إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (210)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    عدد الطلقات التي تحسب على من عادت إليه مطلقته

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقاء جديد من لقاءات نور على الدرب.

    في هذا اللقاء يسرنا أن نعرض الأسئلة والاستفسارات على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    ====

    السؤال: وأولى رسائل هذه الحلقة رسالة وردتنا من المستمع (عبد الله . ن. س) من الدلم يقول فيها: أولاً: المرأة إذا طلقت طلقة واحدة أو طلقتين وعاد زوجها إليها بعقد جديد هل تحتسب عليه الطلقات السابقة؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فإن المطلقة إذا كانت رجعية وهي التي طلقت طلقة واحدة أو طلقتين على غير مال وقد دخل بها فإنها تعود إليه على بقية الطلاق، لا يبقى له إلا ما بقي من الثلاث، فإن كان طلقها واحدة عادت إلى طلقتين، وإن كان طلقها طلقتين عادت .. طلقة، لم يبق لها إلا طلقة، هذا هو الذي عليه أهل العلم.

    المقدم: وإذا طلقت بائناً ثم عاد إليها بعد زوج هل يحتسب عليه الطلاق السابق؟

    الشيخ: كذلك ولو عاد بعد نكاح من زوج آخر، إذا كان لم يطلقها إلا طلقة فإنها تعود عليه بطلقتين، وإن كان طلقها طلقتين تعود بطلقة؛ لأن الزوج الجديد لا يهدم الطلاق السابق إذا كان أقل من ثلاث، وإنما يهدمه إذا كان ثلاثاً، وأما إذا كان أقل من ثلاث فإنه لا يهدم البقية عند جمهور أهل العلم، بل ترجع إليه على ما بقي لها من الطلاق، حتى ولو كان بعد زوج.

    1.   

    بقاء وصف البكارة على المعقود عليها ولم يدخل بها

    السؤال: يسأل الأخ عبد الله أيضاً في رسالته ويقول: إذا طلقت البكر قبل الدخول، هل تكتب عند العقد عليها مرة ثانية لزوج ثاني، هل تكتب بكراً أم ثيباً؟

    الجواب: نعم، بكراً، إذا كان لم يدخل بها فهي بكر، والعقد الجديد الذي طرأ عليها وهو لم يدخل بها لا يخرجها عن بكارتها، فما دامت لم يدخل بها فهي على بكارتها.

    1.   

    حكم اشتراط المرأة على الزوج عدم الزواج عليها

    السؤال: يقول أيضاً: إذا شرط الولي على الزوج أن لا يتزوج على موليته ثم فعل، هل يحق للزوجة أن تطلب الفسخ بدون عوض؟

    الجواب: نعم، إذا شرط عليه أن لا يتزوج عليها فالشرط صحيح، على الأصح من أقوال أهل العلم، ولها الفسخ إذا تزوج عليها، وإن رضيت فالحمد لله.

    1.   

    حكم قصر الصلاة للحاج

    السؤال: في آخر رسالته يسأل أيضا ويقول: إذا كان الحاج قادماً لمدة طويلة إلى منى قبل أيام الحج وبقي فيها إلى نهاية الحج، هل يقصر الصلاة أم ماذا يفعل؟

    الجواب: إذا قدم الحاج قبل عرفة بأيام فإنه يفصل: فإن كان قبل خروجه إلى منى بأربعة أيام فأقل فإنه يقصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قدم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في اليوم الرابع -صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة- ولم يزل يقصر حتى سافر عليه الصلاة والسلام، أما إذا كان قدم قبل ذلك كالذي قدم في أول ذي الحجة أو قبل ذلك، فإن الجمهور على أنه يتم أربعاً ولا يقصر؛ لأنه قد أقام إقامة طويلة، فإن بينه وبين يوم التروية وهو يوم الصعود إلى منى بينه وبينه أيام أكثر من أربعة أيام، فعلى هذا يتم أربعاً عند جمهور أهل العلم.

    1.   

    حكم ترك رمي الجمرات أو بعضها

    السؤال: يقول أيضاً: إذا كان الحاج رمى في اليوم الأخير الجمرة الوسطى حصاتين معاً والجمرة الأخيرة حصاتين معاً، هل عليه فدية أم فديتان؟

    الجواب: فدية واحدة، الرمي كله لا يوجب إلا فدية واحدة، سواء إذا ترك الرمي كله أو ترك بعضه، فإذا ترك رمية جمرة واحدة من الجمرات الثلاث، أو ترك رمي يوم كامل كله ليس فيه إلا فدية واحدة، يتداخل بعضه في بعض، لكن ذكر العلماء أنه إذا كان المتروك حصاة واحدة أو حصاتين من الجمرة الأخيرة فإنه يعفى عنها عند جمع من أهل العلم، وإن ترك ثلاثاً لم يعف عن ذلك بل يكمل، فإن فات الوقت فعليه دم، وبكل حال فالجمار تتداخل فإذا تركه كله أو ترك رمي يوم من أيام التشريق غير اليوم الثالث، بأن ترك رمي الحادي عشر أو الثاني عشر، أو ترك جمرة واحدة يعني: سبع حصيات أو أربع حصيات أو خمس حصيات أو ثلاث حصيات فإن عليه دم.

    يلاحظ في مسألة الرمي أن الدم إنما يجب عند فوات الوقت، أما ما دام الوقت موجوداً فإنه يتمم، لكن لو كان فات الوقت بأن انتهت أيام منى ولم ينتبه إلا بعد ذلك فهذا هو محل الدم، أما لو نبه في أيام التشريق فإنه يرجع ويكمل ما فاته.

    1.   

    حكم الصلاة خلف العاصي والمسبل ثيابه

    السؤال: هذه رسالة وردتنا من السائل (م. ع) من القصيم بريدة، يقول فيها: سمعت فتوى بأن الصلاة تصح وتجوز خلف شارب الدخان وحالق لحيته ، ولكنها لا تصح ولا تجوز خلف المسبل، فوجدت حرجاً في نفسي إذا دخلت مكاناً فيه شخص مسبل فإنني لا أصلي خلفه حتى وإن كان في المسجد، ولا أصف وراءه ولا بجانبه، واستدل من أفتاني على هذا بأن هناك حديثاً يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل صلاة مسبل) أفيدونا أفادكم الله؟

    الجواب: الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم: أن العاصي تصح الصلاة خلفه كما تصح صلاته في نفسه، سواء كان العاصي شارب دخان، أو شارب خمر، أو مرابياً، أو عاقاً، أو مسبلاً أو غير ذلك، ولكن ينبغي للمؤمن أن يختار الإمام الصالح، إذا كان عنده مساجد يختار الإمام الصالح ويصلي خلف الإمام الصالح، فإن الصلاة خلفه أكمل وأتم، وأما صلاته خلف العاصي فهي صحيحة ولكن ينبغي أن لا يقر العاصي، ينبغي أن يسعى في إزالته إذا لم يقبل النصيحة، أولاً ينصح ويوجه إلى الخير، فإن هداه الله فالحمد لله، وإلا فينبغي الاتصال بمن له الأمر حتى يزال وحتى يعين من هو خير منه، أما الصلاة فصحيحة ولو خلف المسبل على الصحيح، فإن ما جاء من الوعيد في حق المسبل لا يمنع صحة صلاته، ولا يمنع صحة الصلاة خلفه، هو على كل حال لا يجوز له الإسبال لا في الصلاة ولا في خارجها، ولكن الصلاة خلفه صحيحة، وصلاته صحيحة لكنه آثم.

    المقدم: وهذا الحديث الذي سمعناه؟

    الشيخ: نعم، هذا الحديث رواه أبو داود وغيره ولا بأس به، ولكنه من باب الوعيد.

    1.   

    شمول مضاعفة الصلاة للحرم كله

    السؤال: هذه رسالة من السائل عبد الله سرور لم يذكر عنواناً يقول فيها: الصلاة في مكة وفي بيوتها هل هي مضاعفة مثل الصلاة عند الكعبة؟

    الجواب: نعم، الصواب أن المضاعفة تعم الحرم كله، حرم مكة، ولكن فعلها حول الكعبة يكون أفضل من جهة الجمع لكثرة الجمع، من جهة أنه محل متفق عليه من جهة الفضل، ولكن من جهة عموم المضاعفة فالصواب أنها تعم، تعم جميع مساجد مكة وحرم مكة كله إلى الأميال من حدود الحرم؛ لأن جميع الحرم يسمى المسجد الحرام، والصلاة فيه مضاعفة لكنها فيما حول الكعبة ومع الجماعة التي حول الكعبة مع الإمام الذي في المسجد الحرام نفسه يكون أفضل، ذلك أفضل وأكمل لقربه من الكعبة ولأنه محل متفق عليه، ولكثرة الجمع.

    1.   

    حكم المسح على الجوارب الخفيفة

    السؤال: يسأل أيضاً الأخ عبد الله سرور ويقول: ما حكم المسح على الجوارب الخفيف.

    الجواب: الجورب لابد أن يكون ساتراً صفيقاً، فإذا كان خفيفاً يرى من ورائه اللحم، يظهر من ورائه صفة اللحم هل هو أسود أو أحمر أو كذا، هذا لا يجوز المسح عليه؛ لأن حكمه حكم العدم، وجوده كعدمه، فلابد أن يكون الجورب ساتراً صفيقاً يستر ما تحته.

    1.   

    حكم نكاح أخت الزوجة المطلقة قبل انتهاء العدة

    السؤال: يسأل أيضاً ويقول: إذا كان عند شخص زوجة وطلقها فهل له أن ينكح أختها في عدتها، وإذا ماتت فهل له أن يتزوجها في الحال، أفيدونا أفادكم الله؟

    الجواب: إذا طلق امرأة فليس له نكاح أختها ولا عمتها ولا خالتها إلا بعد انتهاء العدة إن كانت رجعية وهذا بإجماع المسلمين؛ لأن الرجعية زوجة، أما إذا كانت طلاقاً بائناً كالطلقة الأخيرة من الثلاث، أو مطلقة على مال -المخلوعة- فهذا فيه خلاف، ولكن الأرجح أنه لا يتزوجها إلا بعد انتهاء عدة أختها، أو بنت أختها، أو بنت أخيها، أما إذا ماتت فهذا لا بأس يتزوجها ولو بعد يوم أو يومين من موتها، إذا الزوجة ماتت فقد انتهى الزواج بالموت، ففي هذه الحال لا حرج أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها في الحال، يعني من حين ماتت الزوجة.

    1.   

    من يلي الإمام عند اجتماع جنازة رجل وطفل وامرأة

    السؤال: يسأل أيضاً ويقول: إذا اجتمعت جنائز رجل وامرأة وطفل، فأيهما يقدم إلى الإمام؟

    الجواب: السنة أن يقدم إلى الإمام الرجل ثم الطفل الذكر، ثم المرأة، تكون المرأة إلى جهة القبلة، ويكون وسطها عند رأس الرجل حتى يكون موقف الإمام من الجميع موافقاً للسنة، فيوضع الرجل عند قرب الإمام، ثم يليه الطفل الذكر، ثم يليه المرأة، هذه السنة، تكون المرأة إلى جهة القبلة، والرجل يكون إلى جهة الإمام، ويكون وسط المرأة مساوياً لرأس الرجل.

    1.   

    حكم أخذ الراتب إذا كان من حرام

    السؤال: هذه رسالة وردتنا من السائل أحمد سالم العزب مشولي من أبناء باب المندب في الجمهورية العربية اليمنية، يقول في رسالته: السؤال الأول: كنت مدرساً للطلاب لتحفيظ القرآن الكريم في إحدى القرى المجاورة براتب شهري، والراتب يدفع لي من قبل آباء الطلبة، وبعد فترة قصيرة تبين لي بأن هذا الراتب من مال حرام، ومع علمي بهذا استمريت في الدراسة لمدة ستة أشهر، أرجو إفادتي ما حكم هذا الراتب الذي تقاضيته في هذه المدة، وهل لي أجر في هذه الدراسة أم لا؟

    الجواب: إذا علمت أنه من مال حرام فلا تأكله ولا تأخذه، والذي دخل عليك تصدق به على الفقراء أو يصرف في مشروع خيري، وإن أكلت السابق الذي لم تعلم به فأرجو ألا يكون عليك شيء؛ لأنك لم تعلم، والله يقول سبحانه وتعالى في المرابي: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275].

    فالذي دخل عليك قبل أن تعلم أرجو أن لا يكون عليك حرج منه؛ لأنك لم تعلم، وإن تصدقت بمقابله وسلمت منه فذلك أحوط لك، أما الذي علمته أنه حرام ثم أخذته فليس لك، بل يجب عليك أن تخرجه من مالك وتصرفه في بعض وجوه الخير مثل الصدقة على بعض الفقراء، ولا تعلمهم بشأنه، مثل: صرفه في تعمير بعض دورات المياه، مثل قضاء دين عن معسر عليه دين أو ما أشبه ذلك، ولا تأكله أنت؛ لأنك علمت أنه حرام، فليس لك أن تأكله، وأما أنت فمأجور إن شاء الله على تعليم القرآن، ولك أن تأخذ الأجرة على تعليم القرآن من بيت المال أو من الأهالي، وأنت على خير إن شاء الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ويقول: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) فالمعلم يباح له أخذ الأجرة على الصحيح، ولا حرج عليه وهو مأجور.

    1.   

    حكم دعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح لهم

    السؤال: له سؤال ثان يقول فيه: عندنا في بعض المناطق الريفية أناس يعتقدون في الأولياء حسب قولهم، فإذا مرض أي واحد منهم يقطعون من أذن الماعز أو الظأن ويقولون: يا فلان! أي: يدعون الميت أن يشفي هذا المريض، ويذبحون الذبائح ويطلبون أحد القراء يقرأ لهم المولد بعد أكل هذه الذبائح، وبعضهم يذبحون في المقابر، وبعضهم في بيوتهم من أجل هذا الولي الميت بقولهم: أحيي المريض، وقد التقيت ببعض هؤلاء الناس وعرفتهم أن هذا العمل غير جائز، وأن الله هو الضار والنافع، وأنه هو المحيي والمميت، وهو على كل شيء قدير، فما حكم هؤلاء في هذا الاعتقاد، وما حكم الذين يقرءون لهم الموالد، وما حكم من أكل من هذه الذبائح، أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا عمل خطير وجرم عظيم نسأل الله السلامة، فإن الذبح للموتى ولأصحاب القبور ومن يسمونهم بالأولياء والتقرب إليهم بالدعاء وطلب المدد كله من الشرك الأكبر، فالذي يذبح لأصحاب القبور وما يسمونهم بالأولياء كـالبدوي والشيخ عبد القادر والحسين وأشباه ذلك، يطلبون المدد، ويطلبون منه العون، يطلبون منه شفاء المرضى، هذا كله شرك أكبر، كله من عمل الجاهلية الأولى، عمل قريش وأشباههم في الجاهلية، هذا شرك أكبر، والذبيحة ميتة لا يجوز أكلها ولا يجوز إقرارهم عليها، بل يجب تنبيههم وإنذارهم وتعليمهم أن هذا منكر، وأن هذا شرك أكبر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] ويقول جل وعلا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]، والنسك: الذبح ، فكما أن الصلاة لله، فهكذا النسك لله، قال سبحانه: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:1-2] فالنحر لله والصلاة لله.

    فالذبح للأصنام أو للأشجار أو لأصحاب القبور، لطلب المدد منهم، أو شفاء المرضى أو ما أشبه ذلك، هذا كله شرك أكبر، لا من جهة الدعاء، ولا من جهة الذبح، فالذي يذبح لهم كالذي يصلي لهم نسأل الله العافية، والميتة تكون حراماً، والذبيحة تكون ميتة وحراماً لا يجوز أكلها.

    أما مجرد إقامة المولد فهذا بدعة، الاحتفال بالموالد هذا من البدع المنكرة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ويقول صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

    فالموالد بدعة ومردودة على من أحدثها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل المولد ولا أصحابه، لا خلفاؤه الراشدون ولا غيره من الصحابة، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، هذا شيء لا أصل له في الشرع، والواجب على أهل الإسلام تركه؛ لأن الخير في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع أصحابه، والشر في خلاف ذلك، قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وإذا كان في المولد دعاء الميت، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة بالنبي صار شركاً أكبر، أما مجرد الاحتفال بالمولد وأكل الطعام والاجتماع على القصائد هذا بدعة ومنكر لا يجوز، فإذا كان فيه ذبح لغير الله أو دعاء لغير الله كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة بالنبي وطلبه المدد أو النصر أو شفاء المرضى صار شركاً أكبر، يعني: صار هذا الدعاء شركاً أكبر، صار المولد فيه بدعة وفيه شرك، فيجمع المولد حينئذٍ البدعة والشرك، سواء كان في مولد النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره مثل الموالد الأخرى، مولد البدوي ، أو مولد الشيخ عبد القادر، أو مولد الحسين أو فاطمة أو غير ذلك، كل هذه الموالد مبتدعة لا يجوز فعلها؛ لأنها من المحدثات في الدين، لكن إذا كان فيها دعاء غير الله، وطلب المدد من غير الله، أو شفاء المرضى صار ذلك الدعاء وطلب المدد شركاً مع البدعة جميعاً، نسأل الله السلامة، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

    كذلك القراءة للموتى، كونه يطلب قراء يقرءون ويثوب للموتى فهذا أيضاً لا يجوز، وهو بدعة على الصحيح، إنما يقرأ القارئ لنفسه، ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز أن يثوب القراءة لغيره، لكن الصحيح أنه لا يجوز ذلك، ثم كونه يستأجر هذا لا وجه له؛ لأن المستأجر ما له ثواب؛ لأنه إنما قرأ من أجل الأجرة، فأي ثواب له وهو يقرأ من أجل الأجرة! فقراءة القرآن للموتى بالأجرة شيء لا أصل له، قال بعضهم: إنه بغير نزاع لا يجوز.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي ...)

    السؤال: له سؤال ثالث في هذه الرسالة يقول فيه: قال الله تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:117]، إلى قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] يسأل عن تفسير الآيات القرآنية الكريمة؟

    الجواب: معناها واضح، يخبر سبحانه أنه تاب على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار بسبب أعمالهم الطيبة، واتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم في ساعة العسرة وهي غزوة تبوك، فأخبر أنه تاب عليهم، وأكد التوبة مرة أخرى بسبب أعمالهم الطيبة، وبسبب جهادهم في سبيل الله، فتاب عليهم وعفا عنهم وغفر لهم سبحانه وتعالى بسبب أعمالهم الصالحة، وتوبتهم الصادقة، وهكذا الثلاثة الذين خلفوا وهم: كعب بن مالك ، وصاحباه، تخلفوا عن غزوة تبوك بسبب شيء من الكسل والتساهل حتى فاتهم الغزو وصار تخلفهم بدون عذر، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وسألهم أخبروه أنه لا عذر لهم، وإنما هو تساهل حتى فرط الأمر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجرهم وعدم تكليمهم حتى يقضي الله فيهم، فمر عليهم خمسون ليلة وهم مهجورون لا يكلمهم أحد، ثم أنزل الله توبتهم في هذه الآيات في قوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ [التوبة:118] .

    فتاب الله عليهم وكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الناس وأذن لهم بتكليمهم بسبب الصدق؛ ولهذا قال تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] فالصدق عاقبته حميدة، والكذب عاقبته وخيمة، فهؤلاء الثلاثة صدقوا وصبروا فتاب الله عليهم وعفا عنهم سبحانه وتعالى.

    1.   

    حكم السفر إلى بلاد الكفار

    السؤال: يقول أخيراً في هذه الرسالة: نلاحظ تناقضاً كبيراً بين المسلمين في القول والعمل، فالمسلمون الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعتادون المساجد ويؤدون الفرائض نجد من بعضهم سلوكاً يختلف عن سلوك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما يسافر أحد من الناس إلى أوروبا التي أصبحت بلا دين بعد أن تركت تعاليم الكنيسة يعود المسافر ويقول: لقد رأيت أخلاقاً أفضل من أخلاق المسلمين، فبماذا توجهون أمثال هؤلاء وفقكم الله؟

    الجواب: أولاً: لا يجوز السفر إلى بلاد أهل الشرك؛ لأن السفر إليهم من أسباب الضلالة ومن أسباب الرجوع عن الدين، ومن أسباب سماع شبههم وضلالاتهم وكيدهم للإسلام، فربما ضل بأسبابهم وما يلقون عليه من الشبه، فلا يجوز للمسلم أن يسافر إلى بلاد أهل الشرك، ولا الإقامة بينهم لما في هذا من الخطر العظيم، ولما يلقونه من الشبه، ولما يراه من الفساد العظيم هناك، من الشركيات والزنا واللواط، وسائر المعاصي الكثيرة، فربما تأثر بها وزاغ قلبه بأسباب ذلك؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين لا تراءى ناراهما) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله) فيجب على المسلم أن يحذر السفر إلى بلاد أهل الشرك، والإقامة بينهم، لا للتجارة ولا غيرها، يجب الحذر ولا سيما في هذه الأوقات التي كثر فيها الشر والفساد، وانتشر فيها الكفر والإلحاد، فينبغي الحذر، اللهم إلا أن يكون ذا علم وذا بصيرة يدعو إلى الله، و يعلم الناس الخير ويرشدهم إلى الحق، فهذا معذور؛ لأنه يدعو إلى الله ويظهر دينه، فهو نافع هناك، وقد يهدي الله على يديه جماً غفيراً.

    أما الجاهل والذي ليس عنده بصيرة في دينه فهذا يجب عليه الحذر وأن لا يسافر، أما كونه يغتر بأخلاقهم وأعمالهم فهذا من جملة الفساد الذي يخشى منه، فقد يغتر بهم من جهة ما عندهم من صناعات أو اختراعات أو أشياء أخرى فيغتر هذا المسكين الجاهل الذي لا يعرف الإسلام ولا أحكام الإسلام، وإنما يعرف بعض المسلمين، وبعض المسلمين عندهم أخلاق سيئة.. عندهم كذب.. عندهم ربا.. عندهم زنا.. عندهم شرب مسكر، ليس كل مسلم متحفظاً تاركاً لما حرم الله عليه، فقد يغتر هذا المسكين الذي سافر إلى بلاد الشرك، ويرى عند بعض أولئك شيئاً من أخلاقهم الدنيوية المعيشية فيغتر بها، فيجب الحذر من السفر إليهم، والإقامة بينهم ويجب على المسلم أن يعتصم بدينه، ويتمسك بدينه، ويكثر من قراءة القرآن وتدبر القرآن حتى يعرف دين الله، وهكذا يتبصر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه الذين هم خير الخلق بعد الأنبياء حتى يعرف أعمالهم الطيبة، وسيرتهم الحميدة، وجهادهم الصادق، فيعلم أنهم هم أهل الخير، وهم القدوة، وهم السادة وهم الذين ينبغي التأسي بهم، والسير على منهاجهم، وإذا خالفهم من بعدهم من المسلمين في بعض الأخلاق فاللوم على من خالفهم، وتنكب طريقهم، فعليك -يا عبد الله- أن تسلك الطريق المعروف الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم وسلكه أصحابه في الأخلاق والأعمال والسيرة ولا تغتر بمن حاد عن طريقهم من المسلمين أو غيرهم، نسأل الله السلامة.

    1.   

    حكم اتخاذ المساجد على القبور والاحتجاج بوجود قبر النبي عليه الصلاة والسلام في مسجده

    السؤال: هذه رسالة وردتنا من السائل قدري عبد المنعم ، مصري يعمل بالمملكة، يقول: سمعنا في الحديث : (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ويحدث في كثير من الأقطار الإسلامية اتخاذ الأضرحة والمقامات لأولياء الله، وعندما ننهى عن ذلك يحتجون بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجود بمسجده في المدينة المنورة، مما يحدث عندنا بعض الإشكال، أفيدونا أفادكم الله؟

    الجواب: لا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها : يحذر ما صنعوا) رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه.

    وهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها واضحة في تحريم اتخاذ المساجد على القبور، أو الصلاة عندها، أو القراءة عندها أو نحو ذلك، ولكن بعض الناس قد تشتبه عليه الأمور، ولا يعرف الحقيقة التي جاء بها المصطفى عليه الصلاة والسلام، فيعمل ما يعمل من البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها جهلاً منه، وقلة بصيرة.

    وأما ما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدفن بالمسجد صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة ثم وسع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك في آخر القرن الأول فأدخلت الحجرة في المسجد وهذا غلط من الوليد لما أدخلها، وقد أنكر عليه بعض من حضره في المدينة ولكن لم يقدر أنه يرعوي لمن أنكر عليه.

    فالحاصل أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان في البيت -في بيت عائشة رضي الله عنها- ثم أدخلت الحجرة في البيت في المسجد بسبب التوسعة فلا حجة في ذلك، ثم إنه من فعل الأمير أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وقد أخطأ في ذلك لما أدخله في المسجد، فلا ينبغي لأحد أن يحتج بهذا العمل، فالذي فعله الناس اليوم من البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها كله منكر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    فالواجب على ولاة الأمور من المسلمين إزالته ، أي بلد فيها ولي أمر من أمراء المسلمين الواجب عليه أن يزيل هذه المساجد التي على القبور وأن يسير على السنة، وأن تكون القبور في الصحراء بارزة ليس عليها بناء، لا قباب ولا مساجد ولا غيره كما كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع وغيره بارزة ليس عليها شيء، وهكذا قبور الشهداء، شهداء أحد لم يكن عليها شيء، فالحاصل أن هذا هو المشروع أن تكون القبور بارزة ضاحية ليس عليها بناء كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد السلف الصالح.

    أما ما أحدثه الناس من البناء فهو بدعة ومنكر لا يجوز إقراره ولا التأسي به؛ ولهذا وقع الشرك لما وجد العامة والجهال القبور مشيد عليها مساجد والقباب والمعظمة والمفروشة والمطيبة ظنوا أنها تقضي حوائجهم وتشفي مرضاهم وتنفعهم، فدعوها واستغاثوا بها ونذروا لها فوقع الشرك نعوذ بالله بأسباب ذلك، فالغلو في القبور كله شر، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) نسأل الله السلامة والعافية.

    1.   

    حكم التصوير

    السؤال: يسأل في رسالته ويقول: زوجتي مقيمة معي في السعودية وتريد أن ترسل صورتها لوالدتها بمصر لتطمئن عليها، وقد سمعت فتوى بأن التصوير بآلات التصوير حرام، فهل هذا من الضرورات التي تبيح المحظورات؟

    الجواب: ليس هذا من الضرورات، ليس لها أن ترسل صورتها إلى أمها ولا إلى غير أمها، وليس هذا ضرورة، تكاتبها وتكلمها بالهاتف والحمد لله، أما إرسال الصورة فلا يجوز.

    المقدم: بارك الله فيكم.

    أيها الإخوة المستمعون الكرام: بهذا نأتي إلى ختام هذه الحلقة والتي استعرضنا فيها رسائل الإخوة: (عبد الله . ن . س) من الدلم، و(م. ع) من بريدة، وعبد الله سرور لم يذكر عنواناً ، وأحمد سالم العزب مشولي من اليمن ، وقدري عبد المنعم مصري يعمل بالمملكة.

    نشكر لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إجاباته، ونشكر لكم حسن متابعتكم، ونستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768239940