إسلام ويب

السفر وآدابه [2]للشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه الخطبة تطرق الشيخ إلى كثير من الآداب والأحكام الشرعية التي ذكرها أهل العلم في كتبهم بخصوص السفر، ومنها: الصلاة والصيام في السفر.. الأذكار في السفر.. العبادة في السفر.. الإمارة في السفر... وغير ذلك. كما ركَّز الشيخ كثيراً على مآسي السفر إلى الخارج، وحال كثير من المسافرين رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً.

    1.   

    زاد السفر الأخروي

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    أيها الأخوة! نريد أن نُكمل شيئاً مما يتعلق بالسفر الذي كثُر جداً في هذه الأزمان؛ لما حصل من التيسير في وسائل المواصلات، التيسير الذي فتح الله تعالى به على الناس في هذه الأزمان؛ وهي نعمة كبيرة من الله عز وجل، فهل يا تُرى رعوها حق رعايتها أم أنهم ضيعوها إضاعة كبيرة؟ وهل شكروا الله عز وجل على نعمة تيسير السفر، وعلى أن جعل المشاق فيه قليلة بالنسبة لما كانوا عليه في الماضي؟

    والمسافر يحتاج في سفره أن يتزود لدنياه وآخرته، فإنه يحتاج للزاد المادي من النفقة وغيرها في السفر، كما أنه يحتاج إلى الزاد الديني في سفره، فهل الذين يسافرون في هذه الأيام قد تزودوا بالزاد الديني؟ إنهم يتزودون بأزواد من الدنيا، وقد يصطحبون معهم مبالغ طائلة من الأموال لكي ينفقوها في أسفارهم في التجوال والمشتريات وغيرها، وكثير من هذا التجوال وتلك المشتريات قد لا تكون فيما يرضي الله عز وجل، ولكن الزاد الديني ربما ضُيع تضييعاً تاماً عند البعض.

    معرفة أحكام السفر في الصلاة والصيام وغيرها من الأمور الخاصة بالسفر

    فهل يعرف الذين يسافرون مثلاً أحكام السفر في الصلاة والصيام، من قصر الصلاة مثلاً وجمعها؟! هل يعلمون الأوقات؟! وكيف يحددون اتجاه القبلة الذي كان متيسراً لهم في الحضر؟

    يحتاج المسافر إلى أنواع من العلم قبل أن يسافر، على الأقل أن يسأل أهل العلم عما يتوقع أنه سيتعرض له من الإشكالات.

    هل يستخير المسافر ربه قبل سفره كما كان صلى الله عليه وسلم يُعلم الأمة أن تستخير في الأمور كلها؟ هل يسأل ربه إن كان هذا السفر خيراً أن ييسره له، وإن كان شراً أن يصرفه عنه، أم أنه يضع في نيته أنه سيسافر بكل حالٍ؟

    وكان رسولكم صلى الله عليه وسلم يستحب أن يُسافر يوم الخميس، وكان يستحب أن يخرج مبكراً ويقول: (بورك لأمتي في بكورها) ولكن قد يضطر المسافر أن يخرج في غير هذا الوقت؛ وهذا لا حرج فيه إن شاء الله.

    عدم الوقوع في التشاؤم والطيرة

    بعض الذين يسافرون يقعون من جهة تحديد الوقت في أنواعٍ من الشرك؛ فقد يتشاءمون بحالة من الحالات، فيرجعون عن السفر بعد أن شرعوا فيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الحسن: (لن يلج الدرجات العلى من تكَهَّن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيراً) من ردته الطيرة فقد قارف الشرك، وبعضهم يفزع إلى صفحات المجلات التي تُوجد فيها الأبراج؛ أبراج الحظ لينظر ما هي أيام السعد، وما هي أيام الشؤم، وما هي الأيام التي قال الفلكي: إن السفر فيها مستحسن، فيعمد إلى تطبيق ذلك.

    وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم، فقال: يا أمير المؤمنين لا تسافر؛ فإن القمر في العقرب؛ فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزم أصحابك، فقال علي رضي الله عنه: [بل أسافر ثقة في الله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك] فسافر فبورك له في ذلك السفر حتى قتل عامة الخوارج ؛ وكان ذلك من أعظم ما سُر به علي رضي الله عنه.

    انتقاء الأصحاب في السفر

    هل يعمد المسافرون اليوم إلى انتقاء الأصحاب الذين يسافرون معهم ممن يعينونهم على أمور الدين؛ فيذكروا إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا، أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يسافر الرجل لوحده؟!

    1.   

    الأذكار الخاصة بالسفر

    وتأمل في الأذكار التي كان عليه الصلاة والسلام يقولها في سفره، لتعلم أن في ثنايا هذه الأذكار، وفيما تتضمنه إشارات إلى نوعية السفر، وما الذي ينبغي أن يفعله المسافر أثناء سفره.

    ذكر التوديع للآخرين

    كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش قال: (أستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم) ومرة ودع صحابياً فقال: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).

    والله عز وجل إذا استودع شيئاً حفظه فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].

    (استودع الله دينك ) الدين أهم شيء، فاجعل دينك وديعة عند الله يحفظه لك من التعرض للنقصان، أو التعرض لمعاصي الله عز وجل.

    ( وأمانتك ) من الأهل والأموال الذين خلفهم المسافر وراءه، وتأمل في قوله: (استودع دينك) عند السفر، وذلك لأنه عُهد أن المسافرين في كثير من الأحيان يتعرض دينهم لنقصان عند السفر، ولذلك كان استيداع الدين عند الله تنبيهاً للمسافر، يا فلان! يا أيها المسافر! يا عبد الله! لا تنقص دينك عند السفر.

    (استودع الله دينك وأمانتك) اجعل أهلك ومالك وديعة عند الله يحفظهم لك؛ حتى إذا رجعت من سفرك وجدتهم بخير حال كما فارقتهم أو أحسن.

    وقال مجاهد : خرجت إلى العراق أنا ورجل معي، فشيعنا عبد الله بن عمر فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكما، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا استودع الله شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم عملكما).

    وورد أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ودّع يقول: (استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) أي: أجعلك عند الله وديعةً، فهو الذي لا تضيع ودائعه سبحانه وتعالى، والبشر إذا استودعوا شيئاً ربما حفظوه وربما ضيعوه، والله عز وجل إذا استودع شيئاً؛ فإنه يحفظه سبحانه وتعالى.

    وهاتان الصيغتان كلٌ منهما سنة عند توديع المسافر.

    دعاء الخروج من البيت للمسافر

    وإذا أراد أن يسافر؛ يأتيه إخوانه فيسلمون عليه، وإذا رجع من السفر أتاه إخوانه فسلموا عليه وحمدوا الله له على سلامة وصوله.

    وهذا الدعاء عام للجميع ويدخل فيه المسافر: (باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل عليَّ) أليست هذه الأدعية داعيةٌ للمسافر ألا ينقص الدين أثناء سفره؟!!

    دعاء الركوب والاستواء على الدابة

    عن علي بن ربيعة قال: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بدابةٍ ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب، قال: ( باسم الله ) عندما تضع الرجل على الدابة تقول: باسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: (الحمد لله ثلاث مرات، الله أكبر ثلاث مرات -هذا الذكر لله عند الاستواء على الطائرة، أو السيارة، أو دابة السفر أياً كانت؛ تذكير لهذا الشخص بربه عزوجل- سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم ضحك. فقيل: يا أمير المؤمنين! من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) توحيد الله بطلب مغفرة الذنوب منه عزوجل، وتأمل في طلب المغفرة من الله عز وجل عما يمكن أن يقع فيه هذا المسافر من الزلل.

    وتأمل في دعاء الركوب: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] ما كنا مطيقين لهذه الدابة وهذا المركوب لولا أن الله سخره لنا، وهو عز وجل يخلق ما لا تعلمون، فكما أنه خلق الجمل فقد خلق لنا السيارة والطائرة ونحوها: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].

    وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ما كنا لهذه الوسيلة وسيلة السفر مطيقين لها لولا أن الله سخرها لنا: وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف:14] تذكيرٌ للنفس أنها ستعود إلى الله، أنها ستموت وتعود وترجع إلى ربها، إذن هل سيقدم على المعاصي أثناء سفره إذا كانت تذكرته لنفسه حقيقية.

    الدعاء أثناء السفر والرجوع منه

    (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى) عندما يقول هذا الدعاء هل سيقدم ويقارف المعاصي أثناء السفر وإذا وصل إلى المكان الذي يريده، وهو يسأل ربه ويقول: (نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده

    إذاً علينا اللجوء إلى الله عزوجل؛ لأن السفر فيه مشاق، حتى لو كان في الطائرة قد تأتي لحظات على الإنسان من الأعطال في الطائرة، أو سوء الأحوال الجوية ما تشعر فعلاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من عذاب).

    (اللهم أنت الصاحب في السفر) أنت تصاحبني في سفري، أنت معي في سفري.

    (والخليفة في الأهل) أي: وأنا أسخلفتك على أهلي؛ جعلتهم وديعةً عندك.

    (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر -شدته ومشقته- وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والول) فيستعيذ بالله أن يرجع إلى أهله فيجدهم بحالٍ سيئة، فهو إذن يدعو الله أن يحفظ أهله وأن يكون الله معهم يشفي سقيمهم، ويلُم شعثهم، ويحفظ عليهم دينهم وأمانتهم.

    (والخليفة في الأهل) أي: هو المعتمد عليه عز وجل، والمفوض إليه الأمر غيبةً وحضوراً.

    وإذا رجع عليه السلام من السفر زاد إلى ذلك: (تائبون عابدون لربنا حامدون) أي: تائبون مما وقع منا، عابدون لربنا حامدون على أن أرجعنا، وهكذا.

    1.   

    سبب مشروعية الأذكار في السفر

    فإذاً مجموعة هذه الأذكار التي تقال في السفر لأي شيء شرعت؟

    أليس من الحكم أن تُذكر المسافر بالله عز وجل؟!! أليس تُذكره ألا يعصي ربه سبحانه وتعالى؟!! (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور) كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أدعية السفر أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة، أو من الزوال والنكصان بعد الثبات والاستقرار من أدعيته صلى الله عليه وسلم.

    وكان يقول في سفره إذا أسحر -في وقت السحر-: (سمع سمعاً بحمد لله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذاً بالله من النار) أي: ليسمع السامع ويشهد الشاهد بنعمة الله علينا.

    ثم يدعو يقول: (ربنا صاحبنا وكن معنا، واحفظنا وأفضل علينا، وأتم علينا النعمة والفضل). فمعنى الكلام: أقول هذا وأنا مستعيذ بالله من النار.

    فإذاًً كل هذه الأدعية يدعو بها الإنسان ليحفظ نفسه، لو أن الناس اليوم عقلوا هذا؛ فهل سيذهبون إلى الخارج مثلاً ليفسقوا ويجرموا ويذنبوا، ويرتكبوا الكبائر في حق الله عز وجل؟!!

    1.   

    أمور أخرى متعلقة بالسفر

    فائدة التأمير في السفر

    تأمل ما في فائدة التأمير؛ وهو واجب كما يفيده ظاهر النص ورجحه جماعة من أهل العلم: (إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم) ليحفظ عليهم أمرهم، ويلم شعثهم، ولا يتفرقوا ولا يختلفوا، فيجعلوا أميراً منهم عليهم يكون فقيهاً في أمور السفر عالماً بآداب الدين وأحكامه، سديد الرأي، يعلم كيف يتعامل مع النفوس، وإن لم يوجد اختاروا من بينهم أصلحهم لذلك (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم).

    وكذلك هذا الأمير يرعى أصحابه في السفر ويخدمهم، نُقل عن عبد الله بن الوزير أنه صحبه أبو علي فقال عبد الله : على أن تكون أنت الأمير أم أنا؟ فقال: بل أنت، فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولـأبي علي على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة؛ فقام عبد الله طوال الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع عنه المطر فكلما قال له: لا تفعل! يقول: أما تقول إن الإمارة مسلمة لي؟ فلا تتحكم عليَّ ولا ترجع عن قولك، حتى قال أبو علي : وددت أني مت ولم أقل له: أنت الأمير.

    فهكذا ينبغي أن يكون الأمير.

    حد الصحبة في السفر

    وخير عدد يخرج به المسافرون أربعة، قال عليه الصلاة والسلام: (خير الصحبة أربعة، وما نقص عن ثلاثة فهو مذموم: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب) هذا إذا لم يكن هناك ضرورة لسفر الإنسان بمفرده، أو لم يجد رفقة يخرج معهم.

    (لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل ٍوحده) كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، فنهى عن الوحدة: أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده، ولذلك تجد كثيراً من الذين يسافرون للفسق والفجور يذهبون بمفردهم؛ لأن المجموعة عندما تذهب مع بعضها ربما يكون في بعضهم خير، فيكون مانعاً لآخرين من الوقوع في الفجور، وربما يستحي بعضهم من بعض، أليس قد قال لنا القائلون: إنهم إذا نزلوا في الفندق وعرف أن في الفندق أناساً يعرفهم؛ فإنه يستحي من إظهار الفجور وإظهار الفاحشة، أو إظهار أنه يرافق فاجرة من الفاجرات أمام الناس الذين يعرفونه من أهل بلده.

    فإذاً فالصحبة وإن كانت قليلة ففيها خير، ولذلك لا يُنصح الإنسان أن يسافر وحده أبداً.

    ذكر الهبوط والصعود في السفر

    وتأمل الذكر الذي يُسن أن يقوله المسافر إذا علا شرفاً أو هبط وادياً، فإذا علا قال: الله أكبر، وإذا نزل قال: سبحان الله! عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف؛ هذا ما أوصى به عليه السلام رجلاً لما أراد أن يسافر، وقال لنا شيخنا أبو عبد الله عبد العزيز حفظه الله: يدخل في ذلك الطائرات عند إقلاعها فيقول: الله أكبر، وعند هبوطها فيقول: سبحان الله، وإذا تعرضت للمطبات الهوائية فنزلت فيقول: سبحان الله، فإذا ارتفعت؛ قال: الله أكبر، وهكذا فلسانه مشتغل بذكر الله عز وجل.

    دعاء المسافر مستجاب

    ودعاء المسافر من الأدعية المستجابة كما قال عليه الصلاة والسلام، فهو إذن يذكر الله في أغلب أحيانه، ويدعو الله لأن دعاءه مستجاب، فأي وقت وأي مناسبة تكون له لكي يُفكر في الفجور، وبعض الناس لا يذكرون الله في أسفارهم، فبمجرد أن يستقل الطائرة تسمع الضحكات، وتسمع الأحاديث المشينة، وتسمع اللهو وأنواعه من المسافرين، لا يذكرون الله إذا طلعوا، ولا إذا نزلوا، ولا إذا استقرت بهم الطائرة، وهؤلاء المساكين تكون قد فاتتهم الفرصة أن الله يستجيب دعاء المسافر منهم.

    العبادة في السفر

    قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يحبهم الله؛ فذكر منهم: والقوم يسافرون، فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض من التعب، فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم) هذا الذي أثنى عليه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، لأنه يعبد ربه في السفر.

    وأنتم تعلمون أنه عليه الصلاة والسلام وإن كان يدع سنناً في سفره؛ فإنه كان يحافظ على سنة الفجر وعلى صلاة الوتر، وصلى في السفر صلاة الضحى ثماني ركعات كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد أن يدخل بلداً قال: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها).

    عدم الرجوع فجأة إلى البيت

    وكثير من البلدان التي يأتيها الناس اليوم فيها وفي أهلها شر عظيم، فالواجب أن يستعيذ الإنسان من ذلك، فإذا رجع فلا يدخل على أهله ليلاً حتى تتمكن المرأة من إزالة ما يكره الرجل، والآن مواعيد الطائرات قد تكون في الليل، ولذلك يزول الإشكال لو أخبر الإنسان أهله أنه سوف يأتي في الليل؛ لا يأتيهم على فجأة فيتخونهم فيظنون به أنه يظن شراً، أو أنه يجد منها شيئاً لا يحبه، فيخبرها بمقدمه.

    ما يستحب لمن رجع إلى البيت

    فإذا جاء يستحب له أن يصلي في المسجد ركعتين قبل أن يأتي البيت إن تمكن من ذلك، وكذلك فإنه يُسن له أن يذبح لهم ويدعو الناس إلى ذلك، كما ثبت في البخاري أنه عليه السلام نحر جزوراً أو بقرة لما قدم من سفره وتُسمى النقيعة عند العرب وهي سنة، ويأتي إلى أهله بالهدايا التي تسرهم، وبعض الناس يسافرون فيضيعون الأموال فلا يأتي إلى أهله بشيء، ويستقبله أطفاله فلا يجدون معه شيئاً، فهو خالٍ الوفاض وهم يتوقعون أشياء.

    من الآداب الإسلامية أن يأتي الإنسان لأهل بيته بشيء إذا قدم من سفره.

    النفقة على الإخوان في السفر

    كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو ، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، ثم يستأجر لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد ، فلا يزال ينفق عليهم ويُطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زيٍ وأكمل مروءة حتى يَصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة؟ فيقول: كذا وكذا، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو البلدة الأصلية، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته وعليها اسمه.

    أيها الإخوة: وهناك من الناس الأغنياء والأثرياء من يصطحب معه أناساً في السفر؛ يُنفق عليهم ويُغدق عليهم ولكن في أي مجال؟

    عليه مهر البغي، وأجرة الزانية، وثمن المشروب (الخمر والمسكرات) وتذاكر الطائرة إلى أمكنة الفجور، وأجرة النزول في الفندق الذي يقارفون فيه المعاصي، وهكذا، فيرجع إلى بلده وأهله وقد ازداد إثماً على إثم بما سهل له من الشر، نسأل الله السلامة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    السفر إلى الخارج مآسٍ وآلام

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا هو تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عن صحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أيها الإخوة: لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن السفر إلى الخارج، ونقول هنا: بأن بعض الناس قد يحتاجون إلى السفر لعلاج لا يجده في بلدان المسلمين، أو طلب علم يحتاج إليه المسلمون ولا يُوجد عندهم، أو تجارة يضطر إليها ونحو ذلك، ولكن هذا الإنسان لا بد له من علمٍ يدفع به الشبهات إذا أوردت عليه، وعقلٍ يدفع به الشهوات إذا ثارت في وجهه واستثيرت في نفسه، وهكذا.

    وأنتم تعلمون ما يحدث في الخارج من المعاصي؛ ولذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ ممن أقام بين ظهراني المشركين؛ لأن الإقامة بين ظهور الكفار لا خير فيها، وكثيراً ما يكون فيها نقص في الدين، بل هو الغالب على من سافر إلى تلك البلاد، لذلك لا يُنصح أبداً بالسفر إلى تلك البلاد إلا لحاجة.

    وإذا سافر لا بد أن يكون متحصناً بحيث لا يحصل له نقص في دينه، ولو لم يكن إلا المنكرات والمناظر المحرمة التي تُشاهد في المطارات لكان كافياً، وأنت عندما تقف في الصف تنتظر دورك في المطار، وعندما تجلس في الاستراحة لو التفت يميناً أو شمالاً ماذا يحصل؟

    وهذا الكلام -أيها الإخوة- ليس خاصاً ببلاد الكفار؛ فإن هناك بعضاً من مدن المسلمين فيها من الفجور ما لا يقل عن بلدان الكفار؛ ولذلك لا يجوز الذهاب إليها بالنفس والأهل؛ إذا كان الإنسان سيتعرض إلى نقص في دينه، هذا شيء عام لا يُستثنى فيه مكان دون آخر.

    وأما إذا كان المكان الذي ستذهب إليه لا يحصل لك فيه أذىً في دينك أو نفسك؛ فإنه لا بأس لك أن تذهب إلى ذلك المكان، وكن مستعيناً بالله حريصاً على أداء الطاعات.

    لو لم يكن في السفر إلى بلاد الكفار إلا مسألة عدم وجود جماعات ومساجد متيسرة يُصلي فيها الناس؛ لا يسمع فيها أذاناً ولا تكبيراً، ولا يذكر بالله عز وجل لكفى.

    ذهب إنسان إلى بلد من بلدان الكفار، فسأل عن القبلة أناساً من المسلمين الموجودين هناك، لم يجبه أحد إلى أن قال له قائل في النهاية: لا أدري؛ ولكني أرى بعض الناس يُصلون بهذا الاتجاه، أليس هذا حاصل في تلك البلاد؟!!

    أطفالنا في الخارج

    عندما يُشاهد أطفالنا المناظر العارية في شوارعهم، وأنتم تدرون أحوال بلاد الكفار في فصل الصيف من العري المنتشر في الشوارع.

    يقول واحد: أنا أسحب طفلي في الشارع وهناك رجل وقف مع امرأة قد التزمها يقبلها أمام الناس، والولد ينظر إليهما، وأنا أجر الولد، وإن تعداهما فلا زال وجهه ملتفتاً إلى تلك المرأة والرجل، أليست هذه جريمة في حق أولادنا نجرهم إليها بأيدينا؟!!

    قد يكون عندنا شيء من الدين، ولكن ما مصير أطفالنا الذين يذهبون إلى الخارج؛ وتنطبع وتنحفر في أذهانهم تلك المناظر المحرمة، ما مصير بعض أطفال المسلمين الذين يدرسون في مدارس وجامعات بلاد الكفر وتجلس إلى جنبه بنتٌ، فماذا يكون مصيره؟!! وما هو الخير الذي يُرجى له وصور الحرام والمناظر المحرمة أمامه؟!!

    الإيدز لا يعرف أحداً

    سقطت امرأة مرة في الطريق، فلما أخذوها وفحصوها وجدوا أن سبب السقوط أن بها مرض الإيدز، وهنا قالوا لها: كم مكثت في البلد؟ قالت: ثلاثة أيام، قالوا لها: من الأشخاص الذين أتوك، كم عددهم؟ قالت: أربعين شخصاً، ثم كانت المناسبة المشؤومة التي تقزز الناس والفضيحة أن يجرجر أولاد العوائل من بيوتهم لإجراء الفحوصات الطبية عليهم، وبعضكم يعلم أكثر مني بكثير عن كثير من هذه المصائب التي يؤدي إليها السفر إلى بلاد الكفر والإلحاد، والإباحية والجرائم التي تحدث هنالك، وبماذا يعود الإنسان إذا عاد إلى بلده، وأي حور يقع له بعد الكور الذي كان فيه؟!!! أي نقصان يحدث له بعد العودة، إذا كان الرسول صلى الله عليه السلام قد منع الذهاب بالمصاحف إلى بلاد الكفار حتى لا تتعرض للإهانة، فما بالكم بالسفر بالعوائل إلى بلاد الكفار، لكي تنغرس فيهم تلك الأفكار وتلك المناظر التي تُفسدهم وهم في بلادهم.

    غض البصر عند المسافرين

    هل المسافرون اليوم على متن الطائرة يغضون أبصارهم إذا قامت المضيفة أمامهم؟ والعجب كل العجب أن تسمع ذلك المنادي يقول: نرجو توجيه النظر إلى ملاحي الكبينة، وهي مضيفة، هو يقول: نرجو توجيه النظر، والله يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] والطاعة لمن في هذه الحالة؟ وتجده ينظر بغير حاجة إلى المضيفة.

    حال نسائنا المسافرات إلى الخارج

    ويحدث من التكشف من نسائنا في الطائرات المسافرة إلى الخارج ما تعلمون عنه كثيراً.

    أقلعت طائرة من مطار داخلي إلى الخارج؛ فإذا بالسواد الذي كان يجلل أجساد النساء المسلمات في الطائرة ينقلب إلى ألوان مختلفة، وزينات بأنواعها على الوجوه والأجساد، فترجع الطائرة كأنك لا تعرف أن هؤلاء الناس هم الذين أقلعوا قبل قليل من ذلك المطار، بعد فترة قال قائد الطائرة: لقد تعطلت الطائرة وسوف نضطر إلى الرجوع إلى مطار داخلي فرجعت الطائرة إلى المطار الداخلي فرجعت النساء إلى دورات المياه ليرتدين الزي مرة أخرى، أليست مهزلة؟!!

    هل هؤلاء يؤمنون أن رب هذا البلد هو رب تلك البلاد؟!!

    أسألكم بالله ما هو موقفنا نحن من نسائنا؟ وماذا يحدث لنا عند الله؟ ماذا سيكون مصيرنا ونحن ساكتون؟ وبعض النساء يضغطن على أزواجهن، يقلن: نحن نريد السفر، لماذا العائلة الفلانية سافرت؟ هل هم أحسن منا؟! حتى تخرجه إلى السفر، وقد لا يريد الخروج لكن تحت ضغط الزوجة؛ فتعس عبد الزوجة.

    الخوف من الله في السفر

    المشركون في الماضي عندما كانوا يركبون البحر إذا اضطربت بهم الأمواج رجعوا إلى الله، حتى يأتون إلى البر فيشركون مرة أخرى.

    أقلعت طائرة من الطائرات فجلس إنسان نحسبه ممن يخاف الله يقرأ في المصحف، وبجانبه رجلان من كبار السن مع الأسف يذكرون مفاتن المضيفات اللاتي يمررن أمامهم، وفي الخلف شباب تائهون يصفقون ويزمرون ويغنون ويلهون، والطائرة بين السماء والأرض إذ خسف الله بها في لحظة واحدة، بعد فترة ارتجت الطائرة، قال قائد الطائرة: هناك خلل فني، وبدأت الطائرة تضطرب وتموج، سكت الناس الذين يطبلون ويزمرون كأن على رءوسهم الطير، الجميع في وجوم، الخطر محدق، كف أولئك عن النظر إلى المضيفات، وواحد منهم خطف المصحف من يد صاحبنا وجعل يقرأ فيه، وبعد فترة استقرت الطائرة، وقال القائد: لقد استطعنا إصلاح الخلل، بعد فترة وجيزة أرجع ذلك الرجل المصحف إلى صاحب المصحف، وجلس يتكلم عن مفاتن المضيفات، ورجع الشباب في الخلف يطبلون ويزمرون ويغنون، ولما تصل الطائرة إلى الأرض بعد.

    أي ضعف في الدين ذلك الذي يعشعش في تلك النفوس الخاوية من ذكر الله، أين أذكار السفر؟! أين التدبر فيها؟!!

    اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر لكي لا نعلم من بعد علم شيئاً.

    اللهم متعنا بأسماعنا وقواتنا وأبصارنا أبداً ما أبقيتنا، واجعلها عاملة في طاعتك يا رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755923704