إسلام ويب

تفسير سورتي الفلق والناسللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أفضل العبادة هو الدعاء، وقد ختم الله كتابه بسورتين من الدعاء، وهما: سورتا الفلق والناس، اللتان اشتملتا على الاستعاذة بالله من شر ما خلق عموماً، فكانتا حرزاً ورقية من الأدواء والأوجاع والسحر والحسد والوسوسة وغيرها؛ لذا قال عليه الصلاة والسلام: (ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

    فسورة الفلق تقرأ مع سورة الإخلاص في عدة مواطن.

    ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قول شذ فيه عن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يرى أن سورة: (قل أعوذ برب الفلق) و( قل أعوذ برب الناس) ليستا من القرآن، إنما أمر النبي أن يقول فقال، ولم يثبتها ابن مسعود في مصحفه، وجمهور الصحابة أثبتوا هاتين السورتين في مصاحفهم على النمط الذي هي فيه الآن.

    وقد أجاب أبي بن كعب على ذلك، فقال: (سألت الرسول، فقال لي: قل، فقلت كما قال لي).

    ما معنى: (الْفَلَقِ)؟

    الفلق هو كل شيء ينفلق عن الشيء الآخر، أي: ينفصل عنه، فالصبح ينفلق عن الليل، قال الله: فَالِقُ الإِصْبَاحِ [الأنعام:96]، والحب ينفصل عن النوى، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام:95] ، ومنه قول العامة: (أفلق رأسك)، أي: أفصله عن بعضه، فالفلق كل شيء يفصل، ورب الفلق هو: رب الشيء الذي ينفصل عن الشيء، هذا من الناحية اللغوية، لكن الفلق هنا في هذه السورة الكريمة المراد به الصبح عند أكثر أهل العلم.

    قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] الفلق: الصبح، ودليله: فَالِقُ الإِصْبَاحِ [الأنعام:96] .

    قُلْ أَعُوذُ أي: ألجأ وأستجير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (من شر ما خلق)

    مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2] يا رب! لذت بك، واعتصمت بك، واستجرت بك، ومن شر كل خلق، من شر عموم الخلق، فدخل فيه شر الإنس، ودخل فيه شر الجن والشياطين، ودخل فيه شر السباع والهوام، والحيات والعقارب، ودخل فيه شر الرياح، ودخل فيه شر الظلام، وشر كل شيء يخشى منه، فهي -إذاً- آية في غاية البلاغة، تشمل شر كل الخلق، شر رجل ظالم، أو مؤذٍ، ومن شر حية، ومن شر أي شيء، ونحوه حديث رسول الله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن شر غاسق إذا وقب)

    وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3].

    الغاسق إذا وقب مما خلقه الله، فهو من عطف الخاص على العام، وهذا الأسلوب يأتي لبيان أهمية الخاص، مثل قوله تعالى: فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن:68] فالفاكهة عامة، والنخل والرمان خاص، فعطف العام على الخاص، وكما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7]... إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ [النساء:163].

    وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] أي: الليل إذا دخل، فالغاسق هو الليل، ويشهد لذلك من التنزيل قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] أي: إلى ظلام الليل، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78].

    وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه خرج مع عائشة ذات ليلة، ونظر إلى القمر فقال: (يا عائشة ! استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب)، فمن العلماء من قال: إن من متبوعات دخول الليل ظهور القمر، وإن مجيء القمر مؤذن بدخول الليل، فقوله: (استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب)؛ لأن ظهور القمر علامة على دخول الليل، وفي الليل تنتشر الشياطين، وتنتشر السباع، وتنتشر الهوام، ويبيت فيه للمكر، ويبيت فيه بالخداع، ويخطط فيه للحروب، ويخطط فيه للاغتيالات.

    فالليل فيه شر مستطير، وفيه شر كثير إلا في الثلث الأخير، فإن أهل الصلاح يقومون فيه امتثالاً لقول الله تعالى: (هل من داع فأستجيب له) وإذا جاء الليل فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، وأوكئوا الأسقية واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً)، وفي الحديث الآخر: (فإنه ينزل في ليلة في السنة داء لا يدع سقاء ليس عليه وكاء، ولا إناء ليس عليه غطاء، إلا نزل فيه من ذلك الداء).

    فدخول الليل يصحبه انتشار الشياطين، ويصحبه كثير من البلاء، ويصحبه مكر الأعداء، ويحصل فيه جملة أمور، ولذلك لما قال فرعون لموسى: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:58-59]؛ لأن السحر يبطل في وقت الضحى، وصعب على الساحر أن يسحر في وقت الضحى، أما في الليل فربما تنظر ظلك فتظنه عفريتاً.

    ففي الظلام يمكن التلبيس والدجل على الناس، وغش الناس، ولذلك أغلب أعمال الشعوذة تحدث في الظلام، ومن المشعوذين من يدجلون في الغرفة المظلمة، تدخل الغرفة فيقول لك: هذه صورة علي بن أبي طالب يجري، وهو الذي يجري، وهذه صورة عمر ، وهذا عبد الله بن سلام ، وهذا كله دجل يحدث في الظلام والعياذ بالله.

    فالغاسق إذا وقب، قيل: هو الليل، وقيل: هو القمر، وقيل غير ذلك، ولكن أشهر الأقوال أن الغاسق هو الليل، ومن متبوعاته القمر، ومعنى وقب: دخل وأقبل بظلامه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد)

    وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] النفاثات هن السواحر اللاتي يسحرن، وينفثن في العقد.

    قد تقدم بيان بعض فضائل سورتي الفلق والناس، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عقبة ! قل، قلت: ما أقول يا رسول الله؟!، قال: قل، قلت: ما أقول يا رسول الله؟!، قال: قل: قلت: ما أقول يا رسول الله؟!، قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حين تصبح، وحين تمسي، تكفيك من كل شيء)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما)

    وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما إذا اشتكى مع سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وينفث بهذه السور في يديه، ويمسح رأسه وما استطاع من جسده.

    وكان يقرأ بهما مع: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عند النوم، وحث على القراءة بهن دبر الصلوات صلى الله عليه وسلم.

    يقول الله سبحانه وتعالى فيها: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] وقد ورد بسند ضعيف سبب نزول هاتين السورتين، ألا وهو قصة سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فورد بأسانيد فيها ضعف أن هاتين السورتين نزلتا لما سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانتا سبباً في حل السحر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح سبب النزول.

    يقول الله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أي: ألجأ وأستجير وأعتصم، (بِرَبِّ الْفَلَقِ) وتقدم أن الفلق الصبح، وأن الفلق كل شيء انفلق عن شيء، فالصبح لما انفلق عن الظلمة قيل له: فلق، وأيضاً قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام:95]، وقال سبحانه: فَالِقُ الإِصْبَاحِ [الأنعام:96]، لكن المراد بالفلق هنا الصبح، فالمعنى: أستجير برب الصبح وما حواه من نور وضوء، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ قد أسلفنا أنه يدخل في قوله: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ عموم الشرور التي يمكن أن يستعاذ منها: كشر الناس، وشر السباع والدواب والهوام، وشر الجن، وشر الريح، وسائر الشرور التي يمكن أن يتعوذ منها، فالآية جامعة.

    وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ، تقدم أن الغاسق إذا وقب فيه أقوال لأهل العلم:

    قيل: هو القمر، وقيل: هو الليل إذا دخل، وهذا هو رأي الجمهور في تفسير الغاسق إذا وقب، ومنه قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، ووقب معناه: دخل أو أقبل بظلامه، قالوا: لأن الليل إذا أقبل بظلامه انتشرت السباع، وانتشرت الهوام، وانتشرت الشياطين كما في حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم واذكروا اسم الله، وأوكئوا قربكم واذكروا اسم الله، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، وأطفئوا المصابيح واذكروا اسم الله، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ) وفي رواية لـمسلم : (فإن للجن انتشاراً وخطفاً).

    فيستعاذ برب الفلق من الليل ومن دخول الليل؛ لأن الشياطين تنتشر، وكذلك الحيات والوحوش فإنها تخرج من أماكنها، وكذلك اللصوص يتسترون بالليل لإمضاء أعمالهم، وكذلك الأعداء يمكرون بالليل بمن يريدون غزوه، ولهذا استعيذ بالله من شر الغاسق إذا وقب، وهو الليل إذا دخل.

    وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ [الفلق:4] النفاثات: جمع نافثة، والنافثة هي: المرأة التي تنفث في عقد الخيط، فالنفاثات هن: السواحر، جمع ساحرة، وهن اللواتي يسحرن وينفثن في عقد الخيط، فالسحرة يقرءون ثم يعقدون هذه العقد، فالنفاثات في العقد هن السواحر اللواتي ينفثن في عقد الخيط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد)

    وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5]،السورة الكريمة أثبتت شيئين: السحر والحسد.

    والحسد ثابت في كتاب الله في جملة مواطن، تصريحاً وتلميحاً، فقد ذكر الله الحسد تصريحاً في قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54]وقال تعالى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الفتح:15]، وكذلك في قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109]، وقال سبحانه: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) فثبت الحسد صريحاً في هذه الآيات الكريمة.

    وثبت تلميحاً كذلك في قوله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27]، وقال تعالى: قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف:5]، وقال إخوة يوسف لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8]، وقال عن المشركين: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31]، فكل هذه من صور الحسد وأشير إليها تلميحاً في كتاب الله سبحانه.

    معنى الحسد

    والحسد هو: تمني زوال النعمة عن الآخرين، ومن العلماء من قيدها بالمسلمين، وقال: هو تمني زوال النعمة عن المسلمين، ومن العلماء من أتى بتقييد ثالث فقال: هو تمني زوال النعمة عن المسلمين مع العمل على إزالتها، ومع السعي في إزالتها، لكن الجمهور على أن الحسد هو: تمني زوال النعمة سواء عملت على إزالتها أو تمنيت أزالتها من قلبك، فالجمهور على هذا التعريف.

    وقد ثبت الحسد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم: (كان سهل بن حنيف يغتسل، وكان رجلاً أبيض الجلد، فمر به رجل يقال له: عامر بن ربيعة ، فلما رأى حسن جلده، قال: والله! ما رأيت جلداً مخبئاً مثل هذا الجلد قط، فسقط سهل في الحال صريعاً، فذهب أهله إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله! أدرك سهلاً فإنه صريع يا رسول الله!، قال: من تتهمون به؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة ، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: علام يقتل أحدكم أخاه، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع بالبركة)، ثم أمر عامر بن ربيعة أن يتوضأ ويغسل داخلة إزاره وركبتيه، ويؤخذ هذا الماء ويصب على سهل بن حنيف، فصب عليه فقام وكأنما نشط من عقال، أي: كأنه كان مربوطاً وحل عنه الرباط.

    العين حق

    في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أسماء بنت عميس بعد مقتل جعفر بثلاث ليال، فرأى عبد الله بن جعفر وإخوته فقال لها: (ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة، قالت: تسرع لهم العين يا رسول الله! قال: استرقي لهم). قال بعض العلماء: إن العين تؤثر في الطفل فترى الطفل يأكل ويشرب وليس به مرض، وتراه نحيفاً شديد النحافة، فتكشف عليه عند الأطباء ولا ترى به داء، ولكن العين أثرت فيه كما أشار إليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

    بل قد تؤثر العين في الوجه وتصيبه إصابات حسية، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة -كما في صحيح البخاري - ورأى جارية لـأم سلمة في وجهها سفعة، أي تغير وسواد، فسأل عن ذلك، فقالوا: أصابتها النظرة يا رسول الله!، قال: (فاسترقوا لها).

    فدلت هذه النصوص أن الحسد واقع، وأن العين واقعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا) أي: إذا طلب منكم أن تغتسلوا لشخص ظن أنكم حسدتموه؛ فلا تترددوا، بل اغتسلوا، وخففوا عن صاحبكم، وخففوا عن إخوانكم، هذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالآية فيها الاستعاذة بالله من شر الحاسد إذا حسد، وقد قسم العلماء الحسد إلى أقسام، ورتبوه مراتب:

    أعلى هذه المراتب أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك، سواء حصلت لك هذه النعمة أم لم تحصل لك هذه النعمة.

    الثاني: أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك وتحولها لك.

    الثالث: أن تتمنى لك ما لأخيك، إلى آخر الأقسام التي ذكروها، وأباحوا منها قسماً واحداً، وهو: الغبطة، وهو ما ذكر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها).

    طرق السلامة من شر الحساد

    ولسلامة الشخص من شر الحساد جملة أمور:

    منها: تقوى الله، والتوكل عليه، فالله يقول: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]

    ومنها قول: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]

    ومنها: حفظ الله عز وجل، وحفظ حدود الله، وفي الحديث: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك).

    ومنها: إخفاء النعمة عمن يظن أنه يحسد، فإذا رأيت شخصاً يتمنى لك زوال النعمة، فأخف هذه النعمة عنه ولا تحدثه بها، وأصل ذلك في كتاب الله في قول يعقوب صلى الله عليه وسلم ليوسف: يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف:5].

    وقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى فقيل له: يا حسن! أيحسد المؤمن؟ أي: هل هناك مؤمن يحسد؟ فقال سبحان الله! ما أنساك لإخوة يوسف إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8]، فالمؤمن قد يحسد أيضاً.

    وعامر بن ربيعة كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتهم بأنه هو الذي أصاب سهل بن حنيف ، كما ذكرنا في الحديث السابق، فإخفاء النعمة عن الحاسد سبب من أسباب الحفاظ على النفس من شر هذا الحاسد، بدليل قوله تعالى: (يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فلا يحدث بها إلا من يحب)؛ لأنه كما العلماء: لكل نعمة حاسد على قدرها، فإذا قصصت على شخص يبغضك رؤيا طيبة فسيعبرها لك بتعبير مؤذ ويكون سبباً في إيذائك، وإتلاف الرؤيا عليك، والله أعلم.

    ومنها: الإحسان إلى الحاسد، فإن الله يقول: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، ولذلك قال العلماء: لو كنت غنياً من الأغنياء وبجوارك رجل فقير جار لك، وهذا الجار يراك كل يوم يراك تدخل على أهلك وبنيك أصناف الطعام والشراب، وأولاده ينظرون إليك وأنت تدخل، وينتظرون أن تعطيهم شيئاً من الذي دخلت به، فلم تعطهم؛ فيدخلون على أبيهم ويطلبون منه شيئاً من المال لشراء ذلك فلا يجد؛ فحينئذ يتمنى هذا الرجل لك الفقر بأن تزول نعمة الله عنك حتى لا يؤذى هو في بيته، لكن إذا أكرمت الأولاد وأعطيتهم شيئاً مما تحمل، ودخلوا على أبيهم بهذا الشيء؛ دعا أبوهم لك بالبركة، فتحول الحاسد إلى داع لك، وبعد أن كان يتمنى زوال النعمة عنك إذا به يسأل الله لك الزيادة من هذه النعمة، فالإحسان إلى الحاسد سبب من أسباب اتقاء شره.

    ومنها: التعوذ بالله منه، والتحصن بالمعوذات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومنها: عدم الاشتغال بالحاسد، وعدم التفكير فيه، فلا تفكر كثيراً فيه، ولا تبال به، ولا تهتم به، بل اعتصم بالله، فالله حسبك، وهو كافيك سبحانه وتعالى.

    والحاسد إذا أراد أن يتخلص من الحسد فعليه أن يتذكر أنه معترض على أقدار الله، فالله هو الذي يقسم الأرزاق وكون الحاسد يتمنى زوال النعمة عنك فهو يعترض على أقدار الله، والحاسد متشبه بالشيطان، فالشيطان يتمنى زوال النعمة عن المؤمنين، والحاسد كذلك، فهو من جند إبليس والعياذ بالله، وكذلك هو متشبه بالكافرين إذ إن أهل الكفر يتمنون زوال النعمة عن أهل الإسلام، والحاسد قد شاركهم في هذا، والله سبحانه أعلم.

    أسباب الحسد

    وللحسد أسباب كما قال العلماء، فله حامل يستدعي الحسد فيقوى، وأحياناً يضعف ويخبو، فمن أسباب الحسد:

    المجاورة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة والصيام والأمر والنهي والصدقة) والمجاورة في كل شيء، حتى في المهنة، فمثلاً: طبيب أطفال، وبجواره طبيب أطفال آخر، فتجد أحدهما قد يحسد الآخر، ولا يحسد أصحاب السيارات المرسيدس مثلاً، مع أن صاحب المرسيدس يكسب أضعاف أضعافهما، ولكن لا يحسد إلا مجاوره في مهنته، ولا يحسد الذي يكسب الملايين ولكن ينظر إلى جاره الآخر، ويتسائل: كم مريض دخل عنده اليوم؟ حتى قال العلماء: إن الإسكافي يحسد الإسكافي، وهو الذي يصلح النعال وينظفها فتراه لا يحسد أصحاب المحلات الذين يكسبون الآلاف، ولكن يحسد الإسكافي الآخر!.

    وكذلك الحال في أنواع التجارات كلها، وكذلك في الضرائر: فإنهن يحسدن بعضهن البعض في الغالب إلا من رحم الله، فالمجاورة سبب في اجتلاب الحسد إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى بالورع في هذا الباب.

    ومن أسباب الحسد حب الجاه والرئاسات فمنصب كبير يتنافس عليه المتنافسون، وكل يحسد الآخر حتى لا يصل إلى هذا المنصب.

    وكان هذا الحسد سبب في نفاق عبد الله بن أبي ، فلما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه وقال: (يا سعد! ألم تسمع ما قال أبو حباب -يعني: عبد الله بن أبي -)، قال: يا رسول الله! اعف عنه واصفح يا رسول الله! فوالله! لقد أكرمك الله بالحق الذي أكرمك به، وقد اصطلح أهل هذه الحرة على أن يتوجوه، ويجعلوه سيداً عليهم أجمعين، فلما أكرمك الله بما أكرمك به من الحق شرق لذلك، وطفق يصنع ما تراه، فاعف عنه واصفح يا رسول الله!.

    فأسباب الحسد حب الجاه وحب الرياسات، والمجاورة في الأعمال، والتنافس في الدنيا، وعلاجه الرضا بأقدار الله، والرضا بقسمة الله سبحانه وتعالى التي قسمها للعباد.

    فهذه السورة جمعت الاستعاذة من أنواع الشرور.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس... )

    ثم تممت الاستعاذة بقوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ [الناس:1-3] فاستعاذ العبد في هذه السورة بملك الناس، وبرب الناس، وبإله الناس الذي هو معبودهم، من ماذا؟

    استعاذ بالرب وبالملك وبالإله مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ [الناس:4] والوسواس هو الشيطان، والوسواس صفة له، والوسوسة هي: الصوت الخفي، ومنه قيل لحركة الحلي في الإذن: وسوسة الحلي؛ لأن صوته خفيف لا تسمعه إلا المرأة التي تلبس الحلي.

    فالوسوسة هي الصوت الخفي، والوسواس هو الشيطان، يوسوس أي: يحدث بصوت خفي في الصدر، فاستعذنا برب الناس، وملكهم وإلههم من شر الوسواس الذي هو إبليس.

    قال بعض العلماء: إبليس يرانا ولا نراه، كما قال تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فاستعذنا بالذي يرى إبليس ولا يراه إبليس، فالله يرى إبليس، وإبليس لا يراه، فاستعذنا برب الناس وإلههم ومليكهم من شر هذا الوسواس.

    مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4].

    الخناس هو: الشيطان، والخنوس صفة له، فهو يخنس أي: يختفي عند ذكر الله سبحانه وتعالى، ومنه قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16]، ومنه قول أبي هريرة رضي الله عنه: (لقيني النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وأنا جنب، فانخنست منه)، أي: اختفيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فوصف إبليس بأنه خناس، أي: كثير الاختفاء، فكلما ذكرت الله اشتد اختفاؤه وأمعن في الهرب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط).

    قال العلماء: إن شيطان الكافر عاتٍ متمرد على الكافر، أما شيطان المؤمن فدائماً مضروب ودائماً مطرود، فالمؤمن دائماً يعلوه بسياط التسبيح والتحميد والتكبير، لا يكاد الشيطان يفيق من ضربة ضربها به المؤمن بقول: لا إله إلا الله؛ حتى تأتيه ضربة أخرى فيها: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو فيها: سبحان الله، أو فيها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى أن سجود المسلم يبكيه كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار).

    فيولي باكياً إذا سجدت، ويولي هارباً وله ضراط إذا سمع المؤذن، ويولي هارباً من البيت إذا دخلت البيت فذكرت الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه. قال: أدركتم المبيت والعشاء)، فهو لص ولكنه لص جبان، يهرب إذا ذكر الله سبحانه وتعالى، وإذا لم تذكر الله شاركك في أعمالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إن أحدكم إذا أتى أهله فقال: باسم الله، اللهم! جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإن يقدر بينهما ولد، لم يضره شيطان)، أما إذا لم يفعل فماذا يكون؟

    في تفسير قوله تعالى: وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ [الإسراء:64] قال بعض العلماء: مشاركة الشيطان الرجل في ولده يكون عند الجماع، فيتلذذ الشيطان بالمرأة إذا لم يذكر زوجها الله سبحانه وتعالى عند الجماع.

    وصف الشيطان بأنه خناس، أي: كثير الاختفاء، وقد قدمنا أن شيطان المؤمن ذليل يطرد ويهان، فإذا سقطت من دابتك وقلت: باسم الله، تصاغر حتى يكون مثل الذباب، وإذا قوي إيمان الشخص فر منه الشيطان، كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والذي نفسي بيده! ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)، وفي الرواية الثانية: (إن الشيطان يفر منك يا عمر !)

    فإذا قوي إيمان الشخص، وتسلح بكتاب الله، وبالذكر الوارد عن رسول الله، وتحصن بالحصون الواردة عن رسول الله؛ لم يجد الشيطان إليه منفذاً ولا سبيلاً، والله سبحانه وتعالى أعلم.

    مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ [الناس:4]، قلنا: الوسوسة هي: الصوت الخفي، ومن شواهده ما جاء في قصة حديث أم زرع، وفيه قول المرأة عن زوجها: أناس من حلي أذني؟ أي : ملأ أذني بالحلي، حتى سمع لها الصوت.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الذي يوسوس في صدور الناس...)

    الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:5]، قيل: أي: يلقي الوسواس إلى الصدور، وتدخل الوساوس من الصدور إلى القلوب، ومن العلماء من قال: يوسوس في القلوب لأن القلوب داخل الصدور، والله أعلم.

    مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:6]، من العلماء من قال: إن الموسوس جن وإنس، ومنهم من قال: إن الموسْوَس إليه جن وإنس.

    من العلماء من قال: إن الموسْوِس بالكسر المستعاذ بالله منه إنس وجن، ومنهم من قال: إن الوسواس الخناس الذي هو كبير الأبالسة يوسوس في صدور الفريقين: يوسوس في صدور الإنس، ويوسوس في صدور الجن كذلك.

    وانتصر كل عالم للرأي الذي تبناه، فالذين قالوا: إن الذي يوسوس إنس وجن، أما الجن فمعلوم أنها توسوس، وأما الإنس فاستدلوا بقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ [الأنعام:112]، فللإنس شياطين وهم يوسوسون أيضاً في الصدور، ويوغرون الصدور، ويملئونها شراً، يملئون صدور قوم شراً على قوم آخرين، فهناك إنس يوسوسون، وهناك جن يوسوسون، ومن أهل العلم من قال: إن الشيطان يوسوس في صدور الإنس، ويوسوس في صدور الجن أهل الصلاح أو عموم الجن واستدل قائل هذا القول بقوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ [الجن:6]، فقالوا: لا يطلق على الجن رجال.

    وعلى كل: فكون الإنس يوسوس لا شك في ذلك، وكون الجني يوسوس لا شك في ذلك، لكن وسوسة شيطان الجن أعظم من شيطان الإنس، وكما قال فريق من أهل العلم: إن شيطان الإنس يدفع بأمور لا يدفع بها شيطان الجن، فشيطان الإنس إذا أكرمته ببعض الكرامات في الدنيا، وأعطيته بعض الأموال، قد يسكت عنك كما قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34]، فقد تعطيه مالاً أو تتكلم معه بكلمة طيبة، أو تتنازل عن جزء من مالك فيسكت عنك، أما شيطان الجن فلا يرضى منك إلا بالكفر والعياذ بالله.

    1.   

    حروز شرعية من الشيطان

    وقد ذكر العلماء رحمهم الله جملة حروز يُحترز بها من الشيطان:

    أولها وأعظمها: ذكر الله عز وجل والاستعانة به سبحانه, وقد ورد في حديث الحارث الأشعري رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها)، فذكر من الخمس الكلمات (وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم)، فذكر الله للعبد بمثابة الحصن، فالشيطان يفر عند ذكر الله سبحانه وتعالى، ويقبل على العبد ويجثم على صدره إذا هو غفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى.

    ومن الحروز:

    التعوذات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98] وقراءة المعوذتين مع سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]وقراءة الآيتين -الأخيرتين- من سورة البقرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ هاتين الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه)

    قال فريق من العلماء: كفتاه من الشيطان، وقيل: كفتاه عن قيام الليل، وثم أقوال أخر، ومن ذلك قول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، إذا نزلت منزلاً، وقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاثاً صباحاً وثلاثاً مساء، فلا يضرك شيء حتى تمسي وحتى تصبح.

    ومن الحروز:

    صلاة أربع ركعات أول النهار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يا ابن آدم! اركع لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره،).

    وادفع الوساوس عن إخوانك فلا تقف في مواقف الشبهات، فإنها يدخل منها إبليس إلى قلوب إخوانك فيظنون بك ظن السوء، ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً مع صفية بنت حيي فرآه رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا أو قال شيئاً).

    ومن الحروز:

    الانتهاء عن الاسترسال في الفكر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ حتى يقول له: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فإذا بلغ ذلك أحدكم فليستعذ بالله، ولينته)، وفي رواية (فليقل: اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4])

    ومن الحروز:

    أن تمسح على صدرك وتقول باسم الله (ثلاثاً)، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر (سبعاً)، وقد جاء عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه وجعاً يجده في صدره منذ أسلم، فقال: (ضع يدك على الذي تألم، وقل: باسم الله (ثلاثاً)، وأعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر (سبعاً)).

    ومن الحروز:

    سجود السهو حتى لا يسترسل معك الشيطان بعد ذلك، ويفسد عليك عبادتك، قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا سها أحدكم في صلاته فليسجد سجدتين قبل أن يسلم)وفي بعض الروايات أنه سجدها بعد أن سلم صلى الله عليه وسلم، وقال: (كانتا ترغيماً للشيطان)

    فذكر الله عند الدخول وعند الخروج، ومسح الجسد باليد بعد قراءة المعوذات، هذه كلها حروز نافعة بإذن الله، ولا تحتاج معها أن تذهب إلى من يعالج، ويخلط الرجال بالنساء، ولا غير ذلك.

    وفقنا الله لما يحبه ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756402400