اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهك الكريم.
أما بعــد:
فلا يخفى على أحد أن أمر الدعوة إلى الله هو أهم أمر يجب أن يشغل بال المسلم بعد همه، بأن يكون في نفسه وأهله وخاصته مستقيماً على أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, ولا يكون لك ذلك إلا بالاهتمام بأمر هذه الدعوة، وقد كان الإنسان عندما يتحدث عن أمر الدعوة, إنما يريد المحيط الذي يعيش فيه -المسجد وما حوله- ولكننا في عصر أصبح الكلام فيه كلاماً عن الواقع العالمي كله شئت ذلك أم أبيت.
إن الأحداث العالمية أصبحت تترابط, وإن الواجب الكبير الذي غفلت عنه الأمة الإسلامية بالنسبة للدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليحتم على كل من يستطيع ولو بشيء من التذكير أن يقوم بهذا الواجب, ومن هنا فإن طابع الحديث عن المرحلة المعاصرة للدعوة، سيكون طابعاً شمولياً لا يتحدث عن بيئة معينة، ولا عن وضع بذاته.
وإنما ننطلق جميعاً من أسس واضحة، وحول قضايا عامة لا تهمنا وحدنا بل هي الآن وحتى هذه اللحظات محل دراسة الشرق والغرب، ومحل اهتمام كثير ممن نعلم ومن لا نعلم.
ونحن وإن كنا -شباب الإسلام- في غفلة عما يراد بنا وعما يخطط لنا, فإن العالم من حولنا ليس غافلاً عنا, وإنما نحن نعتصم بحبل الله ونحن نتوكل عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونحن كلنا نثق بأن الله سوف ينصر هذا الدين, ويظهره على الدين كله ولو كره الأعداء من الكافرين والمنافقين والمجرمين والمرجفين.
هذه المرحلة التي نعيشها وتعيشها الدعوة هي أخطر مرحلة مرت بها في التاريخ الحديث.
ونحمد الله أن تاريخنا دائماً مرتبط بالدعوة، فإن افتتاح الدعوة في العصر الحديث يبدأ بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ويبدأ تاريخنا الحقيقي في حياتنا كلها دائماً بالدين والدعوة وبتاريخ الإنسانية وبآدم عليه السلام، وهو نبي من عند الله، وكان على التوحيد هو وأبناؤه عشرة قرون, ثم الأب الثاني نوح وهو أول الرسل, ثم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يبتدأ تاريخ هذه الأمة به.
هذه هي مرحلتنا، ولحساسيتها ولقلة الكلام فيها يجب على من يستطيع أن يبين ولو شيئاً من المعالم حتى يبرأ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأنه قد قال، أو أنذر، أو حذر.
ونحن -أيها الإخوة- نعيش بلا ريب صحوة إسلامية مباركة, وهذا فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكل المعايير وبكل الموازين مهما تكالب الأعداء فهي يقظة عجيبة, وهي رجوع لم يكن أحد يتوقعه ولا يحسب حسابه, وهذا فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وللبداية الحقيقة لتقريري هذا أفصل في هذه الصحوة المباركة:
المهم بعد هذه المعركة بدأت هذه المرحلة, وهنالك سقطت الأصنام وانكشفت الجيوش, وهنالك حطمت التماثيل التي ضل الناس يقدسونها ويعبدونها ليل نهار، كـالاشتراكية، والقومية، والمزاعم التي جعلت الإسلام يقترن بالرجعية في أذهان أكثر الأمة.
فمكر الليل والنهار الذي كان يعمل دائماً حتى أوصل إلى القروي والفلاح، وإلى الرجل الذي في البادية أن الإسلام رجعية وتأخر، ولكن حلت الهزيمة وكانت معها اليقظة، وهذه سنة الله تعالى في هذه الأمة، فقد تعرضنا لذلك في محاضرات سابقة وقلنا: عندما تسقط الأمة إلى القاع تبدأ في الارتفاع، وهذه السنة في الحروب الصليبية وفي هجمة التتار، ثم في هذه الهجمة الجديدة استيقظ المسلمون -والحمد لله- وبدأت التباشير في الدعوة إلى الله تعالى من كل مكان.
فكانت العودة في أول أمرها عامة مجملة, وهذه الكتب بين أيديكم التي ألفت في تلك الفترة تتكلم عن الإسلام في عمومه, وتتحدث أنه لا خلاص للإنسانية إلا بالإسلام، وأنه لا حضارة تعادل حضارة الإسلام، وأنه يجب على المسلمين أن يرجعوا إلى الإسلام، وبعد ذلك لا تدخل في التفاصيل في الغالب، إنما هي دعوة عامة إلى إسلام عام لأن المرحلة مرحلة بدائل، أهي الاشتراكية التي طبلوا وصفقوا لها طويلاً أم هو الإسلام؟!
فكانت الدعوة في تلك المرحلة تنادي بالإسلام مجملاً دون تفصيل، ولعل هذا يفسر ولا يبرر أبداً الضعف العلمي الذي انتاب الدعوة تلك الفترة, فكان علماء الدعوة أعني على مستوى العالم الإسلامي كله, وإلا فالحمد لله في هذه البلاد علماؤها كما ترون بقية من السلف ادخرهم الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه ومنَّه لنا، وهذه نعمة من الله، ولكن على مستوى العالم، الضعف العملي بادٍ فيهم, فالشباب يتلقى أموره الدعوية من مشايخ ومن دعاة, ولكنه إذا أراد أن يستفتي، أو أن يبحث عن أمر فقهي، أو أي حكم شرعي, فإنه يذهب إلى العلماء الذين يعادون هذه الدعوة, أو من يسمونهم علماء، وهم ليسوا عند الله تبارك وتعالى كذلك، وهذا الضعف -مع الأسف- لم يتنبه إليه, ولم يتلاف بل أثمر وأنتج في الزمن الذي بعده، وأعقب نوعاً من الانتكاسة، وأمراضاً يجب أن تستأصل, ولعلنا نأتي للحديث عنها فيما بعد إن شاء الله.
فكانت البداية عامة مجملة ثم جاءت أحداث عظيمة، وأراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يهز الأمة هزاً عنيفاً قوياً, وكان الحدث الكبير -إن صح التعبير- هو ثورة الرافضة.
الذي حدث هو: ثورة الرافضة التي لا يخفى عليكم الزخم الإعلامي الهائل عند قيامها، وكانت امتحاناً عسيراً وصعباً في مقدرة الدعوة الإسلامية على مواجهة الحقائق, وغض النظر عن العواطف والانفعالات, ولم يصمد أمام هذه العاصفة الهوجاء إلا قلة قليلة ممن كانوا يعرفون منهج السلف الصالح ويتبعونه، ويزنون كل حركة وفرقة بميزان السلف الصالح.
انساقت الدعوة الإسلامية كلها -تقريباً- بزعمائها ودعاتها وراء تأييد هذه الحركة.
وليس المقصود أن نتهم ولا أن نجرح أحداً, بل المقصود أنها مرحلة مرت, ولكن يجب أن نأخذ منها من العبر.
هذا هو المهم, وأرجو أن يُفهم ذلك إن شاء الله..
فقد كان امتحاناً عسراً، ولم تكتشف لكثير من علماء الإسلام حقيقة هؤلاء.
والعبر التي كان يجب أن يتنبه لها من أول الأمر لم تكتشف إلا بعد سنوات -مع الأسف- بل لا يزال بعضهم إلى هذه اللحظة لم ينكشف له هذا الزيف، وهذه هي المصيبة في الواقع.
فالتآمر المجوسي اليهودي النصراني الشرقي والغربي على السنة وعلى أهل السنة وعلى الإسلام الحقيقي، لا تنسي هذه المعركة وهذا التآمر في زحمة وعنفوان العاصفة الهوجاء، فالأمر لم يتبين على الأقل، ولم يبحث، ولم يتأمل فيه, وهي مشكلة تعاني منها الدعوة، وللأسف أقول: ولا تزال.
الحدث الثاني:
ثم كان الحدث الآخر وهو: دخول الشيوعيين المجرمين واحتلالهم لأرض أفغانستان مقبرة الغزاة.
ولا نعني بها أن الروس احتلت دولة إسلامية فقد احتلت بلاداً غيرها.
لكن الذي حصل في القضية الأفغانية: هو أن الأمة لأول مرة يرتفع فيها صوت ينادي بكلمة الجهاد لأجل إعلاء كلمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قبل ذلك لم نكن نسمع ذلك, بل كان عندنا منظمات التحرير, والمطالبة بالاستقلال، لكن الكلمة الشرعية لا تراد ولا تسمع، والهدف الشرعي لا يراد ولا يسمع, ولذلك تجاوبت الأمة شرقاً وغرباً لكلمة: الله أكبر، ولكلمة الجهاد، وإذا بها تلتف بها من كل جهة، بمشاعرها وبعواطفها، وتفوق كل التوقعات, وهذا أيضاً له جوانب إيجابية ولكنه في الوقت نفسه استدعى من أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تخطيطاً دقيقاً عميقاً.
أما المسلمون فكانوا منبهرين من غضبة العاصفة، ولم يحسبوا حساب كل مرحلة، ولم يحسبوا أن القوى الخبيثة تراقب هذا التوجه، وماذا تريد منا بعد ذلك؟
وهل تريد -فعلاً- أن يقوم في هذا البلد أو أي بلد دعوة إسلامية جهادية نقية؟!
هذه أسئلة نضعها أمام الإخوة الكرام الدعاة.
الحدث الثالث:
ثم كانت بعد ذلك المآسي الدامية التي حدثت في بلاد الشام من تدمير مدن السنة الكبرى حماة وطرابلس ومخيمات الفلسطينيين في لبنان, وهذه لم تدمر نتيجة أهداف عارضة عابرة، وإنما لأنها التجمعات الكبرى السنية ولأنها مرتكز أهل السنة, ولأن العدو يخطط تخطيطاً بعيداً, فهو يخطط وأمامه خارطة الحروب الصليبية, أمامه أحداث التتار, وأمامه ما جرى أيام الدولة العثمانية!!
وهو يعرف العدو الحقيقي، ويعرف أين يضرب، ومتى يضرب، وكيف يضرب, لكن -مع الأسف- أقول: إن العاطفة، لا تزال هي التي كانت بمواجهة هذه الأحداث, وأضعنا فرصة ذهبية كبرى لا تعوض في تلك المرحلة، إذ كان بالإمكان لو أن معيار المواجهة دائماً هو معيار أهل السنة والجماعة, ومنهج السلف الصالح لتحولت المعركة تحولاً جذرياً في تلك المرحلة, ولكن قدر الله وما شاء فعل، كان في الإمكان أن نقول: إن المعركة بين السنة وبين الباطنية, ومهما قيل عن أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذين ذبحوا أهل السنة فإن أحداً لن يستطيع أن يقول فيهم أو يدمرهم ويفقدهم شرعية وجودهم، كما كتب شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية قبل قرون.
إنها فتوى شَيْخ الإِسْلامِ في النصيرية, لو أن الأحقاد المذهبية والتعصب لم يحل بينها وبين الناس, ونشرت في عامة الناس في شرق العالم الإسلامي وغربه، ووظفت لخدمة تلك المعركة، وتلك الأحداث لتغير وجه المعركة، ولتغير وجه التاريخ ولما كانت النتيجة تدهوراً هائلاً, الله أعلم متى تجبر هذه المصيبة، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفرج عن المسلمين، ويجبر مصائبهم دائماً إنه سميع مجيب.
إنما العبرة من هذه المصيبة لا تزال، وهي أننا لأسباب -لا نريد التفصيل فيها- لم نستطع أن نوظف الموقف الذي وقفه علماء أهل السنة في الماضي، بل انشغلنا به في زحمة وخضم المعركة.
إن المنهج السليم هو منهج أهل السنة والجماعة, وإن المعيار في الحكم على أي أحد هو معيار أهل السنة والجماعة؛ لأنهم يرجعون إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ليس المقياس مقياس أرض فرط فيها، أو خيانة سياسية أو عسكرية، إن هذه الخيانات أعراض لمرض أساسي وهو فساد الاعتقاد.
ومهما استطعت أن تقنع الناس بما في خصمك من فساد, فإن ذلك لا يغني شيئاً عن أن تقنعه, وتبين له, أنك أنت على الحق وعلى المنهج الصحيح السليم الذي لا ينحو صاحبه في الدنيا ولا في الآخرة إلا به, وهذا هو خلاصة دعوة الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، فالأساس في الدعوة هو التركيز على أن هذه الدعوة هي مناط نجاتك أنت أيها المدعو كائناً من كنت في الدنيا والآخرة.
