أيها الإخوة! حديثنا في هذه الليلة عن موضوع عظيم من موضوعات العقيدة والإيمان، التي ينبغي أن يهتز له شعور كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر؛ لأن الكلام في أساسيات العقيدة من المواضيع الهامة جداً بالنسبة للإنسان المسلم؛ لأنها تبين الطريق، وترسم الأهداف، وتحيط المسلم علماً بأشياء هامة يحتاج إليها لكي يصحح العقيدة والعمل، وفي هذا الموضوع الذي سنتكلم عنه الليلة: كيف نحب النبي صلى الله عليه وسلم؟
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها، معناها، وأهميتها، واجباتها، ومستلزماتها، وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
هذا الموضوع -أيها الإخوة- على درجة عظيمة من الحساسية، لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة، بين الإفراط والتفريط، هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله، ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئاً جديداً، ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته.
ولذلك وضع الشرع معياراً يعرف فيه المسلم كيف يتذوق حلاوة الإيمان، هذا المعيار وهذا المدار الذي تدور عليه حلاوة الإيمان والإحساس بها، هو محبة الله ورسوله، ولذلك يقول أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) رواه البخاري. وهذا تأكيد لما جاء في الآية.
ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أركان العقيدة الأساسية، ويقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: إن حلاوة الإيمان لا توجد إلا بتكميل هذه المحبة بثلاثة أمور، حتى يجد المسلم حلاوة الإيمان، فإيمان بعض المسلمين بارد، ولذلك لا يستشعرون له طعماً ولا مذاقاً، ولا يحسون به وجوداً مطلقا، وذلك لأنهم فقدوا حلاوة هذا الإيمان وطلاوته، يقول رحمه الله: تكميل هذه المحبة أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ليس المقصود أصل الحب فقط، ليس المقصود فقط أن نحب، لا، وإنما موافقة ما يحبه المحبوب، وكره ما يكرهه المحبوب؛ لأن بعض المسلمين يحبون الله ورسوله، لكن لا يحبون الله ورسوله أكثر من باقي الأشياء، فعندهم أصل المحبة، لكنها محبة ناقصة غير كاملة، ولذلك تحدث المعاصي والآثام والانحرافات عن شرع الله تعالى.
أولاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وثانياً: تفريع هذه المحبة وهو: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله؛ لأن محبة محبوب المحبوب من تمام محبة المحبوب، إذا كنت تحب إنساناً فلابد أن تحب من يحبه هذا الإنسان، إذا كنت صادقاً في محبته، فإذا كنت تحب الله ورسوله، فلابد أن تحب ما يحبه الله ورسوله، وهذا من تفريع المحبة، والثالث: دفع ضد هذه المحبة، وهي: أن يكره المسلم ضد الإيمان، وهو الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
وكذلك قال القرطبي رحمه الله: كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيماناً صحيحاً، لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة، غير أن الناس متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى، كان مستغرقاً في الشهوات، محجوباً في الغفلات في أكثر الأوقات، هؤلاء الناس يتفاوتون، ليس كل الناس يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم على مرتبة واحدة، ومحبته صلى الله عليه وسلم كما ذكره الحافظ رحمه الله في الفتح على قسمين: فرض، وندب، فالفرض هو: المحبة التي تبعث على امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم والانتهاء عن المعاصي التي انتهى عنها، والندب: أن يواظب المسلم على النوافل، ويجتنب الوقوع في الشبهات، بعض الناس قد يفعل الواجبات وينتهي عن المحرمات، هل هذا هو الكمال؟ لا. هناك مراتب أعلى منها: أن يحافظ أيضاً على النوافل والمستحبات، وأن يبتعد عن الشبهات، والمتصف بذلك عموماً نادر.
وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين) حديث صحيح. لا يكتمل إيمان أحدكم حتى أكون أحب إليه، أي: أشد حباً من حب هذا الرجل لولده ووالده والناس أجمعين.
قال عمر بن الخطاب : (يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي) -قال: بصراحة يا رسول الله أنا أحبك أكثر من أي شيء إلا من نفسي، أنا أحب نفسي أكثر منك- (فقال صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك -لا يكتمل إيمانك يا
عمر بن الخطاب في حقيقة الأمر يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه، لو أن عمر والرسول صلى الله عليه وسلم كانا في موقف، بحيث أنه لابد أن يقتل أحدهما لينجو الآخر، فالظن بـعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سيقدم نفسه فداءً له عليه الصلاة والسلام، وهذا ما كان يحصل منه في المعارك، لكن عمر كان في تلك اللحظة غافلاً عن هذه المسألة وغير منتبه، أو كان يجهل هذه المسألة، فلما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم الصواب، بادر فوراً إلى الإذعان وإلى تقرير الحقيقة التي رسخت في نفسه، أو أنه قد ذهب عنه ذهوله عن هذه الحقيقة فأظهرها، فقال: أنت يا رسول الله أحب إلي من نفسي.
قال ابن حجر رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: وفيه فضيلة التفكر؛ لأن الإنسان قد يكون في حقيقة الأمر يحب الله ورسوله أكثر من أي شيء، لكن في الواقع الذي يمارس فيه الأشياء قد يكون يحب أشياء أكثر من الله ورسوله، فعندما يفكر هذا الرجل هل أنا أحب الله ورسوله أكثر أم الوظيفة أم الزوجة أم الولد؟
حينما يفكر يصل إلى نتيجة، هذا يدل على أهمية التفكر في هذه القضايا، عندما يواجه الإنسان المسلم أمراً يحبه جداً، فليسأل نفسه هذا السؤال: هل أنا أحب الله ورسوله أكثر أم أحب هذه القضية؟ هذا التفكير يقوده للإيمان بهذه المسألة.
قال ابن القيم رحمه الله: فلما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة. كل واحد يقول: أنا أحب الرسول صلى الله عليه وسلم، هات الدليل على صدق ما تدعي من المحبة، ما هو الدليل؟ يقول ابن القيم رحمه الله: فجاءت هذه الآية قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] قل: إن كنتم تحبون الله فعلاً فاتبعوني، الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس (فاتبعوني) اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يحببكم الله.
إذاً ما هو الدليل أيها الإخوة؟ ما هي البينة التي تقدم شاهد عدل على محبة الإنسان لله ورسوله؟ إنها الاتباع، اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ولذلك كان من أحب شيئاً آثره على نفسه، وآثر موافقة المحبوب على شهوات وتطلعات ورغبات النفس، وإلا لو لم تحصل هذه الحالة لم يكن صادقاً في حبه، لذلك يقول ابن القيم في النونية :
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في إمكان |
إن الرسول صلى الله عليه وسلم عادى الشيطان وأهل الشر والبدعة والفساد، والفواحش بجميع أنواعها، ثم أنت أيها المسلم الذي تدعي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تقدم وتصادق وتواد من حاد رسول الله وعاداه، وتدعي حباً له ما ذاك في إمكانِ، مستحيل أن يحصل.
لذلك كان تحقيق المحبة مسألة صعبة المنال، لكنها ليست مستحيلة، يمكن تحقيقها لمن صدق ما عاهد الله عليه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] فالبداية أيها الإخوة موضوع الطاعة، طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر الأدلة على محبته، اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على أهواء النفس علامة كبيرة من العلامات الدالة على صدق المحبة، الرضا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحكيم شرع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما شجر بين الناس من أنواع الخلافات، وترك الاعتراض عليه صلى الله عليه وسلم فيما حكم لنا أو علينا، هذه من قواعد الطاعة الأساسية، وامتثال أوامره واجتناب زواجره، وقبول نصحه صلى الله عليه وسلم.
كان صحابة رسول الله أمرهم عجيب جداً في تحقيق هذا الجانب، كان انقيادهم له صلى الله عليه وسلم عجباً من العجب، ومضرب الأمثال، لذلك يقول أحد الصحابة، لما قدم من البادية، دخل المدينة ولم يكن يعرف من هو الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول هذا جابر بن سليم رضي الله عنه: دخلت المدينة فرأيت رجلاً -انظروا للوصف أيها الإخوة في الحديث الصحيح- يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟! -تعجب الرجل هذا لحال الجالس، من هذا الرجل الذي كلما قال أمراً تبعه الناس، قال لهم: اذهبوا ذهبوا، تعالوا جاءوا، لا تفعلوا لم يفعلوا، من هذا الرجل الذي يصدر الناس عن رأيه؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الأعرابي الصحابي قدم لنا هذه الصورة الحية لمجتمع الصحابة كيف كانوا ينقادون لأوامر نبيهم عليه الصلاة والسلام.
ولذلك كما يقول ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين : كان السلف إذا عرفوا أن الرسول نهى عن أمر، لا يقولون: هل هذا نهي تحريم أو نهي كراهة.
لا يسألونه يقولون: هذا محرم أو مكروه، الآن كثير من الناس الذين يسألون عندما يأتي ويسألك فتقول له: إن رسول الله نهى عن هذا، أو إن هذا الأمر لا ينبغي فعله، فيقول لك: وضح لي، حرام أو مكروه، فإذا قلت له: حرام ربما يستجيب، وإذا قلت له: مكروه، يقول: إذاً الحمد لله، في سعة نفعل هذا الشيء.
ما كان حال السلف إذا أخبروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأمر يقولون: هل هذا الأمر واجب أو مستحب؟ ويحرصون على المعرفة لكي يخرجوا بعد ذلك بفعل الواجب وترك المستحب، ما كانت هذه حالة السلف ، متى علموا أن الرسول أمر بأمر بادروا بالتنفيذ، سواء كان أمر وجوب أو أمر استحباب، إذا علموا أن الرسول نهى عن أمر كانوا يبادرون للانتهاء عنه، ولا يفرقون بين محرم ومكروه، لا يفرقون في العمل.
هذه التفرقة هي التي دفعت بالناس إلى هذا الواقع المخزي؛ لأن الذي يتنازل عن السنن -أيها الإخوة- سيأتي عليه اليوم الذي يتنازل فيه عن الواجبات، والذي يفعل المكروهات سيأتي عليه اليوم الذي يفعل فيه المحرمات، إن للدين سياجاً يحوطه ويحميه، المستحبات تحمي الواجبات، والمكروهات تحمي المحرمات، سياج وسور، حمى يحمي هذا الدين.
وبالإضافة -أيها الإخوة- لهذه المسألة فإن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تظهر بجلاء إذا اتبعت المستحب من سنته، أكثر مما تظهر المحبة عندما تتبع الواجب من سنته فقط؛ لأن أكثر الناس قد يتبعون الواجب، لكن القلة هم الذين يتبعون المستحب، ولذلك كثير من الناس عندما تأتي وتناقشه في أمر من الأمور، فتقول له: إن هذا الأمر واجب، فيقول: لا يا أخي ليس واجباً هذا سنة، اللحية مثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها، فيقول لك: لا. هذه سنة، على فرض أنها كانت سنة، افرض جدلاً أنها سنة، لماذا لا تطبق؟
يا إخواني! أهل السوء الآن عندما يقتدون بالفجار والكفرة، هؤلاء المغنين والممثلين لهم قدوات في قطاعات كبيرة في مجتمعات المسلمين، فترى الناس يقلدون المغني أو الممثل في أدق الجزئيات، فيجعل تسريحة شعره مثل تسريحة شعر المغني، ووضع الجيوب في القميص والبنطلون، كوضع جيوب هذا المغني والممثل، وشكل الثوب والنعال ولون القميص، وكيفية الياقة وما شابه ذلك مثل المغني بالضبط يقلدونه، أليس كذلك؟
لنكن واقعيين أليست هذه هي الحالة؟
لو ظهرت موضة بين النساء، مجلة نشرت صور أزياء، ترى نساء المسلمين يتهافتن على التقيد الشديد بها، حتى أن إحداهن تعيب الأخرى لأنها خالفت جزئية من جزئيات تصميم الثوب، أليس كذلك؟ تقول لها: لا. هذا ليس مثل الموضة، هذا فيه اختلاف في الكم والأزرار.
يا إخواني! إذا كان هذا حال التعساء والمغرورين، الذين غرهم الشيطان، إذا كان هذا حالهم مع الفجرة والقدوات السيئة، أفلا يكون حالنا نحن مع رسولنا صلى الله عليه وسلم القدوة المثلى والعليا التي أمرنا الله بالاقتداء به، أفلا يكون حالنا معه أن نتأسى ونقتدي بسنته في كل صغيرة وكبيرة، أليس كذلك؟ ألا يجب هذا؟
نعم. ولكنهم في غفلة، ولكن الناس يظلمون أنفسهم، يقلد الكفرة في أدق الأشياء، عندما تقول له: هذا من فعل الرسول، يقول لك: هذه سنة وأنا لست ملزماً بها، عجباً لأحوال المسلمين، ولهذا الابتعاد والإعراض: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
الله أرسل إلينا الرسول أيها الإخوة لكي نقول: نأخذ منه هذا وندع هذا، وهذه جزئية وقشور وأمور تافهة وجانبية، هل هذا ينم عن محبة صادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ينبغي أن نتنبه لمثل هذا يا إخواني، وعلى الدعاة إلى الله بالشكل الأخص أن يقتدوا برسول الله في الكبيرة والصغيرة، والواجب والمستحب، حتى تظهر محبتهم له عليه الصلاة والسلام، وإلا فقل لي بربك ما الفرق بينهم وبين عامة الناس؟
والاقتداء به عليه الصلاة والسلام عامٌ، سواء كان في الأمور الشاقة أو في الأمور البسيطة، لو فعل رسول الله أمراً شاقاً على النفس كالقيام إلى صلاة الفجر مثلاً، فيجب علينا أن نقوم لصلاة الفجر ونتوضأ، حتى ولو كان الجو بارداً والماء بارداً، ينبغي أن نقوم ونسبغ الوضوء على المكاره، ونقوم إلى المساجد لصلاة الفجر، إذا كنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو الحال في هذا الجانب، فإن اتباع رخصه عليه الصلاة والسلام، والأخذ بالرخص التي ترخص بها صلى الله عليه وسلم هو أيضاً من الأمور الواجبة، فالذي يقول مثلاً: أنا ما أقصر في صلاة السفر، لا آخذ بالرخصة، فنقول له: أنت مخطئ، وأنت على شفا هلكة وعلى ضلالة، إذا نبذت الرخصة، لاعتقادك بأنك أنت لا تفعلها، وإنما هي خاصة بالرسول.
وانظروا إلى هذا الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها عند الشيخين : (صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ترخص فيه، فتنزه عنه قوم -قالوا: لا. نحن لسنا كالرسول لا نترخص- فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه -قام يخطب في الناس- ثم قال: ما بال قوم يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) أنا أخشى الناس لله، يقول عليه الصلاة والسلام، لو كان هذا الأمر من خشية الله لفعلته، ولو كان واجباً لما تركته، فنقتدي أيها الإخوة بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأشياء، سواء كانت عزيمة أو كانت رخصة، سواء كان أمراً شاقاً أم صعباً، سهلاً أم عسيراً، نقتدي به عليه السلام، لا نفرق، لا نقول: نأخذ بالأصعب، ولا نقول: نأخذ بالأسهل، لا، نأخذ بما فعل الرسول، سواء كان سهلاً أو صعباً.
وكثيرٌ من المسلمين لا يدركون هذه القاعدة، ولذلك ترى الضلال، إما مذهب متشددين من الخوارج ، وإما متساهلون متميعون من عامة المسلمين اليوم، الزم السنة سواء كان أمراً عسيراً أم يسيراً، الحج عسير فيه جهاد وإنفاق أموال وتعب، تذهب وتجاهد بنفسك، وقصر الصلاة في السفر، وجمع الصلاتين مع بعضهما، والمسح على الخفين والجوربين من الأمور السهلة والرخص التي أتى بها عليه السلام، تتبع السنة، الزم غرزه عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال بعض العلماء: من ترك القصر في صلاة السفر، فقد أساء وتعدى وظلم نفسه.
وكذلك يشمل الإكثار لذكره، الإكثار من الاطلاع وقراءة وتلاوة سيرته عليه الصلاة والسلام، وأخباره وصفته ومعيشته وأحواله وأخلاقه.
أيها الإخوة! الناس اليوم عندما يحبون ممثلاً من الممثلين، أو مغنياً من المغنين، أو سافلاً أو سافلة من السافلات والساقطات، يشترون الكتب والأفلام التي تتكلم عن حياة هؤلاء الناس مهما عظمت قيمتها، أليس كذلك؟
يأخذون شريطاً يتكلم عن حياة اللاعب الفلاني وأهم الأهداف التي سجلها، وكتاباً عن حياة المغني والممثل الفلاني من ميلاده إلى وفاته، ويقرءونها بإعجاب عجيب، وأخلاق رسول الله، وشمائله، وسيرته، وأخباره، وفضائله، مهجورة لا يكاد يطلع عليه إلا النزر اليسير من المسلمين، هل هذه محبة؟ وهل هذا صدق؟ وهل هذا إخلاص؟ هل نحن صادقون فعلاً؟
يقولون: غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه، كانوا يمنون أنفسهم بلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقدمون إلى المدينة ، نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتمنى لقاءه في الجنة، نسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، نحن مشتاقون إليه عليه الصلاة والسلام اشتياقاً عظيماً نسأل الله من وراء هذا الاشتياق أن يرزقنا مرافقته في الجنة.
وكان صحابة رسول الله إذا ذكروه خشعوا واقشعرت جلودهم وانقبضت أنفسهم حسرة عليه، وكانوا إذا تذكروه بكوا من شدة الفراق، وكذلك كان حال كثير من التابعين كما سيمر معنا.
وقد أحب الصحابة رضوان الله عليهم نبيهم إلى درجة عجيبة، حتى أنهم كانوا يحبون الأشياء المباحة التي كان عليه الصلاة والسلام يحبها، حتى ولو لم يأمر الشرع بالاقتداء به عليه الصلاة والسلام فيها، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب بعض الأكلات مثلاً، ليس من السنة أن نحب الأكلات التي يحبها الرسول؛ لأن هذه قضايا تعتمد على المحبة الطبيعية، كل واحد له ذوقه في الطعام، لكن مع ذلك بعض الصحابة كانوا يدققون في محبته، لدرجة أنهم كانوا يحبون الأشياء، أو الأكل الذي كان يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره (أن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام، قال
سبحان الله العظيم! هذه قضية الأكل، قضية أذواق خاصة بالناس كل واحد يتذوق، العجيب أن أنساً رضي الله عنه نزل في نفسه محبة القرع لما شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم يحب القرع، انظر إلى ما وصلت إليه المحبة.
ولذلك أيها الإخوة! من الردة عن الإسلام سب الرسول صلى الله عليه وسلم، والحد هو القتل، تصور لو أن إنساناً سب رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه في الشرع أن يقتل، أن يجز عنقه، وابن تيمية رحمه الله له كتاب عظيم القدر، جليل الشأن، في هذه المسألة: الصارم المسلول على شاتم الرسول ، يوضح فيه بالأدلة القاطعة أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتل مباشرة، لابد أن يقتل.
وانظر معي إلى هذا الرجل من الصحابة عبد الله بن عبد الله بن أبي ، عبد الله بن أبي هذا كان رأس النفاق، كان له ولد اسمه عبد الله أيضاً، كان من فضلاء الصحابة، عبد الله بن أبي الأب المنافق كان يكره الرسول ويبغضه بغضاً شديداً ويعاديه، ماذا قال الولد للرسول صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله! لو شئت لأتيتك برأسه -أقطع رأس أبي وآتي به إليك- من الذي يفعل هذا ويقدم على هذا العمل؟ إنها المحبة التي وقرت في نفس هذا الصحابي.
كذلك من الأشياء التي أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمال ينبغي أن نحبها نحن ونواظب عليها، فمثلاً يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف) في صحيح الجامع.
ولذلك كره العلماء رفع الصوت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عند قراءة حديثه وسيرته، وعند سماع القرآن وتفسير الفرقان؛ لأن القرآن الذي أتى به عليه السلام، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كان من سنة السلف أنهم كانوا يخفضون أصواتهم وينصتون عندما تقرأ عليهم الأحاديث؛ لأن من احترام الرجل احترام حديثه، ومن احترام الرسول صلى الله عليه وسلم احترام حديثه، وعدم مقاطعة الحديث، وخفض الصوت، والإنصات للمحدث الذي يقرأ الحديث، قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63].
ومرة من المرات ناظر أبو جعفر الخليفة مالكاً الفقيه العلامة الثقة المحدث، ناظره في المسجد النبوي، أي: مناقشة، فقال مالك للخليفة: لا ترفع صوتك يا أمير المؤمنين في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوماً، فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2]ومدح قوماً فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى [الحجرات:3] وذم قوماً فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات:4] وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر ، نزل عند نصح الإمام مالك.
ولذلك الصحابة كانوا يحترمون الرسول أيما احترام، فكان باب بيته صلى الله عليه وسلم يقرع بالأظافير كما ورد في الحديث الصحيح، حتى باب بيت الرسول ما كانوا يطرقونه طرقاً، كانوا يضربون عليه بالأظافير، انظروا إلى الحساسية المرهفة التي تعامل فيها الصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: هذه المحبة الزائدة عن محبة بقية المسلمين، إذا كان الرجل تقياً معظماً لحرمات الله.
ولما احتضر بلال رضي الله عنه ونزل به الموت، لما نادته امرأته وا حزناه! ماذا كان يقول بلال ؟ يقول: [وا طرباه! غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه] كان الصحابة عند فراش الموت يشتاقون، فالمرأة حزينة والصحابي فرح؛ لأنه بعد قليل سيذهب ليلقى الرسول صلى الله عليه وسلم إن شاء الله، صححه الربعي في كتابه وصايا العلماء .
وكذلك روى البخاري رحمه الله في حديث الحديبية هذه الغزوة المشهورة والفتح المبين كلاماً نعرفه جميعاً، لكن عندما تفكر في الكلام هذا تجد المسألة في غاية العجب، عروة بن مسعود قبل أن يسلم بعثه أهل مكة ليتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويصالحه، فجعل عروة يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال عروة يصف كيف كان وضع الصحابة مع الرسول: فوالله ما تنخم محمد نخامة -النخامة ما يخرج من أقصى الحلق من البصاق- إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه -كل واحد يريد أن يأخذ الزائد من وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم من الماء الذي توضأ به- وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده -تكلم الرسول سكت الجميع، كل الجيش ألف وأربعمائة صحابي، إذا تكلم الرسول خطيباً فيهم سكت الجميع فوراً لا يحتاجون إلى تسكيت، ولا إلى نداءات بالسكوت يسكتون فوراً- ولا يحدون إليه النظر تعظيماً له، لا ينظر الواحد في الرسول صلى الله عليه وسلم مدة طويلة، لا يحد النظر إليه.
فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم! والله لقد وفدت على كل الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله ما إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون النظر إليه تعظيماً له.
نسأل أنفسنا سؤالاً، لو كنا عند الرسول -أيها الإخوة- وتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصق، هل كنا سنتقاتل على هذا البصاق الذي يخرج منه لنأخذه وندلك به جلودنا؟
فكر معي يا أخي هذه المنزلة ليست بسيطة، لكن محبة أصحاب الرسول لرسولهم صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة! آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت، هذه الآثار كانت عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً، أو ما بقي منها مع الصحابة بعد موته، لكن الآن آثاره صلى الله عليه وسلم فقدت، ويصعب نسبتها إليه عليه السلام، أي: بعض الناس يقولون: في تركيا هناك شعرة وسيف، لكن ليس بمؤكد نسبتها له صلى الله عليه وسلم، فلذلك لا يجوز التبرك بشيء منها بعد موته، مادمنا غير متأكدين من أنها له عليه الصلاة والسلام.
شرط التبرك، التبرك هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط، لا يجوز التبرك بأي أثر من الآثار إلا أثر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانت نسبته إلى الرسول صحيحة، فلابد أن تكون نسبة الأثر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة، حتى يجوز التبرك به.
روى الترمذي ، وهو في صحيح الشمائل المحمدية عن أنس قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من التراب، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
الصحابة رأوا الدنيا مظلمة في أعينهم لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات: أنهم كانوا كالشياه في الليلة الظلماء المطيرة، تفرقوا لا يلوي أحدٌ على أحد، من عظم المصيبة التي وقعت عليهم بفراق محبوبهم.
ولذلك كانت المصيبة في الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم المصائب، أعظم مصيبة في الدنيا ممكن أن تقع لإنسان هي المصيبة التي حصلت بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام موجهاً الأمة: (إذا أصابت أحدكم مصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب) أي: إذا مات لك عزيز وقريب، وصاحب عزيز عليك، حتى تخفف من وقع المصيبة ماذا تفعل؟
تتذكر المصيبة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فتهون عليك مصيبتك، أيهما أكثر مصيبة وفاة المعلم الذي كان يعلم الناس ويرشدهم أم وفاة هذا الرجل؟
فلذلك هذا إرشاد نبوي لكل إنسان وقعت له مصيبة أن يتذكر مصيبته كمسلم هو به صلى الله عليه وسلم.
اسمعوا معي، قال مالك رحمه الله لما سئل عن أيوب السختياني ، من كبار علماء السلف قال: ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه، وحج حجتين وكنت أرمقه ولا أسمع منه -أي أن مالكاً في البداية ما كان يسمع من أيوب، حتى حصل موقف، ما هو الموقف؟- أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، يبكي أيوب حتى أن مالكاً رحمه الله يرحم أيوب من شدة البكاء، فلما رأيت منه ما رأيت، وإجلاله النبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه، أخذ الحديث عنه.
وجاء في بعض الكتب أن الزهري رحمه الله كان من أهنأ الناس، أي: من ألطف الناس في العشرة وأقربهم في المودة، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه لا يعرفك ولا تعرفه، مع أنه كان من أشد الناس مودة وحسن تعامل.
وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس الموجودين في المجلس بالسكوت، وقال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله حياً.
وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ينحني ويتغير لونه، أي: هو يجلس فلما يذكره صلى الله عليه وسلم ينحني في جلوسه ويتغير لونه.
ولقد كنت أرى جعفر بن محمد ، وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر لونه، وما رأيته يحدث عن رسول الله إلا على طهارة.
وقال مالك : جاء رجل إلى ابن المسيب فسأله عن حديث وهو مضطجع، فجلس وحدثه، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعنى -أي: لا تتعب نفسك- فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله وأنا مضطجع.
وكان مالك إذا حدث عن رسول الله فعل أشياء عجيبة، واسمع معي إلى هذه القصة: كان طلبة العلم إذا جاءوا لـمالك رحمه لله يطرقون الباب، خرجت إليهم الجارية التي عند مالك ، فتقول لهم: يقول لكم الشيخ: تريدون الحديث أو المسائل؟ -تريدون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم تريدون مسائل فقهية، إذا صار كذا ما هو الحكم، وإذا صار كذا ما هو الحكم- فإذا قالوا: المسائل، خرج إليهم مالك مباشرة بثيابه العادية وأفتاهم، وإن قالوا: نريد الحديث، دخل مغتسله فاغتسل، وتطيب، ولبس ثياباً جدداً، وتعمم، ووضع رداءه على رأسه، وتبخر، فيخرج إليهم وعليه الخشوع، ولا يزال حتى يفرغ من حديث رسول الله، فقيل لـمالك في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله، ولا أحدث به إلا على طهارة.
هؤلاء علماؤنا -أيها الإخوة- هكذا كانت محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه المحبة تدفعهم إلى تعظيم حديثه، ومن خالف سنته عليه السلام فهو ناقص المحبة، ولكن لا يجوز لنا أن نقول لإنسان عاصٍ -هذه نقطة مهمة- أنت لا تحب الرسول مطلقاً، وليس في قلبك أي ذرة من ذرات محبة الرسول، لا، بدليل أن الرجل الذي جاء وقد شرب الخمر وهو النعيمان ، وكان يضحك رسول الله، كان هذا الرجل يلف على الأسواق، فينظر الشيء الظريف والذي فيه ظرافة، فيأخذه من البائع ويأتي به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا رسول الله! أنا أحببت أن أهديك هذا الشيء الظريف، فالرسول صلى الله عليه وسلم يسر، فبعد قليل يأتي البائع للرسول، فيقول: يا رسول الله! أعطني ثمن هذا، فيقول النعيمان : أنا أخذته وأهديتك إياه، لكني حولته عليك أنت تدفع له.
هذا الرجل حصل معه في مرة من المرات ضعف نفس، فشرب الخمر، فأوتي به ليجلد، فسبه بعض الصحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي لعنه: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) أي: إذا كان الرجل مسلماً لكن عنده معصية، فاسق، لا نقول له: أنت لا تحب الرسول بالكلية، وليس عندك ذرة من المحبة للرسول، لا، ولكن نترفق بهذا الرجل، وننصحه، ونغلظ عليه إذا احتاج الإغلاظ، لكن لا ننفي عنه المحبة نهائياً؛ لأنه إذا كان الرجل لا يحب الرسول نهائياً، فمعناه أنه قد خرج عن الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله.
ومحبة رسول الله -أيها الإخوة- عبادة من العبادات، وما هو الشرط في كل عبادة؟
أولاً: أن تكون خالصة لوجه الله، ثانياً: أن تكون على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي عبادة لابد أن يكون فيها هذا، فإذا خرجت العبادة عن أحد هذين الحدين، فقد صارت مردودة على صاحبها.
ولذلك أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على رجل أشد النكير، عندما جاءه فراجعه في بعض الكلام فقال: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني مع الله عدلاً، لا، بل ما شاء الله وحده) أو: (أجعلتني لله نداً) حتى وإن كان يحب الرسول، لا يجوز أن يقول: ما شاء الله وشئت، للرسول، هذا من الشرك الأصغر، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر الأمة أن يرفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها، فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسوله).
انظر إلى هذا النهي عن الإطراء، لا نرفع الرسول مع محبتنا له عليه الصلاة والسلام فوق المنزلة التي أنزله الله إياها، وعندما تأتي إلى المشركين ممن يدعون الإسلام، تجد لهم أقوالاً عجيبة، ومن أمثلتها أيها الإخوة: هذه القصيدة المعروفة بنهج البردة، الذي يقول قائلها وناظمها، يقول فيها:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم |
ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم |
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل: يا زلة القدم |
ما رأيكم بهذا الشعر؟ هذا الشعر الذي يقول فيه الشاعر: يا رسول الله! أنا عند نزول المصيبة عليّ مالي غيرك ألوذ به، ولا غيرك أستغيث به، ويوم القيامة إذا عرق الناس وصاروا في الأهوال، إذا ما أخذت بيدي يا رسول الله! فقل: يا زلة القدم.
ثم يقول:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم |
ما هي ضرة الدنيا؟ الآخرة، يقول: يا رسول الله! الدنيا والآخرة كلها من جودك بالذي فيها، ومن علومك يا رسول الله علم اللوح والقلم، فماذا بقي لعلم الله إذا كان من علم الرسول علم اللوح والقلم؟
هذه القصيدة التي تقرأ اليوم في الموالد التي يزعم أصحابها أنهم يحبون رسول الله، هذا الضلال والشرك الذي يرفضه رسول الله رفضاً شديداً، وحذر الأمة منه تحذيراً شديداً، ووقع فيه بعض أفراد أمته، وتكلف بعض الناس تكلفات باردة في تأويل مقاصد صاحب القصيدة، فقالوا: ومن علومك، أي: يقصد الله عز وجل، وليس فيها إشارة واحدة إلى أنه يقصد الله، لأن السياق كله يأتي في مدح الرسول، وقس على ذلك أيضاً من التكلفات في التأويل التي لم يقصدها صاحبها أصلاً.
وهذا الرجل الآخر الذي يقول في منظومته:
يا سيدي يا رسول الله يا أملي يا موئلي يا ملاذي يوم يلقاني |
هبني بجاهك ما قدمت من زلل جوداً ورجح بفضل منك ميزاني |
يطلب من الرسول أن يرجح ميزانه، وأن يغفر له خطاياه جوداً منه، ثم يقول:
واسمع دعائي واكشف ما يساورني من الخطوب ونفس كل أحزاني |
إني دعوتك من نيابتي برع وأنت أسمع من يدعوه ذو شان |
فامنع جنابي وأكرمني وصل نسبي برحمة وكرامات وغفران |
وصل به الحد إلى أنه يطلب من الرسول الكرامات والغفران ومنع الجناب، وهذه الأشياء التي ليست إلا لله عز وجل، ويقول أيضاً:
وحل عقدة كربي يا محمد من همٍ على خطرات القلب مطرد |
أرجوك في سكرات الموت تشهدني كي ما يهون إذ الأنفاس في صعد |
يقول: يا رسول الله! تعال أشهدني عند الموت حتى تتسهل أحوالي، وحتى تخرج روحي بسهولة
وإن نزلت ضريحاً لا أنيس به فكن أنيس وحيد فيه منفرد |
فكن يا رسول الله أنيسي في قبري.
وارحم مؤلفها عبد الرحيم ومن يليه من أجله وانعشه وافتقد |
وإن دعا فأجبه واحم جانبه من حاسد شامت أو ظالم نكد |
ماذا أبقى هذا الرجل لله عز وجل؟ إذا كان الرسول هو الذي يؤنس الوحشة في القبر، ويثقل الميزان، ويغفر الخطايا، ويحمي من الشرور، فإذاً فما الذي لله عز وجل؟
أيها الإخوة! نحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم، لكننا نرفض بشدة أي محاولة للغلو فيه، ورفعه فوق منزلته، بل إن من الإزراء به رفعه فوق منزلته، الرسول يقول: إنه لا يملك ضراً ولا نفعاً، ويطلب من الناس أن يلوذوا بالله عند حلول المصائب، فمن الإزراء به عليه السلام أن تلجأ إليه أو كما يفعل الجهلة الآن من يطوف بقبره، ومن يمسح الحديد الذي على قبره، ومن يدعوه من دون الله، ومن يقيم الموالد التي تتلى فيها مثل هذه القصائد الشركية، وحتى إذا ما تليت فإن إقامتها في هذا اليوم الذي يزعمون أن إقامة المولد في هذا اليوم من القربات، إنما هو بدعة من البدع، ما فعلها أحب الناس إليه عليه الصلاة والسلام، لا فاطمة ولا علي ولا الحسن ولا الحسين ولا الصحابة ما فعلوا هذا، هل نحن نحب الرسول أكثر من الصحابة؟ إذاً فلم الابتداع في الدين؟
وهؤلاء الجهلة من غلاة الصوفية الذين يقول عنهم المناوي -وفيه شيء من التصوف- يقول في كتابه: قال العارف المرسي : والله لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. يقول هذا الصوفي: أنا أشاهد الرسول حياً بجسده دائماً، ولو حجب الرسول عني لحظة واحدة ما عددت نفسي من المسلمين، ثم يقول أيضاً: والله ما صافحت بهذه اليد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هؤلاء ربما فعلاً رأوا أحداً وصافحوه، ولكن من يكون؟ شيطان تمثل لهم فضحك عليهم وأغواهم، وصافحهم على أنه الرسول، وهؤلاء الجهلة صدقوه، وزادوا في ضلالهم وطغيانهم، ومنهم من يزعم أنه تلقى الحكم الفلاني من الرسول، وأنه شاهد الرسول بعينه وجلس معه، وناقش معه أحوال الناس ومشاكلهم، وأنه أخذ أحاديث من الرسول ما أخذها الصحابة، وأشياء عجيبة جداً، سببها الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحقيقة -أيها الإخوة- أن هنا مسألة يجب الانتباه إليها، أنه في غمرة ردودنا على أهل التصوف وأهل البدع، قد يصل بنا الحال إلى نوع من الجفاء؛ لأننا غالباً عندما نخاطب هؤلاء الناس نقول لهم: لا تطروني، والأحاديث التي تنهى عن الغلو، و.. وإلى آخره، لكننا ننسى أن نذكر أنفسنا بمثل هذه الأحاديث التي توضح محبة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، مثل هذا الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم) منزلة عظيمة، يقول في الحديث الصحيح أيضاً: (أشد أمتي لي حباً قوم يكونون بعدي، يود أحدهم أنه فقد أهله وماله وأنه رآني) يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ناس هذه صفتهم: يود أحدهم لو فقد أهله وماله وأنه رآني.
فإذاً أيها الإخوة: حق بين باطلين، محبة قلبيه حارة، وفي نفس الوقت لا غلو ولا جفاء، هذه من الأمور المهمة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يحبون رسول الله حق المحبة، وأن يرزقنا شفاعته، وأن يرزقنا الالتقاء به في جنة الفردوس، وأن يرزقنا الأخذ بسنته صغيرها وكبيرها، ونسأله سبحانه وتعالى أن ينعم علينا وعليكم باتباع طريقة رسول الله ظاهراً وباطناً.
الجواب: يقول الشيخ ابن باز : لو كانت هذا التقاويم هي عبارة عن تقاويم فقط، أي: ما عليها دعاية ولا صورة للبنك مثلاً فاستعمالها لا حرج فيه، حتى ولو طبعوها بأموال الربا؛ لأنها تعتبر من المال الضائع الذي لا صاحب له، فلا بأس من الاستفادة منها، أما إذا كانت تحمل شعار البنك وصورة لمبناه، ودعاية للأشياء التي فيه، فعند ذلك لا تستعمل وتجتنب.
الجواب: هذا السؤال عرض على الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز ، فكان جواب الشيخ ابن عثيمين : أما قول: سيد، هذه لا تجوز مطلقاً أن تكتب له السيد، على الظرف أو على الرسالة، وخصوصاً الذين يطبعون فواتير وأشياء من هذا القبيل، ينتبهون لهذا الأمر؛ لأن فيه حديثاً صحيحاً (لا تقولوا: للمنافق سيد) ويلحق به الكفار والفجار، لا نقول: السيد، هؤلاء الذين يطبعون ويكتبون الرسائل لا يجوز لهم بأي حال من الأحوال، أن يخاطب الرجل الكافر فيكتب إليه: السيد فلان؛ لأنه يسخط الله عز وجل إن فعل هذا.
توقير أهل الكفر أصلاً غير وارد في شريعة الإسلام، إلا إن كان من باب الدعوة إلى الله، فنجعل له من الاحترام ما يرغبه ويجذبه، فيقول الشيخ: ابن باز : فأما إذا صار حاجة إلى هذا، فلا بأس من كتابة: المكرم فلان الفلاني المحترم، ويقصد الكاتب بقلبه المكرم عند قومه الكفرة، المحترم عند قومه الكفرة، لا المكرم عندي كمسلم أو عند المسلمين، ولا المكرم عندي أو عند المسلمين، وإنما أكتب إذا اضطررت إلى هذا المكرم أو المحترم عند الكفرة من بني جنسه، أما لفظة السيد فلا يلجأ إليها مطلقاً، يقول الشيخ: ابن عثيمين : ولا حتى للمسلم، لا يقال عنه السيد، ربما لأن هناك حديثاً صحيحاً يقول صلى الله عليه وسلم: (السيد الله) أي: السيد الذي له السيادة الحقيقية الكاملة هو الله عز وجل، فالله عز وجل هو السيد.
الجواب: يقول الشيخ: ابن باز حفظه الله مجيباً على هذا السؤال: إذا صار هذا التغير المتصل بالعادة، ليس المنفصل عنها بأيام أو يوم، ليس متصلاً بها، أي: أن الدماء تنزل وراء بعض، إذا كان هذا التغير الذي طرأ قد أصبح عادة لها دائماً يأتيها بهذا الشكل بعد أخذ الحبوب أو وضع هذه الأشياء صار التغير هذا دائماً، وصار جزءاً من عادتها، صارت متوعدة أن العادة قد صارت يومين، فصارت بعدما أخذت الحبوب دائماً تزيد يومين، فعند ذلك صارت ملحقة بالعادة فصارت من العادة، أما إن كان اختلافاً عن دم الحيض وما كان عادة لها، في شهر يأتي وفي شهر لا يأتي، فعند ذلك لا يعتبر من دم العادة، وتصلي وتعتبر هذا الدم من الاستحاضة.
الجواب: فيقول الشيخ: ابن باز مجيباً على هذا السؤال: لا حرج إن شاء الله، وإن كان ليس هو الأفضل، لكن لا حرج في الصلاة في هذا المسجد.
الجواب: يقول الشيخ: ابن باز : الظاهر أنه يقطعها؛ لأن صلاة الجنازة تفوت، أما صلاة السنة فلا تفوت، فلذلك لا حرج في قطعها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر