إسلام ويب

الشيوعية بين الانهيار والتجديدللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ حفظه الله عن عملية إعادة البناء التي ينادي بها الشيوعيون الجدد والتي يُتوقع أن تُغير مجرى التاريخ، موضحاً حقيقة هذه العملية وما يتعلق بها. ثم تحدث عن الصحوة الإسلامية والأخطار التي تنتظر هذه الصحوة، مبيناً حتمية المعركة بيننا وبين الغرب، وأنه لابد من عودة الأمة إلى كتاب ربها وسنة رسوله نبيها صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    الدوافع إلى الحديث عن الشيوعية

    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

    ثم أما بعــد:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    الموضوع كما ترون هو من الأهمية بمكان، إذ لا ينبغي للأمة المسلمة وللشباب المسلم وللدعاة أمثالكم أن يظلوا بمعزلٍ عن أحداث كبرى يموج فيها العالم شرقاً وغرباً، وتحدد فيها مصائر أمم وشعوب، ولا بد أن يظهر أثرها على مصير الأمة الإسلامية التي يهمنا جميعاً أمرها وشأنها.

    إن موضوع الشيوعية هو موضوع الساعة، والكل في العالم شرقاً وغرباً يتحدث عن هذه الثورة القائمة الآن في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية عامة، كل يأخذها من منحاه واتجاهه ومنزعه الفكري.

    فالسياسيون يرون فيما يدور هنالك، وما يسمى بـ(عملية إعادة البناء) أحداثاً جديرة بالتحليل السياسي العميق؛ لأن مستقبل العالم السياسي يتوقف أو يتأثر كثيراً بالنتائج التي سوف تسفر عنها هذه العملية، والمحللون الفكريون أو الأيديولوجيون مهتمون للغاية، لأن مذهباً فكرياً من أكثر المذاهب العالمية سيطرةً وانتشاراً يتعرض لهذه العملية الهائلة، التي لم يكن في حسبان أحدٍ أن يتعرض لها.

    والمحللون الاقتصاديون مهتمون جداً بمتابعة هذه الأحداث، إذ سوف يترتب على ذلك من الأمور الاقتصادية الشيء الكثير، وسوف تتغير موازيين كثيرة في أمور الاقتصاد والمال، وهكذا فإن كل إنسان وكل فكرة وكل تخصص يتطلع إلى معرفة الحقيقة عما يدور فيما يسمى (عملية إعادة البناء)، وأولى الناس بمعرفة حقيقة هذا الشأن هم المسلمون، وإن الخلاف القائم الآن في التحليلات الفكرية والسياسية والاقتصادية حول هذه المسألة لجديرٌ بأن نلم بجميع أطرافه ما أمكن، وإن كنا لن ندخل في التفاصيل العميقة والدقيقة لهذا الموضوع.

    1.   

    اختلاف المحللين لعملية إعادة البناء

    الاتجاه الأول

    إن الاتجاه الأكثر شيوعاً ولاسيما لدى المثقفين أو الدعاة الإسلاميين: هو أن الشيوعية تنهار وتنحسر وتتراجع.

    ومع تسليمنا بأن هناك جانباً عاطفياً يتدخل في هذه النتيجة، وأن الشعور بالارتياح العام لدى الأمة الإسلامية، يؤثر في استنتاج هذه النتيجة، فإن لها قدراً من الصحة لا يخفى على أي متفطن.

    أولاً: نحن المسلمون نؤمن إيماناً قاطعاً بأن كل ما سوى الإسلام باطل وزائل ومنهار، وأن هذه المبادئ التي أُسست على غير الإيمان بالله، وعلى غير تقوى الله، وعلى غير هدى من الله، فلا ريب أنها تنهار وتنحصر، ولكن هل ذلك يحصل الآن؟

    هنا نقطة الاختلاف، فالذين يرون الانهيار يقولون: ماذا بعد سقوط هذه الدول دولة تلو الأخرى في شكلٍ مسرحي يثير الدهشة لدى كل المحللين؟

    دولٌ كانت قلاعاً كبرى لهذا المبدأ، وإذا بها تتهاوى كبيوتٍ من الورق تلتهمها نار الثورة، أليس هذا انهياراً؟

    أو ليست الشيوعية من طبيعتها الحتمية الثورة؟

    فماذا تريدون أكثر من أن الشعوب تطالب بـالديمقراطية، وتثور على الثورة وتنتصر عليها؟

    والأعجب أن يكون قائد هذه الحركة هو الاتحاد السوفيتي نفسه، بل أن يكون قائده هو زعيم الشيوعية العالمية ميخائيل جورباتشوف، هو بنفسه المشرف على هذه العملية الضخمة التي توصف بحقٍ بأنها أكبر حدثٍ في تاريخ أوروبا أو في تاريخ العالم -كما يقال أحياناً- منذ الحرب العالمية الثانية.

    أليست الدبابات الروسية قد دكت المجر في عام (1956م)، ودكت براز في تشيكوسلوفاكيا عام (1968م)، أليست روسيا والأحزاب الشيوعية وراء كل ثورة قامت في العالم وفي العالم الإسلامي بالذات من أجل إحلال الماركسية اللادينية محل العقيدة الصائبة والنظام الموجود؟

    وماذا بعد هذا من علامات الانهيار؟

    أو ليس الرئيس ميخائيل جورباتشوف قد أعلنها صراحةً -أو ظناً- بعد اجتماعه مع بوش في مؤتمر مالطا بأنه لن يتقاسم العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا تراجع كبير، وهنالك كثير من الاستنتاجات بشواهدها الدالة على أن الشيوعية حقاً تتعرض لانهيارٍ شامل، وقد أفضى ذلك إلى الاعتقاد بأن الرئيس جورباتشوف ما هو إلا صنيعة رأسمالية أو دسيسة غربية أريد هدم الشيوعية به أو من خلاله، وبتزعمه أو بتسلطه على الحزب وعلى الدولة استطاع بتلك القبضة أن يفعل ما أراد، وأن يحقق هذا الهدف الذي يباركه الغرب في شتى قطاعاته وفي مختلف أنظمته وأوضاعه.

    الاتجاه الثاني

    أما الاتجاه الآخر القائل بأن الشيوعية في مرحلة تجديد، وأن عملية إعادة البناء ما هي إلا تطوير للمذهب، وما هي إلا نقلة ضمن نقلات ومراحل مرت بها الشيوعية منذ تأسيسها، فإن هذا القول له شواهده وله مؤيداته.

    وهذا هو ما ينادي به ميخائيل جورباتشوف بنفسه، فهو يقول في كتابه: عملية إعادة البناء ويكرر بأن المسألة: هي إعادة بناء كما سميت، وأنها تجديد للاشتراكية، ولعل المراد هو من العملية تطبيق الاشتراكية تطبيقاً صحيحاً، وإدارة الدول بأفضل وسيلة لتحقيق الأهداف الاشتراكية.

    إن جورباتشوف ينتقد النهج الاستاليني بقوة، ولكنه لا يثور ولا يتعرض لمسألة فساد أو خلل الفكرة في ذاتها، فالأيديولوجيا أو العقيدة في ذاتها مقدسة عند جورباتشوف وإنما الإشكال عنده في التطبيق، بل هو يعتذر في مواضع من كتابه عن الخلل الذي حدث في أيام استالين، وبعض الخلل كما كان في مشكلة الشئون الاجتماعية والمرأة.

    يقول: ''إن ظروف الحرب -أي الحرب العالمية الثانية- جعلتنا نتغاضى أو نتجاوز كثيراً في مسألة التطبيق أو الالتزام بالمبدأ، فكان هذا التجاوز لا بد أن يصحح يوماً ما، وهاهي ذي عملية إعادة البناء قائمة على ذاتها''.

    ويؤيد جورباتشوف كلامه بأنه في كل اجتماعاته وهو ذلك الخطيب المفوه والمجادل المقنع مع الأدباء، ومع المفكرين، والسياسيين، والصحفيين، والمغنيين، والفنانين، والفلاحين، وكل قطاعات الشعب يقول: ''إن الكل يؤيد عملية إعادة البناء، ويرى أنها تمثل روح الثورة وحقيقتها، وأن الانحرافات الماضية، وألوان الفساد الإداري التي ظهرت جديرة أن تصحح وفقاً للمنهج الشيوعي الصحيح''.

    ومما يؤيد به أصحاب الرأي الثاني: أن الشيوعية تتعرض لتطورٍ وتجديد لا لانهيار وتدمير أن الوضع الذي حدث في أوروبا الشرقية لم يكن للاتحاد السوفيتي نفسه، فكل ما حدث من انهيارات للنظم الديكتاتورية هو في أوروبا الشرقية التي يشرف عليها الاتحاد السوفيتي بطبيعة الحال، لكن ذلك لم يمس الجوهر الأساسي للشيوعية كما أخفق إلى حد ما في سقوط الشيوعية أيضاً.

    كذلك يبررون هذا الموقف بأن ما حدث إلى الآن لم تظهر نتائجه كاملة في دول أوروبا الشرقية، لأن الأشخاص الذين اختيروا في أغلب الدول وفي كثير من الأحيان هم من النوع المسمى الشيوعيين الإصلاحيين، فلم يجمع الناس على الخروج عن المبدأ، وإنما الخروج على الفساد الإداري أو السلطة الإدارية القائمة، ولذلك فكل الأحزاب إما شيوعية إصلاحية وإما اشتراكية، والذين اختيروا في الغالب لا يرفضون الشيوعية منهجاً، وإنما يرفضون التطبيق الذي حدث في تلك الدول.

    فهذا -أيضاً- مما يدعم موقف أولئك الذين يرون فيها تطويراً وتجديداً لا تدميراً وانهياراً، كذلك فإن الذين يقولون بهذا القول يرون أن الغرب يوجد فيه أحزاب شيوعية، ومنذ أن قامت ثورة شيوعية، ولو رجعنا للوراء قليلاً فالخلاف في حقيقة الماركسية وتطيبقها طويل.

    وكل مذهبٍ ضال وكل مذهب منحرف عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلابد أن يكون كذلك، التفرق في الأهواء والاختلاف والجدل، فقالوا: إنه منذ أن كان لينين وكان تروتسكي؛ المونشفيك والبولشفيك، البلولشفيك هم الأكثرية من البلاشفة، والأقلية هم المونشفيك الذين كان يمثلهم ترتوسكي وجماعته وجدت الدولية الثانية ثم الدولية الثالثة ثم الدولية الرابعة والبونشفيك أي: أن الشيوعية خارج الاتحاد السوفيتي كانت تمثل عدة اتجاهات.

    ومنها: اتجاه كان يشتد في إنكاره على لينين واستالين، لأنهم أقاموا الشيوعية في بلدٍ واحد، والشيوعية مبدأ عالمي، والشيوعية كما يرون نظرية كونية عالمية، فكيف تطبق في بلدٍ واحد وهو بلدٍ زراعي -أيضاً- وليس بلداً صناعياً وهو روسيا، ولذلك يرون أنه لا بد أن تعم الثورة أوروبا جميعها، وأن تقوم في كل مكان دفعة لكن بأية طريقة؟!

    هنا اختلفوا، فمنهم من يرى التغلغل بالوسائل السلمية، ومنهم من يرى الثورة المسلحة كما قامت في روسيا تحت شعار الثورة الحمراء.

    والذي حصل أن الأحزاب الشيوعية في العالم الغربي كانت تنشق وتتباعد شيئاً فشيئاً عن الاتحاد السوفيتي، وعن تطبيقات الشيوعية في أيام استالين، إلى أن برزت أحزاب شيوعية كبرى كـالحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي الإيطالي.

    فمثلاً: الشيوعيون في فرنسا لهم قوة واضحة في السياسة، كما أن الأحزاب الاشتراكية تحكم في كثيرٍ من الدول الغربية، وهي قائمة وموجودة، ولها قوتها ونفوذها، فكأن ما يحدث الآن هو تأييد لنوعٍ من أنواع الشيوعية الدولية ضد التطبيق الأستاليني المنتهج عملياً في الاتحاد السوفيتي.

    نتيجة إعادة البناء على العالم الإسلامي

    من هنا نصل إلى نتيجة لا يهمنا مقدار صحتها بقدر ما يهمنا الحقائق العملية التي تترتب عليها بالنسبة لنا نحن العالم الإسلامي.

    فهذه النتيجة التي نستخلصها تقول: "إن أوروبا ككل تتجه نحو التقارب".

    أي: أنه لو عدنا أدراجنا إلى القرن التاسع عشر، أو بالأحرى إلى بداية الثورة الشيوعية وإلى عهد لينين الذي حكم من عام (1917م) إلى عام (1924م)، نجد أن الفرق الواضح الجلي بين الشيوعية وبين الرأسمالية قد تلاشى، وقد تقاربت أوروبا شرقها وغربها.

    الشرق لم يعد شيوعياً ماركسياً حرفياً، وكذلك الغرب لم يعد رأسمالياً إمبيريالياً حرفياً، ولاشك أن هذه حقيقة واقعة لا يجادل فيها أحد.

