الجواب: أولاً -يا أخي- الجمع إنما هو رخصة بالنسبة للمسافر؛ سواء كان بحاجة إليها أو لم يكن بحاجة إليها، والعمل بها هو أمر يحبه الله عز وجل، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) فإذا كان الرجل مسافراً فعلاً فله أن يجمع؛ سواءً كان في حاجة إلى الجمع أو لم يكن في حاجة إليه، لكن الجمع ليس خاصاً بالمسافر فقط وإنما يجوز أيضاً للمقيم، لكن ليس من باب الترخص وإنما من باب الحاجة الملحة؛ لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه كما في صحيح مسلم : (جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، بدون سفر ولا مطر، قالوا: ماذا أراد بذلك يا ابن العباس؟ قال: أراد ألا يحرج أمته).
فأقف هنا قليلاً؛ لأن هذه المسألة مهمة جداً، ألا وهي الجمع بالنسبة للمقيم، ثم نعود إلى الجمع بالنسبة للمسافر؛ لأن أكثر الناس كما قال رب العالمين: (لا يعلمون) ومن جملة ما لا يعلمون الجمع بالنسبة للمقيم، بعضهم يعلم أن الجمع للمقيم يجوز لكنه لا يشترط له أي شرط، فيجعل الجمع للمقيم كالجمع للمسافر، لا يستويان مثلاً؛ لأن الجمع للمقيم يختلف عن الجمع للمسافر.
الجمع للمسافر -كما قلت آنفاً- رخصة، ولو لم يكن مضطراً، ولا في حاجة ملحة إلى هذه الرخصة، وله أن يفعل ذلك ولا يستطيع أحد أن ينكر؛ لأنه ثبت الجمع بين الصلاتين في الأحاديث الصحيحة، خلافاً لمن يصور هذا الجمع في السفر ويسميه بالجمع الصوْري، وأنتم تقولون: الجمع الصُوري، وهذا لا حاجة إليه لغة، إنما هو جمع صوري، والجمع الحقيقي هو: إما تأخير الصلاة الأولى كالظهر مثلاً إلى الصلاة الأخرى العصر، فتصليهما معاً في وقت العصر، ويسمى جمع تأخير، وإما أن تقدم الصلاة الأخرى فتضمها إلى الصلاة الأولى وتصليهما في وقت الأولى الظهر، فيسمى جمع تقديم، فهذا جمع حقيقي وليس جمعاً صورياً.
كذلك الجمع في حالة الإقامة جمع حقيقي، ولكن يشترط هناك شرط لا يشترط في الجمع للمسافر، ألا وهو: الحاجة التي تعترض سبيل المصلي، فيجد حرجاً يوماً ما في وقت ما أن يصلي الظهر في وقتها والعصر في وقتها، فيجمع بينهما جمع تقديم أو جمع تأخير تمسكاً بالرخصة.
إذا عرفنا هذه الحقيقة في الجمع في السفر والجمع في الحضر، وأنهما من حيث صورة الجمع جمعاً حقيقياً، أما من حيث جواز الجمع ففي السفر للرخصة وفي الحضر لدفع الحرج.
نعود إلى الإجابة على السؤال فنقول: هذا الذي نوى الإقامة في بلد سفره شهراً أو شهرين، أو أقل من ذلك أو أكثر من ذلك هذه الإقامة ليس لها في الشرع أيام معدودات، وإنما هي تتعلق بحالة المقيم، فإن كان أقام تلك الأيام أو أقل منها أو أكثر وهو نوى الإقامة فعلاً، واطمأن في نزوله في ذلك المكان، فهذا أصبح مقيماً ولو أنه ليس في بلده، فلا يجوز له القصر حيث يجب القصر على المسافر فضلاً عن أنه لا يجوز له الجمع، إلا كما ذكرت آنفاً لدفع الحرج، أي: هذا الذي نوى الإقامة شهراً أو أقل أو أكثر أصبح مقيماً، فتجري عليه أحكام المقيم.
