إسلام ويب

حقيقة لا إله إلا اللهللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اشتملت هذه المحاضرة على نواح تتعلق بالتوحيد، تحدث الشيخ حفظه الله خلالها عن التوبة المطلوبة من العبد، وفتح الله باب التوبة أمام العبد، وبيَّن أن العبد فقير إلى ربه محتاج إليه، ثم تحدث عن حقيقة التوحيد، وضرب مثالاً لذلك بصدق إيمان سحرة فرعون، وما كان عليه الصحابة وسلف الأمة رضوان الله عليهم من تحقيق التوحيد وإخلاصه لله تعالى.

    1.   

    إفتقار العبد إلى التوبة

    افتقار العبد إلى ربه

    أيها الإخوة الكرام..

    إن الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17].

    والافتقار إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شأن كل مخلوق في هذه الحياة، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاء [فاطر:15] فخاطب بها الناس جميعاً، فالملوك فقراء إلى الله تعالى، وأصحاب الأموال الطائلة فقراء إلى الله تعالى، والشباب والكبار، والعبيد والصغار فقراء إلى الله، وكل من على هذه الأرض فهو فقير بالذات إلى الله تعالى، والله هو المتفرد بالغنى المطلق، وهو الذي يقول: {يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم}.

    ومع حاجتنا جميعاً إلى أن يطعمنا ربنا، ويكسونا، وأن يهدينا الصراط المستقيم، ثم بعد ذلك بيَّن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غناه المطلق عنا جميعاً فقال:{يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً -ثم بين سبحانه كمال غناه في الرفق وفي الخير والعطاء فقال:- يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المِخْيَطْ إذا أدخل البحر}.

    فانظروا إلى كمال غناه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غنىً مطلقاً من جميع الوجوه، وانظروا إلى شدة افتقارنا إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو فقر من جميع الوجوه، فنحن مفتقرون إليه في غذائنا، وفي لباسنا، وفي هدايتنا، وفي كل شيء، فما هي حياتك يا بن آدم؟ ما هي أنفاس تدخل وتخرج! إن توقفت لم يعد هذا النفس، وقالوا: رحم الله فلاناً، أصابته سكتة قلبية فمات، فإما أن يصعد الهواء فلا يدخل، وإما أن يدخل فلا يخرج، فهذا هو حال الذي يسير وكأنه يخرق الأرض، أو يبلغ الجبال طولاً، فهذه هي حالنا وهذا هو فقرنا وحاجتنا إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا هو غناه المطلق عنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فتح أبواب التوبة

    ومع هذا الغنى المطلق، يعاملنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما في الحديث: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل}، وقال في الحديث السابق: {يا عبادي! إنكم تذنبون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم} فسبحان الله! مع غناه عنا يقبل منا التوبة من الذنوب ويغفرها لنا، ومع ذلك {فإن الله تعالى أشد فرحاً بتوبة العبد إذا تاب من رجل فقد دابته في الخلاء، حتى يأس منها، وقال: أنام تحت شجرة حتى يدركني الموت فاستيقظ فإذا دابته أمامه وعليها متاعه، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح} أي: أنه فتح عينه وإذا بدابته وعليها غذاؤه وطعامه واقفة أمامه، فسبحان الله ما أغناه وما أحلمه وما أكرمه!

    انظروا إليه كيف يعامل العصاة -وكلنا عصاة إلا من عصمه الله تبارك وتعالى- ثم انظروا كيف يغذو أمماً ويجود عليهم، وكيف يفتح لهم الأبواب ليتوبوا إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهم الذين عذبوا أولياءه وأحبابه، كما في قصة أصحاب الأخدود، تلك القصة التي وردت في سورة البروج، التي تحكي أن أناساً يحرقون عباد الله بالنار، ويرمونهم فيها، ويخدون الأخاديد، ويحفرون الحفر العميقة في الأرض ويقذفون عباد الله تعالى فيها لأنهم يقولون، كما حكى الله عنهم بقوله: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8]؛ لأنهم قالوا: آمنا بالله وكفرنا بك أيها الملك الذي تقول: أنا إله من دون الله، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] فيفتح باب التوبة لمن يحرق أولياءه الموحدين بالنار وهم أحياء، فهذه معاملته للعصاة، كما يقول جل شأنه: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45-46].

    يفتح عليهم أبواب كل شيء ليستدرجهم بها، ولو تابوا لأخذوا هذه النعم، وأخذوا نعيم الآخرة، لو تابوا حتى عند وقوع العذاب أو قرب وقوع العذاب لمتعهم في النعم ولكنهم: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنعام:43] فهذه هي القسوة التي نشكوها إلى الله تبارك وتعالى، ولا تزال تصاحب الإنسان حتى وقت حلول العذاب، ولكن لو آمن قبيل أن يأتي العذاب لكان الحال كما قال تعالى: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يونس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] فقوم يونس عليه السلام آمنوا في آخر اللحظات التي انتهت فيها النذارة، وما بقي فيها إلا تحقق الوعيد، فآمنوا فأنجاهم الله من العذاب لأنهم آمنوا، فهذا على مستوى الأمم.

    وأما على مستوى الأفراد فيفتح الله باب التوبة والرحمة: {إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر} فما دامت الروح لم تبلغ الحلقوم فباب التوبة مفتوح، فتب إلى الله، تب من الربا، وتب من الزنا، وتب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتب من الحسد، ومن الغيبة، من النميمة، وقطيعة الأرحام، ومن أذى الجار، ومن كل الذنوب التي أنت أعلم بها، فتب إلى الله تعالى فالباب مفتوح.

    كما أنه لا يقف الأمر عند هذا الحد، ولا يقف الأمر عند حد أن يتوب هذا العبد المذنب المخطئ المحتاج الفقير إلى الله فيعفو الله ويتجاوز عنه، بل هناك درجة أعظم من هذا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] فسبحان الله! سجلات الإنسان حين يتوب إلى الله عز وجل -وهي سجلات ودواوين من المعاصي- يقلبها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دواوين من الحسنات، فهذا غاية الكرم ولا يفعل هذا إلا الله؛ لأنه هو صاحب الغنى المطلق وهو الكريم واسع الكرم.

    فإذا تبت وصدقت مع الله وأخلصت في الإنابة إلى الله، فلا تنظر إلى الماضي، ولا تصدق الشيطان وأعوانه، الذين يقولون لك: أَبَعد أن بلغت السبعين من عمرك وفعلت كذا وكذا، تريد أن تتوب، لا تنفع توبتك، كأمثال قطاع الطريق، فهم أعداؤك وأعداء الله، فتب إلى الله في أي لحظة ما دمت لم تغرغر، وما دامت الشمس لم تطلع من مغربها، لأنك حين تتوب إلى الله تجد أن الدواوين التي يخوفونك بها تنقلب إلى دواوين من حسنات بفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    أساس التوبة

    نعيم الله لا ينفذ وغناه مطلق، ولكن هل هناك من أساس للتوبة؟

    أقول: نعم لابد من أساس لهذه التوبة، ولا بد من أساس للاستقامة، ولقبول العمل، وأعظم شيء وأساس كل شيء هو: عبادة الله وحده لا شريك له وأن يوحد الله. (أي: أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله) ونحن صادقين في هذه الشهادة، فنحقق هذه الشهادة، فهذا الكرم الذي رأيتموه، يكون لأهل التوحيد، ولأهل النجاة، ولمن حقق الشهادة.