وأن الالتزام في هذا المنهج نصر في ذاته, فالتمسك بالحق، والتمسك بدعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبما كان عليه أصحابه هو نصر، بل هو أعظم النصر بغض النظر ِعن أرض خسرناها، أو شهداء قدمناهم، أو معركة نكسبها أو لا نكسبها، هذا هو النصر ولو أشعرت الأمة بذلك وأنير لها الطريق, لكان الحال غير الحال.
ثم قدر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتلاحقت الأحداث فيما بعد حتى كان الحدث الذي أربك الشرق والغرب، ونقول -مع الأسف-: إننا لم نقدره كما ينبغي حتى اليوم, وكان الواجب علينا أن ننظر إليه النظرة الشمولية التي تجعلنا نوضح ونفيد من كل حدث، لأن هذه أقدار من الله يسوقها لنا ونحن لا ندري, ثم نضطرب كيف ننزلها في معركتنا، وهذا من العجب!
الحدث الرابع:
وهذا الحدث هو ما يسمى بالانتفاضة، وهي بسيطة جداً بالنظرة التاريخية, وبالنظرة العسكرية والمادية, فالمسألة أن أطفالاً صغاراً يحملون الحجارة في مواجهة دولة يؤيدها الشرق والغرب بالإجماع، كما قال جوربا تشوف في كتابه إعادة البناء '' إننا أول من اعترف بإسرائيل، ونحن الذين أنشأناها '' .
لا حاجة للكلام عن أمريكا ودعمها السخي لإسرائيل، فالشرق والغرب كله كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] كل الشرق والغرب مع هذه الدولة أو الدويلة وكنا نسميها عصابة حتى صارت إسرائيل الكبرى التي تملك الآن عشرين قنبلة نووية -هذا هو المعروف دولياً-
ونحن لا ندري كم الطائرات التي تقاتل على أبعد مدى كالتي ضربت في تونس على بعد آلاف الأميال, وهددت بالضرب في كراتشي أو في إسلام أباد إن صُنعت قنبلة نووية في باكستان والتي ضربت العراق، فالمنطقة كلها تحت رحمتها.
وبالنظرة المادية المجردة فإنه لا يضرهم أطفال الحجارة، وهذا ما لم ننتبه له نحن، ولكن الشيطان يؤز أولياءه ليعرفوا خطر هؤلاء.
فالقضية ليست حجراً يواجه دبابة ولا صاروخاً ولا سيارة مصفحة؛ فليست هذه هي المسألة، فإن الصواريخ وطائرات الميج, التي كانت الإذاعات تغني "طائرات الميج تتحدى القدر" التي كانت مرتبطة بـالاشتراكية والقومية والزعامات الشخصية لم تغنِ عنهم شيئاً، بل خانتهم أحوج ما يكونون إليها، أما الحجر فقد خرج من المسجد وانطلق بكلمة: الله أكبر, هذا هو السر, وهذا هو الخطر, مع أ، الحجر لا يحمل رءوساً نووية قطعاً, وليس فيه مواد كيماوية، فهو حجر فقط، لكن العالم كله انتفض وانزعج منه، بل صرح الرئيس الكاثوليكي المتعصب ميتران بأن خطر الانتفاضة قد يعم المنطقة كلها بوباء التعصب الديني.. سبحان الله!! هذا هو الذي أفزعهم ونحن لم نقدر هذا, ونحن لما رأيناهم انتفضوا واهتزوا -أي: الغربيين- بدأنا نفكر لماذا هذه الانتفاضة يخافون منها إلى هذا الحد؟
وهم الذين أشعرونا أنها خطر وليس الخطر في الحجر، ولكنه من كلمة: الله أكبر وفي المسجد.
إن هذه الأمة لو عادت إلى أصولها، وإلى كتاب ربها وسنة نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو جاهدت من أجل لا إله إلا الله وإعلاء كلمة الله، فمعنى ذلك تقويض الشرق والغرب، حتى يخسر موقعه، ولهذا كانت الآثار العالمية التي قد لا يصدق بعضهم أنها مترتبة ومبنية على آثار الجهاد الأفغاني، أو على آثار حركة الانتفاضة الفلسطينية وغيرها، كانت هذه المرحلة التي تسمعون عنها هذه الأيام -وما زلنا- هي من أشد مراحل الوفاق، هذا الاتفاق الدولي الكبير، حيث اتحد الشرق والغرب، وتوحدت ألمانيا ليلة عيد الفطر، وأول قرار يتخذه البرلمان بعد توحيده هو إدانة النازية واتهامها بدماء اليهود، فلهذا اتحدت أوروبا الشرقية من أجل إثبات أن النازية مدانة، ولأجل أن تتحمل ألمانيا شرقها وغربها الميزانيات والمليارات لإمداد اليهود، دفعاً لديات الذين قتلوا منهم، مع أنه قد قتل من الأوروبيين في الحرب العالمية أكثر من (60 مليوناً) ولم يدفع ديتهم أحد، حتى افتعلت معارك مع المقابر من أجل إحياء النعرة الدينية، ومن أجل توظيف الصليبية ضد العالم الإسلامي.
في ليلة عيد الميلاد ولأول مرة في التاريخ الأمريكي -كما ذكروا- يأتي الرئيس الأمريكي بنفسه ويوقد الشمعة، ويقول: '' إن الدين ضروري في حياتنا..! وإننا لا يمكن أن نتخلص من الدين '' بل أعجب من ذلك أنهم استنفروا الطاقات القديمة، وكنا قبل عدة سنوات نسمع عن سايروز سانز، الذي كان وزير الخارجية الأمريكي سابقاً وقد عاصر أحداثاً معينة، فأتوا به وأيضاً أتو بـكيسنجر وهو لم يدخل في المعركة أصلا،ً وكذلك أتوا بـكارتر واستكتبوا نيكسون لمقابلة بوش وبيكر، فوظّفوا فيها المتقاعدين وغير المتقاعدين، ووظفوا فيها القدماء من الذين تركوا الساحة، وعادةً عندهم أن من ترك المعترك السياسي يعيش كأي شخص عادي، لكن لأن الأمر يتطلب استنفاراً لحماية اليهود فقد فعلوا ذلك، لماذا؟
لأنهم كما عبروا أن وباء التطرف الإسلامي ووباء الأصولية الإسلامية يمكن أن يمتد فيدمر العالم الغربي، بل سبق أن قرأت هذا في محاضرة سابقة، وهو أن دول البلقان واليونان وبلغاريا وما حولها، تقول: نحن خط المواجهة الأوروبي أمام الصحوة الإسلامية.
