إسلام ويب

المراقبةللشيخ : عمر عبد الكافي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • درجة المراقبة من أعلى درجات الإيمان، فبها يسمو العبد، وترقى النفس، ويصفو القلب، ويستيقظ الضمير، وصاحبها حيي خائف مشفق وجل من الله عز وجل، وهي عنوان النجاة عند الله يوم القيامة؛ إذ إنها تبعث على التقوى والعمل الصالح، وتجنب كل ما يغضب الله جل جلاله.

    1.   

    المراقبة من مراتب الهداية

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وبعد:

    فمن مراتب الهداية: مراقبة الخالق، ومراقبة الجوارح، ومراقبة الأعمال.

    ومراقبة الخالق هي درجة الإحسان، وهي أعلى درجة في الإيمان، فهناك درجة الإسلام، وأعلى منه الإيمان، وأعلى منه الإحسان، وهو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

    فهذه درجة الإحسان، وهي أول درجة من درجات المراقبة، ولو كانت هذه الدرجة موجودة عندنا في العالم الإسلامي لما عصى أحد ربه؛ لأنه يرى أن الله مطلع عليه.

    1.   

    حياء الصحابة رضي الله عنهم ومراقبتهم لله تعالى

    يقال: إن الصديق رضي الله عنه كان إذا جلس في الحجرة وحده لا يتخفف من ثيابه كلها، فسألته أمه: لم يا أبا بكر ؟! قال: لأني أرى ربي ينظر إلي. فكان يستحي.

    وسيدنا عثمان رضي الله عنه عاش سنة مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمدحه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (والله لقد عاش سنة معي ما سمعت خشخشة مائه في الطست)، يعني: أن سيدنا عثمان كان إذا أراد الاغتسال أو الوضوء لا يتوضأ في الغرفة، بل يذهب إلى البقيع ليغتسل أو يتوضأ؛ حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقد دخل أبو بكر رضي الله عنه والرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ وركبته مكشوفة، ودخل عمر رضي الله عنه، فلما دخل عثمان رضي الله عنه غطى الرسول صلى الله عليه وسلم ركبته، فقالوا: لم صنعت هذا عندما دخل عثمان يا رسول الله؟! قال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه ملائكة السماء).

    تنبيه: يقول العلماء: ليس هناك داع لأن نقول: سيدنا محمد في الصلاة، ولا بأس أن نقول ذلك خارج الصلاة فهو سيدنا صلى الله عليه وسلم، وأما داخل الصلاة فلا سيد مع الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وصلوا كما رأيتموني أصلي)، وكان يقول في التشهد: (اللهم صل على محمد)، فلنصل كما كان يصلي عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    نصيحة الحسين رضي الله عنه للعاصي

    إن مسألة المراقبة مسألة مهمة، فهذا سيدنا الحسين رضي الله عنه جاءه رجل وقال له: كلما أتوب أرجع، يعني: أتوب من الغيبة ثم أرجع، وأتوب من النميمة ثم أرجع، وأتوب من أكل الحرام ثم أرجع، وكلنا مثل هذا الرجل.

    فقال له سيدنا الحسين رضي الله عنه: عليك بخمسة أشياء: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه.

    قال: كل مكان يراني فيه.

    وأحد الشباب ذهب إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال له: أذنبت ذنباً، قال له: (أما علمت أن الله قد كان يراك، قال: أوقد كان يراني؟ أوقد كان يراني؟ أوقد كان يراني؟ ثم خرجت روحه. فغسله الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه، وكفنه وصلى عليه ولحده في قبره، وقال: اللهم إني أمسيت عنه راضياً اللهم فارض عنه. قال ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب ذلك القبر). فهذا شديد الخوف من الله.

    ولو أن صاحب قصر جاء بمن يعمل له في القصر عملاً وذهب هو، فانقسم العمال ثلاثة أقسام: قسم ذهب ونام، لأن صاحب الشغل ليس موجوداً، والقسم الثاني: كانوا يشتغلون قليلاً وينامون قليلاً، والقسم الثالث قالوا: نحن نحلل القرش الذي نأخذه، ونعمل الذي علينا لإرضاء الله، ثم في ساعة الحساب اكتشفوا أن صاحب القصر لم يمش وإنما كان مختبئاً في غرفة في الداخل ينظر إليهم، فكيف سيكون حال الذي لم يشتغل؟ ولله المثل الأعلى، فربنا أنزلنا إلى الأرض للعمل، وأخبرنا أنه مطلع علينا ومراقب لنا في كل وقت.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي زمان على أمتي يمر الرجل بقبر أخيه فيقول: يا ليتني كنت مكانه) أي: ولم أنظر إلى هذه البلايا، مثل: ولد يطرد أمه، أو ابن يأخذ أباه إلى دار المسنين. نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الابتلاءات كلها، وألا تكون بليتنا أو مصيبتنا في الدين، آمين يا رب العالمين!

    قال الحسين: فإن أنت لم تعمل هذه فإن أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله.

    وهذا مثل الأب الذي يقول لابنه: كيف أصرف عليك وأتعب أنا وأمك من أجلك ثم تعصينا! فما بالك بالذي يغذيك الحياة كلها؟!

    ثم قال: والثالثة: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في ملك غير ملكه. فعيب عليك أن تعصيه في داخل ملكه، فكن مؤدباً، ونحن ضيوف على الله في أرضه، فلابد أن نعمرها كما أراد، قال تعالى: هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61]. وتعمير الأرض يكون بطاعة الله، وتخريبها بمعصيته.

    فقال: هذه شديدة جداً، قال له: الرابعة: إذا أردت أن تعصي وجاءك ملك الموت فقل له: أخرني حتى أتوب. أي: لماذا أنت مستعجل علي؟ انتظر قليلاً حتى أتوب.

    وسيدنا موسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دخل بيته فوجد فيها رجلاً غريباً، فما كان من موسى عليه السلام إلا أن لطم الرجل على وجهه ففقأ عينه، فالرجل اختفى، فعلم موسى أن الزائر ليس من بني آدم وإنما هو ملك الموت، فلبث قليلاً ثم عاد فقال: من؟ قال: ملك الموت، فجلس موسى عليه السلام على الأرض، ولقاء الله ليس سهلاً يا إخواني! ولكن الناس فقط نائمة.

    وفي رواية مسلم : أن ملك الموت قال: (يا رب! أرسلتني إلى رجل يكره الموت)، وفي رواية الترمذي : (قال موسى: يا رب! هل رأيت حبيباً يسيء إلى حبيبه؟ قال: يا موسى! وأنت هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ يا ملك الموت! مر موسى أن يضع يده على جلد الثور، وبعدد الشعرات التي تحت يديه نعطيه عن كل شعرة سنة زيادة، قال موسى: ثم ماذا بعد؟ قال: الموت. قال: فخذني الآن إلى ربي).

    قال الحسين : إن أردت أن تعصي الله وأتى لك ملك الموت فقل له: انتظر، قال: لا ينفع هذا.

    قال: والخامسة: إن أردت أن تعصي الله فإذا وقفت بين يديه يوم القيامة وقال: عبدي لم عصيتني؟ فقل: أنا لم أعصك يا رب! قال له: أكون كذاباً في الدنيا وأكذب على الله في الآخرة؟! أشهد الله أني قد تبت إليه توبة خالصة نصوحاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756025927