة والجماعة فرعاً عما جاءت به الكتب السماوية، وجعلوا أقوال المخالفين من النفاة فرعاً عن أقوال الفلاسفة، فليس هنا إلا قول الأنبياء أو قول أئمة الفلسفة، وقول المتكلمين فرع عن الفلاسفة، وقول أهل السنة فرع عما جاء به الأنبياء والمرسلون.

    [ولهذا قال سبحانه وتعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]] .

    هذا ذكره الله في كتابه، لكن ليس في المورد الذي اختلف فيه أهل القبلة، وإنما هو في ذم المشركين أو غيرهم كأهل الكتاب الذين زعموا أن المسيح ابن لله سبحانه وتعالى، أو في قوله سبحانه عن اليهود: وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]أو في المشركين الذين زعموا أن له سبحانه وتعالى صاحبةً وولدا، فقال سبحانه: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ [المؤمنون:91] إلى غير ذلك، فهذا معنى قوله تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180] فهو تنزيه لله عما وصفه به الكفار.

    ولكن ما حصل من بعض أهل القبلة هو من المخالفة، والآية عامة في الدلالة؛ لمناسبة المعنى لذلك.

    [فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمَّى به نفسه بين النفي والإثبات] .

    من أخصِّ قواعد أهل السنة: أن هذا الباب عندهم معتبر بالإثبات والنفي؛ لأنه مبني على طريقة القرآن، وإذا قرأت القرآن وجدت أن الله سبحانه وتعالى قد جمع فيما سمَّى ووصف به نفسه بين الإثبات والنفي، الإثبات لكماله والنفي لما لا يليق به سبحانه وتعالى.

    1.   

    ما يقتضيه اكتمال الدين من إعراض عن علم الكلام

    [فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين] .

    كل من آمن بالأنبياء والمرسلين لزم ضرورةً أن يكون متبعاً لهم، فإن مقتضى الإيمان بالنبوة والرسالة الإيمان بأن ما جاء به الرسول حق، فإذا تحقق أن ما جاء به الرسول حق، استلزم هذا الإعراض عن غيره، حتى لو فرض جدلاً أن هذا الحق الذي حدَّث به الرسول أو شيئاً منه يمكن أن يُعرف من غير مشكاة النبوة، فلو فرض هذا جدلاً، فإن المكلَّف لا ينبغي له أن يسعى إلى غير مشكاة النبوة، باعتبار أن النبوة والرسالة تضمنت الحق كله.

    ومن المسلَّمات التي يُستدل بها في مقام النزاع: أنه يُعلم أن الله أكمل لهذه الأمة دينها، وكمال الدين إنما كان ببلاغ النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، والدين قد كمُل دلائل ومسائل، وهو أصول وفروع، فلو كان الناس محتاجين في شيء من أصول دينهم أو حتى فروعه في مقام الدلائل أو المسائل إلى شيء لم يُذكر في الكتاب أو في السنة، للزم من ذلك أن الله لم يكمل لهذه الأمة دينها.

    فلمَّا علم ضرورةً أن الله قد أكمل لهذه الأمة دينها، كان هذا الدين إنما يكمُل بالبلاغ النبوي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756153091