الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فالأسرة: هم من تحت تربية الإنسان، وتحت ولايته من أولاد ذكورٍ وإناث، ومن زوجات وإخوة وخدم، وكل من كان تحت ولايته، وهو مسئولٌ عنهم، سيسأله الله تعالى يوم القيامة عن تربيته وتعليمه لهم، وعن الأسباب التي بذلها، وهل استوفى ما يجب عليه نحو أسرته، ونحو ذريته، ومن تحت ولايته -أي: فعل الأسباب التي تكون مؤثرةً في صلاحهم واستقامتهم- أم أنه فعل ما يضرهم؟
فالناس ينقسمون في تربية أولادهم وذويهم إلى أقسام ثلاثة هي:
قسمٌ: اهتموا بإصلاح أسرهم، وبذلوا كل ما في وسعهم. وقسمٌ: أهملوهم وتركوا تربيتهم لغيرهم.
وقسمٌ: أفسدوهم، وجلبوا لهم ما يعينهم على الفساد أو ما يوقعهم في الفساد والشرور.
أول تلك الأسباب: تلقين الأطفال في صغرهم العقيدة، فإن ذلك تنبيهٌ لهم على ما ينشئون عليه، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولودٌ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وقرأ قول الله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى قال: إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، فحرمت عليهم ما أحللت لهم)، فأخبر تعالى أنه فطر عباده على الحنيفية التي تقتضي معرفتهم لأنفسهم، ومعرفتهم لربهم، ومعرفتهم لما خلقوا له، ولكن جعل هناك أسباباً ووسائل تكون سبباً في الانحراف: فأبواه اللذان يربيانه ويصرفانه عما فطر عليه إلى ما يتلقيانه من أسلافهم وآبائهم من عقائد منحرفة، وأديان منسوخةٍ وكفرٍ وفسوقٍ.. وما إلى ذلك، فإذا وفق الله تعالى الوالدان لقنوا أولادهم معرفة الله، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، منذُ أن يعقل الطفل في السنة الثالثة أو ما بعدها، فإذا تلقن، وعرف ربه، وعرف لأي شيءٍ خلقه الله، وعرف دينه الذي هو مكلفٌ به، وعرف أسباب النجاة والهلاك، وتربى وهو صغيرٌ على ذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه في صغره، وينشأ بعد ذلك نشأةً صالحةً، وهذا بتوفيق الله تعالى وتسديده للأبوين، هكذا رأينا آباءنا وآباء إخواننا المسلمين يلقنون أولادهم العقيدة الصحيحة السليمة في صغرهم، فينشأ الطفل على هذه المعرفة، لا يشك في أنه مربوب، وأن ربه هو الخالق وحده، ولا يشك أن عليه لله حقوقاً، وأن من تلك الحقوق عبادة الله، ولا يشك أن هناك عبادات ومحرمات، وأن عليه فرضاً: أن يؤدي العبادات، ويفعلها تقرباً إلى الله، وأن يترك المحرمات ويبتعد عنها حتى يسلم من الإثم، ولا يشك بعد ذلك أن هناك جنةٌ ونار، وأن الجنة أعدها الله للطائعين، وأن النار أعدها الله تعالى للكافرين، وأن الكفر: هو الخروج من الإسلام، وأن الإسلام: هو الدين الصحيح.. إلخ كما هو معروفٌ، ينشأ الطفل من صغره من السنة الثالثة، وما بعد على هذه العقيدة.
فنقول: إن تربية الأولاد على كتاب الله وسنة رسوله فيها خيرٌ كثير، فالأولاد إذا ألفوا المساجد صاروا يترددون إليها يومياً، صباحاً ومساءً، فإذا كانوا في الإجازات صاروا يدرسون صباحاً ومساءً، وإذا كانوا في زمن الدراسة صاروا يدرسون آخر النهار وأول الليل، فألفوا المساجد وأحبوها، وعرفوا أنها أماكن الطاعة والعبادة، فكان ذلك سبباً في محافظتهم ومواظبتهم على هذه العبادات التي تؤدى في هذه المساجد، وإذا حافظوا على الصلاة حفظوا دينهم؛ لقول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وإذا حفظوا كلام الله تعالى أو ما تيسر منه حفظهم الله تعالى، وحافظوا على ما يكون سبباً في صلاحهم واستقامتهم.
فنقول: إنك -أيها المسلم- مسئولٌ عن تربية أولادك على الإسلام والقرآن، وإن أحسن ما تربيهم عليه: تعليم كتاب الله تعالى، فإذا انضموا إلى هذه المدارس حصلوا على خيرٍ كثير، وعليك بعد ذلك أن تتابعهم، وتتفقد أحوالهم، وتتأكد من موافقتهم على هذه الدراسة، وتتابع ما حفظوه، وما أشبه ذلك.. حتى تعلم محبتهم لهذه المدارس، وإقبالهم عليها، فهذا من أسباب التربية الصالحة والاستقامة على القرآن.
فإذا وفق الله الوالد، وضم أولاده إلى هذه المدارس والمعاهد العلمية، وتابعه على ذلك؛ رُجِيَ أنه يستقيم، ويستمر في الصلاح والاستقامة، حيث إنه يتربى على العلوم النافعة، فيقرأ القرآن وتفسيره والحديث وشرحه، والأحكام وشروحها وتفاصيلها، ويقرأ العقيدة والتوحيد وتفاصيل ذلك وأدلته، وكذلك يقرأ الآداب الإسلامية، فيقرأ ما هو بحاجةٍ إليه في حياته، فإذا قرأ هذه المواد كلها أثرت في استقامته وفطرته، فسلمت فطرته من الانحراف غالباً إلا من شاء الله، واستقامت عقيدته، ونشأ نشأة طيبة، وحصل من آثار ذلك بقاؤه على هذه العقيدة السليمة.
وإذا اختار مدرسةً من المدارس غير هذه المعاهد العلمية، فإن والده إذا تعاهده وأوصى عليه من يشرف عليه من المدرسين كان ذلك أيضاً من الأسباب في استقامته، فيتعاهده أبوه، ويحثه على المواظبة على الدراسة الدينية التي فيها الخير والتعمق في أصول الدين، وفي العلوم الدينية النافعة كعلم العقيدة، حتى ترسخ في ذهنه وقلبه، وكعلم الحلال والحرام، والواجبات والمحظورات، والعبادات التي فرضها الله، والمحرمات التي حرمها الله، فيتابعه ويتفقده حتى يتأكد أنه على هذه الاستقامة؛ لأن هذه المدارس متوسطةً أو ثانويةً لا تخلو -والحمد لله- من مربين صالحين، ومشرفين مأمونين، وكذلك أيضاً: فيها العلوم الشرعية النافعة، ولو كانت قليلةً نسبياً، ولكنها لا تخلو من النفع، وإذا وفق الله تعالى طلبة العلم -صغاراً وكباراً- للاهتمام بالمواد الدينية العلمية، والحرص على تقريرها وترسيخها في قلوب الأطفال والطلاب كان ذلك من أسباب استقامتهم.
فهذه لا شك أنها اسبابٌ مؤثرةٌ في استقامة الأولاد، وفي تربيتهم التربية الصالحة.
وبهذا يكونون -إن شاء الله- من أهل الخير؛ لأنهم شغفوا بهذه الإذاعة الإسلامية، وأحبوها وتابعوها، وانصرفوا عما سواها.
هذه بعضٌ من الوسائل التي تحفظ الأولاد في تربية الوالد لهم.
كذلك أيضاً: قد يكون للأمهات أثرٌ في التربية، وتفقد أحوال أولادها إذا كان الأب منشغلاً بأموره الخاصة، فتتفقد أولادها، وتحرص على أن يكونوا من أهل الخير، وأن يستقيموا على طاعة الله، وتحرص على الوسائل التي ذكرناها في القسم الأول، فلعل ذلك يكون وسيلةً من وسائل الصلاح، فأما إذا لم تكن الأم عارفةً بذلك، أو لم يكن هناك من يغار على هؤلاء الأولاد ولا يهتم بهم؛ فإنهم على خطر أن ينحرفوا، وأن يتربوا تربيةً سيئة إلا ما شاء الله، ونحن نعرف أن هذا كله ليس مطرداً، فقد رأينا أناساً عندهم نصح وإخلاصٌ لأولادهم، ومحبة لنجاتهم، وحرصٌ على استقامتهم ومتابعتهم، ومع ذلك قد خرج بعض الأولاد عن الاستقامة وانحرفوا، وابتلوا بما أفسد عليهم عقائدهم أو أفسد عليهم أعمالهم، أو أنهم بأنفسهم مالوا إلى الشر والفساد مع حرص الآباء، فليعلم الآباءُ والأولياء المسئولون أن هذا لا حيلةَ لهم فيه، وأن الله تعالى هو الهادي، وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، من شاء أضله، ومن شاء أقامه، وأن من يضلل الله فما له من هاد، وهذا حقٌ.
كذلك قد رأينا ورأيتم الكثير من الآباء المشتغلين بدنياهم، والمهتمين بأمورهم الخاصة، والمعرضين عن تربية أولادهم، ولكن وفق الله تعالى الأولاد إلى من رباهم تربيةً صالحة، فانتفعوا بما يسمعون من نصائح في إذاعاتٍ، أو خطبٍ، أو جلساتٍ، أو في مجلاتٍ وصحفٍ إسلامية، أو حلقاتٍ علميةٍ، أو جلساء صالحين؛ فانتفعوا انتفاعاً جلياً، فحفظهم الله تعالى واستقاموا، ولو لم يكن لآبائهم وأهليهم بهم عناية، فقد يوفق الله تعالى لهم من يعتني بهم، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي [الأعراف:178]، ولكن لا شك أن هناك أسباباً يجب أن يعتنى بها، لأن هذه الأسباب لها تأثيرٌ بإذن الله، والله تعالى هو الذي جعلها أسباباً، وجعلها مفيدةً، وأمر بفعلها، وبالحرص على الإتيان بما يستطيع الإنسان من الأسباب التي تكون وسيلةً إلى الصلاح.
فالذين لم يهتموا بصلاح أولادهم، لا شك أن الغالب على الأولاد أن يتولى تربيتهم من يفسدهم إلا ما شاء الله، فينشئون نشأةً سيئة، ويقعون في المشكلات والأخطار، ويصعب بعد ذلك تقويمهم، فيقال لمثل هؤلاء: إنكم مسئولون عمن تحت أيديكم، تذكروا هذا الحديث: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالرجلُ راعٍ على أهل بيته، ومسئولٌ عن رعيته)، فانشغالك بدنياك هذا الانشغال يصدك عن الخير، ويلهيك عمن أنت مسئولٌ عنه، ولابد أن تجعل لأولادك نصيباً من وقتك، ولابد أن تأتيهم في أول النهار أو في آخره، وإذا أقمتهم في أول النهار أقمتهم إلى الصلاة، وحرصت على أن تأخذ بأيديهم إلى المساجد إذا كانوا مكلفين.
كذلك أيضاً: إذا أتيت إليهم في وسط النهار -في وقت راحتك- فلا يكن همك أن تنام، أو أن تنشغل بمن زارك ونحوه، بل عليك أن تجعل لأولادك نصيباً من وقتك، فتجمعهم في مثل هذا الوقت فتربيهم وتسألهم، وتحرص على أن يكونوا عارفين بمسئوليتك عنهم، وأنك مهتم بهم اهتماماً بليغاً.
وكذلك أيضاً: تحرص على تفقد أحوالهم إذا أتيت إليهم في أول الليل، فتسألهم: ماذا فعلتم؟ وماذا استفدتم؟ وما أشبه ذلك.
أما أن تنشغل بدنياك أو بشهواتك عنهم فإنك بذلك تكون ملوماً، وإذا رأيتهم قد انحرفوا لم تملك بعد ذلك استقامتهم، ولم تقدر على تقويمهم، وردهم إلى الحق، فنقول: عليك ألا تنقطع عنهم انقطاعاً كلياً، وعليك أن تربيهم بما تستطيعه ولو بأمرهم بالعبادة، وأمرهم بالصلاة التي هي عمود الدين، وإلزامهم بها، وإذا كنت من أهل الخير والاستقامة لابد أنك تؤدي الصلاة جماعةً، فأولادك الذكور تأخذ بأيديهم معك إلى المسجد، فيؤدون الصلاة معك في جماعة، ويتربون على هذا الفعل، وعلى محبةِ هذه الصلاة، ومحبة المسجد، ومعرفةِ فضله، وما إلى ذلك، فلو غبت مثلاً في أول الليل عن وقت المغرب والعشاء فإن الأولاد قد تربوا على أداء هذه الصلاة جماعةً، وإذا فعلوا ذلك فإن الله تعالى يحفظهم، ويقر عينك بصلاحهم.
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشبِ
فإذا كان غصناً ندياً رطباً صغيراً فإنه يلتوي ويلين مع من يلينه، فأما إذا صلب ويبس فإنه لا يلين حتى يكسر، فعلى الوالدين أن يعرفوا أن إهمالهم لأولادهم في الصغر وإعراضهم عنهم وانشغالهم بالوظائف أو التجارات أو الأعمال وتركهم تربية الأولاد، وإسناد تربيتهم إلى من قد يفسدهم من معلمين أو نحوهم، فإن ذلك مما يحزنهم إذا فات الأوان، وقست قلوبهم، وصعب تقويمهم، فأسفوا وقالوا: هذا هو سببُ تفريطنا، ونشاهد أن كثيراً من الآباءِ يشتكون أن أولادهم قسوا عليهم، وخرجوا عن طواعيتهم، وعقوهم، وقطعوهم، وخرجوا عن الاستقامة والطاعةِ لآبائهم، فنسألهم: ما السببُ في ذلك؟ فيقولون: إنا كنا قد انشغلنا عنهم، ولم نعتنِ بهم، ووكلنا تربيتهم إلى معلمين، والمعلم عادةً إنما يعلمه ما قرر عليه من المناهج الدراسية، ولكن التعليم بالفعل قليل، ثم المعلمون يعلمونهم خمس ساعاتٍ أو ستِ ساعاتٍ كل يوم، فإذا خرجوا فهناك من يتلقاهم؛ فيحرفهم، ويصرفهم، ويفسدهم، فيكون الأبُ هو السبب، لماذا فسد أولادك؟ لأني لم أنتبه لهم، فبعدما انحرفوا عرفت أني فرطت، وقلت: يا حسرتا على ما فرطتُ في جنب الله! يا حسرتا على هذه الإضاعة! وعلى هذا الإهمال! وعلى هذا الانشغال! فالآن استقبل وقتاً جديداً، وقل: أولادي الصغار سأحتضنهم، وأعتني بهم اعتناءً كاملاً، وأربيهم على الصلاح والطهارة والصلاة والصيام، وعلى العبادات والقرآن، وعلى الذكر والدعاء، وعلى فعل الخير، وحضور حلقات العلم، ومحبةِ العلماء، وعلى كل ما يؤثر في استقامتهم وفطرهم، حتى لا يعصوني كما عصاني من قبلهم، فهذا قسمٌ وقع فيه كثيرٌ من الناس.