    أما من أشرك بالله -عافانا الله وإياكم- فلا ينفعهم من أعمالهم شيئاً، وإن اجتهد في الصلاة، والصيام، والإنفاق، والبر والطاعة، ما دام يشرك بالله تعالى، ويدعو ويسأل غير الله، ويستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ويطيع أمر غير الله ويعصي أمر الله، ويعلم أن هذا تشريع أو قانون مخالف لما أمر الله، فكل أنواع الشرك، هي الخطر العظيم، وهي التي تجعل كرم الجبار ونعمته وسعة جوده تنقلب غضباً ومقتاً وطرداً ولعناً عافانا الله وإياكم.

    فمع وجود الشرك:إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار [المائدة:72] فإذا سمعنا أحداً يتكلم في أنواع الشرك فليكن الواحد منا كله أذن صاغية، وإذا سمعنا أحداً يتحدث عن التوحيد فلنلقي إليه بأسماعنا وقلوبنا لنعرف معنى التوحيد ونحقق ذلك التوحيد لأن المسألة ليست هينة.

    فإذا كان كرم الله تعالى لا يكون إلا لهؤلاء، وكتب أنه لن يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وحرَّم الجنة على المشركين، ونحن لا نريد إلا الجنة، وكل ساعٍ يسعى من عباد الله في هذه الحياة إنما يريد وجه الله ويريد الجنة، ونعوذ بالله أن تكون نهاية هذا الكدح هي النار نسأل الله أن يعافينا من سوء المصير.

    1.   

    التوحيد أساس العمل

    التوحيد هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، للكافر وللمؤمن، ولكن قد يقول القائل: علمنا كيف يكون التوحيد سبيل نجاة للمؤمن، لكن كيف يكون للكافر هذه الخاصية في التوحيد؟

    فأقول: إن المشركين إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، حتى إذا جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان -فعندها- دعوا الله مخلصين له الدين، فينجيهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بالتوحيد الذي هو مناط النجاة، فهو المفزع الذي يفزع إليه حتى الكافر: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62].

    فالمضطر أيّاً كان، مسلماً كان أو يهودياً أو نصرانياً، فهو يدعو الله إذا انقطعت به كل الحيل، فيستجيب له الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] أو إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم:33] لماذا؟ لأنهم نسوا الله لما نجوا إلى البر.

    فالتوحيد ثمرته وفائدته تتحقق حتى في الكافر إذا أخلص في هذه الحياة الدنيا، وإن كان لا يواظب عليها، فبالله كيف نتوقع أن يكون للمؤمن؟ وكيف ينبغي لنا؟! نحن الذين نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الكلمة العظيمة، التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلها آخر كلمات حياتنا وأن يميتنا عليها وعلى تحقيق معناها، ويحيينا عليها إنه سميع مجيب.

    حقيقة الشهادة

    إن شهادة أن لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة أو مجرد عبارات، لكن حقائق هذه الكلمة التي بعث الله تبارك وتعالى بها أنبياءه جميعاً وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256].

    فقد بعث الله الأنبياء جميعاً بشهادة أن لا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله: أن يكفر بالطاغوت ويعبد الله وحده، كما قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، والعروة الوثقى هي: شهادة أن لا إله إلا الله فلا تقبل الصلاة من غير لا إله إلا الله، كما قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] فلا يقبل الله العمل أبداً، بل هو كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف؛ لأنه ليس مبنياً على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وعلى توحيد الله تبارك وتعالى.

    والتوحيد الذي هذا ثمرته ليس أي كلام، فالإيمان والتوحيد يتفاوت وله حقائق، فالإسلام إن كان وراثياً عن آبائنا وأجدادنا فهذا شيء حسن، ولكن هذا لا يكفي لأنه يحتاج إلى الإيمان الذي إذا جاءته شدة، وإذا جاءت الشهوة من المال الحرام ومن النساء الحرام وأعرضنا عنها ابتغاء وجه الله فهناك نكون موحدين، وإذ جاء الداعي ليدعوك بتأخير الصلاة، أو إلى التهاون بأمر الله وتركته استجابة لأمر الله فهنا اختبر توحيدك، وإن سمعت آيات الله، ووجدت خشوعاً ورّقةً في قلبك فاختبر توحيدك هنا، فإن وجدتها لا تصبر على ما حرم الله من اللهو والغناء وتتلذذ به وتعرض عن سماع القرآن، فاعلم أن توحيدك ناقص أو أنه مفقود.

    سحرة فرعون

    لابد أن نعلم أن السحرة الذين وحدوا الله وآمنوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كيف كان توحيدهم؟ وكيف كان إيمانهم؟ لما ألقوا حبالهم وعصيهم فألقى موسى عليه السلام عصاه فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:117-118].

    فما كان منهم لما أن رأوا الآيات البينات الباهرات التي لا يمكن إلا أن يذعن لها القلب ويستسلم لها إلا أن قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَموسى [طه:70]، آمنوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فأجابهم الطاغوت بالتهديد -فرعون- : قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى [طه:71].

    فأخذ يتوعدهم ويهددهم كما ورد في آيات كثيرة من كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فماذا قال السحرة؟ وانظروا إلى حقيقة التوحيد من أول لحظة: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:72-73].

    فهذا هو التوحيد، وهذه هي حقيقته، فهناك القتل وهناك الصلب، من جبار طاغوت يملك ذلك، ويتوعد عليه، وأول الأمر كانوا يقولون له: أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء:41-42] إن انتصرتم على موسى فلكم الأجر ولكم الجوائز وإنكم من المقربين، ثم لحظات وإذا به يقول: أقتل وأفعل وأفعل، وهم يقولون: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] فهو لن يخوفنا أبداً؛ فمن عرف حقيقة الإيمان وحقيقة التوحيد، فلا يخاف إلا الله عز وجل ولا يبالي في دينه فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72].

    فكانت نهاية فرعون الغرق، ومنذ أن وضع رجله في البحر انتهى فرعون إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72] فإنك إن ملكت الجسد لتقطعه فممكن، لكن هل تملك القلب؟ وهل تملك الإيمان؟ وهل تملك أن تنتزع التوحيد؟ لا، فهذه قلوبنا قد وجدت الله، وآمنت، وتعلقت بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي سوف يطهرها ويغفر لها الخطأ الذي كنت تكرهها عليه من السحر، ومما حرم الله تبارك وتعالى.

