إسلام ويب

أميرة القصر، وقضية العصرللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان لحادث وفاة الأميرة البريطانية ديانا وعشيقها صداه المؤسف في الإعلام العربي المقروء والمسموع، مما يدل دلالة واضحة على الخلل العقدي، والفهم الخاطئ لحقيقة الولاء والبراء في الإسلام. في هذه الخطبة أزاح الشيخ اللثام عن هذه الحقيقة وبيّن عوار الإعلام ومساويه، ووضح أهمية أمانة الكلمة، والأزمة التي يعيشها كثير من شباب هذه الأمة، ثم بيّن الفائدة والعبرة من هذه الحادثة، وأنهى الموضوع بالحديث عن الطريق الحق إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

    1.   

    قبل أن تغرق السفينة بالجميع

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أحبتي في الله! (أميرة القصر وقضية العصر) هذا عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكما تعودنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية:

    أولاً: قبل أن تغرق السفينة بالجميع.

    ثانياً: أمانة الكلمة وأزمة العقل المسلم.

    ثالثاً: أين الولاء والبراء؟

    رابعاً: فاعتبروا يا أولي الأبصار.

    وأخيراً: هذا هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

    فأعيروني القلوب والأسماع جيداً أيها الأحباب الكرام، والله أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، وأن يرزقنا جميعاً حسن الخاتمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أحبتي في الله! حملةٌ إعلامية مبالغٌ فيها بشكلٍ مثير، تستفز مشاعر كل مسلم صادقٍ غيور، حول حادث وفاة الأميرة البريطانية ديانا مع عشيقها بعد حفل عشاءٍ رومنسيٍ ساهر في مدينة باريس ، الحدث في ذاته لا يستحق منا أبداً أن نهتم به لولا ما قرأت من كلمات، وما سمعت من آهاتٍ وأناتٍ وتوجعات، وما رأيت من حالاتٍ واعتقاداتٍ تصيب عقيدة الولاء والبراء بطريقٍ مباشر، لولا ذلك ما وقفت اليوم مع حضراتكم هذه الوقفة لأفرد خطبة جمعة كاملة لمثل هذا الموضوع، فلقد رأيت أنه من الواجب الذي سأُسأل عنه بين يدي الله جل وعلا أن أقف اليوم مع حضراتكم وقفة متأنية مع هذا الحدث؛ لأستخرج منه الدروس والعظات والعبر التي تربي النفوس، وتربط القلوب بعلام الغيوب جل وعلا.

    فالداعية الصادق -أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصادقين- هو الذي ينبض قلبه بحب أمته، ويتمزق قلبه في الوقت ذاته حسرةً على ما أصاب الأمة من انحرافٍ مزرٍ عن منهج الله، وعن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا فهو يستغل الأحداث المتجددة؛ ليطرق على الحديد وهو ساخن؛ ليستخرج الدروس التربوية، والعظات الكبيرة، والعبر المفيدة.

    لذا فالداعية الصادق هو الذي يختار اللحظة المناسبة التي تبلغ فيها حرارة الانفعال درجة الانصهار؛ ليجلي لأمته المنهج التربوي الإسلامي اقتداءً بالحبيب النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك حدثاً من الأحداث في مكة أو المدينة في حياة الرعيل الأول إلا ووظف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحدث توظيفاً تربوياً فعالاً رائعاً، إذ أن التربية بالأحداث المتجددة من أعظم وسائل التربية.

    ومن ثم وقفت اليوم بين يدي حضراتكم محذراً أبناء أمتي قبل أن تغرق السفينة بالجميع، بالصالحين والطالحين، والمهرجين والساقطين، فنحن جميعاً -يا إخوة- نركب سفينة واحدة، يركب هذه السفينة الصالحون والطالحون كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه الصحيح الذي رواه البخاري من حديث النعمان قال عليه الصلاة والسلام: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة -أي ضربوا القرعة على سفينة- فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا -يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم- لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً) فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، يركب السفينة الصالح والساقط، التقي والشقي، إن نجت السفينة نجا الجميع، وإن هلكت السفينة هلك الجميع، هذا الواجب الثقيل، واجب الأخذ على أيدي المهرجين والواقعين في حدود رب العالمين، هذا الواجب يا إخوة قد حمله الله والنبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم على كل مسلمٍ ومسلمة على وجه الأرض، كلٌ بحسب قدرته، كلٌ بحسب استطاعته، كلٌ بحسب فكره وعطائه وقدراته.

    ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فإن رأيت منكراً -أيها المسلم- فغير هذا المنكر بيدك إن استطعت ذلك بالضوابط الشرعية والقواعد والأصول المرعية، فإن عجزت فبلسانك، فإن عجزت فبقلبك، ولا عذر لك عند الله جل وعلا إن لم تغير هذا المنكر بقلبك.

    وتغيير المنكر بالقلب -أيها الأخيار- يقتضي منك أن تترك المكان الذي يرتكب فيه المنكر وأنت عاجزٌ عن تغييره، أيها المسلم وأن تُبغض المنكر وأهله، هذا الواجب إن لم تتحمله الأمة وقع بالأمة كلها عقاب الله وعذابه وسخطه، ويتعرض لهذا العقاب الصالحون مع الطالحين، ففي الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً وهو يقول: (لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق النبي بالسبابة والإبهام، فقالت زينب : يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: نعم إذا كثر الخبث).

    فواجبٌ على الأمة تجاه هذه المهزلة التي نشهدها على صفحات الجرائد، بل وفي جل بيوت المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، واجبٌ على أهل الإصلاح من الصالحين، على أهل المعروف المنكرين المنكر أن يحذروا الأمة من هذه السفاسف الرهيبة، وأن يذكروا الأمة بقضاياها الكبرى التي أراد لها الأعداء أن يصرفوها عنها، وسقط في هذه المصيدة وهذا الفخ الخطير كثيرٌ ممن يديرون الآن دفة التوجيه والتربية والقيادة في بلاد المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    وراع الشاة يحمي الذئب عنها     فكيف إذا الرعاة لها الذئاب

    ويجب عليك أيها المسلم.. يا من لك العقل والفهم الرشيد السديد أن تقوم اليوم مذكراً، وأن تقف اليوم محذراً؛ لأننا نعيش زمن الفتنة، نعيش الزمن الذي قدم فيه الساقطون الزناة وأهل الدعارة ليكونوا القدوة لشبابنا، ليكونوا القدوة لنسائنا وبناتنا، وقد وصف الصادق هذا الزمان وصفاً دقيقاً محكماً كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم في المستدرك وصحح الحديث الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنواتٍ خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة! قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) صدق المصطفى ورب الكعبة، لقد تكلم التافهون الآن، وأُفرد للتافهين الصفحات الطوال، وأُفرد للتافهين الساعات الطوال ليحركوا عقول الأمة، ليوجهوا شباب الأمة توجيهاً يناقض تماماً ما أراده الله جل وعلا، وما أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمةٍ أوجب الله عليها أن تحمل مشعل الهداية لهذه البشرية كلها، ولِمَ لا وبين يديها كتاب الله جل وعلا وسنة الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزداد هذا الواجب عليك الآن أيها الأخ الحبيب؛ لأننا نعيش هذا العصر الذي خان فيه كثيرٌ من أهل الفكر الأمانة، وتعرض فيه العقل المسلم لأزمة خطيرة تخلع القلوب الحية.

    1.   

    أمانة الكلمة وأزمة العقل المسلم

    أمام كل حدث نرى هذه الأزمة، أمام كل مصيبة نرى أزمة العقول المسلمة، ونرى مدى التفاهة لكثيرٍ ممن يديرون دفة التوجيه والقيادة على صفحات الجرائد والمجلات ولا حول ولا قوة إلا بالله رب الأرض والسماوات.

    أيها الأحبة الكرام! الكلمة أمانة، الكلمة في الجريدة، في الإذاعة، في التلفاز، في المسجد، في الوظيفة، في الشارع.. الكلمة التي ينطق بها الإنسان أمانة ثقيلة، أمانة عظيمة، الكلمة شأنها عظيم، الكلمة خطرها جسيم، ولِمَ لا؟ فبكلمة واحدة يدخل المرء دين الله، وبكلمةٍ واحدة يخرج المرء من دين الله، وبكلمة واحدة ينال المرء رضوان الله، وبكلمة واحدة ينال المرء سخط الله، قال جل في علاه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً فيرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في جهنم) كلمة!

    هذه الأمانة العظيمة أمانة الكلمة، أمانة توجيه العقل المسلم، هذه الأمانة الثقيلة يتحملها العلماء، والدعاة، والأدباء، والمفكرون، والكتَّاب، والصحفيون، والمربون، والآباء، والأمهات، وكل من يساهم في تحريك دفة التربية والقيادة والتوجيه بطريقٍ مباشر أو غير مباشر، يتحمل كل هؤلاء هذه الأمانة الضخمة، وهذه المسئولية العظيمة الكبيرة، فالأمة كلها تبعٌ لهؤلاء، الأمة بتوجهاتها وبعقلياتها وبفكرها تبعٌ لهؤلاء القادة ممن يشكلون عقلية هذه الأمة، الأمة تنتظر نتاج هؤلاء، وتنتظر توجيه هؤلاء، وتنتظر تقى هؤلاء.

    وأعظم دليل على فشل جل هؤلاء ما نراه الآن من حالٍ مهين خطيرٍ لهذه الأمة، حيث أننا نرى الأمة إلا من رحم ربك تتعامل مع كل حدث وأزمة بسطحية مروعة، بسطحية مدمرة، نرى أن المسلم لا فارق بينه وبين هذا الرجل الغربي ألبتة، فالمسلم يتعامل مع الحدث كما يتعامل مع الحدث ذاته الرجل الغربي الذي لا يؤمن بالإله، ولم يهتد من حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكمن الخطر أن الذي يحرك ويشكل هذه العقليات المسلمة وهذه السطحية الخطيرة هم القادة، هم العلماء، هم الكتَّاب، هم الصحفيون، هم الأدباء، وبكل أسف رفعت الأمة هؤلاء على الأعناق، وفوق الرءوس، وهم في الحقيقة إلا من رحم ربك كالطبل الأجوف يُسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خالٍ، جل هؤلاء ما يعرف قرآناً، ولا يعرف سنة، ولا يتصور المنهج التربوي الإسلامي بأصالته وسموه وكماله، ومن ثم فإن أي حدثٍ لا يمر على هذا (الفلتر) النقي، على (فلتر) المنهج التربوي الإسلامي ليوظف هذا الأديب أو الصحفي أو الكاتب هذا الحدث توظيفاً يتلاءم مع منهج الله ومع منهج رسول الله فيخرج المسلم بعد ذلك من خلال هذه الرؤية المسلمة العقلية الواسعة، يخرج المسلم بعد ذلك برؤية تخالف تماماً رؤية الرجل الغربي الذي سطر لنا هذا الحدث ليصرف الأمة عن دينها وعن طريق نبيها صلى الله عليه وسلم.

    كل الجرائد والمجلات والإذاعات والصحف ضخمت الحدث لامرأة زانية، على أعلى مستويات هذه الأمة، قدم الحدث لامرأة ماتت وهلكت مع عشيقها، يقدم الحدث بهذه الصورة التي تثير حالة غبش تحياها الأمة ويحياها الشباب، فيقف الآن المسلم العادي البسيط وهو لا يستطيع أبداً أن يستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين، لا يعرف أبداً أين القدوة، ومن هو القدوة والمثل؟ وهذا من أخطر ما تعانيه الحركة الإسلامية الآن، ألا وهي حالة الغبش والتذبذب التي يعيش فيها المسلمون أو جل المسلمين بمعنىً دقيق.

    ولا يمكن على الإطلاق يا إخوة أن تخرج الأمة لنصرة دينها إلا إذا خرجت من حالة الغبش والتذبذب، إلا إذا تمايز الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط نفاقٍ لا إيمان فيه، إلا إذا أسقطت الأمة كل هذه الشعارات المضللة، وكل هذه اللافتات البراقة الخبيثة التي يتخفى خلفها أعداء هذه الأمة ممن لا يرقبون في المؤمنين والمؤمنات إلاً ولا ذمة.

    لقد آن الأوان بكل صدق ليرفع مثقفو الأمة ومفكروها وعلماؤها وأدباؤها وقاداتها، آن الأوان أن يتخلصوا من عقدة النقص أمام الغرب بكل ثقافاته ومعطياته وسلوكياته، آن الأوان أن يحذر هؤلاء القادة الأمة من هذا الذوبان الخطير في هذه المناهج الغربية والثقافات الغربية التي تصطدم اصطداماً مباشراً مع عقيدتنا وأخلاقنا وديننا، وقد حذر الصادق المصطفى من هذا الذوبان كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ -وفي لفظ: خربٍ- لتبعتموهم، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن) مَن غير هؤلاء؟ تبعت الأمة سنن هؤلاء مع أن الأمة تعلم يقيناً أن هؤلاء على ضلالٍ وباطل، وأنها تحمل منهج ربها ومنهج نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

    لقد آن الأوان أن يتخلص هؤلاء من عقدة النقص أمام الغرب بثقافاته، ومعطياته، وسلوكياته، لا سيما في الجانب الأخلاقي التربوي، وإن كنت في الوقت ذاته أقول بأعلى صوتي: لا حرج على الإطلاق أن تستفيد الأمة من حضارة الغرب في الجانب العلمي والمادي والصناعي، ليت الأمة نقلت أروع ما وصل إليه الغرب في جانب التقدم العلمي، ليت الأمة فعلت ذلك، لكنها بكل أسف تركت أروع -وأنا أقر- أروع ما وصلَ إليه التكتيك الغربي في عالم الاتصالات، في عالم المواصلات، في عالم الذرة، في عالم الكيمياء، في عالم الطب، في عالم الجيولوجيا، في كل هذه العوالم تركت الأمة أروع ما وصل إليه الغرب في هذا الجانب، وراحت لتنقل أعفن وأقذر وأرخص وأحقر ما وصل إليه الغرب في الجانب الأخلاقي والتربوي، الذي يصطدم مع عقيدتنا وأخلاقنا، وقيمنا وديننا، حتى رأينا من بني جلدتنا من يقول: لقد عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين حتى الالتهابات التي في رئاتهم، والنجاسات التي في أمعائهم! تبعية ذليلة، وهزيمة خطيرة، خذ أفضل ما عند الغربيين لا حرج، واترك أعفن ما عند الغربيين مما يصطدم مع دينك وقيمك وأخلاقك.

    إننا نشهد أزمة خطيرة للعقل المسلم تسبب فيها هؤلاء القادة الذين يوجهون ويقودون التربية ويتحكمون في توجيه وتشكيل عقليات أبناء هذه الأمة، إنها أمانة الكلمة، وتوجيه العقل المسلم أمانة، فعلى هؤلاء أن يتقوا الله جميعاً في توجيه الأمة الوجهة الصحيحة التي أرادها لها ربها ونبيها صلى الله عليه وسلم؛ لتتبوأ الأمة من جديد مكانتها التي قال الله عنها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    وأنا لا أنكر في الوقت ذاته أننا نرى من هؤلاء القادة من علماء وأدباء ودعاة ومفكرين وصحفيين من تحترق قلوبهم على أحوال هذه الأمة الجريحة، لكنهم يصرخون في صحراء مقفرة، أسأل الله أن يوصل صرخاتهم الصادقة إلى قلوب وآذان هذه الأمة في الشرق والغرب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    لا أريد أن أطيل مع كل عنصر، فإن الموضوع والله طويل، وأنا كما ترون لا أريد أن أعالج الحدث في ذاته، وإنما أريد كما ذكرت أن أستخرج الدروس والعظات والعبر التي يجب على كل مسلمٍ أن يخرج بها من مثل هذه الأحداث التي تبين في كل مرة حجم انحراف الأمة عن منهج ربها، وطريق نبيها صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    أين الولاء والبراء؟

    والله إن القلب ليحزن، مع كل حدث نرى شرخاً رهيباً لصرح عقيدة الولاء والبراء، رأينا هذا الشرخ الرهيب عند موت العندليب الأسمر، وعند قضية عبدة الشيطان، وعند قضية الاستنساخ، وعند موت سندريلا القرن العشرين، نرى هذا الشرخ الرهيب في صرح عقيدة الولاء والبراء، مسلمٌ في مصر يضرب عن الطعام من أجل سندريلا القرن العشرين، ومسلم في الباكستان ينتحر من أجل سندريلا القرن العشرين، وثالثٌ يقول: لقد ماتا معاً ليعيشا معاً في الجنة.. هكذا!

    يقول الإمام ابن القيم: من أحب شيئاً غير الله كما يحب الله تعالى فهو ممن اتخذ من دون الله أنداداً، وهذه هي محبة المشركين، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

    اللهم املأ قلوبنا بحبك وحب نبيك وحب المؤمنين الصادقين، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك يا أرحم الرحمين! وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] المؤمن نعيم قلبه وقرة عينه في حب الله ورسوله والمؤمنين الصالحين.

    قال المصطفى كما في الصحيحين من حديث أنس : (ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار) المؤمن قرة عينه ونعيم قلبه في البراءة من الشرك والمشركين، كيف يتعلق قلبك بمشركٍ أو مشركة؟ انتبه يا مسلم انتبه لهذه الكلمات، لا يصح دين ولا إسلام ولا إيمان إلا بموالاة الله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من الشرك والمشركين، فتش عن دينك، فتش عن عقيدة التوحيد في قلبك، قلبك يتعلق بمن؟ قلبك فيه من؟ فيه حب الله، فيه حب رسول الله، فيه حب الموحدين، أم فيه حب الساقطين والراقصين والمشركين؟ نقب يا مسلم، والله إني أصرخ بصدقٍ وإخلاص فأنا أحب لك ما أحبه لنفسي، أنا أخاطب المسلمين على وجه الأرض: نقبي يا مسلمة، يا من تعلقت بمغنٍ ساقط! ويا من تعلقت بممثلٍ هابط! فكر يا مسلم ونقب في قلبك عن حب الله ورسوله والمؤمنين، فإن امتلأ قلبك بحب الله ورسوله والمؤمنين طرد أيَّ حبٍ للشرك والمشركين وللباطل والمبطلين، وللساقطين والراقصين، فنقب الآن بصدق: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [المائدة:51] فنقب عن هذا الحب في قلبك الآن اصدق الله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] قرآن ربك يا مسلم! قال حذيفة بن اليمان : [فليخشَ أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري لهذه الآية: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]] قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1].

    يا من وحدتم الله! يا من أعلنتم الإيمان بالله! نقبوا عن الولاء والبراء في قلوبكم، لقد ضاعت عقيدة الولاء والبراء مع هذا التصالح والتقارب والود مع اليهود، مع الشرك والمشركين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1].

    أتحب أعداء الحبيب وتدعي     حباً له ما ذاك في الإمكانِ

    وكذا تعادي جاهداً أحبابه     أين المحبة يا أخا الشيطانِ

    إن المحبة أن توافق من تحب     على محبته بلا نقصانِ

    فإن ادعيت له المحبة مع خـلا     فك ما يحب فأنت ذو بهتانِ

    وقال الشاعر:

    نعم لو صدقت الله حين زعمته     لعاديت من بالله ويحك يكفرُ

    وواليت أهل الحق سراً وجهرةً     ولما تعاديهم وللكفر تنشرُ

    فما كل من قد قال ما قلتَ مسلمٌ     ولكن بأشراطٍ هنالك تذكرُ

    مباينة الكفار في كل موطـنٍ     بذا جاءنا النص الصحيح المقررُ

    وتطبع بالتوحيد بين ظهورهم     وتدعوهم سراً لذاك وتجهرُ

    فهذا هو الدين الحنيفي والهدى     وملة إبراهيم لو كنتَ تشعر

    1.   

    فاعتبروا يا أولي الأبصار

    قولوا من الواجب أن يدندن الإعلام المسلم على العظة والعبرة، فلقد تحطمت السيارة التي تركبها المرأة مع عشيقها، وتحولت إلى كومةٍ من الحديد تشبه علبة السجائر التي داستها الأقدام، والعهدة على جريدة الأهرام على صدر صفحتها الأولى، أما لنا في هذا عبرة؟! ولكن العقول وجهت توجيهاً آخر، أما المؤمن الذي يرى برؤية القرآن، ويرى برؤية السنة ينظر إلى الأحداث نظرة أخرى؛ لأن المؤمن يحمل قلباً وعقلاً يختلف تماماً عن قلب وعقل رجلٍ لم يوحد الله جل وعلا، ولم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه السيارة الضخمة الفخمة تتحول في غمضة عينٍ وانتباهتها إلى كتلة حديد؟! نعم أراد ذلك العزيز الحميد، قضى الملك: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] إنه الموت يا سادة، إنه الموت يا قادة، إنه الموت، إنها الحقيقة الكبرى التي يسكت عندها جبروت المتجبرين، إنها الحقيقة الكبرى التي يسقط عندها عناد الملحدين، وطغيان البغاة المتألهين، إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً العصاة والطائعون، بل وشرب كأسها الأنبياء والمرسلون، قال الله جل وعلا: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30].

    وقال جل وعلا: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:19-22].. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] والحق أنك تموت والله حيٌ لا يموت: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] أي: ذلك ما كنت منه تهرب، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ولكن ثم ماذا أيها القوي الفتي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الأمير! يا أيها الوزير! يا أيها الكبير! يا أيها الصغير؟

    كل باكٍ فسيبكى!

    وكل ناعٍ فسينعى!

    وكل مذخورٍ سيفنى!

    وكل مذكورٍ سينسى!

    ليس غير الله يبقى!

    من علا فالله أعلى!

    أين الظالمون؟ أين الملوك؟ أين الحكام؟ أين الزعماء؟ أين الوزراء؟ أين الأمراء؟ أين الصالحون؟ أين الأنبياء؟ أين الطالحون؟ أين الظالمون؟

    أين الظالمون وأين التابعون لهم     في الغي بل أين فرعون وهامان

    وأين من دوخوا الدنيا بسطوتهم     وذكرهم في الورى ظلمٌ وطغيان

    فهل أبقى الموت ذا عزٍ لعزته     أو هل نجى منه بالسلطان إنسان

    لا والذي خلق الأكوان من عدمٍ     الكل يفنى فلا إنس ولا جان

    قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] ... كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:26-27] قال ابن عباس : [أي: من يرقى بروحه إلى السماء] أيرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقال قتادة: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] أي: من الذي يبذل له الرقية، ومن الذي يقدم له الطب والعلاج ليحول بينه وبين الموت؟ تحركت مستشفى كاملة إلى الأميرة في موطن الحادث، واستمر أكابر الأطباء لمدة ساعتين كاملتين في إجراءاتٍ وإسعافاتٍ أولية سريعة ليحفظوا هذا القلب، وليمنعوا الروح، ولكن رب الروح قال: لا، إذا قدر الملك شيئاً فلا راد لقضائه، والله لا يمنعك منصبك أياً كنت، والله لا يمنعك مالك مهما كان غناك، والله سترحل، والله لو دام المنصب والكرسي لغيرك ما وصل إليك، هذا طبيبٌ في المخ، وهذا في القلب، وهذا في العظام، وهذا في الأعصاب، وهذا في البطن.. وغير ذلك، والكل قد التف حول الأميرة ولكن ملك الملوك جل جلاله كان قد أصدر الأوامر لملك الموت، فاستقبل ملك الموت هؤلاء جميعاً ونفذ أمر الله وقضاءه وقدره وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] إي: من يبذل له الرقية والطب والعلاج؟

    لا، إن قضى الملك شيئاً فلا يستطيع أطباء الدنيا أن يحولوا بين هذا وبين ما أراده الله جل وعلا.

    أيها المسلم! انظر إليها.. التف من حولها الأطباء كلٍ يدعو لها الرقية، كل يبذل لها العلاج، وانظر كذلك إلى المسلم الذي نام على فراش الموت والتف من حوله الأطباء كلٌ يبذل له الرقية ويبذل له العلاج فهو من هو؟ وهي من هي صاحبت المنصب والجاه والوجاهة؟ وهو من هو صاحب المنصب والجاه والوجاهة؟ انظر إليه اصفر وجهه، وشحب لونه، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يشعر بزمهريرٍ قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه بل إلى جسده كله.

    وفقه الله لكلمة لا إله إلا الله، فينظر في لحظة صحوة بين السكرات والكربات فإذا وعى ما حوله من الأطباء والأهل والأحباب نظر إليهم نظرةً باكية، نظر إليهم نظرة استعطاف، نظر إليهم نظرة رجاء: يا إخواني! يا أحبابي! يا أهلي! يا أولادي! لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، أخفوني بأموالي، أخفوني بأعماركم، أنسيتم من أنا؟! أنا أبوكم! أنا أخوكم! أنا الذي بنيت لكم القصور يا أولادي! أنا الذي عمرت لكم الدور! فمن منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين، أو يوماً أو يومين، أو سنةً أو سنتين؟ لا ثم لا، ثم يعلو صوت الحق فيقول جل وعلا: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:83-96] سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الأمراء والأميرات والجبابرة، وأنهيت بالموت آمال الحكام والقياصرة، ونقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة النساء والجواري والغلمان إلى مقاسات الهوان والديدان، ومن التنعم في ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ في ألوان الوحل والتراب، سبحانك فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:96].

    دع عنك ما قد فات في زمن الصبا     واذكر ذنوبك وابكها يا مذنبُ

    لم ينسه الملكان حين نسيته     بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعبُ

    والروح منك وديعةٌ أُودعتها     ستردها بالرغم منك وتصلبُ

    وغرور دنياكَ التي تسعى لهـا     دارٌ حقيقتها متاعٌ يذهب

    الليل فاعلم والنهار كلاهما     أنفاسنا فيهما تُعد وتحسبُ

    أسأل الله أن يرزقنا جميعاً حسن الخاتمة، وأن يرزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنةً ورضواناً، ولا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    طريق السعادة في الدنيا والآخرة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الأحبة الكرام! أريد أن أُذكر إخواني وأخواتي من المسلمات ممن فتنوا بمثل هذه الحياة التي تعرفوا عليها من خلال هذه الحملة الإعلامية المكثفة، فظن كثيرٌ منهم أن هؤلاء هم الذين يعيشون حياة السعادة، أحببت أن أذكر نفسي وإخواني وأخواتي بأن أهل الكفر والمعصية وإن مشت بهم البغال، وطقطقت بهم البراذين، فإن ذل المعصية في قلوبهم يأبى الله إلا أن يذل من عصاه، كما يأبى الله إلا أن يسعد من أطاعه واتقاه.

    السعادة يا إخوة والله ما كانت في القصور، فكم من قصورٍ فارهة يعيش أهلها في شقاء وظنك.

    السعادة يا إخوة والله ما كانت في المناصب، فكم من ألوفٍ يجلسون على الكراسي لا يشعرون بلذة النوم ولا راحة الضمير.

    السعادة يا إخوة والله ما كانت في المال، فكم من أصحاب أموالٍ يقلقون ويخافون في الليل والنهار.

    لا يشعر بالسعادة إلا من رزقه الله الإيمان والتوحيد، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] لا يشعر صاحب المال بلذة وسعادة إلا إذا ملأ الله قلبه إيماناً فعرف وظيفة المال والغاية من المال.

    لا يشعر صاحب المنصب باللذة والسعادة إلا إذا استغل منصبه وكرسيه في طاعة الله، وفي تفريج كربات الناس وخلق الله، لا يشعر صاحب القصور بالسعادة إلا إذا عمرها بذكر الله وتقوى الله والإيمان بالله جل وعلا، فإن السعادة يا إخوة مصدرها الصدر: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] فقد يعيش الإنسان في قصرٍ فاره، ويقف في حديقة القصر الرائعة، ومع ذلك يشعر باختناق، بل يفكر في الانتحار لماذا؟!!

    لأن السعة ليست في المكان وإنما هي في الصدور: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] نعمة شرح الصدر، نعمة الرضا، نعمة الطمأنينة، نعمة الإيمان، نعمة الذكر، نعمة الأنس بالله جل وعلا، نعمة الشوق إلى لقاء الله، فكم من فقيرٍ قد لا يجد قوت يومه ومع ذلك فهو يشعر برضا، ويشعر بانشراحٍ في صدره، ويشعر بسعادة، وهؤلاء هم الذين تكتمل سعادتهم في الآخرة إن شاء الله تعالى، بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، قال الله جل وعلا: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:105-108].

    وفي صحيح مسلم من حديث أنس : (يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقول أهل الجنة: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟! فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) وفي لفظ: (فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه الله جل جلاله) قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] وقال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].

    اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة.

    اللهم ارزقنا جميعاً حسن الخاتمة، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنةً ونعيماً ورضواناً، اللهم إن أردت بالناس فتنةً فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا.

    اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

    اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم عليك باليهود وأتباع اليهود وعملاء اليهود، برحمتك يا أرحم الراحمين، بقدرتك يا قوي يا متين!

    اللهم املأ قلوب اليهود ناراً، اللهم املأ بيوت اليهود ناراً، اللهم دمر بيوتهم قبل أن يدمروا الأقصى، اللهم كما روعوا إخواننا في فلسطين ولبنان فروعهم يا رب العالمين! اللهم كما روع اليهود إخواننا في فلسطين ولبنان فروعهم يا رب العالمين!

    اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، وفك أسرنا، وتول أمرنا، وأحسن خلاصنا برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، نشكو إليك خيانة الخائنين، وضعف الموحدين. اللهم اجبر كسرنا، وارحم ضعفنا يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن تجعل بلدنا مصر واحة للأمن والأمان، اللهم لا تحرم مصرنا من الأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الغلاء والبلاء والوباء وجميع بلاد المسلمين.

    أحبتي الكرام! هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ أو سهوٍ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756363900