فهناك كثيرٌ من الآباء -هداهم الله- وقعوا في شرب الدخان، ولا شك أن الأبناء إذا شاهدوا والدهم صباحاً ومساءً يشرب هذه السجائر؛ هان أمرها عندهم، وسهل تعاطيها، وقالوا: لو كان فيها ضرر ما أصر عليها والدنا ومربينا، ولو أن الأب قد ينهاهم ويحذرهم عن الوقوع فيها، ولكن لا يقدر على أن يحذرهم تحذيراً دائماً وهو يتعاطى ذلك، وإذا قالوا له: إنا نراك تتعاطى هذا الدخان علناً، فقد يقول: إني مبتلىً به، فيقولون: إذا ابتليت به ولم تتركه كما نشاهد، فما المانع لنا أن نقتدي بك؟
ولا شك أنهم إذا وقعوا في هذه البلية -التي هي شرب الدخان- فسيحصل لهم من أسباب الانحراف الشيء الكثير.
كذلك أيضاً: قد يكون الآباءُ ممن ابتلوا بالسهر على الحرام، يسهر كثيرٌ من الآباء على شرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، فإذا كان الآباء على هذا، فماذا سيكون حال الأبناء؟
لا شك أنهم سيقتدون بآبائهم، ويفعلون كما فعلوا، فيكون ذلك من أسباب انحرافهم -والعياذ بالله- إذا وقعوا في هذه البلية، كذلك الكثيرُ من الآباءِ يكونون ممن ابتلوا بسماع الأغاني واللهو والباطل، والعكوف على سماعها من أشرطةٍ أو إذاعاتٍ مرئيةٍ أو مسموعةٍ، ويتلذذون بذلك، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ورد ذلك في الأثر، وهو وسيلةٌ من وسائل الفساد، وذريعةٌ من ذرائع الفواحش، وإذا ابتلي به من يسمعه من ذكرٍ أو أنثى، لم يصبر -عادةً- عن أن يواقع الفواحش من الزنا أو مقدماته، وما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا من الوسائل التي تصرف كثيراً من الأبناء عن الاستقامة إذا رأوا آباءهم يصغون إلى سماع هذه الأغاني والملاهي.
كذلك ابتلي كثير من الآباء بإدخال أجهزةِ الفساد التي هي الدشوش إلى منازلهم، والتي هي من وسائل وأسباب الفحشاء والمنكر؛ لما يعرض فيها من المنكرات، فيرى فيها الناظرون النساء العاريات، والرجال العراة، واقتراف المحرمات، والحيل المحرمة، وسماع المنكرات والكفريات، والسخرية بأهل الصلاح والاستقامة وما إلى ذلك مما تقشعر من ذكره الجلود، وإذا ابتلي الآباء بمثل ذلك ألف هذا الأبناء، فمتى يتفرغون لأداء الصلوات؟ ومتى يتفرغون لقراءة القرآن؟ ومتى يتفرغون لذكر الله ودعائه؟ ومتى يعرفون أن لربهم عليهم حقوقاً؟ ومتى يعرفون أن الله حرم عليهم هذه المحرمات؟
لا شك أنهم ينشئون نشأةً سيئةً بسبب هذه المنكرات التي يشاهدونها في الصباح والمساء، ولا شك أن هذا من التربية السيئة.
فمن أسباب الصلاح تحذير الآباء أبناءهم عن مجالسة أولئك المنحرفين، من شبابٍ أو كهولٍ أو شيوخٍ ونحوهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الجلساء الصالحين، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، فإذا تفقد الوالد أبناءه مع جلسائهم، ورأى أن فيهم من يتعاطى شرب الدخان؛ حرص على إبعادهم عن ذلك حتى يسلموا من هذا الداء الدوي.
كذلك أيضاً: يحرص على ألاَّ يجالسوا المفسدين الذين يوقعونهم في المسكرات وما أشبهها، وما أكثر وسائل ذلك! كثرت هذه المسكرات، وكثر تعاطيها، وأصبحت توجد في المقاهي، وفي الكثير من المطاعم والاستراحات وما أشبهها، فيوجد الذين يجلسون فيها على سماع النغمات الشيقة في نظرهم، وكذلك رؤية الصور الفاتنة التي يتلذذون بها في نظرهم، والوالد المشفق حريصٌ على إبعاد أولاده عن أمثال هذه المحرمات، فينصحه ألاَّ يدخل في تلك المقاهي التي تفسد عليه خلقه، والتي تغير فطرته.
كذلك أيضاً: يبعد عن منزله هذه الوسائل، ويحذر أولاده أن يدخلوا بيوتهم هذه المنكرات من الدشوش ونحوها، وكذلك يحذرهم أن يزوروا أقاربهم إذا كانوا كذلك إلا إذا كانوا متحفظين، ويحذرهم أن يدخلوا تلك المقاهي التي يعرض فيها هذا الفساد، وهذا الشر الذي من وقع فيه ورآه اهتم به وألفه، وصعب بعد ذلك عليه أن يتركه، ويحذرهم من الكتب المضلة، والمجلات الخليعة، والإذاعات الماجنةِ الفاتنة وما أشبه ذلك، ولعله بذلك يكون قد ربح أولاده، ووفقه الله تعالى لأن يتربوا التربية الصالحة التي ينفعون فيها أنفسهم، وينفعون آباءهم.
نقف عند هذا، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ونياتهم وذرياتهم، ونسأله أن يصلح أولادنا وذرياتنا، ونقول: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74].
اللهم! أصلح أحوال المسلمين، وأصلح ذرياتهم، وأصلح شبابهم، واجعلهم هداةً مهتدين، يقولون بالحق وبه يعدلون، واجعلهم خيرُ خلفٍ لخير سلف، واجعلهم قرةِ عينٍ لآبائهم وأجدادهم، وانفعهم بهم، وارزقهم الاستقامةَ والصلاح، وقهم أسباب الفساد، إنك ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله على محمد.
الجواب: يفعل الوالد ما يستطيعه إذا رأى من أحد أولاده شيئاً من التصلب، أو شيئاً من القسوة عليه، أو الميل عن الاستقامة، وهذا يقع كثيراً من الأبناء، بحيث إنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة فيترك العبادة، ويقع في المنكرات، ويبتلى بالمخدرات، وما أشبه ذلك، فيقع الأب في حيرة، ماذا أفعل به؟! إنه قد كبر! إنه قد بلغ العشرين أو نحوها! كيف أضربه وهو أكبر مني؟ وأقوى مني؟
فنقول: يفعل ما يستطيعه، والهدايةُ بيد الله تعالى، يتكلم معه بالكلام اللين، ثم يشدد عليه ويقسو بالكلام، وإن رأى أن الضرب يؤثر فيه ويفيد ضربه، وإن رأى أنه لا يستفيد رفع أمره إلى من يأخذُ على يديه من الدوائر الحكومية، فلعلهم أن يؤدبوه التأديب الذي يرتدع به.
ونوصيه أن يدعو لهم بالصلاح والاستقامة، ويفعل ما يقدر عليه من الأسباب.
وأما ما ابتلي به المسلمون في هذه الأزمنة من القنوات الفضائية، فنقول: إن السلامةَ الابتعاد منها، والوالد عليه أن يبعدها عن مجتمعه وأسرته، وألا يدخل شيئاً من هذه الأجهزة في منزله؛ فإنها شر، وليس فيها خير، هذا هو الأولى، فيحذر أولاده، ويبين لهم شرها وآثارها، وإذا كانوا صالحين فإنهم سيقبلون من والدهم، ويرتدعون عن النظر إليها، وأما إذا عرف أنهم إذا منعوا منها في منزلهم تتبعوها في المقاهي وعند الجيران، ومع أصحابهم ورفقائهم؛ فننصحه أن يتابعهم، وأن يمنعهم منعاً شديداً حتى لا يقعوا فيها، وإذا كان ولابد فهناك أشرطة فيديو فيها منفعةٌ، فيظهر فيها مناظرُ حسنةٌ، ولو كان فيها شيءٌ من الصور المتحركة، فيتسلون بها، ويعرفون أحوال بعض الدول، ولا يكون فيها محذور إن شاء الله، فيكون فيها الانشغال عن المحرمات، هذا الذي نراه.
الجواب: هذه الآية فسرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)، والرمي في ذلك الزمان كان الرمي بالسهام التي هي قطعٌ من أعواد السَّلم ونحوها، يحدد أحد أطرافها، ويرمى بها في القوس، فتصيب المرمي وتنفذ فيه، كما في قوله: (كما يمرق السهم من الرمية)، ويرمى بها أيضاً في القتال ونحوه، لكن جاءت في هذه الأزمنة هذه الأسلحة الجديدة، وحيث إن المسلمين بحاجةٍ إلى هذه الأسلحة الجديدة، وبحاجةٍ إلى أن يستعملوها؛ حتى يكفوا بها عدوهم الذي يستعملها ويستعمل ما هو مثلها؛ فنرى أن تعلمها على ما ورد في الحديث من السنة لقوله عليه السلام: (ارموا بني إسماعيل! فإن أباكم كان رامياً)، وفي الحديث: (من تعلم الرمي ثم تركه فهو نعمةٌ كفرها)، والأحاديث في ذلك كثيرة، فإذا وجدت وسائل التعلم على هذه الأسلحة تعلم الرمي بها، حتى إذا احتيج إلى ذلك يكون مستعداً، فإن عليه أن يفعل ذلك، ويحرص على هذا التعلم بحسب استطاعته إن وجد ذلك في الداخل أو في الخارج، وهذا إذا تيسر.
الجواب: نقول: لعلك أن تقنعهم شيئاً فشيئاً حتى يذهبوا إلى الحلقات العلمية، في أول الأمر تعطيهم جوائز حتى يألفوا، وكذلك تربيهم على محبة هذا العلم، ومحبة القرآن، وتبين لهم آثاره، وكذلك تضرب لهم الأمثال، لا يسبقكم فلان، لا يكون أولاد فلان خيراً منكم وأشباه ذلك، فإن الأطفال يتنافسون في مثل هذه المسابقات، وهذه الأعمال، ويتنافسون في الحصول على الجوائز والتشجيعات وما أشبه ذلك، ولا شك أنه إذا رباهم على هذه التربية صلحوا -بإذن الله-.
كذلك يأخذ بأيديهم ويدخلهم إلى المسجد، ويقول: لا يسبقكم فلان وفلان، لعل الله تعالى أن يوفقهم.
ولا شك أن حفظ القرآن من أفضل الأعمال؛ وذلك لأن من حفظه صارَ حافظاً للعلم، فإن القرآن: هو أصل العلوم، ويعتبر حفظه فرضاً على الأمة أي: من فروض الكفايات؛ ولذلك حفظةُ القرآن يتقدمون على غيرهم، فيكون أحدهم إماماً على من هو أكبر منه، وعلى من هو أشرف منه؛ وكذلك يتولى الخطابة والدعوةَ، ويتولى الأعمال الخيرية، فينبغي أن يتنافسوا في ذلك، وأن يحرصوا على حفظه أو ما تيسر منه.
الجواب: ابتلي في هذه الأزمنة بعض هؤلاء الشباب المنحرفين بسب كثيرٍ من العلماء البارزين، وصار التفكه والتلذذ عندهم بذكر أعراضهم، والتنقص لهم، فيقرءون كلام العالم من غير فهم، ثم يخطئونه في هذه الكلمة أو في هذه الجملة، فيدعون أنه أخطأ الصواب، مع أنهم ليسوا أهلاً أن يخطئوا، وليسوا أهلاً أن يصوبوا، ما بلغوا شيئاً من ذلك فيقال لهم:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
فهؤلاء الشباب الذين يطعنون في علماء الأمة، ويطعنون في الدعاة، ماذا أفادوا؟ ننصحهم أن يمسكوا ألسنتهم، وإذا لم يمدحوا علماء الأمة فيكفوا ألسنتهم عن أذاهم، وعن تتبع أخطائهم إن كان هناك أخطاءٌ، وإذا كانوا صادقين فيتصلون بذلك العالم الذي أخطأ، ويناقشونه علناً، فسوف يجدون أنه على صوابٍ وأنهم هم المخطئون.
الجواب: وردت أحاديث ضعيفة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والحث عليها، وقد أوردها شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله في آخر رسالته: التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة، وبين أنها ضعيفة، وكذلك تكلم عليها العلماء، وبينوا أنها لا يعضد بعضها بعضاً، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) يعني: لا يسافر إنسانٌ لأجل مكان يتقرب فيه إلى الله فيتعبد فيه، ويدعي أن العبادة فيه لها الفضل إلا في هذه المساجد الثلاثة، وأما المشاهد -كما تسمى- والقبور وما أشبهها فلا يسافر إليها، ومن أراد أن يسافر إلى المدينة فيكون قصده زيارة المسجد النبوي الذي تضاعف فيه الصلاة، ولا يكون قصده القبر، ولا قبور الشهداء ولا غير ذلك، وإذا وصل إلى هناك تمكن من الزيارة بلا شد رحل.
الجواب: ننصحك أن تطيعي والدتكِ حتى لا يذهب عمرك عليك، فإذا تقدم لكِ من هو كفؤٌ من الشباب الصالح فلا ترديه؛ لقوله عليه السلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير)، والدراسة ليست ضرورية، وفي إمكانك أن تدرسي بالانتساب، وفي إمكانك أن تدرسي إذا وفقكِ الله لزوج صالح وسمح لكِ بذلك، فلا تفوت عليكِ فرص الزواج، إذا تقدم لكِ من فيه الكفاءة والأهلية.
الجواب: عليكم جميعاً أن تنصحوا أقاربكِ وأقاربَ زوجكِ، وتكرروا النصيحةَ لهم، حيث إنكم تقصدون بذلك نجاتهم واستقامتهم على الحق، وسلامتهم من المنكر، وإذا بينتم لهم ذلك فلعلهم أن يرعووا، ولعلهم أن يتوبوا، وننصحكم ألا تدخلوا تلك الأماكن التي فيها هذه الدشوش، وفيها هذه المرائي القبيحة، والصور الفاتنة التي تعرض على الشاشات؛ لأن النظر إليها يشوق الأطفال إليها، ثم بعد ذلك يألفونه ويصعب انفطامهم عنها.
أيضاً: يسأل كثير من الإخوان عن الإنترنت، وعما يسمى بـ(البلاستيشن) -وهي ألعاب تعمل على الحاسب الآلي- وعن الأناشيد الإسلامية أيضاً؟
الجواب: إذا كان لابد من الشر فيختار ما هو أخف، فمن قواعد الفقهاء: ارتكاب أخف الضررين لتفويت أشدهما ضرراً، فإذا لم يكن هناك سلامةٌ من هذه الشرور فبعض الشر أهون من بعض، فالأفلام التي تسمى كرتونية أنا لا أعرفها، وقد ذكر السائل أن فيها صوراً فاتنة، وفيها موسيقى، وهناك أفلام سالمةٌ من ذلك، وفيها شيءٌ من التربية الطيبة، فشغل الأطفال بتلك الأفلام السالمة أولى من شغلهم بهذه الشرور والمفسدات ونحوها.
ولا شك أن هناك خلافاً في بعض الأشياء التي ذكر السائل، فالنشيد إذا لم يكن فيه تغنج، ولا تلحين، ولا تمايل يثير العواطف، فلا بأس بذلك إذا كان شعراً ينشد، فإن الشعر حسنه حسن، وقبيحه قبيح كالكلام.
وكذلك التمثيل إذا كان هادفاً نرى أنه لا بأس به، إذا لم يكن فيه تنقصٌ لأحدٍ من العلماء أو من الدعاةِ أو ما أشبه ذلك، وكان فيه ما يفيد الناظرين، فلعله جائز.
الجواب: هذا من التربية السيئة؛ لأنهم إذا تربوا على ذلك ألفوا هذه الأفعال، وصعب بعد ذلك تخليهم عنه، فيكون ذلك سبباً في انحرافهم وزيغهم، نسأل الله العافية، فلا شك أنهم إذا ألفوا هذه الأكسية القصيرة أو هذا اللباس الذي يسمى البنطلون صعب بعد ذلك تخليهن عنه، إذا كبرنَ، ومتى تصلحُ إذا نشأت وهي صغيرة على هذا اللباس القصير أو الضيق أو ما أشبه ذلك؟
كذلك أيضاً الأولاد: متى يصلحون إذا رباهم على هذا القزع، وعلى هذا الحلق الذي هو محرمٌ كما هو واردٌ في الحديث؟
وكذلك متى تصلح البنات إذا تربين على قصِ رءوسهن كما يسمى بمدرجات، أو على تغيير لون الشعر بما يسمى (الميش) وما أشبه ذلك؟
هذه الأمور من التربية السيئة، فنقول: على الوالدين أن يربوا أولادهم تربية حسنةً في صغرهم، وألا يعلموهم هذه المحرمات.
الجواب: هذا لا يجوز، وأنت تعرف -أيها السائل- أنك مفرطٌ ومخطئٌ خطئاً كبيراً، فننصحك أنك إذا أوقظت أن تستيقظ وأن تنتبه، فإنه لو أيقظك أحدٌ من أقاربك لغرض لانتبهت وخرجت إليه، وكذلك لو كان عندك موعد سفر أو وعدك أحد في الساعةُ الثالثة أو الثانية فإنك تنتبه بسرعةٍ إذا جاء ذلك الوقت ولا تنام، فننصحك بأن تنام مبكراً لتعطي نفسك حظها من راحتها في النوم، وأن تجعل عندك ساعة تنبيه حتى لا تفوتك هذه الصلاة، فإنها أثقل الصلاة على المنافقين.
الجواب: هذا لا شك أنه مما يسوء كل مسلم، فالمرأة وظيفتها أنها تخدم زوجها وأولادها، وتربيهم التربية الصالحة، ولا شك أنه يجوز لها أن تتولى الأعمال المتعدية النافعة، فتتولى التعليم والتدريس إذا كانت ناصحةً، وكذلك تتولى العلاج والطب إذا كانت تحسن ذلك، وتتولى ذلك بالنسبة إلى النساء، وما أشبه ذلك، فأما ما ذكر من هذا فإنه مما يسوء كل مسلم، وعلى من سمع ذلك أن ينكره ويتبرأ من هذا الفعل، وإذا كانوا يعرفون هذه المرأة وأولياءها يتصلون بها وبأهلها، ويبينون بشاعةَ هذا الفعل، وأن هذا ينافي أنوثةَ المرأةِ، ويدل على رعونتها وقسوة وجهها وقلبها، وعتوها ونفرتها، وتعديها طورها الذي هو الأنوثة بتدخلها هذه المداخل مع الرجال والعياذ بالله، فينصح كل من يتساهل في مثل ذلك أو يستحسنه.
الجواب: هذا كذب وليس بصحيح، نعرف كثيراً ممن تركوا الدخان، وأقلعوا عنه، وتاب الله عليهم، ووفقهم، ولم يعودوا إليه، وإن كان يصعب عليهم تركه لأول مرة، ولكن إذا عزموا وتركوه تركاً كلياً -ليس تدريجياً- بل دفعةً واحدة، وصبروا عنه أسبوعاً أو أسبوعين، فإنهم بإذن الله ينفطمون عنه.
فنقول: عليك أن تلزمها إلزاماً كلياً، فأولاً: بإمكانك أن تحجزها في بيتها، حتى لا يأتي إليها أحدٌ يشتريه لها أو تشتريه هي إذا خرجت، فإذا انقطع عنها تصبر مدةً طويلةً إلى أن تنفطم عنه، وكذلك تهددها بالطلاق إذا رأيت منها هذا الإصرار، فلعلها أن تخاف فترتدع وتتوب عنه، وإذا أصرت على ذلك فنرى أن بقاءها على هذه الحال بقاءٌ على خطر؛ لأنها قد تحسن ذلك لأولادها، وقد يشعرون بذلك، وقد يحسون برائحته وهم صغارٌ فيقعون في هذا المنكر، فالطلاق أولى -حينئذ- إذا أصرت.
كذلك يكون بعضهم مسبلٌ الثوب، وقد أخذتُ تلك الثياب وقصرتها، وذهبوا وفصلوا أخرى، وبعضهم مُصِرٌ على حلق اللحية رغم معرفته بحرمةِ ذلك، الرجاء التوجيه وبيان ذلك بالدليل وفقكم الله.
الجواب: واجبٌ عليها وعلى أبيهم وأقاربهم نصيحتهم عن هذه المعاصي، ومع الأسف أن هذا واقعٌ فيه كثير سمن الناس، كبارٌ وصغار، كهولٌ وشيوخ، فكثير من الناس وقعوا في هذه المعاصي التي منها:
أنهم لا يأتون إلى المساجد إلا بعد سماع الإقامة، يجلسون على سهوٍ ولهوٍ، أو على قيلٍ وقال، أو على مشاهدةٍ للأفلام، ونظرٍ للشاشات إلى أن يسمعوا الإقامة، وقد يكون بعضهم غير متوضئ، فيتوضأ بعد الإقامة، ويفوته جزءٌ من الصلاة، ويفوتهم التقدم إلى المسجد، وتفوتهم الراتبة القبلية، ويفوتهم الذكر وقراءة القرآن، ويفوتهم تسبيح الملائكة لهم، (الملائكة تستغفر لأحدكم مادام في مصلاه: اللهم! اغفر له، اللهم! ارحمه..)، والأدلة على ذلك كثيرة، فعلى المسلمين أن ينصحوا كل من رأوه يتأخر عن الصلاة، فلا يأتيها إلا وقت الإقامة أو بعدها.
كذلك المعصية الأخرى التي هي الإسبال: الأدلة كثيرة على تحريم الإسبال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) ومثله: الثوب والقميص والسراويل، والإزار إذا جرهُ إلى أن يصل إلى الأرض أو إلى قرب الأرض يعتبر ذنباً كبيراً، وقد ورد في الحديث: (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء)، وفي الحديث الآخر: (ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم ولهم عذابٌ أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالكذب)، والأحاديث كثيرة، فانصحوا الذين ترونهم يجرون ثيابهم أو يسبلونها أو يرخونها إلى تحت الكعبين.
كذلك المصيبة الثالثة وهي مصيبة عامة: وهي ما ذكرت أنهم يحلقون لحاهم، وهذه بليةُ هذا الزمان، ابتلي بها الكثير، وادعوا أن هذا لا بأس به، وأنه لا حرج فيه، ونسوا أنهم مخالفون لسنة نبيهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ونسوا أيضاً: أن هذا الشعر جعله الله تعالى شعاراً للرجال، وفرقاً بين الرجال وبين النساء، ونسوا أن في حلقه تشبهاً بالنساء، وأن الذين يحلقونه هم الكفار، (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم)، والأدلةُ على ذلك كثيرةٌ، فاحرصوا على تنبيه إخوانكم، وعلى تحذيرهم من المنكرات.
الجواب: الماء المستعمل لرفع حدث ليس بنجس، بحيث إنه إذا وقع على الثياب فلا ينجسها؛ وذلك لأن البدن طاهر، يعني: فوجهك ويداك ورجلاك طاهرة، ولكن هذا الحدث أمرٌ معنويٌ، فهذا الماء الذي استعملته وانصب من يديك أو من وجهك أو من رجليك ووقع على الملابس؛ نحن نقول: لا يستعمل في رفع حدثٍ آخر، يعني: لا يتوضأ به مرةً أخرى، كذلك ماء الغسل لا يغتسل به مرةً أخرى، ولا يعني هذا أنه نجس، بحيث إنه يغسل ما أصابه، ولكن لا يرفع به حدثاً، ولا يستعمل في رفع طهارة أخرى، لكن لا يغسل الثوب الذي أصابه.
والله تعالى أعلم. وبالله التوفيق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر