إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (27)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ركنان أصيلان من أركان الإيمان ينبثق عنهما بقية الأركان هما: الإيمان بالله واليوم الآخر، فمن آمن بهما حق الإيمان وأتبعهما العمل الصالح استحق الأمن والفرح، هذه قاعدة عامة من لدن آدم إلى قيام الساعة، بما في ذلك اليهود، الذين كثيراً ما يراوغون، ويردّون أوامر الله، وينقضون مواثيقه، بل من عجيب أمرهم أن الله رفع فوقهم جبل الطور ليعملو بما في التوراة فخروا خاضعين، ثم ما لبثوا أن ارتدوا على أدبارهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطعِ الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:62-64] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني الكريم.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

    اذكروا أن هذه الآيات تنزل واليهود من سكان المدينة، واليهود -كما عرفتم- شعب يقال لهم: بنو إسرائيل، ثم عرفوا باليهود، وهؤلاء بينهم علماء من ذوي العلم والمعرفة؛ لأنهم أهل كتاب، ولكن حبهم العاجلة، ورغبتهم في الدنيا، وتطلعهم إلى الحكم والسيطرة والسيادة صرفهم صرفاً كاملاً عن الإسلام، ورضوا بالنار من أجل أن يصلوا إلى هدفهم الذي لن يصلوا إليه بإذن الله.

    وهذه السورة مدنية من أوائل ما نزل بالمدينة، فبدأت تذكرهم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:40]، اذكروا عهودكم لله ومواثيقه، ويستعرض عليهم ما كان عليه أسلافهم قروناً متعددة؛ من أجل هدايتهم .. من أجل رحمتهم والإحسان إليهم.

    وقد تقدم لنا الكثير وهو يقول لهم: اذكروا كذا .. اذكر يا رسولنا لهم كذا.

    وآخر ما ذكرهم به هو قوله تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [البقرة:61] فهذا الموقف في الحقيقة يجعلهم ييأسون من رحمة الله بما سجل الله تعالى عليهم: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ فلا تفارقهم وَالْمَسْكَنَةُ كالقبة عليهم لا يخرجون منها؛ بسبب كفرهم بآيات الله .. قتلهم للأنبياء .. عصيان، وتمرد، وخروج عن طاعة الله بلا حد.

    ومعنى هذا -كما قدمت لكم- أنه أيأسهم من الخير بالكلية حسب الخطاب الإلهي، لكن رحمة الله واسعة، والله غفور رحيم، والله تواب رحيم، فاسمعوا ماذا قال، وهو فتح لباب الرجاء لهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]. فلا تقنطوا ولا تيأسوا، آمنوا واعملوا الصالحات فينتفي عنكم الخوف، ويحق لكم الأمن، ويذهب الحزن، ويحل محله السرور والفرح، نِعمَ الباب فتحه الرحمن.

    المسلمون هم أهل الإيمان الحق

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:62]، وهم نحن إن شاء الله، فالذين آمنوا إيمان حق وصدق، لا إيمان نفاق وكذب .. آمنوا الإيمان المطلوب، الذي هو تصديق الله تعالى، وتصديق رسوله في كل ما أخبرا به، سواء كان مما تدركه العقول أو تعجز دونه العقول، وسواء أخبر الرحمن بخبر في الملكوت الأعلى أو الأسفل، في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، أو أخبر رسولُه صلى الله عليه وسلم وصح الخبر؛ لأن أخبار الله في القرآن لا يعتريها النقص ولا الزيادة، إلا أن أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ما هي إلا روايات تروى وأحاديث تؤثر، فلابد وأن يصح الخبر.

    فإذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال كذا، فمن كذبه كفر.

    لكن إذا كان الحديث ضعيفاً أو له احتمالات أخرى فلا يكفر، وإن كنا لا نرضى له هذا الموقف، ما دام قد بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يحمل على محمل الكفر؛ لأن الروايات فيها ما يقبل وفيها ما يرد كما تعلمون.

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:62]، وهم المسلمون بحق وصدق.

    سبب تسمية اليهود بهذا الاسم

    (( وَالَّذِينَ هَادُوا ))[البقرة:62]، وهم اليهود. لِم قيل فيهم: (هادوا) وقيل فيهم: اليهود؟ إما أن يكون الاسم مشتقاً من يهوذا بن يعقوب عليه السلام، يهوذا أخو يوسف وابن يامين، فأسقطوا النقطة عن الذال فأصبح دالاً: يهود، لكن الأصح أنه مأخوذ من قولهم: (هدنا إليك) من هاد يهود إذا عاد ورجع وتاب، وهم بالفعل في حادثة العجل في سورة الأعراف، جاء قول الله تعالى عنهم: (( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا .. ))[الأعراف:156] الآيات، (هُدْنَا) أي: رجعنا، فهذا الأصل في كلمة (يهود). (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا )) أي: رجعوا إلى الله وتابوا، وهو يعني اليهود.

    سبب تسمية النصارى بهذا الاسم

    (( وَالنَّصَارَى )) والنصارى هم المسيحيون إن صح التعبير؛ لأنهم ينتسبون إليه، أو الصليبيون كما هو حالهم، والصلبان في أعناقهم.

    هؤلاء هم النصارى. لكن من أين اشتق هذا اللفظ؟

    أقرب ما نقول: إنها من قرية الناصرة التي ولد فيها عيسى عليه السلام، إذ كانت بها والدته مريم عليها السلام، أو من النصر، أو المناصرة، فالكل جائز، والعبرة ليست بالاشتقاق، العبرة أن نعرف من هم النصارى، ألا هم الصليبيون؛ المسيحيون؛ الذين عبدوا عيسى عليه السلام وألّهوه، وجعلوه ثالث ثلاثة، سواء كانوا عرباً أو عجماً، بيضاً أو سوداً.

    التعريف بالصابئين

    (والصابين) هكذا قراءة ورش عن نافع، بإسقاط الهمزة: (والصابين)، ومن همز قال: (وَالصَّابِئِينَ)، والعرب تقول: صبأ فلان إذ مال عن دينه ودين آبائه وأجداده إلى دين محمد .. إلى لا إله إلا الله، يقولون فيهم: صابئة.

    والصابئة: فرقة من الناس كانت ديارهم بأرض الموصل، وهم ليسوا بيهود ولا بنصارى، يقولون: لا إله إلا الله، ولم يتابعوا المسلمين، ولا اليهود، ولا النصارى. هؤلاء هم الصابئة، وهم الصابئون والصابون.

    عظم منزلة الإيمان بالله واليوم الآخر

    وهؤلاء الفرق أهل الأديان: المسلمون واليهود والنصارى والصابئون، يقول تعالى -واسمع الخبر-: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:62]، كيف يؤمن بالله واليوم الآخر؟ يؤمن بوجود الله رباً وإلهاً، فلا رب غيره، ولا معبود سواه، بيده ملكوت كل شيء، وإليه المصير، المعبود بحق، الذي هو رب السماوات والأرض وما بينهما، رب العالمين، رب موسى وهارون، ورب عيسى ومحمد وعامة المرسلين، من آمن منهم بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه. ولازم هذا أنهم انقادوا ومشوا في سبيل مرضات الله عز وجل. وهذه القضية أصبحت عندنا من الضروريات أن الإيمان بمثابة الروح، فإذا حل الإيمان في القلب اندفع العبد، فيمكن أن يغض بصره .. أن يسد سمعه .. أن يكف لسانه .. أن يمنع يده .. أن يوقف رجله لوجود طاقة عنده، فإن لم يكن مؤمناً أو إيمانه ضئيل وضعيف لا قيمة له، فلا يستطيع حتى كلمة الحق أن يقولها.

    مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:62] وهل هناك يوم أول ثم يوم آخر؟ نعم، الحياة الدنيا هي الأولى، والآخرة هي القيامة، اليوم الآخر الذي تنتهي فيه هذه الحياة، وتبتدئ حياة جديدة حياة الخلد والبقاء الأبدي، وهذه كالدورة فقط يقضيها الناس، وينتهون إلى دارهم الخالدة الباقية، إذ شاء الخلاق العليم هذا، فأوجدنا على سطح هذه الأرض مؤقتاً، ولما تنقضي الساعة والأجل يتحلل الكون، ويتبخر كل ما فيه، ويعود سديماً وبخاراً، وإذا بنا في العالم الثاني؛ اليوم الآخر، تمر السنة والشهر والأسبوع، ويوم بعد يوم، ويأتي يوم آخر، يوم ليس بعده يوم.

    والذين يؤمنون باليوم الآخر، هذا الجزء هو داخل في الإيمان، وأركان الإيمان ستة، هي: الإيمان بالله، وبملائكته، وبكتبه، وبرسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ولكن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر هما الطاقة القوية القادرة على أن تدفع بالإنسان حيث يموت في سبيل الله.

    فالذي يضعف إيمانه بالله يضعف عمله، والذي يضعف إيمانه باليوم الآخر يضعف عمله أكثر، ولا يقوى على أن يصلي ركعة لله؛ لأنه آيس من جزاء يتلقاه ويعطاه بعد نهاية الحياة، فهو لا يؤمن بنهايتها؛ ولهذا عندما تتتبّع القرآن تجد: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، في النساء .. في الحيض: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228].

    يا معشر المستمعين والمستمعات! قووا إيمانكم بالله وبلقائه، أي: باليوم الآخر، فإذا حصل ضعف أو فتور في الركنين حبست يا ولدي، ولم تستطع أن تتحرك، فقوِ إيمانك بالله واليوم الآخر.

    وحسبنا أن الله اشترط للأمن والسرور والفرح هذا الشرط: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .

    حقيقة العمل الصالح وشروطه

    وَعَمِلَ صَالِحًا [البقرة:62] وعمل عملاً صالحاً.

    وقد عرف أهل الدرس -زادهم الله معرفة- أن العمل الصالح هو الذي أمر الله بفعله، أو أمر رسوله بفعله، وأن يفعله عبد الله ولا يريد به إلا وجه الله، وهو ما يعرف بالإخلاص، أي: أن لا يلتفت إلى شيء وهو يؤدي ذلك العمل لله.

    ثانياً: أن يفعله حسب التعليم الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا لن يكون صالحاً.

    أعيد ما قد ينساه الناسون وهو أن العمل الصالح المزكي للنفس .. المطهر للروح .. المنتج للخيرات والبركات، هذا العمل أولاً: أن يكون قد شرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والدليل: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، هذا الحديث ربع الشريعة أو ثلثها ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: مردود على صاحبه، فلو قام الليل كله في عبادة لم يشرعها الله لن يُجزَ بها أبداً خيراً، ولو أنفق كل ماله في غير ما أذن الله واستحب وشرع -والله- لن يستفيد شيئاً، ولهذا نجانا الله من البدع، فأهل البدع ينفقون الأموال، ويقضون الساعات بله الأيام والليالي ويخرجون بلا شيء، ولا حسنة، لِم؟ لأن ما عملوه ليس عملاً صالحاً، فما شرعه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) ما شرعناه، فهو رد على فاعله، سواء كان من أعمال القلوب أو الألسن أو الجوارح، كالجماعة الذين يجلسون في مجلس طيب مبارك! ويذكرون الله: (هو .. هو .. هو .. هو .. هو .. هو) ساعات.

    وقد حدث مرة في فرنسا أن الجيران الفرنسيين استدعوا الشرطة قالوا: ما الذي أصاب هذا الجار؛ لأنهم جالسين على سقف خشب ويضربون (هو.. هو.. هو) تهولت الدنيا، كالذين يذكرون: (الله .. الله .. الله .. الله .. الله .. الله) ساعتين أو ثلاثاً أو أربعاً.

    هل الله عز وجل شرع هذا الذكر؟!

    هل الرسول صلى الله عليه وسلم علمه أمته؟ بينه لزوجاته وبناته؟ علمه أصحابه؟ من أين لكم أنتم؟ فقط لأن فيه روحانية ولذة: (الله .. الله .. الله .. الله) فلا يعطون ولا حسنة.

    أصحاب الموالد .. الذبائح .. الأموال .. قناطير السكر، وأكياس الشاي، يظنون أنهم يثابون، ولا حسنة واحدة أبداً، سواء كان مولد سيد الخلق أو مولد سيد البدوي لا فرق بينها، كلها واحدة؛ لأن الله ما شرع الموالد.

    نعم. من ولد له ولد ذكر أو أنثى وفي اليوم السابع يذبح لله عز وجل؛ شكراً له على نعمة الولد، نعم، يثاب. على البنت شاة، وعلى الذكر شاتان، هناك من يقول: لا ينفع؟ ممكن يقولها عاقل؟ هذا تشريع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا المولد مشروع، أما بعد أن تمضي أربعون سنة ويقال: ذكرى مولد والدتي؛ لأنهم بيت غنى، فلا.

    الشاهد عندنا: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    اسمعوا أغلظ لكم: لا يجوز لمسلم جالس الآن أو مسلمة يقوم من هذا المكان ولا يحفظ هذا الحديث، فقد تساهلنا كثيراً وضاع العلم، وكيف لا تحفظ هذه الكلمة، قلها بالبربرية .. بالإنجليزية، علمها أهلك: الرسول الكريم نبينا صلى الله عليه وسلم يقول لنا: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) تعجز عن هذه الكلمة، إذاً: كيف تعيش؟ لِم تعرف اللحم؟ والخبز كم يساوي؟!

    ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) إن قلت: ما فهمت معنى (ليس عليه أمرنا)؟ أي: ما أمرنا به، ولا دعونا إليه، ولا رغبنا فيه، ولا بيناه للناس، فهو بدعة، يعني: ابتدعت واخترعت.

    ما فهمت معنى ردّ! ما تفهم معنى ردّ! أي: مردود على وجهك، لا يقبل. أغلظت لكم أو لا؟

    والله إنها لخير لك من خمسين ألف ريال، يا من كنت لا تحفظ وقد حفظته، والله إنه أفضل من خمسين ألف ريال. هذا نور، ومن يوم أن عرفنا هذا الحديث لا يستطيع أحد يروج علينا بدعة أبداً، كيفما كانت ننفر منها ونهرب: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، اضرب به وجهه، لا تدعُني إلى باطل.

    نريد عملاً يزكي نفوسنا .. يطهر أرواحنا .. يوجد مادة النور في قلوبنا.

    ثانياً: أن تفعله كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تزد ولا تنقص، فإن زدت أو نقصت فيه بطل مفعوله وفسد، ولا تقدم ولا تؤخر، فإن قدمت أو أخرت أجزاءه بطل مفعوله ولا ينتج.

    وعندنا مثالان مركبات الكيمياويات: حبة الآسبرين كم جراماً فيها؟ خمسة جرامات، يقول الطيب: هذه اشربها بعد الأكل، فأنت قمت تقسمها على خمسة أقسام أو ستة وتأخذ جزءاً منها فقط، ينفع؟ لا ينفع. تقول: ماذا حبة، تأخذ عشر حبات مع بعضها البعض، ينفع أو يقتل؟ هذا مثال.

    أما المثال العملي: صلاة المغرب كم ركعة؟ ثلاث ركعات، فلو قمنا ونحن مسلمون، مؤمنون، وصالحون، هيا نصلي المغرب خمساً الليلة لله، وصلينا خمس ركعات، هل يوجد تحت السماء من يقول: صلاتكم صحيحة؟! لماذا نحن كفرنا .. أشركنا .. كذبنا رسول الله، ما هو ذنبنا؟ الفقيه يقول: لا، صلاتكم باطلة، بمعنى: لا تنتج لكم الحسنات، وما ولدت شيئاً؛ لأن مفعولها بطل لفسادها، ومن أين أتاها الفساد؟ من الزيادة، زدنا ركعتين.

    النقصان من دين الله كالزيادة فيه

    والنقصان كالزيادة، فلو قلنا: يا جماعة! نحن الآن في تعب وإعياء هيا نصلي المغرب ركعتين فقط، ونحن مسلمون، ربي ليس في حاجة إلى هذا الركوع والسجود، وصلينا ركعتين، هل يفتينا فقيه تحت السماء في الشرق والغرب بأن صلاتنا صحيحة، فيقول: صحيحة؟ والله لا يوجد من يقول ذلك.

    إذاً: الزيادة كالنقصان؛ لأنها مركبات أدق من الكيمياويات؛ لأنها وضعت لتنتج النور .. لتولد الكهرباء، ليست قضية هينة، أمن السهولة واليسر أن تولد أنت الكهرباء بدون أجهزتها وأدواتها؟ اضرب بعصاك وولّد!

    فهذه العبادة لتوليد النور، فإن لم تكن مما شرع الله والله لن تولدها، فإن لم تأتِ بها كما هي في صفتها .. في كميتها، والله لا تولده.

