إسلام ويب

كتاب الصلاة - باب الحث على الخشوع في الصلاة [1]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الخشوع لب الصلاة وروحها، فلا يعرف عظمة الصلاة من لم يذق الخشوع فيها، وعلى قدر الخشوع يكون الأجر، ولما كان الخشوع بهذه المنزلة فإن الشارع الحكيم قد أحاط الصلاة بسياج منيع من الأحكام التي غايتها وفائدتها الحفاظ على المصلي من كل ما يشغله عن الصلاة حتى لا يضيع عليه الخشوع.

    1.   

    ما ينافي الخشوع في الصلاة

    الاختصار في الصلاة ومعناه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصراً) متفق عليه، واللفظ لـمسلم ، ومعناه: أن يجعل يده على خاصرته. وفي البخاري عن عائشة : (أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم)] .

    بدأ المؤلف رحمه الله تعالى هذا الباب العظيم بهذا الحديث الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الرجل -وكذلك المرأة- أن يصلي مختصراً، والمؤلف شرح كلمة (مختصراً)، وهي مأخوذة من الخاصرة، والخاصرة فوق الحقو، وهو العظم، ويسمى بالحوض فوق ملتقى الفخذ بالظهر، فنهى صلى الله عليه وسلم عن هذه الهيئة -كما سيأتي فيما بعد- (في الصلاة)، وجاء التعليل بأن ذلك من فعل اليهود، فيقفون في صلاتهم مختصرين.

    وبعضهم يفسر الاختصار في الصلاة: بأنه الاختصار في القراءة، وهو أن يأخذ من بعض السور بعض الآيات مختصراً السورة.

    وبعضهم فسر الاختصار بأن يختصر الصلاة، فلا يعطيها حقها من القراءة والطمأنينة في الركوع والسجود، بل يقتصر على أقل ما يجزئ، وهو الطمأنينة فحسب في الركوع وفي السجود وغير ذلك، بخلاف من يطيل ركوعه ويطيل سجوده، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، فقد أطال سجوده صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي حتى قالت عائشة : (خشيت أن يكون قد قبض) أي: مات.

    وجاء في الحديث الآخر: (يقرأ في الركعة الأولى البقرة وآل عمران والنساء، ثم يركع نحواً من ذلك، ثم يرفع نحواً من ذلك، ثم يسجد نحواً من ذلك، إلى آخر الصلاة) ، وهذا في النافلة؛ لأنه في الفريضة يؤم الناس، فيراعي الضعيف والمريض وذا الحاجة، فمن بعض معاني الاختصار اختصار الصلاة بعدم إيفائها حقوقها.

    ومن معاني الاختصار أن يقرأ بعض الآيات من بعض السور.

    وبالمناسبة فإنه قد ورد عن مالك رحمه الله أنه قال: أحب إليّ أن يقرأ سورة كاملة -ولو من قصار المفصل- من أن يقرأ نظيرها عدة مرات من سورة طويلة. يعني أنه لو قرأ صفحة كاملة من سورة البقرة، أو آل عمران، أو يس، فخير من ذلك أن يقرأ سورة كاملة مثل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، أو أَلَمْ تَرَ كَيْفَ [الفيل:1]، أو إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، فإن هذا أحب عنده من أن يقرأ صفحة كاملة من سورة طويلة دون أن يكملها.

    والسبب في ذلك أن من تأمل أسلوب القرآن ومنهجه، وأدرك المعاني المرتبطة يجد كل سورة من قصار السور تنفرد بوحدة موضوعها، بخلاف السور الطوال، فإنها تتعدد فيها المواضيع، فإذا جئت إلى سورة (اقرأ) وجدت أنها تتحدث عن بداية الرسالة بالقراءة والتعليم، وإذا جئت إلى سورة (إنا أنزلناه) فإنها تتحدث عن القرآن، وعن نزوله، وإذا جئت إلى سورة (البينة) وجدت فيها إقامة الدليل والحجة على المشركين وأهل الكتاب، وإذا جئت إلى سورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وجدت موضوعها يتحدث عن ذات الله ووحدانيته سبحانه، وكذلك (المعوذتان) تجد كل واحدة موضوعة للاستعاذة من أشياء مخصصة.

    أما البقرة وآل عمران وبقية السور الطوال فتجد فيها عدة قصص، وكل قصة مستقلة بذاتها، وتجد في سورة البقرة مواضيع عديدة، كأول خلق الكائنات، وتقسيم الناس إلى مؤمنين ومنافقين وكفار، ثم دعوة الناس إلى عبادة الله وحده بإقامة الأدلة بخلق السموات والأرض، ثم الكلام على بني إسرائيل، ثم آدم، ثم إبراهيم، إلى غير ذلك من أشياء عديدة، ومواضيع متعددة، فلربما أخذ الموضوع الواحد صفحة كاملة أو أكثر، وينبغي على كل قارئ -سواءٌ أكان وحده، أم إماماً في الصلاة- إذا قرأ من بعض السورة الطوال أن يأخذ موضعاً مكتملاً فيقرأه، ولا يبتر الموضوع ويركع، فإذا لم يمكن ذلك، أو كان يطول ذلك على المصلين فليقرأ من قصار السور.

    فمن معاني الاختصار: الاقتصار على بعض الآيات من بعض السور، وكذا الاختصار في الصلاة بإنقاص بعض واجباتها، والاختصار حساً، وهو وضع اليدين على الخاصرة، وماذا في وضع اليد في الخاصرة؟

    قالوا: لأن ذلك من فعل اليهود في صلاتهم، ولا ينبغي أن نتشبه باليهود في عباداتنا.

    وهناك معنىً آخر، وهو أنك لو تأملت في نفسك إذا كنت في خلوة، أو في حالة ما، ووجدت نفسك مباشرة تضع يدك على خاصرتك، فإن ذلك -غالباً- لا يكون إلا في حالة الإعجاب، والنظر بتوسع فيما أعجبك، ففيها شيء من الفخر أو الاعتزاز أو التكبر، وهذا يتنافى مع الخشوع في الصلاة، والله تعالى أعلم.

    الصلاة بحضرة الطعام وما في معنى ذلك

    قال المصنف رحمه الله: [ وعن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قدم العشاء فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب)، متفق عليه].

    في الحديث الأول النهي عن الاختصار في الصلاة أثناء أدائها، والحديث الثاني موضوعه قبل الدخول في الصلاة، وفيهما المحافظة على الخشوع في الصلاة، ففي هذا الحديث أنه إذا قدم العشاء قبل المغرب فلنبدأ بالعشاء، مع أن المغرب وقته ضيق! وفي اللفظ الآخر: (إذا قدم العشاء والعشاء فابدأوا بالعشاء)، فجيء بلفظ (العشاء) بدلاً من المغرب، ومهما تكن من تسمية فإنهم يقولون: إذا قدم الطعام تطلعت إليه النفس، فإذا تركه وانصرف إلى الصلاة كانت نفسه مع الطعام، وهذا يشوش عليه.

    وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتناول طعامه، وكان بجانبه شواء تشم رائحته، فأراد المؤذن أن يقيم الصلاة، فقال: اصبر حتى ننال من هذا الشواء؛ فلا تتعلق به نفوسنا في الصلاة.

    وهنا بعض المباحث الفقهية، فمن ذلك أنه لو ضاق الوقت، وقدم الطعام فهل نقدم الطعام ولو خرج الوقت؟

    هناك من يقول: نعم، كالظاهرية، وهناك من يقول: يجب تقديم حرمة الوقت. وهناك من يقول: هذا للصائم؛ لأنه طيلة نهاره صائم جائع ينتظر الطعام ويرقب المغرب، فإذا قدم طعامه فليتناول من طعامه قبل أن يصلي المغرب، وهذه كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كانوا يتناولون الإفطار بعد الأذان وقبل الصلاة، فيتناولون تمرات مع شيء من الماء، كما يُفعل الآن في المسجد النبوي ولله الحمد؛ لأن الإنسان مع طول الوقت يتطلع وينتظر، فلابد أن يأكل ما يكسر هذا التطلع والانتظار، لاسيما بالمادة الحلوة، ولذا قالوا: من الحكمة أن يكون الإفطار على تمر ورطب؛ لأن الحلاوة تدفع شره الجوع عن المعدة، وتجعلها تكتفي بأقل مما لو لم يسبق إليها بالحلوى.

    فتقديم العشاء على المغرب كان رفعاً للتشويش، أما إذا كان شبعان وقُدِّم العشاء وأقيمت صلاة المغرب فيبقى في حقه أن يُقدم المغرب؛ لأفضلية أول الوقت؛ لأن العلة منسية؛ إذ إنه قد شبع من هذا الطعام، أو في غنى عنه.

    فالحكم مختص بالجائع الذي يتشوش خاطره بترك الطعام إذا قّدم الصلاة، والله تعالى أعلم.

    وليس الأمر قاصراً على المغرب وعلى العشاء، بل كل أوقات الصلوات في ذلك سواء، ويمكن أن يقال أيضاً: إن ذلك يكون كذلك في حالة ما إذا كان هناك أمر هام ينشغل به المصلي، كمن عنده موعد مع إنسان في مكالمة هاتفية مهمة، وأقيمت الصلاة، وبقي من الوقت دقائق على موعد المكالمة، أو على مجيء الرسول بهذا الأمر، وإذا دخل في الصلاة يخشى أن يرن الجرس، أو إن دخل في الصلاة، يخشى أن يأتي الرسول فلا يجده.

    فلو أخرت الصلاة إلى الفترة القريبة التي لا تفوّت عليك وقت الصلاة حتى تُصلي وأنت مطمئن الخاطر مستريح البال فإنه يمكن أن يقاس هذا على علة رفع التشويش الكائنة في غير الطعام، مع غير المغرب والعشاء.

    مسح الحصى عن الوجه في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه)، رواه الخمسة بإسناد صحيح، وزاد أحمد : (واحدة أو دع) ].

    هذا الحكم -أيضاً- يدور في فلك الخشوع أثناء الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه)، فما علاقة مسح الحصى بمواجهة الرحمة؟

    قالوا: لأن الإنسان في صلاته مقبل على الله سبحانه بمناجاته، مستحضر عظمة الله، مستحضر من يخاطب، ومقابل ذلك أن يكون الرحمات تواجهه، فإذا ما أخذ يمسح الحصى فكأنه انصرف عن مصدر الرحمات فانقطعت عنه.

    ولكن قد تكون ضرورة، وبعضهم يقول: لا تمسح الحصى، واسجد على ما أمامك؛ لأن الحصى الذي يواجهك يحب أن تسجد عليه.

    ويقولون: إن الحصاة التي يخرجها الإنسان من المسجد تخاصمه يوم القيامة، فتقول: لمَ أخرجتني من محل العبادات إلى محل القاذورات؟

    ومن هنا يقول بعض العلماء: لا يجوز رمي الجمار بجمار تلتقط من المسجد؛ لأن الحصى التي في المسجد تستقر وتطمئن وتصغي وتدرك العبادة التي تسمعها، فهي تستأنس بها.

    وجاء في هذا شاهد العيان الذي شهده آلاف الناس، في المسجد النبوي الشريف حينما كان صلى الله عليه وسلم يخطب متكئاً على جدع نخلة، فصُنع المنبر، فأول ما تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنبر حن الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مستأنساً مستشعراً لعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمة ما يُلقى من قوله، والله سبحانه قادر على أن يجعل في الجماد حساً، قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44]، فهو نوع من التسبيح لا تدركونه، بل هو فوق حواسكم وفلا تفقهونه، فيحن الجذع ويسمع حنينه كل من في المسجد كحنين العُشراء، والناقة العشراء يكون في حنينها نوع من اللطف أو العاطفة حتى نزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر وضم الجذع فسكن، ثم خيره فقال: (إن شئت أخذتك وغرستك فأورقت وأينعت وأثمرت -يعني: ترجع إلى شبابك- وإن شئت: صبرت، وكنت من غرس الجنة)، فانظر إلى قدرة الله تعالى، حيث خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الجماد، لكن الله جعل هذا الجماد يدرك الخطاب والجواب، فقال (أكون من غرس الجنة).

    فهذا الجدع تأثر بمدة قيام الرسول صلى الله عليه وسلم متكئاً عليه سبع سنوات؛ لأن المنبر صنع في السنة الثامنة، فلما تحول عنه افتقده.

    لذا قالوا: من المعاني في النهي عن مسح الحصى أنها تحب أن تسجد عليها، وتشاركك في السجود، وكذلك ما جاء في النهي عن كفت الشعر، فقد جاء عن بعض السلف: إن الشعر يحب أن يسجد معك. أو قال: أطلقه ليسجد معك. أي: كما يسجد الوجه على الجبهة، فكذلك الشعر الذي في الرأس -في الجمة- يسجد مع صاحبه.

    ويهمنا هنا أنه صلى الله عليه وسلم نهى المصلي أن يمسح الحصى، اللهم إلا إذا كان شيئاً لا يستطيع أن يمكن جبهته منه، فهناك نوع من الحصى المصنوع المكسر مثل أطراف المسامير والإبر، فيصعب السجود عليه، فإن استطاع أن يسويه بحيث يمكن أن يسجد عليه فذاك، وإلا أزاله، أما إذا كان رملاً، أو كانت صخرة، أو كان شيئاً أملساً يمكن أن يسجد عليه فلا حاجة لمسحه وإزالته، كما قال أبو الدرداء ، أو أبو ذر : لأن أدع ذلك خير لي من الدنيا وما فيها.

    وإذا كان هذا في النهي عن مسح الحصى فكيف بالذي ينظر في الساعة، ويضبطها، ويفعل غير ذلك، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يكفت الرجل ثوبه في الصلاة، فأين الخشوع عند هذا الصنف؟! وأين إدراك ما يُقرأ؟

    فهذا حاله كما قال صلى الله عليه وسلم: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)، ولن يتذوق إنسان طعم الصلاة وحلاوة المناجاة إلا إذا كان الخشوع متوافراً، وإلا كان كمريض يشرب الشهد فلا يشعر بطعمه، وبالله تعالى التوفيق.

    الالتفات في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) . رواه البخاري ، وللترمذي -وصححه-: (إياك والالتفات في الصلاة؛ فإنه هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع)].

    يسوق لنا المؤلف رحمه الله في (باب الحث على الخشوع في الصلاة) ما يتعلق بالالتفات في الصلاة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان)، وجاء أيضاً عن أبي ذر أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء، وسألته عن الالتفات في الصلاة فقال: إنما هو هلكة، فإن كان ولا بد ففي النافلة).

    فقول أم المؤمنين عائشة -زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (سألت رسول الله عن الالتفات في الصلاة... ) فيه بيان أن الالتفات لا يكون إلا عن شغل يُشغله عن الصلاة، وهذا يتنافى مع الخشوع الذي عقد المؤلف الباب من أجله، وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا الالتفات إنما هو اختلاس، والاختلاس: هو أخذ المال خفية، كشخص يعمل في محل، وتحت يده صندوق المبيعات أو الأمانات، فيختلس -أي: يأخذ- من المال خفية دون أن يعلم به صاحب المال، ولكنه -كما يقال- أمر خفي في بدايته ظاهر في نهايته، بخلاف الاغتصاب، فالغصب ظاهر في أوله ظاهر في آخره؛ لأن الغاصب لا يبالي، فيأخذ جهاراً اقتداراً، أما المختلس فهو يخشى السلطة، ويخشى صاحب المال، فيأخذ المال خلسة.

    وهكذا الشيطان، يأتي للإنسان ويحمله على الالتفات بأي صورة، فيورد عليه صورة عدو، ويورد عليه صورة طلب حاجة، ويسمع أدنى صوت بجانبه، يميناً أو يساراً، ولخلو ذهنه أو فراغ قلبه عن الشغل بالصلاة يستهويه، أو يلتفت ليعرف مصدر هذا الصوت، أما إذا كان خاشعاً في صلاته مشتغلاً بما يتلفظ به، معظماً لمن يناجي، ولمن هو قائم بين يديه، فإنه لا يبالي بتلك الأصوات، أو بتلك الحركات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الصلاة لشغلاً) ، أي: عما سواها. ومن هنا كان الالتفات انشغالاً عن الصلاة، وكونه اختلاساً فالاختلاس ينقص المال، فإذا كان كل يوم يأخذ المؤتمن من المال درهماً فإنه بعد عدة أيام، وبعد عدة شهور، وبعد عدة سنوات، سيكون قد حصل في المال نقص كثير، وهكذا الصلاة التي يلتفت فيها الإنسان، فإنه قد أنقص منها بقدر التفاته، فتكون الصلاة قد نقصت، كما أن رأس المال عند المؤتمن عليه قد نقص، والمختلس قد يختلس شيئاً قليلاً، وقد يختلس شيئاً كثيراً، وكذلك الشيطان، فقد يختلس من الإنسان في صلاته بالتفاته شيئاً قليلاً، وقد يختلس شيئاً كثيراً، سواءٌ أكان في نوع الالتفات ومدى انحرافه، أم كان في كثرته ومداومته عليه، فكل ذلك نقص يقع على الصلاة.

    وكون الالتفات اختلاساً ناحية تربوية، وناحية معنوية فيما ينقص من الصلاة، لكن الفقهاء يبحثون عن صحة الصلاة وعدم صحتها، فيقولون: الالتفات إما أن يكون جزئياً، أو كلياً ومعنى (جزئياً): أن يلتفت بعنقه قليلاً وصدرُهُ لا يزال إلى القبلة، ويسمى هذا الالتفات التفاتاً جزئياً، أما إذا التفت بكليته وصدره، فبعد أن كان إلى القبلة، ذهب إلى اليمين، وانحرف بصدره عن القبلة فهذا التفات كلي، فيقولون: إن الالتفات الكلي مبطل للصلاة؛ لأنه يُفقد الصلاة شرطاً من شروط صحتها في لحظة منها، وهو شرط استقبال القبلة، وهذا في الأمور العادية والاختيار، أما إذا كان في حال الضرورة، فالضرورات لها أحكامها، كمن كان في صلاة الخوف وهو يجري، أو كان يفر من عدو وهو في الصلاة، فهو سينحرف عن القبلة قطعاً، أو كان في حالة قتل العقرب أو الحية أثناء الصلاة، فهو سينحرف عن الصلاة انحرافاً كلياً قطعاً، لكن هذه حالات اضطرارية، والضرورات تبيح المحظورات، والبحث إنما هو في الأمور العادية الاختيارية.

    أما إذا صلى في جوف الكعبة فجعل الباب خلفه، وصلى إلى الجدار المقابل للباب، ثم إذا به ينحرف انحرافاً كلياً إلى اليمين ثم انحرف انحرافاً كلياً إلى اليمين -أي: إلى الجدار الثالث- فكل ذلك لا يبطل الصلاة من جهة الالتفات أو الانحراف؛ لأنه بانحرافه لم يخرج عن استقبال الكعبة، وهذا إذا كان يصلي داخل جوف الكعبة.

    أما ما عدا ذلك فنرجع إلى الحالة والصورة التي بسببها التفت التفاتاً كلياً لنعرف هل هي حالة مشروعة ومرخص له فيها؟ فإذا كانت كذلك فلا تبطل الصلاة، أما إذا كان عبثاً وغفلة وسهواً منه فإن كان التفاتاً كلياً بطلت صلاته، وإن كان التفاتاً جزئياً لم تبطل الصلاة.

    وأما كون الالتفات في الصلاة هلكة فلأن الاختلاس ينقص من أجر صلاته، والنقص من الأجر هلكة، فنقص مع نقص مع نقص سينتهي إلى نقص كثير يؤدي إلى الهلاك، أو أن الالتفات الجزئي قد يجعله يتعود ذلك، ثم يأتي منه التفات كلي دون أن يشعر، ويرجع ويستمر في صلاته وتكون صلاته باطلة، فتكون الهلكة.

    ويهمنا أن الالتفات في الصلاة ينافي الخشوع، ثم قال في هذا الحديث: (فإن كان ولا بد -أي: إن اضطر إلى الالتفات- ففي النافلة).

    ومثال هذا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، إذ إنهم لما خرجوا -وقبل أن يصلوا إلى الموقعة- عرسوا في الليل، فقال صلى الله عليه وسلم: (من يحرس لنا الوادي؟)، أي: الذي فيه العدو، فقام رجل وقال: أنا يا رسول الله فقال: (خذ عليك سلاحك، وخذ جوادك) فذهب، ثم طلع الفجر والناس ينتظرون أن يرجع هذا الفارس بالخبر فما رجع، فطال عليهم، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى جهة الوادي يتطلع إلى مجيء هذا الفارس، فقالوا: هذه نافلة كان يصليها صلى الله عليه وسلم، وكان يلتفت ويتطلع إلى الفارس إلى أن أذن الفجر، وصلى سنة الصبح وكان يلتفت، ثم فرغ وقال: (هل أحد منكم رأى فارسنا البارحة؟ قالوا: لا)، فانتظروا قليلاً، ثم قاموا إلى الصلاة فجاء الفارس، فأخبره الخبر بأنهم جاءوا بإبلهم وغنمهم ونسائهم وأطفالهم، فقال (هل نزلت عن جوادك؟ قال: والله -يا رسول الله!- ما نزلت إلا لأتوضأ أو أصلي، قال: لا عليك أن تفعل فيما بعد)، يعني: عملك هذه الليلة يكفيك، وليس معنى ذلك أنه يترك العمل بالتكاليف، فقد جاء نظير ذلك في حق عثمان رضي الله تعالى عنه حين جهز جيش العسرة، فقال له صلى الله عليه وسلم: ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، يعني: هذا العمل يكفيك، فيكفيك من الأجر ما تقر به عينك في الجنة وليس معنى ذلك أنه إذا حصل على ما يكفيه يترك الواجبات فالمهم أنه إن كان ولا بد فيكون الالتفات في النافلة، ولهذا قالوا: يعتفر في أحكام النوافل ما لا يعتفر في أحكام الفرائض. فهذا ما يتعلق بالالتفات في الصلاة.

    1.   

    البصاق في الصلاة وحكمه

    علة النهي عن البصق في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [وعن أنس قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه، فلا يبصقن بين يديه، ولا عن يمينيه، ولكن عن شماله تحت قدمه)، متفق عليه. وفي رواية: (أو تحت قدمه)].

    في هذا الحديث النبوي الشريف -مع الحث على الخشوع في الصلاة- آداب أخوية واجتماعية، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم في الصلاة)، وانظر إلى قوله: (إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه، فلا يبصقن)، فإنه كان يمكنه أن يقول: لا يبصقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه؛ فإنه يناجي ربه. فقال: (إذا كان أحدكم في الصلاة) ليوقظ في الإنسان هذا المعنى العظيم، وهو حقيقة عمله.

    فهو في صلاته يناجي ربه، والمناجاة أخص من الحديث؛ لأنها بين الصديق والصديق، ولأنها مما يحرص المتناجون أو المتناجيان على الحفاظ عليه، كما بين سبحانه في فوارق الحديث بقوله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7].

    وكما في قصة أبناء يعقوب إذا قال تعالى عنهم: خَلَصُوا نَجِيّاً [يوسف:80]، أي: يناجي بعضهم بعضاً يدبرون أو يتآمرون كيف يفعلون إذ أخذ منهم أخوهم.

    فليست المناجاة أمراً علنياً ولذلك إذا كان المجتمعون ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر؛ لأن ذلك يحزنه، حيث يقول في نفسه: ماذا يقولون؟ وفي أي شيء يتناجون؟ وعن أي إنسان؟ فإذا كانوا أربعة فلا بأس أن يتناجى اثنان، والثالث والرابع يستمران في حديثهما.

    فالمصلي في تلك الحالة يناجي ربه؛ لأنه يخاطب ربه سبحانه بحديث النجوى، وليس بحديث الجهر والإعلان، وكلما كان الحديث ذا أهمية أخذ طريق النجوى، سواءٌ أكان بين الصديقين، أم بين الشريكين، أم بين المهتمين بأمر خطير يخفونه عن الناس، وإذا تفاهموا فيه تفاهموا بالنجوى، ولهذا قال الحسن أو ابن المبارك : إذا أردت أن تدخل على الله بغير استئذان، وتخاطبه بلا ترجمان، فأسبغ الوضوء، وأتِ المسجد واستقبل القبلة، وكبر للصلاة فإنك تخاطب المولى سبحانه بلا ترجمان بينك وبينه، وبأي لسان يفهم عنك.

    وكذلك كل إنسان عندما يدخل في صلاته يقول: (الله أكبر)، ثم يأتي بسورة الفاتحة بما فيها من المعاني المعروفة للجميع، فهو يناجي ربه إلى أن يقول: (إياك) أي: دون سواك (نعبد)، (وإياك) أي: دون سواك (نستعين)، ثم يقول: (اهدنا)، ففي هذه الحالة يجب أن يستشعر عظمة من يناجي، ويستشعر أنه يستقبل ربه، كما جاء في بعض الروايات: (فإن الله تجاه وجهه)، وجاء أيضاً في بعض الروايات: (إن المصلي إذا أقبل على الله أقبل الله عليه)، فإذا أعرض أعرض عنه، وهذا من آفات الالتفات كما يقولون، ومن الجفوة، فإذا كنت تكلم إنساناً، والتفت عنه، فإن هذا ليس من الأدب، فالالتفات مخلٌ بالأدب، ومتنافٍ مع الخشوع، وكذلك هنا، فإذا كان يناجي ربه ثم غلبه البصاق فلا يبصقن تجاه وجهه؛ لأن الله تجاه وجهك، فأنت تناجي ربك، وما دمت مقبلاً على الله، فالله مقبل عليك.

    وهذا من الآداب الرفيعة، وإن كنا لا ندرك ولا نحس، ولكن نؤمن، ونوقن بما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم فقال: (فلا يبصقن تجاه وجه، ولا عن يمينه)، وجاء في بعض الروايات التعليل لهذا؛ بأن تجاه وجهه رب العالمين يناجيه، وعن يمينه ملك الحسنات، فلا يبصق عن اليمين فيؤذي الملك، ولا يبصق أمامه؛ لأنه إساءة أدب مع الله سبحانه وتعالى.

    وجاء عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنه قال: (ما بصقت تجاه القبلة منذ أسلمت) احتراماً للقبلة في غير الصلاة، وخشوعاً في الصلاة أثناء الصلاة.

    ثم بين صلى الله عليه وسلم ما نفعل إذا عرض لنا البصاق ونحن في صلاة -فإن الالتفات منهي عنه، والبصق تجاه القبلة منهي عنه- فقال (ولكن عن يساره تحت قدمه)، فإذا كان عن يساره وتحت قدمه فستكون التفاتة جزئية؛ لأن قدمه بجواره، وفيه تعظيم للقدم اليمنى، فيكون البصق تحت القدم اليسرى.

    حكم البصق في المسجد عن اليسار تحت القدم

    وقد جاء في حديث آخر: (البصاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها)، وهذا لا يتعارض مع البصق تحت قدمه اليسرى في المسجد؛ لأن البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها، فإذا بصق تحت قدمه اليسرى ودفنها فقد كفّر عن خطيئته وتجنب تجاه القبلة واليمين، ولكن هذا إذا كان المسجد تراباً ويمكنه أن يدفنها.

    وإذا أمكن أن يتجنب البصاق في المسجد -ولو تحت قدمه- كان أولى، ولا يقل: لا بأس فهي خطيئة مكفرة، فبما أنها خطيئة تحتاج إلى تكفير فالأولى تركها، فقد جاء في بعض الروايات: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ طرف ردائه بيديه، وبصق في طرف الثوب، ثم طبق الثوب وحكها)، ليتشربها الثوب بدلاً من أن تكون في أرض المسجد.

    وفي بعض الروايات: (لا يبصق أحدكم في المسجد فيؤذي بها أخاه المسلم في بدنه أو ثوبه)، حتى لو دفنها فقد يأتي إنسان يجلس يتحرك فوقها، فيمكن أن تصل إليه فتؤذيه في ثوبه، وإذا كان بالإمكان تلافي هذه الخطيئة، فلا داعي لإيقاعها أصلاً، حتى لا نذهب ونبحث عن كفارتها.

    وكل ذلك مراعاة لطبيعة المسجد في أول أمره، وقد مكث المسجد طويلاً وأرضه الحصباء، بل كانت طيناً، فقد جاء في حديث ليلة القدر: (رأيتني أسجد صبيحتها في ماء وطين)، فأمطرت السماء وكان سقف المسجد من السعف والجريد، كما جاء عن بعض الصحابة قوله: (فوكف السقف إلى الأرض، ولقد رأيت الطين على أرنبة أنف رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    وبعد هذه الحادثة تعذرت الصلاة في الأرض التي فيها طين، فذهب كل رجل وجاء بالحصباء في طرف ردائه، وفرشها في محل صلاته وصلى عليها، وكثر هذا العمل، ففرش المسجد بالحصباء بأطراف أرديتهم، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم فقال: (نعم هذا).

    ويمكن أن نقول: هذا عمل جماعي في مصلحة عامة، وفي مثل هذه الحالة ينبغي على المقيم من الرعية أن يساهم، ولا ينتظر من المسئولين أن يقوموا بكل شيء؛ إذ قد لا يستطيعون، أما إذا كانوا يستطيعون، وفي بيت المال ما يكفي لذلك، فعليهم أن يفعلوا، وهذه مهمتهم؛ لما لديهم من الإمكانيات في ذلك، أما في حالة عجزهم، أو إمكان إنجازه من قبل الرعية المقيمين، وتوفير ما في بيت المال لغيره فإن علينا أن نتعاون.

    حكم البصاق في المساجد المفروشة

    وإذا كان الوضع كما هو الآن في عموم المساجد، حيث تكون أرض المسجد خرسانة، أو بلاطاً، أو رخاماً، أو فراشاً، فلا يتأتى للإنسان -إذا كان يصلي على رخام مثل الزجاج- أن يبصق عن يساره تحت قدمه، ولا يمكن أن يدفنها في الرخام وفي هذه الحالة يرجع إلى طرف ثيابه، فإن كانت ثيابه بيضاء ونظيفة فيتعين عليه أن يكون في جيبه منديل، وهذا مما تدعو إليه حياتنا العامة الآن.

    كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: (يحدث للناس أحكام بقدر ما أحدثوا) وهو قالها فيما يتعلق بالجنايات، ونحن نقول الآن: يحدث للناس تغيير في الأحكام بسبب ما حصل من تغير الأحوال بمرور الزمن وأحوال الحياة.

    فهذا حديث صريح: (ولكن عن يساره تحت قدمه)، فهل يمكن أن نطبق هذا الحديث كما يفعل بعض الإخوة الذين يتمسكون بتطبيق حرفية الأحاديث.

    الجواب: لا. ومن هنا ننتقل إلى ما كنا فيه من الصلاة في النعال، فإذا كان صلى الله عليه وسلم نهى عن البصاق تجاه القبلة لعلة محددة، وعن يمينه لعلة معينة، وأباح عن اليسار، وأن يدفنها حتى لا يؤذي بها فإنه إذا كانت صلاته في النعلين -بما يعلق فيهما- ستؤذي غيره فحينئذٍ نقول: لا تصل في النعال.

    أما لو كانوا في سفر ونزلوا في الخلاء، والأرض ليست لينة أو ناعمة، وإذا خلع النعلين لا يستطيع أن يقف باطمئنان واستقرار، وكانت النعلان طاهرتين فإنه يصلي فيهما؛ لأنه مشروع، ولم يتعارض مع مصالح أخرى، فقوله: (عن يساره وتحت قدمه) كان يتناسب مع ذاك الوقت، أما الآن فقد حدث ما يتعارض مع ذلك.

    فلا نستطيع أن نطبق الحديث، ونحن لا نرد الحديث، ولكن نعجز عن تطبيقه؛ لأن تطبيقه في الرخام غير ممكن، وتطبيقه على مثل الفراش اليوم غير ممكن، فلا نتمسك بحرفية الحديث مستدلين بقوله: (عن يساره تحت قدمه)، وهذا -كما أشرت- يربي الذوق، والذوق في الأخلاق إحساس وسمو، يتفاوت الناس فيه كما بين السماء والأرض.

    فانظر إلى معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه إذ يقول: منذ أسلمت ما بصقت تجاه القبلة قط، لا في صلاة ولا في غيرها. فما هو الذي منعه؟

    إن معاذاً كان كأنه يستشعر عظمة الكعبة وحرمتها عند الله، ولو كانت بعيدة لكنه تجاهها، ونحن نجزم بأن البصاق في غير اتجاه القبلة أولى من البصاق في اتجاه القبلة، ونحس بمعنى لا نستطيع أن نعبر عنه.

    وكنا نرى بعض الأشخاص في المسجد النبوي في أوائل الثمانينات -ولم تكن الكهرباء قد عمت البيوت، وكان المسجد النبوي هو المقيل للناس، خاصة في رمضان- فيأتون المسجد النبوي من أجل التبريد؛ فقد كانت فيه مراوح، فربما تجد إنساناً ينام ماداً قدميه إلى القبلة، وبيننا وبين الكعبة أكثر من أربعمائة كيلو، فكنا نرى بعض الأشخاص إذا وجد إنساناً نائماً حول رجليه عن القبلة إلى الجهة الثانية، فالنائم يقوم ويقول: ما هذا؟! فيقال له: كيف تمد رجليك تجاه الكعبة! فيقول: الكعبة بعيدة، ولكن الشخص الذي أيقظه في عاطفته أن نوم هذا الشخص ماداً قدميه إلى الكعبة فيه إهانة للكعبة، مع أن النوم مع مد القدمين إلى الكعبة جائز، فالميت عند الاحتضار نوجهه، ونجعل قدميه إلى الكعبة ورأسه إلى الشمال، فالمصلي -في حياته- إذا مرض ولم يستطع أن يصلي قائماً ولا جالساً فليصلِّ نائماً مستلقياً على ظهره ماداً قدميه إلى القبلة؛ لأنه إذا أحس بالعافية وجلس فسيكون وجهه إلى القبلة، لكن لو كان العكس فجعلنا رأسه إلى القبلة، ونشط وتعافى وجلس فسيكون مستدبر القبلة، وهذا ينافي الصلاة.

    فأقول: هذه عاطفة عند الناس، والخطأ والصواب شيء آخر، ويكفينا في هذا نموذج من معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه حين قال: (ما بصقت تجاه القبلة منذ أسمت في صلاة ولا في غيرها). فمن الذي نهاه عن هذا؟! وأين النص الذي منعه أن يبصق جهة القبلة؟ إنه إحساس عاطفي تقديراً للكعبة المشرفة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756199317