إسلام ويب

الإيمان بالبعثللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بدأ الشيخ بالكلام عن فضل مجالس العلم والترغيب فيها، وبيان ما تعود به على المسلم من المنفعة في الدارين، ثم بدأ في طرق موضوع المحاضرة، وبيان أن الإيمان من القضايا الكبرى عند المسلم، بعد ذلك تناول طرق القرآن الكريم في إثبات البعث، وقد شملت هذه الطرق: طرق القياس العقلي، وطرق التوكيد بالقسم، وطرق عرض صور من يوم القيامة. وقد ذكر بعد هذا أسباباً تؤدي إلى تقوية الإيمان بالبعث، شارحاً جانباً منها.

    1.   

    فضل مجالس العلم

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:102-103]

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    ثم أما بعد:

    أيها الإخوة في الله! كم هو جميل وعظيم عند الله أن نجتمع على ذكر الله، في روضة من رياض الجنة، تحفنا فيها الملائكة، وتغشانا فيها الرحمة، وتنزل علينا السكينة، ويذكرنا الله عز وجل فيمن عنده.

    إن هذا المجلس المبارك المجلس الإيماني، القرآني، النوراني هو الرصيد الذي سوف يبقى للإنسان بعد أن يغادر هذه الحياة، وسوف يتحسر ويتألم ويتندم أن أوقاته لم تكن كلها مثل هذه الجلسة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله عز وجل فيه، إلا كان عليهم من الله ترة يوم القيامة) أي: عهدة ومؤاخذة عن كل مجلس وعن كل ساعة قضيتها -أيها الإنسان- في غفلة عن ذكر الله.

    أما هذا المجلس فإن الغنيمة التي تحصل عليها بجلوسك فيه هذه الساعة أو هذه الدقائق غنيمة غالية، وثمرة عالية، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذكر).

    والله يخبر أن من يعرض عن هذه المجالس فإن الشيطان يتسلط عليه، فيكون له قريناً في الدنيا، وقريناً في النار في الآخرة، قال عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] وقال عز وجل وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف:37-38] قال الله عز وجل: وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:39].

    ويخبر ربنا تبارك وتعالى أن من أعرض عن ذكر الله، وترك مجالس الذكر، ولم يحرص على الجلوس فيها؛ فإن الشيطان -والعياذ بالله- يتسلط عليه، وأن الله عز وجل يعرض عنه، فقال عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:124-127].

    ويخبر ربنا تبارك وتعالى أن الذي يعرض عن ذكر الله ولا يحرص على مجالس الذكر فإن الشيطان يتسلط عليه، فيقول عز وجل وهو يضرب لنا مثلاً ممن كان في الأمم السابقة قبلنا: آتاه الله العلم، والدين، والآيات، والدلالات، ولكنه انسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه، قال عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:175-176].

    وبئس هذا المثل يا عباد الله! من يؤت القرآن والدين، وتعرض عليه السلعة الغالية ويرفضها، انظر إلى التعبير قال الله عز وجل: فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175] والانسلاخ: هو ترك الشيء مع عدم الرغبة في العودة إليه، أنت عندما تخلع ثوبك من أجل أن تنظفه وتزيل ما فيه من الأوساخ والأقذار ما تقول: سلخت ثوبي، بل تقول: خلعت ثوبي أو وضعت ثوبي، لكن إذا سلخت جلد الشاة، ما تقول: خلعت جلدها، بل تقول: سلخت جلدها؛ لأنه لا يوجد أمل أن يرجع جلدها إليها، فهذا الذي انسلخ من الدين كأنه لم يعد يريده، يرفض الآيات، قال الله تعالى: فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175] فماذا حصل له بعد الانسلاخ؟ فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175] لأنه كان في حصن، وحرز، وحماية، ووقاية بأسباب الآيات، والقرآن، والدين، كان محروساً بدين الله، ومحفوظاً بآيات الله، ومحاطاً بعناية الله، فلما انسلخ منها أصبح خلواً، مكشوفاً، عارياً، قال الله تعالى: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175] فماذا حصل عندما أتبعه الشيطان؟ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ [الأعراف:175].

    ومن كان الشيطان تابعه ومتبوعه كان من الغاوين، قال عز وجل: فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:175-176] انغمس في الحمأة الوبيئة، وتلطخ بالتراب القذر، فأخلد إلى الأرض واتبع هواه ولم يتبع مولاه، اتبع هواه ولم يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، اتبع هواه ولم يتبع كتاب الله وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176].

    فهنيئاً لكم -أيها الإخوة- هذا المجلس، وجزى الله كل خير من ساهم فيه ودل عليه وسار في أسبابه، ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا بما نقول وما نسمع، وأن يجعل ما نسمع وما نقول حجة لنا لا علينا.

    1.   

    علاقة الإيمان بالبعث بقضايا الإيمان

    أما موضوع الكلمة التي اختارها الإخوة فهي: "الإيمان بالبعث".

    وقضية الإيمان بالبعث بعد الموت قضية مهمة ورئيسة، ومن قضايا الإيمان الكبرى، بل لقد كادت أن تكون نداً لقضية التوحيد في القرآن الكريم؛ لأن القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة عالج أمور العقيدة، وأكد على أمرين:

    الأمر الأول: أمر الوحدانية.

    الأمر الثاني: الإيمان بالبعث.

    إذا استقرت عقيدة الإيمان بوحدانية الله لم يعبد إلا هو، وإذا استقرت عقيدة الإيمان بالبعث استقام سلوك المكلف؛ لأنه إذا علم أنه مؤاخذ بعد هذه الحياة، ومبعوث بعد الموت، ومجزي على عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر .. إذا استقرت العقيدة في قلبه استقام سلوكه، أما إذا كانت العقيدة مهزوزة، والإيمان بالبعث ضعيفاً، فإن هذا ينعكس رأساً على سلوكه، فيضيع فرائض الله، ويتساهل في أوامره، ويقع في محارمه، ولا يخافه؛ لأنه ليس مؤمناً بالعقوبة؛ لأن من أمن العقوبة أساء العمل.

    ولهذا يذكر الله عز وجل أن أهل النار يقولون بأنهم ما كانوا مستيقنين بالبعث، قال عز وجل: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ [الجاثية:27] تنكشف حساباتهم، وتتعرى أوراقهم، فيرون أن تجارتهم خاسرة، وأرباحهم بائرة، وأنهم خاسرون، قال: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً [الجاثية:28-32] أي: ليسوا مكذبين على الإطلاق ولا مصدقين على اليقين، بل عندهم ظنون، قال: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية:32-37].

    فقضية الإيمان بالبعث قضية مهمة لا بد من التأكيد عليها، ولا بد من تأصيلها؛ لأنه باستقامتها وثباتها تصلح حياتك، وبزعزعتها وضعفها تخرب حياتك.

    وفد الأزد وخصال الإيمان .. والبعث

    يقول سويد بن الحارث رضي الله عنه وهو صحابي جليل من هذه الديار من بلاد الأزد -بلاد الأزد يعني جنوب المملكة - قال فيما يرويه أبو نعيم في الحلية قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من أصحابي في وفد الأزد -في سنة الوفود- قال: فلما دخلنا عليه سلمنا، فرد السلام، ثم أعجبه ما رأى من سمتنا) أي: لباسهم وهيئتهم، أعجب النبي صلى الله عليه وسلم هيئة هؤلاء الرجال، كانوا يلبسون العمائم، وكان لهم لحى، وكان معهم عصي، ويلبسون (الجنابي)، ولهم أزر، فكان منظرهم منظراً رجولياً يبعث على الارتياح، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنظر.

    (فقال: من القوم؟ قالوا: مؤمنون يا رسول الله!) انتسبوا إلى العقيدة، ما انتسبوا إلى العرقية، ولا القبيلة، ولا اللون، ولا الجهة، ولم يقولوا عدنانيون ولا قحطانيون ولا سعوديون، بل قالوا: (مؤمنون يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم؟) لأن دعوى الإيمان لا تثبت إلا بالدلائل والبراهين، فما حقيقة الإيمان الذي تدعونه. (قالوا: يا رسول الله! حقيقة إيماننا خمس عشرة خصلة، خمس أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية -أي: عندنا عادات من قبل الإسلام- ونحن عليها اليوم، إلا أن تكره منها شيئاً تركناه) انظروا إلى الرجولة، لم يقولوا لا نستطيع، نحن على عادة الآباء والأجداد، قالوا: إن كان يوافق ما عندك يا رسول الله! عملنا بها، وإن كنت تكره منها شيئاً يرده الدين ويكرهه الإسلام تركناه.

    (قال: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي؟ قالوا: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت -وهذا هو الشاهد في هذا الحديث: وبالبعث بعد الموت- قال: وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قالوا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن نقيم الصلاة، وأن نؤتي الزكاة، وأن نصوم رمضان، وأن نحج البيت الحرام إن استطعنا إليه سبيلا، قال: وما الخمس التي عندكم في الجاهلية -أي: ما هي العادات التي عندكم في الجاهلية ولا تزالون عليها- قالوا: خمس خصال، الأولى: الشكر عند النعماء) إذا أنعم الله علينا شكرنا، فلا نبطر، ولا نتكبر، ولا نتنكر، ولا ننس الماضي، وبعض الناس كان فقيراً يتسول على الأبواب واليوم صار غنياً يتاجر بالملايين، وإذا قيل له: تذكر حالتك الأولى، قال: هذا مال ورثته كابراً عن كابر، لماذا؟ لأنه نسي ما كان عليه، وما كان فيه.

    قالوا: (الشكر عند النعماء)؛ لأن المؤمن إذا أنعم الله عليه شكر الله على النعمة، واستعمل النعمة فيما يرضي الله، وتزود بالنعمة في مراضي الله عز وجل، ولم يبطر بها ولم يتكبر، ولم يتعال على الناس من أجلها، وإنما يعرف أن النعمة من الله وأن الله يقول: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53] فهو المنعم تبارك وتعالى، فإن من شكر نعمة الله أن أشكر الله أولاً، ثم أصرفها في مرضاة مسديها وموليها تبارك وتعالى، لكن الفاجر إذا جاءت النعمة فجر واستعلى بها، وصرفها في مساخط الله، واستعان بها على كل ما يبغضه الله تبارك وتعالى.

    (قالوا: الشكر عند النعماء، والصبر عند البلاء) لأن المسلم والإنسان في الدنيا بصفة عامة يتقلب بين النعماء وبين الضراء، الحياة ليست على وتيرة واحدة، الحياة كل يوم لها وضع، والله كل يوم هو في شأن، والناس يتقلبون بين نعم الله وبين مصائبه، والله تعالى يقول: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] تجده اليوم معافى وغداً مريضاً، واليوم مريضاً وغداً معافى، واليوم فقيراً وغداً غنياً، واليوم غنياً وغداً فقيراً، واليوم بيت فيه عزاء وبيت آخر فيه زواج وفرح، وبعد أيام تجد العكس فالبيت الذي كان فيه فرح أصبح فيه عزاء، والذي كان فيه عزاء صار فيه فرح وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

    فيقولون: نحن عندنا هذه الخصلة أننا نصبر عند البلاء، لا نتضجر، ولا نتذمر من قضاء الله، وكلما ابتلانا الله بشيء قلنا: الحمد لله على ما كتب الله، يتمثلون قول الله عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] من هم؟ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157]. (قالوا: والرضى بمر القضاء) لا نصبر فقط، وإنما نصبر ونرضى، وفرق بين الصابر اضطراراً والصابر اختياراً، فالمصيبة تنزل ولكن الواحد يتقبلها بصدر رحب، ويعلم أنها من اختيار الله عز وجل فيثيبه الله، وآخر تنزل عليه المصيبة فيصبر صبر المضطر، فليس له إلا أن يصبر وإلا ماذا يصنع؟! فيصبر رغماً عنه! فهؤلاء يقولون: (نصبر على البلاء ونرضى بمر القضاء)، أي: نعلم أن هذا هو اختيار الله فنرضى باختيار الله عن اختيارنا. (قالوا: والصدق في مواطن اللقاء) أي: يقولون: إذا قابلنا أعداءنا لا نعرف إلا المضي إلى الأمام، لا نعرف شيئاً اسمه انسحاب ولا نرجع إلى الوراء، لا نعرف إلا إلى الأمام، إما النصر أو الموت.

    قالوا: هذه من شيم الرجال ومن شيم أهل المروءة.

    (قالوا: وترك الشماتة بالأعداء) أي: لا تشمت على أحد تكرهه فيعافيه الله ويبتليك؛ لأن الشماتة ليست بيدك؛ فإن ما أصابه قدر والأقدار بيد الله، فإذا ابتلاه الله تأتي أنت وتشمت به، هل أنت الذي قضى عليه؟ هل أنت الذي قدر عليه؟ يا أخي: حتى ولو أنك تكرهه، وكان عدوك، لا تفرح لما أصابه، لا تقل يستحق ما به، لا -يا أخي- بل قل: اللهم عافه يا رب ولا تبتلنا، ولو كان عدوك فلا تشمت به؛ لأنك إذا شمت بعدوك عافاه الله وابتلاك، ونزلت المصيبة عليك أنت، لكن إذا رأيته وقلت: اللهم عافه ولا تبتلنا، عافاه الله ولم يبتلك. هذه هي الخمس التي عندهم في الجاهلية.

    فقال صلى الله عليه وسلم لما سمع خمسهم: (حكماء علماء؛ كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) فهذه هي شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الرجال: (حكماء علماء؛ كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء).

    ثم قال: (وأنا أزيدكم خمساً: إن كنتم كما تقولون فلا تبنوا ما لا تسكنون) أي: أنه يزيدهم خمساً بعد الخمس عشرة، والأولى متحققه فينا كلنا، خصوصاً بعد انسكاب الدنيا علينا، ولكن ما المخرج؟ المخرج أن تسكن فيما بنيت، وإذا وسع الله عليك وزودك بالسكن فاستعمل ما يدخل عليك من هذا السكن في طاعة مولاك جل وعلا، واستعن بما يفتح الله عليك في طاعة الله؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ [الأعراف:32] ويقول: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172].

    فإذا وسع الله عليك بالمساكن، أو بالمآكل، أو بالملابس، أو بالمراكز، أو بالمناكح، أو بالمشارب، أو بأي شيء مما منَّ الله تعالى به عليك فتمتع به، فإن الله لا يريد أن يحرمك منه، بل أنت أولى الناس بالطيبات في الدنيا ولكن بشرط: أن تستعين بهذا المتاع على طاعة الله.

    فإذا بنيت عمارة تعمرها بذكر الله فلا تعمرها بمعصية الله، وإذا أعطاك الله جسداً معافى فاستخدمه في طاعة الله، وإذا أعطاك الله منصباً وجاهاً فسخره فيما يرضي الله جل وعلا، حتى تتحول أمورك كلها إلى عبادة، فإذا كنت موظفاً أو مديراً أو مسئولاً ولكنك تتقي الله في عملك فكأنك تعبد الله بهذا العمل؛ لأن بصلاح النية تتحول عادات المسلم إلى عبادات، وبفساد النية تتحول عبادات المسلم إلى عادات، مثل أكثر الناس اليوم يصلي ولكن عادة، يصلي ويخرج ليشهد الزور، يصلي ويفكر كيف يقول شهادة الزور، لماذا؟

    لأن صاحباً له قد جاءه وقال: عندي دعوى في الزرع أو المبنى أو المكان وتعرف أنني بحثت عن شهود ولم أجد، وأنت تعرف أن الدنيا يوم لك ويوم عليك، فأنا اليوم أحتاجك وأنت غداً قد تحتاجني، وتعلم أنه لا يوجد زرع ولا غير ذلك لا يوجد إلا وجهي، أريد أن أظهر على هذا الإنسان وأكسب هذه الدعوى، وأنت صاحبي وما ترضى أن تخذلني فتأتي تشهد معي قال: آتي أشهد، ولو أنت كبير في السن؛ لأن كبار السن يعرفون الأماكن والبقاع والحدود، ولو جاء شخص صغير في السن -شاب- لقالوا: أنت صغير ولا تعرف الحدود والأماكن، ولهذا دائماً يقولون: ابحث لك عن شيخ كبير قد تجهز للآخرة فيختم حياته بشهادة الزور والعياذ بالله.

    ويقول: أبشر! ويأتي يصلي هذا الشيخ ولا يفارق المسجد ولكنه يشهد الزور، كيف تشهد الزور وقد قرن الله تعالى شهادة الزور بالشرك بالله؟ حيث قال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30] مثل الشرك بالله، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس! وقال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور قال الصحابة: فما زال يرددها حتى قلنا: ليته سكت!).

    فشهادة الزور ليست سهلة، وقد جاء في الحديث أن شاهد الزور لا تزول قدمه من مجلس الحكم حتى تجب له النار، يعطي صاحبه صكاً بالأرضية ويأخذ هو صكاً بجهنم، لا حول ولا قوة إلا بالله!

    وبعضهم يكتم الشهادة يقولون له: اشهد؛ الحق سوف يضيع فيقول: والله إني لا أستطيع لأني أستحي من الخصم، ؛ لأن بيني وبينه رحماً، وبيني وبينه سراً، ونحن جيران، فأخاف أن أشهد عليه فيغضب، لا أشهد عليه وليس لي شأن، وهو يعرف الشهادة والله تعالى يقول: وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283].

    مبتدع الشهادة ملعون، وكاتمها ملعون، وطريق السلامة من اللعنتين أن تشهد على مثل الشمس، فإذا كان عندك شيء تشهد به فاشهد ولا تخف إلا الله؛ لأن الذي يكتم الشهادة يترتب عليه أربع جرائم:

    الجريمة الأولى: أنه يكذب: فما ينطق بأول كلمة إلا واستحق اللعنة، والله تعالى يقول: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] من أراد أن يلعن نفسه فليكذب، فقط يكذب فيستحق اللعنة.

    الجريمة الثانية: أنه غرر بالقاضي وجعله يحكم بغير حق: والقاضي لا يعلم الغيب، القاضي يحكم وفق قواعد شرعية، بينة أو يمين، فهذا جاء بالبينة وعدلت البينة، فيحكم بغير حق وليس عليه فيه مؤاخذة، بل المؤاخذة على شاهد الزور.

    الجريمة الثالثة: أنه أدخل على الذي شهد له مالاً حراماً فأفسد عليه مالاً حلالاً، ويأتي يوم القيامة يلقاه في عرصات القيامة وهو يلعنه ويقول له: لعنك الله يا عدو الله، والله لولا شهادتك لكنت في الجنة، ولكن الله حال بيني وبين الجنة بسبب الزرع الذي أدخلته علي، قال: وأنت لعنك الله يا عدو الله، والله لولاك لكنت في الجنة لكن بشهادتي لك دخلت النار، ولهذا قال الله تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38].

    الجريمة الرابعة: أحرم صاحب الحق من حقه: وفي الحديث: (من حرم وارثاً من إرثه حرم الله تعالى عليه رائحة الجنة).

    فقال صلى الله عليه وسلم: (فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تشتغلوا بدار أنتم غداً عنها راحلون، واعملوا بدار أنتم إليها غداً نازلون، واذكروا اليوم الذي فيه على ربكم تعرضون، قال الراوي: فرجع القوم وقد تمت لهم عشرون خصلة).

    الشاهد في هذا الحديث قولهم: (أن نؤمن بالبعث بعد الموت).

    حديث جبريل .. والإيمان بالبعث

    وفي حديث جبريل الصحيح، الذي جاء يعلم فيه الصحابة أمور دينهم حينما كانوا جالسين كما يروي عمر قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه من القوم أحد) وكان السفر في الماضي ليس كالآن، يجلس في الطائرة كأنه في البيت، لا بل يأتي من السفر أغبر جائع أشعث تعبان يقطع الطريق ويمضي فيها شهوراً، فهذا جاء من سفر ولكن ثيابه نظيفة وليست مغبرة، وشعره غاية في السواد، وثوبه أبيض جداً وليس أشعث، وما عليه أثر سفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فمن أين أتى هذا؟ ليس بمسافر ولا من المعروفين من الناس! نعم. جاء من السماء. (فجلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال صدقت، قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه!) معناه أنه أعلم منه، حين تسأل شخصاً ويجيب، فتقول: صدقت! فمعناه: أنك تعلم الجواب، فسؤاله ليس سؤال المستفهم بل سؤال المؤكد والمعلم.

    (قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله، قال صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يقول: أنا والله ما أعلمها أكثر منك، إن كان هناك علم عنها فهو عندك؛ لأنك أتيت ومعك علم من السماء.

    فما المسئول عن الساعة بأعلم من السائل، فهذا سؤال ولكن السائل والمسئول لا يعلمان عنها شيئاً، يقول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [الأعراف:187] فعنده علم الساعة، لا يعلمها ملك في السماء ولا نبي في الأرض، وإنما اختص الله نفسه بعلم الساعة.

    قال: (فأخبرني عن أماراتها) أي: أعطني دلالات أو إشارات تدل على قرب وقوعها، فأخبره عن بعض أماراتها، قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) وقد حصل في هذا الزمان، فالذين كانوا يسكنون في القفار والصحاري والربع الخالي وفي البادية ما كانوا يعرفون المدنية كانوا يبنون بيوت الشعر، فإذا انقطع المطر في أرض ذهبوا إلى أرض أخرى، فأصبح لديهم فلل وعمارات، قال: وأن ترى العالة أي: الفقراء، الحفاة أي: الذين لا يعرفون الأحذية، العراة: الذين ما معهم ملابس يلبسونها، تراهم يتطاولون في البنيان، كل شخص يقول: عمارتي أحسن من العمارة الثانية، وتنسيق عمارتي أحسن من تنسيق العمارة الثانية، وهذا الحديث فيه ذكر البعث بعد الموت.

    1.   

    طرق القرآن في إثبات البعث والدعوة إلى الإيمان به

    المتأمل للقرآن المكي يلحظ التأكيد على قضية الإيمان بالبعث، والمتأمل للقرآن بصفة عامة يلحظ أن القرآن قد عالج قضية الإيمان بالبعث بعد الموت عن طريق ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: القياس العقلي والمنطقي.

    الأمر الثاني: اليمين والقسم المؤكدة للقضية.

    الأمر الثالث: عرض صور حية ومشاهد وأحداث تحدث يوم القيامة والله أعلمنا بها قبل أن يكون ذلك اليوم.

    طريقة القياس العقلي والمنطقي

    فالأمر الأول وهو القياس العقلي المنطقي لأهل العقول الذين يقولون: لا نرضى بالدليل، نريد فقط أدلة عقلية منطقية مثل: (1+1=2) وإلا فلا نقبل.

    فنقول: قال الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] فرجل من الكفار جاء بعظم لميت من المقبرة، فحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفت العظم بين يديه، وقال: يا محمد! تزعم أن ربك بعد أن نكون عظاماً ورفاتاً يبعثنا ويعيدنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، ويدخلك الله النار) فنزل القرآن يؤيده في نفس اللحظة، فقال الله: وَضَرَبَ [يس:78] يعني: هذا الكافر وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] فضرب بالعظم مثلاً ونسي العظم الذي يحمل العظم، جاء يفت العظم بالعظم المحمول؛ لأن العظم هو الأساس لكل شيء في الإنسان، فالعظم يحيط بالمخ والمخ هو مركز الدماغ، والدماء هل تعلم أين تصنع؟ تصنع داخل نخاع العظم، فهذه الدماء الموجودة فينا، تكسر فينا كريات الدم الحمراء كل مائة وعشرين يوماً، بعد أربعة أشهر كل الدماء التي تلفت تكسر وتذهب مباشرة إلى الطحال، وتقوم العظام بعملية توليد جديد وخلق جديد للدماء، فالعظم الذي يحمل العظم يقول الله فيه: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78] قال الله: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:79] الذي خلقها أولاً أيعجز أن يخلقها ثانياً؟! لا. فسبحان الله!! الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:80-82] الأمر عند الله بين الكاف والنون، لا وسائل ولا إمكانيات، بل كن فيكون، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء تبارك وتعالى، فهذا هو القياس المنطقي الأول.

    القياس الثاني في سورة مريم: يقول الله عز وجل: وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً [مريم:66] يعني أنه يستبعد ذلك، يقول: إذا مت أخرج مرة ثانية حياً؟ وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً [مريم:66] قال الله تعالى: أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً [مريم:67] لماذا تنسى أن الله خلقك ولم تكن شيئاً؟!

    فأنت تعيش منذ ثلاثين سنة، فأين كنت قبل الثلاثين؟ ارجع إلى الوراء قليلاً يا صاحب العضلات والجسم القوي، والبنية المشدودة، ارجع إلى تاريخك قليلاً واذكر كيف كنت؟

    كنت أول خلقك نطفة مذرة، خرجت من ذكر أبيك، لو صرفت هذه النطفة لكانت كالبصاق أو كالنخامة، هذا هو أصلك -أيها الإنسان- من ماء مهين، لقد خلق الله الإنسان من ماء حقير، لماذا تتكبر؟ أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ [مريم:67-68]: هؤلاء المكذبين، الضالين، الشاردين الهاربين: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً [مريم:68] أي جاثين على ركبهم: ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم:69-72] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، اللهم اجعلنا منهم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين.

    وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72] فهذا المنطق الثاني، إن الله تعالى أولا يذكر الإنسان أنه كان نطفة مذرة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً، ثم كساه الله لحماً، ثم بعد هذا اللحم أنشأه الله خلقاً آخر، ثم أخرجه، خرج من موضع البول مرتين، الأولى: من ذكر أبيه، والثانية: من فرج أمه.

    يقول: [يا بن آدم! كيف تتعالى على الله وأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وفي بطنك تحمل العذرة].

    بعض الناس تقول له: صل، فيأبى، ولا يعلم ما بداخله، فلولا أن الله كتمه وما أظهر رائحته والله لما قعد معه أحد، فوالله لا يوجد أخس من الإنسان، وهذا معلوم، فالغائط والبول الذي يخرج من كل الحيوانات لا يشبه بول وغائط الإنسان، فالإنسان حقير بذاته، لكن الله تعالى كرم الإنسان بهذا الدين، وشرفه بهذا الإيمان، فإذا تخلى عن كرامة الله له وتشريفه له فلا كرامة له، ولهذا قال الله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12] هذا القياس الثاني المنطقي.

    والقياس الثالث جاء في سورة الحج: قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ [الحج:5] فإذا كان عندكم شك من البعث فتعالوا وخذوا الأدلة، ما من يوم إلا فيه خلق جديد، وفي كل بيت من بيوت المسلمين تجد آل فلان جاءهم ولد، آل فلان جاءتهم بنت، تعال وانظر إلى هذا المولود، من أين جاء؟

    من شق بصره؟

    من صوره؟

    من قدره؟

    من ركبه؟

    من جعل فيه هذا الاتساق وهذا الخلق وهذه الحكمة العظيمة؟

    من ركب له العينين في رأسه؟

    من ركب له الأذنين في رأسه؟

    من ركب له الرئة رغم أنه في بطن أمه لا يتنفس؟

    من أعطاه القدمين رغم أنه لا يستعملها إلا بعد سنة أو سنتين؟

    من أعطاه هذه الأجهزة وهذا الخلق وهذا اللسان؟

    إنه الله الذي لا إله إلا هو: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:7-8] ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:5-7].

    انظر إلى هذه الخمس الأخيرة، كل العرض السابق كله لتقرير هذه الخمس الأصول!

    خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ، ثم يقر في الأرحام ما يشاء، ثم بعد ذلك: يخرجكم طفلاً لتبلغوا أشدكم، ثم تكونوا شيوخاً، ثم بعد ذلك: منكم من يرد إلى أرذل العمر، أي يبقى إلى أن يشيخ كلياً. ومنكم من يتوفى، وبعد ذلك: تَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً [الحج:5] وهذا هو الدليل على الإحياء، وهو أن الأرض الهامدة الجامدة إذا أنزل الله عليها الماء اخضرت واهتزت وربت وأنبتت ألواناً بهيجة: وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5].

    ثم قال الله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج:6-7].

    هذه ثلاث آيات دلت بالمنطق والعقل على قدرة الله على الإحياء بعد الموت.

    طريقة التوكيد بالقسم

    الأمر الثاني من أمور علاج الإيمان بالعبث: العلاج باليمين والقسم المؤكد:

    قال عز وجل في سورة التغابن: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي [التغابن:7] فلم يقسم الله تبارك وتعالى ولم يأمر نبيه بأن يقسم به في القرآن إلا في ثلاثة أماكن وعلى البعث فقط، هذه واحدة، قال الله: قل يا محمد: بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7] إذا كان يصعب عليكم -لأنكم ضعفاء- أن تخلقوا ذباباً فليس عسيراً على الله؛ لأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

    ولقد تساءلوا وقالوا: كيف يعيد الأولين والآخرين؟ قال الكفار: يمكن أن يعيدنا نحن، ولكن أولئك الذين من القدم من عاد ونوح وآدم كيف يبعثهم الله؟

    قال الله عز وجل: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28] فما خلقكم ولا بعثكم كلكم من أولكم إلى آخركم إلا كنفس واحدة، وقال عز وجل: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر:57] يعني: أن السماوات وما أعد الله بها من العجائب، والأرض وما خلق الله بها من العجائب، أكبر من خلق الناس وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر:57].

    فالله تعالى يقول في هذه الآية: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7].

    والقسم الثاني: قال عز وجل: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ [يونس:53] يسألونك أحق هو؟ أي: هل البعث بعد الموت حق؟ قال: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس:53] أي: البعث من بعد الموت وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يونس:53].

    وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ... [سبأ:3].

    وفي سورة الذاريات يقول الله عز وجل: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ [الذاريات:23] أي: البعث بعد الموت مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23] مثل ما أنك تتكلم حقاً ولا تنكر أنك تتكلم، فوالله إن البعث بعد الموت كذلك بقسم من الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23] هذا الأسلوب أو الأمر الثاني من أمور علاج العقيدة وتأصيلها في الإيمان بالبعث من بعد الموت.

    طريقة عرض مشاهد من يوم القيامة

    أما الأمر الثالث: فهو عرض أحداث ومشاهد وأشياء تحدث في القيامة لا نعرفها نحن، ولكن الله من رحمته بنا نقل لنا صوراً حية من أجل أن نعتبر ونتوب، ونكون ممن يعيش هذه الأحداث، ولا نتأسف حين لا ينفع الأسف، نذكر لكم ثلاثة أحداث، أو ثلاث قضايا ومشاهد:

    مشهد بين مصدق الجنة ومكذب النار:

    المشهد الأول: مشهد حوار بين رجلين، رجل مصدق من أهل الجنة ورجل مكذب من أهل النار، وكانا في الدنيا زملاء وشركاء في تجارة، ذكر الله تعالى قصتهما في سورة الصافات، ونقل ابن كثير قصتهم في التفسير، وملخص القصة: أنه كان هناك رجلان مؤمن وكافر، وكانا شريكين في تجارة، وكان المؤمن يشتغل دائماً بالآخرة، ويعطي الدنيا جزءاً يسيراً من الاهتمام، وكان الكافر معرضاً عن الآخرة ويعطي الدنيا كل الاهتمام، ليله ونهاره مع التجارة ولكن ذاك إذا جاء وقت الصلاة ترك تجارته وذهب.

    ولكن هذا الكافر ما أعجبه هذا وقال له: أنا أتعب، وأنا الذي أثمن المال، وأنا الذي أنميه وأحرص على زيادته، وأنت على الهامش، إما أن تشتغل مثلي وإلا نتقاسم، قال: نتقاسم، فحصرا المال فوجداه ثمانية آلاف دينار، فاقتسما المال وأخذ كل واحد أربعة آلاف دينار، أخذ هذا المؤمن ماله وكنزه، وأخذ هذا الكافر ماله وبدأ يستغله.

    لكن كيف استغله؟

    اشترى مزرعة كبيرة طويلة عريضة بألف دينار، ثم بعد ذلك حفر فيها الآبار، وشق فيها التراب، واشترى بألف ثانية عبيداً وخدماً يخدمونه ويعملون فيها، واشترى بالألف الثالث قصراً من أعظم القصور في الدنيا، والألف الرابعة تزوج بها زوجة من أجمل نساء الدنيا، وتمت له النعمة، مزرعة عظيمة، وخدم يخدمون فيها، وقصر عظيم وزوجة جميلة، ماذا يريد بعد ذلك؟

    ثم لقي صاحبه بعد أيام قال له: ماذا صنعت بالمال؟ قال: لم أصنع به شيئاً، قال: أنا أعلم أنك ستضيع المال، قال: أنت ماذا صنعت به؟ قال: اشتريت مزرعة وبنيت فيها قصراً وتزوجت زوجة، فقال له: حسناً ما صنعت، وجاء الليل فقام هذا المؤمن يصلي وقال: اللهم إن شريكي فلاناً اشترى مزرعة في الدنيا يموت ويتركها، واشترى عبيداً يموت ويتركونه أو يموتوا ويتركونه، وبنى قصراً يموت ويخرج منه، وتزوج بزوجة جميلة يموت ويتركها أو تموت وتتركه، اللهم إني أشتري عندك حديقة في الجنة، وأشتري عندك خدماً في الجنة، وأشتري عندك بيتاً في الجنة، وأخطب عندك حوراء في الجنة بأربعة آلاف دينار، وقام في الصباح وأخذ المال ودفع الثمن مقدماً، ووزعه على عباد الله، ولم يبق معه شيء.

    والله عز وجل ابتلاه وزاد له في الاختبار، فظل فقيراً مدة من الزمان حتى إنه آوته الحاجة إلى أن يتسول فلم يجد أحداً يعطيه، وتذكر وقد كاد يموت من الجوع صديقه ذاك فقال: أذهب إليه لعلي أجد عنده حاجتي، فذهب إليه ووقف بالباب، فلما رآه الخدم والعبيد طردوه، قالوا له: انصرف لا يخرج سيدنا ويراك فيعاقبنا، أنت بمنظرك هذا وبثيابك البالية والمقطعة تشوه منظر القصر، قال: قولوا لسيدكم فلان يريدك، قالوا: أنت تعرف سيدنا؟ قال: نعم أنا أعرفه ويعرفني، فذهب واحد من الخدم وقال له: يوجد شخص فقير في الباب يقول إنك تعرفه ويعرفك اسمه فلان، فالرجل تذكره ونزل إليه، فلما رآه بهذه الحالة وسلم عليه، قال له: أسألك بالله أين مالك الذي كان معك؟ قال: أقرضته قال: ومن أقرضته، من الذي يقرض حقه؟ قال: أقرضته المليء الوفي، المليء الذي لا يضيعه، والوفي الذي يرد رداً عظيماً، قال: من؟ قال: ربي، فنزع يده منه وضربه وقال له: اذهب إليه، فرجع منكس الرأس من الذل، فأعطاه الله ما أقرضه، وأدخله الجنة التي قد اشترى منه فيها، وذلك أدخله الله تعالى في السجن؛ لأنه ليس معه شيء فحبسه الله في سجن الآخرة.

    فيخبر الله عز وجل يوم القيامة في سورة الصافات أن المؤمن هذا يتحدث عن رفيقه هذا، قال عز وجل: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ [الصافات:50-51] أي: من أهل الجنة إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51] رفيق .. صاحب .. زميل .. شريك يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:52-53] يقول لزملائه: كان لي صديق يقول: أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً سنبعث وندان ونحاسب أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] وبينما هم في الكلام يخاطب زملاءه، وإذا بخطاب يأتيهم قال: قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:54] تريدون أن تروه، هو موجود، ولكن ليس في هذه الدار هو في الدار الثانية، ما أعجز الله، وما أفلت هو مقبوض عليه قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ [الصافات:54-55] يعني: من أعلى فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55] رآه وهو كالفحمة يتقلب في النار، لم ينفعه القصر ولا الزوجة ولا المزرعة ولا العبيد، هل نفعه شيء من هذا النعيم؟ لا.

    الآن الدنيا هذه مثل البطن، تشبعه أول وجبة، الآن نحن كم قد أكلنا وكم تغذينا، مرات ومرات، وكذلك إذا مات الإنسان ولو تنعم بكل نعيم، ولو تزوج بكل جميلة، ولو ملك كل ريال، ودخل القبر ورأى حفرة من حفر النار والله ما يبقى من نعيم الدنيا شيء.

    ولكن لو تعذب في الدنيا بكل عذاب، وتعب بكل تعب، ومات ووجد القبر روضة من رياض الجنة والله ما بقي معه من ذاك التعب شيء هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:54-55] فكلمه: قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] أي: إن كدت لتهلكني بموقفك ذاك، وردك عليَّ، وطردك لي وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي [الصافات:57] أنه ثبتني على الإيمان لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] ثم يلتفت إلى إخوانه في الجنة ويقول: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ [الصافات:58] لم يعد يوجد موت إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى [الصافات:59] أي: الموتة التي أخذناها في الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصافات:59-60].

    والله هذا هو الفوز العظيم لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات:61] لمثل هذا المصير فليجتهد المجتهدون، وليشمر المشمرون، وبعض الناس إذا مكث في العسكرية أو ذهب إلى الغربة سنين، ثم جاء بأموال واشترى مزرعة وبنى قصراً وتزوج قالوا: والله فلان حليم؛ لأن معه مالاً، ولو جاء وعليه دين وهو مؤمن ويتقي الله ويعلم الناس الدين، قالوا: والله هذا وضيع، تغرب وجاء بكتاب، فلا إله إلا الله!

    والله! إن الرجل الحقيقي هو الذي يأتي بدين الله، الرجل الحقيقي هو الذي أثنى الله تعالى عليه بالرجولة وقال: فِيهِ رِجَالٌ [التوبة:108] يعني: في المسجد يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة:108] وقال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37] الرجولة الحقة في دين الله، ليس الرجل من يجمع المال ويضيع الدين، ولكن الرجل من يجمع الدين، فإذا جمع الدنيا مع الدين فشيء طيب:

    ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا     لا بارك الله في دنيا بلا دين

    فهذا يقول: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات:61] ثم يقول الله تعالى: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً [الصافات:62] يعني: هذه الجنة العالية خير نزلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات:62] يسأل العقول يقول: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات:62]؟

    لا يوجد شك أن الجنة أفضل من شجرة الزقوم، قال الله تعالى: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات:64] وتخيلوا شجرة تنبت في النار كيف تكون؟ معلوم أن الإحراق ضد الشجر، فلا يوجد شجر ضد النار إلا شجر النار إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا [الصافات:64-65] يعني: ثمرتها كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:65-66] أي: يأكلون من ثمرها الطالع من النار.

    ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ [الصافات:67] والشوب: هو الماء الذي يتجمع مع غليان الماء، الماء إذا غلى يتجمع ويصعد منه شوب إلى أعلى، هذا هو أحر شيء في الماء، قال الله تعالى: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ [الصافات:67-68] المرد إلى أين؟ لإٍلَى الْجَحِيمِ [الصافات:68] لماذا؟ قال تعالى: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [الصافات:69-73].

    وهذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، ولا أظن أحداً يريد أن يدخل في هذه الدار ما من أحد يريد أن يدخل النار! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).

    إذا قلنا: من يريد هذه التفاحة؟ الكل سيطلبها، لكن إذا قلت: إنها بعشرة ريالات، لقالوا: ما نريد، نريدها بدون ثمن، كذلك الناس يريدون الجنة, فإذا قلنا: إن الجنة تريد طاعة الله ورسوله، قالوا: لا. لا نريد طاعة الله ورسوله، نريد طاعة الشيطان (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة -هذا هو الثمن- ومن عصاني فقد أبى)، لو وزعت على الناس تراباً وقلت: هذا التراب بلا ثمن، لقالوا: هات، وإذا قلت: إن الحفنة بريال، قالوا: ما نريد. فالجنة ما تأتي بلا ثمن، الجنة سلعة غالية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)، ويقول ابن القيم :

    يا سلعة الرحمن لست رخيصة     بل أنت غالية على الكسلان

    يا سلعة الرحمن ليـس ينالهـا     في الألف إلا واحد لا اثنان

    من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون للنار وواحد للجنة، متى أكون أنا أو أنت في المائة الأولى أو الثانية أو الثالثة، متى نكون في التسعمائة والتسعة والتسعين حتى نقول: يأتي واحد منا، والله صعب:

    يا سلعة الرحمـن ليس ينالهـا     في الألف إلا واحد لا اثنان

    يا سلعة الرحمن سوقك كاسد     بين الأراذل سفلة الحيوان

    يا سلعة الرحمن أين المشتري     فلقد عرضت بأيسر الأثمان

    يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ     خطاب عنك وهم ذوو إيمان

    يا سلعة الرحمن لولا أنهـا     حجبت بكل مكاره الإنسان

    ما كان عنها قط من متخلف     ولتعطلت دار الجزاء الثاني

    لكنها حجبت بكل كريهة     ليصد عنها المبطل المتواني

    وتنالها الهمم التي تسمو إلـى     رب العلى في طاعة الرحمن

    إذا كان عود الكبريت لا يأتيك إلا أن تقوم له، وتبذل له الأسباب من ركوب السيارة والذهاب إلى الدكان.. ورغيف الخبز لا يأتيك إلا بتعب، وتطلب جنة عرضها السماوات والأرض بلا ثمن، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها) وقال صلى الله عليه وسلم: (يعطى آخر رجل يدخل الجنة قدر الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم يفنيها، ومثلها عشرة أمثالها، قالوا: فالأول يا رسول الله؟ قال: ذاك له ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ اقرءوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]) وهذا هو المشهد الأول، وهذا المشهد للرجلين اللذين كانا في الدنيا أحدهما مسلم والآخر كافر.

    مشهد بين أهل الجنة وأهل النار:

    المشهد الثاني: ذكره الله عز وجل في سورة الأعراف، وأخبر أنه يحصل نداء بين أهل الجنة وبين أهل النار، فيقول عز وجل: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [الأعراف:50] فأولئك وهم في دركات الجحيم ينادون أصحاب الجنة وهم في درجات النعيم أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ [الأعراف:50] لأن العطش شديد، فإذا بلغ من الإنسان مبلغه لا يقوم به شيء، ولا يقوم له ثمن، ولو أعطوك الذهب الأحمر، والعمارات وكل ما في الدنيا وأنت عطشان فلا تريد إلا شربة ماء بارد، ولكن إذا أعطوك ماء حاراً فلا تريد إلا ماء بارداً، ولهذا قالوا وهم في النار قد تقطعت أكبادهم، ونادوا وهم في سواء الجحيم: يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك قد تقطعت منا الكبود، يا مالك قد أثقلنا الحديد, يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود.

    يصيحون وهم في قيودها ودركاتها بهذا النداء الذي يقطع القلوب، ماذا يقول الله لهم: قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:77-78] فينادون أهل الجنة ويقولون: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:50-51].

    ثم يأتي النداء الآخر من أهل الجنة إلى أهل النار قال الله عز وجل: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً [الأعراف:44] يقولون: وجدنا ما وعدنا الله: وجدنا القصور، والحور، والحبور، والخلود، والنعيم المقيم فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً [الأعراف:44].

    فهل لقيتم النار والسلاسل والأغلال؟ هل لقيتم العذاب والأنكال؟ قَالُوا نَعَمْ [الأعراف:44] ولا يطيلون؛ لأن الذي في النار لا يستطيع أن يتكلم كثيراً، المريض إذا زرته لا يريد أن يتكلم، حين تسأله: كيف حالك؟ يقول: بخير، لكن المعافى حين تسأله يجيب فاتحاً فمه مسروراً، فأهل الجنة متعافين في نعيم، ذكر الله سبحانه ذلك: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:25-28].

    أهل الجنة على أسرة وكراسي من ذهب، يتقابلون، ويتنادمون، ويتحادثون، ويتذاكرون ما كان بهم في الدنيا من العذاب والتعب والبلاء، والجهاد، والصبر على طاعة الله، أما أهل النار فالله تعالى يقول: وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ [يونس:54] لا يسمح لهم بكلمة: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات:36] ولا كلمة واحدة؛ لأن الله تعالى يقول: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] ممنوع الكلام، أو المراجعة، الآن المجرم إذا جلس أمام القاضي يحقق معه، ويعرف القاضي أنه مدان، ولكنه يريد أن يلبس على القاضي بأدلة وبمنطق وكلام، فيقول له القاضي: اسكت ولا تتكلم يا خبيث، فلا يسمع له كلاماً، لماذا؟ لأنه يعرف أنه خبيث مدان.

    فالله تعالى يعلم أن هؤلاء خبثاء وفجرة قد سكنوا النار بفعلهم وجرمهم، فيقول الله تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! ما ينبس أحدهم ببنت شفة) أي: بكلمة واحدة، فما هو إلا الشهيق والزفير لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود:106] الشهقة كما تشهق البغلة على الشعير، والزفرة من النار، نعوذ بالله وإياكم من النار.

    وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ [الأعراف:44] لقينا كل شيء فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ [الأعراف:44] أذن مؤذن بينهم أن سخط وغضب ولعنة الله على الكافرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله! عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44].

    يا إخواني: إن أمور الله واضحة مثل الشمس في رابعة النهار، ولكن الشيطان يريد أن يعمي علينا، ويقتادنا إلى النار، ويخدعنا ويضلنا، والله تعالى يقول: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60] وهذا أمر واضح وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً [يس:61-62] أجيالاً كثيرة أضلها الشيطان أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:62] كيف كانت عقولكم حين أطعتم عقولكم؟! كيف ألقيتم أفئدتكم وأبصاركم؟! كيف وكيف؟ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:63-65] وهذا هو المشهد الثاني.

    مشهد الضعفاء والمستكبرين في النار:

    المشهد الثالث: ذكره الله عز وجل في سورة غافر، وهو مشهد في النار -أعاذنا الله وإياكم من النار- بين الضعفاء والمستكبرين، يعني: بين الآمر والمأمور، الذين كانوا جميعهم يتآمرون على معصية الله، قال الله عز وجل: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر:47] أي: يتخاصمون؛ لأن الإنسان اليوم لو أمسك مجموعة من الخمارين وذهب بهم إلى السجن، فإنهم يتخاصمون عند باب السجن، كل واحد يلعن الثاني، يقول: أنت الذي دللتنا، أنت الذي علمتنا، وكل واحد يضرب الثاني، وإن كانوا ذاهبين إلى سجن فيه راحة وأكل، أما هناك فهم ذاهبون إلى نار، الفراش والدفء من النار، والحيات العقارب والسلاسل والأغلال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في جهنم حيات كالجمال، وعقارب كالبغال) الحية مثل الجمل رقبتها كرقبة البعير، والعقرب مثل البعير تلسع تارك الصلاة فيسري سمها في جسده سبعين سنة ثم يتساقط لحمه، وقال صلى الله عليه وسلم: (استعيذوا بالله من جب الحزن، وجب الحزن واد في جهنم فيه حيات كالجمال) وهو واد في جهنم، وكالبخت وهي الجمال التي لها سنامين، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

    فهؤلاء في النار يتحاجون يعني: يتضاربون ويتخاصمون، وقال الله عز وجل: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً [غافر:47] يقولون: كنا وراءكم نتبعكم، ما كنا نناديكم كنتم أنتم تنادوننا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنْ النَّارِ [غافر:47] يقولون: على الأقل خذوا جزءاً أكبر، خذوا عنا نصيباً أكبر قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا [غافر:48] يعني: المتبوع والتابع إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ [غافر:48-49] خزنة جهنم الملائكة .. غلاظ شداد، أخبر الله عنهم قال: عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ [التحريم:6] وصفهم غِلاظٌ شِدَادٌ [التحريم:6] فما معنى: غلاظ شداد؟ غلاظ في الخلقة وشداد في الأخلاق، وهذا حتى في الدنيا، إذا أتوا برجل ووضعوه في السجن لا يأتونه بعسكري جميل خلوق؛ بل يبحثون عن رجل عابس الوجه يخيف المجرمين، فالله يوم القيامة يختار لأهل النار ملائكة غلاظاً في خلقهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (والذي نفسي بيده! لو أن خازناً من خزنة جهنم أشرف على الأرض لمات من على ظهرها) ما ذبحهم ولا ضربهم، فقط رءوا وجهه فتتقطع قلوبهم وأكبادهم ويموتون خوفاً من خلقته فقط، فكيف إذا صار يمسيهم ويصبحهم: عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    والخزنة تسعة عشر، والمدير العام واحد وهو مالك، ومالك خازن النيران، والله تعالى يقول: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30] يعني: مدراء الإدارات والأقسام؛ لأن النار فيها إدارات وأقسام كثيرة، وكل إدارة وقسم مختص بنوعية من المعذبين، أهل الزنا لهم واد، وأهل الغناء لهم واد، وأهل الربا لهم واد، وأهل عقوق الوالدين -نعوذ بالله منهم- عليهم مصيبة كبيرة، هل تعلمون ما عقوبتهم؟ عاق الوالدين يوم القيامة يربط على جذوع من نار، يربط بجذع من جذوع النخل ولكنه من نار، ويربط عليه بيديه وأرجله، ويظل مربوطاً عليه أبد الآبدين ويسمعه كل من في النار وهو يصيح، لماذا؟ لأنه عاق لوالديه، وما أكثر العاقين في زماننا هذا، فمنهم مَنْ إذا دعاه أبوه لا يقوم -خاصة للصلاة- لكن إذا دعاه زميله للكرة، وقيل: فلان يريدك عند الباب، والله لو كان غارقاً في نومه، فإنه يقوم ويقفز لماذا؟ لأن زميله أتاه، ولكن لو دعاه أبوه تعال: حسناً؛ اذهب وسألحق بك، وبعضهم يوقظ ولده حتى يدخله الحمام، ويرجع من الصلاة فإذا هو نائم في الحمام؛ لأنه سهر إلى نصف الليل، فهذه مصيبة ولا حول ولا قوة إلا الله!

    فأودية جهنم وشعابها وأقسامها كثيرة وعليها مدراء، وفيها موظفون يعملون بالداخل، قال الله تعالى في آخر سورة المدثر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:30-31].

    يعني: التسعة عشر عرفناهم، ولكن الباقين ما يعلم عددهم إلا الله، ما مهمتهم؟ مهمتهم تقليب الكافرين في أنواع العذاب والسعير، لأن النار سبع دركات كما قال:

    جهنم ولظى من بعدها حطمة     ثم السعير وكل الهول في سقر

    وبعد ذاك جحيم ثـم هاويـة     تهوي بهم أبداً في حر مستعر

    يتقلبون فيها -نعوذ بالله من النار- فهم يتقلبون في النار، يقولون لأهل الجنة: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ [غافر:49] أي: يعطينا إجازة فقط، أعطونا راحة ساعة أو يوماً من العذاب، فتقول الملائكة: قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى [غافر:50] والله قد جاءتنا الرسل قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ [غافر:50] أي: لا يسمع الله دعاءهم يوم القيامة.

    وهذه -يا عباد الله- بعض الصور، والقرآن والسنة مليئان بهذه المشاهد، ولو ذهبنا لاستعراضها لطال الوقت بنا ولكن نكتفي بما قلنا.

    الأسباب المؤدية إلى تقوية الإيمان بالبعث

    فأنا أؤكد وأؤصل قضية الإيمان بالبعث بما لا مزيد على ما قلت، وإنما بما يقيم لنا دليلاً على أننا مؤمنون بالبعث وهو شيء واحد:

    الاستجابة لأمر الله والبعد عن معاصي الله، فإذا كان هذا الأمر بأيدينا وفي أنفسنا وفي جميع حركاتنا، وأننا مسارعون إلى طاعة الله ومبتعدون عن معصية الله، فلنعلم أننا مؤمنون بالبعث، وننتظر الجزاء من الله إن شاء الله.

    وإن كانت الأخرى، فلا يوجد استجابة لأمر الله، ويوجد حب لمعصية الله، فالإيمان بالبعث عندنا ضعيف، وعلينا أن نقويه، وتقوية الإيمان بالبعث يكون بستة أمور:

    الأمر الأول: تلاوة كتاب الله مع التدبر.

    الأمر الثاني: تلاوة حديث رسول الله يومياً -حديث واحد- مع التدبر.

    الأمر الثالث: اختيار الرفيق الصالح، فلا بد أن تختار رفيقاً مؤمناً تجلس معه، وتتقوّى به.

    الأمر الرابع: الابتعاد عن الرفيق السيء، إذا وجدت شيطاناً رجيماً يدعوك إلى معصية الله، وينهاك عن طاعة الله، فأعرض عنه وفرّ منه؛ لأنه مصاب في دينه، أنت لو جئت إلى شخص مصاب بـ(الكوليرا) أو السرطان أو الطاعون، أتجلس معه؟ أم تهرب منه؟ فهذا والله أخطر منه، وهذا عنده طاعون في دينه و(كوليرا) في عقيدته، وسرطان في دينه، كيف تجلس معه وهو يقول لك: لا تصل؟! تمر معه بجانب المسجد والمؤذن يؤذن، فتقول له: هيا نصلِّ، فيقول لك: يا شيخ أتريد أن تصلي وأنت صغير، فيما بعد إذا كبرنا نصلي، دعنا نستمتع بالحياة، هذا شيطان رجيم اتركه -والعياذ بالله- وابتعد عن قرناء السوء.

    الأمر الخامس: أن تحرص على طاعة الله وتسارع إليها.

    الأمر السادس: أن تبتعد عن معصية الله.

    هذه ست وسائل لتقوية الإيمان.

    أسأل الله تعالى أن يقوي إيماننا وإيمانكم، وأن يوفقنا وإياكم إلى كل خير.

    اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اجعل ما قلنا وما سمعنا حجة لنا لا حجة علينا، اللهم انفعنا بما قلنا، وانفعنا بما سمعنا، واجعل ما علمتنا يا رب العالمين حجة لنا ينفعنا بين يديك يوم القيامة، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

    اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا، واسقنا غيث المطر في بلادنا وأوطاننا برحمتك يا أرحم الراحمين.

    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1.   

    الأسئلة

    النوم واليقظة دليلان من أدلة البعث العقلية

    السؤال: ظاهرة النوم واليقظة أليست دليلاً من أدلة البعث؟

    الجواب: أولاً: لم أقل إنني سوف أتكلم عن كل أدلة البعث، وإنما قلت سآتي بنماذج فقط، وإلا فالقرآن من أوله إلى آخره مملوء بأدلة البعث، ولو كان هناك مجال لاستشهدت بجزء واحد في القرآن وهو جزء (عم) من أول سورة عم إلى آخر سورة الناس، ما من سورة من هذه السور إلا وفيها دليل على البعث، وقس عليها بقية سور القرآن.

    فظاهرة النوم -لا شك- ظاهرة مادية محسوسة، وهي دليل مادي محسوس من أدلة البعث، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتسألن عما كنتم تعملون) والله تعالى يقول في سورة الروم: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [الروم:23] فالنوم آية من الآيات الدالة على الله والبعث وكل القضايا الإيمانية، لماذا؟

    يقول الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:42] فالآن هناك ميتتان: ميتة كبرى وهي الميتة المعروفة، وميتة صغرى وهي النوم المعروف، قال عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ [الزمر:42] يعني: يتوفاها -أيضاً- فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى [الزمر:42] يعني: التي في النوم إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42] فالنوم هو جزء من الموت، ولهذا ترى الإنسان الآن ينام على فراش وبجواره إنسان آخر ينام على فراش آخر، ويرى هذا رؤيا حسنة ويرى هذا رؤيا سيئة، فيتنعم هذا بالرؤيا الحسنة، ويتعذب هذا بالرؤيا السيئة، وأجسادهم ما بها شيء، وجسم هذا الذي تنعم ما أصابه نعيم، وجسم هذا الذي تعذب ما أصابه عذاب، لكن يستيقظ هذا من الحلم الجميل قائلاً: ما أجمل هذه الرؤيا، رأى أنه تزوج، فيقول: يا ليتكم لم توقظوني من هذا الحلم، بينما ذاك رأى أنه وآخر يتطاعنان وذاك يطعنه فيستيقظ قائلاً: ما ذاك الحلم، فيقال: ما بك؟ قال: واحد يطعني في جنبي ...! نعم فمن الذي زوج هذا، ومن الذي طعن هذا؟

    الأجسام ما بها شيء، جسم هذا على الفراش وجسم هذا على الفراش، فروح هذا تنعمت فتنعم الجسد، وروح هذا تعذبت فتعذب الجسد، فالنوم دليل من أدلة البعث.

    حكم الاستخارة لأداء الطاعات

    السؤال: هل يجوز الاستخارة لأداء الحج النافلة؟

    الجواب: لا يا أخي المسلم، الاستخارة إذا ما أردت أن تعمل عملاً دنيوياً: تتزوج، تبني، تشتري سيارة، تسافر، أمر من الأمور المباح، فلا بد لك أن تستخير؛ لأنك لا تعلم ما هو الخير فيه، وكأنك ستشتري هذه السيارة والله عز وجل قد قدر عليك الموت بهذه السيارة، أو أن تتزوج بهذه المرأة وهي سبب هلاكك في الدنيا والآخرة، فإذا هممت بأمر فصل ركعتين، ثم إذا أكملت الركعتين، فقبل أن تسلم أو بعد السلام -وردت الصفتان- ولكن شيخ الإسلام يرجح أنه قبل السلام، فيقول: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر على ما لا أقدر، اللهم إن كنت تعلم أن في هذا الأمر -ويسميه، وليكن مثلاً شراء سيارة- أن في شراء هذه السيارة خيراً لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فأقدره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن في شراء هذه السيارة شراً لي في ديني أو دنياي أو عاجل أمري وآجله؛ فاصرفه عني واصرفني عنه، واكتب لي الخير حيث شئت، ثم رضني به".

    فإذا عملت هذا الأمر فإذا يسر الله لك شراء السيارة فاعلم أن شراءها خير لك، وإن صرف عنك شراءها فاعلم أن الله صرف عنك شراءها، وهذا في الأمور العادية.

    أما في الطاعات والعمل الصالح فلا يوجد فيه استخارة، فحين تريد أن تصلي تقول: سوف أستخير الله أصلي أو لا أصلي، لا. حين تريد أن تحج، تقول: سوف أستخير الله وتقول: "اللهم إن كان الحج خيراً لي"، معلوم أن الحج خير لك؛ لأن (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ولأن (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أردت أن تحج سواءً أكان فرضاً أو نافلة، أو تتصدق، أو تصوم، أو تصلي، أو تعمل أي عمل من أعمال الخير فتسارع إليه من دون استخارة.

    شخص يريد أن يزني، فهل يستخير الله؟ الأعمال المحرمة لا استخارة فيها، والأعمال المشروعة لا استخارة فيها، وإنما الاستخارة في الأمور العادية المعتادة من أمور دنياك، التي لا تعلم أفيها خير أو شر، فتستخير الله، وكان الصحابة يستخيرون الله حتى في شراك النعل، إذا قطعت حذاؤه، وما كان معهم أحذية مثلنا الآن، فبعضهم تجده رابطاً بين أصابعه شراكاً (سيراً) وقطعة من الجلد من تحت فحسب، وبعضهم يحملها على عصاه ويمشي حافياً؛ لأنها مقطوعة! والواحد اليوم معه عشرون حذاء وهذا من نعم الله علينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    فلا استخارة في هذا وإنما عليك أن تباشر العمل الصالح.

    حكم سؤال الله الجنة ثمان مرات بعد المغرب والفجر

    السؤال: هل ثبت أن المسلم يسأل الجنة ثمان مرات بعد الفجر والمغرب أم لا؟

    الجواب: لا. لم يثبت، الذي ثبت والحديث في سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عقب صلاة الفجر وعقب صلاة المغرب سبع مرات: اللهم أجرني من النار، قالت النار: اللهم أجره مني، قال الله: قد أجرته منك) وهذا الذي ثبت، وهو في سنن الترمذي وهو صحيح، فعلى المسلم أن يحافظ عليها بعد الفجر بعد أن يكمل أذكار الفجر، وقبل أن ينصرف من مجلسه يقول: اللهم أجرني من النار سبع مرات، وفي المغرب مثلها، وتصور أنك تدعو الله كل يوم أربع عشرة مرة، الله كريم ما يردك إن شاء الله، أجارنا الله وإياكم من النار.

    حكم الصلاة في ثياب النوم، واستخدام مكبرات الصوت في الزواج

    السؤال: ما رأي فضيلتكم بالصلاة وخاصة الفجر في ثياب النوم، وما رأيكم بمكبرات الصوت في الزواج وخاصة عند الرجال؟

    الجواب: أما صلاة الفجر في لباس النوم، فالله يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] نسأل صاحب لباس النوم، هل يذهب إلى العمل بلباس النوم؟ نتحداه أن يذهب، هل يقابل الأمير بلباس النوم؟ والله ما يستطيع إلا لو كان مكتفاً يُذهَب به غصباً عنه، ماذا يقول له الأمير؟ يقول: كيف تأتي لتسلم علينا بلباس النوم.

    فكيف تقابل ربك في بيت الله بلباس النوم؟! إن سألت عن صحة الصلاة فالصلاة صحيحة إن شاء الله إذا كانت الثياب طاهرة، إذا لم يكن لباس النوم فيه نجاسة فالصلاة صحيحة وليست باطلة، ولكنها مخالفة للأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] لم يقل: عند كل محفل، أو مطرب، أو مجلس، لا بل عند كل مسجد.

    أما مكبرات الصوت في الزواج فهي مصيبة من مصيبات هذا الزمان، خاصة إذا أخذوا مكبرات المسجد، وقد سمعت أنه في بعض القرى يستعملون مكبرات المسجد ويغنون بها طوال الليل ثم يردونها ويصلون بها صلاة الفجر، فلا إله إلا الله!!

    يا إخواني: زواج السنة يشعر ويعلم عنه بالوليمة وبضرب الدف للنساء بشرط: ألا يرافق ذلك رفع الصوت حتى يسمعه الرجال، وألا تضربه حرة، والدف هو إطار مثل المنخل عليه جلد ثور أو جلد جمل، وتأتي أمة -ليست بحرة- وتضرب عليه فقط، فإن سئلت: ماذا بك؟ تقول: زواج في بيت فلان.

    أما أن تستعمل المعازف وترتفع أصوات النساء وهي أصوات تبعث على الحب والغرام والعشق والهيام، ويقولون: إن هذا من السنة. والله ما هذا من السنة، السنة غير هذا -يا عباد الله- المرأة صوتها عورة حتى في التلبية والتسبيح، فلو أن عندنا في هذا المسجد نساء يصلين في طرف هذا المسجد وأخطأ الإمام أو غلط الإمام ماذا يحصل؟ قال: "سبح رجل وصفقت امرأة"، المرأة وهي في المسجد لا تسبح، فكيف تصفق؟ قالوا: تصفق بظهر كفها، ما تصفق ببطن كفها، لأن كفها رطب، وهذا الصوت يحدث فتنة في قلب الرجل، بل تصفق بظهر كفها، هذا الجاف الناشف؛ لأن الله قال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].

    إذا جاء أي واحد يطرق باب بيتك وزوجتك موجودة، وقال: هل فلان في البيت، فيجب أن يكون جواب زوجتك بصوت جاف، فتقول: لا.

    لكن أن يأتي فيسأل فتقول هي: لا. والله ليس بموجود، وإن شئت تفضل، فيأتي إليه الشيطان ويقول: هذه ممتازة، اسمع الصوت انظر العسل، ولهذا قال الله: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32] يعني: لا ترقق المرأة صوتها، لماذا؟ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] يعني: إذا قالت قولاً معروفاً قوياً انتهى الرجل، ولكن إذا رققت صوتها فتن بها.

    يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة     والأذن تعشق قبل العين أحياناً

    أما تجمع الرجال وخروجهم في مناسبات الزواج، يتجمعون من كل قرية، حيث كانوا في السابق يأتون من كل قرية وجبل، لكن الآن يركب السيارة من قرية إلى قرية، ويلبس الجنبية المذهبة والسيف المذهب، ويأتي يرفع صوته من العشاء إلى الفجر بالكلام المبتذل، والنساء فوق السطوح يتسمعن، ثم نقول: نريد مطراً من السماء، والله -يا إخواني- لو تنزل علينا حجارة من السماء ما كنا نستبعدها؛ لأن الله تعالى يقول -كما في الحديث القدسي-: (إني أنا والجن والإنس لفي خبر عظيم، أخلقهم ويعبدون غيري، أرزقهم ويشكرون سواي، خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بالنعم ويبتغضون إلي بالمعاصي).

    فيا إخوان: نحن في نعم، فينبغي علينا أن نشكرها ونحمد الله عليها، أما إذا لم نشكرها وقمنا نستعملها في معصية الله، مثل ما يحدث في هذه المناسبات، فهذا والله شيء ينذر بعذاب من الله تبارك وتعالى، فاتقوا الله في أنفسكم، فلا تنبغي المكبرات ولا السهر، الزواج إنما هو ستر وما هو بفضيحة، الزواج ستر فاستر ابنتك أو ولدك وأولم بشاة، بشاتين، بثلاث، بقدر عدد الضيوف، ولا تتكلف، ولا تتعب نفسك -يا أخي- لماذا السرادقات؟ والكراسي؟ وبعد العرس تبقى أياماً تهدم الخيام، وترفع الكراسي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    زوج ابنتك الزواج السني .. زواج الإسلام، بوليمة متواضعة، بقدر معين من الرجال وبقدر معين من الذبائح، وينتهي الأمر، وفرت مالك وأرحت نفسك ودينك، وأرضيت ربك، لكن البعض يبقى لهذا العرس من قبل أسبوعين يجهز، ويبقى بعدها أسبوعين أو يزيد وهو يعاني من هذه المشاكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    ضرورة التزام الحجاب عند الأقارب من غير المحارم

    السؤال: أكثر الناس لا يعترفون بالحجاب أي: أن بعض الناس يأكل ويشرب مع زوجة أخيه كأنها أخته أو بنته؟

    الجواب: أمر الحجاب في القرآن مثل أمر الصلاة، ما رأيكم في شخص قلنا له: صلِّ، فقال: لا. الدين في القلوب، أنا أحب ربي، ولكن لن أذهب لأصلي، ما رأيكم في كلام هذا الرجل؟ هو كافر؛ لأنه أنكر آية من كتاب الله، وترك الصلاة كفر.

    الأمر بالصلاة في القرآن يرافقه الأمر بالحجاب، في آيات عديدة في سورة الأحزاب والنور والنساء:

    ففي سورة الأحزاب يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ [الأحزاب:59] حتى لا يقول شخص: إن الأمر لنساء النبي، فلو أن شخصاً طاهراً شريفاً عفي من هذا الأمر لعفي نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض النساء تقول: أنا قلبي طاهر. حسناً.. أأنتِ أطهر أم نساء النبي صلى الله عليه وسلم؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:59] وليس نساء الفسقة والمجرمين، نساء المؤمنين، ماذا يعملن؟ قال: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].

    وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] والجيب على الصدر والنحر، والخمار على الرأس، فتضرب بخمارها على رأسها، يعني: يصل من رأسها إلى جيبها، أي: يمر على وجهها ويغطيه وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ [النور:31] لثمانية أصناف من الرجال والأقارب، وأربعة من غير الأقارب، من هم الأقارب الذين يباح لهن الكشف عليه؟ قال تعالى: إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] والبعل في الشرع واحد، أما أن تظهر على أبي فلان وأبي علان، وتسلم على هذا وتسلم على يد هذا، هذه المسألة ليست اشتراكية في الأعراض، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بعولتهن فقط، بعلها الذي استحلها بكلمة الله.

    أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31] أبوها الذي خرجت من صلبه.

    أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] يعني: أبو بعلها -عمها- لأنه لا يجوز له أن ينكحها بعد ابنه.

    أَوْ أَبْنَائِهِنَّ [النور:31] ولدها.

    أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] أي: ولد بعلها من غيرها؛ لأنها عمته، لا يستطيع أن ينكحها من بعد أبيه.

    أَوْ إِخْوَانِهِنَّ [النور:31] أي: أخوها من أمها وأبيها أو من أمها أو من أبيها أو من الرضاع.

    أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ [النور:31] أي: أبناء أخيها.

    أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ [النور:31] أي: أبناء أختها وهي خالتهم، فقط، وليس فيهم أخو الزوج، فلا نأتِ بقرآن جديد، ليس هناك إلا كلام الله.

    والأربعة الباقين من غير الأقارب هم: أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31] يعني: المرأة المؤمنة تكشف على المرأة المؤمنة.

    أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31] يعني: المرأة التي عندها عبيد تكشف عليهم؛ لأنه ما يكشف عورتها، فهو يخاف منها؛ لأنها سيدته ومولاته.

    أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ [النور:31] والتابع هو الذي يتبع الزوج أي: خادم الزوج، الراعي عند الزوج، العامل عند الزوج، السائق عند الزوج، لكن بشرط: أن يكون هذا الراعي أو الخادم أو السائق مخصياً؛ لأن الله تعالى يقول: أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ [النور:31] ما معنى غير أولي الإربة؟ يعني مخصياً، لكن إذا كان كمن هم عندنا الآن، فهذا هو الموت، هذا الذي يسمونه (السارق النزاع) يرى كل امرأة، ويدخل كل بيت، وهو أخطر من كل خطير، وكما قال الأول: (حذارك من الديدان والخدم).

    أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] فالطفل الصغير غير المدرك الذي لا يعرف شيئاً عن عورات النساء يجوز للمرأة أن تكشف عليه، أما الطفل الذكي فلا؛ لأن بعض الأطفال رغم صغره إلا أنه ذكي ترسله إلى بيت من البيوت بسلعة، فيذهب ويلعب بصره في كل شيء في البيت، فيرجع فيُسأل: ماذا رأيت؟ فيقول: ما أكثر ما رأيت في ذلك البيت، فيه ثريات ومعهم صورة، ومعهم ومعهم، فصور الدنيا كلها في لمحة واحدة، وهذا خطير لا ينظر إلى النساء؛ لأنه سينشر عرض النساء في المجالس، أما الطفل الصغير الذي ما يعرف شيئاً، فإن سئل: رأيت شيئاً؟ يقول: لا. فهذا الذي يجوز أن يكشف عليه.

    ثم قال عز وجل: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] يعني: إذا كانت المرأة معها خلخال في رجلها، أو كان معها أساور في يدها، أو عصابة في رقبتها فمشت، فعليها ألا تقلقلها ولا تصلصلها؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    وليس معنى -أيها الإخوة- أن يحجب الإنسان زوجته عن أخيه أو عن قريبه أنه لا يثق فيه، فالثقة شيء وأمر الله شيء آخر، أنا أثق في أخي ثقتي بنفسي، وأثق في زوجتي ثقتي بنفسي، ولكني أحجب زوجتي عن أخي، لماذا؟ لأن الله أمرني بهذا؛ لأن بعضهم يقول: هل أنا خائن كيف لا يأمنني على زوجته؟ نعم. لا آمنك على امرأتي، كل شيء آمنك عليه إلا المحارم؛ لأن المحارم ليس فيها جدال، يقول الشاعر:

    لا تتركن أحداً بأهلك خاليـاً     لو كان في النساك مثل بُنان

    أي مثل: ثابت البُناني.

    إن الرجال الناظرين إلى النسـا     مثل الكلاب تطوف باللحمان

    إن لم تصن تلك اللحوم أسودها     أكلت بلا عوض ولا أثمان

    بالله ما رأيكم لو سلخنا جلد شاة وأخرجناها إلى السوق تمشي، ورأتها الكلاب أتتركها؟ والله تأكلها أكلاً، ولكن إذا عليها جلدها ما تستطيع الكلاب أن تعضها، وكذلك الحجاب للمرأة مثل الجلد لا يستطيع أحد أن ينظر إلى شيء منها، لكن إذا عرينا النساء، نظر الرجال وحصلت الفتنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    فالحجاب مطلوب ولكن ليس من أجل أنك تشك في زوجتك أو تشك في أخيك ولكن من أجل أن تطيع ربك، فمن أراد طاعة الله فعليه أن يحجب زوجته، ومن أراد معصية الله فلا يحجبها، وسوف يكون خصماً لله وهي ستكون خصمة له بين يدي الله يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه لله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756403467