    العمل الصالح هو ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وراعى فيه فاعله الإخلاص، فإن أشرك بطل، وإن التفت إلى غير الله يريد أن يريه عمله ليثني عليه، أو يشكره، أو يجزيه به خيراً، أو يدفع عنه المذمة بطل العمل، واقرءوا: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ماذا؟ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. والرسول يقول: ( إياكم والشرك الأصغر. قالوا: يا رسول الله! ما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء )، كأن يتصدق الرجل صدقة لله، ويريد أن يسمع بها الناس ويروها. يدخل في الصلاة يحسنها .. ينمقها .. يزينها حتى يقال: فلان يحسن الصلاة، هذا هو الرياء، وهو يبطل العمل.

    فلا يقبل الله تعالى إلا ما كان لوجهه خاصة، فإن التفت إلى غير الله فاطلب الأجر من غير الله.

    ضرورة التقيد بزمان العبادة ومكانها

    أرأيتم لو صلينا العشاء الليلة، وقال خادم الحرمين -أطال الله عمره-: غداً أهوال، صلوا الصبح حتى ما ترجعوا الليلة من بيوتكم. وصلينا الصبح بعد صلاة العشاء، هل يوجد تحت السماء من يقول: صلاتكم صحيحة؟

    يا شيخ! ما فعلنا إلا الطاعة؟ أبداً، صلينا لله، الله ليس في حاجة إلى الزمان ولا المكان، صلاتنا ما بها؟

    الجواب: صلاتكم باطلة، وما معنى باطلة؟ لا أجر فيها، ولا ثواب عليها؛ لأن مولاها ما قبلها، والعلم عندكم؛ لأنها لا تزكي النفس، ولا تولد الطاقة النورانية؛ لاختلالها، وهذا هو سرها.

    الآن عرفتم ما هو العمل الصالح؟

    رقص! شطح! أضاحيك! ألاعيب! بدع وضلالات!

    العمل الصالح: هو ما شرعه الله لعباده لتزكية أنفسهم وتطهير أرواحهم ليقبلهم في جواره؛ لأن الله يحب المتطهرين، وهذه الطهارة لن تتم إلا على تلك العبادات التي شرعها الله وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في الكيفية والعدد، والزمان، والمكان.

    ومثلنا غير ما مرة: لو عزمنا هذا العام أن نقف بأحد، وجبل أحد جبل عظيم، قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أحد جبل يحبنا ونحبه )، فلما جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نهاية معركة أحد اضطرب، ماذا؟ قال: ( اسكن أحد ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان )، فنادى الجبل: اسكن يا أحد، لم تضطرب؟ ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وسكن، قلنا: هذا العام الوقفة في أحد. هل يقال: هؤلاء حجوا؟ لأن الوقفة تكون بعرفة. قلنا: هذا العام ننقلها إلى المدينة، فهي حرم، ومكان مقدس. والله ما حجوا أبداً، ولن يحدث هذا الوقوف في نفوسهم أقل من جرام نور.

    لابد من المكان أو لا؟

    ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة والمجزرة وقارعة الطريق ومعاطن الإبل )، فلو صلينا حيث نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم تصح الصلاة في المقبرة، والمجزرة، ومعاطن الإبل، وقارعة الطريق. وقارعة الطريق حيث يقرع الناس الأرض بأرجلهم، أي: ممر الناس، فأنت تأتي وسط الطريق: الله أكبر، تصلي، والناس يقفون من هنا وهنا، ينتظرونك، آذيت المؤمنين، كيف يجوز لك هذا، صلاتك باطلة.

    والذي يصلي في معاطن الإبل، إذا هاج البعير ورفع رأسه وضربه برجله، فتدخل تصلي وأنت خائف ما تدري تتمها أو لا؟ لا يجوز.

    والشاهد عندنا: إذا راعى الشارع المكان فلابد من ذلك وإلا بطلت العبادة.

    الزمان، لو أردنا أن نقدم رمضان فنصومه في شعبان لظروف خاصة، وأعلنا: العام المقبل أيها المسلمون! الصيام في شعبان، إما لحر شديد يواجهنا، أو لكذا، وصمنا ثلاثين يوماً باسم الله، بإذن الله نيابة عن رمضان، هل في من يقول: صح صيامكم؟ والله لا يوجد واحد، قط، لِم؟ ماذا فعلنا؟ الزمان غير الزمان.

    إذاً: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا [البقرة:62]، هل عرفتم العمل الصالح؟ العمل الصالح يكون إذا توفرت فيه تلك الشروط.

    عاقبة أهل الإيمان والعمل الصالح من أهل الأديان

    قال تعالى: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة:62]، فهو الذي يتولى الجزاء، وأجرهم: مثوبتهم مقابل عملهم عند ربهم، مذخور لهم ومخبأ، فيعطيهم منه في الدنيا، ويعطيهم كاملاً في الآخرة.

    فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، إذاً: انتفى الخوف ماذا يكون بعده؟ الأمن، وإذا انتفى الحزن ماذا يكون بعده؟ السرور.

    إذاً: آمن ومسرور، هذه هي السعادة. السعادة أمن وسرور .. السعادة أمن وفرح، فرح وخوف ما هي بسعادة .. أمن وحزن ما هي بسعادة، أمن وسرور وفرح: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62].

    وهذا بيان الله عز وجل لكل البشرية، فمن أراد أن يأمن من عذاب الله، وأن يفرح بلقاء الله في دار السلام فعليه أن يؤمن حق الإيمان ويعمل صالحاً.

    وما السر في هذا؟ لأن الإيمان يدفع إلى العمل الصالح ويقويه، والعمل الصالح يزكي النفس ويطهرها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

    وعاد السياق إلى اليهود، بعدما أزال ذلك الهم من نفوسهم، وقال: لا تيأسوا، لا تقنطوا، أنتم كغيركم، اسمعوا خبر الله: من آمن من اليهود .. من النصارى .. من المجوس .. من المسلمين وعمل صالحاً فلا خوف ولا حزن، والأجر مذخور لهم عند الله يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ...)

    ثم واجههم فقال: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:63]، اذكروا يا بني إسرائيل، اذكر يا رسولنا لهم، إذ أخذنا ميثاقكم، والميثاق هو العهد المؤكد الموثق، كما توثق الشاة بالحبل، توثقها: تربطها بحبل.

    إذاً: أخذ ميثاقهم، أين هذا الميثاق؟

    وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة:63]، اذكروا الوقت الذي جئتم مع نبي الله موسى واجتمعتم، وطلب إليكم أن تحملوا التوراة، وتتحملوها، ليأخذ عليكم عهداً وميثاقاً أن تقرءوها وتفهموها وتعملوا بما فيها.

    فهؤلاء اجتمعوا وموسى هو الذي جمعهم عليه السلام ليأخذ منهم عهداً على أن يعملوا بالتوراة، أولاً: يقرءونها .. يفهمونها .. يعملون بما فيها، من سورة الأعراف قال تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ [الأعراف:171].

    إذاً: ذكرهم بهذه الحادثة، ومع الأسف لما قال: هذا هو كتاب الله .. هذا هو التوراة، تعهدوا أن تقرءوا وتفهموا وتعملوا بما فيه، قالوا: لا نستطيع.

    أنت تعرف ظروفنا وأحوالنا والدنيا وأتعابها، كيف نلتزم، ما نستطيع.

    يا عباد الله! أعطوا عهداً لربكم، هذا هو كتاب هدايتكم .. كمالكم وإصلاحكم وسعادتكم، التزموا بعهد منكم. قالوا: لا نقدر.

    يا شيخ! لو عرض هذا على المسلمين اليوم يقولون: نقدر؟!

    حتى لا تفهموا فهماً بعيداً، الآن يعرض على المسلمين العودة إلى الإسلام، ما استطاعوا، قالوا: ما نقدر، هذه الظروف وكذا والأحوال، كيف نقص اليد، وكيف نعمل و.. كيف نجتمع للصلاة كلنا ونغلق أبوابنا؟!

    هل هذا واقع أو لا؟!

    طالبناهم فقط بما بين المغرب والعشاء، إذا مالت الشمس إلى الغروب وقف دولاب العمل، فأغلقت الدكاكين والمتاجر .. المزارع .. المصانع.

    إلى أين؟ إلى بيت الرب وليس بيت الحاكم.. إلى بيت الله بأطفالنا ونسائنا، ونجتمع من المغرب إلى العشاء كاجتماعنا هذا، ليلة آية وليلة حديثاً، أي: مع الله ورسوله، طول العام، فهل يبقى بيننا جاهل أو جاهلة؟ والله ما كان.

    أما النتائج فلا تستطيع أن تقدرها، فيختفي الظلم، والشر، والخبث، والفساد، والفقر، والبلاء والإسراف، كلها تنتهي؛ لعلمنا أن العالم العارف بربه لا يفجر .. لا يشهد شهادة الزور .. لا يزني بامرأة مؤمن .. لا يفسد عليه عبده، هذا أمر مسلم به.

    هل قالوا: نستطيع؟ دلوني، عام كامل ونحن نصرخ، فما استطاع أهل حي من أحياء المدينة أو أهل قرية أن يجتمعوا.

    عرفتم: أن بني إسرائيل لما قالوا: لا نستطيع يا كليم الله، فأمورنا ودنيانا وأشغالنا ... كيف نلتزم؟ ونخاف إذا التزمنا وخنّا يهلكنا الله ويعذبنا.

    فماذا فعل الله؟ ما كان من الله تعالى إلا أن نقض الجبل من أسفل ورفعه كالسحابة السوداء على رءوسهم: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ [الأعراف:171]، هل هو جبل الطور أو جبل آخر، هذا كله جائز، والمهم جبل نتقه الله من أسفل، وارتفع كالظلة على رءوسهم، والآن تأخذون أو لا؟ قالوا: نأخذ، وسجدوا سجدتهم، الآن في البِيع كيف يسجدون؟ اليهود لا يسجدون كما نسجد، يسجدون على خدودهم؛ لأن هذه السجدة نجاهم الله بها، لأنهم من الخوف ينظرون الجبل فوق وهم ساجدون، وإلى الآن يسجدون هكذا، فلما ارتفع، والآن تأخذون؟ قالوا: نأخذ، نطبق، ونقرأ، ونعمل بما فيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم توليتم من بعد ذلك ...)

    هل وفوا؟ قال تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [البقرة:64] أي: رجعتم لما كنتم تقولونه قبل العهد، فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [البقرة:64].

    قلت لكم: عرفتم هذه الحادثة، ذكرها تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف:171]، هل تم هذا؟ وبعد ذلك هل اجتمعوا على التوراة فدرسوها .. قرءوها .. عملوا بما فيها كما هو حال المسلمين؟ ولا فرق، فنحن واليهود على حد سواء، فلهذا يقول علي بن أبي طالب :

    يهتف العلم بالعمل إن أجابه وإلا ارتحل

    احفظ: يهتف العلم بالعمل: يا عمل؛ فإن أجابه وإلا ارتحل.

    ومعنى هذا: أن العلم إذا لم تعمل به لن يبقى عندك، ولن يستقر في ذهنك ولا نفسك، إلا إذا طبقته، وعملت به، فالذين علموا في هذه الليلة: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، إذا لم يعملوا به انتهى، ينسونه، لكن إذا حُفظ، وكلما تعرض عليهم بدعة آه، ينظرون الرسول قال: ( من عمل عملاً )، لا ينسى هذا أبداً.

    إذاً: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:63]، هل يخاطب اليهود الموجودين أو الأولين؟! قدمنا أنهم أمة واحدة، أولهم كآخرهم؛ لأنهم انتماء واحد، ولا في فرق بين يهود اليوم واليهود الذين كانوا أيام الرسول، والذين كانوا أيام سليمان وداود أو موسى وهارون، أبداً لا فرق، وما داموا أمة واحدة .. منهجاً واحداً .. عقيدة واحدة، فخطابهم واحد.

    وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة:63] وقلنا لكم: خُذُوا القرآن واحفظوه، وادرسوه، واعملوا بما فيه، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:63] عذاب الله وخزيه. وإذا بنا نقول: لا نستطيع.

    هذا واقعنا نحن يا مسلمون، أسألكم بالله: القرآن بين أيدينا أو لا؟ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب هل اجتمع أهل قرية فقط، لا أقول: إقليم ومملكة، أهل قرية فقط، اجتمعوا على كتاب الله بنسائهم وأطفالهم يدرسون ويعلمون ويعملون بما فيه؟! دلوني، هل هذا موجود؟ أوما أخذ علينا الميثاق؟ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، وهذه الآية من سورة المائدة آخر ما نزل، ومن المخاطب بهذا؟ اليهود؟ لا، والله، من هم؟ المسلمون.

    وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ متى؟ لما قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقد أعطى عهداً وميثاقاً أن يعبد الله ولا يعبد معه سواه، ولا يقر أو يعترف بعبادة غير الله، حتى الموت.

    ثانياً: أن يمشي وراء رسول الله .. أن يطيع رسول الله في السراء والضراء .. في المنشط والمكره، وفي كل الأحوال، ولا يتقدمه، ولا يأتيه عن يمينه، ولا عن شماله، وإنما يمشي وراءه حيث وضع الرسول صلى الله عليه وسلم رجله وضع رجله هو.

    فهل عرفنا وطبقنا هذا؟!

    مرة ثانية: هل اجتمع أهل قرية بنية أن يدخلوا في رحمة الله عز وجل: النساء وراء، والأطفال أمامهن، والفحول أمام الجميع، والمربي ليلة آية تكرر تكرر حتى تحفظ، ثم يبين لهم معناها بلغة لسانهم، فهمتم ما قال ربكم؟ قالوا: نعم، قالت خديجة : لا، أنا ما فهمت. اسمعي يا أمة الله، معنى الكلام كذا وكذا وكذا، فهمتم، قال فلان: أنا ما فهمت. اسمع أعيد لك، الله يطلب منا أن نفعل كذا، أو نترك كذا، أو نؤمن بكذا، حتى يفهموا.

    وأخيراً، فهمتم ما أراد الله منكم؟ ماذا أراد؟

    قال: (أقيموا الصلاة) فلا يتخلفن رجل ولا امرأة إذا نادى منادِ الله: أن حي على الصلاة. وفي يوم آخر: الله يكره .. الله يسخط .. الله يبغض الذين يمشون بالنميمة بين المسلمين، ويقطعون أوصال المؤمنين والمؤمنات. عرفتم؟ قالوا: نعم. قرأتم الآية؟ قالوا: قرأنا.

    إذاً: لا يمكن أن يرى الله في قريتنا من ينقل كلمة سوء ليحطم بها فلاناً أو يمزق صلة فلان.

    أبعد هذا يبقى ربا .. يبقى زنى .. تبقى سرقة .. يبقى دش وأغاني وأباطيل؟! لن يبقى هذا أبداً.

    أحببت أن نفهم، لا نعيب على اليهود ما هم عليه ونحن غارقون أعظم من غرقهم، غارقون متى نثوب إلى رشدنا ونعود إلى ربنا، دلونا. الواهمون: الخلافة الإسلامية .. الحاكم المسلم! هراء .. باطل، كم مرت من سنين نقول: لو خرج عمر ونحن هكذا والله ما استطاع أن يقودنا، وسيفشل معنا.

    كيف إذاً؟

    نراجع أنفسنا: هل نحن مؤمنون؟ هل نحن صادقون في إسلامنا لله الوجوه والقلوب؟

    من قال: نعم؟ إذاً: بعد اليوم لا نسمع بكلمة سوء في قريتنا .. لا نرى منظراً باطلاً بيننا .. لا يحدث حدث سوء في وجودنا، وإن نظر حراماً في عشرين عاماً .. سرق سارق في ثلاثين سنة .. زنى زانٍ، هذا لا يلتفت إليه؛ لأن الشذوذ يقع، سنة الله.

    أما هبطنا إلى الحضيض؛ الربا .. الزنا .. الغيبة .. النميمة .. الخيانة .. الكذب.

    هل أعطيكم صورة أو لا؟

    يقال: هذا الشيخ المسكين عميل .. ذنب .. كذاب .. منافق .. كافر، كذا، لو تسمعون تسجيلاته تهربون من الدنيا. هذه صورة فقط، وإلا كل علمائنا وكل رجالنا في أي قرية أو بلد إلا ويناله النقد والطعن وكذا وكذا .. لا إله إلا الله.

    ما علة هذا؟ الجهل. ما قرأنا كتاب الله، ولا جلسنا بين يدي رسول الله وتعلمنا الهدى.

    هيا نرجع؟ لا نستطيع يا شيخ؛ فالأمور كما تعرف، وكيف نترك أعمالنا، ونغلق الدكان مع المغرب، ما هو ممكن، كيف؟ ما هو ممكن؟

    إذاً: كيف نرقى .. كيف نطلع .. كيف نكمل .. نكيف نأمن .. كيف نسعد؟

    الجواب: غير ممكن.

    والله تعالى أسأل أن يعافينا وإياكم. وصلى الله على نبينا محمد وصلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755949776