إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما حاصر الأحزاب المدينة عاش المسلمون موقفاً عصيباً، فقد كان يفصلهم عن عدو الله وعدوهم الخندق الذي حفره المسلمون بمشورة من سلمان الفارسي رضي الله عنه، ولكنهم في خضم ذلك الوضع لم يكونوا يتوقعون الغدر من يهود بني قريظة، الذين تواطئوا مع المشركين على المؤمنين، لكن الله عز وجل برحمته أبطل كيدهم، وصرف الأحزاب عن المدينة، ثم سلط المؤمنين عليهم، فأخرجوهم من أرضهم ودورهم، وورثوا أموالهم.

    1.   

    سبب هجرة اليهود إلى الجزيرة العربية

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب:26-27].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هاتان الآيتان آخر ما جاء في غزوة الأحزاب. وسنذكركم بما سبق أن علمتم، وهو أن اليهود عليهم لعائن الله لما حاولوا قتل عيسى عليه السلام وصلبوا من تمثل به أصبحوا أعداءً ألداء لأتباع المسيح عليه السلام، وأصبحوا أشد عداء للنصارى المسيحيين، فكان المسيحي لا يقدر على أن ينظر إلى وجه اليهودي، بل كان إذا رآه يعرض عنه، ولا ينظر إلى وجهه؛ بحجة أنه قتل إلهه. ويكفيكم أنكم تشاهدوا الصليب معلقاً في أعناق النصارى؛ ليذكرهم بحادثة الصلب.

    ومن ثم تضايق اليهود مضايقة شديدة من الروم، وكانوا مسيحيين، فنزحوا إلى هذه الجزيرة المباركة، فنزلوا بتيماء، ونزلوا بخبير، ونزلوا بالمدينة.

    وكان من عوامل نزوحهم إلى هذه الديار والبقاء فيها هو ما عندهم في التوراة من أن نبياً آخر الزمان سينزل بهذه المدينة التي تسمى يثرب، وكانت ذات نخيل وسبخة، وأنه يخرج من مكة بين جبال فهران، ويأتي إلى المدينة، فقالوا: إذا خرج هذا النبي آمنا به واتبعناه، واسترددنا سلطاننا ودولتنا، وعزنا وكمالنا، وأخذناه من المسيحيين.

    1.   

    خيانة اليهود لعهودهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم

    نزل بهذه المدينة ثلاثة قبائل من اليهود، وهي قبيلة بني قينقاع، وقبيلة بني النضير، وقبيلة قريظة التي حديثنا الليلة عليها.

    أما بنو قينقاع فبمجرد أن عاهدوا الرسول في صك معروف فقد خانوه، فقد جاءت امرأة تساوم يهودياً في قضية، وإذا باليهودي يسخر منها ويرفع عطاءها عن جسمها، فضربه مسلم فقتله، فثارت الحرب بعد أن كانوا قد نقضوا عهدهم. فكان من شأنهم أن أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة عن آخرهم، وشفع لهم أحد الأنصار في هذا الخروج.

    وأما بنو النضير وكانوا في شرق المدينة فإنهم أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد العهد والموافقة الموجودة منهم عليه، فقد احتالوا عليه في يوم من الأيام وأرادوا قتله. وبيان ذلك: أنه حدثت قضية مالية يجب على اليهود أن يشاركوا فيها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت ديات ترتبت عليه، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ومعه أصحابه، ونزلوا تحت ضل جدار، ففرشوا لهم فراشاً، وقالوا: الآن نجمع لكم المال، وإذا بهم يأتون بمطحنة -أيام كانت المطاحن من صخور، أي: رحى- وطلعوا بها إلى السطح، وأرادوا أن يطلقوها على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحادثة، فقام وقام معه أصحابه، وما إن نزل من بين مساكنهم حتى عاد إلى المدينة إلى المسجد، وأعلن الحرب عليهم؛ لأنهم خانوا عهدهم، وليس هناك خيانة أعظم من هذه، فقد عزموا وصمموا، وأرادوا أن يباشروا قتل النبي صلى الله عليه وسلم. فطوقهم رسول الله بخيله ورجاله كذا يوماً، ثم تنازلوا، فأجلاهم عن المدينة. وسورة الحشر فيها بيان هذه الحادثة، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]. ومشوا إلى تيماء وإلى خيبر.

