إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [9]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المرتد كالكافر الأصلي لابد له من الإتيان بالشهادتين ليسلم، ويضاف إلى ذلك رجوعه عن السبب الذي اقتضى ردته، وقد اختلف أهل العلم في قبول توبة من تكررت ردته، مع الحاجة إلى قيام القرائن على صدق التوبة وصلاح السريرة.

    1.   

    تابع حد الردة

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتوبة المرتد وكل كافر: إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه، فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قوله: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام].

    تقدم لنا ما يتعلق بالبغاة وذكرنا ما يشترط للبغاة من شروط، وأيضاً ما حكمهم إذا تخلف أحد هذه الشروط، وتقدم لنا أيضاً سبب تسميتهم، وما يلزم الإمام تجاههم، وحكم ما إذا اقتتلت طائفتان لعصبية أو قبلية، وضمان ما أتلفته هاتان الطائفتان، ثم شرعنا بعد ذلك في أحكام المرتد، وأن المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه، وذكرنا شرطه وهل يستتاب المرتد أو لا يستتاب؟

    ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا تقبل توبة من سب الله) تكلمنا على هذه المسألة, وأيضاً هل تقبل توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟

    وقلنا: الصحيح في ذلك أنها تقبل ولكن يعاقب، وذكرنا عقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو نبياً من الأنبياء.

    حكم من تكررت ردته

    قال رحمه الله: (ولا من تكررت ردته).

    من تكررت ردته لا تقبل توبته، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله؛ لقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137] . فقال: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137] مما يدل على أن توبتهم غير مقبولة، وعند جمهور أهل العلم: أن من تكررت ردته فتوبته مقبولة؛ لعموم أدلة قبول التوبة، ومن ذلك قول الله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] ، وأيضاً: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] .. إلى آخره.

    وأما الآية التي استدل بها الحنابلة فإنه ليس فيها أنه تاب، وإنما الذي فيها: ثُمَّ ازْدَادُواكُفْرًا [النساء:137], و لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ [النساء:137], فهنا أصروا على كفرهم، وازدادوا كفراً على كفرهم.

    فنقول: إن توبتهم غير مقبولة لكونهم ازدادوا كفراً، ولم يتوبوا أصلاً.

    قال رحمه الله: (بل يقتل بكل حال).

    يقتل بكل حال بناءً على المذهب وأن توبته غير مقبولة، وذكرنا الصواب في ذلك أن من سب الله فتوبته مقبولة، ومن تكررت ردته أن توبته مقبولة، لكن لابد أن تقوم القرائن الدالة على صدق التوبة وصلاح السريرة.

    أقسام سب الصحابة

    لم يذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بسب الصحابة، وتقدم أن تكلمنا على سب الصحابة في شرح نواقض الإسلام، فنعيده على سبيل الاختصار والإجمال, فنقول: سب الصحابة ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن يسبهم كلهم أو جلهم بما يطعن في دينهم أو عدالتهم فهذا كفر وردة، أي بأن قال: الصحابة كفار أو فساق أو نحو ذلك.

    القسم الثاني: سب من تواترت النصوص بفضله بما يطعن في دينه أو عدالته, فهذا أيضاً كفر وردة، واختلف العلماء رحمهم الله في من هو الذي تواترت النصوص في فضله؟ فيقال: إنهما الشيخان، وقيل إنهم: الخلفاء الأربعة.

    القسم الثالث: أن يسبهم كلهم أو جلهم بما لا يطعن في دينهم وعدالتهم، كما لو سبهم ببعض الصفات القبيحة كالبخل، والجهل، وعدم الدراية ونحو ذلك, فهذا فسق يعزر هذا الساب تعزيراً شديداً.

    القسم الرابع: أن يسب من لم تتواتر النصوص بفضله بما يقدح في دينه أو عدالته, فهذا أيضاً موضع خلاف هل هو كفر أو فسق؟ والأكثر على أنه فسق.

    القسم الخامس: أن يسب عائشة رضي الله تعالى عنها بما برأها الله منه، فهذا كفر وردة؛ لأنه مكذب للقرآن.

    القسم السادس: أن يسب بقية أمهات المؤمنين بما برأ الله عز وجل عائشة منه، فهذا أيضاً حكمه كما تقدم.

    أيضاً ما يتعلق بإتيان الكهنة والسحرة، وحكم الكاهن والساحر تقدم لنا في شرح العقيدة, وسنتطرق له إن شاء الله في كتاب التوحيد في الفصل القادم بإذن الله عز وجل.

    ما تتحقق به توبة المرتد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به أو قوله أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام).

    المرتد توبته تحصل بأمرين:

    الأمر الأول: رجوعه عن السبب الذي اقتضى له الردة، فإذا كان السبب الذي اقتضى له الردة جحد تحريم حرام، أو إباحة حلال، كجحد تحريم الخمر، أو جحد تحريم الزنا، فلابد أن يرجع عن ذلك، أو جحد إباحة أكل الخبز لابد أن يرجع عن ذلك أيضاً.

    الأمر الثاني: لابد أن يشهد الشهادتين كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في قوله: (وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه)؛ لأن الإسلام إنما يحصل بهاتين الشهادتين.

    قال رحمه الله: (ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه).

    جحد فرض كما لو حلل حراماً، أو حرم حلالاً، أو جحد وجوب الصلاة ونحو ذلك.

    قال رحمه الله: (فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قوله: أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام).

    من كل دين يخالف الإسلام، فلابد من هذين الأمرين في توبة المرتد، أن يرجع عن السبب الذي اقتضى له الردة، وأن يأتي بالشهادتين.

    وهنا انتهى باب الردة، وبهذا انتهى ما يتعلق بالحدود. وبالنسبة للمرتد يكون محجوراً عليه فيما يتعلق بأمواله، وهذا نوع من أنواع الحجر، فيمنع من التصرف في أمواله ببيع أو شراء أو هبة حتى يتبين أمره، فإما أن يرجع إلى الإسلام فترجع إليه أمواله، وإما أن يقتل فتكون أمواله فيئاً في بيت مال المسلمين، فيمنع من التصرف في أمواله، لكن يخرج منها الواجبات من قضاء الديون، والإنفاق عليه وعلى أولاده.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756229687