إسلام ويب

شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [10]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن العقل مجاله العلوم المادية القائمة على التجارب، وأما الأمور الغيبية كالميزان وذبح الموت وصفات الله فنؤمن بها كما وردت دون تأويل، إذ لا يجوز أن نقحم العقل فيها. والأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته ولا ينقل عن ذلك إلا عند استحالة المعنى مع جواز ذلك في لغة العرب، وليس ثمة مجال للمجاز في الأمور الغيبية.

    1.   

    كيفية التعامل مع الغيبيات

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين! سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فلا زلنا نتدارس الباب الثاني من أبواب الطهارة الذي عنون عليه الإمام أبو عيسى الترمذي عليه رحمة الله فقال: باب ما جاء في فضل الطهور، ثم ساق الحديث بسنده من طريق شيخيه: إسحاق بن موسى الأنصاري ، وقتيبة بن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرجت من يده كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب).

    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

    وكنا نتدارس المسألة الثانية من المبحث الثاني، والمبحث الثاني دار حول فقه الحديث وبيان معناه، وقلت: تحت ذلك مسألتان: المسألة الأولى: في تكثير الطاعات والسيئات. والمسألة الثانية: في كيفية خروج الخطايا من أعضاء المتوضئ عندما يتوضأ، وهذه الكيفية كما تقدم معنا تحمل على حقيقتها التي يعلمها الله ولا نعلمها، وقد يطلع الله جل وعلا بعض عباده على رؤية هذه الخطايا التي تؤثر في جسم العاصي ظاهراً وباطناً.

    وتقدم معنا تقرير هذا الأمر بأدلته مفصلاً فيما مضى، وقلت: لا يجوز أن نحمل الحديث على أنه من باب الكناية والمجاز عن المغفرة وستر العبد وإسقاط الذنب عنه، دون أن يحصل هناك خروج حقيقي، ولا يجوز أن نقول: إن هذا الخروج أيضاً حقيقي؛ لأنه يوجد في عالم الإنسان في هذه المعاني والأعراض أجرام وأجساد وشيء محسوس، كل هذا قلت: إنه من باب التكلف.

    وختمت المسألة الثانية بثلاثة أمور ينبغي أن ننتبه لها وأن نعيها حول موقف العقل في هذه الحياة نحو ما يعرض عليه.

    قلت: إن العقل مجاله العلوم المادية، فليبحث فيها عن طريق التجارب، ولنقرر ما يتوصل إليه. وأما ما يتعلق بدائرة الحلال والحرام، والفضيلة والرذيلة، والخير والشر، والحق والباطل، فمرد ذلك إلى شرع الله جل وعلا، ولا يجوز للإنسان أن يحكم في هذه الأمور عن طريق عقله، ولا عرفه، ولا عن طريق طاعة قائده، ولا أن يتبع مصلحته أو شهواته، فمرد ذلك إلى شرع ربه جل وعلا، إنما عقله يفهم ويستنير بعد ذلك بنور الوحي وهداه. وليحذر كل الحذر من رد النصوص الشرعية أو من تأويلها بما يشبه ردها.

    والأمر الثالث: دائرة المغيبات، قلنا: نؤمن بها كما وردت، فلا نؤولها، ولا نبحث في كنهها وكيفيتها وحقيقتها، فالإيمان بها يقوم على دعامتين اثنتين: إقرار وإمرار، نقر باللفظ كما ورد، ونمره دون أن نبحث في كيفيته وحقيقته وكنهه وماهيته. فهذه المغيبات لم تطلع عليها عقولنا، ولم تصل إليها حواسنا، فلا يجوز أن نتكلم فيها بأكثر من إثباتها كما ورد ذلك بالنص الشرعي الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42].

    وقلت: يدخل في دائرة المغيبات ما يتعلق بصفات رب الأرض والسموات، فإيماننا بها إقرار وإمرار، ويدخل في هذا عالم الملائكة، وعالم الجن، وما يكون في اليوم الآخر من عذاب أليم ونعيم مقيم، كل هذا لا نبحث في كنهه ولا في كيفيته، نثبته كما ورد به النص على المعنى اللائق به، ولا يعلم حقيقة ذلك إلا قائل ذلك والمخبر عنه وهو الله جل وعلا؛ ولذلك ينبغي أن نعي هذا الأمر تمام الوعي لنبتعد عن الفضول وعن القيل والقال، وعن الكلام الذي لا وزن له ولا اعتبار.

    فموضوع الذنوب والخطايا وأثرها في أعضاء الإنسان، هذه الكيفية لا يدركها العقل فلا يجوز له أن يخوض فيها، ولا أن يؤولها، وغاية ما يقول: إن هناك خطايا دنست أعضاء الإنسان فإذا توضأ تزول عنه، كيفية ذلك يعلمها الله جل وعلا، وإذا لم يطلعنا الله على هذا الأمر وعلى حقيقته فلا يجوز أن ننكره ولا أن نؤوله بما يشبه إنكاره، وهكذا ما يتعلق بصفاته جل وعلا، وما يكون في اليوم الآخر، وكذلك ما يكون في عالم الغيب من عالم الملائكة والجن وما يتعلق بهذا.

    كنت ختمت الموعظة الماضية بأمر من الأمور تلاعبت فيه العقول عندما لم تقف عند هدي نبينا الرسول عليه صلوات الله وسلامه، ألا وهو أمر الدجال، فمن قائل: إن الدجال رمز للدجل والخرافات التي كانت قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن قائل: الدجال هو التكنولوجيا والعلوم الحديثة التي وجدت في زماننا، والدجل فيها أن الناس خدعوا بها، والعور فيها أنها مجردة من الاتصال بالله فهي تكنولوجيا على تعبيرهم بلا خلق ولا دين، كل هذا الكلام باطل وهذيان.

    ومن قائل: الدجال هو إنسان حقيقة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنه، لكن ما ورد من خوارق للعادات وعجائب تأتي معه هذه ليست على ظاهرها، إنما هي على حسب الإمكانات الحديثة التي ستكون في المستقبل، فـالدجال لم يركب الحمار إنما سيركب الطائرة، والصحابة وإن لم يدركوا هذا المعنى، فنحن أدركناه. كل هذا -كما قلت- ضلال وهوس وشطط في عقل الإنسان، والإنسان عندما حجر على عقله وزمه بزمام الشر يصل إلى هذه المتاهات التي لا نهاية لها.

    1.   

    حقيقة الميزان بين الشرع والعقل

    سأضرب بعض الأمثلة لتقرير هذه الحقيقة لنعلم وظيفة العقل، وأنه لا يجوز أن نقحمه في عالم الغيب بتاتاً، كما لا يجوز أن ندخله في دائرة التحليل والتحريم، ولنترك له المجال في دائرة الأمور المادية ليرتع فيها كما يريد، وليقرر ويستنتج ما يتوصل إليه.

    أدلة إثبات الميزان

    الله جل وعلا أخبرنا في كتابه عن وجود الموازين يوم الدين، وقرر ربنا جل وعلا هذا في آيات كثيرة فقال: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، والآية في سورة الأنبياء.

    وقال جل وعلا: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:6-11].

    وأخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن وجود الميزان يوم القيامة، ففي مستدرك الحاكم في المجلد الرابع صفحة خمسمائة وست وثمانين، وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأقره عليه الذهبي من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لوسع)، لو وضعت السموات والأرض في كفة الميزان لوسعت هذه الكفة السموات والأرض، ( فتقول الملائكة: سبحانك ربنا، من يزن هذا؟ ) من يستطيع أن يملأه بأعماله وله هذا الحجم الكبير، فالسموات والأرض تسعان في كفة؟ ( فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك ).

