إسلام ويب

تفسير سورة الروم (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر القرآن الكريم أكثر كتاب حضّ على التفكر والتدبّر والتأمل في ملكوت الله؛ لما في ذلك من تحريك للعقول المدركة المبصرة، ومن ذلك أن لهذا الكون خالقاً مدبراً لا محالة، وأن تلك الآثار الكثيرة لأقوام طغوا وبغوا هي دليل حاسم على قدرة الله غير المحدودة، وأن العاقبة الأليمة كما تكون في الدنيا ستكون في الآخرة.

    1.   

    ذكر أهم ما تعنى به السور المكية

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فها نحن اليوم مع فاتحة سورة الروم المكية، ذات الستين آية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من فاتحة هذه السورة ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون [الروم:8-10].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر، دعوتهم إلى الإيمان به من طريق ذكر الأدلة العقلية التي تحملها الآيات القرآنية.

    وأعيد إلى أذهانكم أن السور المكية ومن بينها هذه السورة -سورة الروم- مهمتها التي أسندت إليها هي:

    أولاً: تحقيق العقيدة السليمة

    أولاً: أن تحقق عقيدة سليمة للعبد، يصبح بها حياً قادراً على أن يفعل ويترك، ويسمع ويجيب؛ إذ العقيدة السليمة الصحيحة كعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأولادهم، وأحفادهم، وأئمة الإسلام، هذه العقيدة الصحيحة بمنزلة الروح، ولك أن تسميها روحاً. صاحب هذه الروح قطعاً حي، ادعه يجبك، اطلب منه يعطك، انهه يترك؛ وذلك لكمال حياته.

    وأما فاقدها -كما فقدها الآن اليهود والنصارى والمشركون والبوذ و.. و..- فهم أموات غير أحياء، ولكن لا يشعرون، فلا نستطيع أن نأمرهم بصلاة، ولا صيام.. ولا برباط، ولا بجهاد أبداً؛ لأنهم أموات.

    وأما إذا ضعفت هذه العقيدة -كما هي في ملايين المسلمين- فيصبح أهلها كالمرضى، والمريض يقدر على فعل شيء ويعجز عن آخر، يقدر على أن يقول كلمة حق ويعجز عن الأخرى؛ لمرضه، فالواجب علينا أن نصحح عقيدة المؤمن ليسمو بها ويسعد، وأن ندعو البشرية كلها إلى العقيدة الربانية الإسلامية الصحيحة من أجل أن تحيا، فإذا حيت قامت وقعدت، وأجابت وفعلت.

    وأعظم أركان العقيدة: إثبات الألوهية لله عز وجل بألا يعبد إلا الله. وهذا ما يؤديه معنى لا إله إلا الله. أي: لا يوجد في الأكوان العلوية والسفلية من يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله، والله لا إله إلا الله.

    ثانياً: إثبات النبوة المحمدية

    ثانياً: إثبات النبوة المحمدية وتقريرها؛ إذ الذي يؤمن بالله، ولا يؤمن برسول الله والله لا يستطيع أن يعبد الله، ولا يعرف محاب الله ولا مكاره الله، ولا ينتفع بإيمانه؛ إذ لا بد من الإيمان بالرسالة المحمدية، ومن ثم نستطيع أن نطيع الله ورسوله بما يبين لنا رسوله.

    لو يترك الأمر لنا فقط فلن نعرف ما يحب الله، ولا ما يكره، وإذا عرفنا ما يحب فلن نعرف كيف نؤديه.

    إذاً: لا بد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يدخل امرؤ في الإسلام ويقال أسلم إلا إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فإذا لم يشهد بهذه الشهادة لا يقال: إنه أسلم، ولا دخل في الإسلام.

    ولو قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله، ولا يوجد إله مع الله، ولكن لا أشهد أن محمداً رسول الله فهو كافر.. كافر، ما آمن، ولا أسلم.

    وشيء آخر: هل يستطيع أن يعبد الله بفعل محابه وترك مكارهه بدون أن يتعلم ذلك من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    لا يستطيع أبداً، فلا بد من شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثالثاً: إثبات عقيدة البعث والجزاء

    ثالثاً: تقرير عقيدة البعث الآخر.. عقيدة الإيمان بالدار الآخرة.. عقيدة الإيمان بالجزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا والجزاء على هذا العمل في الدار الآخرة.

    وكثيراً ما أكرر فأقول: ما سر هذه الحياة؟

    اسألوا العلماء والفلاسفة و.. و.. ما علة هذه الحياة؟

    والله لا وجود للجواب إلا كلمة: من أجل أن يذكر الله ويشكر فقط، ما أراد إلا هذا. سر هذه الحياة، وعلة وجودها، والمقصود منها هو هذا.

    لم أوجدها الله بما فيها من السماوات والأرضين و.. و..؟ من أجل أن يعبد الله فيها.

    إذاً: سر هذه الحياة أن يعبد الله، والذي لا يعبد الله كأنما نسف الكون كله.

    أي جريمة أعظم من كفره بمن خلقه ليعبده!

    الله أعطاه سمعه، وبصره، وقدم إليه كتابه، وشرعه، ثم يعرض ويكفر، ولا يعبد الله؟! جريمته كأنما نسف السماوات السبع ودمرها، ونسف الأرض وما فيها، فلهذا جزاء هذا الذنب أن يخلد في عذاب أليم؛ لأن جريمته ليست هينة.

    الذي يترك عبادة الله تعالى ويعبد غيره أو لا يعبد غيره فإثمه.. ذنبه.. جريمته كأنما نسف الكون بأكمله وعطله، فلهذا لن يكون الجزاء إلا بحسب العمل. إذاً: فليخلد في عالم الشقاء بلا نهاية.

    وسر الحياة الآخرة ما هي؟

    اسألوا الفلاسفة: لم أوجد الله الحياة الثانية؟

    الجواب: للجزاء على العمل في هذه الدنيا، فهذه الدار دار عمل، وتلك دار جزاء.

    وهل في الآخرة غرس، وزرع، وبناء؟

    الجواب: لا. فليس هناك إلا جزاء فقط بعد الحساب الدقيق إما بالنعيم المقيم في الجنة؛ دار السلام، وإما بالعذاب الأليم في النار؛ دار البوار. والله ليس هناك سوى هذا، ولا وسط بينهما.

    وهذه الآيات الثلاث كلها في تقرير عقيدة البعث والجزاء، التي كذب بها المشركون في مكة، وكذب بها البلايين اليوم من الصين إلى اليابان إلى الأمريكان، وليس جماعة العرب فقط، فهيا نسمع الأدلة والبراهين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ...)

    قال تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم:8].

    أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ [الروم:8]، أي: هلا يغمض أحدهم عينيه ويفكر: لم خلقت هذه السماوات، وهذه الشموس والأقمار، وهذه الكواكب، وهذه الأمطار؟

    لم خلقت هذه الأرض؟

    لم خلق الله هذه الحيوانات، وهذه المخلوقات، وهذه الجبال، وهذه الأنهار، وهذه البحار؟

    لم؟ فكر .. لم؟ لم لا يفكر؟!

    لو فكر في صدق لقال: ما خلقها الله إلا لحكمة، ولم يخلقها لهواً، ولا عبثاً، وإنما خلقها من أجل أن يعبد فيها، ويجزي العابدين بالدار الثانية بعد نهاية الأولى.

    أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [الروم:8] ليس بالعبث.

    فهل هناك من يبني داراً ثم يهدمه؟

    وهل هناك من يخيط ثوباً ثم يمزقه؟

    وهل هناك من يعد طعاماً ثم يرميه إلى المزبلة؟

    أيعقل هذا؟ لا.

    إذاً: فكيف يعقل أن يخلق هذه العوالم لا لشيء .. عبث فقط، ولهو؟ أعوذ بالله.

    لم لا يتفكرون؟

    وهنا لطيفة ذكرها أهل العلم، قال صاحبها: العلة في عدم الإيمان بيوم القيامة: أنهم لا يفكرون. أي: لا يعملون خواطرهم في النظر والتأمل.

    هذا هو سر عدم إيمانهم؛ إذ لو نسب المفكرون إلى غيرهم -من غير المفكرين- لما كانت النسبة واحداً إلى مليون.

    قال شاعرهم:

    ولم أر كالرجال تفاوتاً لدى الفكر حتى عد ألف بواحد

    (لم أر كالرجال تفاوتاً) في ماذا؟ في الفكر. (لدى الفكر حتى عد ألف بواحد) وهو كذلك فهم لا يفكرون.

    هل هؤلاء الذين يطيرون في السماء، لا يسألون من أوجد هذه السماء؟ ولم أوجدها؟

    وهل الذين يغوصون في البحر لا يسألون: لم هذا الماء؟

    والذين يزرعون، يحصدون، الذين.. الذين.. لم لا يفكرون؟ محجوبون، لا يفكرون أبداً، لا إله إلا الله! فلهذا المفكرون نسبتهم إلى الغافلين واحد إلى مليون، فسبحان الله!

    أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ [الروم:8] في داخل قلوبهم.

    في ماذا يتفكرون؟ قال تعالى: مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [الروم:8] فقط، أي: من أجل أن يذكروا ويشكروا، ومن أجل أن يعبدوا الله، من أجل أن يجزي العاملين العابدين في الدار الآخرة بالنعيم المقيم، وجواره الكريم.

    وقوله: وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم:8] ما خلق هذا الكون إلا بالحق، لا بالباطل، ومن أجل وقت محدد، فسيأتي يوم لا شمس فيها ولا قمر، ولا سماء ولا أرض، ولا إنسان ولا جان، بل الفناء الكامل، والانتقال إلى الحياة الخالدة الباقية.

    وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم:8] وقت محدد، تقوم فيه القيامة، وتنتهي هذه الحياة بكاملها.

    وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم:8] إي والله. هذا الخبر من أخبر به؟ الله جل جلاله، وعظم سلطانه.

    واسمع يا أبا جهل ويا عقبة بن أبي معيط ويا أهل مكة! اسمعوا ما يقول تعالى: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم:8] لا يريدون أن يلقوه فكذبوا.

    وقد بينا السر وقلنا: الذي يفكر أدنى تفكير يؤمن بالدار الآخرة ولقاء الله، ولكن لا يريدون أن يفكروا حتى لا ينتهوا عن الباطل، والشر، والشرك، والكفر، والفساد.

    والآن الفلاسفة والعلماء والحكماء في العالم معرضون عن الإيمان بالله ولقائه؛ من أجل البقاء على فسقهم وفجورهم، وتعاطيهم المحرمات، وعيشهم على هذا الباطل والشر؛ لأنهم إذا آمنوا وقالوا: آمنا. تركوا المحرمات، واستقاموا ووقفوا موقف المؤمنين، فلا يأكلون إلا ما أذن لهم في أكله، ولا يشربون إلا ما أذن في شربه، ولا.. ولا..، ويصبحون عباداً لله مستقيمين، ولكن لا يريدون أن يفكروا، فلا يقولون: لا إله إلا الله، ويقولون: لا بعث، ولا جزاء.

    هكذا يقول تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ [الروم:8] ماذا؟ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم:8] أيضاً لا تبقى ولا تخرج هذه الكائنات وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ [الروم:8] خالقهم ورازقهم رَبِّهِمْ [الروم:8] مالكهم لَكَافِرُونَ [الروم:8] لا يريدون أن يتلفظوا باسم الله، ولا يؤمنون بأنهم سيقفون بين يدي الله، وسيسألهم، ويستنطقهم ثم يجزيهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم...)

    ثم قال تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الروم:9].

    أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ [الروم:9] هؤلاء الملاحدة، والعلمانيون، والمشركون والكافرون، والمكذبون بالدار الآخرة والجزاء ألم يسيروا في الأرض؟!

    فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الروم:9] العرب والمشركون يتجهون جنوباً، ويقفون على ديار عاد، ويشاهدون آثارها، ويتجهون شمالاً إلى مدائن صالح، ويشاهدون آثارها، وما حل بها.

    لم لا يسيرون في الأرض؟!

    فلهذا هنا مشروعية المشي في الأرض، والسير من أجل الانتفاع بذلك، لا من أجل أكل الحرام وترك الصلاة، والعياذ بالله تعالى.

    إذاً: مشروعية السير في الأرض للعبرة، والاعتبار والانتفاع، أما أن يكون السير في الأرض للهو واللعب، فهذا حرام ولا يجوز.

    أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الروم:9] مع أنهم كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا [الروم:9] سبحان الله العظيم! عجب هذا الكلام.

    فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الروم:9] أما كانت دماراً وخساراً وهلاكاً وموتاً؟

    كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [الروم:9] بدنية، وصناعية.

    وَأَثَارُوا الأَرْضَ [الروم:9] بالزراعة، والفلاحة، والصناعة.

    وَعَمَرُوهَا [الروم:9] مئات السنين.

    أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا [الروم:9] هؤلاء المشركين بمكة.

    وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [الروم:9] هود، وصالح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام.

    فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ [الروم:9] حاشا لله أن يظلمهم، فقد كذبوا وكفروا فأبادهم الله وأهلكهم، وسوف يفعل بالمشركين هكذا.

    وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الروم:9] فتفطنوا أيها المشركون في مكة!

    هذه الآيات تهزهم هزاً، تحرك عواطفهم: لم لا يفكرون؟ هذا الخطاب موجه إليهم : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الروم:9] صارت دماراً وهلاكاً كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ [الروم:9] بالزراعة، والصناعة وَعَمَرُوهَا [الروم:9] مئات السنين أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [الروم:9] فكذبوا فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ [الروم:9] فأهلكهم وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الروم:9] كذبوا فأهلكهم الله، وما ظلمهم الله بل كانوا أنفسهم يظلمون.

    يا ليت البشرية تعي هذا وتفهمه! يا ليت يبلغ هذا الكلام من يبلغه!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى...)

    ثم قال تعالى: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون [الروم:10].

    ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى [الروم:10] خبر هذا ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ [الروم:10] ونهاية الَّذِينَ أَسَاءُوا [الروم:10] بالكفر والشرك، والذنوب، والمعاصي، والتكذيب لرسل الله، والخروج عن طاعة الله.

    ما هي العاقبة؟ السُّوأَى [الروم:10] أشد الألم وأعظمه ألا وهو جهنم، والعياذ بالله تعالى.

    ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا [الروم:10] ماذا أساءوا؟ تركوا عبادة الله، فسقوا عن أمر الله، خرجوا عن طاعته، ظلموا البشرية، اعتدوا على الناس، أساءوا إلى نفوسهم بالشرك، والذنوب، والآثام.

    فما هي عاقبة الذين أساءوا إذاً؟ قال تعالى: السُّوأَى [الروم:10].

    وما هي السُّوأَى [الروم:10]؟ جهنم، النار، العذاب، والعياذ بالله تعالى.

    كانت عاقبتهم جهنم، والذي يموت الآن عاقبته إذا كان فاسقاً فاجراً السُّوأَى [الروم:10] جهنم، روحه في النار.

    ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا [الروم:10] ما معنى أساءوا؟ عملوا السيئات، ما عبدوا الله عز وجل، ولا أطاعوه، ولا أطاعوا رسوله، فذنوبهم كلها سوء وسيئات و عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا [الروم:10] ما هي؟ السُّوأَى [الروم:10].

    وهنا قراءتان سبعيتان: قراءة نافع برفع (عاقبة) وحفص بنصبها.

    إن قلت: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا [الروم:10] بنصب (عاقبة) جعلتها خبر كان، و(السوأى) اسمها، ويجوز أن يكون (أن كذبوا) اسمها، و(السوأى) مفعول لأساءوا. ومن رفع (عاقبة) جعلها اسم كان، و(السوأى) خبرها، و(أن كذبوا) مفعول لأجله.

    ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى [الروم:10] ما هذه العاقبة؟ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا [الروم:10] أي: بآيات الله يَسْتَهْزِئُون [الروم:10] يسخرون، ويهزءون، ويضحكون، ولهذا الاستهزاء بآيات الله كفر، ومن استهزأ بآية من كتاب الله خرج من ملة الإسلام، والله ما هو بمسلم، ومن استهزأ برسول الله أو رسل الله فقد خرج عن الإسلام، وهو كافر، والعياذ بالله تعالى، ونبرأ إلى الله من ذلك.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات: من هداية هذه الآيات:

    أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة العقلية المثبتة لها ].

    (تقرير عقيدة البعث والجزاء)، أي: الإيمان بالدار الآخرة بالأدلة العقلية التي سمعتموها: أَوَ لَمْ يَسِيرُوا [غافر:21] فهذه عقليات، فتقرير عقيدة البعث والجزاء في هذه الآيات بالأدلة العقلية التي يرشد إليها العقل.

    [ ثانياً: كفر أكثر الناس بالبعث مع كثرة الأدلة وقوتها ] وهذه حقيقة مسلمة، لا ينكرها ذو عقل أبداً، وهي أن أكثر الناس كافرون بالبعث الآخر، دائماً وأبداً.

    وما هو سر ذلك؟ لأنهم إذا آمنوا بالبعث الآخر والجزاء حاسبوا أنفسهم، فلم يبق ظلم، ولا حسد، ولا شر، ولا كفر، ولا فجور، فالمؤمنون بلقاء الله لا يستطيعون أبداً أن يواجهوا الله بالفسق والفجور، ولا يقدرون.

    إذاً: فهم ينفون البعث الآخر، والدار الآخرة من أجل أن يبقوا على شركهم، وفسقهم، وفجورهم، ولا يريدون الإسلام، ولا الاستقامة على الحق.

    فهمتم هذه؟ والله العظيم إنها هذه، وليس أنهم قالوا: مستحيل.

    كيف يقولون: مستحيل؟ من أوجد هذا العالم؟ هل يوجد غير الله؟!

    من أوجد الصين؟ من أوجد الأمريكان؟

    من أوجد السماء؟ من أوجد الأرض؟

    كيف ينفون وجود الله، وخلقه، والبعث الآخر؟

    بأدنى تفكير فقط يقولون: آمنا بالله! لكنهم لا يريدون أن يفكروا أبداً، ولا يفكر إلا واحد في المليون؛ حتى لا يؤمنوا ويهتدوا.

    [ ثالثاً: مشروعية السير في الأرض للاعتبار مع اشتراط عدم حصول إثم في ذلك بترك واجب أو بفعل محرم ].

    دلت الآية على مشروعية السير في الأرض للاعتبار والعظة، فهيا نمش لنشاهد ديار عاد.. هيا نمش إلى ثمود لنشاهد ديار صالح إذا كان بقصد العبرة والبكاء نعم، فالعبرة عظيمة!

    منازل أصابها خراب -مثلاً- ودمار نمر بها للعظة والعبرة وهكذا.. أما من أجل اللهو والباطل فلا يصلح السفر في هذه الحالة.

    [ رابعاً: بيان جزاء الله العادل في أن عاقبة الإساءة السوأى ]. عدل الله بين عباده في معاقبة أهل السوء، وجزائهم بالسوأى، نعوذ بالله من السوأى ومن السيئات.

    [ خامساً: كفر الاستهزاء بالشرع، وأحكامه، والقرآن، وآياته ].

    تقرر الآيات كفر من يستهزئ بآيات الله .. من استهزأ بآية واحدة فقد كفر، ومن يستهزئ بشرع الله .. يستهزئ بالوضوء أو بالغسل، أو يسخر من الحجاب، أو يسخر من كذا.. والله كفر.

    والآن الذين يسخرون من الحجاب، ملايين المسلمين يكفرون!

    أيشرع الله شرعاً ويبينه وينزل به كتابه ويبينه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أنت تسخر منه وتستهزئ، وتقول: ما هذا؟!

    والله لكافر، ولا ينفع أنه يقول: أنا مؤمن، إلا إذا أنقذه الله عند الموت وقال: لا إله إلا الله، ومات على ذلك.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756238896