سبحان الله!! نحن لم نجعل أنفسنا ولو بالخيال أهلاً أو في منزلة أن نكون في خط مواجهة مع أوروبا، لكن هم يقولون ذلك لأنهم لا يخططون للآن ولا إلى بعد سنة ولا إلى بعد عشر سنوات، بل يخططون إلى ما هو أبعد من ذلك ويعلمون :
أن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أن سيكون بدراً كاملاً |
بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أول ما يجب علينا -وقد رأينا أثره في كل الأحداث- هو الاستقامة على ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، هذا الذي به تنتصر الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وهي سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها غرق، وهي ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه اعتقاداً -وهو أهم شيء- وقولاً وعملاً، وإقامة لأحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كل شيء، والتحاكم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى سنته وشرعه في كل أمر: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
ومن أخطر أعداء الصحوة واليقظة الإسلامية -شعر أو لم يشعر- هو الذي يريد أن نلتزم منهجاً غير منهج أهل السنة والجماعة وغير منهج السلف الصالح وغير منهج ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، هؤلاء يجب أن نحذرهم بالأساليب المتنوعة بحسب ما نعلم من مقاصدهم وأغراضهم، ولكن في الجملة يجب ألا نستمع لهم أبداً مهما زينوا ومهما زخرفوا، لأنهم بهذا العمل سيفقدوننا.
والحقيقة -ونعيدها هنا- أن المعارك السابقة كانت معركة غالب ومغلوب، منتصر ومهزوم، إلا المعركة الحالية فهي معركة وجود أو لا وجود، ومن هنا فالاستماتة فيها لا بد أن تكون نهائية، وليس غريباً ولا خفياً ولا سراً أن تعلموا أن الغرب يخطط بجد وبوضوح للتدخل في الوقت الذي يراه ضرورياً لاحتلال أي بقعة من العالم الإسلامي، لا سيما ما كان مجاوراً لدولة اليهود، وأكثر من (250 ألف) جندي أمريكي يتدربون على حرب الصحراء.
وقد ذكروا وأعلنوا أن الإنزال الذي تم في بنما إنما هو بروفة لأي إنزال عسكري سريع في أي بقعة من العالم، فالمعركة جدية، ولن ننتصر فيها إلا بالاعتصام بحبل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتمسك بهذا الهدى، وهذا يقودنا إلى النتيجة الثانية.
وإن مما أفزع الغرب وجعله يعيد النظر في حساباته هو مظاهر الصحوة واليقظة التي أخذت طابعاً شعبياً وجماهيرياً، -وكما يقولون- أقظّت مضاجعهم، فالدعوة الإسلامية في الجزائر عندما أخرجت مئات الألوف من النساء والرجال يطالبون بحكم الله، وبتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو أتيح للبلاد الأخرى مثل ما أتيح في الجزائر لكانت المطالبة مثلها أو أشد.
إذاً: هذه قضية أساسية، يجب أن نوظف ونجند الأمة كلها، ويجب أن نخرج من القوانين الجامدة والتقوقع والنظر الضيق إلى مرحلة يواجهنا فيها الأعداء مواجهة شاملة عامة.
فيجب على كل دعاة الإسلام أن يلتفوا أولاً: حول المنهج -كما قلنا - في الفقرة الأولى.
وثانياً: أن تكون لهم جهودٌ موحدة، وأن يقدروا الموقف حق قدره، وألا يضيعوا هذه الفرصة ما دامت الأمة؛والحمد لله عروقاً تنبض، ومادام عندها هذا الاستعداد لأن تستثار، ولتوظيف الحماس والاندفاع في الأمة وفق المنهج العلمي الصحيح.
أليس من المؤسف جداً أننا ما نزال -نحن دعاة الإسلام- نختلف حول قضايا الأسماء والصفات؟
وحول القرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟
سبحان الله قضايا انتهي منها!! وقضايا إجماعية لا تحتمل النقاش، فيها اتباع أو ابتداع، ولا تحتمل نقاشاً ولا جدلاً، ومع ذلك ما نزال نسمع من بعض الدعاة من يدافع عن التأويل، ويدافع عن التفويض لأنها عقيدة شيخه أو إمامه أو طائفته، سبحان الله..!!
فيجب أن نترفع عن مستوى هذه الخلافات، وأن نعد لمواجهة شاملة وعامة، ولن ينصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها إلا بعودة صادقة إلى ما كان عليه السلف الصالح في الإيمان، والاعتقاد، والعبادة، وفي حب الشهادة في سبيل الله؛ وترك وكراهية الدنيا إذا أغرتنا الدنيا وأغفلتنا عما يقربنا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولذلك فالعلم الشرعي مطلوب، ولن يقود الدعوة في مرحلتها المعاصرة إلا علماء ربانيون، أما قيادات المحترفين بالسياسة فقد انتهى دورهم، والأمة لن تسلم لهم الراية.
ففهمت على أننا نتعرض لبعض الدعاة، سبحان الله!! يا قوم! أنتم في وادٍ ونحن في وادٍ، والمسألة أكبر من أن فلاناً ذكر فلاناً أو علاناً والمسألة أكبر من أشخاصنا جميعاً، والمسألة أن فخاً كبيراً ينصب فيه شراك وتوضع لاحتواء هؤلاء الشباب، وليست المسألة دفاعاً عن فلان ولماذا يذكر فلان؟!
وأضرب مثالاً للكلام على الأشخاص: الأستاذ محمد قطب حفظه الله وجزاه الله خيراً على ما كتب، وقدم، وعلى جهده وبذله، أُلف كتاب في الرد عليه وسمي باسمه الصريح في أكثر من مائة موضع، وطبع بآلاف النسخ، ولم يتكلم أحد ويقول: لماذا يتكلم في الدعاة؟
فلما أحرجنا أن نسمي بعض من ينطبق عليه هذه الأوصاف وذكرنا منهم فلاناً وفلاناً والله المستعان.
