إسلام ويب

التنصير يجتاح العالم الإسلاميللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتحدث الشيخ في هذا الدرس عن التنصير بصوره وأشكاله الجديدة، مستعرضاً أساليبهم الخبيثة من تضليل وتلبيس وتحريف، ويوضح مدى جديتهم في هذا العمل باستغلالهم لجميع الفرص الممكنة، وكيفية المنهج الذي يوصون به المنصرين ليستميلوا قلوب وعقول جهلة وعوام المسلمين. ثم يعرج على أسباب التنصير في العالم الإسلامي، ولماذا كل هذا الاهتمام المنصب على التنصير فيه، وبالمقابل تساهل المسلمين أمام هذه الحملة الشرسة وعدم جديتهم في مواجهة الخطر الذي يهددهم00 وهذا الدرس غني بالأحداث والمواقف المتنوعة التي تبين وتوضح مواقف الشعوب الإسلامية في كثير من البلدان من حيث صمودهم أمام التنصير أو استجابتهم له مع توضيح الأسباب.

    1.   

    حكم تعلم اللغة الإنجليزية

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأولى أداء، والثانية قضاء، لأن عدداً من الإخوة قالوا: إنهم كانوا ينتظرون تسليمي عليهم في المجلس السابق، ولكنني ذهلت عن ذلك، فأسلم عليكم تسليما دائما يدوم معكم حياتكم، ويدخل معكم قبوركم، وأسأله تعالى أن يرحمنا جميعا رحمة يعفو بها عن ذنوبنا، ويدخلنا بها في رضوانه وجنته، إنه على كل شيء قدير، كما أسأله أن ينـزل علينا من غيثه وبركته وجوده جل وعلا ما يجعلنا سعداء في هذه الدار وفي دار القرار.

    أما بعد:

    فهذه الجلسة هي حول التنصير في العالم الإسلامي، وبعنوان: (التنصير يجتاح العالم الإسلامي) وقبل أن أدخل فيما أريد، كتب إليّ أحد الشباب ورقة يقول فيها: إنك انتقدت فيها المصطلح الشهير (التبشير) ثم إنك استخدمته أثناء المحاضرة، وقلتَ: (إنه من الوسائل لإيقاف المد التبشيري وتهدئته) تعني: الدعوة إلى الله

    وهذا وَهْم أو سبق لسان حصل بسبب كثرة تداول هذه الكلمة، وهو خطأ سواء أصدر مني أم من غيري؛ فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه.

    ثم إن الأخ سألني سؤالاً طويلاً خلاصته:

    نحن مجموعة من الشباب، آذانا وأحزننا كثيراً ما يفعله النصارى بإخواننا المسلمين، ورأينا أن من وسائل مكافحة التنصير أن ندرس اللغة التي يتكلمون بها غالباً، وهي اللغة الإنجليزية في جامعاتنا هنا، على رغم ما فيها من بعض المواد أو بعض القصص الغرامية والأشياء التي تتنافى مع الإسلام؟

    الجواب: أقول: إنه مما لا شك فيه أن دراسة هذه اللغة أو غيرها من اللغات، بقصد استخدامها في الدعوة إلى الله عز وجل، أو مقاومة كيد النصارى وغيرهم من أعداء الدين، إنه من الواجبات التي ينبغي على المسلمين أن يسعوا إليها وأن يقوموا بها؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فواجب علينا أن نتعلم لغتهم؛ لندعوهم إلى الله عز وجل ونحاربهم.

    نحارب النصارى الذين يشوهون صورة الإسلام، لكن نتعلمها بقدر هذه الحاجة، وليس المقصود أن تتحول اللغة الإنجليزية وتعلُّمها إلى مجال للتفاخر والتنافس، وأن تكون لغة إلزامية في مدارس المسلمين، في مدارس الأولاد والبنات والذكور والكبار والصغار والأطفال، حتى ممن لم يكونوا يوماً من الأيام دعاة إلى الإسلام، بل أقول: إن من المؤسف أننا أحياناً نعتني بتعليم أولادنا اللغة الإنجليزية أكثر مما نعتني بتعليمهم الإسلام نفسه، وأي فائدة في أن يتعلم شباب المسلمين اللغة الإنجليزية، ثم لا يكونون عالمين بالإسلام ولا قادرين على الدعوة إليه، أما أن ينبري من شباب الإسلام المتحمسين من يتخصص في هذه اللغات، ويتعلمها بقصد الدعوة إلى الله ومقاومة كيد النصارى؛ فهذا أعتقد أنه مما لا يختلف عليه اثنان.

    ثم إن هاهنا خبراً طريفاً نشرته بعض صحفنا المحلية في الثالث من شهر صفر من هذا العام يقول: إن كاهناً نصرانياً نيجيرياً دخل إلى قفص الأسد في حديقة الحيوانات في إحدى المدن في جنوب أفريقيا، ومعه نسخة من الإنجيل وحبل، وأراد -كما يتخيل- أن يري الناس معجزة سيصنعها بالإنجيل مع الأسد، ويجعل الأسد يستسلم لـه وينقاد، وكان الأسد نائما، فأخذ يشير لـه بالإنجيل ويصيح داعيا الناس لرؤية معجزته فاستيقظ الأسد منـزعجاً، وأكل هذا القسيس!! هنيئاً مريئاً00 فالحمد لله.

    وإذا كان هذا الخبر فيه مصلحة ففي المقابل فقد وقع في يدي شريط مصور قبل أسبوع ونظرت فيه فوجدت أن مما يؤسي ويؤسف أن في هذا الشريط المصور بعض جهود النصارى، وتبدو خلاله امرأة مسلمة في الأصل من إفريقيا، وهي تتكلم عن واقعها وأولادها وتدعو للنصارى وتقول: الله يبارك لنا في النصارى، الله يزيدهم، الله يبارك لنا فيهم، أربع سنوات كلها كنا تعبانين بعيالنا وأولادنا، حتى جاء هؤلاء النصارى وأنقذونا، الله يبارك فيهم ويزيدهم وتدعو لهم، فالله المستعان!

    1.   

    الأساليب الجديدة للتنصير في العالم الإسلامي

    قبل أن أتكلم عن الدول الإسلامية واجتياح النصرانية لها، أشير إلى بعض الأساليب الجديدة التي يستخدمها النصارى للمسلمين خاصة على سبيل العرض السريع، وهذه الأساليب الجديدة دفعهم إليها أنهم لاحظوا أن كل أساليبهم القديمة لم تكن مجدية بما فيه الكفاية، وعلى الرغم من الذين قد تنصروا إلا أن النتائج دائماً أقل من الجهود التي يبذلها النصارى، فكان القبول قليلاً بالنسبة لما يريدون وما يتوقعون، ومن أسباب ذلك بُعْد الشقة والهوة بين دين الإسلام دين التوحيد والوحدانية والبعد عن كل ألوان الوثنية والشرك، وبين دين النصرانية والتثليث الذي يقول: إن الله ثالث ثلاثة، ويؤمن بما يسميه الأب والابن وروح القدس على أنهم ثلاثة آلهة، وأيضاً بُعْد الشقة والهوة بين دين الإسلام الذي يقول: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:157-158] وبين النصرانية التي تقول: بأن المسيح قد قتل وصلب على يد أعدائه من اليهود، لذلك سعوا إلى التضليل والخداع في أوساط المسلمين والتغرير بهم، وسلكوا وسائل جديدة أذكر منها على سبيل العرض الموجز ما يلي:

    التضليل والخداع وتلبيس الحقائق

    أ- هناك كتب كثيرة ألفت خصيصاً للمسلمين، وراعت مشاعر المسلمين وعقائدهم وعواطفهم، فمثلاً: كتاب شهادة القرآن بتوحيد المسيحيين وهي نشرة نبهت إليها سابقاً، ووزعت في بلاد العالم، منها هذا البلد وزع فيه مئات الألوف من هذه النشرة، وهي مستلة من كتاب اسمه الله واحد في الثالوث القدوس لـزكريا بطرس، فهذا الكتاب وهذه النشرة تؤكد على وجود نوع من التشابه بين عقيدة الإسلام والنصرانية، وتقول: إذا كان النصارى يؤمنون بآلهة ثلاثة: الأب وهو الله في زعمهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:43] والابن وروح القدس أيضاً أو أي مصطلح آخر يمكن أن يستخدموه، فهم يؤمنون بثلاثة آلهة، أو بالثالوث القدوس كما يسمونه، فهم يوجدون أو يحرصون على إيجاد تشابه بين هذا وبين قول الله عز وجل عن المسيح إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171] فيكون هو رسول وكلمة وروح، فهذه الكلمات الثلاث، يحاولون أن يوجدوا تشابهاً بينها وبين الثالوث الموجود عندهم.

    نحن نعلم أنه فعلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كلمة الله خلقه بقول: كن، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] وأنه روح من الله عز وجل، كما قال الله تعالى، وليس المعنى -قط عند أي مسلم- أن المسيح جزء من الله، بل إن الله تعالى أنكر على من ادعوا هذا، فقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْأِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِين [الزخرف:15] ولكن النصارى يستغلون هذا التشابه العددي بين هذه الكلمات الثلاث: رسول، وكلمة، وروح منه. وبين التشابه العددي في قانون الثالوث، ‎أو الأقنوم الثالوثي الموجود عندهم لتضليل المسلمين.

    ب- وهم أحياناً يقارنون بين الثالوث الموجود عندهم وبين (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه الأسماء الثلاثة الموجودة لله عز وجل في هذه الكلمة، مع أننا نعلم أن الله عز وجل لـه تسعة وتسعون اسماً، هذه الكلمات المعروفة الموجودة في القرآن والسنة، أما أسماء الله تعالى فإنه لا يعلمها إلا هو، فإن هناك أسماء لا يعلمها الخلق، ولهذا يطلع الله تعالى نبيه يوم القيامة على أسماء وصفات يدعوه بها، لم يكن يعلمها أحد من قبل، وأيضاً كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه أنه يقول: { اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنـزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك } فثمة أسماء لربنا عز وجل لا يعلمها إلا هو، أما ما يعلمه المسلمون فهي تسعة وتسعون اسماً وليس ثلاثة فقط.

    ج- أيضاً من وسائل التلبيس عندهم: بناء كنائس مشابهة بالمساجد، فإن المسلمين قد تعودوا -خاصة في البلاد التي وجدوا فيها نصارى- على رؤية مناظر الكنائس مختلفة متميزة، ويُوجِد هذا عندهم نوعاً من الكراهية لها، ولهذا بدأ النصارى يسلكون طريقة جديدة: أن يبنوا كنائس شبيهة إلى حد كبير بالمسجد، بحيث يسهل على المسلم الدخول فيها، وربما ظنها مساجد فدخلها، وحتى لو دعوا باسم النصرانية إلى هذه المعابد لم يجد فيها غرابة؛ لأنه قد تعود على دخول شيء يشبهها.

    د- ومن ذلك أيضاً: إقامة العبادة بطرق مشابهة للطرق التي يقيم المسلمون الصلاة فيها، مثل طريقة الصفوف، ومثل الجلوس على الأرض، ومثل أشكال العبادة، حتى يألفها المسلمون ولا يستوحشوا منها.

    هـ- ومن ذلك أيضاً: ترتيل الإنجيل بطريقة تشبه قراءة القرآن الكريم، حتى إنهم يرتلون الإنجيل بطريقة تشبه طريقة التجويد المعروفة عند المسلمين عند قراءة القرآن، حتى يتعود المسلمون على ذلك، ولا يشعروا بالاستغراب.

    و- ومن ذلك: أنهم يحاولون أن يجعلوا شخصية المسيح في القرآن مشابهة لشخصيتة في الإنجيل، بل أن يلبسوا بنقلهم من الكتب الإسلامية التي قد يغتر المسلمون بها، فمثلاً: هناك كتاب اسمه شخصية المسيح في الإنجيل والقرآن ينقل عن كتاب تفسير الجلالين وهو كتاب متداول عند المسلمين في قوله عز وجل: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] وفي قراءة وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61] بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) يعني: عيسى بن مريم، يقول: قال الجلالان أي: يعلم بنـزولها، يعني: أن المسيح يعلم بنـزول الساعة! فبذلك يلبسون على المسلم البسيط الذي لا يعرف الكتب، ولا يستطيع أن يرجع إليها أو أن يراجعها، فيظن أن تفسير الجلالين يقول في تفسير (علم للساعة): أي: أن المسيح يعلم وقت نـزول الساعة، مع أن القرآن صريح في أنه لا يعلم الساعة إلا الله عز وجل: يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [النازعات:42-45] ويقول: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187] ويقول: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34] لكنهم يلبسون على الناس، وحين ترجع إلى تفسير الجلالين تجد أنهم يقولون: بدل قول النصارى نقلاً عنهم يَعْلَم بنـزولها، قال الجلالان: تُعْلَم بِنـزُولِه، أي: يُعلم وقت الساعة بنـزول عيسى بن مريم، فهذه عقيدة إسلامية واضحة معروفة لدى المسلمين، إذ يعتقدون أن المسيح بن مريم لم يقتل ولم يصلب، ولكن رفع إلى السماء، وسوف ينـزل في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، وهذا أحد معاني قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) وقوله: (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) بفتح العين واللام في كلمة (لَعَلَمٌ) في قراءة، أي: تُعْلَمُ الساعة بنـزوله، فإذا نـزل عيسى علم الناس قرب قيام الساعة، فانظروا كيف لبسوا.

    ز- ومثل هذا النوع من التلبيس: هناك كتاب آخر يوزع في أوساط المسلمين، وعندي منه ومن الكتب السابقة وغيرها نسخ، كتاب اسمه الصليب في الإنجيل والقرآن في تفسير قوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] فيقول صاحب الكتاب: قال: الفخر الرازي صاحب التفسير الكبير في تفسير هذه الآية ثم ساق كلاماً طويلاً يدل على أن صاحب هذا الكلام يؤمن بأن المسيح قتل وصلب، فنقلوا هذا الكلام ونسبوه إلى الفخر الرازي، فإذا رجعت إلى كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي وجدت أن هذا الكلام كذب مفترى، وأن الفخر الرازي ساق سؤالاً طويلاً على لسان أحد النصارى، ثم طفق يرد عليه ويفنده من وجوه عديدة وفي صفحات طويلة.

    فهم نقلوا السؤال الذي ساقه الفخر الرازي على لسان أحد النصارى وعدوه من كلام الإمام الجليل الفخر الرازي تلبيساً وتوهيماً للسذج والعوام من المسلمين.

    ح- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- التضليل بالأسماء الإسلامية كما ذكرت سابقاً، فالمسئول عن المراسلة في إحدى الإذاعات اسمه الشيخ عبد الله برنامجه اسمه (الله أكبر) وبعض الإذاعات اسمها (صوت الحق) وأخرى اسمها (نور على نور) وعندهم أسماء كثيرة لكنهم عمداً اختاروا هذه الأسماء؛ لأن لها وقعاً في نفس المسلم وفي أذنه الذي تعود على سماعها.

    ط- ومن الوسائل أيضاً: أنهم يرون أنه لا داعي لمصادمة المسلمين بالعقائد التي يأنفون منها ويرفضونها، فيقولون: لا داعي لأن تقول للمسلم مثلاً: إن المسيح ابن الله هكذا مباشرة؛ لأنه يرفضها، وتصادم عقيدته الموروثة التي تلقاها منذ الصغر، وهو يسمع قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] فلا داعي لأن تقول للمسلم أول مرة: إن المسيح ابن الله، وخاصة يقولون: إن المسيح نفسه لم يستخدم هذه الكلمة، ولم يقل عن نفسه إني أنا ابن الله، بل قال عن نفسه: إنه ابن الإنسان وإنه الكلمة وإنه الروح، ولذلك لا داعي لاستخدام هذه الكلمات، ولكن يمكن أن نتسلل بها إلى قلب المسلم شيئاً فشيئاً، مثل أن نقول: إن المسيح روح الله، وهذه الكلمة قد يقبلها المسلم لكونها وردت في القرآن الكريم وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء:171].

    ي- ومن وسائلهم في التضليل -أيضاً- استغلال العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية، فمثلاً: الصلاة وردت في الإسلام، ومثلها الصوم، ومثلها الصدقة؛ فيقولون: نستغل هذه العناوين المشتركة بين الإسلام والنصرانية؛ حتى يتقبل المسلم النصرانية دون أن يشعر بالفارق الكبير بين الإسلام وبين دينه الجديد، ولذلك قال الرئيس الأمريكي نفسه -في تصريح لـه في العام الماضي، وهو يتكلم مع مجموعة من الصحفيين العرب- قال: "إنني لا أوافق على ما يروجه عنا الأصوليون الذين يتكلمون عن عداوتنا لهم وحربنا، وأن ما يروجونه غير صحيح، وأنهم متحاملون علينا، وأنا سوف أقف شخصياً ضدهم، ثم قال: مستدركاً أنا لست متعمقاً في دراسة الدين، ولكنني لا أجد في مبادئ الإسلام ما يجعلنا نختلف أو نتناقض فيما نؤمن به، بل على العكس إنني أجد تماثلاً بين مبادئ الإسلام والمبادئ التي نؤمن بها والمشتقة من ديننا وحضارتنا الغربية"، هذا التصريح نشر في جريدة روز اليوسف عدد (3347).

    ك- أيضاً من وسائل التضليل: استخدام العبارات الإسلامية مثل قولهم: بسم الله الرحمن الرحيم، الله سبحانه، والله تبارك تعالى، عيسى عليه السلام، تسمية الكنائس بيوت الله كما تسمى المساجد، إلى غير ذلك من الألفاظ التي يألفها المسلمون، ومن ذلك أيضاً ادعاؤهم أن دين المسيح لم ينسخ، فقد يظهرون للمسلم قبولهم بالإسلام، ولكنهم يقولون: إن الإسلام غير ناسخ للنصرانية، وهناك كتاب يوزع بين المسلمين اسمه دين المسيح لم ينسخ ألفه نصراني اسمه اسكندر جديد ومن ضمن ما نقله في هذا الكتاب أيضاً عن كتاب تفسير الجلالين في قوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] قال: قال الجلالان: أهل الذكر هم أهل التوراة والإنجيل، وبناءً عليه فإن القرآن يأمرنا أن نسأل أهل التوراة وأهل الإنجيل! والواقع أنه قال كثير من المفسرين: على أن أهل الذكر هم أهل العلم، وهذا هو الصحيح.

    لكن حتى الذين قالوا: إن أهل الذكر هم أهل التوراة وأهل الإنجيل، يعني المقصود بهم: الذين آمنوا بموسى والذين آمنوا بعيسى في أن الله تعالى لم يبعث إلا رجالاً فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فيخاطب الله العرب الوثنيين، ويقول لهم: إن كنتم لا تعلمون بذلك فسألوا أهل التوراة وأهل الإنجيل أنه سبحانه لم يبعث إلا رجالاً كعيسى وموسى عليهما السلام.

    ل- ومن ذلك التضليل: تقديم بعض التنازلات في سبيل كسب المسلمين، فمن التنازلات مثلاً: إقامة ما يسمونه بالقُدَّاس -وهو نوع من الطقوس- عندهم يوم الجمعة بدلاً من يوم الأحد، خاصة في البلاد الإسلامية التي توافق العطلة فيها يوم الجمعة من أجل كسب مزيد من المسلمين، وهذا قد فعلوه في الكويت وفي بعض دول الخليج.

    ومنها أيضاً: القبول بمبدأ تعدد الزوجات، خاصة في إفريقيا ومن الطرائف أنه أقيم مؤتمر في بريطانيا عام (1409م) للأساقفة الإنجيليين، وجرى فيه نقاش طويل حول قضية تعدد الزوجات، والمعروف أن النصارى لا يقولون بتعدد الزوجات أبداً بل يرفضونه، ويعدون أنها من المطاعن التي يطعنون بها في الإسلام، ولكنهم وجدوا أنفسهم وهم يعيشون في إفريقيا مضطرين إلى القول بتعدد الزوجات، حيث ينتشر تعدد الزوجات في بعض الدول الأفريقية بلا حدود، فبقدر ما يكون الرجل قادراً فإنه يتزوج، حتى إن الواحد منهم قد يجمع إلى الأربعين أو الخمسين أو مائة زوجة أحياناً، فوجدوا صعوبة، ورأوا بأنهم إذا لم يقبلوا بتعدد الزوجات، فسوف يخسرون النصارى الذين دخلوا في النصرانية حديثاً وكانوا مسلمين، ولهذا أعطوهم فرصة أن يقبلوا بذلك، حتى إن الأسقف الذي كان يدافع، واجه حملة في المؤتمر، وقالوا له: نريد أن نسألك أنت تملك كم زوجة؟! يعني على سبيل التعيير لـه، فقام هو، وقال: إنني أعلم أنكم قبلتم مسألة الختان.

    والختان طبعاً موجود عند المسلمين وهو من الشعائر التي يتميزون بها، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يسميه بعضهم نبي الختان، لأنه جاء بهذه الشريعة التي لا توجد عند النصارى.

    فيقول: إنكم قبلتم مبدأ الختان للذكر والأنثى أيضاً في بعض الدول نـزولاً على بعض العادات التي انتشرت، ولا يمكن أن يتخلصوا منها، فلا معنى لأن ترفضوا تعدد الزوجات وتقبلوا مبدأ الختان.

    م- ومن وسائلهم في التضليل: ادعاء أن بعض المسلمين قد تنصروا، وكتبوا بعض الكتب، ونشروا بعض الأشرطة، ونحن نعلم يقيناً أن من المسلمين من تنصر، بل سأذكر بعض الإحصائيات عن ذلك بعد قليل، ولكنهم أحياناً يبالغون في ذلك، ويقدمونه للمسلمين بصورة مثيرة للشبه عندهم، فمثلاً: كتاب لماذا صرت مسيحياً؟ يوجد على غلافه أن اسم المؤلف سلطان محمد بولس، وهذا اسم مركب من أسماء إسلامية ونصرانية، فسلطان هذا اسم إسلامي مثل اسم محمد، لكن بولس اسم نصراني، وهم يزعمون في هذا الكتاب أن هذا المؤلف رجل أفغاني جده كان عالماً، ويزعم في ضمن الكتاب أنه قد دعا الله تعالى عندما كان مسلماً وأنه حج البيت الحرام ودخل مكة ووقف بـعرفة، وأنه دعا الله تعالى في يوم عرفة أن يهديه إلى الطريق الصحيح، ويتكلم بأن الله تعالى قد هداه إلى النصرانية، ثم يذكر آيات وأحاديث وأسانيد كما لو كان مثقفاً إسلامياً، ومن الواضح أن هذا كتاب مختلق ومكذوب، وهذه طريقة معروفة يسلكها النصارى، كما يسلكها الشيعة وأصحاب الفرق الضالة في ادعاء أن بعض المسلمين اعتنقوا مذهبهم، وتركوا دين الإسلام، أو تركوا أهل السنة والجماعة، وبدءوا يكتبون عن ذلك.

    ومثله أيضاً هناك كتاب اسمه السودان يسرع إلى الله يحتوي هذا الكتاب على مجموعة شهادات بالعودة إلى الديانة النصرانية في السودان بأسماء سودانية، وقد يكون بعض هؤلاء نصارى فعلاً ولكنهم كانوا منحرفين عن الكنيسة ثم عادوا إليها، أي: تدينوا بالدين المنحرف، الدين المنسوخ، دين الكنيسة دين النصرانية، هذا قد يكون، لكنهم أحياناً يذكرون أسماء مسلمين يزعمون أنهم قد عادوا أو دخلوا في النصرانية ونقول في قولهم السودان يسرع إلى الله إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال:19] فنحن المسلمين نرى أن السودان يسرع فعلاً إلى الله تعالى، فتطبيق الشريعة يتقدم يوماً بعد يوم، وانتصارات المسلمين في الجنوب كبيرة، حتى لم يبق للنصارى فيه موطئ قدم، والقبائل الوثنية في الجنوب تدخل في دين الله أفواجاً: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

    العناية بالأطفال

    الطريقة الثانية: العناية بالأطفال في إقامة المدارس والإسكانات الخاصة لهم؛ لأنهم رأوا بأن أخذ الطفل من حضن وحجر أمه، وجعله في كنيسة أو مدرسة أو محضن، يضمن أن يتربى على عقيدة النصرانية وعلى دينها، بعيداً عن معرفته بالدين الأصلي الذي ينتسب إليه أهله.

    ومن الغريب أنني سمعت البارحة في بعض الإذاعات أنه أقيم في لندن فنادق خاصة بالأطفال السياح، وفيها عاملون يجيدون كل اللغات، وهذه الفنادق نجحت نجاحاً باهراً منقطع النظير، دعا المؤسسات والشركات إلى إقامة شبكات من هذه الفنادق في أنحاء العالم خاصة في المدن السياحية، وأنهم يمنعون أن يتصل أهل الطفل به، وإنما من أجل الاطمئنان عليه يتصل والده أو تتصل أمه بالجهة المسئولة عن هذا الفندق، ليخبروه عن آخر أخبار هذا الطفل ويطمئنوه عليه، أما والده فلا يحق لـه أن يتصل به، وذكروا برنامجاً للأطفال في هذه الفنادق، ومن ضمن اللغات التي تجيدها العاملات في تلك الفنادق اللغة العربية، فهذا أسلوب جديد للتنصير.

    ومثله أيضاً رأينا جميعاً أطفال المسلمين في البوسنة والهرسك، وكيف يؤخذون بالمئات بدون أمهات ولا آباء، ويذهب بهم إلى إيطاليا، وألمانيا، وفرنسا، حيث يربون هناك على النصرانية، وقد رأينا صوراً منهم في الطائرة أطفالاً صغاراً البراءة تنطق في وجوههم، وبعضهم الرضاعة في فمه، وهم لا يعرفون إلى أين يذهب بهم، فالله المستعان! وذكر لي بعض الإخوة القادمين من هناك أنهم تقام لهم مخيمات ومعسكرات خاصة، وأن بعض المسلمين حاولوا الدخول إليها، فحيل بينهم وبينها، ومنعوا حتى من الدخول؛ لأن النصارى يقيمون نظاماً خاصاً وبرنامجاً مكثفاً لتحويل هؤلاء الأطفال إلى دين النصرانية.

    ولك أن تتخيل طفلاً في سن الثانية من عمره أو الثالثة يؤخذ ثم يربى على الديانة النصرانية، ويكبر لا يعرف غيرها، ولا يعرف رباً له إلا أن يقول: ربي المسيح، ولا يعرف نبياً لـه إلا عيسى، ولا يعرف أصدقاء لـه إلا النصارى، ولا يعرف معبداً إلا الكنيسة، فأي إنسان سوف يخرج هذا؟! إن هذا الإنسان حتى لو دعي إلى الإسلام ووجد قبولاً، سيكون في قلبه شبهات كثيرة، وفي إيمانه ضعف إلا من رحم الله، أما الكثير منهم فإنهم يظلون محتفظين أوفياء للدين الذي تربوا عليه وهو النصرانية، وهناك مناهج تصاغ صياغة خاصة لهؤلاء الأطفال، وتربيهم على الأسس والمبادئ النصرانية مع الأسف، حتى في بلاد الإسلام كما سيظهر لكم.

    ويكفيك أن تعرف أنه في مصر -مثلاً- تَبَرَّمَ النصارى من المناهج الإسلامية في المدارس العامة، وقالوا: فيها آيات وأحاديث، وكتبوا في الصحف: أننا نطالب بإبعاد هذه الآيات وهذه الأحاديث عن المقررات الدراسية التي يدرسها أولادنا. وما أسرع ما كانت الاستجابة! فخلال أسبوع واحد تقرر إلغاء الآيات والأحاديث الموجودة في مقررات الأطفال، وكانت الحجة أن هذه الآيات والأحاديث كانت فوق مستوى الأطفال، فأما النصارى فإنهم يربون أطفال المسلمين الذين يستولون عليهم حتى ولو بالقوة أحياناً -كما أسلفت- يربونهم على آيات الإنجيل، ويحفظونهم إياها، ويربونهم على العبودية لعيسى واعتقاد ألوهيته وغير ذلك.

    استغلال الكوارث الطبيعية

    الوسيلة الثالثة: استغلال الكوارث الطبيعية من الفيضانات والحروب والمجاعات وغيرها، وهم يعتبرونها فرصة ذهبية، ففي الصومال -مثلاً- توجد عشرات المؤسسات التنصيرية التي تعمل في أوساط المسلمين، وهم يجبرون الإنسان المسلم: إما الفقر، وإما الكفر. وهذا يذكرنا بالمسيح الدجال الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {إنه يأتي إلى القبيلة فتؤمن به، فتنـزل عليهم الأمطار، وتعود إليهم أغنامهم أوفر ما كانت لحماً؛ فتنة من الله عز وجل، ويأتي القبيلة فتكفر به، فيصيبهم القحط والجوع}، فالنصارى اليوم يمارسون دور المسيح الدجال يخيرون المسلم بين الفقر والكفر، والمسلم ضعيف الإيمان الذي لا يتمكن من الحصول على الغذاء والكساء والدواء إلا بالتردد على الكنيسة وإعلان النصرانية، لا أعتقد أنه سوف يتردد في فعل ذلك كله، لأنه إذا آمن بـالنصرانية فتحت أمامه الأبواب كلها، بل أقول: المؤسف أن بعض الإعانات التي تجمع من المسلمين يوزعها النصارى، فيوزعها الصليب الأحمر أو الأمم المتحدة، وقد رأينا ورأى غيرنا إعانات للمسلمين جمعت في بلاد كثيرة منها الخليج وغيرها، وقامت بتوزيعها مؤسسات الصليب، توزعها على إخواننا المسلمين في كشمير وبنجلاديش وفي غيرها من البلاد الإسلامية التي تصاب بالمجاعة أو غير ذلك، فالله المستعان!

    ورأينا وسمعنا أن أموالاً كثيرة من الأموال التي تجمع للمسلمين في البوسنة والهرسك في هذه البلاد وفي سواها، تقوم بتوزيعها على المسلمين هناك جمعيات ألمانية؛ وأي جمعيات هذه الجمعيات الألمانية التي سوف تقوم بتوزيع أموال المسلمين على المسلمين، وربما استغلت ذلك في دعوتهم إلى النصرانية وإقناعهم بأن النصارى هم الذين أغاثوهم وساعدوهم بالمال، والطعام والغذاء، والكساء. وغير ذلك، فالله المستعان!

    العناية بالنصراني الجديد

    الوسيلة الرابعة: العناية بالنصراني الجديد، وذلك لأنهم يدركون أن الإنسان الذي دخل في النصرانية خاصة إذا كان كبيراً في السن أو شاباً نشأ على الإسلام، أنه من الصعب جداً أن يتأقلم مع الديانة الجديدة، ويزول كل ما في نفسه ويستطيع أن يتعامل مع طقوسها وعاداتها وعباداتها، وأن يتعايش مع قوم ليسوا من بني جنسه ولا من قرابته ولا من معارفه، بل إن المسلمين يعدونه خائناً وينظرون إليه على أنه خارج عن الملة -وهذا هو الواقع لا شك- وكافر ومرتد؛ لذلك يعملون على دراسة نفسية هذا المسلم وإيجاد الحلول والأسباب التي تجعله يعيش وضعاً طبيعياً، وذلك لأن تغيير الدين أمر لـه آثاره النفسية البعيدة، فإن يترك الإنسان ديناً ظل زماناً طويلاً يعتقد أنه هو طريقه إلى الجنة، وأنه إذا تركه فهو من أهل النار، ربما يشعر بالإحباط والخوف والقلق، فلذلك يبذل النصارى جهوداً كبيرة من أجل توطين هذا المسلم الجديد، وإشعاره بالأخوة، وإزالة كل ألوان الاكتئاب أو الخوف، أو القلق النفسي الذي يصيبه بسبب الدين الجديد؛ لأسباب كثيرة بعضها ما سبق.

    1.   

    المسيحي المبشر بين المسلمين

    الوقفة الثالثة: هي وقفة مع كتاب مخطوط وقفت عليه، عنوانه المسيحي المبشر بين المسلمين وهذا الكتاب طبع في لاغوس في نيجيريا، ووزع بين دعاة النصرانية، يعلمهم كيفية الدعوة إلى النصرانية في وسط المجتمع الإسلامي، وهو يدل على الطرق التي يجب على النصراني اتباعها ليكون قدوته في ذلك المسيح، ويكون هو قدوة لغيره.

    فيقول مثلاً: فيما يجب أن يكون عليه المسيحي بين المسلمين:" لا بد أن يمنح المسيحي المسلمين حباً جديداً لهم، ويقولون: إننا أخطأنا خطأ عظيماً حين لم نقدم للمسلمين حبنا الكبير، وقد قال المسيح في وصيته: يجب أن تحب جارك كما تحب نفسك، فلا بد أن تقدم الحب للمسلمين، كن صديقاً لهم، تعامل معهم بالأخلاق، إذا خانوك لا تخنهم، هكذا يقول الكتاب: إذا أخطأ المسلم عليك لا تغضب عليه، وفي المقابل: إذا أخطأت أنت عليه فبادر بالاعتذار بتهذيب ولطف، حتى يتقبل المسلم الدين الذي تدعو إليه. كذلك من الدعوات يقول: افهم عقيدة المسلم، ادرس الإسلام جيداً، ليس فقط من أجل الشبهات لتثيرها في وجه المسلم، ولكن لتحقق فهماً أفضل للإسلام، وتعرف أوجه الشبه بين الإسلام والنصرانية حتى تبدأ بها، حدثهم عن المسيح، شاركهم في حب عيسى وقل لهم: إن حبي لكم يدعوني إلى أن أدعوكم إلى الديانة النصرانية التي هي وسيلة الإنقاذ، ابتعد عن الجدال فإن الجدال لا ينفع أبداً، فالجدال -مثلاً- في ذكر فكرة الثالوث أو في ألوهية المسيح لا يفيدنا، بل أعطهم إجابات بسيطة وفكرة عامة، وحاول أن تأخذ الأمر بنكتة أو فكاهة أكثر مما تأخذه بجد".

    هم يدركون أن هذه نقطة ضعف، مثل قضية ألوهية المسيح كما زعموا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء43] أو فكرة الثالوث يقولون: إذا ناقشناها نقاشاً علمياً فشلنا فيها، إذاً لا داعي للنقاش، لكن أعطِ إجابات بسيطة وعامة، وأحياناً خذ الأمر بفكاهة، ومن الممكن أن تستخدم بعض الأشياء التي تتشابه مع الإسلام، مثلاً: حدثهم عن ابن السبيل وهو الإنسان الذي ولد في الطريق -هكذا ظنوها- يعنون أن الإنسان الذي ولد في الطريق هو ابن السبيل، فيقولون: ابن الله، من هذا القبيل، والواقع أنهم يكذبون؛ لأنهم يؤمنون بأن المسيح هو ابن الله أي: جزء منه مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون:91] قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81] يعني ما كان للرحمن ولد، وفي بعض التفاسير أنه على سبيل التعجيز والإنكار أنه لو كان لـه ولد لاستحق العبادة؛ لأنه جزء منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء43].

    المقصود أنهم يقولون: ممكن أن تقول للمسلم: إنه ابن الله أي: أنه منسوب إليه لقربه منه مثل ما نقول: ابن السبيل، والواقع خلاف ذلك، فهم يعتقدون أن المسيح ولد لله تعالى، هذه هي عقيدتهم.

    ومن النصائح الموجودة في هذا الكتاب: استعمل بعض العبارات التي يستعملها المسلمون، كذلك لا تتعرض لشخصية محمد -وتقول صلى الله عليه وسلم- فلست أنت الحكم عليه.

    وهم يقولون في دينهم وعقيدتهم: إنهم لا يصدقون النبي صلى الله عليه وسلم، بل يعتقدون أنه غير صادق وأنه كاذب فيما أخبر عن الله عز وجل، لكن يقولون: من أجل ألا تجرح شعور المسلم، لا تتكلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء، دع الحكم عليه لله تبارك وتعالى، من ذلك يقولون: العناية بأمر حرية الدين، فحاول أن تقنع المسلم بحرية الدين وأن الإنسان حر أن يختار من الأديان ما شاء، ومن الممكن أن تستدل بقول الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] وأن الإكراه في الدين لا يمكن أن يأتي بتدين وعقيدة صحيحة.

    ومعنى الآية معروف أننا لا نكره النصراني على الدخول في الإسلام ولا حتى اليهودي بل ندعوه إلى الإسلام أو الجزية فإن أبى قاتلناه إذا كنا متمكنين قادرين على ذلك، لكن المسلم لا يمكن أن يكون مأذوناً في الإسلام بالخروج إلى دين آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: كما في صحيح البخاري عن ابن عباس {من بدل دينه فاقتلوه} فلا يقبل منه إلا أن يظل على دينه ويتمسك به، أما إذا خرج من الإسلام بعد أن دخل فيه فإنه لا يقبل منه إلا الدخول في الإسلام وإلا يقتل مرتداً. كذلك يقول: لا تحاول تغيير دين المسلم، لكن حاول أن يضع المسلم ثقته في المسيح بكل إخلاص ومحبة.

    ومن النصائح التي تكلم عنها قضية التعميد وإشهار النصرانية، ويقول: لابد ولو بعد حين أن تدعو هذا المسلم الذي تنصر إلى أن يعلن نصرانيته وأن يتردد على الكنيسة، وأن يتم تعميده، وهو عملية تتخذ للنصراني الجديد إشهاراً وإشعاراً وإعلاناً بأنه دخل في النصرانية، ثم تكلم الكتاب عن الزواج من المرأة النصرانية وقال: ينبغي ألا نسمح بأن يتزوج المسلم نصرانية؛ لأنه وجد بالتجربة أنه بعد حين يتزوج عليها امرأة مسلمة، وقد يضر بها000 هكذا يدعون! والحقيقة أن المرأة النصرانية إذا تزوجها المسلم ربما أسلمت، فلذلك هم قالوا: ينبغي أن نربي المجتمعات النصرانية على ألا يزوجوا بناتهم من مسلم أبداً، وإنما يزوجونهن من الشباب النصارى.

    1.   

    التنصير في العالم الإسلامي

    وهو الذى سأتحدث عنه فيما بقى:

    أولاً: أهمية العالم الإسلامي

    العالم الإسلامي هو البلد الذي يفيض لبناً وعسلاً كما يقول بطرس الناسك الذي دعا إلى الحروب الصليبية، واليوم أصبح العالم الإسلامي يفيض بترولاً، وهذا هو الأهم؛ فإن حضارتهم واقتصادهم كله يقوم على أساس هذا النفط الذي يوجد أكثر من سبعين بالمائة منه في العالم الإسلامي، ويوماً بعد يوم يكتشفون اكتشافات جديدة في النفط في بلاد المسلمين.

    ثانياً: العدد البشري الهائل من المسلمين

    فهذا التوالد الذى لا يمكن أن توجد نسبة تقاربه في العالم كله، حتى إنهم يكتبون دراسات وإحصائيات عما يسمونه بالانفجار السكاني الذى يهدد العالم الإسلامي، فمثلاً: العنصر الفلسطينى في إسرائيل، يخيفهم كثيراً كثرة التوالد بين المسلمين الذى يدل على أنه إذا استمرت المعدلات على ما هى عليه الآن، فإن المسلمين سوف يتغلبون عليهم! حتى ولو من ناحية الكثرة والكثافة العددية، لذلك تلاحظون الآن أنهم يعملون على إبادة العنصر الإسلامي، فأصبح من ضمن الخطط -يبدو- القضاء على المسلمين بالقتل والإبادة والتصفية الجسدية، كما هو ملحوظ مثلاً: في البوسنة والهرسك، حيث أصبح الهدف هناك إبادة المسلم، حتى ولو كان لا يعرف من دينه شيئاً 00! هذا جانب 000.

    الجانب الثاني: هو العمل على تحديد النسل وتقليله بقدر ما يستطاع، ومن الأشياء الطريفة في موضوع التكاثر بين المسلمين أن أندونيسيا بلد إسلامي ضخم جداً بالقرب من استراليا القارة الفارغة التي لا يوجد بها سكان إلا بنسبة ضئيلة جداً00!

    يقول لي أحد الدكاترة الذين درسوا في استراليا زمناً طويلاً، وهو يدرس هنا في جامعة الملك سعود، يقول: وجدنا أن الاستراليين عندهم عقيدة راسخة أن المسلمين الأندونيسيين سوف يزحفون عليهم يوماً من الأيام ويأتونهم، ويقول: إن الأسترالي العادي تمثل هذه القضية عنده عقيدة راسخة لا شك فيها، حتى ظننت أنهم قد ورثوهاعن بعض العقائد السابقة، أو بعض التنبؤات السابقة عندهم، فلما سألناهم لم نجد أي دليل على ذلك سوى أنهم يلاحظون أن المسلمين في أندونيسيا كثيرون يزيد عددهم على مائة وثمانين مليوناً، وهم يتكاثرون أيضاً بشكل كبير، في حين أن استراليا قارة فارغة، فيجدون بالإحصائيات العادية وبالمقياس العقلي أن هذا العدد الكبير سوف تغص به أندونيسيا، وسيجد نفسه مضطراً إلى أن يبحث عن أقرب مكان ينتقل إليه، وسيكون أقرب مكان ينتقل إليه هي تلك القارة الفارغة الجميلة استراليا!

    ثالثاً: التهديد الإسلامي الأصولي

    السبب الثالث للاهتمام بالعالم الإسلامي، وهو الأهم بلا شك: هو التهديد الإسلامي الأصولي الذي يخافون منه الآن، وهذا التهديد قادم، وفيما يبدو لي أنه قادم بصورة سريعة؛ فهم يخافون الآن من الإسلام، وقد تحدثت تفصيلاً عن هذا في محاضرة بعنوان (لماذا يخافون من الإسلام؟) لكن فيما يتعلق بخوفهم من التهديد الإسلامي الأصولي الآن، أذكر على سبيل المثال أشياء سريعة وجديدة، لأنه ليس هذا الموضوع.

    الإسلام في الجمهوريات السوفيتية الآن أصبح خطراً يهددهم، حتى إنهم الآن منعوا منح أي فيزة لسعودي يريد أن يذهب إلى الجمهوريات السوفيتية الإسلامية، وكان عددٌ كبيرٌ من الشباب المسلم أراد أن يذهب إلى هناك، ولكنهم منعوه، ويبدو أن هذا تنسيق بين المخابرات الأمريكية والروسية خوفاً من الخطر الأصولي القادم فيما يزعمون.

    كذلك أفغانستان بحكم جوارها لـالجمهوريات السوفيتية، فهناك جهود كبيرة لتدمير الحكومة الإسلامية في أفغانستان، ومحاولة إيجاد تقسيم وإقامة دولة في مناطق الشمال تكون مستقلة وغير إسلامية، بل يملكها المليشيات أو غيرها، فتحول بين الحكومة الأصولية كما يسمونها في كابول وبين الجمهوريات الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفيتي.

    مثال آخر: الإسلام في يوغسلافيا قرأت تقريراً أمس يقول: إن هناك تقريراً من المخابرات البريطانية يحذر من الخطر الإسلامي الكبير فيما يسمونه دول البلقان، ويقول: إن المسلمين الآن في ولاية كوسوفا، وهى ولاية تابعة للصرب الآن، تسعين بالمائة من سكانها مسلمون، وقد اختاروا رئيساً لهم، وطالبوا الدول بالاعتراف بهم وأنهم الآن يخزنون الأسلحة، وإذا لم يتم الاعتراف بهم فسوف يقوم هؤلاء المسلمون بثورة ضد الصرب، وسوف تغرق دول البلقان في حرب إسلامية نصرانية لا يعرف أحد -كما يقولون- ماذا تكون نتيجتها، فضلا عن وجود مسلمين يخزنون الأسلحة في ألبانيا وفي الجبل الأسود وغيرها.

    إذاً هم يتوقعون حرباً بين الإسلام أو ما يسمونه بـالأصولية وبين النصرانية، ونحن أيضاً نتوقع ذلك، وربما أسرع مما يتوقع الكثيرون؛ لذلك فإنهم يولون العالم الإسلامي اهتماماً كبيراً، ويكفيك أن مجلس الكنائس العالمي في مؤتمره السابع الذي عقد في استراليا ركز على منطقة الشرق الأوسط وأهميتها، وقرر اختيار البابا شنودة رئيساً له في الشرق الأوسط، وأعطاه صلاحيات كبيرة ليقوم بدور التنصير في العالم الإسلامي انطلاقاً من مصر، ولذلك تلاحظون هالة كبيرة إعلامية تحيط بـالبابا شنودة في الصحف المصرية، ومقابلات معه، وصوره تعلق! بل إنه حتى في التلفزيون المصري والإعلام الرسمي لـه دور كبير، والصحف الغربية والإذاعات الغربية تتحدث عنه أيضاً، وكأنه أكبر زعيم نصراني في الشرق الأوسط.

    والكثيرون من المسلمين ومن الشباب -خاصة في هذه البلاد- لا يخافون التنصير، ويتوقعون أنه ليس لـه دور كبير وأنه لا يؤثر، وأقول: تبين بالدراسة أن هذا خطأ، وأن التنصير يفعل فعله في أوساط المسلمين، وأن الكثيرين من المسلمين يخرجون من دينهم، ويعلنون الدخول في الدين النصراني.

    نعم، أما الذين يتأثرون بـالنصرانية تأثراً جزئيا بمجرد خروجهم من الإسلام دون الدخول في النصرانية، أو تقبلهم لبعض عقائدها، أو مساعدتهم، أو قبولهم بأن يتنصر أقاربهم أو ما أشبه ذلك، فحدث ولا حرج00!

    فمن الخطأ أن تتصور أن المسلم يملك مناعة وحصانة ضد التنصير، فالجهود النصرانية كبيرة جداً، وهذه الجهود أثمرت ولو جزئياً، والحاجة التي يشعر بها المسلم للغذاء والكساء والدواء والتعليم تدعوه إلى القبول بـ النصرانية، والجهل والتضليل -أيضاً- سبب من أسباب الدخول في النصرانية، فالمسلم الجاهل ربما لم يعرف دينه قط، ثم يدعى إلى النصرانية بأساليب ماكرة وخبيثة فيدخل في النصرانية!

    وعدم وجود المقابل، عدم وجود دعوة إسلامية صحيحة لإخراج المسلمين من الجهل إلى العلم بالدين، وتحذيرهم من الخطر الذى يهددهم، كل هذه الأسباب جعلت هناك تقبلاً جزئياً لـ النصرانية بين أوساط المسلمين.

    1.   

    نماذج لإنتشار التنصير في العالم الإسلامي

    وسوف أذكر لكم نماذج حرصت أن تكون قصيرة وسريعة مراعاة لضيق الوقت:

    أفريقيا

    أولاً: في أفريقيا (القارة السوداء) في جريدة الدعوة عدد (1324) طرحوا سؤالاً: هل نجحت خطة البابا في تحويل أفريقيا إلى قارة نصرانية عام (2000م)؟

    فهناك خطة لتحويل أفريقيا كلها إلى قارة نصرانية، وبذلك يتبين أن هذا الإعلان إعلان مدروس مبني على عدد هائل من المنصرين ووسائل فعالة تعمل تحت مسمى الإغاثة، ومسمى الطب وإلى غير ذلك من المسميات، وعلى سبيل المثال زامبيا أعلن رئيسها أنها بلد نصراني على الرغم أن النصارى لا يزيدون في هذه الدولة على (25%) على أقصى تقدير، والكنيسة تقود نوعاً من الدكتاتورية والقهر والسيطرة على الشعوب باسم النصرانية، فأين حرية الأديان التي يتكلمون عنها؟! وأين المنظمات العالمية التي تنادي بحماية النصارى، لماذا لا تنادي بحماية المسلمين من التنصير القهري الذي يواجهونه في زامبيا وفي غيرها؟ و(50%) من المسلمين يلحقون أولادهم في تلك الدولة بالمدارس النصرانية، وقد تم تعيين اثنين من القساوسة وزراء وآخر نائباً لوزير الإعلام.

    وخبر آخر: لجنة المسلمين بـأفريقيا تقول: في ملاوي انخفضت نسبة المسلمين من (66%) إلى (17%) خلال نصف قرن، وفي مالي قام قس واحد بتشييد مائتي كنيسة وعشرين مستوصفاً وخمسين مدرسة وحفر ستمائة بئر.

    البابا قام بزيارات لـإفريقيا سبع مرات منذ توليه! الله أكبر، سبع مرات! هذا أكبر مسئول عن النصرانية في العالم زار أفريقيا سبع مرات، إذاً ما بالكم بالدول الأخرى كم زارها؟! قارن ذلك مع علماء المسلمين الذين لا يضعون هذه الدول في اهتمامهم أصلاً فضلاً عن أن يزوروها.

    وهناك ثلاثمائة ألف مسلم تقبلوا المسيحية في الدول الأفريقية قبل سنتين، والسنغال قام بزيارتها البابا والتقى بشيوخ الطرق الصوفية، وفي أحد الملاعب الرياضية التقى بالشباب المسلم، وكان ذلك سبباً في تسلط النصارى على المسلمين في تلك الدولة، سواء من خلال أجهزة الإعلام أم غيرها، وسخروا بالإسلام وبعقيدة الإسلام بل وبشيوخ المسلمين، والصومال البلد الوحيد الذي هو بلا أقليات ولهذا تعرضت في السابق إلى التقسيم إلى ثلاث دول، وبذلت جهود كثيرة في إقامة الكنائس والإذاعات والمراكز التنصيرية ونشر الكتب، خلال ما كان يعرف بحرب أوجادين، وهى حرب طالت، وكان هناك عمل إغاثي ضخم كبير، واستغل النصارى تلك الحرب، فأقاموا المراكز الثقافية والبعثات الدبلوماسية، حتى كثرت الكنائس ويكفيك أن تعلم أن العاصمة مقديشو يوجد فيها أربع كنائس كبيرة وفي مواقع ومراكز مهمة جداً، مع أنه لم يكن فيها نصراني واحد.

    بل استولى المتنصرون في تلك الدولة على المواقع الحساسة في الدولة، وهناك إذاعات موجهة إلى أفريقيا عامة وإلى الصومال خاصة.

    وأسبانيا تعد مركزاً للتنصير الموجه إلى أفريقيا، خاصة دول المغرب العربي، فالمبشرون هناك معدون إعداداً جيداً أدى إلى كسب عدد كبير من المغاربة هم على أهبة الاستعداد للدخول في النصرانية، ويحصل المنصرون هناك في المغرب على تسهيلات كبيرة لزيارة جميع دول المغرب والقيام بنشاطات فيها.

    إن التنصير في أوساط الجاليات المغربية في أوروبا -مثلاً- من العمال على قدم وساق في سبتة ومليلة هناك مسلمون وهم مقيمون تحت الحكم الأسباني، وهناك دعوة كبيرة للنصرانية، ويقول النصارى: هؤلاء المسلمون في سبتة هم الفرصة الكبرى لإنقاذ المسلمين بفضل المخلص يسوع؛ لأنهم تحت الحكم النصراني فيسهل التأثير عليهم، يقول ديفيد باريس في كتاب الموسوعة النصرانية -وهذه إحصائية خطيرة- يقول: كان عدد النصارى في إفريقيا عام (1900م) تسعة ملايين فقط من مائة وسبعين مليون، أي أنهم كانوا يشكلون (9%) من السكان، وقد زادوا بصورة مذهلة ليصلوا عام (1980م) إلى مائتي مليون، تصور كيف قفزوا خلال ثمانين سنة من تسعة ملايين إلى مائتي مليون؟!! ويقول: إنهم سوف يصلون عام (2000م) (يعني: فيما يتوقع هو) سوف يصلون إلى ثلاثمائة وثلاثة وتسعين مليوناً من أصل ثمانمائة مليون في إفريقيا أي: أنهم سيشكلون على الأقل (48%) من سكان القارة السوداء، هذا إذا استمروا على هذه النسبة، وإلا فهم يطمعون إلى تحويلها كلها -كما قلت- إلى قارة نصرانية.

    وفي الجزائر تقرير مطول اطلعت عليه في جريدة العالم الإسلامي عدد (1229) يتكلم عن أبعاد حركة التنصير في الجزائر، ويسوق حقائق دامغة تؤكد أن الاستعمار الفرنسي أصلاً لم يأتِ للجزائر إلا لتحويلها إلى دولة نصرانية، ويقول: إن المارشال بيجو كان يقول: أيام الإسلام في الجزائر أصبحت معدودة.

    تصور ماذا يقول أيام الاستعمار؟! سبحان الله! يا ليته الآن يرى كيف تحولت الجزائر إلى قوة إسلامية يحسب لها الغرب ألف حساب، لكن آخر وهو زعيم فرنسي، كان يقول: إن القرآن أقوى من فرنسا، وقد تبين أنه أصاب الثاني وأخطأ الأول، وأن الإسلام في الجزائر كان أقوى وأبقى مما يظنون.

    ومما يبشر بخير أنه بعد مرور ما يزيد على (120) سنة لم يتنصر في الجزائر طفل واحد، وهذا يدل على أصالة هذا الشعب وقوته وتمرده على كل وسائل التغريب والتخريب والتنصير، هذا ما يتعلق بـأفريقيا.

    وجزء من أفريقياوهومصر، لكنها تعد مركزاً كبيراً، ومركزاً مهماً بالنسبة للعالم الإسلامي، ويوجد بها أقلية قبطية -كما هو معروف- من سكان البلاد، وهناك دعم غربي لـمصر، وهو مرهون بوقوف الحكومة إلى جانب النصارى، ولا زالت الحكومة هناك تقدم لها شهادة حسن السيرة والسلوك في دعمها للنصارى وقضائها على المسلمين، خاصة من الشباب يوماً بعد يوم. في عام 1986م وصل إلى الأزهر تقرير يقول: إنه قد ارتد ستة من المسلمين في مصر، فلم يكن ثَمَّ جواب، ولم يحرك الأزهر حراكاً، بعد ذلك وصلت أوربية منصرة شهيرة يسمونها الأم تريزا إلى القاهرة، وافتتحت عدداً من المشروعات الخيرية -كما يسمونها-، ونجحت في إخراج 50 فتاة من الإسلام إلى النصرانية، وفي مؤتمر في اكسفورد بـانجلترا، وهذا المؤتمر كان سرياً خطيراً، ولكن خرجت منه تقارير نشرت تتحدث عن أنجح الأساليب للتنصير في مصر، وهي يطول الكلام عنها، ولكن سأختصرها:

    والبابا شنودة أقام مئات المدارس في مصر فضلاً عن المدارس الأجنبية الموجودة أصلاً، منها جامعة سنقور بـالأسكندرية، وقد تم الحصول على وثيقة تكشف عن جمعية تسمى: الجمعية الصحية المسيحية، تدير مدارس ومؤسسات بتشجيع من السفارة الأمريكية هناك، كما بدأت الكنائس البروتستانتية في مصر تمارس دورًا خطيراً في التنصير، وفي مقدمتها قصر الدوبارة القريب من السفارة الأمريكية، وهو وكر من أوكار التنصير، وفي المدارس والجامعات توجد جمعيات نصرانية لاصطياد بنات المسلمين، وتنظيمهن ضمن شبكات دعارة وتصويرهن على تلك الحال وابتزازهن بهذه الطريقة، وتوجد جماعات سرية أخرى في مصر متطرفة، منها جماعة اسمها جماعة الجهاد النصرانية، والغريب أن أجهزة الأمن تغض الطرف عن هذه الجماعات، والبابا أو ما يسمى بـشنودة ينفي وجودها، على حين أن شيوخ الأزهر يتشفون من المسلمين، وعلى حين أن أجهزة الأمن قد حشدت وجندت كل إمكانياتها للقضاء على الشباب المسلم.

    وأندونيسيا أكبر تجمع إسلامي، مائة وثمانون مليون أكثر من (80%) الأصل أنهم مسلمون، هذا البلد فقير جداً حتى إن الريال السعودي -مثلاً- يعادل ألفي روبية، وعندهم سهولة القبول، فهم شعب مستعد أن يتقبل أي شيء، ولو أن المسلمين ذهبوا إلى هناك ونشروا الإسلام لوجدوا تقبلاً عجيباً، وقد ذهبت إليها ورأيت بعيني، حتى قلت لبعض الإخوة: أندونيسيا مناخ من سبق، فمن سبق إليها سوف يجدها أرضاً خصبة.

    وللفقر الشديد هناك في أندونيسيا ما يسمى (بالتنصير الأرزي) أي: يستغلون الأرز في الدعوة إلى النصرانية، والتنصير الطبي، ويكفي أن تعلم في مجال الفقر أن أكثر من (30%) من الشعب هناك دخلهم أقل من 500 دولار سنوياً، وقد ارتد كثير منهم.

    و(65%) من الشركات التجارية هناك بأيدي النصارى!، وسط هذا الفقر فإن الشركات بأيدي النصارى!

    وأحسن المدارس بناء وتعليماً هي: المدارس التنصيرية، وهي دائماً أو غالباً مأوى لأولاد الكبار من الوزراء والمسئولين والضباط والتجار وغيرهم.

    وعلى الجانب السياسي أكثر المواقع والمراكز الحساسة بأيدي النصارى وكبار العسكر، حتى (65%) من كبار العسكر نصارى، بل إن هناك محاولة أن يكون رئيس الدولة منهم، وهناك رجل اسمه بيني مورداني كاثوليكي وهو المسئول الآن عن الدفاع والأمن مدعوم من الغرب، ويرشح نفسه لرئاسة الدولة، ويكفيك أن تعلم أن هذا الرجل يؤيده رئيس جمعية نهضة العلماء -جمعية إسلامية-!!

    وعدد المنصرين الأجانب عام (1410هـ) هناك (27324) أي قرابة ثلاثين ألف منصر أجنبي دعك من المنصرين الأصلاء، وبالمقابل أقول: دعاة الرئاسة العامة للإفتاء ينقصون عن الثمانين داعية، وتوجد عشرون منظمة أمريكية وأربعة وأربعون منظمة أوروبية، وميزانية التنصير في أندونيسيا مائة مليون دولار سنوياً، ووسائلهم كثيرة:

    1- الوصول إلى مراكز التأثير: الجامعات والمعاهد ودور النشر والصحف.

    2- التهجير الداخلي -حيث يوجد جزر خالية- فتقوم الحكومة بتهجير الناس إليها من المسلمين والوثنيين، فيسبق النصارى ويستقبلون الناس هناك، ويقيمون لهم المؤسسات، ويحولونهم إلى نصارى، وقد تنصر عدد كبير من المسلمين بهذه الطريقة.

    3- الزواج المختلط يعني الزواج بين المسلمين وبين النصارى والمسلمات، وهذا كثير موجود.

    بل هناك شبكات طيران وأساطيل جوية يمتلكها النصارى في أندونيسيا، وهي وقف على جهود الكنيسة، وتقدم خدمات المواصلات شيئاً كبيراً في هذا الصدد، كما نشرت ذلك مجلة اليمامة في عدد (1410)، وهناك جزيرة اسمها سمرنج يوجد فيها المعهد العالي للاهوت، تمكن هذا المعهد من تنصير (6000) طالب خلال تسع سنوات، وتحول هؤلاء إلى دعاة للنصرانية (مرة أخرى الرقم (6000) طالب)!

    هناك أيضاً منطقة اسمها منطقة ريان، هذه المنطقة تضم (250) ألف مسلم في جزيرة، هؤلاء عراة كما ولدتهم أمهاتهم، بلا مأوى ولا لباس ولا شيء وفقراء، ومع ذلك هم في جهلهم بالدين عراة أيضاً، أي: عراة من العلم ومن اللباس، فليس لديهم أي معرفة بالدين الذي ينتسبون إليه، وقد استغلت الكنيسة ذلك ونشرت في أوساطهم جهوداً كبيرة بل أغرتهم حتى بالفتيات الأجنبيات اللاتي يقمن بينهم، فهي تتعرض لمد تنصيري جارف يستهدف تحويل هؤلاء المجموعة كلها إلى نصارى.

    وهناك جهود إسلامية لا شك لكنها لا يمكن أن تقارن بالجهود النصرانية.

    وبجوار أندونيسيا ماليزيا فالآن في ماليزيا يدعو إلى ممارسة العمل السياسي لإقامة ما يسميه بمملكة الرب في أرض ماليزيا، وأنه يجب على النصارى مواجهة الفساد الإداري والكذب والظلم واستغلال الشعوب000! فأين العلمانيون الذين يستكثرون على المسلمين أن يتحدثوا في أمر السياسة؟! فينبغي أن نعلم أن ماليزيا أصبحت الآن مهددة من جهة تغير نوعية السكان؛ فإن الصينيين الذي هاجروا إلى ماليزيا أصبحوا كثرة كاثرة، وبناء عليه تغيرت أرقام ونسب وجود المسلمين في هذه الدولة وفي جميع ولاياتها.

    الدول الشيوعية

    وفيما يتعلق بالدول الشيوعية: ذكرت مجلة المجتمع في عدد (996) أن استنبول شهدت اجتماعاً حاشداً هو الأول من نوعه منذ ألف سنة! حضره كبار الأساقفة النصارى، ومَثَّل فيه (14) كنيسة أرثوذكسية من الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وكان هذا المؤتمر هو مصالحة بين ما يسمى بالكنيسة الشرقية وبين بقية الطوائف المسيحية الأخرى؛ للعمل معاً في مواجهة ما يسمونه بالتحديات، أي: أن النصارى الآن يجمعون ويوحدون صفوفهم من أجل مواجهة تحديات الأصولية الإسلامية؛ وادعى المؤتمر أن الكنيسة الشرقية -يعني في العالم الإسلامي- قد عانت الكثير من الاضطهاد على يد المسلمين، وأن الأرض التي يقطنها المسلمون في روسيا كانت أرضاً مسيحية ونصرانية، ولا بد أن تعود أرضاً نصرانية كما كانت من قبل، لذلك وجه هذا المؤتمر إلى ضرورة تبني جهود كبيرة إعلامية في نشر الأشرطة والكتب والبعثات التنصيرية والخبراء والمؤسسات والمدارس في روسيا، سواء كان ذلك في الجمهوريات الإسلامية أو في غيرها؛ لإعادة النصارى إلى دينهم وإخراج المسلمين عن دينهم، ولذلك قامت مؤسسة أمريكية قادت حملة ضخمة جداً اسمها حملة اتحاد لأجل عيسى، يعني: للتنصير في الجمهوريات الروسية، وقامت بالأعمال التالية:

    أولاً: إرسال مليون نسخة من الإنجيل مبدئياً.

    ثانياً: توزيع المنشورات النصرانية على أوسع نطاق.

    ثالثاً: بث أفلام من ضمنها فيلم اسمه (فلم عيسى) وقد رأيت بعيني بثاً من هناك وصل حتى إلى هذا البلد، وشوهد في هذه القرية المؤمن أهلها -إن شاء الله- يدعو إلى النصرانية، ويخاطب هذه الجموع التي خرجت لتوها من الشيوعية يدعوها إلى عيسى...!

    رابعاً: تأسيس مراكز تربية نصرانية في المناطق المختلفة من روسيا، وإعداد الدعاة هناك.

    كذلك في ألبانيا -وهي إحدى الدول التي خرجت من الشيوعية- هناك جهود نصرانية وبث للدعاة النصارى، بل بلغ الحال إلى أن النصارى بدءوا يهيمنون على الاقتصاد، ويحاولون ألا يدخل في أي عمل -مع أن هناك فقراً شديداً ومجاعة وأزمة- إلا نصراني، حتى إنهم أقاموا مصنعاً كبيراً اشترطوا للعمل فيه تعليق الصليب، وقد كشف أحد الشيوخ هناك، واسمه توفيق إسلام -من ذلك البلد- كشف المخطط التنصيري وقال: إن النصارى قد أقاموا مراكز في أغلب المدن والقرى فيما يتعلق بـألبانيا. هذا غيض من فيض من الجهود والأعمال التي قاموا بها، وهو على كل حال هو بعض الجهد.

    ومعي مقال عنوانه مستقبل الإسلام في أفريقيا وقد تكلم هذا المقال، ونشر في جريدة الأمة عام (1406هـ) وهو مقال قديم، ولكنه تكلم عن مشاريع كثيرة للمنصرين، منها مشروع تنصير الفولاني وهي: إحدى القبائل الكبرى الموجودة في نيجيريا، ولها جهود كبيرة في دعم الشيخ عثمان فوديو الذي أسس خلافة في نيجيريا في بداية القرن التاسع عشر، ويمكن مراجعته لمن أراد الاطلاع، كما أن مجلة الأمة في جمادى الأولى عام (1406هـ) أيضاً نشرت مقالاً عنوانه (الواقع الإسلامي في أندونيسيا، بين حملات التنصير وتزييف التاريخ) وذكرت مقالات ومعلومات مهمة، وإن كانت قديمة أيضاً عن التنصير في أندونيسيا.

    وصلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755897915