    فخوفهم من عذاب الآخرة، جعلهم ينسون عذاب فرعون وصلبه وأمره كله فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [طه:72].

    الترقي في درجات التوحيد

    كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من الذين ضربوا المثل الأعلى في تحقيق التوحيد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشاً ثلاث عشرة سنة إلا ليحقق شهادة أن لا إله إلا الله، فهذا أمر ليس هيناً، فما نزلت الصلاة إلا لتكمل ولتزيد شعبة من شعب لا إله إلا الله.

    وأما في المدينة فنزلت الزكاة والصيام وهما شعبتان من شعب لا إله إلا الله، ومن شعب الإيمان أيضاً لتكون كل حركات، وسكناته المرء لله قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    فهكذا يجب أن يكون المؤمن، ولهذا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان}.

    فكل أعمال البر وكل أعمال الخير كما هو في مذهب أهل السنة والجماعة- شعب من شعب الإيمان، فإذا حققت ما أمر الله في توحيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما بينك وبينه، وفيما بينك وبين الناس، وفيما بينك وبين نفسك في كل أمر، فأنت في ذلك تحقق التوحيد وترتقي في درجات الإيمان والتوحيد.

    وهكذا أوصانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {اتق الله حيثما كنت} فهذا هو جانب المعاملة مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فضع هذا في حسبانك، واتق الله حيثما كنت، وأينما كنت في سرك وعلنك في بيتك وفي المسجد أو في أي مكان {اتق الله حيثما، كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها}.

    فكلما راودتك نفسك وعملت المعصية -وهي أمارة بالسوء وهي لا بد فاعلة- فأتبع السيئة حسنة تمحو لك تلك السيئة، وأما مع الناس فعاملهم بخلق حسن، فإذا أصلحت سريرتك، وإذا حققت هذا فأنت ترتقي في درجات الإيمان والتوحيد، حتى تصبح من المحسنين الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبين درجة الإحسان حين قال له جبريل عليه السلام: { فاخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.

    أي: أن تعبد الله كأنك تراه، فحين تصلي ولا أحد من الناس يتهمك في شيء لأنك تصلي ولكن أن شيئاً من هذه الصلاة -ولو قل- لغير الله فتحاسب نفسك، لماذا كان شيء من هذه الصلاة في غير ما أمر الله ولم يكن لله؟ وأيضاً حين تنفق المال وأخرجت منه درهماً أو ديناراً لغير الله، فتذكر أن هذا لغير الله، وحين تطلب العلم تعلماً أو تعليماً فعليك أن تنظر وأن تتفكر في نفسك هل هذا الشيء لله أو لغير الله؟ نسأل الله أن يجعل أعمالنا جميعاً خالصةً لوجهه الكريم فهذا هو تحقيق التوحيد.

    توحيد الرعيل الأول

    التوحيد من شدة صفائه ونقائه أن أدنى شيء يؤثر فيه ويخدشه، لأنه أنقى وأعظم الأشياء، والناس كثيراً ما يرتكبون المعاصي اغتراراً منهم بأنهم محققون للإيمان والتوحيد، أو أن هذه المعاصي لا يبرح منها أحد، أو لأنها قد وقعت فيمن قبلنا، وهذا من غرور الشيطان ومن تزيينه.

    فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم لو وقع في زمانهم شيء من هذه المعاصي مع أن إيمانهم وتوحيدهم كان كالبحر العظيم، الذي مهما تلقي فيه بنجاسة من بول أو غائط فلا يؤثر فيه؛ لأنه بحر خضم كبير، ولديهم من قوة الإيمان ومن أعمال الخير والبر الشيء الكثير، فوقع في زمانهم أن فلاناً زنا وأن فلانة زنت، وأن فلاناً شرب الخمر، ولكن أين نحن منهم؟ إنما نحن كبركة صغيرة إن وقع فيها شيء من النجاسة تنجست.

    فهذه الأمور تؤثر في القلب بقدر ما في القلب من إيمان من حقائق الإيمان والتوحيد، ولذلك الزاني الذي يزني في هذا الزمان هل فيه -وهو أعلم- من الإيمان مثل المرأة التي زنت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ تأتي إليه فيردها وهي حامل، ثم يردها ثم تأتي إليه بالولد وبيده كسرة خبز لتُبِرهن له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنه يأكل وأنه مستغنٍ عنها، لأنها تريد أن يطهرها ثم يرجمها، ويقول: {لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة أو أهل الأرض لوسعتهم}.

    فهذه التوبة وهذا الصدق مع الله سبحانه تعالى إذا وقع معه الزنى فعلاً، فنقول: إنما هو مثل ما لو ألقيت النجاسة في البحر فلا يضره، فهذا إيمان قوي في هذا العمق، ولم يكن حالهم كحال الذين يزنون ويعصون، ويقولون: عندنا توحيد، فأين التوحيد وأين الإيمان مع الانهماك في المعاصي، ومع مجاهرة الله تعالى؟!

    الحياء من الإيمان

    ولقد أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المؤمن بالحياء كما في الحديث: { والحياء شعبة من الإيمان } فأين نحن من الإيمان بهذه الشعبة -شعبة الحياء- التي نص عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فهل عندنا حياء من الله؟! الإنسان منا يأكل والمزمار يُغني أين هذا من حياة السلف الصالح؟

    هذا نافع يُحدِّث عن ابن عمر أنه كان ماشياً فسمع مزماراً فوضع ابن عمر يديه على أذنيه، فقال له نافع: لم فعلت هذا؟ قال له ابن عمر: { مرَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا براع وبيده قصبة فوضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده هكذا } فوضع نافع يده -وهو لا يدري بالحكم وكان صغيراً.

    فهذا جيل يبلغ الحياء من الله بالرجل منهم أنه لا يسمع، ويعتزل المعازف حتى المرء الصغير منهم، ونحن نسمع المعازف والأغاني ونحن نأكل نعم الله، وننام في صحة وعافية، فماذا يقول الإنسان في هذه الحالة؟!

    أيقرأ الأذكار الواردة؟!

    أيحمد الله، وينام على السرير؟!

    وفي السجون وغيرها، فهل يقول: الحمد لله؟

    وهل يدعو بالأدعية الواردة أو بدلاً من ذلك يسمع الغناء؟

    فأين إيمانه وأين حياؤه؟ ينظر الإنسان إلى امرأة لا تحل له في تلفاز أو مجلة أو في الشارع وهي تعمل وتقوم بما تقوم به من حركات، وتقول: هذا مؤمن، فأين الحياء من الله؟ هذا التعري وهذا التبرج يتنافى مع الحياء تمام المنافاة، وهو الذي حرص عليه إبليس منذ أن أخرج أبوينا من الجنة ووسوس إليهما لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20] فهذه هي الخطة الشيطانية القديمة، فإذا نزع الحياء انتهى كل شيء {إن من مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت}.

    وإذا لم يوقفنا إيماننا في هذه الشعبة، فأين حياؤنا من الله عز وجل، إذا وجدنا صاحب منكر ولم ننكر عليه، ونمر بأصحاب المنكرات كأن يكون فاتحاً للمتجر والناس يصلون ولا نقول له: صلِّ، فأين حياؤنا من الله؟ وليكن تغييره بالأسلوب الحسن، فالمهم أن تدخل الإيمان في قلبه، ولا نريد تخويفاً ولا ترهيباً، وإنما نريد أن ندخل الإيمان في قلبه، فهل فعلنا ذلك؟ بل ذهب بنا ضعف الحياء إلى أن نؤيد صاحب المنكر على منكره.

    فهذا غاية الجرأة على الله وغاية التجاوز لحدود الله أن نتعاون على الإثم والعدوان ولا نتعاون على البر والتقوى، فلو اختبرنا إيماننا، وتوحيدنا عند شهوة أو فتنة لسقط فيه إلا من رحم الله.

    فهذا كتاب الله بين أيدينا، هل فيه آية واحدة علَّق الله فيها دخول الجنة على الإسلام، أو جعل الإسلام شرطاً في دخول الجنة، أو وعد المسلمين أنهم من أهل الجنة؟ لا تجدونه يقول: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [الشعراء:227] إيمان وليس مجرد الإسلام، والإيمان درجة أعلى والحياء شعبة منه، فهل نحن فعلاً مؤمنون؟ هل نطمع بجنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ وهل طَمَعُنَا ورجاؤنا فيها وهم وخيال، أم هو على شيء؟

    فيجب أن نراجع أنفسنا، ويجب أن نحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، ونحن قادمون على موسم عظيم وهو موسم الحج، وهذه العبادة كغيرها من العبادات إنما بنيت وركّبت وأسست على التوحيد، وهذا البيت أول من جدده إبراهيم عليه السلام، فإبراهيم إمام الموحدين، فقام هذا البيت على التوحيد.

    وكان هذا البيت قبلة المسلمين جميعاً للتوحد، مبدأ واحد، وغاية واحدة، ومقصد واحد إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26] فأول شيء لا تشرك بي وَطَهِّرْ بَيْتِيَ [الحج:26] ثم ابنِ البيت، فبني البيت على أساس التوحيد الخالص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فيجب علينا أن نكون في أعمالنا جميعاً منطلقين من منطلق تحقيق التوحيد، وتحقيق متابعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يتحقق هذا إلا بهذا، فنصلي كما صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحج كما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونذكر الله كما ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وندعو إلى الله كما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي كل أمر من الأمور نتمثل نهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا تحقيق التوحيد والشطر الأول أشهد أن لا إله إلا الله.

    والشطر الثاني من تحقيق التوحيد هو: أشهد أن محمداً رسول الله، فإذا اتخذنا غيره قدوة، فصلينا على غير طريقته ومنهجه، وذكرنا الله على غير طريقته صلى الله عليه وسلم ومنهجه، فما حققنا شهادة أن محمداً رسول الله، وكأننا نشهد أن الشيخ فلان أو علان هو الذي يتبع، وهو الذي يُقتدى به، وهو الأسوة، وإن كنا نقول باللسان: أشهد أن محمداً رسول الله.

    فتحقيق التوحيد هو أعظم مطلب، وهو الذي به تنال رحمة الله، وتنال النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، ولا يكون هذا الفوز إلا بأن يُعبد الله وحده لا شريك له، وأن يُعبد الله بما شرع، وبما عمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو القدوة، والأسوة، الذي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحيينا ويميتنا على سنته والاهتداء بهديه والاقتداء به، إنه سميع مجيب.

    1.   

    الأسئلة

    هل الصوفية من الإسلام؟

    السؤال: هل الصوفية من الإسلام؟ نرجو التحدث عن طرق الصوفية؟

    الجواب: أنتم جميعاً -والحمد لله- تقرءون كتاب الله، وتقرءون سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل وجدتم في آية منه أو في أي حديث أن الصوفية من الإسلام؟ لا يوجد، ولكن هل في المسلمين صوفية؟ فنقول: نعم، لكن لا يوجد في الإسلام صوفية، أو تصوف؟!

    إذاً: الانحراف وقع من المسلمين، فهم الذين أدخلوا التصوف، وأما القرآن فهو بين أيدينا، ولا يوجد فيه تصوف، ولا يمكن للكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى هدىً ونوراً وشفاءً ورحمةً أن يأتي بهذا المذهب الوثني القديم، الذي يسمونه تصوف، فالناس إنما يقصدون الله، فكثيراً ممن يعبدون الله كرهبان النصارى يظنون أنها لله، وأنها العبادة المقبولة، وكذلك رهبان البوذيين والهندوس يظنون أنها تقربهم إلى الله، وكل واحد يقول هذا، لكن هل هي بالتمني؟

    يقول الله تبارك وتعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فعمله مردود.

    وقد يقول: قصدي وجه الله، وقصدي الخير، فحين نصلي الظهر خمس ركعات فما قصدنا إلا الخير! فلا يقبله الله منهم لأنه ليس عليه أمر الله.

    وقد يقول: إن الصوفية فيها ذكر لله عز وجل فمثلاً عندما نقول: يا لطيف! إحدى عشرة ألف مرة، وأنت تقول: سبحان الله، والحمد لله مائة مرة، فأين الأحد عشر ألف من المائة؟! فنقول: ليست العبرة بالكمية، وإنما هي بالاتباع، فهل شرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا؟ لا لم يشرعه، فإذاً نقف عنده.

    وفي القرآن نقول في كل ركعة: اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم [الفاتحة:6-7] وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] صراط واحد مستقيم، فهذا هو الإسلام، أما الصوفية فتنطوي تحتها مئات من الطرق، فافرض أن واحداً من الشباب اهتدى فأي الطرق يتبع؟

    فهذه تجعل الذكر بهذا الشكل، وهذه عندها الرقص بهذا الشكل، إذاً فأيها دين الله عز وجل؟ وأيها يقبل الله عز وجل؟ فإذا قلت النقشبندية، فلماذا لم تكن القادرية؟ فهم محرومون ومساكين!! فكم من طريقة لديهم؟ ومع ذلك لو دققنا فإن الله لا يقبل من هذه شيئاً، فهذه هي السبل فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] -أي: الصراط المستقيم- وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

    فهذه الطرق ماذا نقول عنها؟ لا يتسع المجال للكلام عنها، ويكفي أن نعلم أن كل ما لم يشرعه الله باطل، وهذه لا أصل لها لا من كتاب ولا من سنة، ومن تصوف من المسلمين ففيه من البدعة بحسبه، فإن تصوف تصوفاً شركيا فهو مشرك، وإن كان على بدعة أقل فهو أقل، وإن كان أخذ شيئاً بسيطاً فهو بقدر ما أخذ.