    وبناءً عليه فإن ما حصل من عملية إعادة البناء للاتحاد السوفيتي هي اقتراب مما تطالب به الأحزاب الاشتراكية عامةً، بل والأحزاب الليبرالية في العالم الغربي، من ضرورة الموازنة بين سلطة الدولة والشعب، بين قيمة الفرد وبين قيمة المجتمع، أو حقوق الفرد وحقوق المجتمع، فبعد أن كانت الشيوعية مبدأً جماعياً محضاً، وكانت الرأسمالية مبدأً فردياً محضاً، يتجه كل منهما إلى نوع من حلول الوسط.

    1.   

    وحدة العالم الغربي

    هنا تكون نقطة التقاء، بمعنى: أن الأطروحات التي يطرحها ميخائيل جورباتشوف للاتحاد السوفيتي، وينادي بها الذين أحدثوا الثورات المتلاحقة في أوروبا الشرقية لا تتغير كثيراً عما ينادي به ويطرحه كثير من رؤساء الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في أوروبا الغربية.

    حقيقة جرباتشوف

    إن من يتتبع تاريخ هذا الرجل جورباتشوف يجد أنه قد رُبي بعناية، وقد أخرج وأبرز بعناية من الحزب الشيوعي نفسه وليس فقط -كما يرى البعض- أنه أبرز برعاية الغرب الرأسمالي، وذلك أن عملية إعادة البناء قد بدأت -في الحقيقة- في أيام يوري أندربوش، بل بيرجنيف بنفسه وهو الرجل المتصلب على حرفية الشيوعية كان يشارك في كثير من نقاط العملية، وقد أسهم إلى حدٍ ما في إبراز جورباتشوف، فرجل شاب نشط صاحب مواهب هُيئ من أجل أن يقوم بهذا الدور الخطير، الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج كُبرى في تاريخ الفكر والسياسة العالمية.

    هيئت جميع السبل أمام جورباتشوف ليصبح زعيماً عالمياً عن دراسة من الحزب، فهو ليس رجلاً مستبداً متسلطاً أتى ليحكم -وإن كان ذلك ليس بغريب على الاتحاد السوفيتي- ولكن كان هناك إعداداً، من السلطة القوية للحزب، وكذلك الفروع يستحيل معها أن يأتي رجلٌ بمجرد أنه مستبد وخارج عن الحزب خروجاً كلياً، فيصل إلى أن يكون رئيساً للحزب ورئيساً للدولة في وقتٍ واحد، وهذا ما يُفسر أن الارتياح الغربي لوجوده يقابل بالشكوك، وبعض التحليلات الغربية ترى أنه قد يفشل، وبعضهم يرى أنه قد ينتهي، وبعضهم يتفاءل، وبعضهم يتمنى أن يطول هذا الأمد وهذا الحلم ليرى ما هي النتيجة التي سوف تنكشف عنها هذه المغامرة.

    أثر الوحدة الغربية على الاتحاد السوفيتي

    نجد أن بعض الأمور أو الخطوات العملية -وهي التي أختصر لكي أصل إليها- وهي التي تهمنا نحن المسلمين أكثر فأكثر، فقد ظهرت وبرزت منذ عملية إعادة البناء التي نادى بها جورباتشوف.

    من ذلك: أن أوروبا الغربية مقبلة على اتحاد، وأن تكون برلماناً واحداً، وأن يكون لها وجود وكيان اقتصادي واحد، والدول المتفقة على هذه الوحدة يبلغ مجموع سكانها (325) مليون، وهي بذلك تصبح أقوى بشرياً من أكبر تجمع غربي قائم الآن، وهو الولايات المتحدة الأمريكية فيصبح هناك ولايات أوروبية متحدة أكبر وأقوى بشرياً من الولايات المتحدة الأمريكية، وينتج عن ذلك سيطرة اقتصادية أكبر، ووقوف في وجه المنافسة مع أمريكا ذاتها أو مع اليابان أو غيرها.

    هنا لا بد أن يقف الاتحاد السوفيتي في موقفٍ حرج للغاية أمام الانهيار الذي يُعاني منه اقتصادياً وعلمياً، والانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه هو أحد الأسباب التي يُركز عليها جورباتشوف في كتاباته وفي محاضراته وفي لقاءاته عن عملية إعادة البناء، وهناك حادثتان للتمثيل عن ذلك:

    الحادثة الأولى: حادثة الإشعاعات النووية التي تسربت من تشر نوبل وهي -كما تعلمون- قد أثبتت عجز الاتحاد السوفيتي عن مقاومة أو تدارك أخطار هذه الإشعاعات.

    الحادثة الثانية: حادثة زلازل أرمينية حيث عجزت الطاقة السوفييتية عن ملاحقة ومتابعة الحادث، مما اضطرهم إلى الاستعانة بالدول الغربية، سواء بانتشال الجثث، أو إيواء المشردين، بالإضافة إلى النقص الهائل في المواد الغذائية كالقمح والسكر وغير ذلك.

    فكيف سيكون حال الاتحاد السوفيتي لو أن أوروبا وهي مقبلة على التوحد توحدت فعلاً؟! وأوروبا الشرقية إنما تعيش على معونات الاتحاد السوفيتي، والأحزاب والدول الشيوعية في العالم إنما تعيش على مساعدات الاتحاد السوفيتي؛ إذاً كيف سوف يكون هذا الوضع في حالة توحد أوروبا الغربية؟!

    وبالتأكيد فـ الولايات المتحدة الأمريكية بهيمنتها العسكرية سوف تربطها بـأوروبا أقوى الروابط، ومعنى ذلك أن تجمعاً أوروبياً غربياً يشكَّل ويؤلَّف بإرادة ستمائة مليون أو أكثر، سيكونون قوةً كبرى سياسياً واقتصادياً تواجه الاتحاد السوفيتي، ومن هنا فإن جورباتشوف يعتبر أن عملية إعادة البناء هي في حقيقتها إنقاذ للاتحاد السوفيتي، وإنقاذ للشيوعية عموماً من الانهيار والاضمحلال.

    أثر وحدة الغرب على العالم الإسلامي

    طلب الرئيس جورباتشوف من مجلس الأمن القومي الأوروبي أن يعجل تاريخ انعقاده وأن يدخله الاتحاد السوفيتي، فدول أوروبا الشرقية بعد أن تخلت عن الشيوعية الشكلية الرسمية المباشرة، أصبحت موسكو في حل من الالتزامات الاقتصادية والمالية تجاهها، وأصبح العالم الغربي يرى نفسه مرغماً أو ملزماً أدبياً بمساعدة هذه الدول؛ لأنها اتجهت إلى الديمقراطية، ومن جهة أخرى ليؤسس مؤسسات اقتصادية داخل هذه الدول.

    ومقابل ذلك الاتحاد السوفيتي بقي الوحيد خارج هذا النطاق، ولذلك يرى كما طلب جورباتشوف تعجيل مؤتمر الأمن القومي الأوروبي، وأن يدخل الاتحاد السوفيتي ويشترك في هذا المؤتمر، ولو تم ذلك -والأمر يُرتب له- فسوف يصبح قوة أوروبية هائلة.

    بمعنى أنه سوف تصبح أوروبا شرقها وغربها متحدة إلى حدٍ ما إن لم يكن اتحاداً كلياً -كما هو الآن مشاهد في أوروبا الغربية- فسيكون اتحاداً اقتصادياً، واتحاداً في كثير من المواقف السياسية والعملية، وسيترتب على ذلك خطرٌ داهم للعالم كله وبالذات على العالم الإسلامي، وهو العدو الوحيد المستهدف من الشرق والغرب دائماً.

    الاتحاد السوفيتي يسكنه ما يقارب (280) مليون نسمة، والدول التي تدور في فلكه مع الدول الأخرى التي سوف تدور في فلك (الستمائة مليون) الذين يُكونون أوروبا الغربية وأمريكا، معنى ذلك كما هو واضح أن قوة بشرية تعدادها أكثر من (ألف مليون) سوف تكون موحدةً إلى حدٍ ما وبشكل ما من أشكال الاتحاد، وسوف يدفع ثمن هذا التوحد هو العالم الإسلامي!

    فهذا التوحد صليبي بلا ريب؛ لأن أكثر الدول حرباً للأديان وهي روسيا قد أعلن جورباتشوف إحياء القيم الروحية فيها، واحتفل بمناسبة بلوغ ألف سنة على إنشاء الكنيسة الكاثوليكية.

    جورباتشوف بنفسه زار البابا في الفاتيكان وهي أغرب زيارة في العالم، لم يخطر على بال أحد أن يزور رئيس الدولة الإلحادية الكبرى زعيم العالم الروحي -كما يسمى- النصراني، وثورة بولندا باعتبار أن البابا بولندي الأصل أيضاً كانت تُبارِك من قبل البابا، وهي أول شرارة تفجرت في أوروبا الشرقية.

    إذاً: ألف مليون -على الأقل- يتوحدون توحداً صليبياً، وهم يُشكلون أقوى قوة عسكرية في العالم بلا ريب، لأن القوة التي تضم أوروبا الغربية مع الولايات المتحدة الأمريكية مع القوة السوفييتية لن يكون هناك أقوى منها.

    وعندما كانت الحرب سواءً كانت الحرب الباردة أو الساخنة، كان العالم في معسكرين مختلفين، كان هناك ما يمكن أن يستفاد منه من التناقضات الدولية بالنسبة للعالم الإسلامي، أما لو توحدت القوتان العظيمان، فإن العالم الإسلامي سيجد نفسه أمام أبوابٍ موصدة، إما أن يقاوم أو أن يستسلم، فهو أكبر منطقة يحرص الطامعون من الشرق والغرب عليها، بالإضافة إلى الحقد التاريخي القديم.

    أمثلة من آثار الوحدة الغربية على المسلمين

    ونضرب مثالاً واحداً: قضية أفغانستان وهي القضية الحساسة المهمة جداً بالنسبة لنا نحن المسلمين، تأثرت بهذا التقارب الدولي العالمي تأثراً كبيراً، ولذلك أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي معاً الموافقة على إعادة الملك ظاهر شاه إلى حكم أفغانستان، وإجراء انتخابات، واتفقت الدولتان.

    في حالة اختلافهما قد يكون هناك مدخل أو مبرر للمجاهدين في الدخول في اللعبة الدولية بنوع من الدراسة التي قد تُعطي بعض النتائج، لكن في حالة الاتفاق لا شك أن الموقف سيكون أصعب، والمواجهة ستكون أشد بالنسبة للمسلمين، وهذا مثال واحد وغيره كثير.

    وهناك مثال واضح جداً لا يكاد يمر يوم إلا وتسمعون عنه وتقرءون عنه: وهو أن من إثبات حسن النوايا لدى جورباتشوف عموماً وأوروبا الشرقية خصوصاً، أنهم بادروا لإقامة العلاقات مع إسرائيل، بل الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفيتي ومن أوروبا الشرقية إلى إسرائيل وأصبحت من الموضوعات الأساسية، وقد ناقشها جورباتشوف وبوش في مؤتمر مالطا، وأصبح واضحاً جداً، وقد اشتكى المسلمون واشتكى العرب، واشتكت منظمة التحرير من هذه الظاهرة، وهي هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي.

    وقد نشرت دول أن الذين هاجروا من الاتحاد السوفيتي أكثر من (ثلاثة وسبعين ألف) يهودي، وهم طبقة مثقفة ونوعية معينة، وسوف تقام لهم مستوطنات، وسوف يكون ذلك على حساب السكان المسلمين الأصليين، الذين سوف يتزايد عليهم العبء ويتضاعف، ولا سيما مع التناقص العددي الرهيب والشديد الذي يقع الجهاد الفلسطيني فريسة له، إذ كل يوم يخسر أعداداً بشرية، حيث إن حالات الإجهاض التي تمت منذ قيام الانتفاضة أكثر من (ثلاثمائة ألف) حالة، ومعنى ذلك أن هناك إصراراً وتعمداً للاضمحلال البشري بالنسبة لسكان الأرض المحتلة الأصليين، وإحلال أولئك اليهود الشرقيين والسوفيتيين محلهم، وهذا -أيضاً- أحد المؤشرات الأولية، وما تزال الأمور في بدايتها.

    وأمام هذا نقول: إن الخلاف بين الغرب والشرق مهما قيل عنه فإنه يظل محدوداً، ولا سيما أن أرض الواقع فرضت ذلك، والواقع أن الدول الغربية قد أسهمت كثيراً في تأمين العمال وترفيههم، وفي مشاركاتهم في الشركات والمؤسسات.

    بمعنى أنها قطعت كثيراً من الطرق التي يمكن أن تتسرب منها الشيوعية الماركسية للتطوير والتغيير الكلي، وبنفس الوقت: فإن روسيا تراجعت في كثير من أمورها عن التطبيق الحرفي للماركسية، وأصبحت توائم وتوازن بين الملكية الفردية والملكية الجماعية، وأصبحت النظرة المتفق عليها بين كلا المعسكرين هي إيجاد القوة الاقتصادية لشعوبها، وتأخر إلى حدٍ ما موضوع العقيدة أو الأيديولوجية أو المبدأ أمام الضغط الاجتماعي والضغط الاقتصادي.

    فإذا أضيف ذلك إلى أن الكفار وأوروبا جميعاً موحدة نفسياً وتاريخياً ضد الأمة الإسلامية، فسوف يبرز للعالم الإسلامي هذا العدو الجديد، وهو عملاقٌ ضخم لا يمكن أن يقاوم إلا بقوة تقوم في هذه الأمة، وهي -والحمد لله- تملك ذلك، لكن يحتاج إلى مقاومة ليست كأي مقاومة، ونحن نؤكد: أن النصر للإسلام، وأن الغرب مهما تجمَّع ومهما توحد فإنه مخذول بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    1.   

    مع الصحوة الإسلامية في المعركة

    يجب أن نعلم أن المعركة سوف تطول، وأن نهايتها لن تأتي بسلام، وأن هذه الأمة ستدفع تضحيات كبرى من أجل أن تنتصر على هذا العالم الذي يتفوق عليها في كثير من الشئون والمجالات، ومن ذلك أن الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية في العالم الإسلامي إن جرت عليها عملية إعادة البناء؛ فإنها لن تجري إلا بتضيحات من المسلمين بطبيعة الحال ولن تدفع هكذا، ولو أن الأمة أرادت إعادة البناء لتبني دينها وإيمانها وإسلامها، فإنها سوف تكون في حالة مواجهة مباشرة مع هذا العدو الجديد، ومع (ألف مليون) صليبي يترصدون لها.

    الصحوة في الجزائر والعبرة منها

    ظهرت حادثة -ومع الأسف الشديد- وقليل من كتب وحلل عنها، ولكنها بارزة ومهمة، ويجب أن نعيها تماماً، وهي الحادثة التي وقعت في الجزائر، فأحداث الجزائر فيها عبرة كبرى بالنسبة لنا المسلمين جميعاً.

    قام الشيوعيون بإخراج (ثلاثة آلاف) امرأة في مظاهرة لإلغاء قانون الأسرة، لأنه مأخوذ من الشريعة الإسلامية جملة وكذا في كثير من تفصيلاته، ثم أخرجت جبهة الإنقاذ مليوناً ونصف امرأة، مع مليون من الرجال، خرجوا بمظاهرة يطالبون بالإسلام.

    وكان ذلك الوجود الضخم الذي أزعج الصحافة الغربية والشرقية معاً، ولم يكن في الأمر أية غرابة، لماذا لم تصنف على أنها محاولة إعادة بناء؟!

    لماذا يحرم علينا نحن المسلمين فقط إعادة البناء؟

    لماذا لا يقال: هذا من حقهم، كما أن من حق التشيكي والألماني الشرقي والروماني أن يثور، وأن يغير وأن يتراجع؟

    لماذا لا تراجع هذه الأمة نفسها؟!

    الذي حصل مع التعتيم الإعلامي إن بعض الصحف الغربية أوردت تصريحاً لـشيراك رئيس فرنسا الدولة الأولى التي يهمها موضوع الجزائر قال فيه: ''لو أن هؤلاء الأصوليين نجحوا في الحكم، لتدخلت في الجزائر كما تدخل بوش في بنما''.

    وهذا يُعبر عن الحقيقة التي سوف يأتي يوم من الأيام، ونراها كواقع مشهود.

    وهي أنه في حالة تضاؤل الأحزاب الشيوعية في العالم الإسلامي وهي متضائلة ومتهالكة -بإذن الله- وفي حالة عجز وفشل الأنظمة الموالية للغرب في العالم الإسلامي من احتواء الصحوة الإسلامية والقضاء عليها وتفكيكها، وهي عاجزة وفاشلة -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وخائبة في ذلك، ففي هذه الحالة لن يجد الغرب بديلاً إلا أن يتدخل بنفسه عسكرياً في العالم الإسلامي، وهذا ليس بغريب عليهم، فلقد تدخلوا في أفغانستان وفي مناطق أخرى، وأحداث أذربيجان ليست ببعيدة، وإن كانت هي داخل الستار الحديدي، ومعاملة أذربيجان غير معاملة لتوانيا وجمهوريات البلطيق مع أن الحزب والدولة واحدة والنظام واحد، وخروج القوات الروسية من أفغانستان لا يتعارض واقعها مع هذه الحقيقة لأسباب منها:

    أولاً: أن الاتحاد السوفيتي أخرج القوة العددية الجسدية، لكن المساعدات والقوافل الضخمة من الأسلحة والعتاد تتدفق يومياً أو شبه يومي -متى ما استطاعوا- إلى داخل أفغانستان.

    ثانياً: أن الوضع هو محاولة ترتيب وتخطيط لما سوف ينتج بالنسبة لمحاولة إثبات حسن النيات، كما تم حكم النيابة بالنسبة لـأوروبا الغربية، وبعد ذلك عندما تتوحد النظرة إلى حدٍ ما في القضايا الدولية، فسوف نجد أن القرار لن يكون قراراً روسياً هنا، ولن يكون قراراً فرنسياً بالتدخل في الجزائر أو في غيرها وهنا الخطر! لأن القرار سيكون قراراً صليبياً تجمع عليه أوروبا شرقها وغربها والولايات المتحدة الأمريكية ومن دار في فلكها، وهم جزء من الغرب، وسوف يجمع هؤلاء على هذا القرار، سواءٌ كان احتلال أية بقعة من العالم الإسلامي أو أي تدخل مباشر في أي بقعة من العالم الإسلامي، وهذا يضاعف مخاطر مستقبل الصحوة الإسلامية، رغم يقيننا بأن النصر للإسلام -بإذن الله- ولا شك في ذلك.

    ولكن هذا ليحفزنا إلى البناء الحقيقي، بناء العقيدة، والإيمان في القلوب، والمواجهة الجادة المخطط لها، لمواجهة هذا العدو الماكر القوي الخبيث.

    الصحوة والمعركة القادمة

    نحن -في الحقيقة- لا نريد أن نُخطئ في تطبيق بعض الأحاديث النبوية على هذا الواقع أو غيره؛ لأن هذا من علم الغيب، لكن نحن نؤمن إجمالاً بما صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنه في آخر الزمان سوف يغزونا الروم، وتكون الملحمة في بلاد الشام، جاء في أحد الأحاديث: { فسطاط المسلمين سوف يكون في الغوطة في مدينة دمشق } أي: أن مسرح الأحداث سيكون واحداً، فالحروب الصليبية استمرت قروناً، ومسرح أحداثها هو هذه المنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وكذلك في آخر الزمان كما صحت الأحاديث في ذلك: { تقوم الساعة والروم أكثر الناس} ويقومون ويغزون المسلمين، وتكون المعارك في الشام أيضاً.

    أي: أن المواجهة مع الغرب عسكرياً أمرٌ لا بد منه، والإعداد لها أمرٌ مطلوب ولا بد منه أيضاً.

    الإعداد للمعركة على نهج الكتاب والسنة

    وهنا نقول: إنه أياً كان ما تتعرض له الشيوعية، سواءٌ كان انهياراً كلياً أو تطويراً وتجديداً، فإن المسألة تتطلب منا أن نكون واعين بأن مستقبلاً خطيراً يهدد الأمة الإسلامية، وألاَّ ندع مجالاً للعواطف التي تقول: إن هذا الانهيار سوف يتيح للإسلام نشر الدعوة!

    نعم! قد يسمح لنا أن نصدر الكتب، ونرسل المصاحف، وأقصى ما يمكن أن نصل إليه أن يكون الحال كما هو الحال في أمريكا، ولكن هل تسمح أمريكا بقيام دولة إسلامية؟

    حقيقية كما لو قامت -إن شاء الله- في أفغانستان.

    وهل ترضى أمريكا بأن يتسلم المجاهدون الحكم في أفغانستان؟!

    ستقف أمريكا بكل قوة وفي أي مكان، ولن تسمح بقيام دولة إسلامية نقية على منهاج الكتاب والسنة -أبداً- في أي بقعة من بقاع العام الإسلامي، فكيف إذا اتفق الغرب والشرق على ذلك وهو العدو المشترك لهما؟

    كيف والأفعى اليهودية هي التي تحرك العالم شرقاً وغرباً؟!

    لا بد للأمة الإسلامية أن تعد العدة، والنصر قادم بإذن الله وقد قام عماد الدين زنكي ونور الدين وصلاح الدين في أوقات الانحطاط والضعف والفرقة في العالم الإسلامي وسيطرة الباطنية والروافض وأشباههم.

    ومع ذلك كما قال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في أكثر من موضع في الجزء الثاني والعشرين من الفتاوى يقول: ''نََصَرَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نور الدين وصلاح الدين على قلة العدد والمال بالإيمان''.

    لأنهم كانوا مخلصين في إيمانهم بإذن الله يقول: ''لأنهم كانوا لا يوالون الكفار، ولم يكونوا يوالون اليهود والنصارى ''.

    والغرب لا شك لن يسمح بقيام أمة لا تواليه، ولا تتشرب مبادئه، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى كون هذا العبء ثقيلاً يفرض علينا مضاعفة الجهود في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وفي تحذير هذه الأمة وتنبيهها، وأن الحل الوحيد في كل مشاكلها لا يمكن أن يكون إلا بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    فعلى أية دعوة تدعو إلى غير الكتاب والسنة أو تدعو وفي دعوتها دخن، فعليها أن تراجع نفسها، لأنها لن تقدم العالم الإسلامي، بل سوف تؤخره ولا ريب، لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

    ولن يتوحد العالم الإسلامي -بإذن الله- إلا في ظل الكتاب والسنة، وفي ظل دعوة لا ترتبط على الإطلاق بالأشخاص ولا بالنظرات الضيقة، بل هي دعوة لكل (الألف مليون) مسلم إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهاج واضح: علم، وجهاد، ودعوة، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، وهذا ما سوف يقوم، وقد بدت بشائره -والحمد لله- واضحة في الجهاد الأفغاني، وفي الجهاد الإرتيري، وفي الجهاد الفليبيني، وفي مناطق كثيرة شملتها الصحوة الإسلامية، كما أشرنا في أحداث الجزائر، وكذلك في ليبيا وتونس، وكل بلد -والحمد لله- توجد فيها هذه الصحوة الإسلامية، أو بشائر لها يجب أن تستمر، وأن يكون الكتاب والسنة هو منهاجها الوحيد، وكذلك فهم السلف الصالح نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحقق ذلك، إنه سميع مجيب.

    1.   

    الأسئــلة

    الاستفادة من الأحداث

    السؤال: لماذا لا يستفيد الإسلاميون من هذه الأحداث؟

    وما هي أوضاع المسلمين في الجمهوريات الإسلامية؟

    الجواب: نحن الإسلاميين لم نستطيع أن نفهم الأحداث، فكيف نستفيد منها؟!

    إذا لم نعرف لمصلحة من تدور هذه الأحداث، وما هي عاقبتها، فكيف نستطيع أن نفعل شيئاً؟!

    المتوقع -الآن- ظهور كتلة عالمية قوية متحالفة يعبر عنها البعض الشمال ضد الجنوب، وليست فكرة شمال ضد جنوب، بل هي الصليبية ضد الإسلام، فهذا الواقع، وهذا هو المسار.

    أما الجمهوريات الإسلامية فهناك تعتيم كامل من جهة الاتحاد السوفيتي، وأيضاً: من جهة إعلام بعض الدول الإسلامية، ونتوقع أن يكون لهم شأن- سواءٌ من كان منهم على المنهج السليم الذي سوف ينتصر -بإذن الله- أم أي أقلية أخرى، نتوقع أن يكون لهم دور، وأن ينتهزوا فرصة الخلخلة ما بين الديكتاتورية السابقة وعملية إعادة البناء، ولكن ليست هذه النتيجة أو القصد، فالقصد هو أن المسلمين في عمق العالم الإسلامي يحتاجون إلى الفهم الصحيح للدعوة والإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكيف تتصورونهم في ظل الشيوعية الملحدة التي أبعدتهم عن معرفة حقيقة دينهم؟!

    أي: لا يمكن أن يحقق النصر إلا على ضوء منهاج واضح، وهذا المنهاج مفقود أو غائب في الواقع إلا من الناحية العلمية النظرية في عمق العالم الإسلامي، فكيف تتوقعونه في تلك الأصقاع؟!

    ضرورة الاهتمام بالأحداث

    السؤال: كثير من الشباب المسلم لا يهتم بهذه الأحداث العالمية وتأثيرها على العالم الإسلامي والدعوة الإسلامية، أو باختصار لا يهتم بعلم الواقع والفكر، فبماذا تنصحهم؟

    الجواب: ننصحهم بضرورة الاهتمام، فنحن جزء من هذه الدنيا المائجة الهائجة، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

    نحن يجب أن نكون كالبنيان المرصوص جميعاً في كل مكان، فهذه الأحداث الآن أصبحت تلاحق الفرد وليس الأمة، الفرد في بيته مغزو، فابنك أو أي شخص في البيت يشاهد -مثلاً- الأخبار في التلفزيون كما تعرضها وكالات الأنباء الغربية، ويرى جورباتشوف وأين يذهب، وماذا يفعل، سوف يتأثر هو بنفسه، ويستوعب النظرية الغربية أو عملية إعادة البناء سلباً أو إيجاباً، وفقاً للمفهوم الذي رآه، فلابد أن يكون لك دور، أما مجرد سلبية مطلقة أو نفي مطلق فلا يمكن أن يعقل هذا لا ديناً ولا عقلاً.

    ظهور ما يسمى بالإسلام العصري

    السؤال: إن موجة الحرية التي تسود في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي ستدفع الناس إلى التخلي عن فكرة الإلحاد والبحث عن هوية دينية، فهل للمسلمين دور في تعريف هؤلاء الناس بالإسلام وإرشادهم إليه؟

    الجواب: نعم هذه حقيقة، الفراغ الروحي قائم، لكن الكاثوليكية تريد أن تحل محله.

    وأيضاً: قد يسمح للمسلمين بالدعوة الفردية، وهذا ما يؤثر كثيراً على الأحداث، وسوف تزرع -وقد زرعت- أنواع من تفسير الإسلام تفسيراً جديداً، وهذا خطر موجود وقائم في أمريكا بشكل واضح في الاتجاه الجديد الذي يريد تطوير الإسلام كما يزعمون!

    الاتجاه العصري إسلام مرن، إسلام يقول: نريد الاحتشام ولا نريد الحجاب، إسلام يبيح الغناء والرقص والحياة الغربية بدون أي إشكال.

    الاقتصاد يقوم على الربا، ويقولون: الربا والبنوك الغربية هي الاقتصاد الحر، والاقتصاد الحر لا يتعارض مع الإسلام.

    ويقولون: إذا كانت الدولة برلمانية ديمقراطية فهذه شورى إسلامية، وهذا لا يتعارض مع الإسلام.

    يقولون: لم يعد هناك دار إسلام ودار كفر، فكل العالم الآن دار واحدة تجمعها النظم والقوانين الدولية.. وهكذا.

    ويقولون: لا بد من إعادة النظر بين علاقة المسلم بالكافر؛ لأن الفقهاء كتبوا تلك الكتب في الفقه في ظل الحروب الصليبية وعصور الإيمان، أما الآن فالعالم يتجه نحو الإنسانية، ويجب أن ننبه المسلمين لهذا كما يقولون: لا فرق بين المسلم والكافر، الكل إنسان، وهذا له حقوق، وهذا عليه واجبات!!

    مبادئ خطيرة جداً، ولها مدارس كثيرة، وبالذات في أمريكا، وقد صدَّرت إلى الشرق الهجوم على العلماء الإسلاميين، والهجوم على الدعوات الإسلامية القديم منها والحديث، ومحاولة للتجديد -كما يسمى- ولكن بأسلوبٍ يناسب أو يطور الإسلام -كما يزعمون- ليلائم الفكر الغربي.

    هذا أيضاً سوف يوجد وسوف يُدعم، فلو انتشر هذا النوع الذي يُسمى إسلاماً، فلن يؤثر على العملية التي يريدون.

    وحين أتى الصليبيون في الحملات الصليبية أتوا معهم الباطنية والروافض الذين ينتسبون للإسلام، وأتباع الدنيا أيضاً كانوا معهم، وبعض ملوك الشام قدموا لهم قلاعاً بأكملها وسلاحاً بأكمله، لأنهم لا يعرفون مبدأ الموالاة والمعاداة، ولا يؤمنون بعقيدة الولاء والبراء، فوجود مثل هؤلاء الناس -وإن كانوا مسلمين- لا يتنافى مع الأهداف التي يريد الغرب أن يحققها، فهو غير دين الإسلام الحقيقي الذي سوف يقفون بقوة لمحاربته.

    اتحاد العالم الإسلامي

    السؤال: ما هو موقف العالم الإسلامي في مواجهة هذا الاتحاد الصليبـي، وهل يمكن للعالم الإسلامي أن يتحد؟ وما هي الخطوات التي يمكن أن يتبعها لتحقيق هذه الاتحاد؟

    الجواب: العالم الإسلامي حقيقةً لا يمكن أن يتحد بهذا الوضع الحالي أبداً، فأما الدعاة فيجب في كل مكان أن يتحدوا على الكتاب والسنة وهذا هو بداية النصر، أما الواقع العام فإن الهيمنة الغربية تسيطر عليه إما شرقاً وإما غرباً، وهناك أوضاع كثيرة سوف تحول دون هذا الاتحاد، أي: الاتحاد الذي سوف يواجه الغرب.

    خطر المذاهب الكفرية على الإسلام

    السؤال: أيهما أخطر على الإسلام الشيوعية أم الماسونية؟

    الجواب: الشيوعية مبدأ ومذهب مطبق واقعياً، أما الماسونية فهي مؤامرات خفية تتغلغل في كيان الأمم وفي داخلها وتخطط للشيوعية ولغيرها، والكل يجمعه أنه في النهاية يعمل للهدف اليهودي، وما يدل عليه هو أن ماركس يهودي، تروتسكي يهودي، ولينين يهودي، واستالين يهودي، وخريتشوف يهودي، وبريجنيف يهودي، فهذه حقائق معروفة، وجورباتشوف قد تظهر هويته يوماً ما، وكذلك في العالم الغربي هيمنة اليهود واضحة، فالخاسر أو العدو سيظل هو الأمة إن لم تستيقظ.

    الحركة اليسارية

    السؤال: كثيراً ما نسمع عن الحركة اليسارية، فهل هذه الحركة من ضمن الشيوعية وقد قال كثيرٌ من المفكرين بأن هذه الحركة هي حركة منشقة عن الشيوعية؟

    الجواب: اليساريون تعبير يطلق على الشيوعيين والاشتراكيين وأشباههم، وهي أيضاً تدور ضمن الفلك الشرقي في الجملة.

    الفرق بين الرأسمالية والشيوعية

    السؤال: ما الفرق بين الرأسمالية والشيوعية؟

    الجواب: الفرق بينهما هو أنهما وجهان لعملة واحدة، وآرثر كوستوار خبير أوروبي كبير حائز على جائزة نوبل، سُئل هذا السؤال فقال: ''بعض الناس يفضلون الشيوعية، وبعض الناس يفضلون الرأسمالية، أما أنا فأقول لعن الله كليهما'' فنحن المسلمون نعلم أن كلاهما كفر، وكليهما ملعون بلا ريب، والفرق فكرياً: أن هذا ينحو منحى فردياً وذلك ينحو منحى جماعياً.

    وبناءً على ذلك ترتبت الخلافات في ساحة الواقع.

    معرفتنا بواقع المسلمين

    السؤال: متى دخل الإسلام أذربيجان؟

    وما هو رأيك فيما ينبغي أن يصنعه المسلمون؟

    الجواب: أذربيجان دخلت الإسلام في أيام عثمان رضي الله عنه، ولا أستطيع أن أقول رأيي حقيقة، أين الأخبار التي نستطيع من خلالها أن نتكلم؟

    تكلم في إحدى الجرائد كاتب إيراني شيعي بلا شك تكلم وكتب حلقات، لكن معرفتنا بالعالم الإسلامي مفقودة، فنحن لا نعرف شيئاً، ولا ندري بالضبط عن حقيقة الأوضاع هناك، ولهذا نحتفظ برأينا -كما يقال- حتى نتبين، لكن أنا قلت في الجملة وفي الإطار العام لا بد أن الخلخلة تحدث حركةً في الجنوب وفي المناطق الإسلامية، ولا بد من صراع، وإن لم يهتدِ المسلمون إلى الحل الصحيح للنجاة وللنصر، فإنهم سيقدمون ضحايا وراء ضحايا، وفي النهاية لن يحصلوا على شيء، إلا إن شاء الله شهادة من يموت أو شيءٌ من ذلك، لكن الهدف النهائي الذي نريده لا يحصل بهذه السهولة.

    الموقف من التقدميين

    السؤال: يقول بعض المراقبين التقدميين: إن هذا الانهيار الذي تواجهه الشيوعية ليس انهياراً وإنما هو تخطيط من الشيوعيين أو تكتيك لا يعرف مداه أحد؟

    الجواب: نحن أشرنا إلى كلا الوجهتين، لكن المشكلة أن التقدميين في العالم العربي كما قال فيهم الشاعر:

    ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ      ولا يستأمرون وهـم شهـودُ

    فلا أحد يعتبرهم، ولا يأخذ أحد رأيهم، لا أولاً ولا آخراً، فهم الذين أضاعوا دينهم، وأضاعوا أمتهم، وخدموا عدو الله وعدوهم، والآن يقضى الأمر بغيرهم، وإن اقتضت اللعبة أن يُنحوا، فإنهم يُنحون بأي شكل.

    ولا شك بأن وجودهم الآن يعيق عملية إتمام اللعبة؛ لأنهم متلطخون بالعار والخزي أمام الشعوب، فمستحيل أن يقوموا بأي دور، ولهذا يعللون أنفسهم بأن الأمر مجرد تكتيك، وسوف تنتبه لهم روسيا، وتعرف قيمتهم، ولكن الأمر قد قضي، وهذا جزاء من ربط نفسه ومصيره بأعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل خسر دنياه وآخرته، وشر الناس من يبيع دينه بدنيا غيره.

    نجيب محفوظ وعلاقته بالشيوعية

    السؤال: نجيب محفوظ هل له علاقة بـالشيوعية؟

    الجواب: له علاقة بالاتجاه الغربي الصليبي عموماً، أما بـالشيوعية فلا نستطيع أن نقول: إنه اتجه هذا المنحى، ونجيب كغيره من الأدباء مثل توفيق الحكيم كتب عودة الروح، وبعدها كتب عودة العقل، ولو جاء زعيم ثالث، وأتى بعملية أخرى واضطهاد جديد، فربما كتب عودة الحكمة، عودة المنطق.. وهكذا، حسب الوضع يعود أية عودة!

    فهم يكتبون من خلال التوجه العام، فكانت الاشتراكية في الستينات تجعجع بها الإذاعات والصحافة، وكانوا مع تيارها ثم لما انتهت وانتعشت الرأسمالية والانفتاح ساروا في ركبها، فهم صورة لمن يكون بيده الأمر.

    معنى كلمة الحداثة

    السؤال: سبق وأن قلتم في إحدى المناسبات: إن الحداثة هي من برنامج عملية إعادة البناء، فهل رموز الحداثة في البلاد الإسلامية يعون ذلك، أم أنهم يسيرون حسبما يرسم لهم من دونه وعي؟

    الجواب: الحداثة أسسها الشيوعيون الغربيون في فرنسا، وفي إيطاليا وفي بريطانيا وغيرها وهم ينصون نصاً أن الحداثة جزء من التغلغل الشيوعي عن طريق الحركة الذاتية داخل المجتمعات الغربية، من أجل الوصول إلى الشيوعية الكبرى، حيث تضمحل الدولة، ويسود المجتمع العالمي، ويمكن الوصول إليه لا عن طريق الثورة الحمراء، ولكن عن طريق الفكر، والحداثة بما أنها تقويض لكل المؤسسات، ولكل الآداب، وتقويض لكل المتعارف عليه، فهي سوف توصل إلى وجود الشيوعية النهائية.

    ولهذا يقول هنري كروستوفر أحد قادة الحزب الشيوعي الفرنسي: ''إن الحداثة هي ظل الثورة الغائبة هنا -أي: في باريس- والناقصة أو غير المكتملة هناك -أي: في موسكو-" الحداثة.

    ظل الثورة التي لم تقم في باريس والتي لم تكتمل في موسكو، فإن الاكتمال لا يكون إلا إذا سيطرت الشيوعية وحكمت العالم، وقضت على الدولة، وقام المجتمع البيروليتاري.

    العلاقة بين الرافضة والشيوعية

    السؤال: ما حقيقة العلاقة بين الرافضة وبين الشيوعية؟

    الجواب: العلاقة بين الرافضة والشيوعية قوية، وهناك شواهد على ذلك :

    أولاً: عندما قامت ثورة الرافضة فإن حزب توده الشيوعي هو الحزب الوحيد الذي ظل محتفظاً بكل قواه ومؤسساته.

    ثانياً: العلاقات القائمة بين الرافضة والاتحاد السوفيتي من الوضوح والزيارات المتبادلة بشكل واضح.

    ثالثاً: منطقة أذربيجان: أيام الصوفيين الرافضة القدامى قتلوا -كانوا معاصرين للدولة العثمانية- انتقاماً لقتل الدولة العثمانية للرافضة في العراق وإيران بلاد فارس.. انتقاماً لذلك تذكر بعض المصادر أن دولة الصوفيين الروافض قتلت في أذربيجان وما حولها أكثر من مليون من أهل السنة!

    الهدف مشترك دائماً، وشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله وابن القيم ذكروا أن كل عدوٍ للإسلام كان الرافضة معه دائماً في جميع عصورهم، ولم يشذوا عن هذه القاعدة في أي عصر، كانوا مع الصليبيين في مراحلهم المتعددة، كانوا مع التتار في هجمتهم، ثم هم مع العدو وإن كان شيوعياً أو أمريكياً.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755779086