إسلام ويب

تفسير سورة الروم (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • آيات الله كثيرة لا تحصى، يقف عندها المتأمل والمتفكر مجلاً ومعظماً لله الخالق القدير، فالمؤمن حق الإيمان يهرع نحو خالقه، ملبياً أوامره، مجتنباً نواهيه، يخطف ساعات الصفاء ليناجي ربه، ويقدسه وينزهه، راجياً منه أن يريه آيات جنّته، كما أراه آيات حكمه وقدرته.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من سورة الروم ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:17-21].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: قول ربنا جل ذكره: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18].

    فَسُبْحَانَ اللَّهِ [الروم:17] بعدما رغبنا في الجنة، وما يصل بالعبد من الأعمال قال إذاً: فسبحوا الله عز وجل، وقدسوه، ونزهوه عن الشريك، والنظير، والمثيل، وقدسوه عن كل نقص، وهو منزه عن كل نقص.

    سئل ابن عباس رضي الله عنهما: هل ذكر الله تعالى أوقات الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال: نعم. هذه الآية تدل دلالة قطعية على الصلوات الخمس، وإليكم بيانها:

    أولاً: فَسُبْحَانَ اللَّهِ [الروم:17] سبحوا الله.

    حِينَ تُمْسُونَ [الروم:17] أمسى يمسي فلان إذا دخل في المساء، وفي هذا صلاة المغرب والعشاء، دل عليها قوله تعالى: حِينَ تُمْسُونَ [الروم:17] أي: تدخلون في المساء.

    وقوله: وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17] أصبح فلان يصبح إذا دخل في الصباح، ففيها صلاة الصبح.

    وقوله تعالى: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:18] حقاً وصدقاً.

    وَعَشِيًّا [الروم:18] أي: وسبحوه عشياً، العشية والعشي ما كان بعد العصر إلى غروب الشمس، وهو صلاة العصر.

    وقوله: وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:18] أي: تدخلون في الظهيرة، وهي صلاة الظهر.

    ومن هذه الآية الكريمة أخذ الإمام الشافعي أوقات الصلوات الخمس، وأما شيخه مالك بن أنس إمام دار الهجرة فأخذ الصلوات الخمس من آية سورة بني إسرائيل أو سبحان الذي أسرى؛ إذ قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78].

    إذاً: قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78]، دلوكها: ميلانها: الظهر والعصر.

    إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، إلى ظلمة الليل المغرب والعشاء.

    وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، صلاة الصبح.

    والإمامان مالك والشافعي رحمهما الله كل منهما أخذ الأوقات الخمس من هذه الآية، والكل حق، والكل واحد، إلا أن آية بني إسرائيل فيها بعض الخفاء فلا بد من اجتهاد.

    أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] ما معنى دلوكها؟ ميلانها. متى هذا؟ عند زوال الشمس فيدخل الظهر والعصر.

    إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] الظهر والعصر، إلى الغروب.

    غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] ظلمته.

    متى تبتدئ ظلمة الليل؟ بعد غروب الشمس، فيدخل المغرب والعشاء

    وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] ألا وهو صلاة الصبح وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].

    إذاً: قول ربنا تعالى في هذه الآية: فَسُبْحَانَ اللَّهِ [الروم:17] أي: سبحوا الله، قدسوه ونزهوه بالصلاة، فإن الصلاة تقديس وتنزيه لله، فإنه ذكره وشكره.

    حِينَ تُمْسُونَ [الروم:17] أي: تدخلون في المساء.

    وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الروم:17] تدخلون في الصباح.

    وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:18] العشي: العصر. والظهور: الظهر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ...)

    ثم قال تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:19] من هذا الذي يخرج الحي من الميت؟ ليس إلا الله.

    يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الروم:19] ما الحي الذي يخرج من الميت؟ المني ميت، قطرات المني ميتة، فيخرج منها الطفل.

    وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم:19] والمني من أين يخرج؟ من الحي. المني الميت يخرج من الحي.

    والدجاجة يخرج منها البيض، وهل البيض ميت أو حي؟ ميت. والبيضة تخرج منها الدجاجة.

    وهنا لطيفة علمية: قد يقول بعض العلماء من علماء المادة: المني ليس ميتاً أبداً .. حيوانات منوية.

    فنقول نحن: والبيضة ميتة أو حية؟ ميتة. كيف يخرج منها الفرخ أو العصفور؟!

    حبة الشعير .. حبة القمح ميتة أو حية؟

    .. وهكذا، فلهذا كلمة الحيوان المنوي لا قيمة لها؛ إذ المني ميت، يابس، بارد، فهو ميت، وإن كان حيوان أو غير حيوان.

    إذاً: من الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي؟ أليس الله؟ هل يوجد غير الله يفعل هذا؟ الجواب: لا.

    إذاً: فهيا بنا نقول: لا إله إلا الله، ونعبده بما شرع لنا من أنواع العبادات والطاعات، فنطيعه فيما أمرنا فنفعل، وفيما نهانا فنترك، وبذلك نكون قد حققنا معنى العبودية لله، وأننا عبيده.

    يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:19].

    هل الأرض تموت؟ تيبس وتبرد، لا شجر، ولا غصن، ولا نبت، ولا.. ولا. ميتة.

    إذاً: من يحييها؟ الله ينزل عليها ماء السماء .. المطر، فتحيا، وتزدهر، وتتكون فيها أنواع من النباتات والزهور.

    من يفعل هذا؟ عبد القادر الجيلاني ؟ عيسى ابن مريم؟ جبريل أو ميكائيل؟ لا أحد.

    إذاً: قل: لا إله إلا الله، ولو يغضب العالم بأسره، والله لا إله إلا الله الذي يحيي ويميت، ويخرج الحي من الميت والميت من الحي. هذا هو المعبود الحق، هذا الذي يدعى ويسأل، وترفع إليه الأكف، وهذا الذي نخرّ بين يديه ساجدين، وهذا هو الله رب العالمين، عرفناه بآياته، وصفاته، وجلاله، وكماله. هكذا يعرفنا بنفسه في كتابه، وأهل الجهل معرضون عن هذا.

    وقوله تعالى: وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:19] كهذا الذي شاهدتم ورأيتم من إخراج الميت من الحي، والحي من الميت، وإحياء الأرض بعد موتها.. هكذا -إذاً- تحيون، وتخرجون من الأرض.

    وفي هذا تقرير مبدأ البعث الآخر.. الدار الآخرة.. الحياة الثانية؛ من أجل الجزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا.

    وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:19] كما يخرج الميت من الحي يخرجكم من الأرض!

    كما يحيي الأرض بعد موتها يخرجكم من الأرض بعد أن تصبحوا عظاماً نخرة .. ينفخ فيكم روحاً من جديد وتحيون، وتعودون أحياء، وتساقون إلى ساحة فصل القضاء، آمنا بالله ولقائه.

    ولنعلم أن الذين لا يؤمنون بالله لا خير فيهم أبداً، والذين لا يؤمنون بالبعث الآخر لا يرجى منهم خير أبداً، ولا يوثق فيهم، ولا يعول عليهم، وحتى لا ينظر إليهم؛ لأنهم شر الخلق.

    الذي يفقد عقيدة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والبعث الآخر شر البرية، فقد قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] من هؤلاء؟ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ [البينة:6].. شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، والبرية والبريئة بمعنى: المخلوق .. من برأ إذا خلق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون)

    ثم قال تعالى أيضاً: وَمِنْ آيَاتِهِ [الروم:20] أي: علامات وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ورحمته المستوجبة لألوهيته، وعبادته وحده، دون من سواه، من تلك الآيات وما أعظمها وما أكثرها: أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ [الروم:20] في الأرض.

    ذكرنا بأصل خلقتنا! ذكرنا بآدم وحواء! هل كان آدم موجوداً قبل أن يوجده الله؟ الجواب: لا.

    من خلق آدم؟ الله.

    من أين خلقه؟ من أية مادة؟ من اللحم والعظام أو من ماذا؟ من التراب.

    أما حواء فقد قال لها: اخرجي من ضلعه الأيسر، فخرجت العروس إلى جنب آدم بكلمة: كوني، فكانت.

    خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الروم:20] أي: خلق أباكم آدم من تراب ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ [الروم:20] في الأرض وتملئون أصقاعها في الشرق والغرب والشمال والجنوب.

    ولطيفة أخرى أيضاً: أنشأنا من الأرض لأن المني سببه الطعام والشراب، والطعام نبات في الأرض، من الزرع وغير ذلك؟ أليس ذلك من التراب؟ بلى. إذاً: نحن من التراب مخلوقون، آدم ونحن أيضاً.

    وَمِنْ آيَاتِهِ [الروم:20] أي: علاماته الدالة على أنه موجود وأنه رب العالمين، وأنه لا إله إلا هو، وأنه الحكيم العليم واللطيف الخبير، ذو الصفات العلى والأسماء الحسنى: أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ [الروم:20] هنا وهناك في الأرض.

    عجباً لمن يكفر بالله.. عجباً لمن يشرك بالله.. عجباً لمن لا يحب الله.. عجباً لمن لا يخاف الله!

    هذا الذي ينعم .. هذا الذي يتفضل، هذا الذي يعطي، هذا.. هذا.. كيف لا يحب؟!

    والذي لا يخاف الله ميت؟ هل هذا كائن حي؟ لا . بل ميت.

    الذي لا يخاف ذا الجلال والكمال .. الذي يقول للشيء كن فيكون.. الذي يحيي.. يعطي.. يهب.. يعز ويذل ميت!

    كيف لا يخاف الله ويعصيه، ولا يبالي بإحسانه إليه، والعياذ بالله؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ...)

    ثم قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].

    وَمِنْ آيَاتِهِ [الروم:21]، أي: علاماته الدالة على وجوده، وعلى ربوبيته وألوهيته وعلى أسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وعلى أنه رب العالمين وولي المؤمنين، ومتولي الصالحين، وقل ما شئت من صفات الجلال والكمال.

    وَمِنْ آيَاتِهِ [الروم:21] تلك أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [الروم:21].

    أيها الفحول! هل منكم من تزوج بقرة أو دابة أو شاة..؟ مستحيل؛ ليست من جنسه أبداً، نساؤكم من جنسكم، الآدمي مع الآدمية، هذه الحقيقة، وهذا فضل الله.

    أرأيتم لو جعل لكم أزواجكم من البهائم والحيوانات .. كيف تكون حالكم؟ العياذ بالله!

    ولكن من آياته جلت قدرته أن جعل لكم مِنْ أَنفُسِكُمْ [الروم:21] من آدميتكم، من بشريتكم أَزْوَاجًا [الروم:21] وهن الزوجات.

    هذه آية من آيات علمه، وقدرته، ورحمته و.. و.. تدل على وجوده، وعلمه، وقدرته، وحكمته، ورحمته.

    أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21] وتجدون الرحمة والطمأنينة، وخاصة عند الجماع تسكن سكوناً عجباً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [الروم:21]. وهنا لا يحل للآدمي أن يتزوج غير آدمية.

    والذين يشيعون أن فلاناً تزوج جنية نقول لهم: هذا خطأ، وباطل، وكذب، أبداً لا يتم الزواج إلا من الجنس.

    البعير مع الناقة، والفرس مع الحصان، والشاة مع الكبش، والدجاجة مع الديك.. وهكذا! سبحان الله العظيم!

    والله لو نعيش طول الدهر نسبح الله: سبحان الله العظيم.. سبحان الله العظيم ما وفينا الله عز وجل حقه، ومع هذا كفروا به وتنكروا له، ونسوا أصل خلقتهم وحياتهم، وأقبلوا على الشيطان يعبدونه .. يحسّن لهم القبائح والرذائل فيأتونها ويفعلونها، أولئك الكافرون.. أولئك المشركون، نعوذ بالله منهم، ونبرأ إلى الله منهم.

    ثم قال تعالى: لِتَسْكُنُوا [الروم:21] عرفتم السكون إليها، والطمأنينة، والرحمة.

    لو كان مع بقر أو بعير تجد السكن هذا؟ مستحيل.

    وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً [الروم:21] أي: محبة، الرجل يحب امرأته، والمرأة تحب زوجها. والرحمة: الرجل يرحم امرأته، والزوجة ترحم زوجها، ولا يفقدان هذا إلا إذا ظلم أحدهما الآخر، إذا جاء الظلم ارتفع هذا، فلهذا اعلم -عبد الله- أنه لا يحل لك أن تظلم زوجتك، ولا يحل لها أن تظلمك، فإذا حصل الظلم ارتفعت المودة والرحمة، وصار البغض -والعياذ بالله- والأذى.

    وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21].

    ثم ختم تعالى هذا بقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ [الروم:21] المذكور والذي سمعتم لَآيَاتٍ [الروم:21] علامات تدل على وجود الله، وعلمه، ورحمته، وحكمته، وعدله، وإحسانه و.. و.. ولكن لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] أما البهائم، والهابطون إلى الأرض، والذين لا يفكرون في الطعام الذي يأكلونه، ولا في الثوب الذي يلبسونه، ولا في النطق كيف ينطقون، ولا في النظر كيف ينظرون.. هؤلاء حيوانات بهائم، شر الخلق، لا ينتفعون بهذا القرآن، ولا يجدون هذه الآيات أبداً.

    ولكن الآيات للذين لهم عقول يفكرون بها، فينظر فقط إلى نفسه: من خلقني؟ من وهبني سمعي وبصري؟ لم؟ من وهبني رجلي ويدي؟ لم؟ للعمل.

    من هو هذا؟ نسأل عنه، وهل نذهب إلى الصين .. إلى اليابان نسأل عنه؟ لا. بل تفكر واسأل نفسك: من خلقني؟ فإذا عرفته. فسأل نفسك: ماذا طلب مني؟ ماذا يريد من خَلْقه لي؟

    الجواب: أن نذكر ونشكر. ومن ثم يذكر ويشكر حتى يموت، والذين لا يسألون لا يعرفون.. لا يتفكرون.. لا يعقلون، لا يجدون في هذا ولا بعض آية، مع أن آياته سبحانه ملأت السماوات والأرض.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: من هداية هذه الآيات:

    أولاً: وجوب تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله ].

    من هدايات هذه الآيات الخمس: أولاً: وجوب تنزيه الله تعالى عن كل نقص، فهو المنزه عن الشبيه، والنظير، والمثيل والشريك، نزه نفسه تعالى فقال: فَسُبْحَانَ اللَّهِ [الروم:17]، فنزهوا الله أنتم عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله.

    وتكرر وكرروا كلمة: سبحان الله، وأقيموا الصلاة، فإن المقيم للصلاة ذاكر لله، شاكر لله، منزه لله تعالى.

    [ ثانياً: وجوب حمد الله على آلائه وإنعامه ].

    وجوب حمد الله وشكره على آلائه وإنعامه وإفضاله!

    يا عباد الله! يا أولياء الله! يا أمة الحمد! عيشوا على ما أنتم عليه! إذا شربت فقل: الحمد لله. إذا أكلت فقل: الحمد لله. إذا ركبت قل: الحمد لله. إذا نزلت قل: الحمد لله. إذا نمت قل: الحمد لله. إذا استيقظت فقل: الحمد لله. إذا سئلت عن حالك قل: الحمد لله. ولهذا سمانا الله في الكتب السابقة بالحمادين، أمة الحمد نحن، ولكن إخوانكم الجهلة الضلال التائهون في الدنيا يأكلون ويشربون ولا يقولون: الحمد لله أبداً.

    يمرض ويشفى ولا يقول: الحمد لله، ولا يعرفها، ولكن المسلم هو الذي أسلم قلبه وجوارحه لله.

    والذي ما أعطى الله لسانه ولا عينه كيف يكون مسلماً؟ دعوى باطلة، كلمة: مسلم كذب، فالمسلم من هو؟ من هذا المسلم؟ أبيض أو أسود؟

    الجواب: المسلم: الذي أسلم -بمعنى: أعطى- لله قلبه، فلا يتقلب قلبه إلا في رضا الله، وأسلم جوارحه لله، فلا يمشي خطوة إلا لله. ذلكم المسلم، أما الذي يقول: أنا أسلمت وما أعطى هذا لله فهو كذاب منافق.

    [ ثالثاً: وجوب إقام الصلاة ]. من هداية هذه الآيات: وجوب إقام الصلاة، وقد بين لنا أوقاتها فقال تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18] وضع أيدينا على أوقاتها، فقط لنعلمها أو لنقيمها؟ لنقيم الصلاة فيها.

    [ رابعاً: بيان أوقات الصلوات الخمس ].

    بيان أوقات الصلوات الخمس، وهذه الآية سئل ابن عباس : هل ذكر الله تعالى أوقات الصلوات الخمس في القرآن؟

    قال: نعم. ثم قرأ عليهم هذه الآية، فهذه الآية دالة على الصلوات الخمس وأوقاتها، وآية بني إسرائيل كذلك.

    [ خامساً: بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه ورحمته المقتضية لتوحيده، والمقررة لعقيدة البعث والجزاء ].

    مظاهر قدرة الله، وعلمه، وحكمته .. هذه الآيات الكونية، من الخلق والإيجاد، من السماء إلى الأرض، من الإحياء، من الإماتة.. هذه كلها تدل على أنه لا إله إلا الله.

    إذاً: يجب علينا أن نعبد الله، وأن نعيش على ذكره وطاعته حتى نلقاه.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755983161