إسلام ويب

المداومة على العمل الصالحللشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم ديمة، وهذا من أحب الأمور إلى الله، لذا ينبغي في حق المسلم قضاء ما يفوته من العمل، لتحقيق دوام اتصال القلب بالله، وللحصول على محبة الله للعبد وحسن الختام وتكفير الذنوب وتيسير الحساب والاستظلال بظل الله ودخول الجنة، ومن الأع

    1.   

    فوائد المداومة على العمل الصالح

    الحمد لله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يضل من يشاء ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين والهادي إلى صراط مستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا وعملوا الصالحات وسارعوا إليها، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا أيها المسلمون! اتقوا الله تعالى واعلموا أن المتقين لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:64].

    فأبشروا بنعمة من الله وفضل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

    عباد الله! لقد حصلت لكم النعمة والبشرى بإكمال عدة شهر رمضان، ألا وإن من شكر الله عز وجل وهو علامة من علامات قبول العمل الصالح: الاستمرار في الصالحات.

    إن المداومة على الأعمال الصالحة فيها فوائد وبركات، فمن فوائد ذلك: أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم كان ديمة، فقد روى مسلم في صحيحه أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( كان ديمة ).

    وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أحب أن يثبته.

    ومن فوائد المداومة على العمل الصالح: أن ذلك هو أحب الأعمال إلى الله عز وجل، وإذا تقرب العبد إلى الله عز وجل بما يحبه أحبه الله عز وجل، فحصلت له سعادة الدنيا والآخرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) خرجاه في الصحيحين.

    وروى مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ( أي العمل كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم )، متفق عليه.

    ومن فوائد المداومة على العمل الصالح: أن من فاته شيء من الأعمال التي يداوم عليها استحب له أن يقضيه، ولولا ما للمداومة من أهمية ما شرع له ذلك، فقد روى عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فاته شيء من ورده أو جزئه من الليل، فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى الظهر، فكأنما قرأه من ليلته) رواه مسلم.

    وفي حديث عائشة في صحيح مسلم قالت: ( وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة قضاءً للوتر ).

    ومن بركات المداومة على العمل الصالح: دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتاً وتعلقاً بالله عز وجل وتوكلاً عليه، ومن ثم يكفيه الله همه، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].

    ومن فوائد ذلك: تعهد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات حتى يسهل عليها، ومن ثم تصبح ديدناً لها لا تنفك عنها رغبة فيها، وكما قيل: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

    ومن فوائد ذلك: أن المداومة على العمل الصالح سبب لمحبة الله تعالى للعبد وولايته له، كما جاء في الحديث القدسي، فقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري في صحيحه.

    ومن ذلك: أن المداومة على العمل الصالح سبب للنجاة من الشدائد، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا غلام! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، فقلت: بلى، فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما.

    وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يستجيب الله له في الشدائد، فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي.

    ومن ذلك: أن المداومة على العمل الصالح تنهى صاحبها عن الفواحش، قال الله عز وجل: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

    وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، فقال: إنه سينهاه ما تقول)، رواه الإمام أحمد والبيهقي .

    ومن ذلك: أن المداومة على العمل الصالح سبب لمحو الخطايا والذنوب، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا)، خرجاه في الصحيحين.

    وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) متفق عليه.

    ومن ذلك: أن المداومة على العمل الصالح سبب لحسن الخاتمة، نسأل الله بمنه وكرمه أن يحسن لنا خاتمتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وذلك أن المؤمن يصبر على أداء الطاعات كما يصبر عن المعاصي والسيئات، محتسباً الأجر على الله عز وجل، فيقوى قلبه على هذا، وتشتد عزيمته على فعل الخير، فلا يزال يجاهد نفسه على الطاعات وعلى الانكفاف عن السيئات، فيوفقه الله عز وجل لحسن الختام، قال الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    ومن ثمرات المداومة على العمل الصالح: أن المداومة على العمل الصالح سبب لتيسير الحساب يوم القيامة، وسبب لتجاوز الله عز وجل عن العبد، روى حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً لقي ربه، فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلاً ذا مال، وكنت أطالب به الناس فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور، فقال الله عز وجل: تجاوزوا عن عبدي) رواه البخاري ومسلم.

    ومن ثمرات المداومة على العمل الصالح: أنها سبب لأن يستظل العبد في ظل الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، فقد أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

    ووجه ذلك: أن عدل الإمام ونشوء الشاب في عبادة ربه، وتعلق القلب في المساجد، وتحاب الرجلان في الله لا بد فيه من الاستمرار والمداومة حتى يحصل به هذا الفضل العظيم.

    ومن بركات المداومة على العمل الصالح: أنها سبب لطهارة القلب من النفاق، ونجاة صاحب المداومة من النار.

    اللهم! اجعلنا من المداومين على الأعمال الصالحة، الملازمين لها، يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم! صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم! صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم! عن صحابة نبيك أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين، أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى بقية العشرة المبشرين، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين.

    عباد الله! ومن فوائد المداومة على العمل الصالح: أن المداومة سبب لدخول الجنة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين من الأشياء في سبيل الله، دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر : ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم).

    ثم اعلموا يا عباد الله، أن من داوم على عمل صالح ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر ونحو ذلك، كتب له أجر ذلك العمل، وهذه فائدة عظيمة من فوائد المداومة على العمل الصالح، فقد أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً).

    1.   

    الأعمال التي ينبغي المداومة عليها

    عباد الله! وهناك طائفة من الأعمال الصالحة حري بالمسلم أن يداوم عليها، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، واغتناماً لبركات المداومة على العمل الصالح، واتباعاً لهدي السلف الصالح، ومن ذلك:

    السنن الرواتب: فعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بني له بيت في الجنة). قالت أم حبيبة: ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عنبسة : فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة ، وقال عمرو بن أوس : ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة ، وقال النعمان بن سالم : ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس .

    ومن ذلك: الوتر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه سفراً وحضراً، وتقدم قول عائشة رضي الله عنها: (وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).

    ومن ذلك: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعها.

    ومن ذلك: صيام ستة أيام من شوال،ـ فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم .

    ومن ذلك أيضاً: صلاة الضحى كما جاء في حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ) والسلامى: هي المفصل من مفاصل الإنسان والإنسان فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً (فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).

    وفي حديث عائشة في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الضحى أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله).

    ومن ذلك: ركعتا الوضوء.

    ومن ذلك: تحية المسجد.

    ومن ذلك: الصدقة.

    ومن ذلك: كثرة الاستغفار والذكر والتوبة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله ويستغفره في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة.

    نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يجعلنا ممن يتبع الصالحات بالصالحات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم! صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم! عليك بأعداء الدين، اللهم! عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم! شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم! الدائرة عليهم، وانصر اللهم! المسلمين عليهم، يا قوي! يا عزيز!

    اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء، فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم! تدبيره في تدميره، واجعل اللهم! الدائرة عليه، اللهم! آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم! اجعلهم محكمين لكتابك، وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم! إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم! اشف مرضى المسلمين، اللهم! اجعل ما أصابهم زيادة في حسناتهم، وكفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم! اغفر لموتى المسلمين، اللهم! اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

    اللهم! إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

    اللهم! صل وسلم على سيدنا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755816337