إسلام ويب

شرح تحفة أهل الطلب في تجريد قواعد ابن رجب [12]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا ثبت ملك الإنسان لعين فله التصرف بها حتى قبل قبضها إذا لم يخش انفساخ العقد بهلاكها، أو ملكه بغير عوض كالهبة، أو بغير عقد كالغنيمة، وليس له التصرف في ملكه إذا تعلق بحق غيره تعلقاً مستقراً، أو أدى إلى إسقاط ملك الغير.

    1.   

    تابع القاعدة الثانية والخمسون: من مالك مالاً هل له التصرف فيه قبل قبضه؟

    تقدم لنا القسم الأول في القاعدة الثانية والخمسين: إذا ملك متى يجوز له أن يتصرف قبل القبض؟ وتكلمنا عن عقد البيع، وتبين لنا أن الكلام إما أن يكون عن الثمن، وإما أن يكون عن المثمن، وكل منهم تحته أنواع، وقد تقدم الكلام عليها والتفصيل فيها.

    ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله تعالى فيما قال: (فأما غير المبيع من عقود المعاوضات فهي ضربان: ما يخشى انفساخ العقد بتلفه قبل قبضه كالأجرة المعينة).

    إذا تلفت الأجرة فالمؤجر له أن يفسخ؛ لأن الإجارة بيع المنافع، والمنافع تقبض شيئاً فشيئاً، فله الحق في الفسخ، ومثله أيضاً قال: (والعوض في الصلح بمعنى البيع ونحوها، فحكمه حكم البيع).

    معنى كلامه: إذا تلف فيه العوض يخشى فيه الانفساخ لتلفه فهذا حكمه حكم البيع، وعلى هذا نرجع هذا القسم إلى القسم الأول.

    التصرف فيما لا يخشى انفساخ بتلفه قبل قبضه

    القسم الثالث: قال رحمه الله: [ما لا يخشى انفساخ العقد بهلاكه قبل قبضه، مثل: الصداق، وعوض الخلع، والعتق، والمصالح به عن دم العمد، ونحو ذلك فيه وجهان]:

    الوجه الأول: يجوز التصرف قبل القبض.

    والوجه الثاني: لا يجوز.

    والصواب أنه يجوز؛ فعندك ما مثل به المؤلف رحمه الله: الصداق، فلو أن رجلاً تزوج امرأةً وأصدقها ألف دينار، وقبل أن تقبضها هل لها أن تتصرف فيها أو ليس لها أن تتصرف؟ المؤلف يقول: فيه وجهان، والصواب: أن لها التصرف؛ لأن المنع إنما ورد في البيع، فهذه المرأة إذا أصدقها زوجها سيارةً أو أصدقها أرضاً أو أصدقها دنانير... ونحو ذلك، وقبل أن تقبض هذا المهر، نقول: لها أن تتصرف، ولها أن تبيع، ولها أن توقف، ولها أن تهب... إلى آخره.

    ومثله أيضاً: وعوض الخلع، فلو أنها خالعت زوجها على أن تعطيه عوضاً، فهل له أن يتصرف في هذا العوض؟ يعني قالت: اخلعني ولك سيارة، فهل له أن يتصرف قبل قبض هذه السيارة؟ نقول: نعم.

    وقال: (والعتق) قال: أعتق رقيقك وأعطك كذا وكذا، هل له أن يتصرف في هذا العوض أو لا؟ نقول: نعم له أن يتصرف.

    وقال: (والمصالح به عن دم العمد)، فلو أن شخصاً قتل شخصاً عمداً، ثم بعد ذلك صالح القاتل أولياء الدم على أن يعطيهم مثلاً أرضاً، أو يعطيهم مثلاً عشر سيارات وألا يقتل، فهل لأولياء الدم أن يتصرفوا في هذه الأرض أو في هذه السيارات أو في هذه الدراهم قبل قبضها أو ليس لهم ذلك؟ نقول: لهم ذلك؛ لأن الشارع إنما منع في البيع فقط.

    التصرف في العقود التي يثبت بها الملك من غير عوض

    قال: [عقود يثبت بها الملك من غير عوض، كالهبة والوصية والصدقة].

    هذا القسم الرابع: العقود التي يثبت بها الملك من غير عوض، يعني: عقود التبرعات.

    والخلاصة في عقود التبرعات أنه يصح التصرف فيها قبل قبضها.

    قال المؤلف: [فأما الوصية فيجوز التصرف فيها بعد ثبوت الملك وقبل القبض باتفاق الأصحاب].

    فلو أن رجلاً أوصى لرجل وقال: إذا مت فأعطوا زيداً كتابي، أو أعطوه سيارةً من سياراتي، أو أعطوه سيارة.. إلى آخره، ولما مات قبل الموصى له، الآن هل للموصى له أن يتصرف بهذه الوصية بأن يبيعها وأن يوقفها وأن يهبها، أو ليس له أن يتصرف فيها؟ نقول: له أن يتصرف فيها.

    ومثل ذلك الهبة، لو أنه وهبه سيارة وقبل أن يقبضها باعها، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: يصح؛ لأن المنع إنما جاء في البيع، كما جاء في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يقبضه)، يعني: حتى يستوفيه.

    قال: (القرض)، لو أنه أقرضه براً أو شعيراً أو دراهم، وقبل أن يقبض القرض تصرف فيه، هل يصح هذا التصرف أو لا يصح؟ نقول: بأنه يصح.

    التصرف في غير العقود بعد ثبوت الملك

    قال رحمه الله: [فأما الملك بغير عقد كالميراث والغنيمة].

    هذا القسم الخامس: الملك بغير عقد، أي ما يملكه الشخص بغير عقد هل له أن يتصرف فيه أو ليس له أن يتصرف فيه؟

    قال المؤلف رحمه الله: [أما الملك بغير عقد كالميراث والغنيمة والاستحقاق من مال الوقف أو الفيء للمتناولين منه كالمرتزقة في ديوان الجند، وأهل الوقف المستحقين له، فإذا ثبت لهم الملك وتعين مقداره، جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف].

    إذاً القسم الخامس: إذا ثبت الملك بغير عقد، جاز لمن ثبت له الملك أن يتصرف فيه.

    فمن ثبت له الملك وتعين مقداره فله أن يتصرف فيه، ومثل المؤلف رحمه الله مثل: (الميراث إذا ثبت)، فلو مات هذا الرجل وخلف ثلاثة أولاد، فكل ولد من الأولاد له ثلث التركة، فالتركة دخلت في ملك الورثة وتعين مقداره، وعرف أن له الثلث، فهل له أن يتصرف في نصيبه أو ليس له أن يتصرف؟ نقول: له أن يتصرف.

    ومثله أيضاً: الوقف على الفقراء، أو الوقف على طلبة العلم، فلو عندنا هذا البيت وقف على طلبة العلم، أو هذا النخل وقف على طلبة العلم، وطلبة العلم في هذا المسجد خمسة، فلكل منهم خمس الثمرة، فنقول: ما دام أن الآن ثبت له الملك وتعين مقداره، فله أن يتصرف فيه وإن لم يقبض، يعني: الموقوف عليه له أن يتصرف في نصيبه وإن لم يقبض ما دام أنه ثبت الملك وتعين له مقداره.

    ومثل ذلك أيضاً: الاستحقاق أو الفيء؛ فالفيء يقسم على المسلمين، فلو أن الإمام قسم مال الفيء على أهل هذه البلدة وتعين مقدار كل واحد، فله أن يتصرف فيه.

    التصرف في غير العقود قبل ثبوت الملك

    هذا القسم السادس: أن يكون الملك بغير عقد. ولا يوجد سبب الملك، ومثل المؤلف قال: [كتصرف الوارث قبل موت مورثه، والغانمين قبل انقضاء الحرب].

    فالقسم السادس: ألا يوجد سبب الملك، مثلاً: أحد الورثة باع نصيبه من الميراث قبل موت مورثه، هل وجد سبب الملك أو لم يوجد؟ نقول: سبب الملك -بالموت- ما وجد الآن، فأنت قد تموت قبله، فنقول بأن هذا لا يصح، فلو أن أحد الأبناء مثلاً باع نصيبه من ميراث أبيه قبل أن يموت أبوه، نقول بأن هذا لا يصح؛ لأنه لم يثبت الملك ولم يوجد سبب الملك؛ ولأنه قد يموت هذا الوارث قبل المورث.

    ومثله أيضاً قال: (والغانمين قبل انقضاء الحرب)؛ لأن الغانمين يملكون الغنيمة بالحيازة، وقيل: يملكونها بالقسمة، فالآن لم يحوزوا الغنيمة، ولم يوجد سبب الملك وهو انقضاء الحرب، فباع هذا الغانم الغازي نصيبه من الغنيمة قبل انقضاء الحرب، فهل يصح هذا أو لا يصح؟ نقول: لا يصح.

    وقال أيضاً: [من لا رسم له في ديوان العطاء في الرزق].

    مثلاً: إنسان لم يكتب في ديوان العطاء، يعني الإمام إذا كان يوزع بيت المال على المسلمين، وهذا الشخص لم يسجل في ديوان العطاء، وباع نصيبه، نقول: لا يصح. ومثله أيضاً: الموظف لو باع راتبه قبل أن يتعين في هذه الوظيفة، فهل يصح أو لا يصح؟ نقول: لا يصح؛ لأنه حتى الآن لم يوجد سبب الملك.

    التصرف في غير العقود بعد ثبوت الملك وقبل الاستقرار

    القسم الأخير قال المؤلف رحمه الله: [بعد وجود سبب الملك وقبل الاستقرار، كتصرف الغانمين قبل القسمة].

    فسبب الملك وجد وهو الحيازة، فقد حاز الغانمون الغنيمة، فالآن وجد السبب، لكنها لم تقسم الغنيمة، فلو قسمت الغنيمة وتعين مقداره صح أن يعاوض عليه، لكن حتى الآن ما قسمت، هل يجوز أو لا يجوز؟

    فالمؤلف رحمه الله يرى أنه لا يجوز، حتى بعد وجود السبب إذا لم يتعين مقداره، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: بأن هذا لا يجوز.

    قال رحمه الله: [والمرتزقة قبل حلول العطاء]، يعني: الذين يرزقهم الإمام من بيت المال ولم يأت وقت العطاء، هل يجوز أن يبيعوا حقهم من بيت المال أو لا يجوز؟ فالسبب موجود؛ وهو أنهم قد كتبوا في العطاء، يعني: سجلوا في العطاء، لكنه حتى الآن ما جاء وقت العطاء، لكن السبب موجود، فهل يجوز أن يبيعوا نصيبهم؟

    ومثل ذلك أيضاً: الموظف لو تصرف في راتبه قبل حلول الشهر، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟ فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: (بأن هذا لا يجوز).

    قال رحمه الله: [فقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه، ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولاً واحداً].

    الصك هو: السند الذي يأخذه الإنسان من بيت المال -وقد كان هذا في الزمن السابق- ليدل على أنه يريد من بيت المال كذا وكذا من الدنانير، فإذا باعه بدنانير أو بذهب أدى هذا إلى الوقوع في الربا؛ لأنه لا بد من التقابض يداً بيد، فعندما تبادل عملة بعملة لا بد أن تكون يداً بيد، وهنا لا يوجد تقابض، فأنت تبيع الآن ديناً بدنانير حاضرة، أي: دنانير غائبة بدنانير حاضرة، أو دراهم حاضرة بدنانير غائبة، نقول: هذا لا يجوز.

    قال رحمه الله: [وإن باعه بعروض جاز في إحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا، ومنع منه في الأخرى].

    إذا باعه بعروض يقول المؤلف رحمه الله بأن هذا جائز ولا بأس به وهو الصواب؛ لأنك الآن بعت الدين.

    إذا باعه بعروض فنقول: يجوز بيع الدين بعرض بشرطين.

    وقبل أن نذكر الشروط، نذكر أقسام بيع الدين فهو ينقسم إلى قسمين:

    بيع الدين على بيعه على من هو عليه وبيعه على غير من هو عليه من هو عليه

    القسم الأول: بيع الدين على من هو عليه.

    أنت تريد من زيد ألف دينار، قلت: أعطني ألف دينار، قال: ما عندي ألف دينار لكن عندي دولارات فأنا أعطيك دولارات، فالآن أنت بعت الدينارات عليه بالدولارات، قال: أنا ما عندي دينارات لكن أنا سأعطيك دولارات أو سأعطيك ريالات، فالآن أنت عوضت عن الدينارات بدولارات وهذا بيع، فإذا كان على من هو عليه يشترط شرطين:

    الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: التقابض إذا كان يجري بينهم ربا النسيئة.

    ومثال أن يكون بسعر يومه: أنت تريد منه دينارات، فالدينارات كم تساوي بالريالات؟ مثلاً تساوي بالريالات كذا وكذا، فألف دينار مثلاً تساوي كذا من الريالات، المهم أن يكون بسعر يومه.

    ومثال اشتراط التقابض إذا كان يجري بينهم ربا النسيئة: العملات، فالعملات تجري بينهما ربا النسيئة، فلا بد من قبض، لكن إذا كان لا يجري بينهما ربا النسيئة فلا يشترط القبض، فأنت تريد منه دينارات، قال: أنا سأعطيك بدلاً من ذلك ثياباً، أو سيارة، أو أرضاً، فهذا يصح وإن لم يكن هناك قبض، لكن لا بد أن يكون بسعر يومه، فأصبح بيع الدين على من هو عليه يشترط فيه شرطان:

    الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: القبض إن كان يجري بينهما ربا النسيئة، أما إذا كان لا يجري بينهما ربا النسيئة، مثل عملة بعروض: ثياب، كتب، أرض، سيارة فلا يشترط القبض، لكن لا بد بسعر يومه، لكن عملة بعملة فهذا لا بد من التقابض ما دام أنه يجري بينهما ربا النسيئة، هذا بيع الدين على من هو عليه.

    بيع الدين على غير من هو عليه

    القسم الثاني: بيع الدين على غير من هو عليه، وهو الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله هنا، ومثل ذلك ما يحدث اليوم، يعني ما تعمد إليه البنوك، فأنت لك عند الشركة هذه ديناً، يبلغ -مثلاً- عشرة آلاف ريال، فتذهب للبنك فيعطيك تسعة آلاف ريال ويتقبل هذا الدين عند الشركة، أو أنت تريد من الحكومة عشرة آلاف دينار فتذهب للبنك تعطيه السند الذي بعشرة آلاف دينار فيشتريه البنك بتسعة آلاف وخمسمائة، ويذهب إلى الحكومة ويأخذ العشرة آلاف، هذا يسمى بيع الدين على غير من هو عليه، وهو الذي أشار إليه المؤلف قال: (ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولاً واحداً)؛ لأن هذا يدخل فيه الربا.

    فنقول: بيع الدين على غير من هو عليه يجوز بثلاثة شروط:

    الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه كما سلف.

    الشرط الثاني: ألا يكون العوضان يجري بينهما ربا النسيئة؛ لأنك تقع في الربا، يعني لا يصح أن تبيع عملة بعملة حتى ولو اختلفت جنسها؛ لأنه لا بد من القبض، وهنا القبض غير ممكن، فمثلاً: أنت تريد من زيد ألف دينار بعتها على عمرو بدولارات، نقول: لا يجوز؛ لأنه لا بد من التقابض، ولا يوجد تقابض هنا، ولو بعت على عمرو بريالات فلا يجوز؛ لأنه لا بد من التقابض، فيشترط ألا يكون العوضان يجري بينهما ربا النسيئة، فإن كان يجري بينهما ربا النسيئة -يعني عند مبادلة أحد للآخر- لا بد من التقابض؛ لأن هذا لا يجوز، فبهذا نعرف أن ما تفعله بعض البنوك -من أنهم يشترون منك الديون عملة بعملة- لا يجوز؛ لأنه أعطاك دراهم بدراهم، والذي يأخذها نسيئة، حتى لو اختلف الجنس ولا يوجد تقابض، فنقول: إنه لا يجوز.

    فنقول: الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه.

    الشرط الثاني: ألا يكون العوضان مما يجري بينهما ربا النسيئة، فإن كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة فإن هذا لا يجوز.

    الشرط الثالث: أن يكون المشتري قادراً على أخذه وتحصيله، فالمشتري لا بد أن يكون قادراً على أخذه وتحصيله، فإن كان لا يقدر على أخذه وتحصيله فهذا غلط، ومثل هذا بعض الناس الآن يريد من بعض الشركات أسهماً ويريد ديوناً ثم يبيعها على البنك، وقد تكون هذه الشركة مفلسة ويبيع على شخص وهو مفلس، فالمشتري يدخل وهو مخاطر مغامر إما غانم أو غارم، نقول: بأنه لا يجوز.

    فالخلاصة في هذا القسم الأخير: إذا كان بعد وجود السبب وقبل الاستقرار، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى بأنه لا يجوز، وأشرنا إلى التصرف في الديون قبل الاستقرار، يعني كتصرف الغانمين قبل القسمة وبعد الحيازة، فيقول المؤلف: لا يجوز، والمرتزقة قبل حلول العطاء فالدين هنا لم يستقر إلا بحلول وقت العطاء، والموظف راتبه لا يستقر إلا بتمام الشهر، فيقول المؤلف: لا يجوز، لكن الديون المستقرة هذه ذكرنا أنها تنقسم إلى قسمين: بيع الدين على من هو عليه، وبيع الدين على غير من هو عليه، وذكرنا التفصيل في هذه المسألة.

    1.   

    القاعدة الثالثة والخمسون: التصرف في العين التي تعلق بها حق من الحقوق

    قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الثالثة والخمسون: من تصرف في عين تعلق بها حق لله أو لآدمي معين؛ إن كان الحق مستقراً فيها بمطالبة من له الحق بحقه أو يأخذه بحقه لم ينفذ التصرف، وإن لم يوجد سوى تعلق الحق لاستيفائه منها صح التصرف على ظاهر المذهب.

    فالأول: كتصرف الراهن في المرهون والتصرف في المشفوع فيه، وسفر الغريم بعد الحلول.

    والثاني: نحو بيع النصاب بعد الحول، وبيع الحاني، وتصرف الورثة في التركة ونحوها].

    القاعدة الثالثة والخمسون معناها: هو حكم التصرف في العين التي تعلق بها حق من الحقوق، فنقول بأن هذا ينقسم إلى قسمين:

    تعلق الحق بالعين تعلقاً مستقراً

    القسم الأول: أن يكون الحق تعلق بالعين تعلقاً مستقراً، فإن هذا التصرف لا يجوز، ومثل له المؤلف رحمه الله قال: (كتصرف الراهن في المرهون)، يعني: تصرف الراهن بما ينقل الملك فهذا لا يجوز؛ لأنه إذا تصرف الراهن في العين المرهونة بما ينقل الملك يؤدي إلى إسقاط حق المرتهن للوثيقة، يعني أنت اقترضت من زيد قرضاً وأعطيته سيارتك رهناً، فهل يجوز أن يبيع السيارة هذه؟ لا يجوز؛ لأننا كوننا نقول: يجوز له أن يبيعها فهذا يؤدي إلى إسقاط حق المرتهن من الوثيقة، وهل يجوز أن توقفها؟ لا يجوز، وهل يجوز أن تهبها؟ لا يجوز، يعني أن تتصرف تصرفاً ينقل الملك؛ فهذه التصرفات نقول بأنها غير جائزة؛ لأن هذا يؤدي إلى إسقاط حق الغير.

    وأيضاً من الأمثلة: قال المؤلف رحمه الله: (والتصرف في المشفوع فيه)، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: التصرف في المشفوع فيه لا يجوز، يعني صورة المسألة زيد وعمرو شريكان في أرض، زيد باع نصيبه على صالح، فهل عمرو له حق الشفعة أو ليس له حق الشفعة؟ نقول: له حق الشفعة، فإذا جاء عمرو وشفع، وذهب المشتري وباع نصيبه فما حكم التصرف هنا؟ نقول: لا يجوز؛ لأنه الآن تعلق به حق مستقر، فما دام أن الشفيع الآن شفع فليس لك الحق في أن تتصرف، فإذا المشتري ذهب ووقف النصيب يجوز أو لا يجوز؟ نقول بأنه لا يجوز، فإذا وهبه، نقول بأنه لا يجوز، ولهذا قال المؤلف: (والتصرف في المشفوع فيه)، فما دام أن الشريك طالب بالشفعة استقر حقه، وتعلق هذا الحق بهذه العين.

    قال: (وسفر الغريم بعد الحلول)، فالمدين إذا حل الدين هل له الحق في أن يسافر أو ليس له أن يسافر؟ يقول المؤلف رحمه الله: ليس له الحق بأن يسافر حتى يسدد الدين الذي عليه؛ لأن الدين الآن لما حل وقت الوفاء استقر أداء هذا الدين، فيجب عليه أن يؤدي ولا يجوز له أن يسافر.

    ومن الأمثلة على ذلك أيضاً: الأضحية بعد تعيينها حق لله عز وجل، فهذا رجل عيَّن الأضحية، قال: هذه الشاة أضحية، هل يجوز التصرف في هذه الشاة بالبيع أو الهبة ونحو ذلك مما يبطل الملك؟ نقول: لا.

    فتلخص عندنا القسم الأول: أن العين إذا تعلق بها حق لله أو حق للآدمي تعلقاً مستقراً، فنقول بأن التصرفات فيها لا تجوز.

    تعلق الحق بالعين تعلقاً غير مستقر

    القسم الثاني: أن يتعلق الحق بالعين تعلقاً غير مستقر، يعني عرضة للسقوط، فنقول هنا: يجوز التصرف، ومثل المؤلف رحمه الله لذلك فقال: (بيع النصاب بعد الحول)، فبيع النصاب بعد الحول لا بأس به.

    فالزكاة تعلقت بالنصاب، لكن هذا ليس تعلقاً مستقراً؛ لأنه يجوز لك أنك تبيع النصاب وتخرج الزكاة من غيره؛ يعني ما تتعين الزكاة في داخل النصاب، فيجوز أن تخرجها من غيره؛ فأنت عندك الآن أربعون شاة حال عليها الحول، أربعون شاة كم زكاتها؟ فيها شاة واحدة، فإذا تم عليك الحول وذهبت وبعت هذه الشياه، فهل يصح البيع أو لا يصح؟ يقول: إن البيع صحيح، مع أنه متعلق فيها حق الله عز وجل وحق الفقراء وهو الزكاة؛ لأن هذا التعلق ليس مستقراً؛ لأنه لا يجب أن تخرج من عين هذه الزكاة، هذا من وجه. ومن وجه آخر: لو تلف هذا النصاب هل يجب عليه أن يخرج الزكاة أو لا يجب عليه أن يخرج الزكاة؟ فعلى المذهب يجب، لكن كما تقدم لنا الصواب أنه لا بد من إمكان الأداء، فهنا الحق تعلق لكنه ليس تعلقاً مستقراً؛ ولهذا يجوز لك أنك تأكل هذا النصاب وتخرج الزكاة من غيره، فيجوز لك أن تبيع وتتصرف وتخرج الزكاة من غيره.

    قال رحمه الله: (وبيع الجاني، وتصرف الورثة في التركة).

    بيع العبد الجاني، إذا جنى العبد تتعلق الجناية برقبته، وما معنى تعلق الجناية برقبته؟ يعني نقول لسيده: يجب أن تسدد عنه أرش الجناية، فإذا قال: أنا لن أسدد، نقول: يؤخذ العبد ويباع، ويؤخذ أرش الجناية من قيمته، وما فضل يرد عليك، وإن ما فضل شيء لا يرد عليك، فهذا السيد الآن لما جنى العبد ذهبوا وباعوه فحكم البيع هنا يجوز؛ لأن أرش الذي جنى يطالب به السيد، وتعلق أرش الجناية برقبته، لكن هذا ليس تعلقاً مستقراً؛ لأننا نتمكن من مطالبة السيد، فنقول للسيد: أعطنا أرش الجناية، ولهذا إذا جنى العبد الجاني قلنا: تعلقت الجناية برقبته، فنقول لسيده: سدد، فإن سدد فالحمد لله، وإذا لم يسدد السيد نأخذ هذا العبد ونبيعه ونسدد أرش الجناية من قيمته، فإن فضل شيء يرد على السيد، وإن لم يفضل شيء لا يطالب به السيد، فالمهم هنا أن فيه حق تعلق بالعبد الجاني لكنه ليس حقاً مستقراً؛ لأننا ممكن أن نطالب السيد.

    ومثله أيضاً: تصرف الورثة بالتركة؛ فالورثة لما ورثوا السيارة والأرض والثياب ذهبوا وباعوها، فحكم التصرف صحيح، فإذا كانت التركة يتعلق بها دين لزيد وزيد يريد دينه، لكن هذا التعلق هل هو مستقر أو ليس مستقراً؟ ليس مستقراً؛ لأنه بالإمكان أن نطالب الورثة، فيصح هذا التصرف، ويوفي الورثة من أموالهم، فليس بشرط أن يوفي الورثة من تركة الميت، ولو وفوا من أموالهم كفى ذلك.

    1.   

    القاعدة الرابعة والخمسون: لا يجوز التصرف في العين إذا أسقط حق الغير

    قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الرابعة والخمسون: من ثبت له حق في عين وسقط بتصرف غيره فيها, فهل يجوز للمتصرف فيها الإقدام على التصرف المسقط لحق غيره قبل استئذانه أم لا؟ هذا على ثلاثة أقسام:

    أحدها: أن يكون الحق الذي يسقط بالتصرف قد أخذ به صاحبه وتملكه.

    والثاني: أن يكون قد طالب به صريحاً أو إيماءً.

    الثالث: أن يثبت له الحق شرعاً ولم يأخذ به ولم يطالب به.

    فأما الأول: فلا يجوز إسقاط حقه ولو ضمنه بالبدل، كعتق العبد المرهون إذا قلنا بنفوذه، على المشهور من المذهب, فإنه لا يجوز.

    وأما الثاني: فإنه لا يجوز أيضاً, ومنه خيار البائع المشترط في العقد لا يجوز للمشتري إسقاطه بالتصرف في المبيع, وإن قلنا: إن الملك له؛ فإن اشتراطه الخيار في العقد تعريض بالمطالبة بالفسخ.

    وأما الثالث: فيه خلاف, والصحيح: أنه لا يجوز أيضاً؛ ولهذا لا يجوز إسقاط خياره الثابت في المجلس بالعتق ولا غيره، كما لو اشترطه. ويندرج في صور الخلاف مسائل:

    منها: مفارقة أحد المتبايعين الآخر في المجلس خشية أن يفسخ الآخر، وتصرف المشتري في الشقص المشفوع بالوقف قبل الطلب، ووطء الزوجة المعتقة تحت العبد، وتصرف الزوجة في نصف الصداق إذا طلق الزوج قبل الدخول].

    معنى هذه القاعدة: إذا ثبت حق في عين، فلا يجوز لأحد أن يتصرف تصرفاً يسقط هذا الحق.

    فإذا ثبت حق في عين من الأعيان، سواء كان الحق لله أو لآدمي، فلا يجوز لأحد أن يتصرف تصرفاً يسقط هذا الحق.

    أضرب مثالاً قبل أن أدخل في أقسام المسألة: المتبايعان، هذا زيد باع سيارته على عمرو، ما داما في المجلس فماذا يثبت لهما؟ نقول: ما داما في المجلس فإنه يثبت لكل منهما خيار المجلس، فالآن عندنا حق خيار المجلس حق للبائع وحق للمشتري، فهل يجوز لأحدهما أن يتصرف تصرفاً يبطل هذا الحق أو لا يجوز؟ نقول: لا يجوز، فلا يجوز للبائع أن يقوم حتى يلزم العقد، ولا المشتري أن يقوم حتى يلزم العقد، يعني: يسقط حق الآخر من الخيار، نقول بأن هذا ليس جائزاً، فالقاعدة: إذا ثبت حق من الحقوق في عين من الأعيان فإنه لا يجوز لأحد أن يتصرف تصرفاً يبطل هذا الحق لما فيه من إبطال حق المسلم.

    وهذه القاعدة ذكر المؤلف رحمه الله تعالى بأنها على ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: أن يكون الحق قد أخذه صاحبه وتملكه

    القسم الأول: قال: (أن يكون الحق الذي يسقط بالتصرف قد أخذ به صاحبه وتملكه).

    ومثاله قال: (فأما الأول: فلا يجوز إسقاط حقه ولو ضمنه بالبدل، كعتق العبد المرهون إذا قلنا بنفوذه على المشهور من المذهب، فإنه لا يجوز).

    يعني القسم الأول: أن يكون الحق الذي يسقط قد أخذ به صاحبه وتملكه، مثلاً: هذا رجل أقرض زيداً ألف ريال، وأخذ منه الرقيق وثيقة، فهذا المرتهن الآن أخذ الرقيق، هل للراهن أن يعتق هذا الرقيق أو ليس له أن يعتقه؟ يقولون: لا يجوز لكن ينفذ، يعني كحكم تكليفي يقول: لا يجوز، لكن كحكم وضعي يقولون بأنه صحيح ويطالب بالبدل، فهنا التصرف هذا فيه إسقاط لحق الغير أو ليس فيه إسقاط لحق الغير؟ نقول: فيه إسقاط لحق الغير، فيه إسقاط لحق المرتهن من الوثيقة، فالصواب أنه لا يجوز ولا ينفذ أيضاً، لكن الحنابلة يقولون: ينفذ على المذهب؛ لأن الشارع يتشوف إلى العتق، فيقول: ينفذ ويحرم عليه هذا التصرف ويطالب بالبدل، ولكن الصواب في ذلك أن نقول بأنه لا يجوز، فالصواب في هذا: أن هذا التصرف باطل، وأنه يأثم الراهن لما في ذلك من إبطال حق المسلم، فهذه العين -وهي الرقيق- تعلق بحق المرتهن، فلا يجوز لك أن تسقط حق أخيك المسلم.

    القسم الثاني: أن يكون قد طالب به صريحاً أو إيماء

    القسم الثاني: قال: (أن يكون قد طالب به صريحاً أو إيماءً). فهنا يقول: لا يجوز.

    ومن أمثلة ذلك: حق الشفعة، فإذا طالب بالشفعة الشريك فلا يجوز التصرف لما يسقط حق الشفعة، مثال ذلك: زيد وعمرو شريكان في أرض، زيد باع نصيبه على صالح، فجاء الشريك وشفع، فهل للمشتري أن يتصرف تصرفاً يبطل حق الشريك أو نقول: ليس له ذلك؟ نقول: ليس له ذلك؛ لما في ذلك من إبطال حق المسلم، سواء كانت المطالبة صريحة أو إيماءً، يعني هو قال: أنا لو باع شريكي سأشفع، فأشار إلى أنه لو باع شريكه سيشفع، فالمشتري لما اشترى الشقص ذهب ووقفه قال: هو وقف لله عز وجل، هل ينفذ هذا التصرف أو لا ينفذ هذا التصرف؟ نقول: لا ينفذ هذا التصرف؛ لما في ذلك من إبطال حق المسلم، حتى ولو وقفه أو وهبه.. إلى آخره، نقول: يبطل؛ لأن حق الشفعة ثابت قبل تصرف المشتري؛ ولأن هذا التصرف يراد به إبطال حق المسلم، فنقول بأن هذا غير جائز، ومثل المؤلف رحمه الله وقال: (وأما الثاني: فإنه لا يجوز أيضاً، ومنه خيار المشترط في العقد لا يجوز للمشتري إسقاطه بالتصرف في المبيع).

    يعني: عندك البائع قال: لي الخيار، هذا زيد باع على عمرو السيارة، وقال البائع: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، فعمرو المشتري ذهب وباع السيارة، هل يصح هذا البيع أو لا يصح هذا البيع؟ نقول: لا يصح هذا البيع؛ لأنه يؤدي إلى إسقاط حق البائع من الخيار، فالبائع قال: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، فربما أنه يكسب، فذهب عمرو وأخذ السيارة التي اشتراها من زيد وقام ببيعها، فنقول بأن هذا البيع لا يصح؛ لأنه يؤدي إلى إسقاط حق البائع من الخيار.

    القسم الثالث: أن يثبت له الحق شرعاً ولم يأخذ أو يطالب به

    القسم الثالث: قال رحمه الله: (أن يثبت له الحق شرعاً ولم يأخذ به ولم يطالب).

    في القسم الأول: أخذ به، القسم الثاني: طالب به، القسم الثالث: لم يأخذ به ولم يطالب، فهل يصح هذا التصرف أو لا يصح؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا يصح؛ لأن هذا من إبطال حق المسلم، قال: لا يجوز؛ ولهذا لا يجوز إسقاط خياره في المجلس في العتق وغيره، كما لو اشترطه، ويندرج في صور ثلاث مسائل:

    منها: مفارقة أحد المتبايعين الآخر في المجلس خشيةً الاستقالة، فهذا تحت القسم الثالث، يقول بأنه لا يجوز؛ لما في ذلك من إبطال حق المسلم؛ لأن له حقاً تعلق بالعين وهو الفسخ، فكونه يقوم لكي يلزم العقد يقول بأن هذا غير جائز.

    قال رحمه الله: (وتصرف المشتري في الشقص المشفوع بالوقف قبل الطلب).

    وهذا أيضاً كما قلنا: لا يجوز؛ لأنه قد يكون طلب به إيماءً، وقد لا يكون طلب به، كما ذكرنا زيد وعمرو شريكان في أرض، فزيد باع على صالح، وصالح ذهب ووقف هذه الأرض وحتى الآن ما طالب الشفيع بالشفعة، المشتري ذهب ووقفها أو وهبها، هل يسقط حق الشفيع من الشفعة أو نقول: بأنه لا يسقط؟ فنقول: إن كان طالب دخل تحت القسم الثاني؛ لأن القسم الأول: أخذ، والثاني: طالب، والثالث: لم يأخذ ولم يطالب، فإن طالب أخذ تحت القسم الثاني، لكن لم يطالب وذهب وقف أو وهب، هل يسقط حقه أو لا يسقط حقه؟ نقول: بأنه لا يسقط حق الشفيع؛ لأن حق الشفعة سابق على تصرف المشتري فلا يسقط حقه، مع أن المشهور من المذهب أنه يسقط حقه؛ لأنهم يقولون: تصرف تصرفاً لا تثبت به الشفعة ابتداءً، يعني معنى لا تثبت به الشفعة ابتداءً: لو أن زيد وعمراً شريكان في أرض، وزيد وقف نصيبه، هل لعمرو أن يشفع أو ليس له أن يشفع؟ يقول: ليس له أن يشفع؛ لأن الشفعة إنما جاءت في البيع، فلو باع يحق له أن يشفع، لكن إذا وقف أو وهب فليس له أن يشفع، فيقولون: تصرف تصرفاً لا تثبت به الشفعة ابتداءً، والصواب في ذلك أنه تثبت له الشفعة؛ لما ذكرنا أن حق الشفيع سابق على تصرف المشتري.

    قال رحمه الله: (ووطء الزوجة المعتقة تحت العبد).

    إذا أعتقت الزوجة، فهي كانت أمة وزوجها كان عبداً، فإذا أعتقت هل يثبت لها الخيار تحت العبد أو لا يثبت؟ نقول: إنه يثبت، ومتى يسقط حقها؟ نقول: يسقط بالوطء، فإذا أعتقت وزوجها رقيق فلها حق الخيار، فلو مكنت الزوج من الوطء فهذا دليل على أنها رضيت به، فيسقط حقها من الخيار، لكن إن جاء الزوج لكي يسقط حقها من الخيار ووطئها، هل يسقط حقها من الخيار أو لا يسقط حقها من الخيار؟ نقول بأن حقها لا يسقط من الخيار؛ لأن هذا حق لها، وهذا التصرف لا يسقط حق الغير.

    ومثله أيضاً قال: (وتصرف الزوجة في نصف الصداق إذا طلق الزوج قبل الدخول).

    إذا طلق الزوج قبل الدخول يكون للزوجة النصف وله النصف، فإذا تصرفت الزوجة في هذا المهر مع أن الزوج له النصف، هل يسقط حقه أو لا يسقط حقه؟ نقول: لا يسقط حقه.

    1.   

    القاعدة الخامسة والخمسون: التصرف لا يقوم مقام اللفظ في التملك والنفوذ

    قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة الخامسة والخمسون: من ثبت له حق التملك بفسخ أو عقد، هل يكون تصرفه فسخاً أم لا؟ وهل ينفذ تصرفه أم لا؟ المشهور من المذهب أنه لا يكون تملكاً ولا ينفذ، وفي بعض صورها خلاف, ومن صور المسألة البائع بشرط الخيار إذا تصرف في المبيع لم يكن تصرفه فسخاً، ولم ينفذ، نص عليه].

    معنى هذه القاعدة: هل التصرف يقوم مقام اللفظ في التملك والنفوذ، أو نقول بأن التصرف لا يقوم مقام اللفظ؟ ومثل المؤلف رحمه الله تعالى فقال: (ومن صور هذه المسألة: البائع بشرط الخيار إذا تصرف في المبيع، لم يكن تصرفه فسخاً ولم ينفذ).

    فمثلاً: زيد باع سيارته على عمرو، وقال البائع: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، بعد أن مضى يوم ذهب وباع السيارة، فهذا التصرف هل نقول بأنه فسخ، أو نقول: لا بد أنه يفسخ أولاً؟ فهو قال: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، ثم ذهب وباع السيارة، هل نقول: هذا التصرف لا يصح، فلا بد أن يقول: فسخت البيع، فإذا فسخ البيع يذهب ويبيع السيارة؟ يعني تصرفه هل يقوم مقام اللفظ، أو نقول بأن هذا التصرف لا يقوم مقام اللفظ؟

    يقول المؤلف رحمه الله: بأن هذا التصرف لا يقوم مقام اللفظ، فلا بد أنك تتلفظ أولاً، فافسخ أولاً ثم بعد ذلك تصرف، كما ذكرنا: هذا زيد باع السيارة على عمرو وقال: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، وبعد أن مضى يوم ذهب وباع السيارة، يقولون: لا يصح البيع هذا، فهذا التصرف لا يقوم مقام اللفظ في الفسخ، فافسخ أولاً، قل: فسخت، فإذا فسخت اذهب وبع، فإذا فسخت رجعت لك السيارة ثم تذهب وتبيعها، فيقولون بأن التصرف هنا لا يقوم مقام اللفظ في التملك والنفوذ.

    ومن ذلك أيضاً: تصرف الموصى، فهذا رجل وصى، قال: إذا أنا مت فأعطوا زيداً هذه السيارة، فمات الموصي، وجاء الموصى له بعد أن مات الموصي وذهب وباع السيارة، هل هذا البيع صحيح التصرف أو نقول: لا بد أولاً من اللفظ؟ بأن يقول: قبلت الوصية، وبعد أن يقبل الوصية يبيع السيارة، أما أن يبيع مباشرة لا يصح هذا، يقولون: بأن التصرف لا يقوم مقام اللفظ في التملك، لا بد أنك أولاً تقول: قبلت الوصية، وبعد أن تقول: قبلت الوصية تذهب وتبيع، فيقولون هنا: إن التصرف لا يقوم مقام اللفظ في التملك والنفوذ.

    وأيضاً من صور هذه المسألة: الشفيع، فالشريك تصرفه هل يقوم مقام اللفظ أو لا؟ مثلاً: زيد وعمرو شريكان في أرض، فزيد باع نصيبه على صالح، فجاء الشفيع وباع النصيب، هل هذا شفعةً أو ليس شفعةً؟ يقول: لا، اشفع أولاً قل: شفعت، وإذا شفعت وملكت اذهب وبع، فكونك تذهب وتتصرف مباشرةً وتبيع النصيب فهذا لا يقوم مقام الشفعة، فلا بد في الشفعة أن تقول: شفعت، أو أخذت، ثم بعد ذلك تذهب وتبيع، أما كونك تذهب وتبيع، أو تذهب وتهب، أو تذهب وتوقف، فهذا التصرف لا يقوم مقام اللفظ في التملك.

    1.   

    القاعدة السادسة والخمسون: أهلية التصرف

    قال المؤلف رحمه الله: [القاعدة السادسة والخمسون: شروط العقود من أهلية العاقد أو المعقود له أو عليه إذا وجدت مقترنة بها ولم تتقدم عليها، هل يكتفي بها في صحتها أم لا بد من سبقها؟

    المنصوص عن أحمد الاكتفاء بالمقارنة في الصحة. وفيه وجه آخر لا بد من السبق، وهو اختيار ابن حامد والقاضي في الجملة].

    تتحدث هذه القاعدة في شروط العقد من أهلية العاقد وغير ذلك من الشروط، ومعنى أهلية العاقد أن يكون جائز التصرف، وجائز التصرف هو من جمع أربع صفات: البالغ العاقل الحر الرشيد.

    وأيضاً لا بد أن نفهم شروط العقد والشروط في العقد، وما الفرق بينهما؟

    الفرق الأول: أن شرط العقد من وضع الشارع، فالشارع هو الذي شرط هذه الشروط في البيع: العلم بالثمن، العلم بالمثمن، أهلية العاقد، الرضا؛ فشروط العقد من وضع الشارع، والشروط في العقد من وضع العاقد.

    والفرق الثاني: أن شروط العقد لا يصح إسقاطها، والشروط في العقد يصح إسقاطها.

    والفرق الثالث: أن شرط العقد سقوطه يترتب عليه عدم الصحة، ولهذا عرفنا العقد الفاسد بأنه ما اختل شرط من شروط صحته، فشرط العقد يترتب عليه عدم الصحة، والشرط في العقد يترتب عليه عدم اللزوم، فهذه ثلاثة فروق بين شرط العقد والشرط في العقد.

    الفرق الرابع: أن شروط العقد قبل العقد، والشروط في العقد قبل العقد وفي العقد وفي زمن الخيارين، يعني شروط العقد تكون قبل العقد، والشروط في العقد تكون -ما يشترط أحد المتعاقدين- قبل العقد وفي صلب العقد وفي زمن الخيارين، ففي كل هذا يصح أنك تشترط فيه، والمهم هنا عندنا شروط العقد، هل يشترط أن تكون سابقة لصيغة العقد، أو يصح أن تكون مقارنة لصيغة العقد؟ قال المؤلف: (أنه يصح حتى ولو قارنت)، فلا يشترط أن تكون سابقة، وتصح حتى ولو كانت مقارنةً لصيغة العقد.

    ومن الأمثلة على ذلك: عندنا صبي، والصبي لا يصح تصرفه، لكن لو بلغ مع التصرف، يعني: بلغ هذا الصبي مع البيع مباشرةً، هل يصح أو لا يصح؟ نقول بأنه يصح، والصبي لا يصح تصرفه ولا يصح بيعه إلا في الأشياء اليسيرة، أو إذا قارب البلوغ يؤذن له في بعض المعاملات لكي ينظر هل رشد أو لم يرشد، وما عدا ذلك لا يصح تصرفه، لكن لو تصرف مع البلوغ يصح أو لا يصح؟ نقول بأن هذا يصح.

    أيضاً من الأمثلة على ذلك: المحجور عليه لو تصرف مع فك الحجر عنه، نقول بأن هذا صحيح، وعلى هذا فقس.

    1.   

    القاعدة السابعة والخمسون: ينتفي الحكم إذا قارنه المانع

    قال رحمه الله: [القاعدة السابعة والخمسون: إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه, فهل يثبت الحكم أم لا؟ المشهور أنه لا يثبت. وقال ابن حامد : يثبت, وإن تقارن الحكم ووجود المانع فهل يثبت الحكم معه؟ فيه خلاف].

    في القاعدة السابقة تقارن الصيغة مع الشرط، وهنا تقارن الحكم مع المانع، فالقاعدة هنا مقارنة الحكم للمانع تمنع ثبوته، ومعنى هذه القاعدة: أن مقارنة الحكم للمانع أنها تمنع ثبوته.

    ومن الأمثلة لذلك: إذا قال لزوجته: أنت طالق بعد موتي، فهل تطلق زوجته أو لا تطلق؟ نقول بأن زوجته لا تطلق؛ لأن وجود الموت مانع من صحة الطلاق لفوات الأهلية، وأيضاً لو قال لزوجته: أنت طالق مع انقضاء عدتك، نقول بأن الطلاق لا يقع؛ لأنه إذا انقضت العدة أصبحت أجنبية وفات المحل.

    ومن الأمثلة على ذلك: قال الزوج لزوجته الأمة: إن ملكتك فأنت طالق ثم بعد ذلك ملكها، لم تطلق؛ لأنه إذا ملك الزوج زوجته ينفسخ عقد النكاح كما تقدم لنا، فإن قال: إن ملكتك فأنت طالق، فملكها، هل تطلق أو لا تطلق؟ نقول بأنها لا تطلق لوجود المانع؛ لأنه زال عقد النكاح، وأصبحت الآن ملكاً وليست زوجةً.

    1.   

    القاعدة الثامنة والخمسون: هل ترك الفعل فعل؟

    قال رحمه الله: [القاعدة الثامنة والخمسون: من تعلق به الامتناع من فعل هو متلبس به فبادر إلى الإقلاع عنه, هل يكون إقلاعه فعلاً للممنوع منه، أو تركاً له فلا يترتب عليه شيء من أحكامه؟ هذا عدة أنواع:

    أحدها: ألا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلا وهو متلبس به، فلا يكون نزعه فعلاً للممنوع منه.

    النوع الثاني: أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين ويعلم بالمنع، ولكن لا يشعر بوقت المنع حتى يتلبس بالفعل فيقلع عنه في الحال. فاختلف أصحابنا في ذلك.

    النوع الثالث: أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه إذا شرع فيه تترتب عليه تحريمه وهو متلبس به, فهل يباح له الإقدام على ذلك الفعل لأن التحريم لم يثبت حينئذ أم لا يباح له لأنه يعلم أن إتمامه يقع حراماً؟ فيه لأصحابنا قولان.

    النوع الرابع: أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالماً بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه وهو متلبس به، فيشرع في التخلص منه بمباشرته أيضاً].

    معنى هذه القاعدة: إذا منع من فعل، ثم تلبس فيه وأراد تركه، فهل هذا الترك يعتبر فعلاً أو لا يعتبر فعلاً؟ فهذا معنى القاعدة في الجملة.

    مثال ذلك: رجل غصب أرضاً، والغصب ممنوع شرعاً، وهو في هذه الأرض تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فأراد أن يخرج من هذه الأرض، فتردده في هذه الأرض للخروج هل يعتبر فعلاً، أو لا يعتبر فعلاً؟

    فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: هذه المسألة تنقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: قال: (ألا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلا وهو متلبس به).

    يعني القسم الأول: أن يمنع منه وهو متلبس به، فهذا نقول بأن تركه ليس فعلاً للممنوع، ومثال ذلك: حلف ألا يلبس الثوب الفلاني وهو لابس له، فنزعه هل هو فعل للممنوع أو ليس فعلاً للممنوع؟ نقول بأنه ليس فعلاً للممنوع، فنقول: القسم الأول: أن يمنع من الفعل وهو متلبس له فتركه ليس فعلاً للممنوع، فإذا حلف أن لا يركب سيارة زيد وهو راكب لها فنزل منها، فهل يعتبر نزوله فعلاً للممنوع ويحنث؟ نقول: ليس فعلاً للمنوع، أو نزعه للثوب الذي حلف ألا يلبسه، هل يعتبر فعلاً للممنوع فيحنث؟ نقول: لا، ليس فعل للممنوع.

    يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين، ويعلم بالمنع، ولكن لا يشعر بوقت المنع حتى يتلبس بالفعل فيقلع عنه في الحال، فاختلف أصحابنا في ذلك).

    هذا القسم الثاني: أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين، ويباح له الفعل في وقت معين، يعني: الفعل مباح له في وقت معين، وممنوع في وقت معين، ففعله في الوقت المباح واستمر حتى طرأ الوقت الممنوع، ثم تخلص منه، فهل نقول بأن التخلص فعل ممنوع أو لا؟

    مثال ذلك: الرجل ممنوع أن يجامع زوجته وهي حائض، فإذا شرع في الجماع وهي طاهرة، ثم بعد ذلك حاضت المرأة وهو يجامع فنزع، فهل هذا النزع وطء في الحيض أو لا؟

    ومثل ذلك أيضاً: الرجل ممنوع أن يجامع زوجته بعد طلوع الفجر بالنسبة للصائم، فجامع قبل طلوع الفجر واستمر في الجماع إلى أن طلع الفجر، ثم بعد ذلك نزع بعد طلوع الفجر، فهل هذا النزع يعتبر جماعاً؟ هذا موضع خلاف، فالمذهب يعتبره جماعاً، والصواب: أنه ليس جماعاً.

    قال المؤلف رحمه الله: (أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه إذا شرع فيه يترتب عليه تحريمه وهو متلبس، فهل يباح له الإقدام على ذلك الفعل لأن التحريم لم يثبت حينئذ، أم لا يباح لأنه يعلم أن إتمامه يقع حراماً؟)

    هذا القسم الثالث: أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه إذا شرع فيه يترتب عليه تحريمه، فالأصل في الفعل أنه مباح، لكن لو فعله سيقع في المحرم، أي: لو فعله يترتب عليه التحريم، فهل يباح هذا الفعل أو لا يباح هذا الفعل؟

    مثلاً: لو قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق، فإذا حصل الوطء سيقع الطلاق، فالأصل في الوطء أنه حلال، لكن بعد الطلاق الثلاث يكون محرماً، فالأصل أن الزوجة الآن حلال يجوز له أن يطأها، لكنه قال: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فهل يجوز له أن يطأها؟ فالفعل وإن كان مباحاً إلا أنه يترتب عليه التحريم، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: فيه خلاف، والصواب: أنه لا يجوز.

    القسم الرابع: قال رحمه الله: (أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالماً بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه وهو متلبس به، فيشرع في التخلص منه بمباشرته أيضاً).

    فهذا جائز، وهو أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالماً بتحريمه، ثم يريد تركه والخروج منه وهو متلبس به، فيشرع في التخلص منه بمباشرة. فنقول بأن هذا الفعل ليس فعلاً للمحرم، ومثال ذلك: رجل غصب أرضاً وهو في أثناء وجوده في الأرض تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فأراد أن يخرج من هذه الأرض، فخروجه من هذه الأرض وتردده هل هو فعل للمغصوب؟ نقول: ليس فعلاً للمغصوب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755929384