    فهذه حقائق الإيمان، وهذا من التنبيه، أتظنون أحداً يغش ويقول لك: أنا غشاش، وهل تتوقعون هذا الشيء؟ فلو كان أحدهم يبيع (طماطم) لا تصلح، فهل سيقول: أيها الناس! تعالوا اشتروا الطماطم الفاسدة؟ لا، وإنما يقول: النظيفة الطيبة الممتازة الرخيصة، وهل تريدهم يقولون لك: هذه هي البدعة وهذه هي الضلالة؟ لا، بل يقولون لك: هذه هي السنة، وهذا هو الحق وهذا هو الدين، فلا ننخدع وفقنا الله وإياكم للطريق المستقيم.

    العلم الروحاني

    السؤال: هل هناك علم يسمى علم الروحانية؟ وهل هو التعامل مع ملائكة الرحمن، لأن هناك من يدَّعي هذا، نرجو التوضيح؟

    الجواب: يوجد كذابون ودجالون من السحرة ومن الصوفية، وهي مختلطة مع بعضها البعض، فالذين وصلوا في التصوف إلى هذه الدرجة، يقولون: نحن أناس روحانيون، ونتعامل مع العالم الروحاني، حتى إن بعضهم لا يأكل اللحم، ويقول: من أجل أن أتروح، فما يأكل إلا النباتات لكي يتروح، ويعيش مع العالم الروحاني، فمن العالم الروحاني هذا؟ فلو قلت له: اكتب لي شيئاً عن العالم الروحاني، فسيكتب لك هذه الأسماء التي لا تستطيع أن تقرأها، ويقول: هذه أسماء الملأ الروحاني.

    هذا هو الملأ الشيطاني، وهذه هي أرواح الشياطين التي يتعامل معها، وهذا هو ما قاله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح من حديث عياض بن حمار عن الله عز وجل: {وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين؛ فاجتالتهم عن دينهم، فحرمت عليهم ما أحللت لهم}.

    فهؤلاء يحرمون ما أحل الله من الطيبات، ومن أكل ذات الروح، أسوةً بِعُبِّادِ الهنود الذين لا يأكلون أبداً أي شيء فيه روح، حتى البيض يقولون: هذا نتيجة شيء فيه روح، فلا نأكله، ولا يأكلون إلا النباتات، فهكذا عباد الهنود، وهؤلاء السحرة والدجالون يعملون مثلهم؛ لأنهم على نفس المنهج، فهذا العالم الذي يتحدثون عنه ليس عالم الروحانية، بل هو عالم الشياطين، والشياطين عالم إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم [الأعراف:27].

    ويوم القيامة إذا بعثهم الله وسألهم فإنهم يقولون: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا [الأنعام:128] وأما الملائكة الحقيقيون فإنهم يقولون كما ذكر الله ذلك عنهم: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:41] فيدعون أنهم يعبدون الملائكة، وهم في الحقيقة يعبدون الجن، ويعبدون الشياطين من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فلا تصدق أن هناك عالماً بهذا الشكل، فعالم الملائكة الأطهار الأبرار لا يتعامل مع هؤلاء الأرجاس، وعباد الله من الملائكة هم في كل مكان، فيذكر فيهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنهم يحضرون حلقات الذكر، لهم أعمال؛ فمنهم الكرام الكاتبون، ومنهم السائحون في الأرض، ومنهم ومنهم، فهؤلاء لا يدعون إلى شركٍ عياذاً بالله، ولا يأمرون به، فهم معصومون عن ذلك، وليس هؤلاء من الملائكة، ولا يتعامل تاركوا الدين -هؤلاء الضالون- مع الملائكة، وإنما مع الشياطين.

    حكم إتيان الكهنة والعرافين

    السؤال: ما حكم الذهاب إلى العرافين والسحرة؟

    الجواب: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن ذلك فقال: (من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، والحديث الآخر الذي يقول: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ولا يوجد تعارض بين الحديثين، فإنه ذهب إليه ولم يصدقه في كلامه فلا تقبل له صلاة أربعين يوماً.

    لكن إن صدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن مما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله تعالى: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65] فهذا مما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن خالفه فقد كفر بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه اعتقد أن أحداً غير الله يعلم الغيب.

    حكم قراءة الكف

    السؤال: قرأت في إحدى المجلات أن قراءة علم الكف ليس من علم الغيب؟

    الجواب: السحر أنواع، والرمل أنواع، والعرافة أنواع، فما الذي يخرج الكف عن ادعاء علم الغيب؟ بأي كتاب أم بأية سنة، ما الذي يستثنيها؟! أجاء فيها نص أم جاء فيها دليل؟ فهذه كلها أخاديع وحيل سواء قرأها في كف، أو طست كبير، أو وضعها تحت الوسادة، فأياً كان، فكل ذلك من ادعاء علم الغيب، ومن صدق أن أحداً يعلم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:27].

    أي: من أطلعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على شيء من الغيب من الأنبياء والرسل، وهؤلاء قد ذهبوا إلى الله، أو عبداً من عباد الله الصالحين، يرى رؤيا حق في المنام، فهذه أمور معروفة محددة، أما هذه الدعوى العريضة، فهي من الباطل، فلا يغركم الشيطان بصحة شيء مما قيل لكم، فهذه يلقيها الشيطان على لسان الكاهن، وبينها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث الصحيحة، أن من الفتنة أن يلقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشهاب على هذا الذي اقتبس أو سمع من الملأ الأعلى شيئاً من علم الغيب، فلا يصيبه الشهاب حتى يلقي إلى وليه من الإنس كلمة مما سمع، فيأخذها الإنسي، فيجعل معها مائة كذبة، ثم ينشرها بين الناس، فيأتي الشيطان وأولياؤه، فإذا قيل لهم: إن فلاناً كذاب ودجال، فيقولون: أرأيت في ذلك اليوم قبل عشر سنوات لما أخبرنا عن فلان وكان الكلام صحيحاً!

    فإذا كان ذاك اليوم صدق، فما بال الأيام الأخرى التي كلها كذب! فهم لا ينظرون إلى المائة، ولكن إلى الواحدة، التي جعلها الله فتنة، فما علينا إلا أن نحذر من الفتن عافانا الله وإياكم منها.

    القول بحلول الله في خلقه كفر

    السؤال: هناك من المجرمين من يقولون: إن الله يحل في جسم الإنسان بذاته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؟

    الجواب: من ادَّعى ذلك فقد كفر بإجماع المسلمين، وهو كافر مرتد ويجب قتله بإجماع المسلمين، فهؤلاء الحلولية أو الاتحادية كفار بإجماع المسلمين، وهم أكفر من اليهود والنصارى، كما نص على ذلك علماء الإسلام، ودليل كفرهم قول الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] فالذين قالوا: إن الله حل في المسيح كفَّرهم الله، فكيف نقول: حلَّ في فلان وفلان وفي كل شخص، فهم أكفر من النصارى، وهذا حكمهم، أنهم كفار مرتدون لا صلاة لهم، ولا ولاية ولا دين ولا إيمان، وليسوا من هذا الدين في شيء.

    أنواع التوحيد

    السؤال: نرجو توضيح التوحيد بأنواعه الثلاثة؟

    الجواب: أنواعه هي: توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، وإن شئت فقل توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد الطلب والقصد والإرادة.

    توحيد الربوبية لا يكفي في نجاة العبد

    السؤال: هل يكفي الإيمان بتوحيد الربوبية من دون فهم لتوحيد الألوهية والأسماء والصفات؟ وما حكم من جحد نوعاً منها؟

    الجواب: من جحد نوعاً منها فهو كافر، ولكن لا يكفي نوع عن نوع فهي كلها أجزاءً لشيء واحد، فلا يكفي أن تقول: إن الله هو الذي يخلق كل شيء ويدبر كل شيء، ثم يدعو الإنسان غير الله، بل هذا هو الشرك وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه [لقمان:25] فهذا قول المشركين، فقد كانوا يقولون في التلبية: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك) فلم يقبل الله منهم هذه التلبية، فهذا هو الشرك بعينه، وتقول الصوفية في الولي هو لا يملك شيئاً، فالله يملك ولكنه فقط أعطى هذا الشريك التصرف، هذا هو الذي يقوله الصوفية اليوم، يقولون: إن عبد القادر الجيلاني أو البدوي، لا يملك شيء والله هو الذي أعطاه التصرف، وهذه هي نفس الكلمة الجاهلية: (إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك) فالله يقول: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً [الجن:20] فعلينا أن نوحد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا نشرك بربنا أحداً.

    ثمرات التوحيـد

    السؤال: هل للتوحيد ثمرات ظاهرة في الدنيا؟

    الجواب: نعم، فمنها: اليقين، والطمأنينة، والإخبات، والإنابة، وصدق الإيمان في التعامل مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والاستقامة على أمر الله، والأمر بالمعروف، وطاعة الله وتقواه في السر والعلانية، فهذه من ثمرات التوحيد، فكل خير في الدنيا فهو من ثمرات التوحيد، وكل شر أو مصيبة فهي من عاقبة الشرك والمعاصي.

    علاقة الإيمان بالإسلام

    السؤال: ما معنى كون الإيمان باطناً والإسلام ظاهراً؟

    الجواب: هذا معنى حديث ورد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الإيمان في القلب، والإسلام علانية) وهو الذي يبينه الحديث الآخر الصحيح، وهو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فالإيمان في القلب، والإيمان عقيدة، والإسلام هو: انقياد الجوارح هذا علانية، ولكن بينهما تلازم فإيمان الجوارح أن تطيع الله وأن تمتثل أمره، كما أن من إسلام القلب الإذعان لأمر الله والانقياد له، وإلا فما هو الطاغوت؟

    الطاغوت: هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فأي إنسان تعبده أو تتبعه أو تطيعه فيغ غير ما أمر الله فقد تجاوزت به حده، وإذا تجاوزت في أي إنسان حده فقد جعلته طاغوتاً وعبدته من دون الله، فالأصنام طواغيت، والقوانين الوضعية طواغيت، لأن الله تعالى يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء:60] فكل من عبد من دون الله وهو راضٍ بالعبادة فهو طاغوت، والشيخ الذي يقول للمريدين: إذا مت فأتوني واعبدوني، طاغوت، وإذا هم عبدوه، فقد جعلوه طاغوتاً وإن لم يكن كذلك.

    تفضيل القوانين على الشرع

    السؤال: ما حكم من يفضل القوانين على شرع الله؟

    الجواب: نسأل الله العافية أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] من فضَّل شرع البشر على شرع الله، فهو مثل من يفضل البشر على الله؛ لأن هذا شرع الله وهذا شرع البشر، فمن فضله فكأنه يقول: البشر أعلم من الله بالمصالح، وأفضل من الله، وأحكم من الله -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا- فأياً كان شرع الله في المسائل المالية، أم في المسائل الاجتماعية، فشرع لنا الحجاب، وحرم الربا، والزنا والاختلاط، وشرع لنا كل ما تعلمونه من الأوامر والنواهي.

    فهذا هو وحده الحق والخير الذي يجب اتباعه، واتباع غيره وطاعته شرك وكفر، كما قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] وقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].

    القول بحياة الخضر عليه السلام

    السؤال: القول بحياة الخضر عليه السلام هل هو صحيح؟

    الجواب: لا ليس بصحيح لقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [الأنبياء:35] ولو كان الخضر حياً لما وسعه إلا اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدخول في دينه، ومجاهدة الكفار معه.

    الاحتفال بالمولد النبوي بدعة

    السؤال: هل الاحتفال بمولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السنن؟

    الجواب: نقول: إنه لم يحتفل به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يحتفل أكثر الناس وأشد الناس حباً له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم الصحابة، ولكن الذي احتفل بالمولد هم أبغض الناس لدين الله، وأول من أوجد البدعة هم أبغض الناس لدين الإسلام ولأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم الروافض والباطنيون والمجوس، الذين كانوا مجوساً زنادقة في الباطن وكانوا روافض في الظاهر، وهم العبيديون.

    فهؤلاء أول من أحدث المولد بعد مئات السنين من وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إنهم لم يحدثوه إلا احتفالاً بموت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه جُعل يوم اثنا عشر من ربيع الأول، التي توفي فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدون شك عيداً، ذبائح وولائم، فقالوا: هذا المولد، ونحن نحتفل بمولده، وما أدرانا أنهم يحتفلون بموته، كعادتهم إذا مات من يكرهون، جعلوا يوم موته عيداً، ولا أحد أكره إليهم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه هو الذي هدم ملك كسرى، ودمّر أصحابه رضي الله عنهم النار وقضوا على نار المجوسية، وهدّموا دينهم، فجاء هؤلاء بحقد على الإسلام، فقتلوا الفاروق رضي الله تعالى عنه، الذي أرسل الجيوش إلى هناك، وأوجدوا هذا الدين المبتدع وفرقوا به المسلمين، وأوجدوا هذا الرفض، ثم احتفلوا بموت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعلوه عيداً، وقالوا: نحتفل بالمولد، ولو فرضنا أن قصدهم غير هذا فانظر إلى مناسبتين جاءت في وقت واحد، واحدة مفرحة وواحدة محزنة مؤلمة جداً أيهما تقدم؟ فالحزن يغلب على الفرحة، فهذا اليوم يوم وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الأبد، وليس هناك مصيبة أصابت هذه الأمة أعظم من وفاته وفقده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الأبد، فهل نحتفل بهذا اليوم ونجعله عيداً؟! هذا بالإضافة إلى أنه لا دليل عليه كما قلنا، فهو بدعة لا تجوز.

    حكم حلق اللحية

    السؤال: البعض يحلق لحيته ويقول: الإيمان، في القلب نرجو توضيح ذلك؟

    الجواب: المعاصي تتنافى مع الإيمان، والمعاصي على نوعين:

    معاصٍ ظاهرة: وهذه هدم لشعائر الإسلام.

    ومعاصٍ باطنة وهذه تهدم الإيمان الذي في القلب.

    فحلق اللحية من المعاصي الظاهرة، التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يهدي المسلمين جميعاً فينتبهوا إلى خطره، فأنت تهدم شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، التي بها يتعارف أهل السنة، وبها يتعارف أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي سمة وعلامة وشرف وميزة، ودليل الأسوة والاقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    حتى أفجر الفجار إذا رأى أنك تفعل شيئاً وأنت ملتح، يقول: يا أخي! أنت بلحية وتفعل هذا! فهو يعلم في نفسه أنه لا يليق بمن يكون على سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفعل هذا الفعل، لكن لو كان شخصٍ آخر حالقٍ للحية، فيقول: ليس فيه شيء.

    وما ذاك إلا لأنها شعار، وقدوة، وتحقيق للأسوة ظاهراً، وهو إن شاء الله علامة تحقيق ذلك باطناً، فالإنسان لو غلبته نفسه، وعصى الله، فحين يتوب إلى الله عز وجل يبدل الله سيئاته حسنات، ولو كان الأخ القائل عنده إيمان بالقلب لظهر أثر هذا على الجوارح.

    المعاملة مع الله

    السؤال: بعض الناس يقول: الدين المعاملة، ما تعليقكم على هذا؟

    الجواب: يقصد أنه يقول: الدين المعاملة، فأنا قلبي نظيف ولا أحقد على الناس، فلا شيء أعظم معاملة من معاملتك مع الله، فلماذا لا تكذب على الناس ولا تغش الناس؟ فيقول: عيب، فنقول له: إذا كنت تستحي من الناس فاستح من الله الذي يطعمك ويرزقك ويعافيك وهو خلقك أول مرة، وأخرجك من بطن أمك وأنت لا تعلم شيئاً، ثم تعصيه، وتترك فرائضه، وتقول: أنا أعامل الناس بالطيب، فكيف تكون معاملتك مع الناس صحيحة، وأنت لا تتعامل مع الله، فالدين هو المعاملة، وأول معاملة مع الله، هو توحيد الله، ثم مع عباد الله، (اتق الله حيث ما كنت -فهذه المعاملة مع الله- وخالق الناس بخلق حسن) وهذه المعاملة مع الناس، ولا يمكن أن يقبل هذا إلا بذاك، بل ذاك هو الأصل.

    حكم الساحر

    السؤال: كيف نستطيع الجمع بين التصديق بوجود السحر في قوله تعالى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] وأن نكذب الساحر للحديث الذي ذكرته قبل قليل؟

    الجواب: ما تكلمنا عن تكذيب الساحر، وإنما تكلمنا على الكاهن والعراف الذي يَّدعي علم الغيب، أما الساحر فما يدري أنه كذب فيما سحر، وإذا درى أنه ساحر أو سحر ورأينا سحره عرفنا كفره، فدليل كفر الساحر قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا [البقرة:102] يقولا للمتعلم هذا: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:102].

    وهذا لا يُقال إلا للكافر، لأن من كان على التوحيد فإن له في الآخرة ولو شيئاً يسيراً فينجوا بالتوحيد ولو بعد حين، لكن الذي ليس له في الآخرة من خلاق، والذي ليس له في الآخرة إلا النار، فهذا هو الكافر نعوذ بالله، فالساحر غير الكاهن أو المنجم.

    رؤى المنام

    السؤال: ما رأيك في رؤية الميت في المنام مع محادثته أكثر من مرة؟

    الجواب: الرؤى قسمان: منها حق ومنها باطل، قد تكون هذه من رؤيا الحق، وقد تكون من أضغاث الأحلام التي يلقيها الشيطان بالباطل.

    حكم سب الدهر

    السؤال: ما حكم سب الدهر مثل اليوم والساعة والليلة؟

    الجواب: في الحديث: (لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر أقلب الليل والنهار) فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يدبر الليل والنهار:

    نعيب زماننا والعيب فينا       وما لزماننا عيبٌ سوانا

    كان أحد السلف يقول: إني لأرى أثر المعصية في خلق امرأتي ودابتي، ونحن على ما نحن فيه من عصيان لله عز وجل إذا وقعت مصيبة قلنا: هذا يوم مشئوم والسَّنة المشئومة، فيوم الأربعاء عند بعضهم.

    وبعضهم شهر معين، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] وهذا هو واقعنا، يعفوا عن كثير وإن أصابنا فبما كسبت أيدينا، ولا ذنب لليَّل والنهار، وإنما الذنب على الفجار والكفار.

    حديث الذباب

    السؤال: حديث الذباب {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء} [حديث صحيح رواه الإمام البخاري] يقول بعض الناس الذباب محمل بمكروبات الكولرا فإن سقط على كأس لبن هل أغمسه أم لا، علماً بأن الذباب محمل بالمكروب؟

    الجواب: كون الذباب محمل بالمكروب ليست معلومة جديدة، فالحديث قال: { فإن في أحد جناحيه داء } فهو يقول: أنا محتار كيف أطبق الحديث، فهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ضعه في مطهر، ثم ضعه في الإناء، أو أنه قال لك في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء؟ فهكذا الحديث، فلا يوجد اكتشاف جديد، لكنهم وإن سموه مكروباً، أو فيروساً، أو جرثوماً، أياً كان الاسم فليس هناك إشكال، فلو أن الذباب تطهر من هذه الجراثيم فليس هناك خلاف.

    لكن هذا لنختبر الكلمة التي نقولها كل يوم أشهد أن محمداً رسول الله، فهل نحن نشهد بحق أم أنه مجرد كلام؟ فإذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً وصح سنده، واعتقدنا صحته، وعملنا وآمنا به، فنحن نشهد أن محمداً رسول الله، لكن يقول لك: نحن نشهد أن محمداً رسول الله لكن هذا الحديث فيه مشكلة، فهل يجوز هذا؟ أو يقول البخاري فيه موضوعات، ومن أجل حديث واحد في البخاري يهدم البخاري كله، ويهدم السنة كلها، لأنه لم يعجبه هذا الحديث فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] تسليم لا نقاش معه، ولا تقول: صحيح أن الإسلام حرم الربا لكن (5%) لا تضر، فهذا الحرج هو خلاف لهذه الآية، وهذا يدل على أنك ما سلمت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فإذا كان حراماً فلنسلم ولا يحتاج إلى نقاش، وهذه هي معنى شهادة أن محمداً رسول الله، أفنأتي عند الذباب ونقف مع أن الغمس ليس بواجب، وإنما هو إرشاد وتوجيه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن لو أن أحداً كَذَّب فهذا نقض في العقيدة والإيمان، لكن لو أن مؤمناً بالحديث وصحته قال: إن نفسي تعاف الإناء أو الأكل منه فلا يلحقه شيء، فليس مثل الذي يقول: أنا أكذب بمثل هذا الحديث ولو رواه البخاري ولو رواه الجماعة لأنه يتنافى مع العلم، وفيه مكروبات، فهذا يكذب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    شقاء الإنسان وسعادته

    السؤال: هناك حديث معناه: أن الإنسان يخلق ويكتب شقياً أو سعيداً إلى آخر الحديث، فما معنى الحديث؟

    الجواب: هي أحاديث كثيرة لكن لعل الأخ يقصد حديث الصادق المصدوق حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه {إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد}، فالبعض يقول: أنا مكتوب عليَّ شقي أو سعيد، فما الرد عليه؟

    أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً [مريم:78] لماذا لا يقول: إن شاء الله أكون من السعداء ويصلي؟ والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما كذب المشركين سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الأنعام:148]

    هذه أولاً كذبة جاهلية قديمة يردون بها على الأنبياء حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا [الأنعام:148] هيهات، أعندك علم أن الله كتبك شقي في بطن أمك؟ لا، فهذا هو إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام:148] وهذا هو الذي أخرصهم، ثم قال بعد ذلك: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149].

    فالحجة البالغة التي أقامها الله على عباده هي هذا الدين، وهذا الرسول، ولهذا قال في سورة النحل، بعد نفس الاعتراض وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35] ثم قال الله بعد هذه الآية: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] فلو أن الله تعالى راضٍ عن شرككم وأعمالكم هذه، لما أرسل الرسل تحذركم منها، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36].

    فذاك هداه الله فضلاً، وذلك حقت عليه الضلالة عدلاً منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذه الشبه كذبها الله تعالى في القرآن، فمن يعارض شرع الله بمشيئة الله فهذا هو حاله، لأن القدرية ثلاثة أصناف:

    قدرية إبليسية الذي قال زعيمهم إبليس فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف:16] قال: بما أغويتني، نسب الغواية إلى الله، وهو الذي غوى، والله إنما قدر، لكن إبليس هو الذي غوى، وفسق عن أمر ربه وعصى، فهذه القدرية الإبليسية..

    النوع الثاني: القدرية الشركية الذين قالوا: كما حكى الله عنهم في القرآن: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا [الأنعام:148] فلو شاء الله اهتديت.

    النوع الثالث: القدرية المجوسية الذين يقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه فهذه ثلاثة أنواع، وكل هؤلاء ضلال، وكلها أبطلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه، والصحابة رضي الله تعالى عنهم لما سألوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الأمور: { هل هي فيما نستقبل ونستأنف، أم في أمر قد قضي وقدر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل في أمر قد قضي وقدر. قالوا: ففيم العمل إذاً؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق، له. ثم قرأ قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10] } فعلامة الشقي أنه ميسر له عمل أهل الشقاوة، وعلامة السعيد أنه ميسر له عمل أهل السعادة، وهو الذي يختار ذلك، لكن لا يحتج بما قد كتب، وهو لا يدري ماذا قد كتب.

    مجازاة الله لعباده

    السؤال: هل يجازي الله العبد على شيء قدَّره عليه؟

    الجواب: إن كان القصد بالسؤال: هل سوف يجازيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على شيء هو الذي قدره عليه؟

    فنقول: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غني عن طاعتنا كلها، وغني عن أن يظلم أحداً منِّا ولا يمكن أبداً، ولا أحد أحب إليه العذر من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل المعاملة على نوعين، كما قال: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54] ويَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:105].

    فالمعاملة الأولى بالفضل، والمعاملة الثانية بالعدل، فأما الفضل فللمؤمنين فضل منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مثل حديث اليهود والنصارى، نحن عملنا من بعد العصر إلى غروب الشمس، وأعطانا الله ضعف ما عملوا { فقالوا: لم يا ربنا؟ قال: هل غمطتكم شيئاً من حقكم؟ قالوا: لا. قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء } فالله تعالى يتفضل على المؤمن من عنده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالإيمان بالله فضل من الله، وزيادة الحسنات فضل من الله، والقدرة الجسدية حتى نطيعه فضل من الله، والغذاء فضل من الله، وكل شيء فضل من الله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] والكافر وكله الله إلى نفسه، وأبان له الحجة، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] فلو جاء أحدهم، وقال: يا رب! أنا عندما كنت في الدنيا لم يبلغني آية ولا حديث ولا سمعت شيئاً من الدين، فهل هذا يكون مثل الذين يقول لهم خزنة جهنم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الزمر:71] لا، ليس مثله، ولا يعامله الله مثله، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] فهؤلاء يمتحنهم الله في عرصات القيامة؛ لأنه معذور فالصغير له حكمة، والزِّمِن والهرم الذي أدرك الإسلام في آخر عمره وما فقه منه شيئاً له حكمه، لكن السميع البصير العاقل الذي بلغه أمر هذا الدين، ورفض الاستجابة له، حتى لو جاء يوم القيامة، وقال: يا رب! أنت ما وفقتني للعمل الصالح، فهل هذه حجة عند الله عز وجل، والله عز وجل أعطاك القدرة، وأعطاك الهداية، وأقام عليك الحجة، فالحجة لله وحده قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام:149] وليس لأحد من الخلق حجة على الله تعالى بعد الرسل وبعد الحجج والنذر.

    حكم صلاة التسابيح

    السؤال: ما حكم صلاة التسابيح؟

    الجواب: الراجح أنها لا تصح، وهو قول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، والحديث الوارد فيها ضعيف والمتن منكر، فأنت لو قرأت المتن وحده، فسوف ترى النكارة فيه واضحة، وهذا هو قول العلماء الأفذاذ، وقد يوجد من يخالفهم، لكن أنت اتبع ما هو الأرجح والأفضل.

    حكم لحم الإبل

    السؤال: لحم الإبل هل ينقض الوضوء أم لا؟

    الجواب: نعم ينقض الوضوء.

    لفظة (صدق الله العظيم)

    السؤال: ما حكم قول: صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن؟

    الجواب: الالتزام بذلك بدعة، لكن مرة واحدة عند آية سمعتها لا بأس بذلك إن شاء الله.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756220424