إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الرحيم الطحان
  5. شرح مقدمة الترمذي
  6. شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [7]

شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [7]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من محاسن الشريعة حثها على النظافة وستر العورة، وإن مما يشرع عند قضاء الحاجة: التستر حتى وهو ينزل إلى الأرض ليتخلى، وعدم مباشرة الذكر باليمين، وعدم الاستنجاء بها، ومن أراد الاستجمار بالأحجار استحب له الثلاث وتراً، هذا وقد ابتلينا في زماننا بدعاة التصحيح والتضعيف، والجرأة حتى على صحيح البخاري بدعوى الاجتهاد، وهو في الحقيقة فساد.

    1.   

    تخريج حديث: (إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه...)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

    فلا زلنا نتدارس في الباب العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر من أبواب الطهارة في جامع الإمام الترمذي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وعناوين هذه الأبواب الثلاثة.

    الباب العاشر: باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة، لما روى الإمام الترمذي في هذا الباب حديثاً عن صحابيين مباركين عن أنس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض).

    والباب الحادي عشر: باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين، وروى الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه ).

    والباب الثاني عشر: باب الاستنجاء بالحجارة، ولفظ الحديث عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لـسلمان يعني الفارسي رضي الله عنه: (قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟ قال سلمان : أجل، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن نستنجي باليمين، وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو عظم).

    وقد انتهينا من مبحثين من مباحث هذه الأحاديث، المبحث الأول: في تراجم أسانيد هذه الأحاديث الثلاثة، والرجال الذي ذكروا ضمن هذه الأقوال.

    والمبحث الثاني: في فقه هذه الأحاديث، وقلت: دار فقه الأحاديث على ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: حول الاستتار عند قضاء الحاجة، وأن الإنسان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، وإذا قضى حاجته وأراد أن يقوم يرخي ثوبه ويسدله قبل أن ينتصب قائماً، وبينت أن هذا أدب رفيع ينبغي أن يحافظ عليه المسلمون.

    والأمر الثاني: في النهي عن مس الذكر باليمين، وعن الاستجمار أو الاستنجاء باليمين، وبينت هذا في فقه الحديث.

    وختمت الكلام بالأمر الثالث: في حكم الاستنجاء بالحجارة، وأما الاستنجاء بالماء فسيأتينا تفصيل الكلام عليه بعد أبواب إن شاء الله.

    وبقي علينا مبحثان: تخريج هذه الأحاديث، وبيان من رواها من أئمة الحديث.

    المبحث الثاني: تخريج الروايات التي أشار إليها الإمام الترمذي في الباب، وفي نيتي إن يسر الله ووفقنا أن نكمل هذين المبحثين مدارسةً في هذه الموعظة أن نأخذ الباب الثالث عشر فيما يتعلق بمباحثه كلها.

    الحديث الأول: حديث أنس وحديث عبد الله بن عمر ، رواه الإمام أبو داود مع الإمام الترمذي من أهل الكتب الستة فقط، ورواه البيهقي والدارمي عن أنس رضي الله عنه وأرضاه، وقال الدارمي بعد رواية حديث أنس: هذا أدب ينبغي الالتزام به، وهذا أدب في الشريعة المطهرة، كأنه يشير بذلك إلى أن هذا ليس من باب الوجوب وإنما من باب الشيم المحمودة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم.

    درجة حديث: (إذا أراد الحاجة...) وأقوال الأئمة فيه

    والحديث أشار الترمذي إشارةً مجملةً إلى تضعيفه من طريقي أنس وابن عمر ؛ والسبب في التضعيف أن الراوي عن أنس وابن عمر هو الأعمش ، ولم يثبت سماعه من أحد من الصحابة كما تقدم معنا، لذلك يقول الإمام الترمذي : وكلا الحديثين مرسل.

    قلت: ويريد بالإرسال الانقطاع، فالحديث ليس بمستقل، كأنه يقول: إذاً: فيه ضعف من حيث الإسناد، وكلا الحديثين مرسل، أي: لا يثبت اتصالهما.

    وهذا الحكم الذي قرره الترمذي هو ما ذهب إليه جمهور أئمتنا، فالإمام النووي في المجموع في الجزء الثالث صفحة ثلاث وثمانين يقرر هذا فيقول: هذا حديث ضعيف، رواه أبو داود والترمذي وضعفاه وبينا علته. والإمام أبو داود في سننه بعد أن روى هذين الحديثين أشار إلى هذه العلة، وأنه لم يثبت سماع الأعمش من ابن عمر وأنس رضي الله عنهم أجمعين.

    قال الإمام النووي في المجموع: وعلته الانقطاع، فـالأعمش لم يسمع من أنس ولا من أحد من الصحابة، وهذا هو مراد الإمام الترمذي قوله: وكلا الحديثين مرسل.

    وإلى هذا ذهب الإمام البغوي في شرح السنة في الجزء الأول صفحة خمس وسبعين وثلاثمائة فقال: روي عن أنس ثم ذكر الحديث، فقال: يرويه الأعمش عن أنس وابن عمر يقول: وكل منهما مرسل، فلم يسمع الأعمش من أحد، وقد نظر إلى أنس بن مالك .

    هذا الذي قرره الجمهور بناءً على رواية أبي داود ورواية الترمذي ، لكن رواية الإمام البيهقي حقيقةً أفادتنا فائدة، وهي فائدة الوقوف على طرق الحديث المتعددة الكثيرة الوفيرة، فالإمام البيهقي في السنن الكبرى في الجزء الأول صفحة ست وتسعين روى الحديث عن أنس وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهم أجمعين، ورواه الأعمش عن رجل عن ابن عمر ، فتمت الواسطة لكنه أبهمه، فبقي أيضاً كأنه فيه انقطاع؛ لأن الرجل مبهم مجهول، ولا نعرف حاله.

    لكن رواه من طريق آخر الأعمش عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر ، والقاسم بن محمد هو أحد الفقهاء السبعة، قال أيوب السختياني -من رجال الستة-: ما رأيت أفضل منه، وهو من رجال الكتب الستة، وعليه زال ما كنا نحذره ونخافه من انقطاع الحديث، وعدم سماع الأعمش من أنس وابن عمر ، فرواية ابن عمر في سنن البيهقي الكبرى مروية عن الأعمش ، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر ، بقيت رواية أنس -على حسب ما عندنا من علم- منقطعة، لكن أقل ما يقال فيها: تتقوى الآن برواية ابن عمر ، والحديث لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله.

    وعلى جميع الأحوال اعتبر أئمتنا هذا الحديث، وأخذوا هذا الأدب منه، وفي ذلك رد على اللغط الذي يشار في هذه الأيام من أن الحديث لا يعمل به في فضائل الإسلام، وكل هذا -كما قلت- باطل مردود، فأئمتنا رخصوا رواية الحديث الضعيف، وكذا أجازوا العمل به بشروط:

    إذا لم يشتد ضعفه، واندرج تحت أصل عام -وهذا لا بد منه- وهنا أدب من آداب الإسلام، ونحن مأمورون في الأصل بستر العورة في كل وقت، وهل سترها في الخلوة واجب أو مستحب كما سبق معنا، وهذا الحديث ما خرج عن هذه القاعدة.

    وقد ثبت اتصاله ولله الحمد والمنة، فلا ينزل عن درجة الحسن، وحديث أنس يتقوى به، والعلم عند الله جل وعلا.

    ولفظ حديث ابن عمر في سنن البيهقي الكبرى، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة تنحى -يعني ابتعد وتوارى- ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)، هذا فيما يتعلق بالحديث الأول.

    إذاً: خلاصة تخريجه هو في سنن أبي داود والترمذي ، وكذا سنن البيهقي والدارمي، وأشار إليه البغوي في شرح السنة، والمعتمد في أمره أنه لا ينزل عن درجة الحسن.

    شواهد لحديث: (من أراد الحاجة...)

    في هذا الباب -كما ترون- ما أشار الترمذي إلى أحاديث في الباب، كما يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، وقد وقفت على رواية في الباب بمعنى حديث أنس وابن عمر مروية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، لكنها من طريق ثالث، هذه الرواية في معجم الطبراني الأوسط، كما هي في مجمع الزوائد في الجزء الأول صفحة ست ومائتين، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)، وفي الإسناد الحسين بن عبيد الله العجلي ، قال الهيثمي : قيل: كان يضع الحديث، وإلى مثل هذا ذهب ابن حجر في لسان الميزان في الجزء الثاني صفحة ست وتسعين ومائتين، فذكر هذا الحديث أيضاً في ترجمته وقال: قيل: كان يضع الحديث، وقد حكم عليه بذلك الإمام الذهبي أيضاً في المغني في الضعفاء في الجزء الأول صفحة ثلاث وسبعين ومائة، وقال: كان ممن يضع الحديث.

    إذاً: وفي الباب رواية جابر ، لكنها ضعيفة وهي بمعنى حديث أنس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

    ورواية جابر أشار إليها الشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي في الجزء الأول صفحة أربع وعشرين وسكت عن بيان حالها ودرجتها، وهذا قصور وتقصير قطعاً وجزماً، وإذا كانت الرواية فيها من هو متهم بالوضع، فلا بد من بيان حاله، فهو لم يتكلم نحوها بأي كلمة إنما أشار إلى أن هذه الرواية، رواها الإمام الطبراني في الأوسط كما في فيض القدير، أي: في شرح الجامع الصغير للإمام السيوطي ، وفيض القدير للإمام المناوي ، وليته أيضاً انتبه لما في فيض القدير، فالمناوي نقل عن الهيثمي هذا الحكم الذي ذكرته لكم وهو في مجمع الزوائد، وانظر كلام المناوي في الجزء الخامس صفحة اثنتين وتسعين من فيض القدير، والعلم عند الله جل وعلا.

    1.   

    تخريج حديث أبي قتادة: (نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يمس الرجل ذكره بيمينه) ورواياته

    الحديث الثاني في الباب الحادي عشر: حديث أبي قتادة ، والإمام الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح، وتقدم معنا أن: حسن صحيح، بمعنى: حسن وصحيح، أو حسن أو صحيح، يعني: إن جمعا فلتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فالاعتبار فيما بينهم. وهذا الحديث في أعلى درجات الصحة، وقد اتفق على إخراجه أهل الكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربعة، ورواه الإمام أحمد في المسند، كما رواه ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه أيضاً، والبيهقي في السنن الكبرى، والدارمي في مسنده.

    ولفظ الحديث كما مر معنا (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يمس ذكره بيمينه).

    قوله: وفي الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف أربع روايات، نتدارس تخريجها.

    تخريج رواية: عائشة

    أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد تقدم معنا عند فقه الحديث، في المسألة الثانية عند مس الذكر باليمين، والنهي عن ذلك، ولفظه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجعل يمينه لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى)، وهو عندما يقول: (وفي الباب) يعني: ما يدل على هذا الحكم ولا يريد اللفظ بعينه، يعني: وفي الباب ما يقرر أن الإنسان لا يمس ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه.

    وقلت: حديث عائشة رضي الله عنها يقرر هذا، وهو في المسند وسنن أبي داود ومحمد بن أبي شيبة ، وشرح السنة للبغوي ، والسنن الكبرى للبيهقي ، وهو حديث صحيح.

    تخريج رواية: سلمان الفارسي

    قوله: وسلمان ، أي: حديث سلمان كما سيأتينا، وهو حديث الباب الذي بعده، عندما قيل لـسلمان : (قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل)، ثم وفي الحديث (وألا يستنجي أحدنا بيمينه، وألا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) في هذا المعنى تضمن الحديث أحكاماً أخرى، وقد تقدم معنا في الأبواب الماضية ذكره وتخريجه، وسيأتينا بعد هذا الباب، وقلت: هو في المسند، وصحيح مسلم والسنن الأربعة، وعند ابن خزيمة والبيهقي ، وأبي داود الطيالسي ، وابن الجارود في المنتقى، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف، وهو في المحلى لـابن حزم في الجزء السابع صفحة ثلاث وثلاثين ومائة، وابن حزم يروي الأحاديث دائماً بأسانيده، فهو مما يصح العزو إليه.

    في الباب السادس حديث أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروا، ولكن شرقوا أو غربوا).

    تخريج رواية: أبي هريرة

    قال: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ومعقل وأبي أمامة وأبي هريرة ، وسهل بن حنيف .

    حديث أبي هريرة تقدم معنا أن أصله في صحيح مسلم ، وفي رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه وصحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة والدارمي والبيهقي يقول نبينا عليه الصلاة والسلام في رواية أبي هريرة : (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه) هذا محل الشاهد، (وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة)، والرمة: هي العظام، والروث: فضلات البهائم، فلا يجوز الاستنجاء بها، وسيأتينا فيما ينهى الإنسان عن الاستنجاء به ضمن باب خاص من أبواب الطهارة في جامع الإمام الترمذي .

    تخريج رواية: سهل بن حنيف

    قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف، حديث سهل تقدم معنا في الباب السادس لكن ليس فيه هذا الشاهد.

    وقال الشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي في الجزء الأول صفحة ست وعشرين: لم أقف على رواية سهل بن حنيف التي فيها: أن اليمين لا تستعمل في الاستنجاء والاستجمار، ولا يمس بها الذكر. قلت: هي في المسند كما تقدم معنا، وعزوتها إلى سنن الدارمي ، وهي -أيضاً- في المستدرك في الجزء الثالث صفحة اثنتي عشرة وأربعمائة، ورواها عبد الرزاق في مصنفه في الجزء الثاني صفحة إحدى عشرة وأربعمائة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل سهل بن حنيف إلى مكة قال: (أنت رسولي إلى أهل مكة، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بثلاث -تقدم معنا الحديث-: ألا تحلفوا بغير الله، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولا تستنجوا بعظم ولا بعر)، وليس في الرواية: ولا تستنجوا باليمين، أو لا تمسوا ذلك المكان باليمين، فرواية سهل بن حنيف إما هي هذه وفيها زيادة في بعض الروايات، أو هي أخرى والعلم عند الله جل وعلا، إنما هذه فيها كرواية أبي أمامة التي تقدمت معنا، ولم يمكن الوقوف عليها على حسب علمنا وجهدنا وقصورنا وضعفنا.

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح، لا شك في ذلك؛ فهو في الكتب الستة. انتهينا إذاً من حديث الباب الحادي عشر والروايات التي في الباب.

    1.   

    تخريج روايات حديث سلمان ضمن قول الترمذي: (وفي الباب...)

    حديث الباب الثاني عشر: وهو حديث سلمان رضي الله عنه ذكر بعده الإمام أبو عيسى أحاديث أخرى فقال: وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وخلاد بن السائب عن أبيه، وهو السائب بن خلاد. هذه ثلاث روايات فيها دلالة على مشروعية الاستنجاء بالحجارة.

    تخريج رواية عائشة

    أما الرواية الأولى وهي رواية أمنا عائشة رضي الله عنها فهي رواية صحيحة ثابتة، ورواية سلمان قلنا: إنها في صحيح مسلم ، فهي صحيحة وانتهى الأمر، ولذلك الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح، إنما رواية أمنا عائشة رضي الله عنها رواها الإمام أحمد في المسند، وأبو داود في سننه، والنسائي في سننه أيضاً، والدارمي في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء الأول صفحة ثلاث ومائة، ورواها الدارقطني في السنن في الجزء الأول صفحة خمس وخمسين، ورواها الطحاوي في شرح معاني الآثار، ولفظ الحديث: عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار)، هذا محل الشاهد، وهو الاستنجاء بالحجارة كما عنون الإمام الترمذي على هذا الباب بهذا العنوان: باب الاستنجاء بالحجارة.

    تخريج رواية خزيمة بن ثابت

    وحديث خزيمة رواه ابن ماجه من الستة، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف في الجزء الأول صفحة أربع وخمسين ومائة، والبيهقي في السنن الكبرى في المكان المشار إليه آنفاً، وفي إسناد الحديث أبو خزيمة وليس هذا هو خزيمة بن ثابت الصحابي، الذي جعل النبي عليه الصلاة والسلام شهادته بشاهدتين، إنما أبو خزيمة هذا راوٍ من الرواة، وهو عمرو بن خزيمة المدني ، مقبول من السادسة، وقوله: (مقبول) أي يقبل حديثه عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث كما تقدم معنا مراراً، وقد أخرج حديثه أبو داود وابن ماجه ، يعني: هو من رجال سنن أبي داود وسنن ابن ماجه ، وحديث خزيمة بن ثابت يشهد له حديث سلمان ، وحديث أمنا عائشة رضي الله عنها، وحديث السائب بن خلاد الذي سيأتي، ولا ينزل إن شاء الله عن درجة الحسن، ولفظ حديث خزيمة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة؟ فقال: بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع)، والرجيع: هو الروث؛ لأنه رجع من حالة إلى حالة، من طهارة إلى نجاسة، أو من حالة ينتفع بها إلى حالة لا ينتفع بها ويتقذر منها.

    ولفظ ابن ماجه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الاستنجاء ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع)، وفي ذلك دلالة على جواز الاستجمار بالحجارة.

    تخريج رواية جابر بن عبد الله

    ورواية جابر رضي الله عنه كرواية سلمان في صحيح مسلم ورواها الإمام أحمد ، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن خزيمة في الصحيح، انظر في أول صفحة اثنتين وأربعين، ولفظ حديث جابر عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (إذا استجمر أحدكم فليوتر)، وتقدم معنا بالإجماع أنه لا يشترط الإيتار بالماء، فالمراد من الاستجمار هنا الاستنجاء بالحجارة، وأما الاستنجاء بالماء والاستطابة بالأحجار فهي الطهارة الكاملة لإزالة الأذى والرائحة كما تقدم معنا، (من استجمر فليوتر)، وقلنا: المعتمد أن المراد من الاستجمار إزالة الأذى بالجمار وهي كالحصى الصغار، وسميت جماراً؛ لأن الإنسان يطيب نفسه بها كما يتطيب بالبخور عندما يتجمر به.

    وهناك معنىً آخر قلت: إنه ضعيف، (من استجمر فليوتر) أي: من ادهن وتطيب بالبخور، وتقدم معنا أنه أحد القولين للإمام مالك في هذه المسألة عند فقه الحديث، ولفظ الإمام أحمد في المسند: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً)، ورواية أحمد في الجزء الأول صفحة إحدى عشرة ومائتين من مجمع الزوائد، وقال: رجاله ثقات، وفي رواية في المسند أيضاً (إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات)، وهذا مما يدل على أنه ليس المراد الأحجار بعينها، وإنما المراد المسحات، ولذلك قلنا: يختلف هذا عن الرمي بالجمار، فهناك لا بد من سبع حصى، وأما هنا بحصى واحدة لها ثلاثة أطراف يصح الاستجمار كما تقدم معنا.

    تخريج رواية السائب بن خلاد

    وأما رواية السائب بن خلاد فرواها الطبراني في معجمه الكبير، والأوسط، وأيضاً في الجزء الأول صفحة إحدى عشرة ومائتين من مجمع الزوائد: لكن في الإسناد حماد بن الجعد ، وقد أجمعوا على ضعفه، هذا كلام الهيثمي في المجمع.

    وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: حماد بن الجعد ضعيف، ثم رمز له (خت)، أي: أن البخاري روى عنه معلقاً، ولم يرو له أحد من أهل الكتب الستة.

    ولفظ حديث السائب بن خلاد عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم الخلاء فليمسح بثلاثة أحجار).

    إذاً: عندنا روايات أربع: عن عائشة ، وعن خزيمة بن ثابت ، وعن جابر ، وعن خلاد ، ورواية عائشة صحيحة بنفسها، ورواية جابر كذلك في صحيح مسلم، ورواية خزيمة تقدم معنا أن فيها أبو خزيمة وهو مقبول، وهنا رواية السائب بن خلاد فيها كما قلت: حماد بن الجعد ، لكن يشهد لهذين الحديثين حديث سلمان ، وجابر ، وعائشة ، ويدل على المطلوب وهو: أن الاستجمار بالحجارة جائز مشروع.

    1.   

    روايات أخرى لم يذكرها الترمذي ضمن باب الاستنجاء بالحجارة

    والترمذي اقتصر على هذه الروايات الأربع، ويحسن أن أزيد عليها روايات أخرى رويت في الباب لم يذكرها رحمة الله عليه.

    الراوية الأولى: رواية سراقة بن مالك

    الرواية الأولى: رواية سراقة بن مالك بن جعشم رواها الطبراني في معجمه الأوسط كما في مجمع الزوائد في الجزء الأول صفحة أربع ومائتين، وإسناد الحديث حسن، ولفظ الحديث (أنه كان إذا جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قومه وعلمهم، فقال له رجل يوماً وهو كأنه يلعب، يستهزئ بكلامه كما حصل من المشركين مع سلمان : يعلمكم النبي عليه الصلاة والسلام كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل، قال رجل لـسراقة بن مالك كأنه يلعب: ما بقي لـسراقة إلا أن يعلمكم كيف التغوط)، يعني لما يأتي سراقة من عند النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا كل شيء، وما بقي إلا أن يعلمكم التغوط، وقلنا: من محاسن ديننا أن الله ما أراد لنا -معشر المسلمين- أن نعيش كالحيوان البهيم في هذه الحياة، وأن نترفع عنهم، فأولئك يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم، وأما نحن فلأكلنا طريقة، ولشربنا طريقة، ولقضاء حاجتنا طريقة، كما لنا طريقة عند صلاتنا، وهذه عبادة وتلك عبادة، ولا ينقص الأجر عند قضاء الحاجة عندما تفعله على هدي الشرع عن العبادة التي تفعلها بعد ذلك، وهي مما أمرت بها من صلاة وصيام وحج وزكاة كله شرع، وينبغي أن تنفذ هدي الله في الجميع.

    وقلت: إن دين الله يقوم على خمسة أمور بينتها مراراً: العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق والآداب، والحدود والعقوبات، فهنا يقول هذا الرجل: ما بقي لـسراقة إلا أن يعلمكم كيف التغوط، فقال سراقة : أجل، سأعلمكم هذا استمعوا ماذا يعلمنا نبينا عليه الصلاة والسلام، (إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطرائق)، وهنا سراقة لم يرفع الحديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن معلوم في قرينة الحال أنه جاء من النبي عليه الصلاة كي يعلمهم، كيف يتغوط أحدهم.

    وسيأتينا هذا في الأماكن التي ينهى عن قضاء الحاجة فيها؛ لأن الناس يرتادون ويعتادون ذلك المكان، وهكذا الطرائق وهي الطرق، ومن آذى المسلمين في طرقهم ولعنوه فقد استحق لعنتهم، تسل سخيمتك على الطريق، بحيث يمشي إنسان ويتعثر بها، ويطأ عليها ويقذر نفسه، هذا ينبغي أن يتنزه الإنسان عنه، إذاً: (إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطرائق، خذوا النبل) ضمه علماء اللغة بضم النون وفتح الباء، وعلماء الحديث بالفتح في الحرفين النبل (خذوا النبل)، والنَبَل: هي الحجارة الصغيرة التي يستنجى بها، واحدتها نُبْلة كغرفة، نُبَل غرف، والمحدثون يفتحون النون والباء كأنه جمع نبيل في التقدير، أي: خذوا هذه الحجارة الصغيرة التي بها تتطهرون وتتطيبون عندما تزيلون ذلك الأذى والخبث إذا ذهبتم لقضاء الحاجة (خذوا النبل، واستشبوا على سوقكم)، قال الإمام ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث في الجزء الثاني صفحة ثمان وثلاثين وأربعمائة قال: أي استوفزوا عليها، ولا تستقروا على الأرض بجميع أقدامكم، وتدنوا منها، مأخوذ من شب الفرس يشب شباباً إذا رفع يديه جميعاً من الأرض، وعليه استشب إذا أردت أن تجلس لقضاء الحاجة، لا تجلس على بطن قدميك إنما ترفع رجليك كأنك تقف على المقدمة من أجل أن تصون نفسك من الأذى؛ لأن من جلس على بطن قدميه ألصقهما بالأرض يصبح قريباً من الأرض فينجس نفسه، ثم بعد ذلك يسترخي في الجلوس ويطيل المكث، وهذا في مكان بمقدار الضرورة، فاستشبوا على سوقكم، كأنك يعني مستوفز تقف على مقدمة القدم عندما تجلس هذا هو المطلوب، إذاً (تجنبوا الظل والطرق، خذوا معكم النبل -الحجار الصغار- واستشبوا على سوقكم، واستجمروا وأوتروا)، هذا محل الشاهد، (واستجمروا وأوتروا) رواه الطبراني -كما قلت- في معجمه الأوسط بسند حسن، هذه الرواية الأولى، وما أشار إليه الإمام الترمذي رحمه الله.

    الرواية الثانية: رواية ابن مسعود

    الرواية الثانية: رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رواها البزار بسند رجاله موثقون، وتقدمت الإشارة إليها عند حديث سلمان ، وقلت: إن هذا السؤال الذي وجه لـسلمان وجه أيضاً لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال أئمتنا: والمحفوظ أن هذا من كلام سلمان .

    قلت: إن سلمان سئل عن هذا، وأيضاً عبد الله بن مسعود سئل عن هذا، ورواية عبد الله بن مسعود في المجمع في الجزء الأول صفحة خمس ومائتين وصفحة إحدى عشرة ومائتين، فلفظ الحديث عن علقمة بن قيس -كما سيأتينا في الباب الثالث عشر- قال رجل من المشركين لـعبد الله (إني لأحسب صاحبكم قد علمكم كل شيء حتى علمكم كيف تأتون الخلاء، قال: إن كنت مستهزئاً فقد علمنا ألا نستقبل القبلة بفروجنا -وأحسبه قال-: ولا نستنجي بأيماننا، ولا نستنجي بالرجيع، ولا نستنجي بالعظم، ولا نستنجي بدون ثلاثة أحجار) رواه البزار ، ورجاله موثقون.

    وقد روي عن عبد الله بن مسعود رواية أخرى في غير مسند البزار ، رواها أبو يعلى في مسنده بلفظ آخر، لكن فيها راو متروك كما سأبين، وبعد أن أشار الهيثمي إلى رواية البزار في المجمع في الجزء الأول صفحة إحدى عشر ومائتين قال: وله -أي لـعبد الله بن مسعود - عند أبي يعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وتر يحب الوتر، فإذا استجمرتم فأوتروا)، هذه رواية أبي يعلى ، قال الإمام الهيثمي : وفيه أحمد بن عمران الأخنسي متروك، وحكم عليه الذهبي بذلك أيضاً في المغني في الضعفاء في الجزء الأول صفحة خمسين، ولم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة.

    الرواية الثالثة: رواية عقبة بن عامر

    الرواية الثالثة: رواية عقبة بن عامر في المكان المشار إليه آنفاً في المجمع صفحة إحدى عشرة ومائتين رواها الطبراني في معجمه الكبير، ورجال الإسناد ثقات، وما فيهم إلا عبد الله بن لهيعة الذي تقدمت معنا ترجمته وحاله، وقلت: بعض أئمتنا يحسن حديثه مطلقاً، وبعضهم يضعفه كما تقدم معنا، ولفظ حديث عقبة بن عامر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اكتحل اكتحل وتراً، وإذا استجمر استجمر وتراً)، رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وتقدم معنا أن الهيثمي تارةً يقول: ضعيف، وتارةً يقول: حديثه حسن، وتارةً يقول: حسن في الشواهد، وتارةً يقول: طرأ عليه الاختلاط.

    الرواية الرابعة: رواية أبي أيوب الأنصاري

    الرواية الرابعة: رويت عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في معجم الطبراني الكبير والأوسط بسند رجاله موثقون، قال الهيثمي : إلا أبا شعيب صالح، لعل صالح هنا خطأ، ولعلها صاحب، والكتاب فيها صاحب أبي أيوب لم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً، إلا أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم يذكر اسمه، وقد رجعت إلى كتب التراجم بسرعة فما وقفت يعني على ترجمة له، ولعله لو أن الإنسان تأمل كتب التراجم لوقف على خبر عن هذا، أو يقولون ما قال الهيثمي والعلم عند الله.

    لفظ حديث أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تغوط أحدكم فليمسح بثلاثة أحجار فإن ذلك كافيه)، وهذا محل الشاهد رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله موثقون إلا أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أعرف فيه تعديلاً ولا جرحاً.

    الرواية الخامسة: رواية عبد الله بن عمر

    الرواية الخامسة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في معجم الطبراني الكبير، وفي الإسناد قيس بن الربيع وثقه الثوري وشعبة ، وضعفه جماعة، ولفظ الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استجمر فليستجمر ثلاثاً) بمعنى وبمثل حديث جابر عند الإمام أحمد .

    وقال ابن حجر في التقريب في ترجمة قيس بن الربيع : صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، توفي سنة بضع وستين ومائة، حديثه في السنن إلا النسائي ، وله متابعة في رواية ستأتينا إن شاء الله في الباب الثالث عشر.

    الرواية السادسة والسابعة: رواية طارق بن عبد الله ورواية سهل بن سعد

    الرواية السادسة: رواية طارق بن عبد الله رواها الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله موثقون، (إذا استجمرتم فأوتروا، وإذا توضأتم فاستنثروا).

    الرواية السابعة: رواية سهل بن سعد رواها الطبراني في الكبير قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال: أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؛ حجران للصفحتين وحجر للمسربة ) والمسربة: مكان خروج الغائط، صفحة عن اليمين وعن الشمال حجران، وحجر لمكان خروج الغائط وهي الفتحة التي يخرج منها الأذى، (وحجر للمسربة).

    الرواية الثامنة: رواية عمر بن الخطاب

    الرواية الثامنة: رواية عمر رضي الله عنه، رواها الطبراني في الأوسط كما في المجمع في الجزء الأول صفحة اثنتي عشرة ومائتين، وفيها روح بن جناح ضعيف، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف، واتهمه ابن حبان ، وحديثه في سنن الترمذي وابن ماجه ، فهو من رجال الترمذي وابن ماجه ، ولفظ حديث عمر رضي الله عنه: ( أنه بال فمسح ذكره بالتراب، ثم التفت إلينا فقال: هكذا علمنا )، ولذلك حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: هكذا علمنا، فقد استجمر بالتراب، وهذا دليل على ما عنون عليه الإمام الترمذي: الاستنجاء بالحجارة.

    الرواية التاسعة والعاشرة: رواية أنس بن مالك ورواية سلمة بن قيس

    الرواية التاسعة: رواية أنس رواها البيهقي في السنن الكبرى في الجزء الأول صفحة اثنتي عشرة ومائتين.

    والرواية العاشرة: رواية سلمة بن قيس رواها أحمد في المسند، والترمذي في السنن، والنسائي وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه الكبير، وهي في جامع الأصول في الجزء السابع صفحة ثلاث وثمانين ومائة، عن سلمة بن قيس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأت فانتثر، وإذا استجمرت فأوتر)، أخرجه الترمذي والنسائي ولم يشر إلى رواية ابن ماجه ؛ لأنها ليست على شرط جامع الأصول، كما تقدم معنا: جعل الموطأ بدل سنن ابن ماجه ، فعزاها إلى الترمذي والنسائي فقط وهي في المسند وسنن ابن ماجه وصحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الكبير، والحديث قال عنه الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وسيأتينا أن الإمام الترمذي أورده عند كتاب الوضوء فيما يتعلق بالاستنثار.

    الرواية الحادية عشرة: رواية أبي

    الرواية الحادية عشرة -وهي آخر شيء-: رواية أبي سعيد الخدري وهي ثابتة في الصحيحين، ولفظ الحديث من رواية أبي هريرة وأبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر).

    هذه إحدى عشرة رواية مع الروايات الأربع التي أشار إليها الإمام الترمذي في الباب، فصار معنا خمس عشرة رواية، ومع رواية سلمان صارت ست عشرة، كلها تدل على مشروعية الاستجمار بالحجارة، وأن ذلك يجزئ، وتقدم معنا أنه لا خلاف في ذلك عند أئمتنا الكرام، نعم خالف في ذلك بعض الشيعة كما تقدم معنا، وقلت: لا يعتد بكلامهم.

    وأما الاستنجاء بالماء فسيأتينا حكمه وقلت: إنه خالف فيه عدد من السلف الكرام، وبينت التوجيه لما نقل عنهم رضي الله عنهم، أما الاستجمار بالحجارة: فهذا متفق على جوازه لم ينقل عن أحد من السلف المنع منه كما تقدم معنا، وكما قلت: نقل عن بعض من لا يعتد بكلامه وبخلافه، وهذه أحاديث كلها تدل على ذلك، أكثر من عشر روايات كلها ثابتة بنفسها، وما فيه شيء من الضعف ينجبر بهذه الروايات المتعددة، ويمكن أن يقطع بذلك الإنسان؛ لأن هذا الأمر ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق التواتر والعلم عند الله عز وجل، هذا فيما يتعلق بهذه المباحث الأربعة حول هذه الأحاديث الثلاثة.

    حديث أنس ، وابن عمر الذي هو أول الأحاديث التي تكلمنا عنها وتدارسناها في هذه الموعظة وهو حديث الباب العاشر: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض)، قلت: إن الحديث من رواية الترمذي وأبي داود منقطع، لكن حصل بيان اتصاله في رواية البيهقي وغيره.

    1.   

    وقفات مع الناقدين لأحاديث في الصحيحين في هذا العصر

    عند هذا أحب أن أنبه إلى أمر: وهو أنه ينبغي على طالب علم الحديث بأن يعنى بالبحث عن الروايات، وتعدد طرق الحديث ومخارجه؛ ليزول عنه خفاء في بعض الروايات، وأحياناً هذا الخفاء قد يتعلق بالمعنى، وأحياناً قد يكون حول الإسناد، فإذا جمعت الروايات زال عنك الإشكال، وهذا كان متوفراً لأئمتنا في منتهى اليسر والسهولة، ولذلك كان الواحد منهم يحفظ الحديث أحياناً من مائة طريق، فما يوجد لبس في طريق يزول بالطرق الأخرى، ونحن جئنا في هذا العصر على حسب حالنا -ونسأل الله أن يتوب علينا- إذا اطلعنا على طريق فرحنا به، ثم بعد ذلك أحياناً نتطاول على أئمتنا.

    عند هذا المبحث أريد أن أبين أمراً ينبغي أن نعيه تمام الوعي، وهو أنه ما نقل عن أئمتنا من تضعيف لبعض الأحاديث كما قال الإمام الترمذي هنا: وكلا الحديثين مرسل، إذا نحن وقفنا على طريق يزول به الضعف الظاهري فلنحمد الله، وهذا لا يكون في الحقيقة أننا خالفنا الإمام، فالإمام إنما حكم على الطريق التي عنده، ونحن عندنا رواية هنا عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر رضي الله عنهما -مثلاً- فهذا شيء لا إشكال فيه، لكن الذي ينبغي أن نحذره غاية الحذر، ومن خاض فيه ينبغي أن نقطع لسانه، ألا وهو: أن ما صححه أئمتنا فلنقف عن تضعيفه، والله أولئك ما صححوه إلا عن بينة ويقين، وقد يكون الطريق الذي بلغنا لحديث صحح، وقد يكون كلاماً، لكن عندهم من الأمور التي تزيل ما وقفنا عليه، والجاهل لم يقف على ما يزيل هذا الوهم فعندهم الشيء الكثير، فما صححوه دعه لهم وخذه منهم، واحذر أن تنازعهم فيما ضعفوه، فعندما تقف على رواية تقول: هو ضعف هذه الرواية -كما معنا مثلاً- يقول: كلا الحديثين مرسل، قل: حديث روي من هذا الطريق حكم عليه بالانقطاع، فهو مصيب، وليس عندما نقول: هذا الانقطاع زال في رواية أخرى، أننا نخطئه لا ثم لا، بل قلنا: مع انقطاع الحديث استدل أئمتنا به، وبنوا عليه ذلك الحكم الشرعي، لكن إذا صحح الحديث فقف عند حدك، لا سيما إذا كان الحديث في الصحيحين، والله إن الكلام عليه إذا كان في الصحيحين أو في أحدهما قاصمة الظهر.

    وفي هذا العصر فتح باب باسم الاجتهاد، وغربلة السنة وتمحيصها وتحقيقها، ونشهد كل يوم ثورات وحملات على سنة خير البريات عليه الصلاة والسلام باسم تنقية السنة، ما سلم صحيح البخاري ولا صحيح مسلم من هذه الغربلة التي يدعيها هؤلاء.

    الاحتجاج بتقدم النقد للصحيحين من جهابذة متقدمين

    وقد يقول طالب علم في هذا الوقت: قد وجد من الجهابذة -كالإمام الدارقطني - من انتقد بعض أحاديث في الصحيحين.

    وأنا سأوجه هذا إن شاء الله الآن، وأقول: هذا وإن جرى من إمام جهبذ لا يعني أنه مصيب، لا ثم لا، إنما غاية ما نقول: هو معذور وله اجتهاده، وعندنا بعد ذلك رد عليه، وكلام الدارقطني وغيره كله يرد عندما يصحح الحديث في صحيح البخاري ، لكن نحن إذا جرى كلام من إمام كـالدارقطني فغاية ما نفعل كما فعل أئمتنا مناقشته، ورد هذا القول، وانتهى الأمر.

    أما أن يأتي إنسان في هذا العصر وبيننا وبين البخاري خمسة أضعاف المدة التي بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام لنضعف أحاديث في صحيحه، أو في صحيح مسلم كما قلت: والله إنها لإحدى الكبر، وهذه قاصمة الظهر.

    وقبل أيام أعطاني بعض الإخوة الكرام كتاباً -وهذا الذي دعاني إلى الكلام- حول حديث مشهور يحفظه الطلاب ليس في الابتدائية، بل في بداية التعلم يحفظه الطالب ويعلمه، هو في الأربعين النووية، وفيه: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)، هذا الكتاب في حدود مائة وخمسين صفحة في تضعيف هذه الزيادة وردها، وأنها باطلة لا تجوز، ويرد على تصحيح الحاكم والذهبي والترمذي ، وأئمة الإسلام ابن حجر ، والمنذري ، ولا يعجبه أحد ثم يقول في النهاية: قلت: لم تنكرون عليَّ، وتستنكرون كلامي؟ فالتصحيح والتضعيف اجتهادي، فأولئك اجتهدوا وأخطئوا، وأنا الآن أجتهد.

    يا عبد الله! أمر اجتهد فيه أئمتنا، وتناقلوه من القرن الثاني حتى الآن ثم جئت أنت لتخرج وتجتهد، من أنا ومن أنت؟

    حديثه صحف في العلل، وفي إسناده شيء، ثم رأيت ووقفت على ما يجبر هذا الشيء فاحمد الله، فأنت الآن لا ترد على هذا الإمام، وإنما تضيف على كلامه كلاماً مقبولاً، وتصون السنة من الإهمال والرد والضياع، أما حديث صحح، وتتابع أئمتنا على هذا ثم تأتي وترده وتنكره؟ حقيقةً هذه كبيرة.

    رد ابن حجر على الاستدلال بانتقاد المتقدمين للصحيحين

    قلت: وما حصل من اعتراض من بعض الأئمة على بعض الأحاديث التي في صحيح البخاري ، يقول الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في رد هذا في كتاب هدي الساري في شرح مقدمة صحيح البخاري في صفحة ست وأربعين وثلاثمائة، يقول: هذه الاعتراضات التي وجهت على صحيح البخاري من الدارقطني وغيره، نجيب عنها بجوابين: جواب إجمالي وجواب مفصل.

    أما الجواب الإجمالي فنقول: لا ريب في تقديم البخاري ومسلم على علماء عصرهما، وعلى العلماء الذين جاءوا بعدهم، وهذا لا نزاع فيه، فـالبخاري ومسلم أعلم العلماء في عصرهم ومن بعدهم، فهم أولى وأعلم ممن بعدهما.

    يقول: وعليه فما أورداه في الصحيح فهو صحيح، ولا يمكن أن يكون فيه علة، فالإمام البخاري ومسلم تلقيا وأخذا العلم عن الإمام علي بن المديني وهو أعلم أقرانه بالعلل، وعن محمد بن يحيى الذهلي وهو أعلم الناس بعلل حديث الزهري ، وقال البخاري عليه رحمة الله: عرضت هذا الجامع من أوله إلى آخره على أبي زرعة ، فما قال فيه علة تركته، وقال أيضاً: ما أدخلت في الجامع حديثاً إلا بعد أن استخرت الله، وتيقنت صحته.

    علي بن المديني ، والذهلي ، وأبو زرعة ، والبخاري كلهم مشتركون -الآن- في الجامع الصحيح وإن كان ينسب إلى البخاري .

    ونحن نقول للمعترض: هذا إمام، وأنت مهما عليت إمام، لكن إمامة من أعلى؟ إمامة البخاري ، وإذا كانت إمامة البخاري أعلى من إمامتك، فذهب كلامك، وثبت كلام الإمام البخاري ، أوليس كذلك؟ فهو أعلم منك بهذه الصنعة، هو يصحح ويقول: هذا الحديث شاركني فيه الحفاظ وعرضته عليهم، ولا يوجد الآن في هذا الصحيح حديث فيه علة، وعليه لو قدر أننا اطلعنا على علة إما أن هذه العلة غير مؤثرة، وإما أنها ليست بعلة ونحن توهمناها علة، أو علة ولكن ليست مؤثرة، هذا لا بد من أن نجزم به.

    الأمر الثاني: يقول الحافظ ابن حجر : كما دخلت أنت مع البخاري نحن ندخل، أنت تعترض أحاديثه فنرد اعتراضك عليك اعتراضاً اعتراضاً، ونثبت صحة فعل الإمام البخاري في صحيحه، فنناقشك مناقشةً تفصيلية ثم نقول: كل ما اعترضته على البخاري فله متابع، وله عاضد، وله شاهد أي: يوجد قرينة في الجملة تقويه، وعليه فالتصحيح من حيث المجموع -هذا لو سلم لك أنه يوجد اعتراض في راوٍ معين- وبذلك تسلم أحاديث الصحيح، وكما قلت: هذه شيء من الانتقادات وجدت في العصر الأول وزالت وانقضت.

    1.   

    مناقشة الألباني في تضعيفه حديث يحيى بن سليم في صحيح البخاري

    وفي هذا العصر الإنسان يتعجب غاية التعجب -ويعلم الله لا علم لي سابقاً بهذا- اليوم صباحاً بعد صلاة الفجر بينما أتصفح بعض الأحاديث التي تلزمني في موضوع الدرس والخطبة، ثم وقف نظري على حديث في ضعيف الجامع الصغير وزياداته للشيخ الألباني ، نسب الحديث السيوطي ؛ لأن الألباني إنما رتب تلك الأحاديث على طريقته: صحيح وضعيف، وهذا في الأصل جامع الصحيح، وهكذا الزيادات التي ضمت إليه في الفتح الكبير، فهو مجرد ترتيب لكن: صحيح وضعيف، كما جاء للترمذي ولغيره، في هذا وقف نظري صبح اليوم بعد صلاة الفجر يقول -الحديث في المسند والبخاري-: الألباني ضعيف، قلت: -سبحانك ربي!- لعله في الطباعة خطأ، ثم أحال إلى مصدر، ورأيت الكلام متضارباً غاية الاضطراب والتناقض، في صفحة تسعين وخمسمائة. فالطرق التي نقف عليها -كما قلت- لنبني، لا نأتي لنهدم -انتبه ماذا يقول- قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه فلم يعطه أجره)، فالحديث كان مقرراً في المرحلة الثانوية.

    يقول الإمام السيوطي : (حم) يعني: المسند و(خ) يعني: البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، والحديث أيضاً في سنن ابن ماجه ، ورواه ابن الجارود في المنتقى، والبيهقي في السنن الكبرى، والطحاوي في مشكل الآثار.

    يقول الألباني : ضعيف، سبحانك ربي! فهل هذا من الطباعة أم لا؟ لا أعلم، وكتاب ضعيف الجامع الآن موجودة عندي منه الطبعة الثالثة، ألف وأربعمائة وعشرة، وما أعلم هل هو من المتقدم أو من المتأخر في الكتاب؟

    يقول هو: انظر إرواء الغليل، ورقم الحديث تسع وثمانون وأربعمائة بعد الألف، في الجزء الخامس صفحة ثمان وثلاثمائة، والإنسان يرى ما يسره وما يضره عندما يقرأ في كتب المحدثين في هذا الحين، يقول هنا: وفيه -أي: في الصحيح- على حسب منار السبيل الذي يخرج أحاديثه: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يؤته أجرته) -انتبه- يقول: حسن أو قريب منه. هل هذه خدمة للسنة أم تلاعب بها؟ هناك ضعيف، وهنا حسن أو قريب منه، هذا الحديث في صحيح البخاري ، أنت تقول: أخرجه البخاري في صحيحه، وكذا ابن ماجه ، وكذا الطحاوي ، وكذا الإمام أحمد ، وكذا ابن الجارود وبدأ يعدد، ثم يقول: قلت: وهذا الحديث مع إخراج البخاري إياه في صحيحه فالقلب لم يطمئن لصحته؛ ذلك لأن مدار إسناده على يحيى بن سليم ، وهو الطائفي ، وقد اختلفت أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه.

    أقوال الأئمة في يحيى بن سليم

    انتبهوا إخوتي الكرام! سأورد ما ذكره وما قرره أئمتنا، ولنر أن الشذوذ وحب المخالفة للمسلمين كيف يظهر في كتب المحدثين، وكأن هذا صار عندهم دين يتقربون به إلى رب العالمين، حديث في صحيح البخاري ما اطمأن قلبك لصحته، فماذا تقول؟

    يقول: وقد اختلفت أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه فوثقه ابن معين وابن سعد والعجلي ، وقال النسائي : ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر -انتبه- رواية يحيى بن سليم الطائفي عن عبيد الله بن عمر منكرة، لكن ما عدا هذا ليس بمنكر، هذا كلام النسائي الذي جرح جرحاً مقيداً، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ، وقال أبو حاتم : شيخ صالح ، محله الصدق، ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وقال يعقوب بن سفيان : سني، رجل صالح ، وكتابه لا بأس به، فإذا حدث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظاً فيعرف وينكر، يعني: يخطئ، وأورده النسائي في الضعفاء والمتروكين فقال: ليس بالقوي، لكن ترجمة النسائي التي نريدها منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر مما يبين أن هذا الإطلاق محمول على هذا التقييد كما سأبينه، وأفصل لنجمع بين كلام أئمتنا، ولنشهد لصحيح البخاري بما شهد به أئمتنا وإلا فلا خير فينا، وقال أحمد : كتبت عنه شيئاً فرأيته يخلط في الأحاديث فتركته، وفيه شيء.

    هذا كله مما حكاه الشيخ الألباني في هذا الكتاب وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالحافظ عندهم، وقال الدارقطني -انتبه لهذه الكلمة والتي هي أعجبت الألباني ووقف عندها-: سيئ الحفظ، وقال البخاري : ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح.

    قلت: ومن هذه النقول يتلخص: أن الرجل ثقة في نفسه، ولكنه ضعيف في حفظه، وخصوصاً في روايته عن عبيد الله بن عمر ، يستثنى من ذلك ما روى الحميدي عنه فإنه صحيح، وهذا الحديث ليس من روايته عنه، لا عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من مخرجيه، فلا أدري وجه إخراج البخاري له، فإن مفهوم قول البخاري المذكور: أنه ما حدث غير الحميدي عنه فهو غير صحيح.

    قلت: لا يفهم هذا، فـالبخاري عندما يقول: ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح، كأنه يقصد أن هذا له ميزة خاصة بالصحة، ولكن ما عداه يحتاج إلى البحث، وما نص على أن ما عدا هذا ضعيف، هذا لازم أن تفهمه.

    يقول: ولا يصلح جواباً عن هذا قول الحافظ ابن حجر -انتبه قول الحافظ هنا لا يصلح! عندما يأتي لما لا يوافقه في قول الحافظ : لا يصلح، وعندما يأتي يخالف الأئمة يقول: كما قرر ابن حجر المحقق، سبحان الله! حر وبرد على سطح واحد، إما أن ابن حجر محقق فخذ بقوله، وإما أنت يكون التحقيق عندك -يقول: ولا يصلح جواباً عن هذا قول الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: يحيى بن سليم - بالتصغير- وهو الطائفي نزيل مكة، مختلف في توثيقه، وليس له في البخاري موصولاً سوى هذا الحديث، والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة، -هذا التحقيق ابن حجر يقوله- وهذا الحديث من غير رواية يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر فروايته مقبولة.

    أقول: لا يصلح هذا الجواب لأمرين:

    الأول: أن التحقيق الذي حكاه إنما هو بالنسبة لرأي بعض الأئمة ممن حكينا كلامهم فيه، رأي بعض الأئمة، وهو الساجي ، وأما الآخرون من المضعفين فقد أطلقوا التضعيف فيه ولم يقيدوه كما فعل الساجي . هنا يقول النسائي : ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر ، والنسائي لعله الساجي أيضاً في الطباعة خطأ، على كل حال لا يضرنا هذا الآن، يقول هنا: ذكر الساجي بعد ذلك: صدوق يهم في الحديث، وأخطأ في أحاديث رواها عبيد الله بن عمر لم يحمده أحمد ، ليس هذا الرأي للساجي فقط. يقول: وأما الآخرون من المضعفين فقد أطلقوا التضعيف ولم يقيدوه كما فعل الساجي وهذا هو الذي ينبغي الاعتماد عليه؛ لأن تضعيفه مفصل بسوء الحفظ عند جماعة منهم الدارقطني ، وما قال هذا إلا الدارقطني ، فهو جرح مفصل يجب تقديمه على التوثيق باتفاق علماء الحديث كما هو مشروح في علم المصطلح، ثم هو مطلق يشمل روايته عن عبيد الله وغيره، وهو ظاهر كلام البخاري ، وهذا هو التحقيق الذي ينتهي إليه الباحث في أقوال العلماء في الرجل، وقد لخص ذلك الحافظ ابن حجر نفسه أحسن تلخيص كما هي عادته في التقريب فقال: صدوق سيئ الحفظ، فأطلق تجريحه كما فعل الجماعة ولم يقيد كما فعل الساجي ، وهذا هو الحق الذي لا يمكن للعالم المتجرد أن يلخص سواه من أقوال الأئمة السابقة، ولو كان المتكلم فيه من رجال البخاري أو ممن وثقه فكيف وهو قد ضعفه كما تقدم -ضعفه البخاري أو قال: رواية الحميدي عنه صحيحة-؟

    وأما القول: بأن من روى له البخاري فقد جاوز القنطرة، فهذا مما لا يلتفت إليه أهل التحقيق كأمثال الحافظ العسقلاني ، أنت الآن ما قبلت تحقيق العسقلاني ، قلت: ما قاله الحافظ ابن حجر : بأن هذا التضعيف مقيد في رواية يحيى بن سليم ، عن عبيد الله بن عمر ليس بصحيح، وأنت تقول هنا: إن هذه بلية القائل بها يعلم ماذا يترتب عليها، وأنه لو كان في الأمة صاحب رشد لحجروا عليه، فيريد أن يضع هذا البلاء على ابن حجر .

    وأما القول: بأن من روى له البخاري فقد جاوز القنطرة، فهو مما لا يلتفت إليه أهل التحقيق كأمثال الحافظ ابن حجر العسقلاني، ومن له اطلاع لا بأس به على كتابه التقريب يعلم صدق ما نقول.

    والثاني: هب أن التحقيق المذكور سالم من النقص، فالإشكال لا يزال، وأيضاً بالنسبة للبخاري إلا أنه قال: إن قوله: ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح مما لا مفهوم له يقول: ممكن أن يقال، لكن هذا بعيد كما ترى، يعني مفهومه أنه ما حدث غير الحميدي عن يحيى بن سليم فهو ضعيف، وخلاصة القول: إن هذا الإسناد ضعيف، وأحسن أحواله أنه يحتمل التحسين، وأما التصحيح فهيهات.

    أنا أعجب غاية العجب، حسن، قريب من الحسن، يحتمل التحسين ضعيف، هذه أربعة أقسام، بأيها سنأخذ؟ إن قلت: حسن والحديث مقبول فعلى العين والرأس وزال الإشكال، وإن قلت: قريب من الحسن فحدد لنا هذا القرب، وهل الشواهد تقوي أم لا؟

    ويحتمل التحسين هل جزمت أم لا؟ ثم جئت في ضعيف الجامع، وقصمت الأمر وقلت: إنه ضعيف.

    هذا كلام باطل إخوتي الكرام، وفتح هذا الباب سيفتح على الأمة باباً لتتلاعب بالسنة، ولتهدمها باسم خدمتها، أقول لكم ولا أبالي: إذا أردنا أن نحصيَ من تكلم فيهم من رجال الصحيحين ممن لا يعتبر الكلام فيهم تكلم في المردود، فخرج معنا نسبة كبيرة كبيرة، فإذا كان كل كلام سيؤثر في المتكلم فيه فينبغي أن نرد على أقل تقدير ربع أحاديث الصحيحين إن لم يكن أكثر، وسيأتينا بعد ذلك أهل سقط بعدنا يقولون: ما دام الأمر اجتهادياً فنحن ننسف أحاديث الصحيحين من أولها لآخرها، ما دام الأمر اجتهادياً نريد أن يتكلم، يا عبد الله! اعرف قدرك، ما سبقت إليه قف عنده، كان كبير من أئمتنا عندما يمر عليه الحديث من أحاديث الصحيحين يقول: لولا هيبة الجامع لتكلمت، لكن هنا هيبة من يجرؤ أن يتكلم، ويضلل من قبل المسلمين، وهذا كورع كثير من النحاة كان إذا جاء إلى القراءات وسئل: هل هذه القراءة أبلغ أو هذه؟

    يقول: وأما في القراءة فأسكت خشية أن اتهم، من يفضل قراءة على قراءة، هذا ضلال، لكن إذا صرت إلى كلام الناس فضلت، أما في كلام الله، قل كلام الله وكفى، كل من هنا بالغ محدث، أنا أريد أن أعلم لم هذا الباب يفتح في صحيح البخاري ؟ وهذا نموذج ماذا يوجد، ما خفي علينا؟ لا أعلم.

    في زماننا تعلمون -كما قلت مراراً- والله لا نصلح أن نصل إلى درجة الناقل، أما العالم الذي يقول في هذه عن نفسه: عالم، والله ينبغي أن يرمى بالحجارة، وأن يوضع في بيت يسد عليه حتى ما يخرج إلا إلى المقبرة فقط، لكن إذا كان الواحد ناقلاً أو يحسن النقل ويقول هذا الذي قرره أئمتنا فلا بأس.

    إخوتي! هل نحن الآن عندنا ذوق المحدثين، وفهمهم ووعيهم؟

    أهذا عندنا يذكر بين طلبة العلم؟ وعلى هذا أيضاً لا مانع أن نتجرأ على أحاديث في الصحيحين تضعيفاً ورداً، فأول ما سيقرأ هذا من رجال البخاري ، تكلم فيه، يقول: كل حديث خرج في صحيح البخاري لهذا فهو ضعيف، ويأتي يضعف من يشاء.

    ومثل هذا لايسلم منه نسبة كبيرة من رجال الصحيحين، نعم وقع اعتراض من بعض أئمتنا الجهابذة في العصر الأول، وردوه وحسموا المسألة وانتهينا، ووالله الذي لا إله إلا هو لو علم المحدثون بعد عصر ابن صلاح ما سيئول إليه علم الحديث حتى هذه الأيام لقالوا بقوله: إن باب التصحيح والتضعيف في العصور المتأخرة مختم.

    فما علينا إلا أن نأخذ ما قاله أئمتنا فقط، أما أن تأتي وتدخل نفسك في هذا الباب فلا ثم لا، وكما قلت: إنما قال هذا عليه رحمة الله من أجل المحافظة على دين هذه الأمة؛ لأن فتح الباب سيدخل فيه ما لم يحمد، وهذا الذي حصل.

    رسالة بحدود مائة وخمسين صفحة في تضعيف هذا الحديث الذي يتناقله المسلمون، ما نقل ولا اطمأن قلبه إليه، ما دام المسألة الآن مسألة اجتهاد فكل واحد يجتهد، وبعد ذلك لن يعدم أجراً أو أجرين، وأنا أقول: لن يعدم وزراً أو وزرين؛ لأن الاجتهاد إنما يكون لأهله، فإذا جاء الدارقطني واجتهد، فغاية ما نقول: إمام جهبذ أخطأ، وأئمتنا ردوا عليه، وانتهى الأمر، أما أن يفتح الباب فلا.

    أريد أن أقول من ناحية الإنصاف: أنت فهمت هذا؟ نحن نفهم الخلاف هذا، وعليه فنحن ننازعك فاتق الله في كلامك، ونحن نتقي الله في كلامنا، ولنقف عندما قرره أئمتنا، البخاري صحيح، وابن حجر وافق، وغيره وافق، ونحن المتأخرون مع من نسير؟ مع كلامك؟!

    نقول: نظرنا في هذه الأقوال ورأينا فيها تعديلاً مطلقاً، ورأينا فيها تجريحاً مطلقاً، وتكلم الدارقطني ، ورأينا فيها تجريحاً مقيداً عمن رواه عن عبيد الله بن عمر ، ورأينا فيها تعديلاً مقيداً فلو نزلنا هذا التقييد فما رواه يحيى بن سليم من كتابه فهو معتبر، وما رواه عنه الحميدي فهو معتبر، وأقول: الآن هنا هذا الحديث لو رواه يحيى بن سليم من كتابه هل هو معتبر أو لا؟ أنه رواه من كتاب، ولم يحدث به من حفظه، أما زال الإشكال؟

    هل عندك يقين بأن هذا الحديث حدث به يحيى بن سليم من غير كتابه؟ وقد اتفقنا على أن ما رواه من كتابه فإنه لا يضعف، وأنت تقول: هو ثقة في نفسه وإمام عدل، لكن يخطئ في الحفظ، ولو أن إنساناً لا يحفظ في صدره حديثاً واحداً لكنه ضابط الكتاب، وعندنا الضبط على قسمين: ضبط صدر، وضبط كتاب، فهذا الآن متفق على أنه ضابط كتاب، عندنا تعديل مطلق وتعديل مقيد، فإن روى من كتاب وهذا محل اتفاق على تعديله، وإن روى من غير كتاب عندنا كلام يقال في هذه المسألة، ثم ما الداعي لتقديم حكم وعنده شيء من التشدد في التجريح على كلام من عداه؟ فعندنا تعديل مطلق، وعندنا تعديل مقيد، وعندنا جرح مطلق، وعندنا جرح مقيد، نقول: لو أنصفنا لحملنا الجرح المطلق على المقيد وقلنا: إنه سيئ الحفظ فيما رواه عن عبيد الله بن عمر ، وهو حافظ بعد ذلك ويخطئ فيما رواه من حفظه، وفيما رواه من كتابه حافظ ضابط لا غبار على روايته، وبذلك يزول الكلام عن هذا الراوي وثبت الحديث، الحكم على يحيى بن سليم بناء على هذه النقول جائز، بشرط ألا يكون فيه اعتداء عليه، فينبغي أن نقول: ما رواه من كتابه مقبول، وما رواه من حفظه يخطئ فيه ويحتاج إلى التحقق، وما روى عنه الحميدي فهو مقبول، وما رواه عن عبيد الله بن عمر مردود، المطلق من الجرح يحمل على هذا التفصيل وانتهى الأمر، فبذلك نقول: قد وافقنا أئمتنا، والتزمنا هدي ديننا، وأما أنه لوجود كلام في رجل كذبنا الحديث من أوله لآخره ولو في صحيح البخاري؟!

    إخوتي الكرام! هذا لا يجوز، وهو حرام قطعاً وجزماً، ولذلك نحن عندنا نبحث في الطرق لرواية ضعيفة منقطعة مرسلة، فإن وجدنا ما يزيل هذا الضعف فيها فلنحمد الله، ونقول روايات أخرى رويت في دواوين السنة الأخرى أزالت هذا النقص الذي في هذه الرواية، أما حديث صحيح وأئمتنا نصوا على تصحيحه، نأت نتهجم عليه؟ هذا لا ينبغي أن نفعله.

    دفاع ابن حجر عن حديث يحيى بن سليم وإثبات صحته

    والحافظ ابن حجر دافع عن هذا الحديث، وبين صحته في هدي الساري في ترجمة يحيى بن سليم الطائفي ، وفي الفتح عند شرح هذا الحديث، فاستمع كلامه على وجه الاختصار في الفتح في الجزء الرابع صفحة سبع عشرة وأربعمائة.

    يقول هنا: حدثنا يحيى بن سليم -بالتصغير- هو الطائفي نزيل مكة مختلف في توثيقه، وليس له في البخاري موصولاً سوى هذا الحديث، وذكره في الإجارة من وجه آخر عنه، والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة، وفي البخاري : بشر بن مرحوم قال: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية ، في صفحة سبع وأربعين وأربعمائة في كتاب الإجارة -انتبه- بدل بشر يقول: حدثني يوسف بن محمد قال: حدثني يحيى بن سليم ، هذا هو الوجه الآخر، يعني هنا روي بواسطة بشر بن مرحوم وهناك بواسطة يوسف بن محمد ، وهذا الحديث من غير رواية عبيد الله ، واتفق الرواة عن يحيى بن سليم على أن الحديث من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة ، وخالفهم أبو جعفر النصيري فقال: عن سعيد ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، قاله البيهقي ، والمحفوظ قول الجماعة، وهو هنا عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه (ثلاثة أنا خصمهم) في الفتح في هدي الساري في صفحة واحدة وخمسين وأربعمائة، وذكر من الرجال الذين تكلم عليهم وانتقدوا في صحيح البخاري يحيى بن سليم الطائفي ، سكن مكة، قال أحمد : سمعت منه حديثاً واحداً ووثقه ابن معين والعجلي وابن سعد ، وقال أبو حاتم : محله الصدق، ولم يقل بالحافظ، وقال النسائي : ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر ، وقال الساجي : أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر ، وقال يعقوب بن سفيان : كان رجلاً صالحاً، وكتابه لا بأس به، فإذا حدث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظاً فتعرف وتنكر.

    قلت: لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئاً، وهي الرواية المنكرة المتكلم فيها، ليس له في البخاري سوى حديث واحد عن إسماعيل بن أمية ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، (يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم) الحديث، إلى آخر الكلام.

    ترجمة ابن حجر ليحيى بن سليم

    وفي التهذيب -حقيقةً- أطال الإمام ابن حجر في ترجمته وذكر أشياء أخرى لم يذكرها هنا: يحيى بن سليم القرشي الطائفي أبو محمد ويقال : أبو زكريا المكي الحذاء قال ابن سعد : طائفي سكن مكة، روى عن عبيد الله بن عمر العمري ، وموسى بن عقبة ، وداود بن أبي هند وابن جريج وإسماعيل بن أمية ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وعثمان بن الأسود ، وإسماعيل بن كثير ، والثوري ، وعمران القصير وغيرهم، روى عنه وكيع وهو من أقرانه، والشافعي وابن المبارك ومات قبله، أبو بكر بن أبي شيبة ، وبشر بن عبيس وإسحاق بن راهويه والحميدي وقتيبة ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، وهشام بن عمار ، والحسين بن حريث ، ويوسف بن محمد العصفري ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وأحمد بن عبدة الضبي ، والحسن بن محمد الزعفراني ، والحسن بن عرفة وآخرون.

    قال الميموني عن أحمد : سمعت منه حديثاً واحداً، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: يحيى بن سليم كذا وكذا، والله إن حديثه يعني: فيه شيء، وكأنه لم يحمده.

    وقال في موضع آخر: كان قد أتقن حديث ابن خثيم ، فقلنا له: أعطنا كتابك، فقال: أعطوني رهناً.

    الدوري عن ابن معين : ثقة، وقال أبو حاتم : شيخ صالح، محله الصدق، ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال: ابن سعد كان ثقةً، كثير الحديث، وقال النسائي : ليس فيه بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر ، وقال الدولابي : ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، مات سنة ثلاث، أو أربع وتسعين ومائة، وقال البخاري عن أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة : مات سنة خمس وتسعين -يعني ومائة- وهو مكي، كان يختلف إلى الطائف فنسب إليه، قلت: وقال الشافعي : فاضل كنا نعده من الأبدال -وهو شيخ الشافعي -، وقال العجلي : ثقة، وقال يعقوب بن سفيان سني، رجل صالح، وكتابه لا بأس به، وإذا حدث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظاً فتعرف وتنكر، وقال النسائي في الكنى: ليس بالقوي، وقال العقيلي : قال أحمد بن حنبل : أتيته فكتبت عنه شيئاً، فرأيته يخلط في الأحاديث، فتركته وفيه شيء، قال أبو جعفر : ولين أمره.

    قال الساجي : صدوق يهم في الحديث، وأخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر ، لم يحمده أحمد ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالحافظ عندهم، وقال الدارقطني : سيئ الحفظ، وقال البخاري في تاريخه وفي ترجمة عبد الرحمن بن نافع : ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح.

    هذا الكلام في نهاية أمره -كما قلت- نستنبط منه هذا الأمر، ألا وهو أن حديث هذا الإنسان إذا حدث من كتابه، وإذا حدث عنه الحميدي ، وإذا لم يحدث عن عبيد الله بن عمر العمري ، فحديثه صحيح إن شاء الله.

    ولذلك فتح الكلام في تضعيف أحاديث ثابتة في صحيح البخاري بلية من البلايا ورزية من الرزايا، فلنحذر هذا إخوتي الكرام، ولما كنت أراجع هذا الأمر وما يتعلق به وكنت ذكرت فيما يتعلق من الأنباء الغريبة في الأحاديث التي في سنن الترمذي ، يقول الألباني في صفحة ثلاثين من سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء الثالث: قلت: تساهل الترمذي إنكاره مكابرةٌ لشهرته عند العلماء، وقد تتبعت أحاديث سننه حديثاً حديثاً، فكان الضعيف منها نحو ألف حديث، أي: قريباً من خمس مجموعها.

    نستكمل كلام الألباني فيما يأتي، ونرد عليه إن شاء الله.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، اللهم اغفر لمن علمنا، ولمن تعلم منا، اللهم اغفر لوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756012225