إسلام ويب

لقاء الباب المفتوح [10]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • افتتح الشيخ رحمه الله لقاءه بتفسير آيات من سورة النبأ، ونبه إلى بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار وأنهما مخلوقتان الآن، وأنهما أبديتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، ثم رغب في الجد والاجتهاد في طلب الجنة وعدم الإهمال في طلبها، ثم تفرغ للإجابة على الأسئلة.

    1.   

    تفسير آيات من سورة النبأ

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإننا نفتتح هذه الجلسة الأسبوعية الأولى، لشهر جمادى الأولى، الخميس الأول منه، الرابع عشر من الشهر، عام (1413هـ)، وكنا نتكلم على تفسير سورة النبأ حتى بلغنا إلى قوله تعالى: وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً [النبأ:20].

    تفسير قوله تعالى: ( إن جهنم كانت مرصاداً )

    ثم قال الله عز وجل: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً [النبأ:21] أي: مرصدة ومعدة للطاغين، وجهنم اسمٌ من أسماء النار التي لها أسماءٌ كثيرة، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها -أعاذنا الله وإياكم منها- وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن، فهي موجودة كما قال تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، و(رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف، ورأى فيها امرأةً تعذب في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار) -أي: أمعاءه-؛ وهو أول من أدخل الشرك على العرب.

    تفسير قوله تعالى: ( للطاغين مآباً)

    هذه النار يقول الله عز وجل إنها: لِلْطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:22] والطاغين جمع طاغٍ، وهو الذي تجاوز الحد؛ لأن الطغيان: مجاوزة الحد، كما قال الله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11] أي: زاد وتجاوز حده.

    وتجاوز الحد يكون في حقوق الله وفي حقوق العباد، أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم، وأما الطغيان في حقوق الآدميين، فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم، هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع في عدة مواضع، فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العباد هم أهل النار -والعياذ بالله-، ولهذا قال: لِلْطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:22] أي: مكان أوب، والأوب في الأصل الرجوع، كما قال تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30] أي: رجَّاع إلى الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (لابثين فيها أحقاباً)

    قال تعالى: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً [النبأ:23] أي: باقين فيها أحقاباً؛ أي: مدداً طويلة، وقد دلَّ القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها، وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحاً به في ثلاث آيات من كتاب الله:

    - في سورة النساء في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:168-169].

    - وفي سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [الأحزاب:64-65].

    - وفي سورة الجن في قوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23].

    فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبداً فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة : أن النار والجنة مخلوقتان لا تفنيان أبداً، ووجد خلافٌ يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار، وزعموا أنها غير مؤبدة، واستدلوا بحججٍ هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى؛ فهو خلافٌ لا معول على المخالف فيه ولا على قوله.

    والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالةً صريحة لا تحتمل التأويل، والآيات كما سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ ولا الاحتمال، أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر، وأخبار الله عز وجل لا تنسخ، وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحدهما: إما تعمداً من المخبر، أو جهلاً بالحال، وكل ذلك ممتنع في خبر الله، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم المبني على الوحي.

    المهم أيها الإخوة! أنه يجب علينا أن نعتقد أمرين:

    الأمر الأول: وجود الجنة والنار الآن. وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة، منها قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران:133] والإعداد التهيئة، وهذا الفعل (أُعِدَت) فعل ماضٍ يدل على أن الإعداد قد وقع، وكذلك قال الله تعالى في النار: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ آل عمران:131] والإعداد تهيئة الشيء، والفعل هنا ماضٍ يدل على وقوع، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة ورأى النار.

    الأمر الثاني: اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبداً، أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها، كما قال تعالى: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها، ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فقوله تعالى: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً [النبأ:23] لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة، أي: إلى أمدٍ ثم تنتهي، بل المعنى: أحقاباً كثيرة لا نهاية لها.

    تفسير قوله تعالى: ( لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً )

    قال تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً [النبأ:24] نفى فيها البرد الذي تكون به برودة ظاهر الجسم، والشراب الذي تكون به برودة داخل الجسم، وذلك لأنهم -والعياذ بالله- كما قال الله تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29].

    وهل الماء الذي كالمهل وإذا قُرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه؟

    الجواب: لا. بل بالعكس وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:47-48] وقال الله تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:19-20] ما في بطونهم من الأمعاء والجلود ظاهر الجسم، فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يُطفئ حرارة بطونهم.

    ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف: (عجبت للنار كيف ينام هاربها، وعجبت للجنة كيف ينام طالبها). إننا لو قال لنا قائل: إن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة، لكنا نسير على أهداب أعيينا ليلاً ونهاراً؛ لنصل إلى هذه الجنة التي بها هذا النعيم العظيم، والتي نعيمها دائم لا ينقطع، وشباب سكانها دائم لا يهرم، وصحته دائمة ليس فيها سقم، وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهماً من الدنيا أو ديناراً، قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به، فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة، وهذا الموقف من الهرب من النار؟!

    نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.

    وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا الله وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم.

    1.   

    الأسئلة

    معاني كلمة (كان)

    السؤال: فضيلة الشيخ: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً [النبأ:21]، كثيراً ما ترد كلمة (كان) وفي السنة: (من ذبَّ عن عرض أخيه كان حقاً على الله أن يعتقه من النار)، فما معاني هذه الكلمة؟

    الجواب: الجواب على ذلك أن (كان) تارة يراد بها الزمان الماضي مثل أن تقول: (هذا الرجل كان مريضاً فبرئ) وتارة يراد بها تحقق الخبر، مثل قوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:96] هل معنى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:96] كان فيما مضى والآن ليس كذلك؟ لا، لكن المراد تحقق هذا الخبر والوصف، وكذلك قوله تعالى: كَانَتْ مِرْصَاداً [النبأ:21]، يمكن أن يراد بها هذا المعنى أي تحقق كونها مرصاداً، ويمكن أن يكون المراد بها حقيقة الزمن، أي كانت من الآن ومن قبل الآن مرصاداً للطاغين.

    حكم بيع المحرمات

    السؤال: شاب قد هداه الله سبحانه وتعالى وعند أبيه بقالة، وهذه البقالة تحتوي على بعض المنكرات كبيع دخان وصور، وقد قام بالنصح لأبيه، ولكن أباه يحتج ويقول: ما دامت الحكومة أدخلت هذا، والناس يبيعون هذا، هذا ليس فيه شيء، وأبوه كبير في السن، وطبيعة الحال أن بعض كبار السن لا يتقبلون النصح من أولادهم إلا قليلاً، ما توجيهكم بارك الله فيكم؟

    الجواب: أولاً: نهنئ هذا الشاب الذي هداه الله فالتزم؛ لأن أكبر نعمة يمن الله بها على العبد أن يهديه ويوفقه لالتزامه شريعة الله، فإن هذا خيرٌ له من كل نعيم الدنيا.

    ثانياً: نوجه النصيحة لأبيه، ولا سيما وهو في آخر عمره أن يتقي الله عز وجل، وأن يخشاه ويعلم أن رزق الله لا يجلب بالمعاصي، وأن الرزق الذي يأتي بالمعصية رزق لا خير فيه ولا بركة، بل إنه وبالٌ على صاحبه، وقد جاءت السنة بالتحذير الشديد من الكسب الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!).

    هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأنى يستجاب له) (أنى) هنا استفهام بمعنى: الاستبعاد، أي: يبعد أن الله عز وجل يستجيب لهذا الرجل الذي يأكل الحرام، وكذلك جاء في حديث ابن مسعود : (من اكتسب مالاً -أي: حراماً- فإنه إن تصدق به فلن يقبل منه، وإن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن خلفه كان زاده إلى النار).

    وأرجو من أخينا الشيخ الكبير أبي هذا الملتزم أن يقبل منا هذه النصيحة وهذه الهدية، فإننا لم نسقها له إلا من أجل مصلحته ومصلحة أولاده من بعده.

    أما بالنسبة للشاب الذي يأمره أبوه أن يتولى البيع في هذه البقالة التي فيها ما هو محرم، فإني أقول له: لا تطع أباك في هذا، اجلس في البقالة وبع الشيء المباح ولا تبع الشيء المحرم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

    وأما قول أبيك لك: إن هذا شيء لا بأس به؛ لأن الحكومة قد أذنت فيه وسمحت به، فإني أقول:

    أولاً: العبرة بما في الكتاب والسنة، لا بعمل الحكومة ولا بعمل الناس؛ لأن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] إن تنازعتم حتى مع أولي الأمر فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59]، وهذه الحجة لا تنفعه يوم القيامة عند الله؛ لأن الله يقول: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] ولا تنفع غيرهم في الدنيا عند العقلاء من الناس المؤمنين بالله؛ لأن كل مؤمن لا يمكن أن يقبل عمل الناس أو عمل ولاة الأمور حجةً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا حجة لأبيه في هذا.

    ويُخشَى أن يكون من يحتج بعمل الحكومة مشابهاً لمن قال الله فيهم: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:166-167]، وخلاصة الجواب أربعة أشياء:

    أولاً: تهنئة هذا الذي مَنَّ الله عليه بالالتزام.

    ثانياً: نصيحة الأب بترك هذا العمل المحرم.

    ثالثاً: أن الابن إذا أمره أن يبقى في هذا المكان في هذا الدكان فإنه يبيع الحلال ولا يبيع الحرام.

    رابعاً: أن المرجع في الأحكام الشرعية ليس إلى إقرار الحكومة أو عدم إقرارها، أو عمل الناس أو عدم عملهم، وإنما المرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    خروج عصاة الموحدين من النار

    السؤال: هل الإنسان يخلد في النار ولو كان في قلبه مثقال حبة خردل من الإيمان؟

    الجواب: لا. الذي في قلبه إيمان لا يخلد في النار، بل آخر أمره أن يخرج من النار إما بالشفاعة أو بفضل الله ورحمته ويدخل الجنة.

    حكم العمل خارج وظيفة الدولة

    السؤال: بالنسبة للموظف الذي لا يكفيه راتبه في مصاريفه الخاصة هل يجوز له العمل بآخر؟

    الجواب: الموظف الذي لا يكفيه راتبه لشئونه الخاصة يجوز له أن يعمل العمل الذي لا تمنع منه الحكومة أو يمنع منه النظام.

    السائل: النظام يمنع السجل التجاري لعمل مؤسسة؟

    الشيخ: إذا كان النظام يمنع فإنه لا يجوز له أن يفتح لا باسمه ولا باسم مستعار؛ لأن الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] ويقول تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34]. والموظف تقدم للعمل في الحكومة وهو يعلم أن هذا مشروط على كل موظف، فيكون دخوله في الوظيفة التزاماً منه بألا يفتح سجلاً تجارياً أو يشتغل بتجارة.

    قد يقول بعض الناس: الحكومة ليس لها حق أن تمنع من ابتغاء رزق الله؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] فأباح الله لنا أن ننتشر في الأرض ونبتغي من فضل الله بعد صلاة الجمعة، فكيف تمنعنا الحكومة من ذلك؟ ا لجواب: نقول له: الحكومة لم تمنعك لكنها قالت: لا أدخل معك في عقد إلا بهذا الشرط، وهذا الشرط مباح، أعني: تركه للتجارة مباح، فإذا كان مباحاً والتزم الإنسان بتركه وفاءً بعهده للحكومة صار هذا جارياً على القواعد الشرعية.

    فنقول لهذا الموظف: أنت بين ثلاثة أمور:

    - إما أن تدع الوظيفة وتفتح السجل التجاري.

    - أو تدع السجل التجاري وتبقى في عملك.

    - أو تستأذن من الحكومة وتبين لها حاجتك، وربما إذا بينت لها حاجتك وأن راتبك قليل ومتطلبات حياتك كثيرة ربما تسمح لك.

    حكم الذهاب للجهاد في البوسنة والهرسك

    السؤال: فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن أراد أن يذهب إلى البوسنة والهرسك مع التوضيح؟

    الجواب: أرى في الوقت الحاضر ألا يذهب إلى ذلك المكان؛ لأن الله عز وجل إنما شرع الجهاد مع القدرة، وفيما نعلم من الأخبار، والله أعلم، أن المسألة الآن فيها اشتباه من حيث القدرة، صحيح أنهم صمدوا، ولكن لا ندري حتى الآن كيف يكون الحال، فإذا تبين الجهاد واتضح حينئذٍ نقول: اذهبوا؛ لأن في ذلك خيراً، أما الآن والمسألة وهمية لا نستطيع أن نقول للناس: اذهبوا.

    المنهجية المثلى في طلب العلم

    السؤال: فضيلة الشيخ أحسن الله إليك: ما رأيك فيمن يقول: إن طلب العلم في قراءة الكتب فقط، ولا يتعلق ذلك بالعلماء الأفاضل وإنه يقول: إذا عارضتني مسألة من المسائل أبحث فيها، وبعد ذلك إن لم أستطع فأردها إلى المشايخ، مع العلم أنه ليس عنده العلم الذي يعينه على ذلك، أفتونا مأجورين؟

    الجواب: الغالب في الأمور أن الناس يكونون فيها طرفين ووسطاً، فهذا القول الذي قاله الأخ يعارض بقول من قال: (من كان شيخه كتابه فخطأه أكثر من صوابه)، فمن الناس من يقول: إنه لا طريق إلى العلم إلا بالتعلم من معلم.

    ومن الناس من يقول: بل هناك طريق إلى العلم وهو التلقي من الكتب.

    والصواب: أن الطريقين صحيحان، التلقي من الكتب والتلقي من أفواه العلماء، ولكن لا بد من شرطٍ أساسي في هذين الأمرين: وهو أن يكون المؤلف موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته.

    وكذلك نقول في المعلِّم: لا بد أن يكون موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته، ولكن تلقي العلم من أفواه العلماء أيسر وأضبط وأسرع؛ لأن العلماء كالطباخين الذين جهزوا لك الطعام، بخلاف الذي يعاني طبخ الطعام، فإنه يشق عليه، وربما يأكله قبل أن ينضج، وربما يحرق قبل أن يأكله، فالتلقي من العلماء أيسر وأضبط، ولهذا نرى بعض الإخوة بل بعض العلماء الذين اعتمدوا في علمهم على قراءة الكتب فقط نرى عندهم أحياناً شطحات بعيدة جداً عن الصواب؛ لأنهم لم يتلقوا عن علماء ناضجين، لكن إذا لم تجد العالم الذي تتلقى من فِيه، فاقرأ الكتب، ثم إنه إذا قلنا: إنَّ التلقي من العالم أسرع وأحفظ، فلا يعني ذلك ألا يرجع الطالب إلى الكتب، بل يرجع إلى الكتب ولكن رجوعاً مقيداً بتوجيه العالم الذي يقرأ عليه.

    ممارسة الدعوة بإذن ولي الأمر

    السؤال: يوجد كثير من الشباب الذين قد بدءوا في طلب العلم وعندهم استعداد لإفادة الناس سواء كان في المساجد أو في الأماكن العامة، فيقولون: هل يقومون بتبليغ الدعوة لهؤلاء الذين يحتاجون لكلام الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أم ينتظرون حتى يكون عندهم إذن أو بطاقة من مكتب الدعوة؟

    الجواب: الذي أرى ألا يتكلموا فيما يمنع فيه الكلام إلا بإذن؛ لأن طاعة ولي الأمر في تنظيم الأمور واجبة، ونعلم أنه لو أذن للصغار الذين ابتدءوا طلب العلم بالكلام لتكلموا بما لا يعلمون، وحصل بذلك مفسدة واضطراب للناس ربما في العقائد فضلاً عن الأعمال البدنية، فمنع الناس من الكلام إلا بإذن وبطاقة ليس منعاً تاماً حتى نقول: لا طاعة لولاة الأمر في ذلك؛ لأن هذا منع لتبليغ الشريعة، لكنه منع مقيد بما يضبطه بحيث يعرف من هو أهل لذلك أو لا، وكما تعلمون الآن كل من تقدم إلى المسئولين لهذا الأمر وعلموا أنه أهل لذلك أعطوه إذناً، ولم نعلم أنهم قالوا لأحد تقدم وهو أهل لنشر العلم: لا تفعل، والأمر والحمد لله أمر يطمئن إليه الإنسان، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في موضعٍ يمنع فيه الكلام من جهة ولي الأمر إلا بإذن، مثلاً: في المساجد وفي الأماكن العامة، لكن بينه وبين إخوانه، في غرفته، في حجرته، هذا ما فيه بأس، لا يمنع منه أحد.

    نصيحة عامة لأفراد السكن العسكري

    السؤال: أنا عسكري برتبة عريف، وأسكن في السكن العسكري، ويضم عدداً كبيراً من العسكر من مختلف الرتب من رقيب وأسفل، وفيهم المصلي والملتزم، وفيهم المصلي فقط، ومنهم عدد كبير تارك للصلاة والعياذ بالله، وأنا إذا أنكرت عليهم بالحكمة يقولون: جزاك الله خيراً، بسخرية ولا ينفع معهم، وأنا كما ذكرت عريف صلاحيتي محدودة في عقاب الذي لا يصلي، ولا أعاقب إلا من هو دوني في الرتبة، أما من هو أرفع مني في الرتبة العسكرية لا أستطيع أن أجازيه، وإذا نصحته ربما لا يأبه بالنصيحة، مع العلم بأن العسكري فيه من المعاصي ما الله به عليم، ولا أريد أن أذكر أنواع المعاصي التي تكون في السكن العسكري، ومع هذا الفساد هناك أناس صالحون يعدون على الأصابع منهم من هو صالح في نفسه ولا يدري ما يدور من حوله، ومنهم من يدري ولكن لا يحرك ذلك ساكناً في نفسه، ومنهم كما ذكرت إنكاره محدود، وعندنا قائد في السرية إنسان متهاون جداً في الصلاة، ولكنه يحب الصالحين وهو متناقض في أقواله وأعماله، مع أنه يحث على الصلاة ويهدد الناس الذين يرتكبون المعاصي ويتركون الصلاة بالفصل أو تحويلهم إلى الشئون الدينية، فماذا يجب عليَّ في ذلك جزاك الله خيراً؟

    الجواب: هذا السؤال الطويل وهو سؤال عن قرية كاملة؛ لأن المجمع السكني يجمع أناساً تختلف أفكارهم وأهواؤهم وأعمالهم وأقوالهم، والناصح إذا نصح فليس من شرط النصيحة تقبل المنصوح، أرأيت الله يقول لموسى وهارون: اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:43-44] فقاما بأعباء الرسالة، ولكن هل تذكر أو خشي؟ لا، فلا يشترط في النصيحة أن تكون مقبولة إذا قام الإنسان بما يجب عليه من النصيحة، فقد أدى ما عليه قبل من وجهت إليه فهذا له وللناصح، وإن لم يقبل فللناصح وعليه، ولكن مع ذلك لا أعفي الملازمين ومن تحتهم من أن يناصحوا من فوقهم، فإن رأوا منهم تقبلاً وإلا فليرفع الأمر إلى من فوقهم أيضاً، إما مباشرةً وإما بواسطة من يبلغ إلى المسئولين الذين فوقه؛ لأن تولي غير الصالح للصالحين عكس وانقلاب، إذ أن الواجب أن الصالح هو الذي يكون له الولاية، وليس معنى هذا أننا نريد أن يقفز من مرتبته إلى مرتبة الآخر، لكن نريد أن الذي فوقه إذا لم يصلح يغير إلى شخص آخر صالح، ومع هذا فإني أعتقد أن الصلاح -ولله الحمد- بدأ ينتشر في القطاعات العسكرية وغيرها، وأن من الناس من يجامل بالصلاح في أول مرة، ثم في النهاية يصلح صلاحاً خالصاً لله عز وجل، وأما اختلاف المسئولين الكبار من الرائدين ومن دونهم فإن هذا أمرٌ لا بد منه في الغالب، ولكن خيراً أن يقع من هذا الرجل إصلاح غيره وعقوبة من أساء، ولو كان هو أيضاً صالحاً في نفسه فهذا خير، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ عليه بصلاح نفسه، كما يحاول هو إصلاح غيره.

    فالخلاصة الآن: أنني أوصيك بالبقاء على النصيحة، وعقوبة من لك عقوبته، وإذا لم يتنصح من نصحته فإنه من الممكن أن ترفع الأمر إلى من فوقه إما مباشرة إن استطعت، وإما بواسطة غيرك إذا لم تستطع لا سيما إذا كانت معصيته خروجاً من الدين كالذي لا يصلي.

    فإن الذي لا يصلي -لا شك عندي أنه- كافر مرتد خارج عن الإسلام (يحشر -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف).

    كيفية الفتوى في مسائل الخصومة والأوقاف

    السؤال: مات شخص اسمه عبد الله فخلف من بعده ابنين محمد وعبد العزيز، وترك بيتين للوقف، وكل واحد منهما سكن في بيت، فوضعه لذوي الحاجة، عبد العزيز توفي وخلف ابناً بعده اسمه عبد الله بن عبد العزيز وهو في الرياض ليس له حاجة في البيت، فبقيت أمه في هذا البيت، وبناته تزوجن، ومحمد له أولاد سكنوا البيت الثاني، ويؤدون ما عليهم من العشاء وغيره من الوصايا، فطلب عبد الله بن عبد العزيز من عمه محمد أن يدفع أموالاً، قال محمد: البيت الآن ليس له حاجة ولا يعقل أن ندع البيت هكذا، فلا بد أن نؤجره، وأنت ليس لك حاجة في هذا البيت، فهل يبقى لعبد الله متى ما أتى يجلس فيه، أم يجلس فيه ذوي الحاجة من أبناء محمد؟

    الجواب: أولاً: هذه مسألة بين خصوم، ومن عادتي أنني لا أفتي بمسائل فيها خصوم؛ لأن الله عاتب داود -وهو نبي من الأنبياء- لما حكم قبل أن ينظر في كلام الخصم، فكيف بنا نحن؟!

    والشيء الثاني: أن مسائل الأوقاف لا يمكن الفتوى فيها إلا بالنظر في وثيقة الوقف؛ لأنه رب كلمة واحدة تغير مجرى العمل، فلذلك لا يمكن أن أفتي بهذا حتى يتفق عبد الله وعمه محمد على ذلك ويأتون إليَّ بوثيقة الوقف.

    السائل: لكن الأصل في الأوقاف؟

    الشيخ: ليس لها أصل إلا ما في الوثائق، إلا ما خالف الشرع فيلغى.

    حكم القصر في السفر

    السؤال: لقد سمعنا عن فضيلتكم فتوى قد تداولها طلبة العلم، وهي مسألة القصر في السفر، والكثير من طلبة العلم يقولون: إن الشيخ يقول: إن طلبة العلم إذا قدموا من بلدان خارج المملكة ، إذا صلوا فرادى يقصرون الصلاة بناءً على أنهم في سفر، فنريد أدلة ذلك بالتفصيل؟

    الجواب: هذه المسألة بارك الله فيك وهي إقامة المسافر في بلد هل ينقطع بها حكم السفر أو لا ينقطع؟

    العلماء مختلفون في هذه المسألة على أكثر من عشرين قولاً ذكرها النووي في المجموع شرح المهذب ، وذلك أن المسألة ليس فيها نص قاطع يفصل بين المختلفين، لذلك ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن المسألة ترجع إلى الاستيطان أو السفر، وأن حال الإنسان دائرة بين الاستيطان والسفر فقط، ويلحق بالاستيطان الإقامة الدائمة التي لم تحدد بعمل ولا زمن، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، وهو الذي تدل عليه ظواهر الأدلة الشرعية؛ لأنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة حرف واحد يدل على تحديد المدة التي تقطع حكم السفر إذا نواها الإنسان، ومن كان عنده دليل في ذلك فليسعفنا به، وأكبر دليل عند الذين حددوا هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام إقامات مختلفة:

    فمنهم من أخذ بالأدنى، ومنهم من أخذ بالأعلى، فـابن عباس مثلاً قال: (إذا نوى المسافر تسعة عشر يوماً أو أكثر فإنه يتم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بـمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فإذا أقمنا هذه التسعة عشر يوماً قصرنا وإذا زدنا أتممنا).

    والإمام أحمد والشافعي وأظن الإمام مالكاً أيضاً يقولون: (إذا نوى أكثر من أربعة أيام أتمَّ، وإذا نوى أربعة فما دونها قصر) لكن الشافعي يقول: (يوم الدخول ويوم الخروج لا يحسب، فالأيام تكون صافية أربعة) وبناءً على هذا المذهب تكون الأيام ستة يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة صافية بينهما، والإمام أحمد يحسب يوم الدخول ويوم الخروج فما هو الدليل في هذا؟

    الدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهي آخر سفرة سافرها قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة ومكث بها يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وفي يوم الخميس ضُحىً خرج إلى منى، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذه المدة يقصر الصلاة، قال أنس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم -أي: إلى مكة - في حجة الوداع، فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، فسئل: كم أقاموا في مكة؟ قال: أقمنا بها عشراً)؛ لأنه وصلها يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج صباح الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الأيام عشرة، أربعة قبل الخروج إلى المشاعر، والباقي في المشاعر، ولكني أقول: هل هذا دليل على التحديد، أم على عدم التحديد؟

    هو في الحقيقة دليل على عدم التحديد لا على التحديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: من جلس أكثر من أربعة أيام فليتم، وإنما كانت أربعة أيام مصادفة، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الناس يقدمون إلى مكة للحج قبل اليوم الرابع، أي: ليس كل الحجيج لا يقدم إلا في الرابع فما بعده، أبداً؛ الحجاج يقدمون في الرابع.. في الثالث.. في الثاني.. في الأول.. في آخر ذي القعدة، بل يمكن من شوال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] أولها شوال، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع لم يقل للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم، فَعُلِمَ أن الإتمام لا يلزم، ولهذا لما صلى بـمكة عام الفتح قال لأهلها: (يا أهل مكة! أتموا فإنا قوم سَفْرٌ) وكان يصلي ركعتين ويسلم، ثم يقوم أهل مكة فيتمون.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يبلغ البلاغ المبين، فإذا علمنا أنه أقام في مكة أربعة أيام قبل الخروج إلى منى وستة أيام بعد ذلك، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فهذه مدد مختلفة ولم يتغير فيها الحكم، فحينئذٍ نقول: العبرة بقطع السفر أن ينوي الإنسان قطع السفر والإقامة المطلقة في هذا البلد، فصار من أهلها ولزمه ما يلزم المقيم، وأما إذا قال: أنا لست من أهل البلد لكني أقمت لشغل، فنقول: إذاً؛ أنت مسافر، لكن مع ذلك هذا الرجل الذي أقام في البلد لا نعفيه من صلاة الجماعة بل نلزمه بصلاة الجماعة والجمعة، إلا إذا فاتته فيصلي ركعتين، كذلك أيضاً لا نرى أن يفطر رمضان ثم يقضيه بعد ذلك، لأنه غير مسافر، لكن لأنه لو ترك صيام رمضان في هذه السنة ثم في السنة الأخرى ثم في السنة الثالثة تضاعفت عليه الأيام، وربما عجز وكسل، ثم إن تأكيد الفطر في السفر ليس كتأكيد القصر، القصر عند بعض العلماء واجب في السفر، ولم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم يوماً من الأيام وهو مسافر.

    وأما الفطر فإن الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يصومون ويفطرون، ولا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، والنبي صلى الله عليه وسلم صام، ولما قيل له: الناس قد شق عليهم أَفْطَر، فلهذا نقول: الصوم لهذا المسافر الذي أقام مدة طويلة لا يؤخر إلى رمضان الثاني، بل يصومه لئلا تتراكم عليه الأشهر فيضعف أو يتهاون.

    شبهة حول أبدية النار

    السؤال: بعض العلماء يحتج على فناء النار بقول الله تبارك وتعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:106-107] كيف نرد على هذه الشبهة؟

    الجواب: نرد عليهم برد سهل جداً من وجهين:

    الوجه الأول: أن الله قال مثل هذا في الجنة قال: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108] فهل يقولون: إن الجنة غير مؤبدة لا يقولون ذلك؛ لأن الله قال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108] لكن هنا قال: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107] والفرق بينهما ظاهر، فالجنة منة ونعمة، فبين الله فيها أثر المنة والنعمة وقال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108]، أما في النار فهي انتقام وعدل فختمها الله بقوله: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107] ومن فعله لما يريد أن يبقى هؤلاء أبد الآبدين في النار.

    الوجه الثاني: أن هذه الآية هب أنها مشكلة، وأن الاستثناء فيها ما نعلم ما وجهه، فهل من طريق الراسخين في العلم أن يأخذوا بالمتشابه ويدعوا المحكم، أو أن يأخذوا بالمحكم ويدعوا المتشابه؟ الثاني.. إذاً، المحكم عندنا ثلاث آيات من القرآن: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23] ثلاث آيات من القرآن صريحة، فلماذا نعدل عنها إلى شيء مشتبه يحتمل أوجهاً، إننا لا نفعل هذا؛ لأن هذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، ولهذا نجد أهل السنة والجماعة في كتبهم يذكرون أن الجنة والنار موجودتان الآن، وأنهما لا يفنيان، فإن قال قائل: كيف أن الله عز وجل يجعل هذا الكافر أبد الآبدين في النار؟ نقول: لأن هذا الكافر أفنى دنياه كلها في معصية الله عز وجل فأفنى الله آخرته كلها في عقابه، ثم هل هذا الكافر ترك أم جاءه نذير؟

    الجواب: جاءه نذير رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165] بآيات بينات يؤمن على مثلها البشر، فلا عذر له لا في الدنيا ولا في الآخرة، وتأبيد النار ومن فيها لا ينافي الحكمة بل هو غاية في الحكمة.

    حكم المساهمة في شركة ربوية

    السؤال: إنني قدمت من المدينة للسلام على فضيلتكم، وعندي سؤال لي وسؤالان قد أوصيت بهما وسأؤخرهما، أما سؤالي فسأطرحه: فإنني قد تورطت في شركة مساهمة، وساهمت فيها ولم أعلم رباها، أو أنها سترابي، ثم اتضح لي فيما بعد أنها رابت، وصرحت بهذا، وأعلنت الفوائد البنكية، ثم أحببت أن أتخلص من هذا الأمر، فجئتهم، وقلت لهم: أعطوني ما أعطيتكم، وخذوا ما حصلتم عليه، فرفضوا، وقالوا: ليس أمامك إلا أن تبيع هذه الأسهم، وتأخذ رأس مالك، والباقي أنت حر فيه إن أكلته أو تركته، ولكن عندي شبهة خطرت في بالي هي أنني أعلم أن هذه الأسهم التي سأتخلص منها بالبيع بعد أخذ فوائدها؛ لأنهم لا يجيزون إلا بعد أن تأخذ الفوائد، علمت أنني سأخرج من هذه الأسهم، وأورط فيها أخاً آخر لي في الله؛ لأنه سيشتريها بعد ذلك؛ لأن هذه الأسهم لا يمكن أن تعود إلى الشركة إذ رأس مالها مليون سهم، وأنا لي ثلاثمائة سهم، ولن تنقص هذه باعتبار أن الأسهم ثابتة إلا أن يحل بدلي آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فأنا -والله- لا أحب أن أخرج من النار وأقذف فيها بدلي أخاً آخر لي، فهذه الشبهة اعترضتني، وجعلت عندي تشكك في أن البيع لا خلاص منه، فعزمت أن أترك هذا المال وأخرج إلا أنهم قالوا: إن هذا سيظل حتى وإن مت سيكون لورثتك من بعدك بفوائد فأحب أن أتخلص من هذه الشبهة التي قد اعترضتني، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أنا أرجو أن يكون تخلصك لله عز وجل خيراً لك من الدنيا وما عليها، وأما كون من يأتي من بعدك ويأخذه فالإثم عليه هو، أنت خلصت نفسك بأن تقول للشركة: إما أن تشتروها أنتم أيها المؤسسون!

    السائل: الشركة باسمها أو فرد من أفراد الشركة؟

    الشيخ: باسمها أو فرد من أفرادها، لكن الفرد في النفس منه شيء؛ لأن بيعه على الفرد يعني: التعاون على الإثم.

    السائل: ما عندي أي استعداد لأن أبيع على الشركة نفسها؟

    الشيخ: إذا كان ما عندك استعداد فاتركه لله، وسيخلف الله عليك.

    السائل: أنا بكل طوع سأترك هذا غير أني سأعلم أنه محفوظ لأبنائي من بعدي؟

    الشيخ: ما يهمك هذه قدرتك، أنت إذا جاء الورثة من بعدك هم المسئولون، اكتب نصيحة لمن بعدك: بأني أنصحكم ألا تقربوا هذه الشركة، والمشكلة في هذه الشركة ليست مسألة الربا فقط، المشكلة أننا سمعنا أنها تغصب الناس أموالهم، ولا تسمح لهم بالعود لأموالهم على ما سمعنا، سمعنا أن هناك أناساً جنوا، وبعضهم ماتوا، لما حيل بينهم وبين أملاكهم. فالله أعلم، لكن على كل حال تركك إياها خير.

    السائل: أترك مالي وإن كان آلافاً مؤلفة؟

    الشيخ: أنت قلت: ثلاثمائة سهم.

    السائل: تساوي حوالي عشرة آلاف ريال؟

    الشيخ: إذا كان كذلك فأمرك سهل.

    السائل: أنا لا يضرني تركها.

    الشيخ: إذا كان لا يضرك، اتركها ويخلف الله عليك.

    الحماس الزائد في الدعوة إلى الله وانعكاساته على الداعية

    السؤال: نجد من بعض الشباب الذين منَّ الله عليهم بالهداية وتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان عندهم دافع قوي في الدعوة وحماس زائد، فلو تعرضوا في يوم من الأيام إلى فتنةٍ سواء من عدم إلقاء كلمة أو خطبة أو منعوا من بعض الجهات المختصة، فنجدهم يصابون بإحباط، وبعضهم يرتد عن التزامه -والعياذ بالله- أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الشيخ: ما فهمت وجهة سؤالك؟

    السائل: ما نصيحتكم لهم وما هي الأسباب التي يجب أن يتمسكوا بها؟

    الجواب: نصيحتي أن أقول: من تمام الالتزام طاعة ولي الأمر في غير المعصية؛ لأننا لا نطيع ولاة أمورنا لأنهم من آل فلان أو من آل فلان، نطيعهم؛ لأن الله أوصانا بذلك قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، ونعتقد أن طاعتنا لهم في غير معصية طاعة لله عز وجل، فيقال لهؤلاء الملتزمين: ليس عليكم شيء، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، هذا من طاعة الله، ما دام أنهم لم يأمروكم بشرب الخمر ولا بشيء من المحرمات فأطيعوهم.

    السائل: لو حصلت لأحدهم فتنة تجده يرتد عن التزامه، وهذا يحصل كثيراً؟

    الشيخ: هذه مشكلة، وهذا أشار الله إليه في القرآن: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [الحج:11] أعوذ بالله خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] نقول: يا أخي! اتق الله، ما دمت تعلم أن طاعة ولي الأمر واجبة، ومنعك من أن تتكلم، فطاعته من دين الله، فأنت على خير، عمار بن ياسر عندما كان يفتي بأن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء، وكان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك، يقول: الجنب يبقى حتى يجد الماء ويغتسل ويصلي، فكان عمار بن ياسر يحدث بأن الجنب يتيمم؛ لأن المسألة وقعت عليه: (لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو وعمر في حاجة، فأجنب عمار فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: إنما كان يكفيك أن تقول بيدك هكذا؛ وضرب بيده الأرض فمسح وجهه ويديه، فلما بلغ عمر أنه يحدث بهذا الحديث أمر أن يؤتى به، وقال ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين! ألم تذكر حينما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم وإياك في حاجة وحصل كذا وكذا، ولكن يا أمير المؤمنين! إن شئت -بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة- ألا أحدث به فعلت -وهو حديث يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: إن شئت ألا أحدث به فعلت- قال عمر : نوليك ما توليت) يعني: وحدث به، فالإنسان الملتزم حقيقةً يجب عليه أن يلتزم في كل شئون الدين، ليس في شيء معين، إذا قيل له: لا تتكلم يقول: الحمد لله، لا أتكلم والإثم عليكم، والكلام فرض كفاية، وفيه من يكفي، وليس معناه: أن المسألة موقوفة على عين هذا الرجل لا يبلغ الشرع إلا هو، هناك أناس، فإذا طمأن نفسه بهذا الأمر وامتثل ولم ينابذ، فربما يأتي يوم من الأيام يؤذن له بالكلام، يفتح الله على ناس آخرين يقولون: لماذا منعتم هذا الرجل اتركوه يتكلم، ويؤذن له.

    عقيدة الإخوان المسلمين والأشاعرة

    السؤال: ما هي عقيدة الأشاعرة وهل الإخوان المسلمين عقيدتهم أشعرية؟

    الجواب: والله! لا نعرف عن الإخوان المسلمين ما هي عقيدتهم. لكن الأشاعرة ، من خير ما رأيت فيما كتب عنهم رسالة صغيرة للشيخ سفر الحوالي ، تكلم فيها بكلام جيد، وبين فيها مخالفتهم لـأهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، وفي الإيمان وفي الوعيد وفي أشياء كثيرة، من أحب أن يطلع عليها فإنه يستفيد.

    كيفية رد المظالم إلى أهلها إذا لم يعرف أصحابها

    السؤال: شخص قبل أن يهتدي سرق أموالاً من بعض المحلات، كانت بعض المحلات تغلق بشراع بسيط، فكان يدخل مثلاً في الظهر ويأخذ الأموال من الأدراج، ولما تاب يقول: نسيتها ونسيت أصحابها، فماذا يفعل؟

    الجواب: هذا الرجل يقول: كان قبل التزامه يأخذ أموال الناس، وأنه الآن نسي من أخذها منهم، ونسي الأموال، نقول له: تصدق عن أصحابها، فإذا قال: لا أدري كم أخذت؟ نقول: تحقق: إذا قَدَّرت أنه ألف أو ألفين فلا يلزمك إلا ألف، خذ بالأقل.

    حكم بيع التلفاز

    السؤال: شخص في أول حياته كان فاسقاً، فاشترى تلفازاً يريد أن يرى فيه الأشياء المحرمة، ثم فتح الله عليه وتاب، وأراد أن يتخلص من التلفاز، وعرض عليه أحد مكاتب الدعوة أن يشتري منه هذا الجهاز، هل يجوز أن يبيعه عليه، أم يجب أن يبذله بدون مال؟

    الجواب: يجوز له أن يبيعه، يعني: يجوز للإنسان إذا تاب أن يبيع التلفاز لشخص لا يستعمله في الحرام وثمنه حلال له.

    منزلة إيمان الجار المسيء لجاره

    السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله! لا يؤمن، والله! لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) فما رأي فضيلتكم إذا كان جاري مسيئاً إليَّ؟

    الجواب: إذا كان يسيء إليك فإنه ليس بمؤمن، ولكن ليس المعنى أنه كافر، بل ليس بمؤمن كامل الإيمان، يعني: نقص من إيمانه شيء؛ لأن نفي الإيمان تارة يراد به الكفر الأكبر، وتارة يراد به العاصي الذي فعل ما ينافي كمال الإيمان، فإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن من فعل كذا، ينظر إذا كان فعله مكفراً كان نفي الإيمان نفياً مطلقاً، وإذا كان فعله لا يكفر كان نفي الإيمان نفياً مقيداً، أي: نفي الإيمان الكامل، فالمعنى: لا يؤمن، أي: الإيمان الكامل بل إيمانه ناقص.

    حكم طلاق السكران

    السؤال: ما حكم رجل طلق امرأته وهو في حالة سكر، إلا أنه يقول: إنه كان في حالة سكر شديد، وكان يتكلم ويعي كلامه، فهل يقع طلاقه، هذه مسألة؟

    والثانية في نفس الموضوع: ما الذي يجب على هذه المرأة المطلقة، وما هي الأحكام المتعلقة بها؟

    الجواب: طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة.

    السائل: إذا حكم القاضي بوقوع الطلاق؟

    الشيخ: إذا حكم بوقوع الطلاق فإن المرأة إذا انتهت عدتها تتزوج من شاءت.

    الحكمة من ورود (الصَّافَّات) بصيغة التأنيث

    السؤال: كثيراً ما يرد في القرآن ذكر الملائكة بصفة التأنيث مثل، (والصافات صفا)، ولم يقل: والصافون صافا، فما الحكمة في ذلك؟

    الجواب: قال الله تعالى عن الملائكة: وَالصَّافَّاتِ صَفّاً [الصافات:1] وقال تعالى عنهم: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات:165-166] فـ(الصافات) هذه يراد بها الجماعات صفاً صفاً؛ لأن الملائكة جندٌ عظيم لا يعلم عدده إلا خالقهم عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أطَّت السماء وحُق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) والسماء واسعة: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] ليس هناك أربع أصابع إلا وفيه ملك! من يحصيهم؟ ثم إنه ثبت أن البيت المعمور في السماء السابعة يطوف به كل يوم ويدخله سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه مرة أخرى إلى يوم القيامة، من يحصي هذا العدد؟

    فلهذا جاءت (الصافات) ونحوها مما هو مؤنث، باعتبار جماعات لا باعتبار كل واحد، ولذلك لما جاء (الصافون) صار المراد بها الجماعة، كل جماعة على انفراد.

    السحر بين الحقيقة والتخييل

    السؤال: استدل المعتزلة في قولهم: إن السحر يقع تخيلاً وليس حقيقة بقوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] ما رد أهل السنة على هذا الاستدلال؟

    الجواب: التخييل هذا حقيقي أم غير حقيقي، إذا خيل للإنسان أن الحبال التي لا تتحرك أنها تسعى هل أثرت عليه؟

    حسناً؛ السحر هو كون الإنسان يختل فكره بحيث أنه يرى الجماد: الحبال والعصي التي لا تتحرك يخيل إليه أنها تسعى وهي لا تسعى لكن يخيل إليه هل أثَّر؟

    إذاً.. دليلهم كان دليلاً عليهم، نعم. السحر لا يؤثر في قلب الأعيان فلا يجعل الحديد خشباً ونحو ذلك.

    السائل: هل الاختلاف كان لفظياً بين أهل السنة والمعتزلة؟

    الشيخ: لا، ليس اختلافاً لفظياً، بل حقيقي، فإن السحر يؤثر، يمرض الإنسان، وربما يفسد فكره، وربما يلحقه جنون، وربما يموته.. درجات، والعياذ بالله.

    قاعدة في كسب الحرام

    السؤال: قلتم في إحدى المحاضرات قاعدة: ما كان مُحرماً لكسبه حرم على الكاسب فقط. نريد توضيح هذه القاعدة؟

    الجواب: هذا الذي نرى في المسألة: أن ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرماً قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مثلاً ثم مات لا يحل للوارث، فإن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه.

    القول في جماعة التبليغ بين الإفراط والتفريط

    السؤال: فضيلة الشيخ: جماعة الدعوة الذين يخرجون ثلاثة أيام، وهم جماعة التبليغ والدعوة، المهم -يا شيخ- أني بدأت الالتزام قريباً، ومضطرب في هذا الأمر، هناك بعض الشباب من الإخوان يقول: لا تتبع هذه الجماعة، وهناك بعض العلماء في المدينة نصحني بالخروج معها، فما رأي فضيلتكم؟

    الجواب: الغالب أن كل المسائل يكون الناس فيها طرفين ووسطاً:

    فمن الناس من يثني على هؤلاء كثيراً، وينصح بالخروج معهم، ومنهم من يذمهم ذماً كبيراً، ويحذر منهم كما يحذر من الأسد، ومنهم متوسط، وأنا أرى أن الجماعة فيهم خير، وفيهم دعوة، ولهم تأثير لم ينله أحد من الدعاة، تأثيرهم واضح، كم من فاسق هداه الله! وكم من كافر آمن! ثم إنه من طبائعهم التواضع والخلق والإيثار، ولا يوجد في الكثيرين، ومن يقول: إنهم ليس عندهم علم حديث أو من علم السلف أو ما أشبه ذلك؟ هم أهل خير ولا شك، لكني أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبوا إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى؛ لأننا لا ندري عن عقائد أولئك ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء، وأما تقييد الدعوة بثلاثة أيام أو أربعة أيام أو شهرين أو أربعة أشهر أو ستة أو سنتين فهذه ما لها وجه، ولكنهم يرون أن هذا من باب التنظيم، وأنه إذا خرج ثلاثة أيام وعرف أنه مقيد بهذه الثلاثة استقام وعزف عن الدنيا، فهذه مسألة تنظيمية ليست بشرع، ولا هي عبادة، فأرى -بارك الله فيك- إن كان اتجاهك لطلب العلم فطلب العلم أفضل لك؛ لأن طلب العلم فيه خير، والناس الآن محتاجون لعلماء أهل سنة راسخين في العلم، وإن كان ما عندك قدرة على تلقي طلب العلم، وخرجت معهم لأجل أن تصفي نفسك، فهذا لا بأس به، وهناك أناس كثيرون هداهم الله عز وجل على أيديهم.

    كيفية حفظ القرآن ومتون اللغة وأيهما يقدم؟

    السؤال: أنا شاب عندي رغبة شديدة في تعلم العلوم الشرعية، وقد بدأت بحمد الله في حفظ المتون كـألفية ابن مالك وغيرها من المتون، ولكني لم أحفظ كتاب الله ولا أستطيع الجمع بينهما، وقدمت حفظ متون اللغة كي أصون لساني عن اللحن في كتاب الله، وتوقف فهم كثير من أحكام القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم النحو واللغة، وحيث أنني أبلغ من العمر ما يقارب السابعة والعشرين فإني أخشى إن بدأت بحفظ القرآن ألا أتمكن من حفظ غيره من المتون لتقدم السن، هذا وبالله التوفيق؟

    الجواب: الذي أرى لهذا الأخ الملتزم أن يبدأ بحفظ القرآن؛ لأن القرآن ترجع إليه كل الأمور: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وحفظ القرآن إن قام يتلوه فله في كل حرف عشر حسنات، وإذا كان يتلوه بتدبر وتفهم للمعنى ازداد إيمانه، والمتون التي أشار إليها من متون العلم كـالألفية وغيرها يجعلها أخيراً، فالذي أنصحه به أن يبادر بحفظ كتاب الله عز وجل قبل كل شيء.

    حكم إلقاء السلام على غير المسلمين

    السؤال: عندي سؤال من جهة طبيعة العمل، حيث إن معي في العمل نصارى منهم عرب ومنهم أجانب، فيبادروني بالسلام، وأحياناً أسلم عليهم وأحياناً أعرض عنهم، فهل في هذا إثم عليَّ، جزاك الله خيراً؟

    الجواب: إذا سلم عليك رجل من المسلمين أو من اليهود أو من النصارى أو من البوذيين أو من الملحدين الذين لا يعترفون بدين فرد عليهم السلام؛ لأن الله قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، وتأمل قوله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ [النساء:86] لم يقل: إذا حياكم المسلمون، وإنما قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ [النساء:86] أي: واحد يحييكم بتحية فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] أنت لا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم ترد عليه وجوباً، ثم إن كان يصرح بقوله: السلام عليكم، قل: عليكم السلام، وإن كان لا يصرح وتخشى أن يقول: السام عليكم، كما كان اليهود يفعلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة فقل: وعليكم. وكفى.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله آجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755893581