السابع: خيار لاختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في قدر الثمن تحالفا، فيحلف البائع أولاً: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، ولكل الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر، فإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها، فإن اختلفا في صفتها فقول مشتر، وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً، وإن اختلفا في أجل أو شرط فقول من ينفعه، وإن اختلفا في عين المبيع تحالفا وبطل البيع، وإن أتى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض والثمن عين نصب عدل يقبض منهما ويسلم البيع ثم الثمن، وإن كان ديناً حالا أجبر بائع ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس، وإن كان غائباً في البلد حجر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره، وإن كان غائباً بعيداً عنها والمشتري معسر فللبائع الفسخ].
تقدم لنا ما يتعلق بخيار الغبن، وذكرنا تعريفه في اللغة والاصطلاح، وهل هو محصور في صور معددة، أو أنه ليس محصوراً وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الغبن إنما هو في ثلاث صور: في تلقي الركبان، وزيادة الناجش، والمسترسل، وذكرنا الرأي الثاني في هذه المسألة.
كذلك أيضاً تقدم لنا خيار التدليس، وذكرنا تعريفه وأن التدليس ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تدليس العيب.
والقسم الثاني: التدليس الذي تحصل به زيادة الثمن، وذلك كأن يُظهر الرديء بمظهر الجيد، والجيد بمظهر الأجود وهكذا.
وأيضاً سبق لنا ما يتعلق بخيار العيب، وذكرنا تعريفه في اللغة والاصطلاح، وما هو ضابط ما يكون عيباً، وإذا اختلف المتعاقدان عند من حصل العيب، وأن هذه المسألة لها ثلاثة أقسام، وكيف يُقدر الأرش بالعيب.
قال المؤلف رحمه الله: (السادس: خيار في البيع بتخبير الثمن).
هذا القسم السادس من أقسام الخيارات.
قول المؤلف رحمه الله تعالى: (بتخبير الثمن متى بان أقل أو أكثر) ذكرنا أن قوله: (أكثر) هذه اللفظة ليست في الأصل في المقنع وكذلك أيضاً ليست موجودة في الكتب المعتمدة كالإقناع، والمنتهى، ولا الإنصاف، ولأن هذه اللفظة لا يترتب عليها حكم إذا بان أكثر كما سيأتي إن شاء الله، لكن يترتب الحكم إذا بان أن ما أخبر به أقل.
فخيار التخبير بالثمن أن يخبر البائع بثمن السلعة للمشتري، ثم بعد ذلك يتبين له أن الثمن أقل مما أخبر به البائع فهنا يثبت الخيار للمشتري كما سيأتي إن شاء الله، فقوله: (أكثر) لا يترتب عليه فسخ.
هذه صور التخبير بالثمن، وهي أربع صور:
مثال ذلك، قال له: بعني السيارة، قال: بعت السيارة برأس مالي، كم رأس ماله؟ قال: رأس ماله عشرة آلاف ريال، المشتري إذا قيل له برأس المال هل يُماكس أو لا يماكس؟ لا يماكس، ويُقدم على الشراء؛ لأنه يعرف أنه رابح مادام أنه سيشتري برأس المال، وأن البائع ما ربح عليه شيئاً، فهو الآن سيدخل مدخل البائع ولهذا سميت تولية؛ لأنه يوليه ما تولاه من الشراء برأس المال.
فالبائع الآن، قال: بعتك برأس مالي، كم رأس المال؟ رأس المال عشرة آلاف ريال، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن رأس المال أقل وأنه تسعة آلاف ريال، هنا المشهور من المذهب أنه إذا تبين أنه الأقل أن العقد لازم ما فيه فسخ، ويُلزم البائع بأن يدفع الزائد للمشتري، فهما اتفقا الآن على رأس المال، وكذب البائع قال: رأس المال عشرة آلاف، وتبين أن البيع ليس بعشرة آلاف وإنما هو بتسعة آلاف، فنقول: يجب عليك أيها البائع أن تعطي المشتري الزائد، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
والرأي الثاني في هذه المسألة: أن المشتري مخير بين الفسخ والإمضاء، وسبق أن ذكرنا في هذا قاعدة: أن من غش أو دلس فإنه يُعامل بأضيق الأمرين، فإن كان البائع قد غش وكذب نعامله بأضيق الأمرين، فنقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن تأخذ الزائد الذي زاده البائع وتُمسك، وإما أن تفسخ، وترد السلعة وتأخذ الثمن.
الشركة: وهي بيع بعض السلعة بقسطها من الثمن.
مثال ذلك قال: بعت عليك نصف هذه السيارة برأس مالها، بكم اشتريت السيارة؟ قال: أنا اشتريت السيارة بعشرة آلاف ريال، كم يكون النصف؟ يكون بخمسة آلاف ريال، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن البائع قد اشتراها بتسعة آلاف، تبين أنه قد اشتراها بأقل.
يعني هو قال: بعتك هذه السلعة برأس مالها، ورأس مالها خمسة آلاف لأنني قد اشتريتها بعشرة آلاف، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن البائع قد اشتراها بتسعة آلاف، فهذا كما تقدم في الخلاف، هل نُلزم البائع بأن يحط الزائد ويكون العقد لازماً؟ أو نقول بأن المشتري له الخيار بين الفسخ والإمضاء.
الصواب في هذه المسألة: إن كان البائع قد غلط فالمشهور من المذهب أنه يُحط الزائد فقط، وإن كان غش ودلس وكذب، نقول: نعامله بأضيق الأمرين، فنجعل الخيار للمشتري، نقول للمشتري: أنت بالخيار، إن شئت أن تأخذ الزائد الذي زاده البائع، وإن شئت أن تفسخ وترد الثمن، أي ترد السلعة وتأخذ الثمن.
المرابحة: هي أن يبيعه برأس ماله وربح معلوم.
مثال ذلك قال: بعتك السيارة برأس مالها، وأربح واحداً بالمائة، كم رأس مالها؟ رأس مالها عشرة آلاف ريال، وواحد بالمائة كم يساوي؟ مائة ريال، أنا أبيعك برأس مالها وواحد بالمائة، ثم بعد ذلك يتبين للمشتري أن البائع قد اشتراها بأقل، كالخلاف كما سلف.
قال المؤلف رحمه الله: (ولابد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال)، لابد في جميع الصور السابقة من أن يعرف المشتري وكذلك أيضاً البائع رأس المال؛ لأن ذلك شرط لصحة البيع.
هنا العلماء رحمهم الله احتاطوا للمشتري لئلا يدخل عليه التدليس والغرر؛ لأن البائع لو قال: برأس مالي يُقدم أو لا يُقدم؟ يُقدم، هنا صور البائع صادقاً أنه باع برأس ماله مع ذلك نثبت الخيار للمشتري، وهو صادق أنه باعه برأس ماله، لكنه في هذه الحالة مع أنه صادق أي: باعه برأس ماله لكن هناك صور يجب أن يبينها للمشتري، ولهذا احتاط العلماء رحمهم الله لجانب المشتري؛ لأن المشتري إذا قيل له برأس المال فإنه سيُقدم وسيشتري؛ فلكي لا يدخل عليه الغرر احتاط له العلماء رحمهم الله، ولهذا قال: (وإن اشترى بثمن مؤجل)، يعني هو قال: أبيعك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة آلاف، هو صادق أنه اشترى بعشرة آلاف لكن ما اشتراها نقداً، بل اشتراها بثمن مؤجل، وإذا اشترى بثمن مؤجل سيزيد في السعر، الواجب عليه أنه يبين هذا للمشتري، لما قال: بعتك برأس مالي لابد أن يقول: إنه اشترى بثمن مؤجل؛ لأنه لاشك إذا كان الثمن مؤجلاً أنه سيكون هناك زيادة، فلابد أن يبين ذلك لكي لا يدخل الغرر على المشتري، فهو صادق أنه اشترى برأس ماله، لكنه اشترى بثمن مؤجل، والتأجيل هذا سيكون سبباً لزيادة ثمن السعر.
الآن، تبين للمشتري أن البائع قد اشتراه بثمن مؤجل، هي قد تكون حاضرة بتسعة، لكن شراها مؤجلة بعشرة آلاف، فالمشهور من المذهب أن الثمن يؤجل على البائع، كما أن البائع اشترى بثمن مؤجل لمدة سنة نقول: المشتري.
لا يجب عليه أن يدفع الثمن حاضراً للبائع بل يؤجل عليه؛ لأنه هكذا دخل، وهذا هو المشهور من المذهب.
والرأي الثاني: وهو ظاهر ما مشى عليه صاحب زاد المستنقع، أن المشتري بالخيار إذا تبين له أن الثمن مؤجل له الحق بالفسخ أو الإمضاء، لكن المذهب أن الثمن يؤجل على البائع كما أنه اشتراه مؤجلاً.
قال: أنا أبيعك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة، هو صادق أن رأس ماله عشرة، لكن تبين أنه اشترى السيارة من أبيه، فإذا كان اشتراها من أبيه سيُحابي أباه أو لا يُحابي أباه؟ الغالب أنه يحابي أباه ويزيد أباه بالثمن، فلابد أن يبين ذلك للمشتري، يقول: أنا اشتريتها من أبي، لكي يكون داخلاً على بصيرة، وعلى هذا نقول: المشتري له الخيار في الفسخ أو الإمضاء.
والرأي الثاني: أننا ننظر إن كانت حصلت محاباة فيثبت الخيار، أما إذا ما حصلت محاباة، فنقول: الأصل أن العقد لازم لو باعه، لو اشترى من أبيه بمثل الثمن.
اشترى بأكثر من ثمنه حيلة، يعني: السيارة قيمتها عشرة آلاف، فاشتراها باثني عشر ألفاً لكي يبيعها مرابحة باثني عشر ألفاً، ثم بعد ذلك يرجع على البائع.
فهذا زيد اشترى السلعة من عمرو بعشرة آلاف ريال، وزاده ألفين، قيمتها ثمانية وقد اتفق زيد مع عمرو أنه يزيد ألفين لكي يبيع مرابحة ويكسب هذين الألفين، لكي يبيع تولية، فتكون هذان الألفان بين زيد وعمرو، الآن زيد بكم اشتراها في الظاهر؟ اشتراها بعشرة آلاف، لكن في الباطن كم ثمنها؟ ثمانية آلاف، فيأتيه صالح ويقول: أنا أبيعك برأس مالي تولية، كم رأس مالك؟ يقول: أنا اشتريت من عمرو بعشرة آلاف، فيبيعه بعشرة آلاف وهو في الحقيقة ما اشتراها بثمانية آلاف لكنه زاد هذين الألفين حيلة على المشتري.
فالحيل لا تُسقط الواجبات ولا تُبيح المحرمات، فنقول: إن هذا محرم ولا يجوز، وإذا تبين للمشتري أنه فعل ذلك فله الخيار، بل نقول: نعامله بأضيق الأمرين، الخيار بين الإمساك والرد، أو نقول: ما زاده حيلة إذا اختار أن يمضي، أو أن يمسك السلعة، نقول: ما زاده حيلة فإنه يأخذه من البائع.
قوله: (أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن)، ولنفرض أن الصفقة كتب، والبائع باع نصف الكتب، هو اشتراها بعشرة آلاف ريال بقي النصف الآخر، النصف الثاني جاءه المشتري وقال: أبيعك برأس مالي هذا النصف الثاني، كم رأس مالك؟ رأس مالي خمسة آلاف وهو صادق، لكنه لم يبين، الواجب عليه أن يبين أنه قد اشترى السلعة بعشرة آلاف، وأنه باع النصف الأول وبقي النصف الثاني وإلا هو صادق، النصف الثاني قيمته خمسة آلاف الواجب عليه أن يبين ذلك.
فإذا لم يبين ذلك وتبين للمشتري أنه باعه بعض الصفقة بقسطها من الثمن، يثبت له الخيار بين الإمساك والرد، وكما ذكرنا في القاعدة: أن كل من غش أو دلس نعامله بأضيق الأمرين، فإذا تبين للمشتري أنه قد كذب عليه نقول: بأننا نعامله بأضيق الأمرين بين الإمساك والرد، أو أنه يمسك ويأخذ الزائد.
ما يُزاد في الثمن، أو يُحط منه في مدة الخيار لو أن البائع باعه السيارة بعشرة آلاف، وهما في خيار المجلس، قال البائع: لا، ما يكفي عشرة آلاف زدني، لا أرضى إلا بأحد عشر ألفاً، المشتري رضي وقال: اشتريت بأحد عشر ألفاً، إذا أراد المشتري أن يبيعها تولية هل يقول: اشتريتها بعشرة آلاف أو يقول: اشتريتها بأحد عشر ألفاً؟
يقول المؤلف: يقول: اشتريتها بأحد عشر ألفاً، ولهذا قال: وما يُزاد في ثمن في مدة خيار يُلحق برأس ماله ويُخبر به، إن قال: شريت بعشرة آلاف وزاد عليّ إلى أحد عشر ألفاً هذا أحسن لكنه ما يجب عليه، الواجب عليه إذا باعه تولية فإنه يقول: اشتريتها بأحد عشر ألفاً، وهو صحيح اشترى بأحد عشر ألفاً؛ لأن البائع إذا لم يعطِ المشتري أحد عشر ألفاً فإنه سيفسخ.
قوله: (وما يُزاد في ثمن أو يُحط منه يُلحق برأس ماله ويُخبر به).
(يُحط منه) أي: المشتري، اشترى بعشرة آلاف، فقال البائع: يكفي ثمانية آلاف وهما في خيار المجلس، أعطني ثمانية آلاف، الآن المشتري إذا أراد أن يبيعها تولية، هل يقول: بعت؟ هل يقول: اشتريت؟ إذا باعها بتولية قال: أنا بعتك برأس مالك؟ كم رأس مالك؟ هل يقول: عشرة آلاف أو يقول: ثمانية آلاف؟ نقول: يقول: ثمانية آلاف ما دام أنه في خيار المجلس أو خيار الشرط.
قوله: (أو يؤخذ أرشاً لعيب)، اشترى السيارة بعشرة آلاف ريال ثم وجد بها عيباً، العيب هذا قُدر بألف ريال، إذا أراد المشتري أن يبيعها تولية يقول: بعتك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة، طيب هل يجب أن يُخبر بأرش العيب أو لا يجب؟ نقول: يجب أن يخبر بأرش العيب؛ لأن هذا كالنقص في الثمن.
فيقول: اشتريت بعشرة آلاف ووجد فيها عيباً قُدر بألف، نعم قُدر بألف، إن رضي المشتري أن يشتري بعشرة آلاف له ذلك وإلا فإن رأس ماله أصبح تسعة آلاف.
قوله: (أو لجناية عليه يلحق برأس ماله ويخبر به)، ولنفرض أنه اشترى السيارة بعشرة آلاف، ثم بعد ذلك ضُربت السيارة، أو كُسرت زجاجتها ونحو ذلك، فأخذ أرشاً، أرش الجناية عليها قُدر بألف، إذا باعها المشتري تولية أو مرابحة أو مواضعة أو شركة، فيجب عليه أن يُخبر بحاله، وأنه اشتراها بعشرة وجُني عليها، أو صُدمت وقُدر الأرش بألف، فيكون ثمنها الحقيقي تسعة آلاف، وهذا كله إذا باعه تولية أو مرابحة.
أما لو باعه هكذا ما يجب عليه أن يخبر، فهذا كله من باب الاحتياط للمشتري لئلا يدخل عليه الغرر، فإنه لما قال له: برأس مالي ولم يماكس ويظن أن البائع لم يربح عليه، لكن لو أنه ما باعه تولية ولا شركة ولا مواضعة ولا مرابحة لا ما يجب عليه مثل هذه المسائل.
مثلاً لو اشترى السيارة هو شاري السيارة بعشرة آلاف، ثم قال: بعتك السيارة باثني عشر ألفاً وأخذ عليها أرش العيب ألفاً هذا كله ما يجب عليه أن يبينه، يقول له: تريدها باثني عشر ألفاً خذها باثني عشر ألفاً، تريدها بثلاثة عشر ألفاً خذها، لكن إذا كان فيها عيب يبين العيب، لكن بالنسبة للثمن لا يجب عليه أن يبين شيئاً.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلحق به، وإن أخبر بالحال فحسن).
إن كان بعد لزوم البيع لا يجب عليه الإخبار؛ لأنه بعد مضي زمن الخيارين لا يجب عليه أن يُخبر به، فمثلاً اشترى السيارة بعشرة آلاف، لما أراد أن يسدد للبائع قال البائع: أعطني ثمانية آلاف وبعد لزوم البيع ليس هناك خيار شرط ولا خيار مجلس، قال البائع: أعطني ثمانية آلاف، الآن المشتري إذا أراد أن يبيع تولية، هل يقول: رأس مالي عشرة آلاف أو ثمانية آلاف؟ يقول: عشرة آلاف؛ لأن هذا انحط بعد لزوم البيع.
ومثله أيضاً لو زاد، لو اشترى السيارة بعشرة آلاف وأراد أن يسدد للبائع، وقال للبائع: هذه عشرة آلاف وألف زيادة.
إذا أراد أن يبيع تولية هل يقول: بعتك برأس مالي، رأس مالي إحدى عشر ألفاً، أو رأس مالي عشرة آلاف؟ يقول: رأس مالي عشرة آلاف ولا يجوز له أنه يقول: رأس مالي أحد عشر ألفاً.
قوله: (وإن أخبر بالحال فحسن) يعني هذا أبلغ في الصفقة، إذا أخبر في الحال، قال: أنا اشتريته بعشرة آلاف والبائع أنقص ألفين، أو اشتريته بعشرة آلاف وزدت ألفاً يقول المؤلف رحمه الله: هذا أحسن، لكن مثل هذا بعد لزوم البيع، بعد مضي زمن الخيارين فلا يجب عليه أن يُخبر بالزيادة أو بالحط من الثمن.
والعلماء يذكرون صوراً لمثل هذه الأشياء التي يجب أن تُبين للمشتري لكي لا يدخله الغرر.
مثلاً لو اشترى السلعة لرغبة تخصه، مثلاً هناك بيت لشخص وبجانب بيته أرض، وهذه الأرض لصاحب البيت رغب في شرائها، إذا كان له رغبة يزيد في الثمن أو لا يزيد؟ يزيد، زاد في الثمن ولنفرض أن ثمنها عشرة آلاف، واشتراها لرغبة باثني عشر ألف، هو الآن اشتراها باثني عشر ألف لكن لرغبة خاصة به، ثم أراد أن يبيعها وزالت رغبته، وأراد أن يبيعها تولية يبين ذلك، يقول: أنا بعتك برأس مالي، اثني عشر ألفاً، هو صحيح دافع اثني عشر ألفاً، لكن زاد ألفين لأي شيء؟ من أجل الرغبة، لابد أن يبين ذلك، وإذا تبين للمشتري نقول: له الخيار.
ومثله أيضاً إذا اشتراها لموسم فات، ونحو ذلك من هذه الصور التي العادة أنه يُزاد فيها الثمن فإذا باع تولية لابد أن يبين مثل ذلك للمشتري.
هذا القسم السابع من أقسام الخيارات وهو فيما إذا اختلف المتبايعان، واختلاف المتبايعين له صور:
هذه الصورة الأولى أن يختلفا في قدر الثمن، البائع يقول: بعتك السيارة بعشرة، المشتري يقول: اشتريت بتسعة، هنا الآن اختلفا البائع يقول: بعشرة، والمشتري يقول: بتسعة، ما الحكم هنا؟
نقول: الحكم هنا أنهما يتحالفان، كيف يتحالفان؟ يعني يحلف كل من البائع والمشتري، ولابد في هذا التحالف من أمرين:
الأمر الأول: أن يجمع كل منهما في حلفه بين النفي والإثبات.
والأمر الثاني: أن يبدأ البائع ثم بعد ذلك المشتري.
فيبدأ البائع: والله ما بعته السيارة بتسعة وإنما بعته بعشرة، ولابد أن يجمع بين النفي والإثبات، ثم بعد ذلك يحلف المشتري: والله ما اشتريتها بعشرة وإنما اشتريتها بتسعة، إذا تحالفا فُسخ البيع، هذا المشهور عند المذهب، ولهذا قال المؤلف: (ولكل الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر) إن رضي البائع بقول المشتري، أو المشتري بقول البائع، البائع قال: أنا أرضى أنه اشترى بتسعة يلزم البيع، أو قال المشتري: أنا أرضى أنني اشتريتها بعشرة يلزم.
لكن إذا لم يرض كل واحد منهما، فنقول: بأنهما يتحالفان، وإذا تحالفا فُسخ البيع ورجع المشتري بثمنه والبائع بسلعته، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وهو رأي جمهور أهل العلم.
الرأي الثاني: أن القول قول البائع، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ويدل له حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اختلفا البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقوله رب السلعة أو يتتاركان )، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه البيهقي ؛ ولأن الأصل هو بقاء العقد.
الرأي الثالث: أن القول قول المشتري، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى؛ لأن البائع يدعي زيادة والمشتري يُنكرها، والقاعدة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فمادام البائع ما عنده بينة وهو يدعي الزيادة، والمشتري ينكر هذه الزيادة، فنقول: لابد من البينة، فإن لم يكن بينة فالقول قول المنكر مع يمينه.
لكن الأقرب في هذه المسألة والله أعلم هو الرأي الثاني، وأن القول قول البائع مادام أنه ورد في ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
قال رحمه الله تعالى: (فإن كانت السلعة تالفة رجع إلى قيمة مثلها).
سبق أن المؤلف رحمه الله قال: بأنهما يتحالفان ثم بعد ذلك يُفسخ العقد، ويرجع البائع بالسلعة والمشتري بالثمن، لكن لو كانت السلعة تالفة ولنفرض أن السلعة حيوان أكله المشتري أو خبز أكله المشتري، فنقول: يجب المثل في المثليات والقيمة في المتقومات، فمثل هذه السلعة ترد إلى البائع إذا لم يكن لها مثل فقيمتها ترد إلى البائع.
هذا النوع الثاني من أنواع الاختلاف، إذا اختلفا في صفتها فقول مشترٍ.
فمثلاً قال المشتري: بر متوسط، وقال البائع: لا، بل بر جيد، فمن القول قوله؟ يقول المؤلف رحمه الله: بأن القول قول المشتري؛ لأنه غارم، وهذه القاعدة على المذهب دائماً عندهم (القول قول الغارم).
قال المؤلف: (وإذا فُسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً).
قوله: (انفسخ ظاهراً)، وما معنى انفسخ ظاهراً؟ يعني في أحكام الدنيا، وهذه مسألة مهمة، إذا فُسخ العقد نقول بأنه ينفسخ في الظاهر يعني في أحكام الدنيا، بمعنى أنك يصح لك أن تعقد مع صاحب السلعة وقد يكون كاذباً.
فمثلاً، لو قال البائع: أنا بعت السيارة بعشرة، قال المشتري: لا أنا اشتريتها بتسعة ثم تحالفا وفُسخ العقد، هل يجوز أنك تشتري السيارة من البائع أو لا يجوز؟ نقول: يجوز؛ لأنه قد يكون كاذباً أو قد يغلب على ظنك أنه كاذب، نقول: مادام أن العقد فُسخ، ينفسخ ظاهراً بمعنى: أنه لك أن تعقد، ما تقول: والله هذا كاذب، نعم هذا كاذب ما نشتري منه؟ لا، يقول المؤلف رحمه الله: انفسخ في الظاهر يعني في أحكام الدنيا.
قوله: (وباطناً)، يعني في أحكام الآخرة، وهذا هو مذهب المالكية.
والرأي الثاني: أنه في حق الكاذب لا ينفسخ باطناً، يعني فيما بينه وبين الله عز وجل، لكن ينفسخ في الظاهر؛ لأن حكم القاضي يرفع الخلاف، لكن في الباطن نقول بأنه لا ينفسخ، ويبقى عليه إثمه وظلمه.
هذا النوع الثالث من أنواع الاختلافات: أن يختلفا في أجل أو شرط، قال المشتري: الثمن مؤجل، وقال البائع: لا، الثمن ليس مؤجلاً، فالقول قول البائع؛ لأن الأصل عدم التأجيل إلا إذا كان هناك بينات أو قرائن نرجع للبينات أو القرائن.
مثلاً إذا كان الثمن كثيراً، ومثل هذا الثمن لا يُبذل إلا إذا كان هناك تأجيل، فنقول بأن القول قول المشتري، دلت القرينة على ذلك.
قوله: (أو شرط)، قال المشتري: أنا اشترطت على البائع أن يغسل السيارة، قال البائع: لا أنت ما شرطت، فنقول: بأن القول قول من ينفي الشرط وهو البائع إلا إذا كان هناك قرينة، تؤيد ذلك كما لو كان هناك زيادة ثمن مقابل الغسل.
المهم إذا دلت القرائن والبينات نرجع للقرائن والبينات، ما دلت نرجع إلى الأصل، وأن الأصل قول من ينفي هذا الشرط وهذا الأجل.
هذا النوع الرابع من أنواع الاختلاف، إذا اختلفا في عين المبيع، قال البائع: بعتك هذه السيارة، قال المشتري: لا. أنا اشتريت هذه السيارة، فما الحكم هنا؟ يقول المؤلف رحمه الله: بأنهما يتحالفان، وهذا ما مشى عليه المؤلف رحمه الله، وهو في هذه المسألة خالف المشهور من المذهب، فعلى كلام المؤلف أنهما يتحالفان كما سلف، يحلف البائع ويحلف المشتري، ولابد أيضاً في الحلف أن يجمع كل منهما بين النفي والإثبات، ثم يفسخ العقد.
الرأي الثاني: وهو المذهب، أن القول قول البائع، فإذا قال البائع: أنا بعتك هذه السيارة البيضاء، فقال المشتري: لا، أنا اشتريت هذه السيارة السوداء، فالقول قول البائع، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، يقولون: لأنه الغارم.
النوع الخامس: إذا اختلفا المتبايعان في القبض والتسليم قال البائع: أعطني الثمن، قال المشتري: لا، أنت أعطني السلعة أولاً.
هذا الاختلاف تحته أقسام:
قوله: (وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى قبض العوض والثمن عين)، هذا القسم الأول أن يكون الثمن عيناً يعني معيناً ليس موصوفاً بل الثمن معين، كأن يقول: اشتريت منك هذه السيارة بهذه السيارة أو بهذه العشرة آلاف عينها، الآن الثمن عين وماذا نعمل؟ قال: (نصب عدل)، كيف نصب عدل؟ يعني نحتاج نذهب إلى المحكمة، ثم يقوم القاضي وينصب عدلاً، أي: شخصاً يقبض منهما يقول للبائع: أعطني السلعة، ويقول للمشتري: أعطني الثمن، ثم بعد ذلك يسلم المبيع أولاً للمشتري، ثم يسلم الثمن للبائع.
إذاً: إذا اختلفا وكان الثمن عيناً معيناً وماذا نحتاج هنا؟ نحتاج نذهب إلى القاضي في المحكمة، والقاضي ينصب عدلاً، والعدل يستلم السلعة والثمن، ثم يسلم كلاً منهما، يسلم المبيع للمشتري، ثم يسلم الثمن لمن؟ للبائع، وهذا العمل صعب، لو أن كل متبايعين يختلفان في التسليم والإقباض نحتاج أن نرجع إلى المحكمة والقاضي ينصب عدلاً، وهذا صعب جداً.
فالصواب في مثل هذه المسألة: أنه لا حاجة لمثل ذلك، ونقول: نرجع إلى العُرف، والمعروف عُرفا كالمشروط شرطاً، وما المعروف عند الناس؟ من الذي يسلم أولاً؟ المشتري وإلا البائع؟ البائع، هذا البائع يسلم يعطي السلعة ثم المشتري يعطيه الثمن.
فنقول: يجب على البائع أن يبدأ أولاً بتسليم السلعة ثم بعد ذلك المشتري يعطيه الثمن، فهذا يعطيه السلعة وهذا يعطيه الثمن، فالصواب في مثل هذا أنه لا حاجة لمثل ذلك وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو قول المالكية والشافعية، فنقول: يبدأ البائع بالتسليم أولاً ثم بعد ذلك يسلم المشتري؛ لأن المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً، وعلى هذا عمل الناس.
القسم الثاني قال: (وإن كان ديناً حالاً أُجبر بائع ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس).
هذا القسم الثاني أن يكون الثمن ديناً، وما معنى أن يكون ديناً؟ معناه موصوفاً ليس معيناً، مثلاً قال: اشتريت منك السيارة بعشرة آلاف، هذا الآن دين؛ لأنه موصوف، ما قال بهذه العشرة آلاف، إنما قال: بعشرة آلاف هذه موصوفة، وصف الثمن، أن قدره عشرة آلاف وأنه من الريالات السعودية، ما الحكم هنا؟
قال المؤلف: إذا كان ديناً حالاً وكان الثمن في المجلس، الثمن معه دين لكنه معه، يقول لك ما الحكم هنا؟ قال: أُجبر البائع ثم المشتري، أي: يجب أن يسلم البائع أولاً ثم بعد ذلك يسلم المشتري.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن كان غائباً في البلد حُجر عليه في المبيع، وبقية ماله حتى يحضره).
القسم الثالث: أن يكون الثمن ديناً، لكنه ليس موجوداً في المجلس، وإنما هو موجود في البلد، ما نقول هنا؟ يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (إن كان) ديناً (غائباً في البلد) أو دون مسافة قصر (حُجر عليه) على المشتري (في المبيع وبقية ماله حتى يحضره).
يحجر القاضي على المشتري فلا يتمكن أن يتصرف في الثمن، ولا يتمكن أن يتصرف في كل ماله حتى يحضر الثمن، ولا حاجة لمثل هذا، بل نقول: لا يجب على البائع أن يسلم حتى يحضر الثمن، إذا لم يحضر الثمن فله حق الفسخ، يُرفع الأمر للقاضي ويقوم القاضي بالحجر على المشتري.
ولنفرض أن المشتري عنده عشرة ملايين، واشترى كتاباً بعشرة ريالات والعشرة بالبيت، يحتاج أن القاضي يحجر على المشتري في العشرة وفي العشرة ملايين ما يتصرف فيها، حتى يحضر العشرة، هذا ما له حاجة لكن نقول: بأن المشتري لا يلزم بالتسليم حتى يحضر الثمن، فإذا أحضر الثمن، نقول: سلم أيها البائع، نقول البائع لا يلزم بالتسليم حتى يحضر المشتري الثمن فإذا أحضر الثمن نقول: سلم أيها البائع ثم سلم أيها المشتري.
قال المؤلف: (وإن كان غائباً بعيداً عنها، والمشتري معسر فللبائع الفسخ).
القسم الرابع: أن يكون الثمن ديناً، يعني موصوفاً بالذمة، وهو غائب عن البلد يعني مسافة قصر فأكثر، اشترى السيارة بعشرة آلاف ريال، أعطنا العشرة آلاف قال: العشرة آلاف في مكة. مادام أن الثمن دين موصوف وهو غائب الآن مسافة قصر فأكثر فنقول: بأن البائع له حق الفسخ؛ لأنه يتضرر.
قوله: (والمشتري معسر فللبائع الفسخ).
القسم الخامس: إذا ظهر أن المشتري معسر ما عنده شيء، اشترى الأرض بمائة ألف أعطنا المائة ألف، قال: والله أنا ما عندي شيء، أو عندي خمسون وأحضر خمسين بعد شهر، ما الحكم هنا: البائع له حق الفسخ، مادام أنه تبين أن المشتري معسر فنقول: بأن له حق الفسخ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر