الإيمان بالله شأنه عظيم، والناس فيه على أصناف، فمنهم المؤمنون الصادقون، الذين يعملون الصالحات، ويصبرون على المكاره في سبيل الله، ومنهم من يكون على شفى جرف هار، فإذا أوذي في الله ارتد على عقبيه وترك دين الله وعاد في الكفر، ومنهم أهل الشرك والكفر الذين يصدون المؤمنين عن الدين، بل ويعدونهم أن يحملوا ذنوبهم يوم القيامة إن هم ارتدوا عن دينهم، ولكن هيهات، فكل يحمل أوزاره وكل يحاسب على عمله، ويوم القيامة يجزون بما كانوا يعملون.
تفسير قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما...)
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن اليوم مع سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
هذه الآيات نزلت في سعد بن أبي وقاص الصاحب الجليل رضي الله عنه وأرضاه، كانت له أم بمكة وهي بنت سفيان بن أمية ولما دخل في الإسلام غضبت عليه، وقالت: كيف تترك دينك ودين آبائك وأجدادك، وتؤمن بهذا الدين الجديد؟ فإما أن ترجع إلى دينك وإما أني لا آكل ولا أشرب حتى أموت، وبالفعل امتنعت عن الأكل والشرب يوماً كاملاً، حتى فتحوا فاها بعود ليصبوا فيه بعض الطعام.
وجاء اليوم الثاني وقالت كذلك، وجاء اليوم الثالث فقالت: لا آكل ولا أشرب حتى تكفر بالدين الجديد، فقال لها سعد رضي الله عنه: يا أماه! لو يكون لك مائة نفس تموت نفساً بعد نفس ما رجعت عن ديني. فمن ثم أعلنت إسلامها وأكلت وشربت، والحمد لله. فنزل فيه هذا الكلام الإلهي وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ أي: كل إنسان وصيناه بما في هذه الآية عن طريق وصايا الأنبياء والرسل الأولين، ووصينا الإنسان وسعد من بين هؤلاء الناس بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا بأن يحسن إلى والديه.
وهذه وصية الله لي ولكم ولـسعد ولكل مؤمن ومؤمنة، ما من إنسان إلا وصاه الله بالإحسان إلى والديه.
ووجه الإحسان أو حقيقته: أن يطيعهما في غير معصية الله ورسوله، وأن يبرهما، ويقدم لهما ما يحتاجان إليه ويطلبانه من الخير، ولا يسيء إليهما أدنى إساءة ولو برفع الصوت، لا يرفع صوته على أمه أو أبيه، قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24].
وَإِنْ جَاهَدَاكَ أي: بذلا جهدهما في أن تعصي الله، وطلبا منك كما طلبت حمنة أم سعد بن أبي وقاص حين بذلت الجهد لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وهل هناك من يستحق أن يشرك مع الله؟
لكن من باب التعليم والتبصير والهداية: إن وجدت من يستحق أن يُعبد فاعبده مع الله، والله لا يوجد كائن يستحق أن يُعبد مع الله، كل الكائنات مخلوقات لله عز وجل، أحياها ويميتها ويحييها، يعطيها ويمنعها، فكيف يوجد فيها من يستحق العبادة معه؟
العبادة يستحقها من خلقك، من وهبك سمعك وبصرك، من أعطاك عقلك، من أوجد لك هذه الدنيا، من أوجد لك هذه النعم، ذاك الذي تعبده.
وهل يوجد غير الله؟ الجواب: لا لا، وإنما من باب التعليم الهادئ.
فَلا تُطِعْهُمَا لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، هذه قاعدة عامة: لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.
إذا قال لك مخلوق، سلطان أو إنسان، أو أم أو أب: لا تصل! فلا طاعة له. لا تصم! لا طاعة له. افجر! لا تطعه، إلا في حال واحدة وهي حال الإكراه بالحديد والنار، فقد يضع السكين على رقبتك: تكفر وإلا نذبحك؟ في هذه الحال يجوز لك على شرط أن يكون قلبك مطمئناً ساكناً بالإيمان؛ إذ قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] وحصل بالفعل لـياسر وعمار وسمية فقد كانوا يربطونهم في مكة ويعذبونهم ويضطهدونهم، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بـعمار وهو يقول: يا رسول الله أعطيهم؟ قال: أعطهم يا عمار .. أعطهم ما يقولون، يقولون له: سب محمداً صلى الله عليه وسلم. قال: أعطهم. ونزلت هذه الآية: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106].
يا من آمنتم بالله رباً وإلهاً، لا إله غيره ولا رب سواه!
يا من آمنتم بكتاب الله ولقاء الله!
يا من آمنتم برسل الله! اعملوا الصالحات! أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله في كل ما يأمران به وينهيان عنه، وأبشروا بأن الله أخبركم أنه سيدخلكم الجنة مع الصالحين.
ومعنى هذا -معاشر المستمعين- أن نثبت، سواء افتقرنا.. مرضنا.. عذّبنا.. اضطهدنا.. كيف ما كانت الأوضاع فعذاب الله أعظم وأشد.
نلزم باب الله ونستعصم بحبل الله حتى يتوفانا ولا نرتد على أعقابنا أبداً، ولا نكون كفلان كان يصلي، وكان يعبد الله.. فلما فقد الدينار والدرهم انتكس.. ترك الصلاة ورجع إلى الباطل والحرام مثلاً.
تفسير قوله تعالى: (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين)
فلهذا احذر -عبد الله- أن تبتدع بدعة أو تسن سنة من السنن المنكرة كأن تفتح دكاناً للتصوير.. استديو للتصوير.. فهذا حاله: أنا ضدك يا محمد يا رسول الله؛ لأنه سن سنة سيئة وابتدع بدعة وأوقع الناس فيها، فعليه وزر بدعته وعليه وزر كل من عمل بها.
تعرفون أن قابيل قتل هابيل ، فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قتل نفساً ظلماً فـقابيل يتحمل الإثم لأنه هو الذي سن القتل والعياذ بالله.
وهذا يدخل فيه الذي يفتح بنكاً للربا.. يفتح داراً للبغاء.. يفتح داراً للتصوير.. يفتح داراً للباطل والمنكر.. يتحملها.
نبرأ إلى الله من ذلك!!
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معنى الآيات
نسمعكم شرح الآيات من الكتاب.
قال: [ معنى الآيات:
هذه الآيات نزلت في شأن
سعد بن أبي وقاص
لما أسلم قالت له أمه
حمنة بنت سفيان
: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتُعيّر بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل ] بالظل [ فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء
أولاً: وجوب بر الوالدين في المعروف وعدم طاعتهما فيما هو منكر كالشرك والمعاصي]. وجوب طاعة الوالدين في المعروف، وحرمة طاعتهما فيما هو شرك وكفر وذنوب.
[ ثانياً: بشرى المؤمنين العاملين للصالحات بإدخالهم الجنة مع النبيين والصديقين ].
بشرى لكم سمعتموها أن الله يدخلكم الجنة مع الصالحين إن آمنتم حق الإيمان وعملتم الصالحات بهذا الشرط.
[ ثالثاً: ذم النفاق وكفر المنافقين وإن ادعوا الإيمان فما هم بمؤمنين ]. الذين يدعون الإيمان وقلوبهم فارغة، وإذا أتيحت لهم الفرصة للكفر أعلنوه، وإذا خافوا أخفوا الكفر هؤلاء منافقون والله مطلع عليهم.
[ رابعاً: تقرير مبدأ من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها كما في الحديث الصحيح ].
معاشر المستمعين والمستمعات نجتهد طول حياتنا ألا نبتدع بدعة وألا نسن سنة باطلة فنتحمل وزرها إلى يوم القيامة، ولكن نعمل الصالحات ونسن سنن الخير والمعروف فيقتدي الناس بنا، فنثاب على ذلك إلى يوم القيامة.