أما من نزل في بلد غير بلده ولم ينوِ الإقامة، إنما له في هذا البلد مصالح يريد أن يقضيها، لكنه لا يدري متى ستنقضي، بحيث أنها إذا انقضت عاد أدراجه إلى بلده، فما دام أنه لم ينوِ الإقامة وإنما قال في نفسه: متى أنتهي من قضاء حاجتي رجعت إلى بلدي؛ فهذا غير مقيم، وصورته أن يقول: أول ما أكمل عملي أسافر، فلو مضت أيام كثيرة بل وشهور ولم يكمل عمله فهو مسافر.
فإذاً: القضية لها علاقة بوضع الإنسان في حالة الإقامة المؤقتة ونيته، إذا نوى الإقامة والاستقرار أياماً معدودات فهو مقيم، وإذا لم ينو الإقامة وإنما هو مقيم إقامة مؤقتة لقضاء تلك المصالح ومتابعة تلك الأعمال فإذا انتهى منها يعود إلى بلده، فهذا مسافر مهما طالت الأيام.
الجواب: أنا في اعتقادي أن جوابي السابق يعطيك جواب هذا السؤال اللاحق، قلت: أنه إذا نوى الإقامة فهو مقيم، وارتبطت به أحكام المقيم، وإما أنه لم ينوِ هذه الإقامة وله أعمال يريد أن يقضيها فإذا انتهت رجع، فهو مسافر.
الجواب: وهذا القول يمكن تصحيحه ويمكن تضعيفه؛ لأن فيه إجمالاً يحتاج إلى تفصيل، عندما يقول هذا السائل: بأنه يأخذ الأجر، فنحن نقول: يقول الله عز وجل لملائكته في الحديث القدسي: (يا ملائكتي! إذا همَّ عبدي بحسنة فعملها فاكتبوها له عشر حسنات، إلى مائة حسنة، إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء) وللحديث تتمة ما أظن أني بحاجة إليها الآن، فهذا الذي يقول: يصلي سنة الوضوء والتحية ويأخذ أجر اثنتين، هذا الإطلاق خطأ، لماذا؟
لأننا نفترض أنه لو صلى تحية المسجد لوحدها وصلى سنة الظهر -مثلاً- لوحدهما صلى أربع ركعات، فهذا كتب له تلقاء صلاة التحية على الأقل عشر حسنات، وقد يكون مائة وقد يكون سبعمائة .. إلخ، فنحن نأخذ الآن أقل عدد وهو عشر حسنات، ولما صلى سنة الظهر كتب له على الأقل عشر حسنات، إذاً مجموع الصلاتين عشرون حسنة، فنقول للذي تنقل عنه هذا الكلام: إذا صلى شخص ركعتين بنية العبادتين هل تكتب له عشرون حسنة؟ إن قال: نعم. نقول له: أخطأت، لماذا؟ (إذا همَّ عبدي بحسنة فعملها فاكتبوها له عشر حسنات) هذا ما عمل العبادة الثانية -أي: سنة الوضوء- وإنما صلى ركعتين فقط، إذاً هذا لا يكتب له إلا عشر حسنات، لكن هناك زيادة حسنة واحدة فقط، وهي تمام الحديث السابق: (وإذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة واحدة) إذاً هذا عمل عبادة واحدة فكتبت له عشر حسنات على الأقل، والعبادة الثانية ما عملها ولكن نواها، فيكتب له حسنة واحدة.
إذاً الجواب: يكتب له العشر حسنات مقابل العمل، وحسنة واحدة مقابل النية وإذا فرضنا أن الله عز وجل تفضل عليه وكتب له مقابل الركعتين مائة حسنة، يكتب له مع النية حسنة فتصبح مائة وواحدة، وهكذا دواليك، لذلك نحن نقول: عندنا الآن ثلاث صور وهي في التفاضل كما يأتي:
الصورة الأولى: وهي أعلاها: يصلي ركعتين تحية، وركعتين سنة وضوء، وركعتين سنة الوقت، صارت ست ركعات.
الصورة الثانية: أن يصلي ركعتين بثلاث نيات: التحية، ونية الوضوء، ونية سنة الوقت.
الصورة الثالثة والأخيرة: يصلي ركعتين بنية واحدة، فهذا يكتب له عشر حسنات، والذي قبله يكتب له عشر حسنات زائداً أجر النية أو النيتين، والذي قبله كذلك يكتب له أجر العبادة الواحدة زائداً مائتين، المهم كل عمل له عشر حسنات، إذا تكرر العمل تتكرر العشر حسنات وإذا لم يتكرر العمل إنما النية تكررت فالنية لها أجر واحد.
الجواب: نحن لا نعتقد جواز هذا التبرع؛ لأن فيه اعتداء على الميت، وحرمة الميت المسلم لا تزال قائمة كما لو كان حياً، ولذلك جاءت أحاديث تنهى المسلم أن يطأ قبر المسلم وأن يجلس عليه، بل جاء وعيد شديد، فقال عليه الصلاة والسلام: (كسر عظم الميت ككسره حياً)، أي: من حيث العقوبة، وإلا الميت بعد أن يموت لا يحس بأي شيء يقع في جسده، لكن من حيث الحكم الشرعي، فكسر عظم الميت ككسره حياً.
كثيراً ما يرد سؤال في ذكر مثل هذه المناسبة: أنهم يجرون عمليات جراحية تشريحية ليتعلموا على حساب جثث الموتى، فنقول: لا يجوز؛ لأن الرسول قال: (كسر عظم الميت ككسره حياً)، بالإضافة إلى أحاديث كثيرة تنهى عن المثلة بالميت، حتى الكافر لا يجوز التمثيل به إذا ما قتله المسلم، أما أن يمثل به ويشوهه فيقطع آذانه وأنفه وأعضاءه ... إلخ. هذا لا يجوز حرمة لهذا الميت الكافر فضلاً عن المسلم.
فنقول: إذا كان لابد للطبيب المسلم أن يتمرن على حساب جثث الموتى فليبتعد عن جثث المسلمين؛ لأنه جاء في رواية صحيحة: (كسر عظم المؤمن الميت ككسره حياً) حتى هنا نحن نقول: إذا كان هناك مجال للتمرن في التشريح أن يجري هذا التمرن على جثث الحيوانات -أيضاً- ينبغي الابتعاد عن جثث أموات الكفار فضلاً عن المسلمين؛ لما ذكرت آنفاً من أن النبي عليه السلام نهى عن التمثيل.
الجواب: أقول: التعامل مع الجن ضلالة عصرية، لم نكن نسمع من قبل -قبل هذا الزمان- تعامل الإنس مع الجن، ذلك أمرٌ طبيعي جداً، ألا يمكن تعامل الإنس مع الجن لاختلاف الطبيعتين؛ قال عليه الصلاة والسلام تأكيداً لما جاء في القرآن: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15] وزيادة على ما في القرآن قال عليه السلام: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) فإذاً البشر خلقوا من طين والجان خلقوا من نار، فأنا أعتقد أن من يقول بإمكان التعامل مع الجن مع هذا التفاوت في أصل الخلقة، مثله عندي كمثل من قد يقول -وما سمعنا بعد من يقول - تعامل الإنس مع الملائكة. هل يمكن أن نقول بأن الإنس بإمكانهم أن يتعاملوا مع الملائكة؟
الجواب: لا. لماذا؟ نفس الجواب، خلقت الملائكة من نور وخلق آدم مما وصف لكم، أي: من تراب، فهذا الذي خلق من تراب لا يمكنه أن يتعامل مع الذي خُلق من نور.
كذلك أنا أقول: لا يمكن للإنسي أن يتعامل مع الجني بمعنى التعامل المعروف بيننا نحن البشر، نعم. يمكن أن يكون هناك نوع من التعامل بين الإنس والجن، كما أنه يمكن أن يكون هناك نوع من التعامل بين الإنس والملائكة أيضاً، لكن هذا نادر نادر جداً، ولا يمكن ذلك مع الندرة إلا إذا شاء الملك وشاء الجان.
أما أن يشاء الإنسي أن يتعامل معاملة ما مع ملك ما فهذا مستحيل، وأما أن يشاء الإنسي أن يتعامل مع الجني رغم أنف الجني فهذا مستحيل؛ لأن هذا كان معجزة لسليمان عليه الصلاة والسلام، ولذلك جاء في الحديث الصحيح في البخاري أو مسلم أو في كليهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قام يصلي يوماً بالناس إماماً، وإذا بهم يرونه كأنه يهجم على شيء ويقبض عليه، ولما سلّم قالوا له: يا رسول الله! رأيناك فعلت كذا وكذا، قال: نعم. إن الشيطان هجم -أو قال عليه السلام هذا المعنى- علي وفي يده شعلة من نار يريد أن يقطع علي صلاتي، فأخذت بعنقه حتى وجدت برد لعابه في يدي، ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35] لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يصبح أطفال المسلمين يلعبون به) لكنه عليه الصلاة والسلام تذكر دعاء أخيه سليمان عليه السلام: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35]، لولا هذه الدعوة لربطه الرسول، لكنه لم يفعل؛ فأطلق سبيله برغم أنه أراد أن يقطع عليه صلاته.
فالآن ما يشاع في هذا الزمان من تخاطب الإنس مع الجن، أو الإنسي المتخصص في هذه المهنة يزعم أنه يتخاطب مع الجني، وأنه يتفاهم معه، وأنه يسأله عن داء هذا المصاب أو هذا المريض وعن علاجه، هذا إلى حدود معينة يمكن، لكن يمكن واقعياً ولا يمكن شرعاً؛ لأن ليس ما هو ممكن واقعاً يمكن أو يجوز شرعاً.. فإنه يمكن للمسلم أن ينال رزقه بالحرام، كما ابتلي المسلمون اليوم بالتعامل بالربا معاملات كثيرة وكثيرة جداً، لكن هذا لا يجوز ولا يمكن شرعاً، فما كل ما يجوز واقعاً يجوز شرعاً.
لذلك نحن ننصح الذين ابتلوا بإرقاء المصروعين من الإنس بالجن، ألا يحيدوا أو ألا يزيدوا على تلاوة القرآن على هذا المصروع أو ذاك في سبيل تخليص هذا الإنسي الصريع من ذاك الجني الصريع -صريع اسم مفعول، اسم فاعل- ففي هذه الحدود فقط يجوز، وما سوى ذلك فيه تنبيه لنا في القرآن الكريم على أنه لا يجوز بشهادة الجن الذين آمنوا بالله ورسوله، وقالوا كما حكى ربنا عز وجل في قرآنه: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] وكانت الاستعاذة على أنواع، ولا توجد حاجة للتعرض لها. المهم أن الاستعانة بالجن سبب من الأسباب لإضلال الإنس؛ لأن الجني لا يخدم الإنسي لوجه الله، وإنما ليتمكن منه لقضاء وطره منه بطريقة أو بأخرى.
لقد كنا في زمن مضى ابتلينا بضلالة لم تكن معروفة من قبل، وهي التنويم المغناطيسي، فكانوا يضللون الناس بشيء سموه بالتنويم المغناطيسي، يسلطون بصر شخص معين على شخص عنده استعداد لينام ثم يتكلم -زعم- في أمور غيبية، ومضى على هذه الضلالة ما شاء الله عز وجل من السنين تقديراً، ثم حل محلها ضلالة جديدة وهي استحضار الأرواح، ولا نزال إلى الآن نسمع شيئاً عنها، ولكن ليس كما كنا نسمع من قبل ذلك؛ لأنه حل محلها الآن الاتصال بالجن مباشرة لكن من طائفة معينين، وهم الذين دخلوا في باب الاتصال بالجن باسم الدين، وهذا أخطر من ذي قبل، فالتنويم المغناطيسي لم يكن باسم الدين وإنما كان باسم العلم، واستحضار الأرواح كذلك لم يكن باسم الدين إنما كان باسم العلم أيضاً.
أما الآن فبعض المسلمين وقعوا في ضلالة الاستعانة بالجن باسم الدين، ذلك أن الرسول عليه السلام ثبت عنه أنه قرأ بعض الآيات على بعض الناس الذين كانوا يصرعون من الجن فشفاهم الله، هذا صحيح؛ لكن هؤلاء بدءوا من هذه النقطة ثم وسعوا الدائرة إلى الكلام: هل أنت مسلم؟ ما دينك؟ نصراني يهودي بوذي؟ وبعد ذلك يقولون له: أسلم تسلم، وبعد ذلك يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، آمن الإنس بكلام الجني وهم لا يرونه ولا يحسون به إطلاقاً، نحن نعيش اليوم سنين طويلة نتعامل مع بني جنسنا -إنس مع إنس-. وبعد كل هذه السنين يتبين لك أن الذي كنت تعامله كان غاشاً لك، فكيف تريد أن تتعامل مع رجل من الجن لا تعرف حقيقته؟ ويقول لك: أسلمت، ويقول لك: أنا مؤمن، وأنا في خدمتك، ماذا تريد مني؟ أنا حاضر. هذا نسمعه كثيراً، سبحان الله! من هنا يدخل الضلال على المسلمين كما يقال: (ومعظم النار من مستصغر الشرر).
بدأنا مهنة نتعاطها في استخراج الجن من الإنس وتوسعنا فيها حتى صارت واسعة.
وقد يسأل سائل فيقول: هل يمكن التعامل مع الجن؟
فنقول: لا يمكن إلا بما ذكرته آنفاً من التفصيل والنصيحة، كما قلت آنفاً: أنه لا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية في معاجلة الإنسي الذي صرعه الجني، يقرأ عليه ما يشاء من كتاب الله ومن أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
وهناك أشياء عجيبة جداً، كلها توهيم على الناس ومحاولة للانفراد بهذه المهنة عن كل الناس؛ لأنه لو بقيت القضية على تلاوة الآيات فكل أحد يستطيع أن يقرأ بعض الآيات وإذا بالجني يخرج، يقولون: لا. نريد أن نحيطه بشيء من التمويه والسرية -زعموا- حتى تكون مخصصة في طائفة دون طائفة.
أذكر بقوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] .
نسأل الله عز وجل أن يحفظنا عن الانصراف إلى الاستعانة بالجن.
الشيخ: أنت تتسرع يا أبا فارس .
السائل: أنا كنت حذراً قلت: شبهة.
الشيخ: أنت تتسرع في سرد الحديث، وهل الحديث له علاقة بالجمع؟
السائل: نعم. له علاقة بالجمع والقصر، والأخ سأل عن مدة القصر.
الشيخ: أنت تروي الحديث في الجمع، والحديث ليس له علاقة بالجمع، وإنما يتعلق بالقصر.
السائل: القصر ليس مرتبطاً بالجمع؟
الجواب: ليس ضرورياً يا أخي، القصر هو عزيمة والجمع رخصة، والحديث الذي أنت تذكره عن ابن عباس ليس له علاقة بالجمع، وإنما هو أداة ذكرناها وهو يتعلق بالقصر.
السائل: يمكن شيخنا تفيدنا في هذه النقطة؟
الجواب: أنا ذكرتها بروايتين، أنت ذكرت رواية الجمع، وحديث ابن عباس في الجمع وحديث عائشة في الجمع وهو شيء إنما هو في القصر.
السائل: إذاً أنا ملتبس علي جمع وقصر أم قصر؟ انتفت الشبهة.
الجواب: هؤلاء الذكور أحياء كلهم وكذلك البنات؟
السائل: نعم.
الشيخ: بما أن أباهم مات إذاً يتصافون جميعاً، ما في سبيل إلا هذا.
السائل: يجب على الجميع أن يجلسوا ويعطوا الإناث حقهن من جديد؟
الشيخ: وكل واحد يأخذ حصته بعد ما مات أبوهم.
الشيخ: أنا ما فهمت سؤالك، مهد لي قليلاً قليلاً، من في المجلس؟
السائل: الشاب وأخوه.
الشيخ: ومن هو الثالث؟
السائل: الشاب السويدي.
الشيخ: هو كافر أجنبي، صاروا ثلاثة شباب، ثم ماذا بعد ذلك؟
السائل: الشاب وأخوه لا يستطيعان أن يتكلما باللغة الإنجليزية المتقنة حتى يدعواه إلى الله؛ فأخونا في الله جاء بأخته وأجلسها في الغرفة حتى تترجم الكلام، فهل يجوز هذا؟
الشيخ: إذا كانت متحجبة فيجوز لها أن تترجم كلام أخيها العالم إن كان الأمر كذلك، وتبين هذه المترجمة الدين لذلك السويدي.
الجواب: إذا كان متزوجاً ومحصناً خلقياً فيجوز وإلا فلا.
السؤال: وإذا كان أخونا أعزب؟
الجواب: لا يجوز على كل حال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] .
الجواب: لا شك في تحريم الدخان، وهو حرام لأسباب كثيرة:
أولاً: أن المدخن يضر بنفسه، وهذا الضرر في النفس له صورتان: ضرر في بدنه، وضرر في ماله، ثم الضرر الذي في بدنه يتعدى إلى غيره؛ فيصير التحريم يعلو ويتضاعف.
والمعصية إما أن يأتي بها العاصي سراً، وإما أن يأتي بها جهراً أمام الناس، فإذا أتى بها سراً فهو عاصٍ لله مرة، وإذا أتى بها جهراً فهو عاصٍ لله مرتين، والسبب في ذلك أن عدوى معصيته تنتقل إلى غيره فيتضرر الغير بمعصيته في نفسه.
ثانياً: كذلك الدخان الذي يشربه الإنسان لا يكتفي بأنه يضر نفسه وماله بل يتعدى في ضرره إلى غيره، وهذا الذي يسمى في لغة العرب: الإضرار ما يتعلق بنفسه الضرر وما يتعلق بغيره الإضرار، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار) فلا يجوز للمسلم أن يضر بنفسه فضلاً عن أن يضر بغيره.
فشارب الدخان جمع الخبيثتين: خبيثة الإضرار بنفسه على التفصيل السابق مادياً وبدنياً، وخبيثة الإضرار بالغير، لا أعني هنا بالإضرار بالغير كالذي يعلن شرب الدخان أمام الناس، هذا واضح، لكنه بهذا الدخان الذي يبثه في الجو الصافي النقي يضر الآخرين، ومعلوم الآن من الأخبار والمجلات الطبية، أن سبب إضرار الدخان في بدن متعاطيه إنما يعود إلى المادة الكمينة فيه وهي التي يسمونها بالنيكوتين، يقولون: هذا الدخان الذي ينفثه شارب الدخان وفيه مادة النيكوتين، فهؤلاء الأبرياء الذين طهرهم الله من شرب الدخان، مكرهون من هذا الشارب أن يشموا وأن يبلعوا رغم أنوفهم شيئاً من مادة النيكوتين هذه.
إذاً: هو جمع المصيبتين في الحديث: الضرر بنفسه والإضرار بغيره، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من رأفته ورحمته بأمته أنه جاءهم بكل شيء، وحذرهم من كل شر، حتى وصل به الأمر إلى أن ينهى المسلم أن يتعاطى الطعام الحلال الذي فيه رائحة كريهة، إذا ما كان من الواجب عليه أن يحضر مجلساً فيشم الجالسون منه تلك الرائحة الكريهة، فنهاه عن هذا الطعام الحلال؛ لكي لا يؤذي غيره برائحة الطعام الحلال، وقد عرفتم أن الطعام هو الثوم والبصل، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، إذاً كأن الرسول عليه السلام يقول: أيها المسلم المصلي! لا تأكلن طعاماً فيه ثوم أو بصل وتحضر المسجد، كل الطعام الذي فيه الثوم والبصل قبل أن تحضر المسجد؛ أما إذا أكلت هذا الطعام قبيل حضورك المسجد فنحن في غنى عن حضورك المسجد، مع أن حضور المسجد فرض عليه كالصلاة نفسها، ولم يقتصر عليه الصلاة والسلام على هذا التوجيه: ( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا ) بل طبق ذلك عملياً، حيث دخل ذات يوم المسجد النبوي فشم من أحدهم رائحة الثوم فأمر بإخراجه من المسجد، وإلى أين؟ إلى البقيع -إلى المقابر- لأنه يشير بهذا التنفيذ العملي، أن المسلم الذي يحضر مساجد المسلمين وهو يحمل في فمه رائحة كريهة يؤذي المصلين، هذا لا يليق بأن يعيش مع المصلين، بل ولا مع الأحياء الذين خارج المسجد، بل عليه أن يعيش مع الأموات في المقابر.
تُرى لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عصرنا هذا، ودخل المسجد، وشم رائحة الدخان من إنسان يصلي بجانبه أو من خلفه، كان سيخرجه إلى المريخ وليس إلى المقابر، لماذا؟ لأنه يضر المسلمين، لكن الطعام ماذا فيه؟ فيه منفعة، الأطباء اليوم يذكرون منافع البصل والثوم أشياء عجيبة غريبة جداً، وعلى العكس من ذلك؛ فهم يذكرون الآن من أضرار الدخان المرض الخبيث السرطان.
فإذا كانت رائحة الطعام النافع بسبب رائحة كريهة في المسجد أخرجه إلى البقيع، فإذا شم رائحة شارب الدخان الذي يضر نفسه ويضر زوجه وأولاده، ومن عجبه أن ترى بعض الآباء يدمنون شرب الدخان، فإذا رأى ابنه يشرب الدخان ينهره، حُق له أن ينهره وما حق له أن ينهره، لماذا؟ لأنه هو قدوة سيئة له. يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] لماذا هو لا ينتهي؟ لأنه نشأ على هذا الداء الوبيل.
ولذلك فلا شك ولا ريب شرعاً بأن الدخان حرام، ربما يكون تحريمه من حيث آثاره السيئة أشد من الخمر التي جاء تحريمها بنص القرآن الكريم، والمحرمات في الشرع ليس من الضروري أن تكون كلها بنصوص يشترك في فهمها كل مسلم، الآن لو ضربنا مثلاً هذه المخدرات التي انتشرت في بلاد الكفر والضلال، كـأوروبا وأمريكا .. إلخ، وهم يجهزون جيوشاً من أنواع مختلفة لمقاومة انتشار هذا الفساد، ولا يكادون يقضون عليه، لا يوجد عندنا نص في القرآن يتحدث عن الحشيش المخدر، لكن هل هو حلال أم حرام؟ حرام من حيث: (لا ضرر ولا ضرار). إذاًَ أخذت الجواب إن شاء الله.
الجواب: لا يجوز، وإذا قلنا بالجواز فما هي فائدة التحديد؟
السائل: التحديد هذا هل هو للوجوب أم للسنية؟
الشيخ: نفس الجواب، ماذا كان الجواب السابق؟ لا يجوز، الآن عندما تقول أنت: هل هو للوجوب أم للسنية؟ ماذا يكون الجواب: يجوز أم لا يجوز؟
السائل: لا يجوز.
الشيخ: هذا هو، الجواب تقدم، ولو أنك طورت السؤال، أما الجواب فهو هو، يعني: للوجوب وليس للسنية؛ لأنه لو قيل للسنية، معناها أنك مخير أن تمسح ما شئت، كما هو القول في مذهب الإمام مالك .
الجواب: متى يبدأ المسح؟ دعنا نضرب مثالاً: مع أذان الفجر مسح فله أن يمسح إلى قبيل أذان الفجر بلحظة، مسح المسحة قبيل أذان الفجر، فيصلي بهذا الوضوء ما شاء من الصلوات حتى ينتقض.
الجواب: لا تجوز.
الجواب: كل مؤذٍ يُخرج، لكن من المخرج؟
الجواب: لا يجوز، إلا إذا كان الزوجان طبيبين أو أحدهما على الأقل ويتعاطى أحدهما التلقيح بيده، أما التلقيح بين الزوجين على أيدي رجال أو نساء غرباء عنهما فهذا لا يجوز، فالقضية من حيث أنها تلقيح صناعي ليس فيها شيء إطلاقاً، كالتفقيس بالنسبة للدجاجة تماماً، لكن باعتبار ما قد يطرأ على هذا التلقيح من غش، ومن ضياع النسب، فمن هنا لا يجوز.
ولذلك قلنا: إذا افترضنا أن الزوجين طبيبان أو أحدهما على الأقل، فأحدهما يسحب ماء الثاني ويعملون عملية التلقيح الصناعي إن كان فيها أمل، وإلا فلا تجوز.
السائل: حتى لو عرف من صلاح الرجل القائم على هذا العمل؟
الشيخ: حتى لو عرف.
الجواب: هذه فيها تفصيل بارك الله فيكم، وهي مشكلة قائمة في هذا الزمان، ولها صور كثيرة وكثيرة جداً، فيجب النظر في هذه الأمور التي تباع للجماهير، ثم يوضع في بعضها أوراق اليانصيب، حتى مرة فعلوا ذلك في قارورات البيبسي، فالجواب في هذه الصورة أو في تلك، أو في نوع آخر من الأمور التجارية، ينبني على معرفة ما إذا كانت هذه الجوائز صادرة من جيب التاجر، أو من جيوب المشتركين في شراء هذه المواد.
مثال مصغر لتوضيح المسألة: لو فرضنا أن شركة البيبسي التي كانت تصدر هذا الشراب، كانت تبيع القارورة بسبعة قروش ونصف، فلما قررت أن تضع جائزة رفعت السعر من سبعة ونصف إلى ثمانية فضلاً عن عشرة ووضعت جائزة، هذه الصورة لو جمعناها، خاصة في زمن الكمبيوتر الحسيب الدقيق، مثلاً: مليون قارورة، زادوا بهذه المليون نصف، قرش أو اثنين ونصف فيشترون بهذا المجموع -مثلاً- دراجة نارية أو ما شابه ذلك، فوضعوا بمقدار الفرق الذي أضافوه وضعوا جوائز، إذاً هذا الفرق ليس من كيس الشركة أو من المعمل، إنما هو من كيس هؤلاء الذين اشتروا، فهذه القوارير هذا قمار وهو لا يجوز.
أما إذا كانت الشركة دفعت قيمة الجوائز من جيبها والسعر هو هو سبعة ونصف، لكن ترويجاً وتشجيعاً للزبائن على شرائها وضعت هذه الجائزة، فهذه اسمها في الشرع جُعالة، فمثلاً إذا قلت لشخص: إذا أنت قطعت المسافة في ظرف كذا لك كذا، هذه جُعالة، فإذاً وضح الجواب.
فعلبة الدهان التي ربح منها الرجل سيارة، هل تباع بسعر معين دائماً، أم رفعوا سعرها لأجل الجائزة؟ فإذا رفعوا سعرها فلا يجوز، وقس على المثال السابق.
أنا ضربت مثالاً لكي يفهم الموضوع، فإذا كانت هناك بضاعة جديدة -مثلاً- ونظامهم أن يربحوا في المائة عشرة، فلما قرروا أن يجعلوا جائزة رفعوا سعر الربح وقالوا: بالمائة اثنا عشر ونصف، أو خمسة عشر، من أجل ماذا؟ من أجل أن يشتروا بالزيادة قيمة الجوائز، فهذا قمار لا يجوز، أنا لا أحكي عن حقائق وعلم، وإنما أصور لك متى يكون حلالاً ومتى يكون حراماً.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر