إسلام ويب

أهمية العقيدة ومصدر تلقيها عند السلفللشيخ : عبد الرحمن صالح المحمود

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المعلوم أن العقيدة هي المحرك الأول للصراع بين الأمم والحضارات، وبها تحافظ المجتمعات على هويتها وثقافتها واستقلالها، وتتميز عقيدة الإسلام عن تلك العقائد بكونها هي الحق الذي يتواءم مع الفطر السليمة، والعقول المستقيمة؛ لأنها ربانية المصدر، سهلة المأخذ، لا يشوبها غلو ولا جفاء، لذلك لا جرم إن كانت منجية في الدنيا من الاضطراب، وفي الآخرة من العذاب. وهذه العقيدة الصافية الصحيحة هي ما كان عليه الصحابة الأخيار، وسلف الأمة الأبرار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: أيها الإخوة في الله! حديثنا في هذه الليلة عن أهمية العقيدة، وعن مصدر تلقيها عند السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وأنتم تعلمون جميعاً أن العقيدة لها أثرها الكبير في حياة الإنسان وفي حياة الأمم، ولكن ما هي هذه العقيدة التي نتحدث عنها وعن أثرها، ونتحدث عن مصادر تلقيها وعن أهميتها؟ لقد التبست الأمور في هذه العصور المتأخرة، حتى صار كلٌ يدعي أنه على عقيدة صحيحة، وصار الناس كما قال الشاعر: وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك كل يدعي أنه على عقيدة، وأن عقيدته سليمة، وأن مصادرها صحيحة، ومن هنا -أيها الأخوة- فلا بد أن نبين بادئ ذي بدء ما هي العقيدة التي نتحدث عنها وعن أثرها، إنها عقيدة تتميز وتقوم على عدد من الأسس لابد من فهمها أولاً.

    أنها عقيدة السلف الصالح

    أولها: أنها عقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وليست عقيدة من خالفهم من أهل البدع من بين مشرق ومغرب، فهي عقيدة تمتد جذورها مع تاريخ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وينتهي تاريخ الأنبياء بمبعث الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالعقيدة والشريعة كاملة، وليبقى أتباعه إلى يوم القيامة على ذلك المنهاج القويم.

    أنها عقيدة قائمة على إخلاص العبادة لله وحده

    ثانياً: أنها عقيدة قائمة على إخلاص العبادة لله الواحد القهار، تقوم على أساس توحيد العبادة، فأساسها: هو لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله ليست كلمة يقولها الإنسان بلسانه وفقط، وإنما هي كلمة لما وزنت بالسماوات والأرض ثقلت عليها كما ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عقيدة تمحض العبادة لله الواحد القهار، وهي عقيدة ترفض العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، وترفض أن يُصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، ومن هنا قامت هذه العقيدة على أسس ثلاثة: على الخوف من الله، والرجاء في الله، والحب في الله، وإذا اجتمعت هذه الأمور في قلب العبد المؤمن صار لربه عابداً مخلصاً، أما إذا صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى اضطربت أحواله وانتكس، وهذه حقيقة لا شك فيها أيها الإخوة المؤمنون!

    أنها عقيدة تقوم على توحيد العبادة وتوحيد المتابعة

    ثالثاً: أنها عقيدة تقوم على توحيد العبادة، وهي قائمة على توحيد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة أن محمداً رسول الله، ومقتضاها أن هذا النبي الكريم هو رسول الله حقاً، ومن ثم فإن ما جاء به من القرآن أو من الحديث، أو من سنته العملية أو من سيرته الصحيحة: فهو شرع يجب أن يقتدي به المسلمون، ومن ثم كانت شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي أموراً كثيرة عظيمة لو تحققت في حياتنا -نحن المسلمين- لغرست في نفوسنا العقيدة السلمية؛ ولتحولت حياتنا إلى حياة أخرى غير ما نشاهده الآن، حيث نشاهد -نحن المسلمين- الأحداث من حولنا فيها الذل والتبعية، نعيش حياة الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، حتى أصبحنا كما أخبر عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، وفعلاً عددهم أكثر من ألف مليون مسلم، ولكنهم أمام أعدائهم غثاء كغثاء السيل!

    أنها عقيدة مرتبطة بالعمل

    رابعاً: أنها عقيدة لا يقولها الإنسان بلسانه فقط، وإنما هي عقيدة تنتقل إلى واقع عملي في حياته، ومن ثم فهي عقيدة تنبثق منها، شريعة شاملة ونظام حياة. ومن هنا كان هذا الانبثاق من هذه العقيدة عقيدة، لا كما يقول البعض: إن الشريعة تنقسم إلى عقيدة وإلى أحكام وفروع، بل نقول: إن كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدة تنبثق منها شريعة كاملة تنظم شئون الحياة من أولها إلى آخرها، فهي ليست عقيدة مختصة بالقلوب فقط، وليست عقيدة مستقرة بين الصدور فقط، وإنما هي عقيدة تتحول وتنطلق إلى عمل وإلى خلق وإلى عبادة وإلى ولاء وبراء وإلى جهاد في سبيل الله وإلى أعمال يسير فيها السائر والمهاجر إلى ربه سبحانه وتعالى، يسير فيها حياته كلها قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:162-163]، إي والله! فهي حياة تتحول عند المسلم إلى حياة طاعة وعبادة لله الواحد القهار. هذه العقيدة ليست كلاماً يقال ويدندن به فقط، وإنما هي أعمال تتحدث عن نفسها لتدل في النهاية على أن هذا الرجل صاحب عقيدة، وعلى أن هذا المجتمع مؤسس على عقيدة، وعلى أن هذه الأمة ربيت على عقيدة، لكن حينما تختلط الأوراق، ويشرئب النفاق، يجلجل البعض بصوته مدعياً، ولكن دعواه -حينما ينظر فيها من خلال الأعمال- يتبين أنها عكس ما يقول.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088038530

    عدد مرات الحفظ

    775331970