    أقوال الناس في الميزان

    إذاً: هناك ميزان سيكون يوم القيامة، وقول الله جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ [الأنبياء:47]، لم أخبر بالجمع عن هذا الميزان؟ أرجح ما قيل في ذلك وما ذهب إليه ابن كثير قال: الميزان واحد توزن به أعمال الخليقة بأسرها من خير وشر، وجمعه الله باعتبار تعدد ما يوزن فيه، يوزن في هذا الميزان أعمال كثيرة وصحف، وطاعات متنوعة، ومعاصي مختلفة. ويرجح هذا القول الحديث المتقدم عن سلمان .

    وقد ذهب بعض أهل السنة إلى أن الموازين متعددة، فميزان للصلاة، وميزان للصيام، وميزان للطاعات الأخرى، وهكذا موازين أخرى للمعاصي، ولا يوجد ما يدل على هذا إلا ظاهر اللفظ، وهو: (ونضع الموازين).

    هذا الميزان ورد في أحاديث كثيرة تبين ما يوزن به، وأنه ميزان حسي حقيقي بالكيفية التي يعلمها الله ولا نعلمها، وسنراه ونوزن فيه وتوزن به أعمالنا وصحف أعمالنا كما سيأتينا.

    جاء علماء الكلام أصحاب الهذيان وأتباع الشيطان فأولوه، وقالوا: لا يوجد هناك ميزان، وإنما الميزان يحتاج إليه البقال والفوال، فكيف يكون عند ذي العزة والجلال؟! أما يعلم حسنات الإنسان وسيئاته حتى يضع هذا في الميزان، ويحاسبه، ثم بعد ذلك إذا ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وإذا خفت فأمه هاوية في نار جهنم؟! الله لا يحتاج إلى ميزان؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، فلا داعي إذاً لأن نقول: إنه يوجد ميزان.

    حسناً: والنصوص الشرعية التي وردت في آيات القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف:8]، ماذا تقولون فيها؟ قالوا: هو كناية ورمز ومجاز عن العدل الذي يظهره الله بين عباده يوم القيامة. عدل الله هو الميزان، لا أنه يوجد ميزان حسي.

    وهذا الحديث: (لو وزن فيه السموات والأرض لوسعت)، هل معناه العدل؟

    إذاً: شيء محسوس يوضع ويوصف بأن له كفتين، ثم بعد ذلك توزن فيه أعمال وعمال وصحف الأعمال، أكل هذا تؤولونه وتخرجونه عن ظاهره بعقولكم القاصرة وأذهانكم الفاجرة؟! هذا هو مسلك الضالين، الذين أدخلوا عقولهم في عالم الغيب، وقالوا: الميزان كناية عن العدل، ولا يوجد وزن ولا ميزان، فكل هذا من باب التعبير عن عدل الحكيم الخبير سبحانه وتعالى.

    الأدلة على إثبات أن الميزان حقيقي

    إليكم إخوتي الكرام بعض النصوص التي تبين أن هذا الوزن حقيقي، وأن الميزان حسي بالكيفية التي يعلمها الله ولا نعلمها.

    ولو قيل لك: هناك ميزان توزن به حرارة الإنسان. تقول: كيف توزن الحرارة؟ نضع هنا كيلو وخمسة كيلو هنا... كيف ستزنون حرارة الإنسان؟ إذا لم تره يلزم أن تنكره؟ أنت ما تفعل هذا إلا إذا كنت جاهلاً، إذا قلنا لك: هناك ميزان يوزن به ضغط الإنسان، فهل معنى هذا أن هذا كميزان الحرارة، أو كالميزان التي توزن به السلع؟

    فهنا ميزان حقيقي حسي يعلمه الله بالكيفية التي خلقه الله جل وعلا عليها ونحن لا نعلم ذلك، وإذا صرنا إلى الآخرة سنشاهده بأعيننا، كما نشاهد هنا الموازين المختلفة في الدنيا بأعيننا ونراها ونحسها.

    قال المعتزلة وعلماء الكلام: إن الأعمال أعراض، وعليه فالذنوب معاني وأعراض لا تقوم بنفسها، فكيف سيكون لها خروج من البدن؟ إنما هذا يكون للأجسام التي لها ثقل وجرم ووزن وحيز وتمسك وتلمس وترى. يقولون: أعراض، كيف ستوزن؟

    نقول: الله جل وعلا إذا أراد أن يجسدها وكان لها عنده جل وعلا اعتبارات معينة ونحن ما أدركناها، هل يعني هذا أننا ننكرها؟

    قد ثبت وزنها -أي: وزن الأعمال- عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فعلام فضول القول؟ وعلام التلاعب؟ وعلام التأويل؟ وعلام الاختلاف؟ وعلام يصار إلى القال والقيل؟

    ثبت في المسند والصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه ، وهذا الحديث هو آخر حديث في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). إذاً: لهما ثقل، وترجحان ميزانك يوم القيامة، (ثقيلتان في الميزان)، ففيه إثبات الميزان والوزن، وفيه إثبات وزن أعمال الإنسان.

    وثبت في مسند أحمد وصحيح مسلم ، وفي السنن الأربعة إلا أبا داود وفي مسند الدارمي ، وهو حديث صحيح من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الطهور شطر الإيمان).

    وتقدم معنا الحديث؛ شرحه ومعناه في بيان هذه الجملة، وقلت: نتوسع إن شاء الله في مدارسة هذا عندما يأتينا الحديث في سنن الترمذي، فالإمام الترمذي أخرج هذا الحديث: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض)، هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، (والحمد لله تملأ الميزان)، فالأعمال توزن، وليس الميزان والوزن فيه كناية عن عدل الرحمن، إنما من عدل الرحمن أنه هناك ميزان توزن فيه أعمال الإنسان.

    والذي يوزن أيضاً صحف الأعمال، التي سطرتها الملائكة من خير أو شر، توزن عند الله جل وعلا بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، فينشر لك يوم القيامة ديوانك ويقال لك: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، عرض حقيقي ثم وزن حقيقي.

    ثبت في مسند أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ، ورواه الحاكم في مستدركه وهو حديث إسناده صحيح كالشمس، هذا الحديث هو حديث البطاقة المشهور، وهو من أحاديث الرجاء العظيمة، وقد رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أنه قال: (يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق)، يصاح: ينادى به، (فينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل كمد البصر من الخطايا، فيقول الله له: أتنكر هذا؟ يقول: لا، يا رب، فيقول الله له: أظلمتك الملائكة وقيدت عليك شيئاً لم تعمل؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله له: ألك حسنة؟)، هذه سجلات ممتلئة بالخطايا والبليات، هل عندك حسنة عملتها؟ (فيحتقر الإنسان نفسه ويقول: لا، يا رب ما عندي حسنة، فيقول الله له: بلى، إن لك عندنا حسنة، ولن تظلم، فيخرج الله له بطاقةً صغيرة كقطعة الورق التي تكتب للتعريف بنوع القماش وسعره، فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيقول: رب! ماذا تغني هذه البطاقة مع هذه السجلات؟) تسعة وتسعون سجلاً كل واحد كمد البصر، وهذه بطاقة صغيرة، ماذا تغني هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ (فيقول الله له: احضر وزنك، هذا ميزان، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، احضر وزنك ولن تظلم، فترفع السجلات في كفة- هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام- وتوضع البطاقة في كفة، فتطيش تلك السجلات ولا يثقل شيء مع اسم الله جل وعلا).

    إذاً: ذكر هنا ميزاناً له كفتان، وزنت فيه الحسنات والسيئات صحف الأعمال والسجلات، ووضعت هذه البطاقة، لكن هذه لها وزن كبير، ولا يقولن قائل: كيف هذا؟ يعني أن السجلات ينبغي أن يكون وزنها أكثر، فنقول: لا، هذا وزن أجر ووزر، فمثلاً لو أعطيتك مائة قطعة من فئة الريال، وقطعة واحدة من فئة خمسمائة ريال وقلت لك: أيهما أثقل؟ الجواب: الأوزن والأثقل هي القطعة الواحدة، مع أن تلك أكثر منها؛ لأنها مائة قطعة، فهذه لو ذهبت لميزان الصراف يقول: هذه جزء يسير من الخمسمائة لا تعدلها مع أنها في الظاهر أكثر منها، وهذا الميزان له مؤشر يعلمه الله جل وعلا ونحن لا نعلمه، وطاشت تلك السجلات، ولا يثقل شيء مع اسم رب الأرض والسموات سبحانه وتعالى.

    قد يؤتى بالإنسان السمين الطويل ويزنون ضغطه ويقولون: ضغطه منخفض وصل إلى درجة لو قلنا مثلاً: مائة وعشرة على خمسين، ويؤتى بالإنسان الصغير فيقولون: ضغطه مثلاً مائة وخمسين على مائة مثلاً، فيقال: كيف هذا جرمه صغير وضغطه أكثر من هذا؟! الجواب: لأن هذا ميزان خاص، وكذلك يوم القيامة ليست المسألة لضخامة الجثة وكبر الجسم، وإنما ميزان له كيفية معينة يعلمها الله ولا نعلمها، فالعمال يوزنون.

    وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يؤتى -وفي رواية- يجاء بالرجل السمين العظيم يوم القيامة، فيوضع في الميزان، فلا يزن عند الله جناح بعوضة)، قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105].

    وثبت في مسند أحمد ومعجم الطبراني الكبير، وعند البزار في مسنده وابن سعد في الطبقات، وإسناد الحديث صحيح، من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه كان يجتني سواكاً من شجر الأراك، فلما رآه الصحابة رضوان الله عليهم ضحكوا لدقة ساقيه) يريد أن يقطع عوداً من شجر الأراك، فلعبت الريح بثوبه وبدت ساقان نحيفتان ضعيفتان، فضحك الصحابة، يعني: رجل لكن جثته صغيرة ضعيفة، (فقال النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة الكرام: علام تضحكون؟ والله إنهما لفي الميزان أثقل عند الله من جبل أحد)، هناك رجل سمين عظيم، ما وزن جناح بعوضة، وهنا ساقان نحيفتان ضعيفتان أثقل عند الله من جبل أحد.

    فهذه كلها نصوص صريحة صحيحة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، غير الآيات القرآنية التي أثبتت الوزن والميزان، ثم جاء المعتزلة وأهل الكلام أصحاب الهذيان، وضربوا هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية من أولها لآخرها بهذا التعليل العليل، وقالوا: إثبات الميزان يكون في حق من تخفى عليه العواقب، ولا يعلم حقيقة الأمر، فيحتاج إليه البقال والفوال والسمان والعطار، أما الله جل وعلا فلا يحتاج إلى ميزان، وتعليلهم مردود عليهم، عدا عن كونه خالف نصوص الشرع، وأخرجها عن ظاهرها، وأولها وتلاعب بها، فنقول: النصوص الشرعية دلت على إثبات الميزان فيجب الإيمان به، وكيف نؤمن به؟

    الإيمان به إقرار وإمرار، فإذا أقررنا بالميزان، فلا يجوز أن نؤوله، أو أن نعطله، أو أن ننفيه، أو أن نرده، ولا يجوز أيضاً أن نتوهمه بكيفية من كيفياتنا؛ لأن هذا من عالم الغيب، والنص بذلك صحيح صريح، فاحترم عقلك وقف عند حدك.

    الحكمة من خلق الله الميزان

    فإن قيل: ما الحكمة منه؟

    نقول: إذا أمكننا أن نقف على بيان الحكمة فهذا زيادة فطنة، وإذا لم ندرك بيان الحكمة، فلا يجوز أن نرد ما ورد به النص وندخل في عالم الغيب، وهنا حكم كثيرة معلومة أولها: امتحان الله لخلقه، هل سيؤمنون بعالم الغيب أم لا؟ هذه أول الحكمة، وهي التي كفر بها علماء الكلام وأنكروها، ولا يوجد إيمان أعظم وأفضل من الإيمان بالغيب، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3]، وأن تسلم بعجزك، فأنت ما أوتيت من العلم إلا قليلاً، فقف عند حدك، وإذا أردت أن تتطاول فهذا من علامة سفاهة الإنسان.

    الحكمة الثانية: يجعل الله الميزان علامةً على تعريف العباد. بما يستحقونه يوم المعاد من جنة أو نار، من مثوبة أو عقوبة، من درجات أو دركات، فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، لذلك يقول الملك الموكل بالميزان: (إذا ثقلت موازين الإنسان سعد سعادةً لا يشقى بعدها أبداً، وإذا خفت الموازين يقول: شقي شقاوةً لا يسعد بعدها أبداً).

    الحكمة الثالثة من وجود الميزان: إعلام الله لعباده بأنه عادل، فالله حكم عدل، فلا بد من أن يبين لهم هذا بأعينهم ليروه، ولذلك أهل النار عندما يلقون في النار لا أحد منهم يعترض على العزيز القهار، إنما يلوم نفسه فقط: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ [المؤمنون:106]، ينادون على أنفسهم بهذا، وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77]، لا أحد منهم يقول: ربنا ظلمتنا، جرت علينا، لا نستحق هذا؛ لأنهم شهدوا عرصات الموقف، ولذلك كل من يشهد الموقف من إنس وجن وبهائم، من مؤمن وكافر يحمد الله في نهاية الأمر، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، ما سمى القائل لإفادة التعميم، أي: كل من حضر الموقف يحمد الله، ولذلك يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، ويتبرأ أيضاً الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، ويتلاعنون في دركات النار.

    الأمر الرابع من جملة الإقامة لإثبات الميزان ووجوده: إقامة الحجة على العباد على أتم وجه وأكمله، بعد أن أظهر الله عدله يقيم جل وعلا الحجة على عباده.

    الحكمة الخامسة: تعليم الله لعباده كيفية المعاملة، إذا كان الله الذي لا تخفى عليه خافية يزن أعمالنا، ويبين ما نستحق عليها، فنحن ينبغي أن نتعامل أيضاً بالميزان والقسط، وألا يظلم بعضنا بعضاً، ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى، كيف نتعامل في هذه الحياة؟ والأمور لا بد لها من ضبط وتحديد، وهكذا الذي يفعله ربنا المجيد.

    حكم كثيرة، لو لم يظهر لنا شيء منها لما صح لنا أن نرد النصوص الشرعية التي وردت للميزان والوزن يوم القيامة، فكيف وهناك حكم كثيرة! ولذلك الذين أنكروا الميزان وأولوه وأخرجوه عن حقيقته، لا بالشرع آمنوا، ولا للعقل احترموا، فالعقل يقرر ويؤكد وجود الميزان، ويقول: إن العدل الإلهي يقتضي وجود الميزان يوم القيامة، فلم أنتم تجحدون بعقولكم، ثم تردون ما جاء به شرع ربكم سبحانه وتعالى؟! لا عندكم عقل صريح، ولا بعد ذلك تؤمنون بنقل صحيح، وتجمعون بين البليتين: رد للنقل، ومكابرة وجحد لحقائق العقل.

    عالم الغيب ينبغي أن نقف فيه عند حدنا، ولا يجوز أن ندخل عقولنا فيه، بل إقرار وإمرار، ولذلك ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء. ورواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه أبو نعيم ، والبيهقي بإسناد صحيح. فالأسماء متفقة لكن الحقائق مختلفة، (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

    1.   

    حقيقة ذبح الموت يوم القيامة

    من جملة الأمور التي أدخل أهل الهذيان عقولهم فيها، وأخرجوها عن ظاهرها ذبح الموت، ما الحرج في ذبحه؟ وإذا ذبح الموت لا يحصل للخليقة بعد ذلك موت، قال هذا الذي لا ينطق عن الهوى نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا ذبح الموت يخلد هؤلاء ويخلد هؤلاء كل واحد في المكان الذي هو فيه. ثبت الحديث بذلك في المسند والصحيحين، ورواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار)، استقر الفريقان في هاتين الدارين في الجنة أو في النار، (يجاء بالموت كأنه كبش أملح)، إذاً: جيء به وصور بهذه الصورة كأنه كبش أملح، (وينادى: يا أهل الجنة! ما هذا؟ فيشرئبون وينظرون، فيقولون: هذا هو الموت، ويقال: يا أهل النار! ما هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: هذا هو الموت، ثم يذبح هذا الكبش الأملح الذي هو الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة! خلود بلا موت، ويا أهل النار! خلود بلا موت)، الحديث أعلى درجات الصحة.

    ورواه الإمام الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بزيادة، وفيه: (فلولا أن الله قضى لأهل الجنة بالحياة والبقاء لماتوا فرحاً)، (ولولا أن الله قضى على أهل النار بالحياة والبقاء لماتوا ترحاً)، أي: حزناً وأسفاً، وفي لفظ: (بعد أن يذبح الموت فيقال: خلود فيما تجدون يا أهل الجنة ويا أهل النار، لا موت فيها أبداً)، هذا أخبرنا عنه نبينا عليه الصلاة والسلام، وأنه بصورة حسية يأتي يوم القيامة ينظر إليه أهل الجنة وينظر إليه أهل النار، ثم يأتيك علماء الهذيان أصحاب الكلام يقولون: هذا كناية عن تخليد هؤلاء في الجنة، وعن تخليد هؤلاء في النار.

    إذاً: هنا ذبح حقيقي للموت يكون بهذه الصورة، فإن قيل: كيف؟ قل: عالم الغيب لا تدخل عقلك فيه، إقرار وإمرار، ولا يعلم هذا إلا العزيز القهار سبحانه وتعالى، وأما أنك ستصل إلى مستوى الله جل وعلا بحيث تدرك كل شيء كما يدركه، أنت لا تعرف الروح التي بين جنبيك، ولا تعرف حقيقتها، ولا كنهها ولا ماهيتها، ولا شكلها، ولا كيفية سريانها في بدنك، وهذا محسوس فيك تدركه، فكيف بعد ذلك ستدرك هذا المغيب وتبحث فيه؟!

    قف عند حدك، ولا تتعالى على ربك جل وعلا.

    1.   

    حقيقة تصفيد الشياطين في رمضان

    مثال آخر كما في المسند والصحيحين وسنن النسائي وغير ذلك وهو في أعلى درجات الصحة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)، سلسلت قيدت بالسلاسل والأغلال، قلنا: هذه السلسلة وهذا التقييد وهذا التصفيد حقيقة بالكيفية التي يعلمها الله ولا نعلمها، لا تدخل عقلك في ذلك، أما علماء الهذيان فيقولون: هذه كناية عن عدم سريان الشيطان في بدن الإنسان وجريانه فيه؛ لأنه إذا جاع لا يتحرك الدم في البدن كثيراً، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، هذا كله كلام باطل وهذيان، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (سلسلت الشياطين، صفدت الشياطين)، ثم تأتي تقول: هذا كناية هذا إشارة ورمز، ينبغي أن نحذر من إدخال العقول في عالم الغيب.

    1.   

    الإيمان بصفات الله.. بين الإثبات والتأويل

    وهكذا ما يتعلق بصفات الله جل وعلا، لم نر ذاته، ولم نطلع عليها، ونسأل الله أن يكرمنا برؤية نور وجهه الكريم في جنات النعيم، لكن مطلوب منا الإيمان بالغيب في هذه الحياة، وإذا كانت الذات لم تعرف كنهها وحقيقتها وكيفيتها، فأنت عن إدراك كيفية الصفات وكنهها وحقيقتها أعجز وأعجز، إذا لم تدرك كيفية الذات فلن تدرك كيفية الصفات من باب أولى، فلا تدخل عقلك في صفات ربك.

    صفة اليدين والرد على من أولها

    فإذا قال الله جل وعلا: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، مخاطباً اللعين إبليس عندما امتنع عن السجود لأبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فلا تدخل عقلك في هذا البحث، وغاية ما يكون لله يدان كريمتان تناسبان ذاته، لا نتكلم عنهما بأكثر من هذا، صيغة التثنية، عدد محصور بين الواحد والثلاثة (بيدي)، فمن يؤول يقول: ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي، ما منعت أن تسجد لما خلقت بنعمتي، وهذا تلاعب بالنص، وإخراج له عن ظاهره، وهو مردود على قائله، فصيغة التثنية للعدد عند العرب بلا خلاف هي دلالة على العدد المحصور بين الواحد والثلاثة، لا يجوز أن تخبر بالمثنى عن جمع ولا عن مفرد، لكن يجوز أن تخبر عن المفرد بجمع تعظيماً له، وأن تخبر عن الجمع بمفرد تحقيراً له، وأن تخبر عن المثنى بجمع تعظيماً له، وأن تخبر عن المثنى بمفرد تحقيراً له، وأما أن تخبر بمثنى عن مفرد أو بمثنى عن جمع فلا يجوز، وصيغة التثنية في قوله: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقوله عز وجل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] لا يجوز فيها أن نقول: لله نعمتان، فنعمه لا تحصى، ولا يجوز أن نقول: لله قدرتان، وإنما له صفة القدرة يفعل بها ما يشاء وما يريد، فأنتم تؤولون النص بما يتنافى مع ظاهر اللفظ، عدا عن كون اليد هنا بمعنى القدرة أو النعمة، أو بمعنى صفة لله جل وعلا تناسبه، لو قلنا: قدرة أو نعمة لتنافى هذا مع ظاهر اللفظ؛ لأنه أخبر عنها بالتثنية، ثم ما مزية آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه لو أنه خلق بالقدرة والنعمة؟ فهل نحن خلقنا بقدرة الشيطان أم بقدرة الرحمن؟

    جميع المخلوقات خلقت بقدرة الله، فلو كان مناط تفضيل آدم على المخلوقات أنه خلق بقدرة الله لقال إبليس: رب وأنا خلقتني بقدرتك، فليسجد آدم لي كما أمرتني بالسجود له، إنما امتاز آدم على سائر المخلوقات بأن الله خلقه بيديه المباركتين، لا بصفة القدرة، بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها.

    وقد ثبت في سنن الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري -والحديث صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال: (عندما أراد الله أن يخلق آدم قبض قبضةً من تراب الأرض فخلق منها آدم، فجاء بنو آدم على قدر الأرض)، أي: قدر هذا التراب الذي ركب في أبيهم آدم، منهم الأحمر ومنهم الأسود وما بين ذلك، ومنهم السهل والحزن وما بين ذلك، أي: فيهم هذه الطبائع الموجودة في الأرض التي ركب أبوهم منها بقدرة الله جل وعلا.

    إذاً: قبضة قبضها الله فخلقه منها آدم بيديه، فصار له امتياز على سائر المخلوقات، هذا عدا النصوص الكثيرة الصحيحة الصريحة بأن الله جل وعلا له يدان، وأما هذا التأويل بالنعمة والقدرة فإنه باطل.

    ثبت في المسند والصحيحين من حديث أبي هريرة ، ورواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولفظ الحديث في بعض رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطوي الله السموات بيمينه، ويقبض الأرضين بالأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الملوك؟ أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)، إذاً طوى السموات بيمينه، وقبض الأرضين بالأخرى، فله يدان مباركتان، والسموات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة سبحانه وتعالى.

    إذاً: هذا دلالة على ثبوت هذه الصفة لله جل وعلا بالكيفية التي يعلمها ولا نعلمها، والواجب علينا إقرار وإمرار، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.

    والعجز عن درك الإدراك إدراك والبحث في كنه ذات الإله إشراك

    إذا عجزت أن تدرك حقيقة الصفة فقد أدركت؛ لأن هذا هو المطلوب منك، أن تعجز عن إدراك الحقيقة، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255]، سبحانه وتعالى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    إذاً: المغيبات كما قلت الواجب فيها إقرار وإمرار، ونحملها على ظاهرها على حسب المعنى اللائق بها، ولا ندخل عقولنا في ذلك متوهمين ولا ظانين، (ليس كمثله شيء) إمرار، (وهو السميع البصير) إقرار، تقر بما ثبت لله من صفات، وتمر دون أن تبحث في كيفية هذه الصفات، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    ولذلك تتابع سلفنا على هذه الجملة: أمروها كما جاءت بلا كيف، قولهم: أمروها كما جاءت، هذا إقرار، وقولهم: بلا كيف، هذا إمرار، أي: أثبتها دون أن تكيفها، فإذا أثبت مع التكييف فقد مثلت، وإذا لم تثبت فقد عطلت، فاحذر التعطيل واحذر التمثيل، فالمعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    إجماع أهل السنة على إثبات الصفات

    وهذا الأمر مجمع عليه عند أئمتنا، لا خلاف بينهم فيه، كما حكاه ابن عبد البر ونقل قوله الإمام الذهبي في كتاب العلو للعلي الغفار في صفحة مائة وواحدة وثمانين وما بعدها. وهذا نص كلامه، وحقيقةً: ينبغي أن يكتب وأن ينقش على القلوب لا في الصحف والسطور.

    يقول الذهبي : قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، أنهم قالوا في تأويل قوله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]، هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله، وقال -أيضاً- أبو عمر بن عبد البر شيخ المسلمين الذين توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحملون منها شيئاً على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها فهو مشبه، كما يقول الضالون: من أثبت رؤية الله في الجنة فهو مشبه.

    يقول الإمام ابن عبد البر : وهم عند من أقر بها نافون للمعبود، يعني: هم يقولون عنا: مشبهة، ونحن نقول عنهم نافون لله، منكرون له؛ لأن إنكار الصفات يستلزم إنكار الذات، وعلق عليه الذهبي كلاماً هو أحلى من العسل، قال: قلت: صدق والله، إن من تأول سائر الصفات وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام أداه ذلك السلب إلى تعطيل الرب، يعني دلالته، فعندما يقول: لا فوق ولا تحت، لا داخل العالم ولا خارج العالم، لا يسمع ولا يتكلم، إذاً: هذا معدوم ليس هو بالحي القيوم سبحانه وتعالى، أداه ذلك السلب إلى تعطيل الرب، وأنه يشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زيد ، وهناك آخر اسمه حماد بن سلمة بن دينار ، يقول أئمتنا: الفرق بينهما كالفرق بين أبويهما في الصرف.

    وهذا: حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري ، ثقة ثبت فقيه، قيل: إنه كان ضريراً ولعله طرأ عليه؛ لأنه صح أنه كان يكتب، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين، يعني بعد المائة كما تقدم معنا، أخرج حديثه الجماعة أهل الكتب الستة، يقول: مثل الجهمية -أي: الذين ينكرون صفات رب البرية، ويعطلون الرب عنها ويؤولونها- مثل الجهمية كمثل قوم قالوا: في دارنا نخلة، فقيل لهم: لها سعف؟ والسعف هو غصن النخلة، أي: لها أغصان؟

    قالوا: لا، عندنا نخلة ليس لها أغصان، قيل: فلها كرب؟ وهو أصول السعف الغلاظ العراض التي تيبس فتصير مثل الكتف واحدها كربة، أي: أصول الغصن تكون عريضة؛ فإذا يبس يصبح كأنه كتف كربة.

    قيل: ألها كرب؟ قالوا: لا.

    قيل: لها رطب وقنو؛ وهو العذق من النخل كالعنقود من العنب، يعني: ألها ثمر، ألها عنقود يحمل الرطب؟ قالوا: لا.

    قيل: فلها ساق تقوم عليه؟ قالوا: لا.

    إذاً: فكيف هذه النخلة؟! ليس لها أغصان، وليس لها كرب، وليس لها رطب، وليس لها قنو، وليس لها ساق، فماذا نقول؟!

    قال: فنقول لهم: ليس في داركم نخلة، نخلة دون هذه الصفات لا يمكن، وهنا يقولون: الله موجود سبحانه وتعالى، لم يستو على عرشه، لا داخل العالم، ولا خارج العالم، لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم ولا.. ولا.. إلخ.

    نقول: إذاً: ليس هناك إله، هذا معدوم، ليس هو بالحي القيوم سبحانه وتعالى، يعني كما لو أثبت النخلة ونفيت عنها الصفات، هنا أثبت الخالق ونفيت عنه الصفات، فيؤدي ذلك إلى العدم، هم يزعمون أن من أقر بالصفات مشبه.

    قال ابن عبد البر : وهم عند من أقر بها نافون للمعبود.

    قال الذهبي : صدق والله، إن من تأول سائر الصفات وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام أداه ذلك الشيء إلى تعطيل الرب، وأنه يشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال: مثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة، قيل: لها سعف؟ قالوا: لا، قيل: لها كرب؟ قالوا: لا، قيل: لها رطب وقنو قالوا: لا، قيل: فلها ساق؟ قالوا: لا، قيل: فما في داركم نخلة، قال الذهبي : قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا: إلهنا الله سبحانه وتعالى، وهو لا في زمان ولا في مكان ولا يرى ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يرضى ولا يغضب ولا يريد ولا.. ولا.. ولا..، وقالوا: سبحان المنزه عن الصفات، يعني هذا كلام الجهمية، بل نقول: سبحان الله العظيم، السميع البصير، المريد الذي كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، ويرى في الآخرة، المتصف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، المنزه عن سمات المخلوقين، يعني: عن مشابهتهم وأوصافهم، وعن جحد الجاحدين، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    حقيقةً: هذا الكلام -كما قلت- ينبغي أن ينقش على القلوب، لنعرف وظيفة العقل في عالم الغيب، فصفات تمدح الله بها، وأخبر أنه يتصف بها، تأتي بعد ذلك بعقلك تؤولها، وتعطل الله عنها، وتنفيها عن ذات الله جل وعلا، يا ويحك! كيف ستقابل ربك وقد نفيت الصفات عنه سبحانه وتعالى؟!

    إن عالم الغيب لا ندخل عقولنا فيه، ولا نتوهم، إنما إقرار وإمرار، وإذا سئلت عن صفة من صفات الله فقل: الصفة معلومة، والكيفية مجهولة، فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، والنزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، نقر بصفة النزول لله جل وعلا، ونمرها دون بحث في كنهها وكيفيتها، فلا نشبه ذلك بصفاتنا، ولا نعطل الله عن هذه الصفة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فهذا النفي للتمثيل، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وهذا الإثبات رد للتعطيل، وطريقة الحق بين التمثيل والتعطيل، إقرار من غير تمثيل؛ لأنك إذا أقررت ولم تمر مثلت، تقر وتمر، فإذا لم تقر نفيت وعطلت، وإذا لم تمر شبهت ومثلت، هذا في شأن المغيبات، لا تبحث في كنهها، ولا في حقيقتها، بل قل: مدلولها مدلول الخطاب في لغة العرب حسبما يليق بذلك المغيب وانتهى الأمر، ولا تدخل عقلك بعد ذلك في هذه القضية.

    صفة المعية وأقسامها والأدلة على إثباتها

    وما أشار إليه ابن عبد البر وحكاه عن إجماع الصحابة والتابعين في تأويل قول الله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]، بأن الله على العرش، وعلمه في كل مكان، وأنه ما خالف السلف الكرام في ذلك أحد يحتج به، فهذه الآية من آيات المعية، وهذا التأويل الذي هو تفسير لها هو بيان معنى الآية، وليس إخراجاً لها عن ظاهرها كما يتوهم بعض الناس.

    إن المعية في قول الله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، وقوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، هي معية علم وإحاطة واطلاع ورقابة، وليس المراد منها معية الذات، فيستحيل أن يكون الخالق في شيء من مخلوقاته سبحانه وتعالى، وهناك عندنا معيتان في القرآن: معية عامة كالنص المتقدم، ومعية خاصة إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62]، وهي معية نصر وتأييد وتوفيق ورعاية وكلاءة وحفظ، وليس معنى المعيتين واحد، وهذا بإجماع السلف، أي: هذا هو معنى الآية؛ لأن المعية؛ إما أن تكون بالذات، وإما أن تكون بالعلم، وإما أن تكون بالنصر والتأييد، فهنا يوجد ما يدل على أنه في آيات المعية العامة معية العلم والاطلاع، يظهر هذا المعنى ويفهمه منه كل أحد، وليس هذا إخراجاً للنص عن ظاهره، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ [المجادلة:7]، بدأ الآية بصفة العلم، يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]، بأي شيء؟ بعلمه؛ لأنه يعلم ما في السموات وما في الأرض، ثم أراد أن يفصل علمه، أنه لا يعزب عنه صغيرة ولا كبيرة، ما يكون من نجوى ثلاثة يتناجون سراً فيما بينهم إلا وهو معهم، بأي شيء؟ بعلمه؛ لأنه قال: يعلم، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7]، بأي شيء؟ بعلمه، أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7]، انتبه لآخر الآية: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، والآية تقرر علم الله، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه وتعالى، فقوله هنا: معهم أي: بعلمه.

    وعندما قال أبو بكر لنبينا عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، فأنزل الله قوله: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، فالمعية هنا ليست بالعلم، وإنما بالنصر والتأييد والرعاية والحفظ؛ لأن هذا الموقف فيه فزع ورعب وخوف، (لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، فهذا الكون من عرشه إلى فرشه ملك لله، ويجعل لنا فرجاً ومخرجاً من حيث لا نحتسب، إذاً: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده.

    فالمعية قد تكون ذاتية، وقد تكون علمية، وقد تكون معية خاصة، معية نصر وتأييد ورعاية وحفظ.

    فإذاً: آيات المعية العامة: معية العلم، وآيات المعية الخاصة: معية النصر والتأييد والرعاية.

    قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، عندما أرسل الله نبييه موسى وهارون، قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:45-46]، معكما بالنصر والتأييد والرعاية والحفظ، أما إذا كانت معية لهما فإنه كذلك مع فرعون، فكيف سيمتازان عليه؟! هذا المعنى الذي حكاه الإمام ابن عبد البر ، ونقله عن إجماع الصحابة والتابعين، قال: وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله، هذا هو الحق.

    وأما ما يقوله بعض الناس في هذه الأيام: إن هذا تأويل، فأقول له: بل هو تفسير للنص بما يدل عليه؛ لأن النص يحتمل هذه المعاني، وهنا دل سياق النص واتفاق السلف على تحديد هذا المعنى.

    والشوكاني له رسالة مختصرة سماها التحف في بيان مذاهب السلف، وهي موجودة ضمن الرسائل المنيرية في الجزء الثاني من صفحة أربع وثمانين إلى ست وتسعين، يعني في اثنتي عشرة صفحة، يرى أن آيات المعية لا يجوز أن نفسرها بمعية العلم والإحاطة والاطلاع، فيقول: كما نقول في الاستواء نقول في آيات المعية؛ فلا نتكلف تأويل ذلك كما يتكلف غيرنا، نقول: فمن أول آيات المعية بمعية العلم والاطلاع فهذه شعبة من شعب التأويل تخالف مذاهب السلف وتباين ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعيهم.

    يقول: وقوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]، وقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] ، إلى ما يشابه ذلك ويماثله ويقاربه ويضارعه فنقول في مثل هذه الآيات: هكذا جاء القرآن، وحكى أن الله مع هؤلاء، ولا نتكلف تأويل ذلك كما يتكلف غيرنا؛ لأن المراد بهذا الكون هو المعية، وهذه المعية هو كون العلم، وهذه شعبة من شعب التأويل تخالف مذاهب السلف، وتبين ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعيهم.

    وهذا الكلام مردود، والشوكاني عليه رحمة الله يبني كلامه على غير أساس، فقوله: هذا التأويل يخالف مذاهب السلف، لا خلاف بين السلف في تأويل المعية هنا؛ لأنها معية علم وإحاطة واطلاع ورقابة، وقد حكى ابن عبد البر إجماع الصحابة والتابعين على هذا، ونقل ذلك الذهبي في كتاب العلو للعلي الغفار سبحانه وتعالى، وعليه هذا الكلام من الإمام الشوكاني غير مسلم، وهذه الآيات -كما قلنا- لا بد من التفريق بين ما أشارت إليه من معية عامة ومعية خاصة، فالمعية العامة معية علم وإحاطة ورقابة، وهناك معية كلاءة وحفظ وتأييد ونصر ورعاية، والعلم عند الله جل وعلا.

    1.   

    وقفات مختصرة مع المجاز

    سأل بعض الإخوة عن موضوع المجاز وطلب الكلام حول هذه القضية، والإمام الذهبي تعرض للمجاز، وكذا ابن عبد البر في الكلام الذي ذكرته، وهو أن أهل الكلام حملوا هذه النصوص على المجاز لا على الحقيقة.

    الاختلاف في وجود المجاز في اللغة

    وموضوع المجاز لا أريد أن أدخل في التفاصيل هل هو موجود في اللغة أم لا؟ والعلماء في ذلك على قولين.

    إنما على القول بوجوده عند من يقولون: بإثبات المجاز في اللغة، خلافهم في الأصل بينهم وبين من ينكره لفظي إذا لم يتطور الأمر إلى شطط؛ فمثلاً يقولون في تعريف المجاز: استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وأما استعمال اللفظ فيما وضع له فهو تعريف الحقيقة، فعندما تقول: رأيت أسداً، يحمل على الحيوان المفترس المعروف، فهذا حقيقة وعندما تقول: رأيت أسداً يخطب الجمعة، أي: رجلاً شجاعاً يخطب الجمعة، فليس هذا بحيوان مفترس، إنما أطلقته على الرجل الشجاع الذي هو كالأسد في القوة يخطب الجمعة على المنبر، فقولك: يخطب الجمعة هذه قرينة على أن هذا اللفظ ينبغي أن تفسره بغير ما وضع له، فلا تفسره بالحيوان المفترس، بل تفسره بشيء يشبه ذلك الحيوان في القوة ألا وهو الإنسان الشجاع، وأما أولئك الذين يقولون: لا مجاز في اللغة، فيقولون: قولك: رأيت أسداً يخطب الجمعة، هذا حقيقة وليس بمجاز، وقد اتفقنا على أن المراد من قولنا: رأيت أسداً يخطب الجمعة أي رجل شجاع، لكن هل هذا الأسلوب حقيقة أو مجاز؟

    القائلون بالمجاز يقولون: هذا مجاز؛ لأن اللفظ يدل على حيوان معروف، واستعملته في غير ما وضع له فهو مجاز، وهؤلاء يقولون: إن اللغة تدل على هذا وهذا بهذا اللفظ، يعني: أن كلمة أسد تستعمل في استعمالات العرب على الرجل الشجاع، وعلى الحيوان المفترس، والسياق هو الذي يحدد المراد، فهذا حقيقة ليس بمجاز.

    حقيقة الخلاف في المجاز

    خلاصة الخلاف حول المجاز أنه لفظي، ولا نريد أن نقف عنده، ولكن من طور الأمر في المجاز، وأدخل في عالم الغيب، جاءوا إلى قول الله جل وعلا: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، تثنية يد، قالوا: الظاهر غير مراد، نصرف اللفظ إلى معنىً آخر وهو القوة أو القدرة كما تقدم معنا، إذاً: أخرج النص عن ظاهره بتأويل.

    وقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، الاستواء معلوم معناه وهو العلو والارتفاع، قالوا: ومعناه استولى، والعرش معروف في اللغة وهو سرير الملك، وذكره في كتابه فقال: وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل:23]، إذاً: هناك عرش معروف وهو الكرسي العظيم الذي له قوائم، لكن سرير كل بحسبه، فهذا معنى العرش في اللغة، إذاً: العرش مخلوق عظيم، وهو أفضل المخلوقات، فجاءوا وأولوا العرش بالملك، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، أي: الرحمن استولى، والعرش هو ملك الله جل وعلا، فهذا تأويل، أخرج اللفظ من ظاهره على اصطلاحهم إلى مجازه، لكن في عالم الغيب، وكما قلنا لا بد من وجود قرينة تحدد المراد، يعني استحال حمل اللفظ على حقيقته، وعلى المعنى الذي وضع له. عندما قلت: رأيت أسداً يخطب الجمعة، فاستحال حمل اللفظ على الأسد الحيوان المعروف، المفترس، ورأيت أسداً يحمل سيفاً، استحال حمله على الحيوان المفترس، فحملته على معنىً آخر.

    في مثل هذه الأمثلة التوجيه هذا مقبول، أما في آيات وأحاديث الصفات فلم استحال عندما جئت لعالم الغيب؟

    هل رأيت ذلك الموصوف الذي هو غيبي عنك حتى تقول: هذا المعنى يستحيل في حقه؟

    لا لم تره، إذاً: الكلام في ذلك ضلال، عندما تريد أن تخرج النص عن ظاهره؛ لأنك ما عرفت ذلك الموصوف حتى تقول: هذا المعنى يستحيل أو لا يستحيل، فورد به خبر الصادق عن الذي لا ينطق عن الهوى نبينا عليه الصلاة والسلام، فكيف تنكره وتقول: عقلي لا يتحمله؟! عقلك لا يجوز لك أن تدخله في عالم الغيب.

    شروط حمل اللفظ على المجاز عند القائلين به

    وعليه فقد اتفق أئمتنا على القول بالمجاز صراحة أو ضمناً، على خلاف في الاصطلاح، من يقولون بوجوده، ومن يقولون: لا يوجد مجاز في اللغة، كلهم لا يُجوِّز حمل اللفظ على غير ما دل عليه في الظاهر، ولا على معنىً آخر مرجوح خفي إلا بشروط وقيود:

    أولها: أن يكون ذلك اللفظ يستعمل لذلك المعنى، فمثلاً: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، تقول: اليد تأتي بمعنى اليد التي هي صفة لموصوف، وتأتي بمعنى القدرة، وتأتي بمعنى النعمة، ينبغي أن تثبت أن اللغة فيها دلالة على استعمال هذا المعنى لذلك اللفظ، هذه القضية الأولى.

    والقضية الثانية: أن يوجد صارف عن المعنى المتبادر إلى ذلك المعنى الخفي المرجوح، فإن وجد صارف حقيقةً أنت مصيب، كقولك: رأيت أسداً يخطب الجمعة، فالأسد يستعمل للحيوان المفترس والرجل الشجاع.

    إذاً: القضية الأولى موجودة أن اللفظ يدل على الأمرين، لكن دلالته على الحيوان المفترس دلالة ظاهرة أسبق إلى الذهن من دلالته على الرجل الشجاع.

    الأمر الثاني: ينبغي أن تثبت أن المعنى الأصلي لهذا اللفظ -وهو الراجح- يستحيل حمل اللفظ عليه، ففي هذا المثال يستحيل أن نحمله على الحيوان المفترس، فتفسيرك له بأنه رجل شجاع هذا حقيقة، لكن عندما نقول: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، أنت أثبت أن اليد تأتي بمعنى القدرة والنعمة، لكن هل وجد الشرط الثاني وهو استحالة وصف الله باليدين المباركتين؟ ليس عندك دليل يحيل اتصاف الرب بهذه الصفة، إذاً: لا يجوز أن تفسر هذا اللفظ بالمجاز، ولا يجوز أن تخرجه عن ظاهره.

    الأمر الثالث: ينبغي ألا يوجد هناك معارض لذلك الصارف، فعندما تقول: رأيت أسداً يخطب الجمعة، الأسد يستعمل للرجل الشجاع، ووجد صارف عن المعنى المتبادر وهو الحيوان المفترس، لكن لا يوجد ما يعارض ذلك المعنى وذلك الصارف، أما في باب الصفات فيوجد ما يعارض ذلك الصارف، وهو أنك تخرج النص عن ظاهره بغير قرينة وبغير بينة، فأنت تتلاعب بالنص، فإذا أردنا أن نترك نصاً وجدنا مجالاً لتلاعب العقول فكل واحد يأتينا بتأويل بعيد ويقول: أنا هكذا أرى معنى هذا اللفظ، وهذا ضلال مبين.

    الأمر الرابع: ينبغي أن تقيم الدليل على أن المعنى الذي ذكرته لذلك اللفظ هو المراد في هذا السياق، فعندما تقول: رأيت أسداً يخطب الجمعة، أنت أثبت في أول الأمر أن لفظ الأسد يطلق على الرجل الشجاع، وأثبت أنه يستحيل حمل اللفظ هنا على المعنى الأصلي، وأثبت عدم وجود معارض لتفسير اللفظ بالرجل الشجاع، وأنه لا يوجد ما يعارض هذا، ثم بعد ذلك قلت: لا يمكن أن يكون إلا هذا المعنى، فإن هذا يخطب الجمعة، والناس ينصتون له، وفي بيت من بيوت الله، ولا يمكن أن يكون المراد إلا هذا، وليس هو بحيوان مفترس، فوجدت إذاً هذه الأركان الأربعة للتأويل، ولصرف اللفظ على اصطلاح المجاز من الحقيقة إلى المجاز، إذا وجدت هذه الضوابط فلا حرج، وإذا لم توجد فالصرف باطل.

    صفة رحمة الله، المؤولة أولوها وقالوا: لا يجوز أن نصف الله بالرحمة؛ لأن الرحمة رقة في القلب من الراحم نحو المرحوم عليه؛ ولكن نقول في الرحمة: هي إرادة الإحسان أو الإحسان، وإرادة الثواب أو الثواب.

    نقول: هذا تلاعب بالنص ومن غير فائدة أيضاً، ولو أردنا أن نجاريكم في قولكم فإننا نقول: يلزم في الإرادة ما يلزم في الرحمة تماماً، فالإرادة معناها: ميل القلب لجلب ما ينفع ودفع ما يضر، وإذا قلتم: إرادة الخالق ليست كإرادة المخلوق، فإننا نقول: وكذلك رحمة الخالق ليست كرحمة المخلوق، فلم تخرجون النص عن ظاهره ثم بعد ذلك تتلاعبون في المدلول بغير بينة أو برهان؟

    ولذلك كل من قال في أمور الغيب -وهي الأمر الثالث التي ذكرناها-: أنه يوجد فيها مجاز فهو ضال؛ لأن المجاز لا يكون إلا عند تعذر الحقيقة عند القائلين به، وأنت ما اطلعت على هذا المغيب حتى تقول: يستحيل أن يتصف بكذا أو لا يستحيل؛ لأن الله جل وعلا غيب عنك، وهذا لا خلاف فيه، فيجوز أن يتصف باليدين ويجوز ألا يتصف.

    إن العقل لا يستطيع أن يثبت ذلك ولا أن ينكره، فجاء النص القطعي بوصف الله بهذه الصفة المباركة وأنه له يدان مباركتان، فلم تنكر هذا بعقلك؟ وما هو الدليل على استحالة اتصاف الله بهذا؟

    لا يوجد دليل كما قلت إلا الوهم والخيال.

    وعليه فإخراج النص عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح، وعن الظاهر إلى الخفي، وعن المستعمل له أصالةً إلى ما وضع له بعد ذلك مجازاً على القول بالمجاز، إخراجه على هذا النحو لا يجوز إلا إذا وجدت هذه الأركان الأربعة، ولا يوجد شيء منها في المغيبات حتى نخرجها عن ظاهرها.

    ومن قال: كيف ينزل ربنا؟

    قل له: أخبرنا كيف هي ذات ربنا؟ فإذا قال: لا أعلمها، قل: ونحن عن علم الصفات أعجز، فإذا عجزت عن إدراك الذات فأنت أعجز وأعجز عن إدراك الصفات، فكيف تطالبني بمعرفة الفرع وأنت لم تعرف الأصل، والصفات فرع الذات، فإذا ما أحطنا بذات الله جل وعلا بأنه (ليس كمثله شيء)، فنحن عن إحاطتنا بصفاته أعجز وأعجز سبحانه وتعالى، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وهكذا جميع أمور الغيب، فكل ما ورد من مغيب من الصفات فالواجب فيه إقرار وإمرار، ولا يجوز أن تدخل عقلك في هذه القضية.

    وهذا المبحث بحثه ابن تيمية عليه رحمة الله في قرابة مائة صفحة في مجموع الفتاوى في الجزء العشرين من صفحة أربعمائة إلى أربعمائة وثمان وتسعين عند موضوع المجاز وما يتعلق به، وبحثه ابن القيم في مختصر الصواعق في الجزء الثاني من صفحة اثنتين إلى صفحة مائة وستة، يعني في مائة وأربع صفحات، وفي إرشاد الفحول للشوكاني في صفحة مائة وخمس وسبعين إلى مائة وسبع وسبعين، وألف شيخنا عليه رحمة الله كتاباً صغير الحجم في هذه القضية، يقع في ستين صفحة، سماه: منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، يعني في القرآن المنزل للتعبد والإعجاز.

    علاقة المجاز بالأمور الغيبية

    وكما قلت: إذا كان المجاز قاصراً على هذه الأمور المحسوسة بيننا، فكون تسمية هذا حقيقة أو مجاز لا ينتج عنه أي إشكال، نحن نريد ألا يدخل المجاز في عالم الغيب، هذا الذي نريده، فعندما يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا: (خرجت خطاياه من وجهه مع الماء أو مع آخر قطر الماء)، فهذا يتعلق بكيفية لا تعرفها أنت، والذنوب لها آثار حسية ظاهرة وباطنة، قد تدركها وقد لا تدركها فلا تنفي هذا.

    وعندما يرد أن جبريل عليه صلوات الله وسلامه له ستمائة جناح، وأنه سد الأفق يقول بعض السفهاء: كيف تلك الأجنحة؟! ليس هناك أجنحة ولا وجود لها، إنما هذا كناية عن عظمته وهيبته، هذا كله باطل، فلا يجوز أن تدخل المجاز في أمور الغيب على الإطلاق فيما يتعلق بصفات الله، وفيما يتعلق بنصوص المعاد، وفيما يكون في الجنة والنار، وفي الجن، وفي الملائكة، وفيما شاكل هذا، كل هذا حق، وهو على حقيقته، نؤمن به بالكيفية التي يعلمها الله وأرادها، ولا نعلمها ولا نعرفها والعلم عند الله جل وعلا.

    ومن أراد أن يؤول ما يتعلق بأمور الغيب فقد يصل في نهاية الأمر إلى أن يؤول نعيم الجنة ونعيم النار، ويصل به الأمر إلى الزندقة، وأنه ليس هناك جنة ولا نار، وأن الجنة هي ارتياح النفس في هذه الحياة، والنار شقاء النفس في هذه الحياة، ورد النصوص المتواترة القطعية بهذا التأويل البارد الفاسد، فقف عند حدك، وإن كل شيء يحمل على حقيقته التي تليق به، وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، وعليه فإذا لم تتفق تلك الأسماء مع الحقائق الموجودة في الدنيا لا يجوز أن تنكرها، وأن تخرجها إلى عالم المجاز، بل حقيقة تتناسب مع ما يكون في تلك الدار، كما أن الأسماء لها حقائق تناسبها في هذه الدار، والعلم عند العزيز الغفار.

    أما المبحث الثالث المتعلق بدرجة هذا الحديث، والمبحث الرابع في بيان قول الإمام الترمذي : وفي الباب إشارة إلى تخريج الروايات التي ذكرها وأشار إليه أرى أن نتكلم على هذين المبحثين فيما يأتي إن شاء الله.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم أصلح أحوالنا، واجعل الجنة دارنا، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756000667