    وكان بنو قريظة ما زالوا موفين بعهدهم، وكانوا في جنوب المدينة، حتى جاءت الأحزاب. وقد عرفتم أن الذي حزبها حيي بن أخطب ، فهو الذي حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرق والغرب والجنوب، وجاء بها للقضاء على رسول الله والإسلام. وقد درسنا ثلاث ليالٍ الحادثة كما هي، وعرفنا كيف انهزم الأحزاب، وخرجوا عائدين خائبين خاسرين، ونجى الله رسوله والمؤمنين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ...)

    آخر قصة الأحزاب هاتان الآيتان، فاسمعوهما، قال تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ [الأحزاب:26]، أي: ظاهروا الأحزاب. ومعنى ظاهروهم: كانوا وراء ظهورهم يشدونها ويقوونها، وفلان ظاهر فلاناً أي: قواه ونصره.

    حصار الرسول صلى الله عليه وسلم لبني قريظة

    قال تعالى هنا: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26]. وهم بنو قريظة، فهم من أهل الكتاب. والمراد من الكتاب التوراة، فهي كتاب الله الذي أنزله على موسى رسوله ونبيه.

    وقوله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26]، أي: أنزلهم من مِنْ صَيَاصِيهِمْ [الأحزاب:26]. الصياصي جمع صيصية، وهي البناء العالي المرتفع الذي يتحصن به الإنسان، فقد لجئوا إلى صياصيهم واعتصموا بها، وأبوا أن يستجيبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم الله مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الأحزاب:26]، أي: ملأ قلوبهم من الخوف والفزع، والجبن والهرب.

    قال تعالى: فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26]. وكيفية انتهاء قضيتهم -كما ستأتي في الآيات المفسرة-: إنه ظهرت عورتهم وانكشفت سوأتهم عندما وقفوا إلى جنب الأحزاب يظاهرونهم، وما إن انتهت غزوة الخندق وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى منزله من سلع جبل حتى جاء جبريل، وقال له: يا محمد! وضعت السلاح، ونحن ما وضعنا السلاح؟ فأعلن رسول الله ونادى مناديه: ( أيها الناس! لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ). وكان الوقت وقت الظهر أو بعد الظهر. فما إن استراح الرسول دقائق بعد أن جاء من سلع مع ذلك الجوع وذلك التعب الذي أصابه مدة خمسٍ وعشرين يوماً أو ستٍ وعشرين يوماً حتى جاء جبريل، وقال له: أتضع السلاح، ونحن ما وضعناه يا رسول الله؟ هلم إلى بني قريظة. فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن أمر من ينادي في المؤمنين: ( أيها الناس! أيها المؤمنون! لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ). وخرج المسلمون وتدفقوا إلى بني قريظة، ومنهم من صلى في الطريق، ومنهم من قال: لا أصلي؛ لأن المنادي قال: ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ). والمؤول قال: معناها ما تتخلفوا فقط، وليس معناها لا تصلوا. والكل جائز.

    حكم سعد بن معاذ في بني قريظة

    طوق المسلمون بني قريظة وهم في حصونهم، فقيل لهم: أتحكمون رسول الله فيكم؟ فقالوا: لا، لا نحكم رسول الله، فسيقتلنا، فقيل لهم: فما رأيكم أن تحكموا سعد بن معاذ ، فهو من الأنصار. وكان سعد بن معاذ في ذلك الوقت في خيمة في المسجد، فقد كان يشكو من جرحه الذي أصابه في ضلعه، إذ وهو عائد أو ذاهب إلى سلع رمي بسهم في عضده، فبقي الدم يسيل منه، فجعل له الرسول خيمة في المسجد؛ حتى ما يتعب في زيارته، كما سيأتي بيان ذلك. فقالوا: نعم نرضى بتحكيم سعد . فحكم سعد بقتل رجالهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لقد حكمت يا سعد ! بحكم الله من فوق سبع سماوات ). فما كان إلا أن هبط الرجال، وجمعهم في دار قريبة من هنا لأحد النساء، وأمر أصحابه أن يحفروا خندقاً، وأمر علياً والزبير أن يأتوا بهم واحداً واحداً، ويضربون رأسه بالسيف ويرمونه في الخندق، حتى صفوا حسابهم، وكانوا قرابة سبعمائة مقاتل، وسبوا النساء والأطفال، ووزعوهم بين المسلمين. وأغلبهم هداه الله، واستفاد بهذا، ودخل في الإسلام. هذه وقعة بين قريظة.

    قال تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26]. وأنزلهم مِنْ صَيَاصِيهِمْ [الأحزاب:26]، أي: من حصونهم، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الأحزاب:26]، أي: الخوف. فَرِيقًا تَقْتُلُونَ [الأحزاب:26] يا أيها الرسول والمؤمنون! وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26]، أي: وفريقاً تأسرونهم. والفريق الذي قتلوه الرجال، والذي أسروه النساء والصبيان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ...)

    قال تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ [الأحزاب:27]، أي: أورث الرسول والمؤمنين أرض بين قريظة، فقد أورثهم بساتينهم ومزارعهم وديارهم كما هي، كما قال تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [الأحزاب:27]. فمالهم الذي بقي كله ورثه الرسول والمؤمنون. وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27]، أي: وأورثكم أرضاً أخرى غير أرض بني قريظة لم تطئوها بعد، ألا وهي أرض خيبر، وبعد سنة من هذا دخلوا خيبر. فقد أورثكم أرضاً لم تطئوها بأقدامكم، ولم تمشوا على أرضها، وهي خيبر. ويصح أن يشمل اللفظ حتى فارس والروم، فكلها أرضاً ما وطئوها، وقد أورثهم إياها. ولكن الأقرب احتمالاً أنها خيبر؛ لأنهم الآن في السنة الخامسة، ثم في السنة السادسة مشوا إلى الحديبية. وهذه لا تسمى غزوة؛ لأنه كان فيها المصالحة والمعاهدة، فهي تسمى صلح الحديبية.

    ثم في السنة الثالثة ذهب الرسول إلى خيبر؛ لأن انهزام العرب والمشركين شجعه على أن يعتمر العام الآتي بعد أن انهزموا، فخرج بألف وأربعمائة من المدينة بالفعل، ونزلوا بالحديبية، وتمت مصالحة كما تقدم. وما إن عادوا حتى ذهبوا إلى خيبر في السنة السادسة، ففتح الله عليهم خيبر.

    هذا معنى قوله تعالى: وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27] بعد، وهي أرض خيبر. وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب:27]، أي: ما أراد شيئاً إلا قدر عليه وفعله؛ إذ لا يعجز الله شيء، إذ هو الذي يقول للشيء: كن فيكون. فسبحانه! لا إله إلا هو! ولا رب سواه.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    هيا معنا مع شرح الآيات من الكتاب؛ لنزداد علماً وبصيرة.

    قال: [ معنى الآيات:

    قوله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26] ] أي: الذين ظاهروا الأحزاب. و[ هذا شروع في ذكر غزوة بني قريظة، إذ كانت بُعيد غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة في آخر شهر ] ذي [ القعدة.

    وخلاصة الحديث عن هذه الغزوة: أنه لما ذهب الأحزاب وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى المدينة، وكان بنو قريظة قد نقضوا عهدهم وانضموا إلى الأحزاب من المشركين؛ عوناً لهم على رسول الله والمؤمنين، فلما ذهب الأحزاب وانصرف الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ والمؤمنون من الخندق إلى المدينة، فما راع الناس إلا ومنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي إلى بني قريظة: ( فلا يصلين أحدكم العصر إلا في بين قريظة ). وهي على أميال من المدينة ] حوالي خمسة أميال [ وذلك أن جبريل ] عليه السلام [ أتى النبي صلى الله عليه وسلم ظهر ذلك اليوم، فقال: ( يا رسول الله! وضعت السلاح؟ إن يأمرك بالسير إلى بني قريظة ). فقام رسول الله، وأمر منادياً ] أن [ ينادي بالذهاب إلى بني قريظة، وذهب رسول الله ] صلى الله عليه وسلم [ والمسلمون، فحاصروهم قرابة خمس وعشرين ليلة، وجهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فقال لهم رسول الله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( أتنزلون على حكمي؟ فأبوا، فقال أتنزلون على حكم سعد بن معاذ

    ؟ فقالوا: نعم. فحكمه فيهم، فحكم بأن يُقتل الرجال، وتسبى الذراري والنساء، وتقسم الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرراً للحكم: لقد حكمت فيهم ) ] أي: يا سعد ! [ ( بحكم الله من فوق سبع سماوات ). فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار ] أي: سجن رجالهم [ وخرج إلى سوق المدينة، فحفر فيها خندقاً، ثم جيء بهم، وفيهم حيي بن أخطب الذي حزب الأحزاب، وكعب بن أسيد رئيس بني قريظة، وأمر علياً والزبير بضرب أعناقهم، وطرحهم في ذلك الخندق. وبذلك انتهى الوجود اليهودي المعادي بالمدينة النبوية. والحمد لله.

    فقوله تعالى: وَأَنْزَلَ [الأحزاب:26]، أي: الله جل جلاله أنزل بقدرته الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [الأحزاب:26]، أي: ظاهروا الأحزاب، وكانوا عونا لهم على الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ والمؤمنين، وهم يهود بني قريظة، مِنْ صَيَاصِيهِمْ [الأحزاب:26]، أي: أنزلهم من حصونهم الممتنعين بها. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الأحزاب:26]. ولذا قبلوا التحكيم، فحكَّم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحكم فيهم بقتل المقاتلة من الرجال، وسبي النساء والذراري. وهو معنى قوله تعالى: فَرِيقًا تَقْتُلُونَ [الأحزاب:26]. وهم الرجال، وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا [الأحزاب:26]. وهم النساء والأطفال.

    وقوله: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ [الأحزاب:27] ] أي: [ الزراعية، وَدِيَارَهُمْ [الأحزاب:27] السكنية، وَأَمْوَالَهُمْ [الأحزاب:27] الصامتة والناطقة ] والأموال الصامتة معروفة، والناطقة هي الإبل والبقر والغنم، والصامتة هي الذهب والفضة.

    [ وقوله ] تعالى: [ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا [الأحزاب:27]، أي: أورثكم أرضاً لم تطئوها بعد، وهي أرض خيبر، حيث غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة بعد صلح الحديبية وفتحها الله عليهم.

    وقوله ] تعالى: [ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب:27]، تذييل، المراد به: تقرير ما أخبر تعالى به من نصر أوليائه، وهزيمة أعدائه ] وإن شاء الله تكونوا قد فهتم هاتين الآيتين. وإن فهمتموهما فهنيئاً لكم، وعلى كل حال الأجر حاصل، وحتى الذين ما فهموا الملائكة تصلي عليهم.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن إليكم هداية الآيات:

    [ من هداية الآيات:

    أولاً: بيان عاقبة الغدر ] ونعوذ بالله من الغدر وأهله [ فإن قريظة لما غدرت برسول الله ] كانت عاقبتها أن [ انتقم منها، فسلط عليها رسوله والمؤمنين ] فقتلت رجالهم، وسلبت أموالهم، واستعبدت ذراريهم ونساءهم [ فأبادوهم عن آخرهم ] وهذا بسبب الغدر. فقد كانوا على عهد مع رسول الله، وبينهم وثيقة مطبوعة، وقد قرأناها ومرت علينا بنصها، ولكنهم خانوها وغدروا. وهذا جزاء الغادرين [ ولم يبق إلا الذين لا ذنب لهم، وهم النساء والأطفال ] فهؤلاء لا ذنب لهم، فآباؤهم هم الذين غدروا، وأما هم فما غدروا.

    [ ثانياً: بيان صادق وعد الله، إذ أورث المسلمين أرضاً لم يكونوا قد وطئوها، وهي خيبر والشام، والعراق وفارس، وبلاد أخرى كبيرة وكثيرة ] فصدق الله في وعده.

    [ ثالثاً ] وأخيراً: [ تقرير أن قدرة الله لا تحد أبداً ] وأنها ليس لها حد أبداً [ فهو تعالى على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء ] في الأرض ولا في السماء، وهو على كل شيء قدير. فهيا نفزع إليه، وهيا نتوب إليه، وهيا نرجع إليه، ونبتعد عن العدو إبليس والشياطين، بل نوالي ربنا؛ فيرفع درجتنا، ويعلي مقامنا، ويسودنا كما سود سلفنا، ولا نعرض عنه، فلن ننتظر بهذا إلا الهزائم بعد الهزائم، والعقوبات بعد العقوبات.

    والله نسأل أن يتوب علينا وعلى المؤمنين.

    وصلى الله على نبينا محمد، وآله وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756223370