إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. المقدمة وكتاب الطهارة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - تابع باب النهي عن الاستنجاء باليمين - باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء

شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - تابع باب النهي عن الاستنجاء باليمين - باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاءللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من آداب قضاء الحاجة دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء لإزالة ما علق بها من أوساخ ونجاسات، وينوب عنها مواد الغسل الحديثة من الصابون وغيره.

    1.   

    تابع النهي عن الاستنجاء باليمين

    شرح حديث سلمان في النهي عن الاستنجاء باليمين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي وشعيب بن يوسف واللفظ له عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان رضي الله عنه، أنه قال: (قال المشركون: إنا لنرى صاحبكم يعلمكم الخراءة، قال: أجل، نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة، وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار)].

    أورد النسائي: حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنه قال المشركون: (نرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة، فقال: أجل، نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، وأن نستقبل القبلة) يعني: عند قضاء الحاجة، (ألّا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار)، فحديث سلمان هذا سبق أن تقدم فيما مضى، وأورده هنا من أجل ما اشتمل عليه مما ترجم له وهو: المنع من الاستنجاء باليمين.

    والمشركون قالوا لـسلمان الفارسي رضي الله عنه: (نرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة)، وكأنهم قالوا هذا على سبيل العيب، فـسلمان رضي الله عنه وأرضاه، لم يقل: إنكم تعيبون، وسب، وعاب، وذم، وإنما أثبت هذا الذي قالوه، وبين أن هذا من محاسن هذه الشريعة ومن كمالها، وفيه بيان أن نبينا عليه الصلاة والسلام بين لنا كل شيء حتى آداب قضاء الحاجة، فما تركها دون أن يبينها لنا، فصار ذلك على سبيل المدح، وعلى سبيل بيان كمال هذه الشريعة، وبيان كمال نصح الذي جاء بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأنه بين للناس ما يحتاجون إليه.

    وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم)، وقد بين عليه الصلاة والسلام أصول الدين وفروعه، وبين للناس ما يحتاجون إليه، وهذا الحديث- كما سبق أن ذكرت فيما مضى- يستدل به أهل السنة والجماعة على المؤولين في آيات الصفات، والذين يقولون: إنه ليس لله يدان حقيقيتان، وإنما المراد باليد النعمة، أو القدرة، ويقولون: الاستواء هو الاستيلاء، ويقولون: إن كذا هو كذا، ويأتون بمعان لآيات وأحاديث الصفات، فيستدل عليهم أهل السنة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين آداب قضاء الحاجة كما جاء في حديث سلمان فكيف يبين آداب قضاء الحاجة ويترك أمر الأصول والعقيدة غير مبين، ويجعل الناس يتخرصون، فهذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، والمراد كذا، والمراد كذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين ذلك على قولهم وعلى زعمهم، بل النبي صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم خاطب أناساً عرباً، فهموا ما خوطبوا به.

    وقد قال ابن القيم: إن من قال: إن عقيدة السلف التفويض في المعاني، وأنهم لا يعرفون المعاني فإنه قد جهل مذهب السلف، ونسبهم إلى الجهل، جهل مذهبهم وجهلهم بأن قال: إنهم جهال لا يعرفون معاني ما خوطبوا به، وأيضاً كذب عليهم إذ أضاف إليهم شيئاً ما قالوه.

    إذاً: فمعاني الآيات وأحاديث الصفات فهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم ممن سار على منوالهم، كما جاء عن الإمام مالك حيث قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

    تراجم رجال إسناد حديث سلمان في النهي عن الاستنجاء باليمين

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي وشعيب بن يوسف].

    عمرو بن علي هذا هو: الفلاس الذي مر ذكره مراراً، وهو من الثقات الحفاظ النقاد، المعروفين بالكلام في الرجال والجرح والتعديل، وهو من رجال الجماعة.

    أما شعيب بن يوسف شيخ النسائي فهو ثقة، خرج له النسائي فقط، فهو من رجال النسائي، وهو من الثقات.

    قوله: (واللفظ له) يعني لما ذكر شيخين بين أن هذا اللفظ هو لفظ شعيب، وليس لفظ عمرو بن علي؛ لأنه كما هو معلوم أن الرواة يختلفون في سياق الحديث، فيكون فيه اختلاف في التعبير، فقال: هذا اللفظ الموجود هو لفظ شعيب، وسبق أن ذكرت أن النسائي أحياناً يذكر شيخين، لكن ما يبين لمن له اللفظ، وأحياناً يبين ذلك، وقد مر بنا في مواضع تبيين من له اللفظ وهو للثاني منهما، يقول: واللفظ له، فأظنه يرجع إلى أقرب مذكور، أما مسلم فهذه طريقته، فإنه يذكر عدداً من الشيوخ ثم يقول: واللفظ لفلان، حدثنا فلان، وفلان، وفلان، واللفظ لفلان؛ يعني مثل طريقة النسائي فهذه مثلها في الجملة، أما البخاري فقد ذكرت فيما مضى أن عادته أنه لا يذكر: واللفظ لفلان، ولكن الذي عرف بالاستقراء من صنيعه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر: أن اللفظ المذكور هو للشيخ الثاني من شيخيه، قال الحافظ ابن حجر: هذا هو الذي عرف بالاستقراء من صنيع البخاري، وقد ذكر هذه الفائدة في شرح حديث جابر بن عبد الله: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب مسيرة شهر) عند شرح هذا الحديث بين هذه الفائدة وهي أنه قد عرف بالاستقراء من صنيع البخاري أنه عندما يذكر شيخين فإن اللفظ الذي يذكره يكون للثاني منهما، قال: والدليل على هذا: أن الأول الذي ما ذكر اللفظ له يأتي به في موضع آخر من الصحيح، ولفظه يختلف عن اللفظ الذي أثبته، فإذاً: يكون هو للثاني لا للأول.

    أما النسائي: فكونه يذكر اثنين من شيوخه ولا يذكر من له اللفظ لا أدري ما هي طريقته، هل اللفظ للثاني، أو اللفظ للأول؟ ولعله يتبين لنا فيما ندرسه من الأحاديث في المستقبل ما يفيد طريقته، أو يرشد إلى طريقته رحمه الله.

    [عن عبد الرحمن بن مهدي].

    و عبد الرحمن بن مهدي هذا يأتي ذكره لأول مرة، لكن جاء ذكره فيما مضى مقروناً مع يحيى بن سعيد القطان بمناسبة ذكر الذهبي للاثنين، وأنهما إمامان من أئمة الجرح والتعديل، وأنهما إذا اتفقا على جرح شخص فمعناه: أنه لا يسأل عن جرحه، وأنهما أصابا الهدف، وعبر عن ذلك بعبارة جميلة حيث قال: إذا اتفقا على جرح شخص، فلا يكاد يندمل جرحه. هذا كلام الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل.

    و عبد الرحمن بن مهدي هذا هو إمام، قال عنه الحافظ: ثقة، حجة، حافظ، عارف بالرجال والعلل، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سفيان].

    و سفيان هذا غير منسوب، جاء في الإسناد غير منسوب، وفي ترجمة عبد الرحمن بن مهدي روى عن سفيان بن عيينة وروى عن سفيان الثوري، ولهذا قالوا: روى عنه السفيانان: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وروى عنه الحمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة. وفي ترجمة كل من سفيان بن عيينة وسفيان الثوري قالوا: رويا عن الأعمش وعن منصور، الذي روى عنهم هنا في الإسناد.

    إذاً: سفيان هنا محتمل لأن يكون هذا وهذا، لكن أيهما بالنسبة للتلاميذ، فـعبد الرحمن بن مهدي موجود هنا وهو تلميذ لـسفيان الثوري ولـسفيان بن عيينة، وأنا أقول روى عنه السفيانان.

    ولم يتبين لي أو ما تمكنت في البحث أن أعرف أي الاثنين هو. وقد ذكرت فيما مضى أن الطريقة التي يعرف بها أي الاثنين يعتبر هو المراد عند الإطلاق فيما إذا كان الاثنان تلميذين لشخص، فإن ذلك المبهم يعرف بمن يكون أكثر رواية وأكثر ملازمة.

    فمن ناحية الملازمة وأيهما أكثر رواية لا أعرف ذلك حتى الآن، ولكن كما ذكرت: أن عبد الرحمن يروي عن السفيانين، والسفيانان يرويان عن الأعمش وعن منصور، فيحتاج معرفة أيهما أكثر ملازمة، ومن يكون أكثر رواية، وهذا ما لم أتوصل إليه الآن، ولعلي أبين ذلك فيما بعد إن شاء الله.

    [عن الأعمش].

    وهو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وقد مر ذكره وهو من رجال الجماعة، فالسفيانان هما من رجال الجماعة أيضاً، الذي يحتمل أن يكون هذا أو هذا فكل منهما من رجال الجماعة، ومنصور بن المعتمر أيضاً كذلك من رجال الجماعة، وهما في طبقة واحدة: منصور، والأعمش، وقد سبق أن مر ذكرهما معاً، وسليمان الأعمش يأتي ذكره بلقبه، ويأتي ذكره باسمه، وقد ذكرت ذلك فيما مضى مراراً.

    [عن إبراهيم].

    وهو: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الذي سبق أن مر ذكره، وهو يروي عن خاله عبد الرحمن بن يزيد هنا؛ يعني: إبراهيم النخعي يروي عن خاليه: الأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن يزيد، وهنا يروي عن عبد الرحمن، وقد سبق أن مرت روايته عن الأسود بن يزيد فيما مضى.

    [عن سلمان].

    هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر الحديث عنه، ومر ذكر ما له من الأحاديث، وسلمان هو الذي يقول فيه الشاعر وهو يبين فضل الإسلام، وأن من كان قد ظفر بالإسلام وهداه الله للإسلام، فهو الذي ظفر بكل خير، يقول الشاعر:

    لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

    فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب

    فـأبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا النسب وهذا القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفعه، وإنما هذا الرجل الفارسي الذي ليس من العرب وليس من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم رفعه الله تعالى بالإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

    وقد وضع الشرك -أي: حط الشرك هذا، ورفع الإسلام هذا-، فهذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إنسان من الفرس، لكن الله تعالى رفعه بالإسلام.

    1.   

    دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء

    شرح حديث: (أن النبي توضأ فلما استنجى دلك يده بالأرض)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء.

    أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما استنجى دلك يده بالأرض)].

    يقول النسائي رحمه الله: باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء.

    والمقصود من ذلك: هو التحقق من إزالة ما علق بها وما باشرته من النجاسة، فيكون ذلك زيادة في التحقق والاطمئنان إلى ذهاب ما علق بها.

    ومن المعلوم أن هذا فيما إذا كان الإنسان يستنجي على الأرض، أو في مكانه تراب، أما حيث لا يكون ذلك فإنه يمكن أن يكون بعد الاستنجاء فيغسل إما بالصابون، أو بغير الصابون، وبذلك يحصل التحقق من النظافة بعد مباشرتها للاستنجاء.

    وأورد النسائي فيه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما استنجى دلك يديه بالأرض)، قوله: (فلما استنجى) يعني: لما استنجى قبل الوضوء دلك يديه بالأرض؛ يعني: بعد الاستنجاء وعند الاستنجاء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي توضأ فلما استنجى دلك يده بالأرض)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].

    ومحمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي هو: ثقة حافظ، قال عنه الحافظ في التقريب: خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    [حدثنا وكيع].

    وهو: ابن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، الذي سبق أن مر بنا ذكره، وهو ثقة، حافظ، إمام، من المتمكنين، ومن الثقات المعروفين، ومن المؤلفين والمصنفين في الحديث، وقد مر ذكره في الأحاديث الماضية.

    [عن شريك].

    وهو: ابن عبد الله القاضي النخعي وأيضاً سبق أن مر ذكره أيضاً في الأحاديث الماضية، وهو صدوق يخطئ، واختلط بعد أن ولي القضاء، وقد خرج له البخاري تعليقاً، وروى له مسلم والأربعة.

    [عن إبراهيم بن جرير].

    وهو: إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي ، صدوق، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

    [عن أبي زرعة].

    وهو: ابن عمرو بن جرير البجلي؛ يعني: ابن أخي الذي قبله؛ لأن إبراهيم بن جرير عم أبي زرعة بن عمرو بن جرير، الراوي عنه عمه؛ لأن عمراً وإبراهيم أخوان، وأبو زرعة هذا ثقة، من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب.

    وأبو زرعة هذه كنيته، وقد اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً، ولكنه مشهور بكنيته، وأبو زرعة من التابعين، بل هو من كبار التابعين، وهو يروي عن عدد من الصحابة، وهو في القرن الأول، ويوافق أبا زرعة في هذه الكنية عدد من العلماء والمحدثين، ومن هؤلاء الذين يوافقونه في الاشتهار بهذه الكنية: أبو زرعة الرازي، وأبو زرعة الدمشقي.

    وأبو زرعة الرازي هو أحد الحفاظ النقاد الذين لهم كلام كثير في الجرح والتعديل، وابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل كثيراً ما ينقل عن أبيه أبي حاتم، وأبي زرعة الرازي، ويأتي ذكرهما كثيراً مقرونين في الكلام في الرجال، وكثيراً ما يذكرهما ويقرن بينهما عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، فيقول: عن أبيه وعن أبي زرعة.

    إذاً: فهو مشهور بالجرح والتعديل، وقد خرج له مسلم حديثاً واحداً في الدعاء رواه عنه مباشرة، واسمه عبيد الله بن عبد الكريم وكانت وفاته سنة أربع وستين ومائتين، بعد وفاة الإمام مسلم بثلاث سنوات؛ لأن مسلماً توفي سنة إحدى وستين ومائتين، وأبو زرعة الرازي توفي سنة أربع وستين ومائتين.

    وأبو زرعة الدمشقي أيضاً مشهور بهذه الكنية، وهو: عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي، وهو محدث مؤرخ، له تاريخ دمشق، وهو من الثقات الحفاظ، وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين ومائتين، فأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي كلاهما من علماء القرن الثالث.

    وممن اشتهر بكنية أبي زرعة من المتأخرين: ابن العراقي ولي الدين الذي يأتي النقل عنه كثيراً في كلام السيوطي في حاشيته على النسائي حيث يقول: قال الشيخ ولي الدين، فـولي الدين أبو زرعة بن العراقي هو: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أيضاً كنيته أبو زرعة، وهو مشتهر بهذه الكنية، يقال: أبو زرعة العراقي، ويقال له: ولي الدين، ولأبيه: زين الدين الذي هو عبد الرحيم صاحب الألفية، وصاحب الكتب، وأيضاً هذا المؤلف الذي هو ابنه يكنى أبا زرعة، وقد توفي سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكنيته أبو زرعة العراقي أو ابن العراقي. فهذان مشهوران بهذه الكنية وهي: أبو زرعة.

    ومن المعلوم أن أزمانهم متفاوتة، فـأبو زرعة بن جرير من التابعين ومن كبارهم، فهو يروي عن الصحابة ويروي كثيراً عن أبي هريرة، ويأتي ذكره في الصحيحين وهو الراوي عن أبي هريرة آخر حديث في صحيح البخاري: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فإن هذا الحديث يرويه أبو زرعة عن أبي هريرة، وهو كما ذكرت من رجال الجماعة وهو متقدم.

    أما الرازي والدمشقي فهما في القرن الثالث، ومسلم روى عن أبي زرعة الرازي حديثاً واحداً، وروى عنه أيضاً بعض أصحاب الكتب، أما أبو زرعة الدمشقي فلم يخرج له إلا أبو داود.

    [عن أبي هريرة].

    و أبو هريرة هو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث، وسبق أن مر ذكره مراراً.

    شرح حديث: (... فاستنجى بالماء، وقال بيده فدلك بها الأرض)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن الصباح حدثنا شعيب؛ يعني: ابن حرب حدثنا أبان بن عبد الله البجلي حدثنا إبراهيم بن جرير عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء فقضى الحاجة، ثم قال: يا جرير! هات طهوراً، فأتيته بالماء، فاستنجى بالماء وقال بيده، فدلك بها الأرض).

    قال أبو عبد الرحمن: هذا أشبه بالصواب من حديث شريك، والله سبحانه وتعالى أعلم].

    ذكر النسائي حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخلاء، وقضى حاجته ثم قال: ( هات طهوراً فأتاه بالماء فاستنجى ودلك بيده على الأرض ) وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا، لكون المصنف مراده من ذلك الاستدلال على دلك اليد بعد الاستنجاء، وهو دال على ما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فاستنجى بالماء، وقال بيده فدلك بها الأرض)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن الصباح].

    وهو شيخ النسائي، وهو ثقة، وقد خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    يعني: ثلاثة في هذين الإسنادين كلهم من رجال البخاري، وأبي داود، والنسائي: شيخ النسائي في الإسناد الأول، وشيخه، وشيخ شيخه في الإسناد الثاني، فشيخ النسائي في الإسناد الأول: محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي وأحمد بن الصباح، وشعيب بن حرب هؤلاء الثلاثة كلهم من الثقات.

    [حدثنا شعيب؛ يعني ابن حرب].

    و شعيب بن حرب كما قلت: هو ثقة، وقد خرج حديثه الثلاثة: البخاري، وأبو داود، والنسائي.

    [حدثنا أبان بن عبد الله].

    وأبان بن عبد الله البجلي صدوق، فيه لين، وخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا إبراهيم بن جرير].

    و إبراهيم بن جرير وهو الراوي عن ابن أخيه في الإسناد الأول، فهنا إبراهيم بن جرير يروي عن أبيه جرير، وهو صدوق قيل: إنه لم يسمع من أبيه، قال الحافظ: وقد جاء أنه صرح بالتحديث عن أبيه، قال: وهذا إنما هو من غيره؛ يعني: العهدة، أو الغلط من غيره؛ يعني: ممن هو دونه هو الذي غلط فنسب إليه التحديث، وإلا فإن روايته عنه بالعنعنة وهو لم يسمع منه، بل هو يرسل عنه، وقد جاء في بعض المواضع التصريح بالتحديث عن أبيه، وسبق أن عرفنا أنه خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن أبيه].

    وهو: جرير بن عبد الله البجلي، وهو والد إبراهيم هذا الذي روايته عنه مرسلة وليست متصلة، وجرير من الصحابة المشهورين، وكان كبيراً في قومه، ووجيهاً في قومه، ولما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبايعه روى عنه كما في الصحيحين قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) وقد قالوا: إنما بايعه على النصح لكل مسلم؛ لأنه كان كبيراً في قومه، وكان عليه الصلاة والسلام عندما تحصل المبايعة يخص بعض الأشخاص بما يمكن أن يفيد فيه، ولما كان جرير كبيراً في قومه، وزعيماً في قومه، وله تأثير فيهم كان مما بايعه عليه: النصح لكل مسلم، حتى يجد ويجتهد في الدعوة إلى الإسلام وفي النصح للمسلمين، قالوا: هذا من وجه كون النبي صلى الله عليه وسلم عندما بايعه، بايعه على النصح لكل مسلم، وهو الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لهدم ذي الخلصة، فهدمها ومعه جماعة من قومه (أحمس) وهم من بجيلة، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ولقومه، وهو الذي كان لا يثبت على الخيل، ولما أراد أن يرسله قالوا له: إنه لا يثبت فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بعد ذلك لا يتحرك من الخيل ويثبت عليها بعد أن دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان رضي الله عنه جميلاً وسيماً، وكان يوصف ويلقب بأنه يوسف هذه الأمة؛ يعني لجماله وحسنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    وقد قال في الخلاصة: إن له مائة حديث، اتفق البخاري، ومسلم على ثمانية منها، وانفرد البخاري بحديث، وانفرد مسلم بستة أحاديث.

    والنسائي لما أورد الحديثين قال بعد الحديث الأخير: وهذا أشبه بالصواب؛ يعني: كونه أشبه بالصواب من حديث جرير؛ يعني الحديث متقدم؛ لأن عنده حديثين: حديثاً عن أبان عن إبراهيم، وحديث عن شريك عن إبراهيم قال: وهذا الحديث يعني: حديث أبان أشبه بالصواب من حديث شريك؛ أي: أنه من مسند جرير، وقد قال بعض العلماء: إن الحديثين لا تنافي بينهما، بل يمكن أن يكون الحديث عن إبراهيم من طريقين بإسنادين، بإسناد عن ابن أخيه أبي زرعة عن أبي هريرة، وبإسناد آخر عن أبيه جرير بن عبد الله، فلا تنافي بين الإسنادين، ولا محذور فيهما، فيمكن أن يكون الحديث عند إبراهيم بن جرير من طريقين: من مسند أبي هريرة، ومن مسند جرير بن عبد الله البجلي.

    ومن المعلوم أن إبراهيم لم يسمعه من أبيه، وروايته عنه مرسلة، لكن إذا ضم إليه الحديث المتقدم فإنه يرتقي إلى درجة الاحتجاج، ويزول عنه ذلك المحذور الذي هو الإرسال، فإذا ضم الحديثان بعضهما إلى بعض فيكون الحديث حسناً، ويكون حجة فيحتج به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755959959