ومع ذلك فنحن نعاهد الله على ما بايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه عليه؛ بأن نقول كلمة الحق ولا نخاف في الله لومة لائم، ونعوذ بالله أن يكون لنا في ذلك حظ أو مطمع شخصي كائناً من كان، نقول: هذا الفخ الجديد ينسج بأيدٍ بعضها أيدي دعاة يشعرون أو لا يشعرون، وبعضها بأيدي مجرمين وهم الأساس، والمهم أن الغاية والهدف من ذلك هو أن تضيع هذه الصحوة، ويتشتت طريقها وتضل سبيلها.
ولذلك من يشارك الأعداء في هذا الهدف -بغض النظر عن نيته وهدفه- يجب أن نقول: أخطأت، ويجب أن نقول: لا، ولن نوافقك على هذا، لأننا الآن في مرحلة؛ اليوم الواحد فيها يجب ألا نضيعه، بل ولا دقيقة واحدة، إن الزمن يتسارع ويتقارب والأحداث تتلاحق، ومن العبث أن نضيع أوقاتنا في أن فلاناً تكلم في فلان أو أن فلاناً ذكر فلاناً فالمسألة أكبر من ذلك.
وكانت الندوة بعد محاضرة "العلمانية في طورها الجديد" بأكثر من شهرين، وسوف أنقل ما كتب عن هذه الندوة في جزيرة الشرق الأوسط العدد (194) تاريخ (28/شوال) (23/5م) يقول صاحب المقال: ''في هذه الجلسة التي ترأسها الدكتور حسن عبد الله الترابي -ثم يستمر في الحديث ويقول:- أولاً الدكتور فتحي عثمان يتحدث عن التجربة الإسلامية المعاصرة، والخطة التي تراد لمستقبل الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي -ثم ذكر الدكتور فتحي عثمان كلاماً طويلاً.وملخص مداخلته هو الدعوة المسددة لعقلنة المشروع السياسي للحركة الإسلامية -يريدون بـالعقلانية والعصرانية معانٍ أخرى لا تخفى عليكم- وجعله يسير في الأرض وإفادته من كافة التجارب الإنسانية، فلا تقول: إن منهج أهل السنة يفيد من دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط، لا، بل وتحقيق الاستفادة من شعبية الحركة وإيجابيتها والنضال السياسي -خاصة في قضية أفغانستان وانتفاضة فلسطين- إضافة إلى المرونة والمعاصرة التي أثبتها في مواقف كثيرة، ويعول الدكتور في نجاح خطته على ظروف الاستقرار الأيدلوجي التي تسود العالم بصفة عامة، والاتجاه إلى الواقعية والاعتدال في العالم العربي خاصة -إلى أن يقول:- وعلى الرغم من ذلك لا بد من التحذير من تجذر النزعة الصفوية التي تظهر بين الحين والحين'' أي: التي يطالب بها الدعاة المخلصون للتمسك بالعلماء ومنهج أهل السنة.
يقول طارق البشري: ''فيما ذكره الدكتور فتحي عثمان هو التردي والتراجع للعلمانية والقومية، ومرد ذلك هو التأثر بالصراعات الدولية، وفي اعتقادي أن هناك تياراً اصطلح على تسميته بالعلمانيين الوطنيين، هذه المجموعة التي يجب أن نهتم بها ونتعاون ونتحاور معها، لأن العلمانيين فيما مضى وقعوا في أكبر أخطائهم وهي معاداة الحركة الإسلامية، وإنكار بعض الأمور الثابتة للمجتمع -مثل العقيدة- أما هؤلاء العلمانيون الوطنيون فإني أدعو إلى اقتراح السبل الكفيلة بهندسة الطريق، للاستمرار في مسيرتهم التي لا تضرنا كثيراً، وكذلك إخواني المفكرين'' .
فهل لا حظتم من أين يأتينا الخلل؟
ففي الوقت الذي سفطت فيه الشعارات الزائفة كـالاشتراكية والعلمانية، والشعوب بالملايين تتحرك في الساحة تنكرها، وتطالب بالإسلام مجرداً عن هذه الشعارات، وإذا بهم يقولون العلمانية الوطنية نأخذها، ثم من يحدد أن هذا علماني وطني، وهذا علماني أمريكاني؟!
المهم تضييع بصيرة الصحوة في هذه المرحلة الحرجة.
ثم نذكر الشخص الثالث الدكتور: توفيق الشاص حيث يقول: ''أنا موافق على حديث الإخوة بضرورة تبني الأسلوب الفكري لتطبيق برنامج الحركة الإسلامية، بالرغم أنه يجوز لها أن تقاوم عدوان السلطة بالكيفية التي تراها، لكن ما دمنا نريد الحوار مع العلمانيين الوطنيين فلا بد من جهاز فكري يدير ذلك، وأؤيد بشدة اقتراح الدكتور القرضاوي لتكوين اتحاد للكتاب الإسلاميين لاستيعاب الطاقات الفكرية، ويمكن أن يكون الدكتور العوا هو المستشار الفكري على رأس اللجنة التي تعد لهذا الاتحاد '' من أجل ماذا؟
حتى يكون لدينا جهاز فكري للحوار مع العلمانيين الوطنيين؟!
وهنا مثال آخر يقول صـ49ـ '' كما تناول الفصل الثاني الشرارة الملتهبة باسم عقيدة السلف، وحتى يدرك المتاجرون بالاختلافات أن الاختلاف بالتوسل وفي المتشابه من آيات الصفات وغير ذلك لا يعد خروجاً على عقيدة أهل السنة والجماعة أو اختلافاً في الاعتقاد ''.
ثم يقول صـ112ـ: '' والاحتمال الرابع بخصوص الصفات هو تأويل هذه النصوص إلى المعاني التي تحتملها أوجه المجاز المعروفة في اللغة، وبالتالي أولوا اليد في قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] بأنها القدرة، وقد استعمل لفظ اليد مجازاً عنها، وهذا التأويل سار عليه كثير من أهل السنة والجماعة، الذين أرادوا تنزيه الله عن مشابهة خلقه بتأويل هذه الألفاظ وفق معاني اللغة إلى المعاني المقبولة في استعمال الناس ومفاهيمهم وتصوراتهم عن صفات الله ''
وكأن هذا الذي ينقصنا الآن القضايا المنتهية المفروغ منها.
ثم في صـ163ـ تكلم عن الشباب ونحن لا نبرئ الشباب، وأنا من فضل الله في محاضراتي أكثر ما أركز فيه -والحمد لله- على أخطائنا نحن شباب السنة، وهذا الذي يهمنا في الدرجة الأولى، وهذه الأخطاء موجودة عند من ينتسب إلى منهج السلف من الشباب، أما المنهج فهو معصوم لكن هو يقول: '' وهؤلاء يجعلون تمسكهم بالسنة العملية كالمحافظة على الصلاة في الجماعة، والمحافظة على السواك واللحية هي مقومات كونهم الفرقة الناجية، فهم على مثل ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أما غيرهم فالنار مثواهم، ولقد تناسى هؤلاء أن ترك هذه السنة لا يترتب عليه دخول النار -ثم ذكر كلاماً إلى أن يقول:- ولقد نسي هؤلاء أن المقصود بالملل أو الفرق التي تفترق عن الإسلام -أي: الثلاثة والسبعين فرقة- هي التي ترتد إلى الكفر '' مثل البهائية والقاديانية، والنصيرية، والإسماعيلية، أما الشيعة، والمعتزلة، والرافضة، والصوفية، فهذه ليست داخلة، والكتاب هو: شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر، وهو رد على الأستاذ محمد قطب، والمشكلة هي تضليل المسيرة، فإما أن نتبع قول الله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] فتكون النجاة والنصر، وإما أن نستمع لمن يريد أن يحرفنا عن هذه العقيدة مهما خالفها وإلا فمصيرنا إلى الانتكاسات التي جربناها وذقناها، ومع ذلك أنا أبشر الإخوة بأنه الصحوة في جملتها هي سنية سلفية -والحمد لله- وأنك لو نظرت وتأملت لرأيت العجب العجاب، حيث يأتينا طلبات ورسائل، بل وما نسمع وما نقرأ، أن الكل في الجزر البعيدة في أقاصي الدنيا، وفي العالم كله في أوروبا وأمريكا يطلب كتباً فتجد من جملتها الكتب السنية المحضة -والحمد لله- وإن طَلَبَ دعاة يطلب دعاة أهل السنة والحمد لله، فهناك في أصقاع نائية فما بالكم في أرض الإسلام والحمد لله.
أما معاملة المخالف سواء كان من المسلمين أو من الغير فهذه مضبوطة -ولله الحمد- بمنهج أهل السنة نفسه، فهم أرحم الخلق بالخلق، وهم الذين تحتكم إليهم الفرق إذا اختلف بعضها مع بعض، فعندما يكفر النظام العلاف، والعلاف يكفر النظام وهم زعماء المعتزلة فإن الذي يفصل بينهما هم أهل السنة والجماعة، وعندما تخرج طوائف من الشيعة وتكفر الإثنى عشرية، والإثنى عشرية يكفرونهم، والذي يحكم بينهما بالعدل هم أهل السنة والجماعة فهم لا يشتهون في أحكامهم ولا في آرائهم، وإنما يتبعون السنة.
ومن أمر الله تعالى بحبه يجب أن يحب، ومن أمر الله تعالى ببغضه يجب أن يبغض وهكذا، وكل شيء بقدره، والإيمان عندهم يزيد وينقص، ومحبة الناس ومعاملاتهم تتفاوت بتفاوت إيمانهم، وهكذا.
فالذي نريده هو أن هذه المرحلة تقتضي أن ندرأ عن هذه الصحوة الطيبة المباركة كل ما يعكر عليها مباركتها، ولذلك دائماً نركز على ألا يستعجل الشباب، وأن تكون أمورهم جميعاً بالحكمة، ويتحروا مناطات الأحكام، وأن يتحروا مقاصد الشريعة، وليس مجرد أن يجدوا نصاً أو نصين فيندفعوا هكذا، كل هذا مما يجب أن يكرر.
والحمد لله في الساحة بفضل الله من الدعاة من يتحدث دائماً عن هذه الأمور، ولكن نريد الحديث الإيجابي، الحديث البناء الذي يوجه هؤلاء الشباب ولا يصدمهم ولا يعنف عليهم، وخير هذه الأمة هم هؤلاء الشباب ولله الحمد والله إن الإنسان ليحقِّر نفسه عندما يرى أن هذه الصحوة المباركة تأخذ الدين كله وبقوة وبجد، فإن أخطئوا أو تعجلوا أو تسرعوا فلأننا لا نوجههم نحن، ويجب علينا أن نعلم كيف نوجههم نحن.
فيجب علينا أن نعلم أن مسئولياتهم علينا، وأن كل ما يرتكب من أخطاء فنحن المسئولون، ويجب أن نشفق عليهم فأطفالنا في البيت يخطئون ولكننا نحبهم ونشفق عليهم.
ولا ينسينا ما نرى فيهم من أخطاء ما يتكالب ويخطط عليه أعداء الله في كل مكان وزمان للإجهاز على هذه الدعوة، وحقيقةً -وهذه واضحة كالشمس- أنه لولا ما في هذه الصحوة المباركة الطيبة من تمسك ورجوع إلى منهج أهل السنة والجماعة وعقيدة السلف الصالح لما حوربت هذه المحاربة، ولما كانت تعاني ما تعانيه الآن ولكنه قدر الله وسنة الله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] وصدق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال: (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ظاهرين) وفي رواية أخرى: (يقاتلون على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله).
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يقر أعيننا بنصرة دينه وإعلاء كلمته، وعودة هذه الأمة إلى كتاب ربها وسنة رسولها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه سميع مجيب.
الجواب: نعم لا ريب، وهناك أسلوبان:
الأسلوب الأول: هو ما حصل في أيام الزعيم الخاسر وأمثاله، من السجون والمعتقلات، وما يزال ذلك في بعض الدول.
والأسلوب الآخر: هو ما يسمونه فن الدعاية السوداء، وتلطيخ وتشويه سمعة الدعاة بافتعال التهم والزج بهم في كل قضية يرون أنها يمكن أن تكرِّه الجماهير في دعوتهم وفيما يقولونه، وتتفاوت فنون هذه الدعاية من اتهامات بالعمالة لـإسرائيل ولـأمريكا أو الشرق، والتهم لا تقتصر على جانب واحد، ولكن هذه سنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ابتلاء الدعاة، وليبتلي الأمة أيضاً ليرى هل تسمع للمرجفين والمبطلين أم أنها تقف عند حدود ما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من التحري ومن التثبت.
وليس الدعاة معصومين، ولكن منهجنا -كما قلت- حتى مع المخطئ، والمخالف، وحتى مع من يقال عنه أنه أخطأ، المنهج ثابت منضبط، شرعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كل قضية يمكن أن تثار، فتشويه الدعاة وتحطيم سمعتهم هذا هو الذي يريده أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأن الصحوة لا تقوم إلا على قادة، وإذا دُمر القادة فلا شك أن من بعدهم سوف يسقط، وما تعرض له الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- من التهم، جزء من ذلك.
الجواب: ليس هناك سرية في الموضوع، اقرأ أي مجلة أو أي صحيفة -مثلاً- قرأت العربي قبل أسبوعين على الغلاف صورة شباب ملتحين، ومكتوب: السلف الصالح بريء من هذه السلفية، وقبلها العربي كتبت السلفية هي النازية الجديدة، وهذه مجلة معروفة وليست مجلة خفية، وهناك مجلة نسائية طلعت اسمها نصف الدنيا، كل عدد تقريباً منها قائمة البدوي والسيدة نفيسة ومولد فلان والحسين، من أجل أن تتجه مشاعر الناس والصحوة الإسلامية إلى القبور، وتشبع رغبة التدين وفطرته بالقبور والأضرحة فيعيدونها إلى الشرك.
فهم يريدون نقلها من الاشتراكية إلى الشرك ولا يريدونها أن تعرف الإسلام، فهذا كثير جداً، لكن من يستطيع أن يعرف شيئاً عن هذا الخطر فلينبهكم ثم أنتم تجدونه واضحاً أمامكم، والمشكلة أحياناً أنك قد لا تدرك لأنك لم تنتبه إليها، لكن لو انتبهت وبدأت تقرأ وتجمع ستجدها أمامك، وهذا هو الهدف من مثل هذه المحاضرات.
الجواب: وكذلك الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ولا مشاحة في الاصطلاح، وبالنسبة لما نريده نحن مع اليهود -إن شاء الله- في المستقبل يمكن هذه أن تعد مجرد انتفاضة فعلاً، لكن المعركة ما زالت.
بمعنى آخر: هل ترى أن مشايخنا في الوقت الحاضر يقومون بواجب تربية الشباب، نرجو منكم التعليق على ذلك؟
الجواب: التربية موجودة إلى حد ما ولكنها ناقصة ويجب أن نستكملها، ولن تقوم الدعوة إلا بهذه التربية التي سماها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التزكية لأنه بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة:2] فالتزكية التي تسمى الآن تربية لا بد فيها من تزكية قلوبنا وأعمالنا، والمزكون قليل؛ لكن نحن لا ننتظر أن يأتينا من خارجنا، وإنما نتعاون ونتكامل على أن تكون التزكية موجودة، ومتابعة الشباب بمتابعة واقعية، نعم، بعض العلماء ليس لديهم ذلك؛ لكن لا نعيبهم، ونحن لا نريد أن نفتعل معارك ومشاكل ونتهم العلماء بأنهم مقصرون، العالم الذي يخدم الدعوة بعلمه -جزاه الله خيراً- وهو أهم مطلب في الدعوة، وأنا وأنت إن كان عندنا شيء من التربية أو التزكية فلنربي، فالمجاهد يجاهد، والآمر بالمعروف يأمر بالمعروف، وكل منا على ثغرة فكلنا متعاونون وكلنا على ثغرة.
ولا يشترط بالضرورة أن نكون جميعاً في قالب واحد، وعلى منوال واحد في الدعوة إلى الله، وحتى الدعاة مواهبهم متنوعة -وهذا فضل من الله- فهذا له جانب وهذا له جانب، فعلينا أن نستكمل نحن الجوانب جميعاً، لتكون الأمة متكاملة، خير أمة أخرجت للناس بإذن الله.
أولاً: يظل طالب العلم سنوات يطلب العلم، ويحضر المحاضرات، ولو طلب منه إلقاء خطبة جمعة أو موعظة بسيطة اعتذر أنه ليس أهلاً لذلك فإلى متى؟
الجواب: هذا واقع وأنا أقول معه إلى متى؟!
فحقيقة أن من سلبيات الدعوة وهي كثيرة في الشباب أنهم متلقون ويتلقون، فمتى يخرجون؟
ومتى يتكملون؟
فمهما كانت الأمة فيها من دعاة أو علماء أو خطباء، لا بد أن يوجد جيل يخلف جيلاً، وانظروا الآن الفراغ الكبير الذي نحسه في الأمة جميعاً من ناحية العلماء -نسأل من الله تعالى أن يمد في أعمار علمائنا وأن يحفظهم- كل منا كيف يتصور لو لم يكن هؤلاء العلماء موجودين، فلو أنهم ماتوا -وكلنا مصيرنا إلى الموت- كيف سيكون الفراغ الهائل الذي سيكون من بعدهم؛ لأنه لا يوجد جيل يحمل هذا العلم ونحن مقصرون، ولم نجد المحاضن لهذا الجيل، وهذه سلبية واضحة وظاهرة.
ثانياً: الانشغال بالأمور الأسرية والدنيوية انشغالاً يضر بطلب العلم على الرغم من دنو الهمة في الطلب.
وهذا فعلاً واقع، والوسط والاقتصاد هو المطلوب، فبعض الناس ينقطع عن أسرته وعن والديه بحجة العلم أو غيره وهذا خطأ، والبعض الآخر فعلاً قد يشغل بأمور قد أقول بتعبير أدق: إنها ليست أموراً دنيوية وليست مجرد أنها أسرية، بل الشباب يشتغلون بالهرج -اسمحوا لي أن أكون صريحاً- فيجلسون الساعات يتكلمون من غير فائدة، ثم يذهبون إلى زيارة فلان أو علان، بينما لو أننا في هذه الجلسة قرأنا حديثاً واحداً، أو آية واحدة، أو جملة واحدة من قول السلف أو صفحة من كتاب علمي، لأفدنا فائدة كبيرة وملموسة ولا شك.
ثالثاً: الخجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاصة لدى طلبة العلم.. أرجو نصحهم.
حقيقة أن التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر ظاهر وملموس أيضاً، ونشكر لهذا الأخ غيرته ونصحه، ونعترف جميعاً بهذا التقصير، والواحد منا قد يجمع من دقائق العلم ووسائله، ويزور الشباب، ويتعرف عليهم، ويذهب إلى المحاضرات، وجاره لا يصلي، وصاحب الاستريو (الغناء) بجواره، ويبيع الأفلام أمامه، والسوق من حوله فيه التبرج، فلو قدم كلمة فيها نصيحة أو موعظة بهدوء وبحكمة: (يا أخي، يا فلان، يا أخي في الله.. ونحوها) قليل من يقوم بهذا، فما ثمرة هذا العلم وما فائدته؟!
فنحن مقصرون بجانب الأمر والنهي وهو الذي به كانت الخيرية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] والعلم ثمرته الدعوة، ومن الدعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذنا في الله لومة لائم، وأن نصبر ونحتسب على ما نلاقي في ذلك.
وهل توجد فائدة بكثرة التعدد بهذا الشكل الملحوظ؟
وما هي أقربهم إلى الصواب؟
الجواب: وجود الجماعات الإسلامية هو أمر طبيعي، أمة كانت سفينة واحدة بربان واحد فتحطمت، فكان لا بد لمن استطاع أن يبني زورقاً فيجمع فيه من استطاع ويغرق من يغرق، فلا إشكال في أن تقوم جماعات إسلامية جهادية أو دعوية، بل يجب على المسلمين أن يجتمعوا، فإن لم يستطيعوا أن يجتمعوا جميعاً، فليجتمع منهم من فهم وفقه أهمية الاجتماع، لكن الإشكال هو على ماذا نجتمع؟
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] إن هناك من يقول: لا تتكلموا في الناس أبداً، أي: في الأمة كلها، اجمعوا الناس جميعاً: رافضتهم وصوفيتهم ومؤلههم ومعطلهم، وكل شيء، وهذا الكلام غير صحيح لا عقلاً ولا شرعاً، لكن نحن نقول: يجب أن يجتمع أولاً: أهل السنة، وأن يكونوا يداً واحدة وكلمة واحدة.
ثانياً: تجتمع الأمة جميعاً، واجتماع أهل السنة هو لمصلحة اجتماع الأمة؛ لأنهم أبعد الناس عن التعصب، ولا يجتمعون اجتماعاً حزبياً بالمعنى المفهوم السائد في الساحة الغربية أو غيرها؛ لكن نقول: يجتمعون على الحق، وعلى أن يكون أمرهم شورى بينهم لنصرة هذا الدين.
والآن الواقع الإسلامي بحق وحقيقة، فجميع الجماعات وجميع الدعوات فاقت ونهضت، والآن الجماهير -كما يسمونها- تندفع وتطالب بحكم الله وشرع الله في كل مكان، ومستحيل أن تحتويها جماعة ولا جماعات ولا أكثر، فهي فاقت كل توقع وكل تصور، ومع ذلك فلا يزال بعضهم في تخلفه الضيق وقوانينه الجامدة، فيجب أن يتقدم الدعاة قلباً واحداً، اعتقاداً وقولاً وعملاً وتخطيطاً ويقودوا هذه الصحوة المباركة على منهج السلف الصالح، وهو منهج واسع -ولله الحمد- وأما غيره فهو ضيق محدود إذا خالفته قيل خرجت، أما منهج السلف الصالح فهو واسع جداً -ولله الحمد- لأن فيه حقيقة الدين الميسرة وتستطيع في كل بيئة أن توجد التجمع أو الجماعة الإسلامية الصحيحة الملائمة لها، ولواقع تلك البيئة أحياناً تكون الجماعة جهادية، كالحال في أرتيريا أو في أفغانستان جماعة جهادية على منهج السلف الصالح، وأحياناً تكون جماعة دعوية، وأحياناً تكون علماء يلتف حولهم الشباب وهكذا، وفي كل مكان يمكن أن تكون الصورة والشكل بما يوافق البيئة والمرحلة؛ لكن الهدف واحد والغاية والواقع واحد.
الجواب: لا يجوز الدعوة إلى الله بهذا، ولنضرب مثالاً لهذا: يروى حديث موضوع عن علي بن أبي طالب أنه قال: (دخلت أنا و فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي ليلة أسري بي إلى السماء، رأيت نساءً عذابهن شديد، فأنكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن...
والعبرة التي نأخذها نحن في واقعنا الآن من كلامنا هذا، أن الأمة بحاجة إلى العلم الشرعي الصحيح، وأنها لا يجوز لها أن تدعو بهذه الأباطيل، حتى لو دعوت إلى الله فلا تدعو إلا بما شرع الله، حتى لو جمعنا الناس إلى المسجد للصلاة بناء على حديث موضوع أو ضعيف كما يذكر أحياناً أحاديث تُعلق في المساجد، فهذا لا يصح، ويخطئون على ذلك؛ لأن الإنسان ترتبط هدايته بما اهتدى به، فإذا ارتبطت هدايته بحديث موضوع ظل يجله ويعظمه ويعتقد صحته، فيكون رجوعه إلى الحق ممزوجاً بذلك الباطل، وهو اعتقاد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال شيئاً وهو لم يقله، فيكون ذلك من الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن القول على الله بغير علم.
فالدعوة -والحمد لله- في غنىً عن هذا، والموعظة من القرآن تكفينا، ولو قرأناه قراءة المتدبر المتأني المعتبر المتعظ لكفانا وأغنانا، ويضاف إليه ما صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومواعظه موجودة في كتاب الرقاق من الصحاح وفي كتب الوعظ الصحيحة كما في صحيح الترغيب والترهيب -مثلاً- والحمد لله هي موجودة وميسرة، فلماذا نرجع إلى الأباطيل أو الضعاف أو الأمثال أو الحكايات أو الروايات؟ لا يجوز ذلك، وهذا من الخلل في منهج الدعوة، ومما يجب على الصحوة وشبابها أن يحذروه إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله الطيبين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر