إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (543)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    مذهب أهل السنة في الرجاء والخوف

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى لقاء طيب مبارك يجمعنا بسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.

    مع مطلع هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ عبد العزيز فأهلاً ومرحباً سماحة الشيخ.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: وفيكم.

    ====

    السؤال: سماحة الشيخ! هذا سائل من الجزائر رمز لاسمه بـ (أ. أ. أ) يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فمذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف الإيمان بذلك والاستقامة عليه، فإن المؤمن يعبد الله وحده ويخلص له العبادة، وهو مع ذلك يرجوه ويخافه، يرجو رحمته فيسارع إلى مراضيه، ويخاف عقابه فيبتعد عن مساخطه ومناهيه سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه في عباده الصالحين من الرسل وأتباعهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] فقوله: (رغباً): هذا رجاء، و(رهباً) يعني: خوفاً، هذه صفة أهل الإيمان من الرسل وأتباعهم أنهم يعبدون الله ويدعونه عن إخلاص له، وعن محبة وتعظيم، وعن رغبة ورهبة يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57].

    فالواجب على كل مؤمن أن يكون مخلصاً لله، مؤمناً به، موحداً له سبحانه، يرجو رحمته ويخشى عقابه جل وعلا، وقال في الآية الأخرى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء:57] فهذه صفة المؤمنين، التقرب إلى الله بطاعته؛ من الإخلاص وأداء الفرائض وترك المناهي، مع الخوف منه جل وعلا، ورجاء رحمته وإحسانه سبحانه وتعالى.

    أما المرجئة فغلبوا جانب الرجاء وتساهلوا بجانب الخوف، والمعتزلة والجهمية وأشباههم غلبوا جانب الخوف وفرطوا في جانب الرجاء، وأهل السنة والجماعة ضد ذلك، يؤمنون بهذا وهذا؛ يرجون رحمته ويوحدونه ويسارعون إلى مراضيه مع الخوف منه سبحانه والحذر منه، ويقولون: من مات على معصية وهو موحد مخلص لله مؤمن لكنه مات على معصية من المعاصي لا يستحلها، مات على الزنا وهو زاني ما تاب، مات وهو يشرب الخمر، مات وهو عاق لوالديه، مات وهو يأكل الربا، أو نحو هذا من المعاصي لكن لا يستحل ذلك، يعلم أنه عاصي، فهذا تحت مشيئة الله عند أهل السنة، إن شاء غفر له وأدخله الجنة برحمته وإحسانه، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة برحمته وإحسانه جل وعلا، ولا يخلد في النار إلا الكفار الذين بطلت أعمالهم لكفرهم وضلالهم، هؤلاء هم المخلدون في النار، كما قال الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ما دون الشرك من المعاصي تحت المشيئة، يغفره لمن يشاء من عباده لأعمال صالحة وتقواه لله أو بشفاعة الشفعاء كالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والملائكة والأفراط، أو بمجرد رحمته وعفوه وفضله سبحانه وتعالى من غير شفاعة أحد.

    هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، الإيمان بالله والإخلاص له والاستقامة على دينه مع المحبة العظيمة مع الرجاء والخوف، خلافاً للمرجئة وخلافاً للوعيدية المعتزلة وغيرهم.

    والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يسير على منهج السلف الصالح، وأن يعبد الله وحده عن إيمان وعن صدق وعن إخلاص وعن رجاء وخوف، يؤدي فرائض الله ويحذر محارم الله، وهو لا يأمن من مكره بل يخافه ويرجوه، قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام، فهو مع كونه مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع كونه سيد ولد آدم ومع كونه أفضل الناس وأكمل الناس إيماناً مع هذا يخاف الله ويرجوه، بل يقول: (إنه أخشى الناس لله) ويقول: (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام، ولهذا يقول السلف: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، كل ما زاد علم العبد بالله وبأسمائه وصفاته زاد خوفه من الله، وزاد تعظيمه له، وزاد رجاؤه له، وزاد ثباته على الحق واستقامته عليه وحذره من خلافه.

    1.   

    السبع الموبقات التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها

    السؤال: في فقرته الثانية يقول هذا السائل (أ. أ. أ) من الجزائر: ما هي السبع الموبقات، وهل صاحبها يدخل النار؟

    الجواب: السبع الموبقات بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، رواه الشيخان: البخاري و مسلم في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات -يعني: المهلكات- قلنا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أعظمها الشرك، هو المهلك الذي ليس معه رجاء إذا مات عليه الإنسان، وكانت له النار مخلداً فيها أبد الآباد، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] وقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] وقال تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة:17].

    والسحر من الشرك؛ لأنه عبادة للجن واستعانة بالجن في إضرار الناس، والساحر: هو الذي يتعاطى ما يضر الناس بواسطة الجن وعبادتهم من دون الله، فتارة يتعاطى ما يضرهم من أقوال وأعمال ونفث في العقد، وتارة بالتخييل حتى يرى الشيء على غير ما هو عليه، فالساحر تارة يعمل أشياء تضر الناس بواسطة الجن وعبادتهم من دون الله، من أقوال وأعمال ونفث في العقد، كما قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] وتارة بالتخييل، حتى يرى الأمور على غير ما هي عليه، فيرى الحبل حية، ويرى العصا حية، ويرى الحجر بيضة، ويرى الإنسان على غير ما هو عليه وما أشبه ذلك، فهو من جملة الكفرة.

    والواجب على ولي أمر المسلمين وأمير المسلمين متى ثبت السحر عند المحكمة وجب قتل الساحر، ولا يستتاب بل يقتل؛ لأن شره عظيم.

    وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه كتب إلى أمرائه في الشام وغيره: أن يقتلوا كل ساحر وساحرة. لعظم شرهم وخطرهم.

    أما قتل النفس التي حرم الله فذلك جريمة عظيمة، يقول الله فيها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] قتل النفوس من أعظم الجرائم لكنه كبيرة دون الشرك، من جنس المعاصي التي هي كبيرة، كالزنا والسرقة ونحو ذلك، ليس بكافر إلا أن يستحل ذلك، ولهذا قال في حقه سبحانه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] خالداً فيها إن استحل ذلك، وإن لم يستحل فهو خلود مؤقت له نهاية، خلود أهل المعاصي خلود مؤقت له نهاية، أما خلود الكفار فليس له نهاية، يقول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) بالحق، قتله بالحق؛ زاني محصن يرجم، إنسان قتل نفساً بغير حق وهو مكافئ له يقتل، وجد منه ما يوجب قتله يقتل، كقطع الطريق الذي يقطع الطريق، يعني: يتعرض للناس بأخذ أموالهم في الطرقات أو ضربهم أو قتلهم يقتل؛ لشره وعظم شره.

    الرابع: أكل الربا، يتعاطى الربا المحرم الذي حرمه الله وقال فيه جل وعلا: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] فأكل الربا من الكبائر، فالواجب الحذر منه، والربا أنواع: ربا نسيئة، وربا فضل.

    ربا الفضل: مثل بيع الدرهم بدرهمين، صاع من الحنطة بصاعين من الحنطة، هذا ربا فضل، صاع من الرز بصاعين من الرز، يعني من جنسه، هذا ربا فضل لا يجوز.

    ربا النسيئة: مثل الذي يبيع صاعاً من الحنطة بصاعين من الشعير مؤجلاً: بعد يوم أو بعد يومين، يعني: لا يقبض إلا بعد المجلس، هذا ربا نسيئة، يبيع مائة دولار بمائة جنيه مثلاً ولكن لا تقبض في المجلس، هذا يسمى ربا النسيئة، يبيع مثلاً: صاع بر بصاعين شعير من غير تقابض، هذا يسمى ربا نسيئة، أو يبيع مثلاً: عشرة دولارات بعشرين دولاراً إلى أجل، فهذا ربا نسيئة مع ربا الفضل أيضاً، هذا الربا، وهو من أكبر الكبائر.

    الخامس: أكل مال اليتيم، وهو: الذي مات أبوه وهو صغير دون البلوغ، يسمى يتيماً، الواجب الإحسان إليه وحفظ ماله وتنميته والإصلاح فيه، فالذي يفسد مال اليتيم ويأكل ماله بغير حق في هذا الوعيد الشديد؛ لأنه ضعيف يتعدى عليه ويأكل ماله، هذا متوعد بهذا الوعيد الشديد وليس بكافر لكنه عاصي إذا لم يستحل ذلك.

    السادس: التولي يوم الزحف، عندما يلتقي المسلمون بالكفار ينهزم ويترك إخوانه، يوم زحف الكفار على المسلمين أو زحف المسلمين على الكفار، الذي ينهزم ويترك إخوانه متوعداً بهذا الوعيد الشديد، إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ [الأنفال:16] إلا إذا تأخر ليحضر سلاحه ويلبس درعه استعداداً للقتال فهذا لا يضره، أو منتقل من فئة إلى فئة، ينتقل من صف إلى صف أو من جماعة إلى جماعة لمكيدة العدو.

    السابع: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، الذي يقذف المحصنات المؤمنات الغافلات بالزنا، يقول: فلانة زانية، فلانة تدعو إلى الزنا وهو كاذب، هذا من السبع الموبقات يستحق إنه يجلد ثمانين جلدة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4] قذف المحصنات كبيرة من الكبائر، وهكذا المحصن من الرجال، لكن لما كان الغالب قذف النساء جاء في الحديث النساء، وإلا فهكذا. لو قذف المحصن من الرجال قال: إنه يزني فعليه أن يأتي بأربعة شهداء وإلا يجلد ثمانين جلدة.

    هذه السبع الموبقات، يعني: المهلكات، لشدة خبثها، نسأل الله العافية.

    1.   

    حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الصلاة

    السؤال: هذا السائل يقول في هذا السؤال: هل رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات المكتوبة أو النوافل جائز أم لا؟ وإذا كان متى يجوز ذلك، مأجورين؟

    الجواب: رفع الأيدي في الدعاء مستحب، من أسباب الإجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) يعني: خاليتين، فيستحب رفع اليدين في الدعاء إذا دعا ربه في بيته أو في السفر أو في أي مكان، يرفع يديه ويدعو، ويجتهد ويلح في الدعاء، هذا من أسباب الإجابة.

    ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له!) يعني: بعيد أن يستجاب له ولو مد يديه، ولو ألح بالدعاء مع تعاطيه الحرام وتلبسه بالحرام في مأكله ومشربه ونحو ذلك.

    يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن رفع اليدين من أسباب الإجابة، وهكذا الإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة، لكن قد يوجد مانع وهو الأكل الحرام، فأكل الحرام من أسباب حرمان الإجابة، وهكذا الغفلة عن الله والإعراض عن الله، وكثرة المعاصي من أسباب حرمان الإجابة، ولكن لا يرفع في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يتأسى به في الفعل والترك، فهو الأسوة كما قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21] فكما أننا نتأسى به في الفعل نتأسى به في الترك، رفع يديه لما استسقى في المنبر يوم الجمعة لما سأل الله الغيث، ورفع يديه في خطبة الجمعة على المنبر، نرفع يدينا إذا استغثنا، نطلب الغيث، نطلب المطر، يرفع يديه الإمام والمأمومون يرفعون أيديهم يدعون الله، ويؤمنون على دعاء الإمام، هكذا إذا دعا بينه وبين نفسه.. في بيته.. في آخر الليل.. في الضحى.. في أي وقت يدعو ويرفع يديه، أو بعد صلاة النافلة إذا صلى بعض الأحيان دعا ربه بعد صلاة النافلة، الضحى، في الليل، أو في أي وقت، لكن في صلاة الفريضة لا يرفع يديه إذا سلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرفع يديه في الفريضة، لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الفرائض، فنحن لا نرفع، نتأسى به عليه الصلاة والسلام، وهكذا في خطبة الجمعة إذا دعا لا يرفع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يرفع في دعاء الجمعة إلا إذا استسقى خاصة، فإذا دعا في خطبة الجمعة أو خطبة العيد لا يرفع؛ لأن النبي لم يرفع عليه الصلاة والسلام، وإذا سلم من الفريضة؛ الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب والعشاء لا يرفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما يرفع، وهكذا بين السجدتين، دعاء بين السجدتين لا يرفع يديه فيه، وهكذا في آخر الصلاة قبل أن يسلم لا يرفع يديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرفع في هذه المواضع، فلما ترك نترك، تأسياً به عليه الصلاة والسلام، لكن لو جلس الإنسان في بيته الضحى ثم دعا ورفع يديه أو في الليل ورفع يديه أو في أي وقت، تذكر حاجة ورفع يديه فهذا لا بأس، لكن المواضع التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيها لا نرفع فيها، مثلما مثل: بين السجدتين، الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، الدعاء في خطبة الجمعة، خطبة العيد، لكن في دعاء الاستسقاء نرفع أيدينا، بعد صلاة الفريضة إذا سلم من الفريضة ودعا لا يرفع يديه، يدعو بينه وبين نفسه بعد الذكر، إذا دعا بعد الذكر بينه وبين نفسه، لا بأس، لكن لا يرفع يديه؛ لأن الرسول لم يرفع عليه الصلاة والسلام.

    والواجب على أهل الإيمان التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في أعماله، وأقواله، وفي فعله وتركه عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    كيفية بر المسافر لوالديه

    السؤال: المستمعة التي رمزت لاسمها بـ ( م. م ) تقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ! كيف نكون بارين بوالدينا ونحن نعيش في بلد وهم في بلد آخر؟ وإذا كان الوالد أو الوالدة يصلون، ولكنهم لا يحافظون عليها في وقتها أو يصلونها بسرعة جداً، فماذا علينا ونحن بعيدين عنهم؟

    الجواب: على الولد النصيحة لوالديه وبرهما حسب الطاقة، لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] إن كان حاضراً بالكلام الطيب والفعل الطيب، وإن كان غائباً بالمكاتبة أو بالهاتف -التلفون-، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ينصح، يسلم عليه، يدعو له، في الكتابة، في التلفون، وإذا حضر يدعو له، ويشكره على أعماله الطيبة، وإذا رأى منه تقصيراً في الصلاة أو غيرها نصحه بالعبارة الطيبة وبالرفق، كما قال الله جل وعلا: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15] ثم قال بعده: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] وهما كافران، قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] فأمر الولد أن يصحب أبويه بالمعروف وإن كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين!

    فالواجب على الولد ذكراً كان أو أنثى أن يتقي الله وأن يبر والديه بالفعل والقول، إن كانا فقيرين وهو قادر أنفق عليهما، وإذا أمراه أطاعهما في المعروف، وإذا دخل عليهما سلم عليهما واحترمهما ودعا لهما، وإذا كانا غائبين راسلهما بالمكاتبة أو من طريق الهاتف، يدعو لهما ويسلم عليهما.. وهكذا، يجتهد في أنواع الخير، وإذا كانا محتاجين أنفق عليهما وهو قادر؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وقال رجل: (يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب) وفي رواية، قال: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) فالمؤمن يجتهد في بر والديه ويخص الأم بمزيد عناية، ثم الأقرب فالأقرب، من أولاده وإخوته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، ثم الأقرب فالأقرب.

    1.   

    ضرورة الاعتناء بالقرآن والعلوم الشرعية

    السؤال: السائلة تقول: زوجي لا يهتم بتعلم العلوم الشرعية، وليس عنده وقت للقراءة فماذا أفعل معه؟ مع أنه يحافظ على الصلوات في أوقاتها ويقوم بما نحتاجه، ونحن نشكره على ذلك ولكن نريد له الخير (من أراد الله به خيراً فقهه في الدين) فبماذا تنصحونه جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: ننصحه أن يجتهد في قراءة القرآن والتدبر لآيات الله حتى يستفيد، كما قال الله جل وعلا: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] ويقول سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] ويقول سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9] ويقول سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44] ويقول سبحانه: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155] فأنا أنصحه وأنصحك أيضاً أن تكثري عليه النصيحة بالرفق، أن يعتني بالقرآن وأن يكثر من تلاوته بتدبر في الأوقات المناسبة، وأن يحضر مجالس العلم وحلقات العلم عند أهل العلم عند العلماء المعروفين بالخير، وأن يقرأ الكتب المفيدة حتى يستفيد منها، مثل: بلوغ المرام للحافظ ابن حجر ، مثل: عمدة الحديث للحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي، مثل: رياض الصالحين للحافظ النووي، يستفيد من هذه الكتب، مثل: الترغيب والترهيب للمنذري، يستفيد من هذه الكتب؛ كتب الحديث.

    وهكذا يقرأ كتب العقيدة مثل: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فتح المجيد شرحه للشيخ عبد الرحمن بن حسن، مثل: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، يقرأ هذه الكتب حتى يستفيد، يجتهد في تخصيص وقت في الليل أو في النهار لهذه الكتب وللقرآن الكريم.

    وأنت أوصيك بالتعاون معه بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، تنصحينه وتشيرين عليه بالخير، وتحضرين الكتب التي يريدها إذا كان مشغولاً، وهكذا تعينينه على كل خير، وإذا كان هناك له أب جيد أو أخ إن كان أكبر منه أو عم، تقولين له لعله ينصحه ويشير عليه بما ينفعه، وأنت كذلك لكن بالأسلوب الحسن ولا تغفلي، دائماً التذكير والكلام الطيب والمشورة الطيبة، وبالعبارة الحسنة والأسلوب الحسن، جزاك الله خيراً.

    1.   

    حكم التأخر في رد العارية

    السؤال: تقول في سؤال لها: إذا استعار الشخص أشياء ولم يردها في الوقت المحدد، أو إذا لم يردها وتساهل فيها وأهلها يحتاجون إلى هذه العارية، فهل عليه إثم في ذلك؟

    الجواب: إذا كانت مؤقتة يجب عليه أن يردها بعد انتهاء الوقت ويأثم إذا ترك، إذا أعطوه مثلاً: السيارة ليوم أو يومين عارية يردها بعد المدة، أو أعطوه أشياء أخرى يستفيد منها يردها بعد الوقت الذي حددوه، ولا يجوز له التساهل في هذا الشيء؛ لأن هذا ظلم، إذا تساهل ظلم، ومن أسباب سوء الحال بين الجيران و بين الأصحاب، وإذا تعدى على العارية ضمنها.

    المقصود أن عليه أن يعتني بالعارية وأن يصونها، وأن يردها في الوقت المحدد، وإذا كان ما حدد الوقت، إذا قضى حاجته بادر بردها.

    المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم المسلمين.

    أيها الإخوة المستمعون الكرام! أجاب عن أسئلتكم سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.

    في ختام هذا اللقاء نشكر سماحة الشيخ على تفضله بإجابة السادة المستمعين، وفي الختام تقبلوا تحيات الزملاء؛ من الإذاعة الخارجية: فهد العثمان ، ومن هندسة الصوت: سعد عبد العزيز خميس ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767478697